روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندا حسن

موقع كتابك في سطور

رواية بين دروب قسوته الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء التاسع عشر

رواية بين دروب قسوته البارت التاسع عشر

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة التاسعة عشر

“في لمحة خاطفة عادت من المـ ـوت إلى السعادة”
تعرق بكثرة في نومته، المياة تُسير على وجهه وعنقه ومقدمة صدره بغزارة، يضغط على عيناه بقوة وهو نائم على ظهره يشاهد كابوس بشع مر أمامه في نومته!.. فتح عينيه على مصراعيهما وانتفض جالسًا على الفراش يتنفس بصوت عالٍ وأنفاسه مسلوبة منه بغير إرادة..
مر شريط كابوسه على عقله وهو جالس على الفراش يحاول أن ينظم وتيرة أنفاسه، والتفت برأسه إلى الطرف الآخر من الفراش بقلق ولهفة ليراها تنام جواره سالمة بوجه صافٍ بريء
تنهد بضيق وهو يمسح على وجهه ثم وقف على قدميه وتوجه ناحية المقعد أمام الفراش وجلس عليه، ألقى ظهره للخلف يستند إلى ظهر المقعد وجسده مُرتخي للغاية مازال مُتأثرًا مما شاهده..
لقد كان كابوسًا بشع للغاية، لقد قتـ ـلها به وجلس يبكي جوارها؟ قـ ـتل حبيبته بعد أن أصبحت زوجته وملك له ثم جلس على الأرضية ينظر إليها باكيًا يندب حظه معها!.. يا الله.. لقد كان عذاب شديد للغاية..
شعر بذلك الشعور الذي لطالما تمنى أن لا يتوصل إليه بحياته، حتى عندما تأكد من براءتها في الحقيقة أتى المنام ليجعله يشعر بوخزة رجولته وطعنته الذي أخذها في ظهره منها.. يعتقد أن ذلك عقاب.. عقاب كبير لا يستطيع أن يعترض عليه
مسح على وجهه ثانيةً ونظر إليها وهي نائمة كملاك، والله هي ملاك لا مثيل له منذ البداية وهو يقول عنها هكذا، تنام على الفراش تأخذ حيز صغير للغاية بقميص أبيض كان رائع عليها، بعينين بريئة مغمضة وشفتين مضمومتين يالا روعتهما، تلك الأهداب ووجنتيها المُكتنزة وكل ما بها..
خيال يسبح به، صنع خالق يتأمله بتمعن وبطء وتروي، كي يفهم الحكمة من كل هذا الجمال..
وقف على قدميه وجلب علبة سجائره من على الطاولة ثم ذهب إلى شرفة الغرفة وفتحها بهدوء كي لا تستفيق ودلف إليها ومرة أخرى أغلق بابها ساحبًا إياه..
وقف في الشرفة وأشعل سيجارته ينظر إلى الخارج ورفع يده إلى فمه يشتنق الدخان بشراهة مُتذكرّا ما حدث بينهم منذ ساعات..
“نال منها ما يريد وشعر بأنه يسبح في عالم خيالي ليس موجود على أرض الواقع الذي يعيش به معها، أخذ ما طلب ونال مُراده وليته لم ينوله يومًا، هذه كانت المرة الأولى وحدث من خلالها إدمان لوجودها معه بتلك الطريقة، شعور لا يوصف مع زوجته حلاله وملكه.. شيء لم يكن يأتي على خلده في يوم من الأيام والشعور باللذة فاق كل شيء..
تأكد من براءتها وعفتها، تأكد من أنها ابنة عمه البريئة النقية التي لطالما كانت وستكون كما هي، تأكد من أن كل ما حدث ما كان سوى خطة قـ ـذرة من صديقتها وابن عمها للتفرقة بينهم بهذه الطريقة.. “إيناس” لديها عنده مفاجأة ولكن هو صبور للغاية ويحب ذلك..
ابتسم وهو يقترب منها على الفراش ناظرًا إليها بشغف وحب كبير وهناك رغبة حادة تلح عليه أن يأخذ المزيد:
-ألف مبروك.. دلوقتي بس أقدر أقولها
رفعت عينيها إلى عيناه بهدوء وخجل بتلك الحمرة المشتعلة على وجنتيها:
-الله يبارك فيك
تابع قائلًا هذه المرة بجدية:
-أنا عايز أتكلم معاكي
أجابته وهي تتابع عيناه بهدوء وتروي تهتف بنبرة خافتة:
-أنا كمان عايزة أتكلم معاك
رفع يده الذي كان يستند بها على الوسادة مقدمها إلى يدها على ركبتها، تمسك بها جيدًا ونظر إليها بهدوء وجدية بذات الوقت:
-سلمى أنا بحبك.. بحبك دي كلمة قليلة على اللي جوايا ليكي.. أنا بدمنك، مكنتش اتمنى نبعد أبدًا مهما حصل بس أنا عايز أقولك إن والله العظيم أنا مخونتكيش لما شوفتيني في النايت، أنا معرفش البنت اللي كانت معايا جت امتى وإزاي أنا حتى وأنا سكران وبقعد مع ستات ببقى أنا اللي جايبهم وبحس باللي بعمله لكن دي لأ أنا مش كداب أنا عمري ما كدبت عليكي.. أنتي حتى على طول بتقولي إني بجح بسبب إني بقول الحقيقة حتى لو وحشه
أومأت إليه برأسها وعينيها مازالت تتابع عينيه بتركيز، تود أن تستمع إلى كل حرف يأتي منه وتقتنع به، لا تريد الفراق مرة أخرى فهي قد اكتفت، قالت بعقلانية:
-أنا فهمت بعدين إن إيناس اللي عملت كده وقولتلك إن هي اللي صورتك ليا وقالتلي على مكانك
أغمض عيناه على ذكرها، لديه ماضي معها لا يريد ذكره ولا تذكره، قد يكون القشة التي قسمت ظهر البعير:
-عارف يا سلمى.. دي حاجه، لأ دي أهم حاجه واللي خلقت كل ده بينا أنا مخونتكيش.. الحاجه التانية الصور اللي هددتك بيها.. الصور دي إيناس اللي بعتتها ليا وأنا فعلًا اللي سرقت موبايلها بس علشان احميكي مش علشان حاجه تانية
تسائلت بنبرة جادة متابعة لملامحه:
-وليه فضلت الصور معاك؟
أخفض وجهه للحظة على الفراش ويدها بين يده ثم رفع وجهه وعينيه إليها قائلًا:
-فضلت يا سلمى.. لكن عمري ما كنت هأذيكي بيهم مهما حصل
عقبت على حديثه بثقة وتأكيد وهي تعلم جيدًا أنه لا يستطيع فعلها ويقوم بإلحاق الأذى بها:
-أنا كنت متأكدة من ده بس كلامك وطريقتك خوفتني وفي نفس الوقت فوقتني
أكملت ناظرة إليه بعتاب ونظرتها منكسرة من عينيها الزيتونية تجاهه تلومه على تفكيره وكل أفعاله:
-أنا كنت واثقة فيك وعارفه ايه اللي ممكن تعمله وايه اللي لأ.. بس أنت!.. أنت شكيت فيا بدل المرة كتير في حاجه مستحيل أعملها ولو على رقبتي
برر موقفه ودافع عن نفسه وهو يسرد عليها كل خطأ توجهت نحوه وفعلته وهي بعيدة عنه:
-شكيت فيكي لأنك اتخليتي عن مبادئك سهر وبقيتي بتسهري وفي أماكن وحشه أنتي كنت طول عمرك بتكرهيها، شقق وبقيتي تروحي ومتقوليش مع ناس عرفاهم.. كان معاكي راجل لو هو تمام التمام وإيناس كمان زيه أقل مسكة ايد منك كان هيبقى عايز يقربلك
تابع بحرقة وكره شديد لكل ما حدث بينهم في هذه الفترة:
-غير اللي إيناس قالته ليا وأنتي بنفسك سمعتي أول مرة أنا مصدقتش على الرغم من أن كلامها كان صح ولقيت الزفت ده عندنا في البيت بيتقدملك.. بس قولت لأ مش سلمى اللي تعمل كده، لكن هو كمان يقول ويقول على حاجه فيكي أنا نفسي معرفهاش وألاقيها لأ صعب يا سلمى صعب
نظرت له وهو يسرد حرقته ولهفته، حديثه به منطق وأي شخص مكانه لفعل، هي نفسها لم تكذب فكرة أنه يخونها ومن بعدها حدث كل هذا الخراب..
قالت بنبرة مُستنكرة وهي رافعة حاجبيها للأعلى تتحدث بجدية:
-أنا لحد النهاردة معرفش هو إزاي عرف مكان الحسنة اللي في ضهري
تابع على حديثها قائلًا باندهاش:
-أهو ده اللي جنني أنتي قولتي كمان إن إيناس مشافتهاش لما سألتك.. حتى لو كنتي كدبتي وقولتي شافتها كنت أنا هسكت وأعرف أنها هي اللي قالتله لكن أنتي قولتي لأ
صمتت للحظة وهي تنظر إليه، الحديث بهدوء كهذه اللحظات من أفضل أنواع النقاش والتفاهم، ماذا لو كان حدث ذلك قبل عامين؟..
في لحظة خاطفة طرحت عليه سؤال غير متوقع أبدًا:
-أنت ليه كنت متأكد من إن إيناس هي اللي عملت كل ده بينا.. وأنها وحشه أوي كده
نظر في عينيها مُباشرة، أيتحدث؟ لا سيكون سخيف للغاية إن تحدث الآن وقال لها ما كان بينهم، ترك يدها وحك أرنبة أنفه بإصبعه الإبهام ثم هتف:
-من أول يوم شفتها معاكي فيه وأنا قولتلك أنها بنت مش كويسه.. واحده بتسكر وتسهر مع رجالة في أماكن وحشه هتبقى ايه
أومأت برأسها مُقتنعة بحديثه ولكنها مرة أخرى قالت:
-طب هي ليه كانت عايزة تفرقنا.. ليه عملت كل ده أنا معملتش فيها حاجه أنا حتى عرفتها بالصدفة.. يعني مكانتش مرتبة أنها هي اللي تعرفني لأ أنا اللي كلمتها الأول
حرك كتفيه للأعلى والأسفل بعدم معرفة ولوى شفتيه ثم قال:
-مش عارف بس يمكن تكون مزقوقه علينا ودي كانت خطتها.. إنك أنتي اللي تعرفيها الأول وتكلميها
تسائلت وهي تحرك رأسها باستغراب:
-مزقوقه من مين
قال بعفوية كي ينتهي من الحديث عنها ويتجه إلى شيء آخر لأنه لا يضمن مدة سكوته:
-من عمها وابنه مثلًا منا قولتلك قبل كده دول منافسين كبار لينا ومش بس كده ناس قادرة متعرفش الحلال من الحرام نهائي كل شيء عندهم مباح حتى القـ ـتل
مرة أخرى تردف بغباء:
-وهما مالهم بيا
ابتسم ساخرًا من كتلة الغباء المتحركة الموضوعة أمامه:
-علشانا إحنا مثلًا.. علشان يوصلولنا
صمتت بعد أن انتهى من حديثه وعقلها كان يعمل والتفكير داخله يدور بآلات في الداخل لا تتوقف أبدًا
استمعت إليه مرة أخرى يقول بنبرة رجولية خشنة:
-أنا بحبك ومش مستعد أخسرك لأي سبب.. عيني عمرها ما فرحت بنظرة واحدة غيرك ولا قلبي عمره دق لواحدة غيرك.. من دلوقتي بقولك إني رميت كل اللي كان عندي عليكي وببدأ من جديد ومستني موافقتك
جذبت يدها منه فنظر إليها بخوف وقلق لما قد تبتعد! ولكنه وجدها هي من تتمسك بيده فارتاح قلبه وتابع نظراتها المليئة بالحب وهي تقول:
-وأنا بحبك ومش مستعدة أخسرك لأي سبب.. أنا خسرت كتير ومفاضلش غيرك نقطة ضعفي.. نفسي تتحول لقوة وأضمن وجودنا مع بعض طول العمر
أبعد يده منها وأقترب جاذبًا إياها إليه واضعًا يده الاثنين خلف ظهرها يدلف بها في عناق أبدي وكأنه ملحمة ملتهبة للعشاق وأردف بثقة وهو على هذا الوضع بجوار أذنها:
-أنا نقطة قوة ليكي مش ضعف.. معاش ولا كان اللي يضعفك، أنا جنبك وفي ضهرك طول العمر مهما حصل بينا ولحد آخر نفس فيا
عادت للخلف وهو الآخر واضعًا يده الاثنين حول وجنتيها يعيد خصلاتها الذهبية الرائعة إلى خلف أذنها وينظر إليها بعينين لامعة بالحب والسعادة..
ثم أراد أن ينهي ذلك قائلًا:
-لو عايزة تقولي أي حاجه أنا هسمعك.. مش عايز حاجه مستخبيه بينا
ترددت وهي تتابع عيناه، شعرت بقبضة داخل قلبها وقفصها الصدري يضيق عليها كلما تذكرت ذلك التهديد الذي سيأخذه منها..
تشجعت ووضعت يدها الاثنين فوق يده تبصر عيناه البُنية بشغف، وتحدثت بجدية:
-أنا بحبك وعمري ما عرفت الحب ده غير معاك، علاقتي بهشام كانت عشان أنساك.. كنت بأنب نفسي كل يوم أنا إزاي عايزة اتجوز واحد غيرك بس كان في حاجز كبير بينا.. مـ ـوت أهلي كان صعب كنت متخيلة إنه بسببك.. كنت بس عايزة اضحي وأخرجك من حياتي وكانت الطريقة دي بس اللي تنفع معاك..
أومأ برأسه وابتسم ضاحكًا:
-عارف كل ده
ابتلعت ما وقف بجوفها وتابعت تترقب عينيه جيدًا:
-أنا كنت عايزة أجل الفرح علشان حاجه أنت متعرفهاش
أبعد يده الاثنين عنها فهبطت بيدها هي الأخرى واضعة إياهم على فخذيها، تابعها بدقة وقد كان يعلم ذلك منذ أول رفض لها ولكنه غفى عنه..
-ايه هي
أردفت تسرد إليه بهدوء وشفتيها المُكتنزة تتحرك أمامه بإغراء يحاول ردعه:
-هشام جالي الجمعية.. هددني إني لو اتجوزتك هيموتك وهو يقدر يعمل ده علشان….
بترت حديثها ونظرت إلى يداها مُخفضة رأسها فاستغرب هو ورفع وجهها بيده مُتسائلًا:
-علشان ايه يا سلمى
رأت الاستغراب بعيناه، الدهشة والغيرة، العتاب والتساؤلات المستمرة:
-علشان في المرة الأولى اللي ضربك بالمطوة هو اللي زاقه عليك
تسائل باندهاش مُضيقّا عينيه عليها:
-وأنتي عرفتي إزاي
ردت بهدوء:
-هو اللي قالي
تابع عينيها التي تريد أن تبتعد عنه وقال بعد أن فهم سبب إصرارها على وضع حارسة مشددة على أبواب الفندق ومعهم إلى الآن في الخارج:
علشان كده أصريتي نعين حراسة؟
أومأت برأسها إليه فتابع الحديث:
-أنتي لسه على تواصل مع حد فيهم؟
نفت مُسرعة ذلك السؤال رافعة رأسها إليه:
-لأ طبعًا أنا غيرت رقمي ومحدش يعرفه خالص غير ناس مهمة في الجمعية وانتوا
أومأ برأسه إليها ثم جذب رأسها إليه لتميل به على صدره فقال مُمازحًا إياها:
-كنتي خايفة عليا بقى
رفعت يدها على صدره وقالت برقة وحب:
-لو مخوفتش عليك هخاف على مين
صاح بصوتٍ عالٍ وهو يبعدها عنها مُنتفضًا على الفراش:
-إلعب.. ايه الحلاوة دي
غمزها بعينه الوقحة الجريئة مُشيرّا برأسه على الفراش:
-ماتيجي
صاحت وهي تبتعد عنه للخلف:
-ايه الجنان ده بقى
قبض على يدها جاذبًا إياها يلقي بها على الفراش تنام على ظهرها وأعتلاها في لمح البصر:
-بعدين ايه.. ده حرمان سنين
مال عليها وهي تضحك بصخب على طريقته المازحة وابتلع باقي ضحكاتها في فمه بعد أن وضع شفتيه على خاصتها يقدم إليها تلك القبلة المشتعلة بالرغبة والحب مُتخفيًا في ثناياه حنانه عليها..
والذي لا يظهر في أي وقت بل له مع “عامر القصاص” مواعيد محددة كهذه الآن ليجعلها تعشق اقترابه منها..
أبعد “عامر” أنظاره إلى الساحة الخضراء الذي في الأسفل أمام الفندق المُقيم به بعد أن عاد بتفكيره مرة أخرى بعد انتهاء تذكره لما حدث مع انتهاء سيجارته، فأخذ غيرها من العلبة مرة أخرى يشعلها ويقربها من فمه..
دارت دوامات عقله مرة أخرى خلف بعضها تحاول أن تتفهم ما الذي يفعله الجميع من خلفه وما الذي عليه فعله هو الآخر، وهذا كان يعلمه جيدًا..
أول شخص عليه أن ينال ردًا رادعًا منه، “إيناس” عليها أن ترى الوجه الآخر له، تركه لها إلى اليوم ليس ضعف منه ولا خوف منها، إنه فقط تركها تفعل ما يحلو لها ليرى إلى أين ستصل بعد كل ذلك، تركها لأنها فتاة ليس لها عائلة من الأساس يراها يتيمة ويخاف أن يقوم بأذيتها فيحمل ذنب أكبر على ذنوبه الكثيرة، يخاف أن يعود الأذى إلى شقيقته أو زوجته بما كما تدين تدان.. تركها ولكن تركه لها جعلها تفكر أنه ضعيف أو خائف أو ليس لديه أفكار ليقوم بالرد عليها بها.. بل هو شيـ ـطان على الأرض ولن تتوصل أبدًا إلى مستوى تفكيره في الانتقام..
لقد فعل معها كل ما هو جيد وتركها إلى النهاية، تركها الآن ستجد الرد الصادم لكل ما فعلته به وبحبيبته، وسيكون أشد وأعنف من أي شي قد مرت به في حياتها بالكامل وعليها أن تتحمل.. “عامر القصاص” ليس بهين أبدًا.. فقط صبرًا هو لا يحب التعجل في الأمور الحازمة..
بينما ذلك الأخرق ابن عمها، هو حقًا مُتحير في أمره! لما قد يفعل ذلك به ولما قد يفعل ذلك بـ “سلمى”، ما الذي يريده منهم.. هو لا يحبها ولن يحبها إذًا ما الذي يريده، لا يتذكر يوم أنه واجهة في شيء، ولا يتذكر أنه كان عدو له أو عمل معه، تفكيره يقول إن هناك شيء لا يعرفه هو..
ويعرفه والده، كيف لا يدري ولكن هذا ما توصل إليه، والده عندما تحدث معه في وجوده كان غريب وبعد رحيله كان أغرب وعلاقته به منذ ذلك اليوم وهي في تحسن دائم، لم يرتاح قلبه لما قاله وشعر أنه يخفي شيء عنه والآن قد تأكد من ذلك حقًا..
عليه أن يعرف ما الذي حدث أو ما السبب في كون “هشام الصاوي” يكرههم إلى هذه الدرجة ويريد الأذى إليهم والذي يوصله إلى قتـ ـله، أيعقل أن يكون السبب “إيناس”! قد تكون قصت عليه ما كان بينهم؟ ولكنه لم يتقدم خطوة واحدة خطأ معها عاد عن الأمر في لمح البصر.. ويعتقد أن “إيناس” لم تقول لأي أحد بل السر بينهم هما الاثنين فقط..
ما الذي من الممكن أن يكون مخفي عنه؟! حتمًا سيعرفه الآن أو بعد عام.. سيعرف كل شيء..
انتهت السيجارة فدعسها على سور الشرفة بيده وتوجه يدلف إلى الداخل بهدوء كما خرج كي لا يزعجها، أقترب إلى الفراش مكان نومه ثم صعد إليه وأقترب إليها في نومته جاذبًا إياها في أحضانه، تلملت وهو يجذبها فأقتربت منه ونامت بالقرب منه تحتضنه كما فعل تشعر بالأمان والراحة في قربه وسكينته..
❈-❈-❈
“بعد أسبوع”
فراشات أجنحتها ملونة بألوان زاهية وأخرى بأشكال رائعة، تطير في حديقة شاسعة بها كثير من الزهور ذات المظهر الخلاب وكانت هي من بين تلك الفراشات تحلق وتعلو وتهبط على إحدى الزهور لتسريح وتستنشق عبيرها..
كانت هذه حياتها في الفترة التي عبرت بها معه الطريق بعد زواجهما..
كانت كعصفور طائر ظل لأعوام في سجن صغير تناساه من وضعه به ورحل ثم دون أي مقدمات تذكر وجوده وأطلق سراحه فحلق مُبتعدًا في السماء بين السحابة الزرقاء ينظر إلى الأرض من الأعلى ويتأمل سعادته..
كانت كمثل امرأة هواها الحب وبعد أن تركها لألامه جدد ما تركه لها بالسعادة والحب الخالص..
بعد النقاش الطويل الذي حدث بينها وبين زوجها وإيضاح كل منهما ما فعله للآخر وما سبب فعله، بعد أن أعترف كل منهما بحبه للآخر وحزنه في بعده نالوا سويًا جزءًا من السعادة التي حلموا بها
لحظة والأخرى وأكتشفت أنها لم تفرح في حياتها قد، لم تبتسم ولم ترى السعادة، كانت خطيبته وحبيبته ولكن ما هذا الشعور الغريب وهي زوجته؟
ما تستطيع قوله فقط أنها لا تريد الإبتعاد عنه بعد أن ذاقت لذة قربه، لا تريد النظر إلى اليمين وهو يقف في اليسار فقد ترهق عينيها بالنظر إلى شيء ليس له قيمة..
ذاقت قربه وحبه، حنانه ولهفته عليا، شغفه وحنينه لها، تعرفت معه على كثير من الأشياء وهي زوجته، كانت أول مرة لها أن تعلم كل ما علمته وأن ترى فيه كل ما رأته.. كان شخص آخر وبادلته ذلك..
كان كتلة من الحب المتحرك والمرح الرائع، كان زوج وحبيب وصديق وكل ما تشتهيه المرأة، في الفترة الصغيرة المنصرمة شعرت بكم من المشاعر بقربه لن تستطيع التخلي عنها بعد الآن.. وخاصه قربه الرومانسي منها.. يقتلها به ويعلم جيدًا ما الذي يفعله معها ليجعلها تود القرب أكثر منه.. خبيث كما قالت عنه
عادت معه بالأمس إلى الفيلا، العلاقة مع الجميع أصبحت أهدأ وأفضل من السابق حتى والده، “هدى” أيضًا وقد علمت منه أنه تحدث معها..
كل شيء يسير الآن كما تريد وتتمنى، فقط تطالب بدوامه من الله..
ولكن بعد كل ذلك هل غفى عقلها عن صمته بعد أن صارحته بأفعال “هشام”؟، لم يهدأ عقلها عن التفكير للحظة واحدة أنها تعلم انه ليس ذلك الشخص المسالم الذي يصمت عن حقه، ليس ذلك الشخص الذي يجعل كل هذا يمر دون العقاب الحاد منه..
تعلم أنه يفكر في شيء ما يريد فعله ولكن لم يصارحها به، لم يقول ما الذي سيفعله وما الذي أتى على عقله، وهي تخاف وتموت رهبة داخلها من أن يحدث له مكروه.. لن تتحمل ابتعاده هو الآخر، هذه المرة ستكون القـ ـاتلة لكل شيء بها أن لم تكن ذاهبه خلفه.. تخاف من تهوره المعروف دائمًا ولكن ذلك الصبر الذي يتحلى به يجعلها تفكر بجدية أكثر ما الذي يريد فعله معه؟ ولما قد يصمت إلى الآن؟
هل يريد أن يجعل الأيام الأولى لهم تمر بخير ثم يقوم بالبداية الناهية له؟ وما تفكيره من الناحية الخاصة بـ “إيناس”؟ فقط لو يريح قلبها ويقص عليها ما الذي يريد فعله ولكنه يجعلها تقلق أكثر وأكثر بذلك الصمت الذي يرهبها..
في لحظة صمت بينها وبين عقلها وجدت من يجذبها من ذراعها بحدة، التفت لتنظر خلفها فرأته هو واستمعت إليه يقول:
-تعالي عايزك
سألته مصطنعة الاستغراب بعد أن جذبت يدها منه وعلقت عينيها بعينيه:
-عايز ايه
أقترب منها خطوة فوقف أمامه لا يفصل بينهم سوى مسافة صغيرة للغاية فرفعت رأسها كي تستطيع النظر إليه بحكم طوله الفارع وقال هو بتهكم:
-هتستهبلي؟ مش قولتي لما أفطر ادينا فطرنا
مرة أخرى تصطنع عدم الفهم وتنظر إليه محركة أهدابها عدة مرات:
-هو ايه ده اللي لما أفطر
علم ما الذي تحاول فعله بالابتعاد عنه لتحاول رد له ما فعله معها بالأمس هنا، فصاح ضاحكًا بعد أن فهم مخططها وقال بجدية:
-وربنا أجيبها عليها واطيها هنا.. أنتي مش عملتي نفسك مقموصه امبارح ونمتي؟ والصبح قولتيلي أفطر؟ حصل ولا محصلش
هذه المرة أجابته بدلال ورقة:
-ماليش مزاج
ابتسم وأكمل حديثه موضحًا لها مقصده غامزًا بعينيه الخبيثة وحديثه الوقح:
-لأ وحياتك دا أنا عريس جديد وعندي طاقة مكبوته لو طلعتها عليكي دفعه واحدة هتقتلك لكن أنا بطلعها بحنيه فاهدي كده وقصري
صاحت بوجهه وهي تنظر إليه باستغراب جاد بعد أن اعتدلت في وقفتها أمامه وتركت تلك الألاعيب الخاصة بها:
-طاقة ايه يا أبو طاقة أنت.. هي لسه مطلعتش
افتعل صوت بفمه ساخرًا عليها وأردف من بعده بثقة ونظرة متأكدة واثقة من قدراته الرجولية معها:
-تؤ تؤ اللي شوفتيه خمسة في المية منها
توسعت عينيها الزيتونية عليه وأردفت مندهشة تحرك شفتيها المُكتنزة ثم قالت مقترحة عليه:
-خمسة!؟ على آخر الشهر أكون موت؟ لأ بقولك ايه أنا ماليش في الجو ده إحنا خلصنا أسبوع العسل الحلو بتاعنا نعمل جدول بقى
تابع عينيها وحديثها الأخرق وقال بجدية:
-جدول.. هو أنا كنت متجوز علشان أعمل جدول.. تعالي بدل ما اجدولك أنا
عادت للخلف خطوة رافعة كتفيها الاثنين قائلة بدلال وغنج:
-طب خلاص ابقى شوف مين هيقابل الطاقة بتاعتك بقى
أشار إليها بيده وابتسم ضاحكًا بثقة وغرور:
-أنتي وحياتك
عادت للخلف مرة أخرى بسرعة أكبر وهي تهتف بمرح:
-لما تشوف حلمة ودنك
تسأل باستنكار وهو يبتسم:
-بقى كده؟ طب قابلي بقى
وجدته يقترب منها وعينيه الخبيثة تنوي على فعل شيء ما فذهبت مُسرعة تركض في الحديقة مُبتعدة عنه تضحك بصخب وصوتًا عاليًا للغاية، تطلعت خلفها وجدته يركض ناحيتها هو الآخر ويصر على الإمساك بها..
أخذت تركض في الحديقة بأكملها من هنا إلى هنا وهو خلفها بأقصى سرعة ولكن لم يستطع الإمساك بها..
صاحت وهي تركض بعيد عنه قائلة بصوت ضاحك:
-معقول مش عارف تمسكني
-أجابها وهو يركض خلفها قائلًا بوعيد:
-وديني منا سايبك النهاردة، هوريكي الوش التاني شكل الحنية معجبتكيش نتجه بقى لحاجه أنا بحبها
وقفت حول الطاولة تلتقط أنفاسها الضائعة أثناء ركضها فوقف هو الآخر الناحية الأخرى يفعل المثل ناظرًا إليها ليستمع إلى سؤالها بنبرتها اللاهثة:
-حاجه ايه اللي بتحبها
غمزها بعينيه وضحك بشدة لأجل انتباهها لذلك وقال بخبث ومكر:
-العنف
صرخت به بضيق بعد أن كرمشت ملامحها وتوصل إليها مقصدة:
-عـامـر لم نفسك ايه ده
مازال يضحك وأجابها بعدم اهتمام لانزعاجها من حديثه:
-هو أنا قولت حاجه ولا بكلم حد غريب.. جربي بس مش هتندمي
أمسكت بالمزهرية البلاستيكية الموضوعة أعلى الطاولة ثم ألقت بها ناحيته ولكنه هو كان الأسرع وتمسك بها وألقى إياها خلفه من بعدها وقال بتوعد ناظرًا إليها بشر:
-وحياتك منا سايبك وهعمل بردو اللي أنا عايزة.. لأ بس بطل بطل يعني
تركت الطاولة عندما وجدته يتقدم منها وصرخت عاليًا بصوت مُرتفع وذهبت راكضه تبتعد عنه وهو خلفها يُصر على الإمساك بها والنيل منها وأخذ ما يريد.. وكل ما يريد..
دلفت إلى الفيلا ركضًا وقلبها يدق بعنف خوفًا من أن يقوم بامساكها، ولجت إلى غرفة الصالون التي يجلس بها عمها وزوجته وذهبت سريعّا لتقف خلف المقعد الجالس فوقه قائلة بلهاث عندما وجدت الآخر دلف الغرفة:
-بقولك ايه أنا في حماية عمي
استندار ينظر إليها عمها باستغراب ثم وقف على قدميه يبادل ابنه الآخر خوفّا من أن يكون حدث بينهم شيء:
-في ايه مالكم
لم يعلق ابنه على حديثه بل نظر إليها بغل وحرقة وأردف قائلًا بثقة:
-تعالي هنا ولمي نفسك أصل في الآخر هتعملي اللي أنا عايزة هي يعني أول مرة
أدار عمها وجهه إليها وتسائل وهو ينظر إليها باستغراب:
-عايز منك ايه ده
اندفعت تتحدث بجدية كي تشكيه إلى والده ولكنها بترت حديثها في المنتصف:
-شوف يا عمي عايز…….
تهكم عليها وابتسم ساخرًا يُشير إليها بيده وهو يقف في بداية الغرفة:
-ما تقوليله عايز ايه.. ولا علشان عارفه إنه هيقف معايا ولا تكونيش مكسوفة
صرخت عليه بصوت حاد مغتاظ من أفعاله وحديثه ونظرت إلى عمها مرة أخرى ببراءة تحاول الكذب:
-أسكت بقى.. أسكت.. ده عايز، عايز مروحش الجمعية ينفع ده؟
أتفق معها في حديثها الكاذب وهو على علم تام بالذي يحدث بينهم فحديثهم واضح للغاية ولكنه جارى حديثها قائلًا بجدية:
-لأ طبعًا بس يعني انتوا لسه متجوزين يا سلمى
تفوه الآخر بنفاذ صبر وضيق شديد قائلًا حديث خاص مسترسلًا فيه بتبجح:
-قولها.. قولها أننا لسه متجوزين وعرسان والعرسان بتقعد في اوضه النوم، وبيناموا على السرير، وبيعملوا……
قاطعه والده قبل أن يكمل حديثه الوقح أمامهم قائلًا بعنف ونبرة حادة:
-ايه ايه ما تخرس شوية
أشارت إليه “سلمى” على والده وابتسمت بشماته:
-أهو قالك أخرس
ضحكت والدته الذي كانت تتابع في صمت والإبتسامة على وجهها:
-صلوا على النبي يا ولاد الله..
عقبت “سلمى” بهدوء وأكملت بجدية وهي تتجه إلى الأمام تجلس على الأريكة بجوار زوجة عمها تتهرب منه:
-عليه أفضل الصلاة والسلام.. أنا هقعد هنا مع عمي
رفع أحد حاجبيه مُستنكرًا ينظر إليها بجدية وثقة:
-بقى كده؟
أومأت إليه وابتسمت وداخلها تعتقد أن عمها لن يتركها تذهب معه مادامت لا تريد ذلك:
-آه
تدخلت والدته ثانيةً وهي الأخرى تتفهم ما الذي يحدث ولكن أرادت أن تضيف بمرح وخبث:
-هو أنا ليه حاسه أنكم بتهزروا أو في حاجه تانية بينكم
أجابها “عامر” بسرعة ليقوم بعناد الأخرى:
-بصراحة آه أصل سلمى مش عايزة…
صرخت سريعّا عليه قبل أن يكمل حديثه فهي تعرفه جيدًا لا يوجد عنده خط النهاية ليتوقف عليه بل كل شيء مباح:
-لما نفسك يا كداب
أقترب منها وهو يصيح بتوعد وعيناه تحكي ذلك:
-أنا بردو اللي كداب طب تعالي بقى
جذبها من يدها لتقف على قدميها وأخذها تُسير خلفه إلى الخارج تحت أنظار والديه المستمعين بما يحدث بينهم والإبتسامة على وجوههم..
ضغط على يدها بقوة كي لا تفلت منه هو يرى ذلك بعينيها وهي تضحك إليه ببراءة كاذبة، صاحت بدلال وحديث كاذب وهي تصعد معه الدرج إلى الأعلى حيث جناحهم الخاص:
-مش عايزة
قلد نبرتها المتدللة عليه لتضحك هي بصخب خلفه وهو يُسير بها ثم أكمل حديثه مذكرها بكيف تكون معه:
-مش عايزة.. هي مين دي اللي مش عايزة اومال مين اللي بتدوب زي السكر في الشاي بين ايديا
استمرت ضحكاتها ولم تجيب عليه، أنه يعلم أنها كاذبة وهي تعلم أنه يمزح، وكل ذلك ما هو إلا مرح ليس له معنى بينهم لتعكر صفوه فقط ويقوم هو برد الصاع صاعين لها.. ولكنها تخاف من طريقته الأخرى حقًا..
دفعها إلى الداخل قبله ثم دلف وأغلق الباب من خلفه، أمسك بذراعيها الاثنين وجذبها إليه ومال على شفتيها المُكتنزة يأخذهم منها بعنف وقوة ضاغطًا عليهما معاقبًا إياها بطريقة لذيذة ومحبة بينهما..
رفع إحدى يداه خلف رأسها متشبسًا بخصلات شعرها الذهبية مُتعمقًا أكثر في قبلته الشغوفة الخبيثة، سار بها إلى الداخل ولم تنقطع تلك القبلة التي دامت طويلًا، وقف بها في غرفة نومهم ثم ابتعد للخلف بوجهه فقط بعد لحظات يهتف بلهاث ورغبة خوفًا من أن يكون حديثها صحيح:
-مش عايزة بجد؟
ابتسمت بخجل وسعدت لأجل أنه يريد موافقتها بالبداية، لم تجب عليه بالكلمات بل أقتربت منه مرة أخرى تكمل تلك القبلة القاتلة لكلاهما واضعة يدها خلف رأسه تجذبه من خصلاته..
أكمل قبلته الدامية وتحركت يده وتوسعت أكثر في طريقها ثم دفعها للخلف ليبدأ ما أرادها هو.. وليس هي..
ألن يقولوا كل شيء مباح في الحرب والحب؟ هو يقول كل شيء مباح في الحب والرغبة..
❈-❈-❈
طفل صغير، تعرض إلى الوحدة المُميتة بعد ترك والدته له، تخلت عنه وذهبت راحلة إلى الأبد ولم تفكر به أو جعلته يخطر على بالها، طفل في سنه الصغير ما الذي سيفعله من بعد والدته مصدر الحنان والأمان والشخص الوحيد الذي على دراية تامة بكل مطلباته..
رحلت تاركة إياه خلف ظهرها ولم تفكر في أي شيء سوى أن تبتعد عن والده فقط لأنها لم تستطع أن تكون مع حبيبها السابق.. وما ذنبه هو؟ لو كانت تكره والده وتحب غيره لما وافقت عليه من البداية؟ أم أن الأموال اغرت عينيها؟ ولو وافقت لما قد تنجب منه بعدما استمر الكره بينهما؟ لما فعلت كل ذلك به؟
لما أتت به إلى العالم القاسي هذا وتركته ورحلت غير شاعرة بأي مما يشعر به.. فضلت نفسها وذلك الخائن على ابنها، فضلت الجميع وهو لا.. كيف يلقبها بالأم هذه؟ كيف!..
شعوره الدائم بالنقص لم يكن هين عليه، شعوره بأنه وحيد قاسٍ، مخادع وخبيث، لم يكن يريد كل ذلك ولكن والده أراد الانتـ ـقام من الرجل الذي أخلف الخراب في حياته، فدفعه هو الآخر للانتقام معه وقد كان على حق.. هل هو والدته تتخلى عنه ويبقى وحيد من بعدها دون صديق أو حبيب والآخر ينعم بالسعادة مع عائلته.. العين بالعين..
استدار برأسه ينظر إلى تلك الأخرى الغبية ابنة عمه، الذي كلفه والده بها اعتقادًا منه أنها بريئة لا يعلم أن ابنة أخيه فتاة برأس حية..
وجهها على شاشة هاتفها تنظر إلى صور “عامر” و “سلمى” في الزفاف، بعد أن لعب عليها وألقاها في أقرب سلة قمامة بعد أن علم أنها على علاقة بابنة عمه ولو من بعيد.. كم كان ذكي للتخلص منها..
أقترب إلى الداخل ووقف خلفها ينظر هو الآخر إلى الصور التي تمررها، كم كانت تلك “السلمى” جميلة للغاية، أيعقل أن هناك جمال بهذا الشكل، الشيء الغريب الوحيد أنه لم يغرم بها ولم يفكر في يوم من الايام أن تكون شريكته حقًا.. على الرغم من كل ما تتمتع به إلا أنه لا يريد غير الانتـ ـقام وجعلها تبكي بقهر وذل مثل ما حدث به.. ومهما فعل لن تصل لذلك الشعور لأنه حينها كان طفل صغير يتقلب على الجمر ولا أحد يشعر به..
قالت “إيناس” وهي تترك الهاتف بجوارها بحقد وانزعاج حقيقي بسبب فساد كل ما فعلته:
-مش معقول بعد كل ده يتجوزوا.. مش معقول
عقب بجدية وتفكير صحيح:
-لأ معقول.. إحنا اللي مقرصناش الست سلمى كويس
نظرت إليه وهي جالسة رافعة وجهها إليه بجدية وأردفت تبادله قائلة ما تعلمه جيدًا:
-سلمى طالما رجعت لعامر مش هتقدر تقرصها.. اسالني أنا خلاص كده هتستقوى بيه
سخر منها وهو يلوي فمه يسير للخارج مرة أخرى:
-في لمح البصر أقدر اضيعه وتبقى توريني هتستقوى بمين
ضيقت عينيها عليه باستغراب تحاول أن تفهم ما الذي يريد فعله:
-أنت ناوي على ايه
ابتسم وأردف قائلًا بثقة وتأكيد:
-على كل خير.. ناوي على كل خير بس هما يستحملوا
رفعت إحدى حاجبيها وقالت بجدية تحاول أن تجعله يفهم تفكير “عامر” جيدًا قبل التصرف فهو إلى الآن يعتقد أنه لا وجود له:
-خد بالك عامر مش سهل وسكوته مش ضعف أنا عارفه ده كويس هو بس تقيل
رد بهدوء موضحًا ما كان في مخططه:
-ده كويس أوي.. أنا بحب العدو التقيل مش الأهبل مع أنه مكنش في دماغي بس هو وقع في طريقي عافية
ابتسمت هي الأخرى في لحظة وعقلها يدور به شرائط قديمة لهما هما الاثنين معًا، لو خرجت ستدمر الأخضر واليابس:
-فاضله كارت معايا.. بس كارت أحمر لو طلع هيجيب عليها واطيها
قابلها بعيناه بنظرة هادئة تقول لها صبرًا لكل شيء أوان:
-خليه دلوقتي هنحتاجه
ابتسمت بسعادة معتقدة أن اللعبة ستنتهي في آخر محطة بالفوز لهما لا يهم أي شيء المهم أن تكون الفائزة على “عامر” بابتعاد “سلمى” عنه إلى الأبد.. بتركها له أو ذهابها إلى عائلتها.. لأ يهمها أكثر من ذلك..
❈-❈-❈
نظر إلى الطريق جيدًا وهو يقوم بالقيادة ثم أردف مُجيبًا على زوجته عبر الهاتف:
خلاص أنا جاي أهو في الطريق
استمع إلى صوتها الناعم على الطرف الآخر تقوم بسؤاله:
-بتقول جايبلي ايه بقى معاك؟
ابتسم باتساع ولمعت عينيه في لمحة وأجابها قائلًا بخبث:
-جايبلك حاجه حمرا فرايحي كده
استنكرت جملته مُكرمشة ملامح وجهها وأردفت مندهشة:
-فرايحي!؟
أومأ برأسه ضاحكًا بصخب وصوت مرتفع في أذنها عبر الهاتف مُعقبًا عليها بلامبالاة:
-أنا بيئة عارف
أكدت حديثه قائلة بثقة:
-جدًا
ظهر أمامه على بعد مسافة أشخاص تقف في مُنتصف الطريق تقطعه عليه عمدًا واحدًا منهم يحمل بيده عصاة كبيرة، وجوههم يظهر عليها الإجرام الشديد كالذين من قبلهم..
تغيرت نبرته إلى الجدية وأردف قائلًا:
-طب بقولك اقفلي بقى
استشعرت تغير نبرة صوته مئة وثمانون درجة فتسائلت:
-في حاجه ولا ايه
أجابها بجدية كاذبًا كي لا تقلق عليه وهو يتابع اقترابه منهم:
-لأ داخل على كمين.. سلام
أغلق الهاتف دون أي حديث آخر وجذب السماعة من أذنه وألقى بها جوار الهاتف على المقعد المجاور له، ثم فتح تابلوه السيارة وهو يهدي من سرعته لدخوله عليهم وأخذ المسدس الذي حصل عليه في الفترة الماضية تحسبًا لأي ظروف.. كهذه..
وضعه خلف ظهره في البنطال ثم وقف بالسيارة أمامهم ونظر إليهم من خلال الزجاج، كانوا أربعة أشخاص يقفون متربصين له بعيون إجرامية وكل ما بهم يدعوا إلى ذلك..
فتح الباب واندفع خارجًا منه بثبات وهدوء ناظرّا إليهم بجدية..
❈-❈-❈

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى