روايات

رواية غرام في المترو الفصل الرابع عشر 14 بقلم ولاء رفعت علي

موقع كتابك في سطور

رواية غرام في المترو الفصل الرابع عشر 14 بقلم ولاء رفعت علي

رواية غرام في المترو الجزء الرابع عشر

رواية غرام في المترو البارت الرابع عشر

غرام في المترو
غرام في المترو

رواية غرام في المترو الحلقة الرابعة عشر

عالمي وعالمك مختلفان، مشاعرنا متشابهة، واقع منوط بآمال زائفة ربما تصبح حقيقة بعد معاناة…
كان جالساً علي الأريكة ذات الفرش القديم، يتأمل أثاث وجدران هذا المنزل البسيط، لكن تلك الخصلات الغجرية السوداء لم تذهب عن باله، فبعد أن أغلقت الباب في وجهه ركضت إلي داخل غرفتها باحثة عن وشاح ترتديه علي رأسها، بينما قامت والدتها باستقباله بعدما أخبرها بهويته.
“أهلاً وسهلاً يا بني”
كان شارداً في صورة غرام المعلقة في زاوية برفقة والدها، كما هي رائعة ابتسامتها لما تلك البسمة غادرت شفاها حالياً!
انتبه إلي ترحيب السيدة عزيزة، فألتفت إليها مبتسماً
“تسلمي يا أمي، أومال غرام فيـ…
بتر سؤاله ظهورها عندما خرجت من باب الغرفة ترتدي وشاحاً أسود وثوب فضفاض، و بشبه ابتسامه رحبت به
“أهلاً مستر رامي، يا تري إيه سبب الزيارة؟”
شعر بالحرج لكنه أخبرها رغم ذلك
“كنت بتصل عليكي من إمبارح و ما بترديش، كان فيه ورق مش لاقيه وعايزه ضروري، فقولت أجي بنفسي أسألك، أخدت عنوانك من الـ HR”
زفرت بضيق لاحظته والدتها
“كان ممكن حضرتك تستني بكرة”
انتشلته والدتها من الحرج فأخبرته بفرح
“أصل غرام من امبارح عقبالك كان فرح صاحبتها هند، فكانت مشغولة معاها”
نظر إلي غرام ويعلم جيداً عدم ترحيبها بوجوده
“ألف مبروك، عقبالك يا غرام”
“يسمع من بوقك ربنا يا بني أصل…
“ماما، شوفي مستر رامي يشرب إيه وأنا داخلة أجيب له الورق اللي عايزه”
قاطعت والدتها علي الفور قبل أن تتفوه بأمور لا تحب ذكرها أمام هذا الرامي الذي لا تحبه
نهضت عزيزة
“تشرب إيه يا بني؟”
“أي حاجة من إيديكي يا أمي”
ذهبت عزيزة، فتقدمت منه غرام وتحاول لجام زمام غضبها
“أنت إيه اللي جابك هنا؟”
نهض واقترب منها فتراجعت بخوف وتوتر
“جيت عشان اشوفك، ليكي عندي كلام كتير نفسي أقوله لك و أنتي مش بتردي علي مكالماتي، مالقتش حل أحسن أن اخد بعضي و أجيلك”
أطلقت زفرة تستعين بالصبر والاستغفار في نفسها
“بص يا أستاذ رامي مع حفظ الألقاب والحدود اللي ما بينا، كل اللي بيني و بينك شغل وبس و جوه الشركة، جو الصحاب و تليفونات ده ماليش فيه خالص”
طرقت فكرة في رأسه للتو، ربما يكسب قليل من الود وتنقشع غيمة النفور منه لديها
“ممكن تقعدي و نتكلم بكل هدوء واحترام، أنا جاي وعارف أنك مش عايشه لوحدك، أنا ابن بلد وأفهم في الأصول، و عارف ظروفك اللي تشبه ظروفي”
تنهدت ثم جلست بالحفاظ علي مسافة بينهما
“اتفضل قول اللي عندك، سمعاك”
شعور بالنصر وبسمة ظافر كسب المعركة قبل الخوض في حرب
“بعتذر علي أي كلام قولته ليكي في الشركة، ماكنتش أقصد أجرحك و لا أقل منك، بالعكس كنت عايز انبهك قبل ما تقعي في فخ يوسف الشريف زي أي بنت قبلك”
“الظاهر يا أستاذ رامي، ماكنتش سمعتني كويس لما قولتلك إن أنا كل اللي بيني و بين مستر يوسف شغل وبس، مش محتاجة حضرتك توضحلي أي حاجة أو تعتذر”
“ما أنا مش جاي أعتذر وبس”
ابتلع ريقه قبل أن يتردد فأخبرها
“أنا جاي أطلب إيدك من والدتك علي سنة الله ورسوله”
❈-❈-❈
علي كلمات وألحان أحد الأغاني التي يعترف بها العاشق لمحبوبته عن حبه و كيف هي أسرت جوارحه في محراب قلبها، فكان ذلك علي غرار ما يشعر به حسن، الذي استسلم للحب من أول نظرة إلي ابتسام، لن يكن في علمه يوماً أنه سوف يجلس جوارها علي كورنيش النيل كما اختارت، يتبادلان الأحاديث المرحة وأخرى جادة، لكن هي المستمع غالباً بينما هو المتحدث أكثر.
“علي فكرة يا بوسي من وقت ما جينا وقعدنا وأنتي قليل لما بتتكلمي، وأنا اللي عمال أتكلم عن نفسي وأحكيلك عن حياتي كلها، حسك مضايقة، متوتره، أنا قولتلك مستأذن من ماما عزيزة و من غرام، يعني ما بنعملش حاجة من وراهم”
لا يعلم ما يدور في ذهنها والذنب الذي يؤرقها منذ ليالي، تتذكر رسالة واردة من عثمان و كان محتواها سؤاله عن حالها و يذكرها بحبه وشوقه إليها، وسوف يبذل قصارى جهده في العمل والحصول علي مبلغ يؤهله لتأسيس عش الزوجية، كيف ذلك وهي قد أصبحت لغيره بإرادتها، تشعر بالخيانة بالرغم أنها لم تحبه يوماً كما أحبها!
“ابتسام، ابتسام؟”
يناديها ويلوح بيده أمام عينيها حتي انتبهت إليه
“آسفه، سرحت شوية”
“يا تري كنتي سرحانة في إيه؟”
دفنت ما تشعر به خلف ابتسامة زائفة وتخبره كذباً
“كنت بتخيل اليوم اللي هخلص فيه الامتحانات و النتيجة طلعت و جيبت مجموع يدخلني كلية من كليات القمة، وأخلي ماما وغرام يفرحوا ويتفاخروا بيا”
“بإذن الله هيجي اليوم ده، بس عايزك تحطي في دماغك حاجة، و هي أنك لما بتبني مستقبلك ده بيكون عشانك أنتي، مش عشان حد، و مش كل النجاح متمثل في كليات القمة، ممكن تكوني خريجة أي كلية سواء العملية أو النظرية بس تشتغلي شغلانة مالهاش علاقة بدراستك، و تكوني ناجحة جداً فيها بسبب خبرة اكتسبتيها من خلال التعاملات أو التدريبات والكورسات، ما تحطيش سقف لطموحك”
“فعلاً كلامك صح، وعندي أحلام كتير نفسي أحققها”
“ما تقلقيش يا حبيبتي، هافضل في ضهرك وهاكون أكبر داعم ليكي لحد ما تحققيها، و أتمني أكون من ضمن أحلامك”
مد يده ليمسك بيدها فانتفضت ونهضت تتهرب من الموقف الحرج
“شوفت خدنا الكلام وكنت هانسي ميعادي مع منة صاحبتي، هاعدي عليها هاخد منها ملزمة مراجعة العربي”
ابتسم وأمرها
“خليكي مكانك دقيقة واحدة”
نهض وسار نحو سيارته، وكانت تجلس بمفردها فإذا بثلاثة شباب يبدو علي وجوههم معالم الفسق وفساد الأخلاق، تقدم احدهم عن صاحبيه يقول بخلاعة
“الحلو قاعد لوحده ليه، مصلحة ولا مروحه يا مزه؟”
اتسعت عينيها بصدمة ولم تستطع الإجابة، تنظر من حولها بذعر
“إيه يا حلوة، القطة كلت لسانك ولا….
“أنا اللي هاقطعلك لسانك ده يا…. منك ليه”
صاح حسن كالوحش الثائر، مصاحباً صياحه لكمات أخذ يوجهها لكل واحد من الفتية علي حده، صرخت ابتسام لاسيما بعد أن استطاع احدهم بتكبيل ذراعي حسن خلف ظهره
“حسن”
صرخت بها وتري الشاب الثاني يقف أمامه ويكيل له لكمة قوية، استطاع حسن أن يتفادها، هبط بجذعه لأسفل وفك ذراعيه
“ألحق يا حسن”
تنبهه من الضربة التي كادت تصيبه خلف رأسه، وخلال ثوان بعد شجار حاد صدح صوت تنبيه سيارة الشرطة، انتبه الشباب إليها فتوقفوا عن مهاجمة حسن وأطلقوا ساقهم للريح.
هبط الضابط من سيارة الشرطة
“روح أنت وهو هاتولي العيال ولاد….. وخدوهم علي القسم”
وألتفت إلي حسن و كاد يوبخه ظناً منه أنه شاب يتسكع مع فتاه علي الطريق، صاح بمرح
“إيه ده أبو علي؟”
اعتلت الدهشة ملامح حسن الذي ردد
“سامي البنا؟!”
تصافح كليهما ويبدو أنهما علي سابق معرفة، تبادلان الحديث
“سامي يا ابتسام يبقي كان جاري وصاحبي لحد ما كنا ثانوية عامة، بعد كدة اختفي لما اتنقل هو وأهله للتجمع”
“أهلاً وسهلاً بحضرتك”
“أهلاً يا عروسة، ربنا يتمملكم علي خير، وأوعدك العيال ولاد الـ…. هربيهم وهخليهم لو شافوا أي بنت يلفوا من أي شارع تاني”
اكتفت بإيماءة شكر وطيف ابتسامة، ربت حسن علي كتف الأخر
“قدها وقدود يا حضرة الظابط”
“مضطر أسيبكم بقي يا دوب أرجع علي القسم أنفخ العيال دول، ماتنساش تتصل بيا يا أبو علي، و أبقي اعزمني علي فرحكم هستناك”
“بإذن الله”
وبعد ذهاب صاحبه الضابط عاد ينظر إليها أطلق زفرة وسألها والقلق جلي داخل عينيه
“أنتي كويسة؟”
أومأت له بنعم ثم قالت
“ممكن نمشي؟”
“اتفضلي”
أشار لها لتذهب وتدخل إلي سيارته ليعود بها إلي منزلها وكان الصمت رفيقهما الثالث طول الطريق أو ربما هي مَنْ أثرته.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين…
كانت تتجنب الظهور أو التعامل المباشر مع رامي وخاصة بعد مطلبه المرفوض بالنسبة إليها، فهي تسعي هنا داخل الشركة من أجل العمل، وبالنسبة إلي يوسف كان كلما أراد التحدث إليها في نطاق خارج العمل كلما فرت بإطلاق حُجة زائفة، لكن داخل قلبها قد وُلد شعور نحوه تريد وأده قبل أن يترعرع ويكون بداية النهاية لقصة حب تتحدي المحال.
ولننتقل إلي مكتب رأفت الشريف، لم يأت بعد وكانت سوزي تجلس خلف مكتبه، ترتب الأوراق، انتبهت إلي إطار الصورة التي تجمع رأفت بزوجته وولديه، أخذت تنظر إلي ملامح منيرة الصارمة، أخرجت لسانها وكأن الأخرى تراها
“مش عارفة جوزك طايقك إزاي؟!”
فُتح الباب فجأة، تركت الإطار بتوتر ظناً أن الذي ولج للتو رأفت فوجدته نور، أغلق الباب خلفه سريعاً
“وأنا قالب عليكي الشركة، أتاريكي قاعدة هنا؟”
نهضت واقتربت منه بدلال سخي
“حبيبي يا نور عيوني، معلش كنت مشغولة وبحضر أوراق وعقود هيمضيها رأفت بيه أول ما يجي”
ابتلع ريقه وتحركت حنجرته «تفاحة آدم» صعوداً وهبوطاً
“تولع الأوراق والعقود، أنا بقالي كذا يوم مش عارف أشوفك أو نتكلم بسبب الشغل، أنا خلاص ما بقتش قادر أبعد عنك أكتر من كده”
انهي حديثه وجذبها بين ذراعيه وانهال علي شفتيها بقبلات همجية، تحاول التملص منه ومن قبلاته
“أوعي يا نور، كفاية جنان، رأفت بيه زمانه جاي”
“ما يجي، أنا قافل الباب من جوه”
استطاعت الانفلات من يديه وذهبت نحو الباب تحاول فتحه
“بطل تهور، هنا في الشركة ما…
تلاشت الحروف من بين شفتيها عندما فتحت الباب ووجدت رأفت أمامها، وجد ابنه يقف خلف مساعدته، نظراته تكفي بأن تجعلها ترتجف من داخلها، هيهات وكالأفعى تمكنت من إخفاء جميع الشكوك لدي زوجها
“أهلاً وسهلاً يا رأفت بيه، حضرت لحضرتك الأوراق والعقود وكان نور بيه بيراجعهم معايا قبل ما اسلمهم ليك”
نظر إلي نور وأشار بعينيه إلي الخارج
“ارجع علي مكتبك وحضر ملف خط الإنتاج”
“أمرك يا بابا”
وغادر المكتب علي الفور، تتابعه سوزان حتي وجدت من يجذبها إلي الداخل، وصفق الباب بقوة ثم أغلق القفل
“فيه حاجة يا رأفت ولا إيه؟”
أطلقت صرخة ويجذبها من رسغها، دفعها نحو الباب حيث يلتصق نصف وجهها وخصلات شعرها في قبضة رأفت، وذراعها الأخر يثنيه خلف ظهرها، هسهس بالقرب من أذنها محذراً إياها
“لو شوفت الباب مقفول عليكي أنتي وأي واحد حتي لو ابني مش هاقولك أنا ممكن أعمل فيكي إيه”
هز خصلاتها ورأسها بعنف
“أنتي فاهمة؟”
“حاضر، حاضر”
ترك شعرها فألتفت إليه وبمكر حرباء تتمكن من السيطرة والتلون بنجاح
“حقك عليا يا بيبي، مش هاكررها تاني، أهم حاجة مش عايزاك تزعل مني”
اقتربت منه وقامت بتقبيل وجنته، تطلق كل ما تمتلكه من شباكها كأنثى العنكبوت، تمكنت من تهدئته واللعب علي رغبته التي لا تكل و لا تمل نحوها، تهمس جوار أذنه بفحيح أفعى ساحرة
“وحشتني أوي يا رأوفتي”
ابتعد عنها وحاول التظاهر أمامها بعدم التأثر بسحرها الأسر، جلس خلف مكتبه وهيهات وخارت قواه
“تخلصي شغلك النهاردة وتسبقيني علي شقتنا”
أطلقت ضحكة تجلجل صداها بين الأرجاء
“عينيا يا باشا، و هعملك أحلي أكل تاكل صوابعك وراه”
حدق إليها بشوق ورغبة سافرة
“لما نشوف”
“هاروح أجيبلك باقي الأوراق ومعاها القهوة اللي بعملهالك بإيديا”
تركته وغادرت الغرفة، وفي الخارج توقفت تتنفس الصعداء حتي لاحظت بطاقة ورقية مقلوبة أعلي مكتبها، أمسكت بها وقرأت المدون عليها بقلم نور
«هستناكي بعد ما نخلص شغل في شقتك الجديدة يا حبيبتي»
❈-❈-❈
ولدي مكتب يوسف، غارقاً بين مهام مراجعة بعض الأعمال علي الحاسوب، توقف عن النقر علي لوحة المفاتيح ونظر إلي ساعة هاتفه وردد في نفسه
“معقول ماجتش لحد دلوقت”
رفع سماعة الهاتف الداخلي، أتاه صوتها
“أمرك يا مستر يوسف؟”
“جيتي أمتي؟”
“وصلت من شوية وبحضر لحضرتك الملفات”
“سيبي اللي في إيديكي وتعالي عايزك”
“حاضر”
وضعت السماعة وتسأل نفسها بتعجب
“يا تري عايزني فيه إيه؟، معقول رامي حكي له عن اللي حصل؟”
نهضت وفتحت باب الغرفة فوجدت باقة من الزهور الحمراء أمامها مباشرة، يمسكها رامي وينزلها قليلاً ليظهر وجهه مبتسماً من خلف الورود
“صباح الخير”
نظرت بضيق
“صباح النور، عن إذنك مشغولة”
أمسك رسغها وأوقفها
“غرام، أنا مازالت مصمم علي طلبي لحد ما توافقي، أنا بحبك وعايز أتجوزك”
أطلقت زفرة بضيق، تجذب رسغها من يده
“لو سمحت ياريت تلتزم حدودك”
“آسف، مكنتش أقصدك أمسك إيدك، بس عايز منك رد بدل هروبك مني زي كل مرة”
وبالعودة إلي يوسف، كان يحتسي قهوته وينظر من خلف النافذة الزجاجية، لاحظ تأخير غرام، انتهي من قهوته، ترك القدح أعلي المكتب وقرر أن يذهب إليها، وما أن فتح الباب ليجد ماهي قد خرجت للتو من المصعد وهرولت نحوه بسعادة
“good morning Jo, imiss you”
لم تعط إليه فرصة الرد فقامت بعناقه بل وتقبيله من وجنته، كان ذلك المشهد للمرة الثانية تراه غرام، تشعر بغصة علقت في حلقها، لاحظ رامي سبب وقوفها وإلي أين تنظر، وقف خلفها واقترب بشفتيه بالقرب من أذنها يوسوس إليها
“تعرفي إن ماهي دي دوخته سنة بحالها لحد ما رضيت تكلمه، أصل يوسف طول عمره كده، يجري ورا أي واحدة تقوله لاء”
عقبت بصوت لا يسمعه سواهما
“وأنا عمري ما كنت هقول اه، كل واحد فينا من عالم غير التاني”
وقف أمامها مباشرة يقطع مشهد قرب ماهي من يوسف أمام عينيها، يخبرها برجاء زائف ربما حقيقي داخله لكنه ينكر ذلك
“اديني فرصة، مش يمكن موافقتك دي بداية أن أتغير علي إيديكي، ما تخافيش هاتكون فترة خطوبة”
لم تنتبه إليه إطلاقاً بل كانت تراقب يوسف وماهي التي تمسك بيده وتضحك
“ها يا غرام، قولتي إيه؟”
تخطه وابتعدت عنه وذهبت نحو يوسف لتقطع علي ماهي ضحكتها
“مستر يوسف، حضرتك كنت عايزني في حاجة؟”
ألتفت لها جاذباً يده من يد ماهي
“اه، كنت عايزك في…
قاطعه مشهد رامي القادم نحوهم والابتسامة من الأذن إلي الأذن الأخرى، كان عليه استغلال ذلك الموقف كما تلقي التعليمات جيداً أو كما هو أراد هذا حقاً
“مش تباركلنا يا چو؟”
“أباركلكم؟، أنت ومين علي إيه؟”
نظر إلي غرام التي لا تقل عن حال يوسف، تحاول إدراك ما يخبرهم به رامي في ذهول وصدمة وذلك بعد جوابه
“أنا وغرام اتخطبنا، عقبالك أنت وماهي”
ألجمت الصدمة لسانها، تري ألسنة اللهب في عينين يوسف، فحديث العيون أبلغ من آلاف الكلمات
عقبت ماهي التي وجدت أنها الفرصة وعليها أن تغتنمها، أمسكت يد يوسف واخبرتهم
“مبروك يا رامي أنت وغرام، أنا و چو برضو خطوبتنا قريب”
ونظرت جوارها وسألت يوسف الذي ظل يرمق غرام بنظرات نارية وهي تهز رأسها تنفي ما تسمعه
“صح يا چو؟”
كادت غرام تنكر حديث رامي، بينما صدمة أخرى يوقعها يوسف عليها انتقاماً
“ألف مبروك يا غرام، أنا عازمكم الجمعة الجاية علي خطوبتي أنا وماهي”
❈-❈-❈
قد استسلم إلي النوم في ساعة متأخرة حيث كان ينتظر زوجته التي قضت أغلب اليوم في مهام المنزل بأكملها، تعمد كل من والدة زوجها و ابنتها ترك الأشغال المنزلية علي العروس، وبعد أن انتهت زوجته من عمل كل ما سبق ذكره ارتمت علي الفراش من فرط التعب، ومضت الليلة مثل حال الليالي السابقة.
وفي الخامسة فجراً استيقظ علي صوت ضوضاء مزعجة آتيه من الردهة، نهض ليري السبب، ارتدي قميصه القطني علي جذعه العاري، خرج فوجد شقيقته تشاهد التلفاز وصوته مرتفع أكثر من المعدل الطبيعي.
“جري إيه يا دلال، أنتي عايشة لوحدك هنا و لا إيه؟، ما توطي المخروب ده بدل ما أجي أكسره”
أمسكت بجهاز التحكم وقامت بالضغط علي كاتم الصوت ونهضت ثائرة بغضب جم
“أنت اللي مالك بيا، أنا حره، أتفرج وأعلي وأوطي التليفزيون براحتي، قاعدة في بيت أبويا واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل”
طرقت فوق حديد ساخن فازداد اشتعالا، صاح بصوت جعل زوجته ووالدته استيقظا بذعر
“اتلمي يا دلال أحسنلك، أنتي من وقت ما جيتي وعمالة تعملي حركاتك اللي من تحت لتحت، و لا مراتي اللي سايبين كل حاجة عليها كأنها خدامة”
وضعت يديها علي جانبي خصرها وتشدقت
“الله، الله، قول بقي كدة، الهانم اشتكت لك ولحقت تقومك علينا، كل ده عشان جيت أقعد في بيت أهلي اللي ماليش غيره، و علي رأي المثل البيت بيت أبونا والغرب جايين يطردونا”
اقترب منها كالوحش الضاري، يكور يده جانبه
“اتلمي يا دلال وحطي لسانك جوه بوقك، بدل وعزة جلال الله هاتشوف وش مني عمرك ما شوفتيه”
خرجت هند تمسك بتلابيب المأرز، تحاول استيعاب ما يحدث
“إيه اللي بيحصل يا جمال؟”
“فيه إن جوزك بيعلي صوته علي أخته الكبيرة و كله بسببك يا حربوقه”
اتسعت عينان هند بصدمة من اتهامها ظلماً وإهانتها
رفع يده في الهواء
“لفظ تاني هاتقوليه لمراتي لهاكون….
“إيه، هاتمد إيدك علي أختك وأنا لسه عايشة يا جمال”
قاطعته والدته
“عجبك يا ماه اللي بنتك بتعمله و كمان بتقل أدبها علي مراتي؟”
نظرت إلي ابنتها بتحذير لتصمت
“ادخلي علي أوضتك وملكيش دعوة بحد”
ثم نظرت إلي زوجة ابنها
“وأنتي خدي جوزك ويلا علي أوضتكم”
اقتربت هند من زوجها تمسك ذراعه ليعود معها إلي غرفتهما، توقف قبل أن يولج إلي الداخل وأخبر والدته بالأحرى حديثه موجهاً إلي شقيقته
“أنا كرامة مراتي من كرامتي، و اللي هايفكر يجرحها بكلمة هيلاقيني فمحدش فيكم يجي يزعل مني علي اللي هاعمله”
ترك والدته وشقيقته يشتعل كليهما من الغيظ والحنق، نظرت عطيات إلي ابنتها بلوم
“عاجبك كده؟!، هو ده كان اتفقنا برضو؟، أديها نجحت تخليه في صفها ووقف قصادك وقصادي بيهددنا، كل ده عشان خاطر بنت خيرية”
وبالداخل كان يجلس علي طرف الفراش، ربتت هند علي ذراعه علّه يهدأ قليلاً
“خلاص يا حبيبي حصل خير، اعذرها ظروف طلاقها واللي حصل معاها مخليها في الحالة اللي هي فيها”
“علي نفسها مش علينا، تقعد باحترامها زي ما احنا قاعدين باحترامنا، و تحترمك قبل مني”
“قوم اتوضا، الوضوء هيطفي نار الغضب اللي جواك، و أنا هاروح أعملك كوباية عصير ليمون باللبن تروق أعصابك”
تبدلت ملامحه من الغضب إلي اللين، يمسك يدها وظل يتأمل ملامحها الوديعة الصافية، سألها مبتسماً
“أنت حلوة كده إزاي؟”
احمرت وجنتيها خجلاً من إطرائه فتابع
“شكلك وروحك و قلبك كل حاجة فيكي حلوة، أنا ربنا بيحبني أوي عشان رزقني بيكي، مستحملة ظروفي و ظروف أهلي برغم معاملتهم الوحشة معاكي”
“أنا اللي ربنا بيحبني عشان رزقني بيك، بتحبني و بتخاف عليا ومش بتسمح لأي حد يمسني بكلمة”
أمسك يدها ووضعها بين كفيه
“أوعدك قريب أوي هلاقي شقة إيجار ننقل فيها، مفيهاش حد يضايقك و هتبقي شقتك مملكتك تعملي فيها اللي أنتي عايزاه”
“أنا أي مكان وأنتي معايا بيبقي مملكتي، وجود جمبي عندي بالدنيا بحالها”
صاح مهللاً بسعادة
“وعدي يا وعدي، أنا كدة ملك زماني و محدش قدي”
“وطي صوتك ليسمعوك بره، خليك هاروح اعملك العصير وراجعالك بسرعة”
أوقفها يمسك يديها
“مش عايز أشرب عصير”
سألته دون إدراكها لما يقصده
“أومال نفسك تشرب إيه يا حبيبي؟”
جذبها فوقعت جواره، همس بالقرب من أذنها
“مش عايز أي حاجة غيرك أنتي”
وتبع القول فعلاً وكان للعشق سطوة لن يستطع المحبين مواجهتها، سرعان تنجرف القلوب داخل عاصفة من المشاعر الحارة.
❈-❈-❈
تجتمع عائلة الشريف حول المائدة، لاحظت منيرة غياب زوجها الذي لم يأت منذ الأمس، و كذلك ابنها يوسف.
“ماتعرفش حاجة عن باباك وأخوك؟”
ابتلع نور ما بفمه فاخبرها
“بابا قالي أنه هيبات في الشركة سهران علي مراجعة شوية أوراق، و يوسف مشي بدري إمبارح وجه علي هنا، هتلاقيه في أوضته نايم لسه”
“صباح الخير”
أطلق يوسف الذي ظهر للتو تحية الصباح، نظرت إليه والدته
“صباح النور، لما أنت كنت هنا إمبارح من بدري ما نزلتش اتعشيت معانا ليه”
جلس علي كرسي المائدة وأخبرها باقتضاب
“تعبان شوية”
حدقت إليه بدهاء وسألته بمكر
“و هو فيه واحد المفروض خطوبته بعد أسبوع، يبقي قاعد مكشر وزعلان كده؟”
تركت كاميليا الشوك والسكين
“oh my god ”
ابتسمت وتابعت
“مين دي يا چو اللي قدرت توقعك وتقنعك بالخطوبة والجواز”
عقب زوجها ساخراً
“يمكن اتغاظ من رامي صاحبه اللي خطب البنت السكرتيرة اللي اسمها غرام”
طيف ابتسامة علي شفتيها، يتضح النصر في عينيها، سرعان اخفت البسمة والنظرة
“رامي وغرام مين دول جمب أخوك يوسف وماهي بنت الحسب والنسب، وجميلة وشيك”
“عن إذنكم”
نهض يوسف فجأة دون تعليق وترك كل ما يقال خلف ظهره، يكفي ما يشعر به من نيران الغيرة والغضب لاسيما ذكر شقيقه لإعلان خطوبة صاحبه علي الفتاة الوحيدة التي أحبها بصدق، أجل اختطفت قلبه من أول نظرة دون الاكتراث إلي الفروق التي بينهما، فهي مختلفة عن الفتيات اللاتي تعارف عليهن من قبل، هي التي في حضورها يصبح عقله غائب وفؤاده في حرم عشقها أسير.
❈-❈-❈
و لدي غرام كانت في نوبة من البكاء، أقل وصفٍ لما تشعر به منذ البارحة هو الاحتراق، تحترق من الداخل، كانت تنكر كل مشاعرها حقاً حتي ظهرت عندما تلاقت عينيها بخاصته و كليهما يسمع خبر الخطبة، رغماً أن الخبر الخاص بها زائف، فكان السؤال الذي دار بينهما بلغة العيون الأمس هو -لماذا؟- لماذا تفرقنا قبل أن نجتمع، لماذا وأد الحب قبل أن يعترف كل منهما إلي الأخر؟!
اقتربت أحلام وجلست جوارها، قامت غرام سريعاً بتجفيف دمعها.
“لسه برضو مش عايزه تقولي مالك؟، عياطك ده بيقول أن ورا دموعك راجل، مين ده بقي اللي قدر يخلي غرام بنت عبدالرحمن المصري اللي عمرها ما اعترفت بحاجة اسمها حب، قدر هو وخلاها تحبه؟”
“معلش يا أحلام مش قادرة أتكلم، أنا قايمة ألبس وهامشي لأتأخر علي الشغل”
أوقفتها شقيقتها بسؤال اهتز له قلبها
“أنتي حبيتي الجدع اللي اسمه يوسف؟”
هنا لن تتحمل وانهارت كل حصونها فاطلقت العنان لعبراتها من جديد، تخبرها بحقيقة لم تكن تتوقع الاعتراف بها يوماً
“أنا بحب يوسف يا أحلام”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرام في المترو)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى