رواية رمضان كريم الفصل الثاني 2 بقلم شمس محمد
رواية رمضان كريم الجزء الثاني
رواية رمضان كريم البارت الثاني
رواية رمضان كريم الحلقة الثانية
في الجمعة التالية..
فراق الأحبة غُربة … ورفقة الأحبة شفاء
وقد جلس هذا الأب برفقة أسرته الصغيرة وسط هذه المنطقة في أحد المحلات الخاصة بعصائر القصب وكعادته طلب المشروب الرسمي لهذه الأسرة وقدمه لهم ولصغارهِ كلٍ منهم على حِدة وطلب الخاص به وبزوجته بإضافة اللبن لهذا المشروب العريق “عصير القصب”..
يرى الزمان يُعيد نفسه من جديد بصورةٍ لم يكن يتوقعها هو، فمنذ عدة أعوامٍ كان يجلس برفقة حبيبته في محاولةٍ منه للدخول في حياتها والآن هي وأبنائه أصبحوا محور الحياة في عينيهِ، انتبه لهم وهي تعاونهم في مسح وجوههم بالمحارم الورقية بينما هو ابتسم ثم وجه الحديث لصغيرته وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أدينا جينا هنا نكمل باقي الحاجة بدل الجمعة اللي فاتت أهو، أوعي يا “جاسمين” تعرفي جدو ولا تجيبيله سيرة خالص ولا تقولي إني بشربك عصير ولا بفسحك، أوعي ها؟
حركت موافقةً وهي ترتشف من العصير أمامها وما إن صدح صوت هاتفه برقم والده حينها حرك عينيه نحو الصغيرة فوجدها تضم شفتيها وكأنها تكتم الكلمات في فمها وحينها ضحك هو عليها ثم فتح الهاتف يُطمئن والده عليه وعلى أسرته وخاصةً تلك المُشاغبة الصغيرة التي لم تنفك عن جر المصائب لساحات الجميع.
__________________________________
في شقة “حسن المهدي”..
جلس في غرفته يتحدث في الهاتف مع أصدقائه وهم يأكدون عليه ضرورة الحضور إليهم حتى يشارك في تعبئة وتغليف المنتجات ومعه صغاره، وحينها أغلق الهاتف ثم خرج من الغرفة يقصد التوجه إلى المطبخ وما إن وصل وجد زوجته تستعد لتحضير غداء اليوم وحينها هتف بلهفةٍ:
_لأ استني بقى قبل ما تبدأي، وقفي.
انتبهت له “هدير” التي توقف كفها تلقائيًا عن تنظيف الخضراوات فوجدته يهتف بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها:
_أصل إحنا هنروح البيت عندكم علشان نشارك في حملة التعبئة اللي أبوكِ عاملها، يلا لبسي عيالك وجهزي نفسك، علشان منتأخرش عليهم، يلا ولا أخدهم وأسيبك؟.
رفعت حاجبيها بذهولٍ من طريقته واستعداده في التخلي عنهم بينما هو كتم ضحكته ليجدها تسأله بنبرةٍ متعجبة:
_هو أنتَ عادي كدا تستغنى عني؟ بعدين ماهو إحنا عاوزين نجيب حاجة رمضان يا “حسن” الشقة قربت تبقى صحرا وتجيبلنا تصحر معاك، هنجيب حاجات رمضان إمتى؟ الجمعة الجاية والناس كلها بتاكل في بعض؟.
قلب عينيه بتفكيرٍ ثم هتف بنبرةٍ ضاحكة:
_أنتِ ست ظالمة يا “هدير” علشان أنا عامل حسابي على يوم الخميس الجاي مش الجمعة، تفرق يا حلوة الملامح، بعدين متبقيش بومة كدا وتنكدي عليا، أنا بفرح لما أ روح بيتكم.
افتر ثغرها بتعجبٍ من حديثهِ بينما هو أضاف مفسرًا:
_أنا نقطة ضعفي المناسبات العائلية دي، بحب التجمعات واللمة دي، بحس نفسي وسط الناس، وبعدين أنا أكدت عليهم محدش يعمل حاجة من غير ما أكون معاهم، يلا بس ولو على حاجة رمضان هتيجي، الحمدلله الشعب كله فلس، بقينا على تكة واحدة وهنمشي نشحت، الحاجة مرمية مش لاقية اللي ياخدها، بعدين فيه واحدة تقول للمرواح عند بيت أهلها لأ؟.
جاوبته حينها بلهفةٍ أعربت عن عُجالتها:
_مش فكرة مرواح البيت بس كنت ناوية أعمل كذا حاجة وأكيد هنقضي رمضان نصه هناك علشان كل جمعة عزومة شكل، وأنتَ أكيد وعدتهم إنك موافق، فأنا قولت نشبع من البيت هنا شوية قبل ما نقفله ونمشي، بس ماشي مش هزعلك يا أبو “علي”.
ضحك هو لها وكأنه طفلٌ صغيرٌ حصل على مكافأةٍ من أمـهِ فور موافقنها على مرادهِ بينما هي راقبت هذه الفرحة على ملامحه بتعجبٍ وهي تفكر مليًا هل يفرح لهذه الدرجة فور مشاركته في الأجواء العائلية؟ الإجابة تبدو واضحةً أمامها مثل وضوح شمس الظهيرة وهي أنه يعشق هذه اللحظات ويقدسها، لذا قامت برفع الأشياء ووضعتها في الثلاجة مُجددًا ثم دلفت تعاون الصغار في ارتداء ملابسهما، وما إن دلفت رأت بعينيها قفزاتهما وصوت التهليل الفرح وحينها ضحكت رغمًا عنها وشعرت في هذه اللحظة كأنها هي الوحيدة هنا التي تسكن في عالمٍ أخر غيرهم.
__________________________________
“رمضان في مصر حاجة تانية..
والسر في التفاصيل، رمضان في مصر
غير الدنيا، طعمه بطعم النيل…
في كل حتة بنتمشى، فوانيس وزينة في الشارع..
صوت الأدان يدخل قلبك ونصلي تراويح في الجامع”..
تحديدًا بالحارة التي تقع بها شقة “ميمي” أوقف”ياسين” سيارته ونزل برفقة أبنائه وزوجته من السيارة ليجد “عـامر” برفقة الصغار وهو يفحص المكان بعينيهِ وفي يده ورقة غالبًا يسجل بها متطلبات التزيين للشارع وما إن رأى سيارة صديقه أقترب منه وهو يقول بنبرةٍ حماسية:
_كويس إنك جيت اطلع ألبس ترينج وهات الصب التاني علشان الصب دا صوته مش حلو وأنا مش عارف أشغله، يلا خلينا ننشر البهجة في المكان.
حينها قفز “يـزن” ثم ركض للصبية وحينها أقترب منه “يـونس” يمسك يده وكأنه يتولى مهمة حمايته بينما “نـغم” هتفت باستفسارٍ رقيق مثلها:
_طب ممكن نقعد معاك أنا و”جاسمين” وباقي البنات يا عمو “عامر” والله هنتفرج بس؟ مش هنعمل حاجة خالص.
تدخلت في تلك اللحظة “جاسمين” تُقاطعها بلهفةٍ قائلة:
_لأ أنا هعمل حاجات كتير، مالكيش دعوة بيا.
انتبه لصوتها “عامر” الذي هتف ساخرًا:
_طب اكدبي علينا وداري، دا أنتِ جُرسة.
ألقى لها حديثه بينما هي أشارت لوالدها الذي مال عليها بطولهِ فوجدها تسأله بنبرةٍ خافتة عن مقصد الكلمة:
_هو إيه اللي عمو “عامر” قاله دا، دي شتيمة عيب؟.
حرك رأسه نفيًا وكتم ضحكته ثم بدل حديثه بقولٍ غيره يواري خلفه كذبه عليها:
_لأ يا حبيبي، عمو “عامر” العيبة عمرها ما خرجت منه.
ابتسمت له بفرحٍ فيما أضاف هو ساخرًا على سابق حديثه:
_علشان عمو “عامر” العيبة عمرها ما سابته أصلًا.
كتمت ضحكتها وهي ترى “عامر” واقفًا خلف أبيها مباشرةً وقد وصله الحديث بأكملهِ وحينها هتف بنبرةٍ ضاحكة:
_أنا لولا إني راجل طيب وعمر العيبة دي ما تخرج مني يا جحش يا أبو طويلة كان زماني قليت بيك قدام عيالك، يلا ياض أطلع غير هدومك وهات الصب وأنزل.
صعد “ياسين” برفقة زوجته وبعد مرور دقائق عاود النزول مجددًا إلى رفيقه بالأسفل وقد بدل ثيابه وجلس على الرصيف السيراميكي وهو يسأله بحيرةٍ:
_ها يا سيدي؟ إيه العمل دلوقتي؟.
تدخل “عمر” بدلًا عنه وهتف بنبرةٍ مرحة:
_أول حاجة شغلنا الصب لحد ما عمو “خالد” ييجب الزينة هو وعمو “ياسر” ييجوا مع بعض وبعدين أعملنا فرع النور علشان نعلقه.
وصل في هذه اللحظة “خالد” برفقة “ياسر” ومعهما “زينة” و “يُسـر” وفي يده حقائب بلاستيكية كبيرة الحجم بداخلها شرائط لامعة بمختلف ألوانها ومعها أشكال أخرى من هذه الشرائط الملونة لتزيين الشارع وما إن أقترب منهم وجد الصغار يركضون نحوه، بينما”ياسين” حينها بدل الأسلاك الخاصة بمشغل الموسيقى الكبير وقد بدأت الأجواء تزداد حماسًا حينما قاموا بنشر البهجة في الحارةِ بأكملها وحينها قام “عمر” برفقة “زين” بإشعال الألعاب النارية في إعلانٍ منهم للجميع عن بداية نشر البهجة.
حينها بدأ “ياسين” يقوم بتجهيز فرع النور عن طريق توصيل الأسلاك ببعضها بينما الصغار قاموا معًا في لحظة غروب الشمس بفرد الشرائط الملونة بطول الشارع بأكملهِ، في هذه اللحظة صدح صوت النقشبندي يبتهل قائلًا:
_رمضان أهلًا…
مرحبًا رمضان، الذكر فيك يطيب والقُرآن…
رمضان أهلًا…
مرحبًا رمضان، الذكر فيك يطيب والقُرآن.
حينها بدأت النسائم تزداد وسط هذه المجموعة الرائعة التي تباينت بها الأعمار بين صغيرٍ وكبيرٍ ومعهم الفتيات الصغيرات أيضًا يشاركن في هذه اللحظة وقد تبدلت الكلمات وصدح في هذه اللحظة صوت “عامر” مع الصغار:
_رمضان جانا…
وفرحنا بُـه بعد غيابه وبقاله زمان..
غنوا وقولوا شهر بطوله..
غنوا وقولوا أهلًا رمضان…
رمضان جانا..
أهلًا رمضان، قولوا معانا..
أهلًا رمضان، رمــضان جانا.
حينها تدخل “ياسين” صاحب الصوت المميز معهم ومعه الصغار والجميع وبدأت الشُرفات تمتليء بالناس فارحين بهم وبهذه الأجواء التي كادوا أن ينسوها، لكن أصحاب البهجة هنا والعمل الأول والأخير هو نشرها.
__________________________________
في صيدلية عين الحياة..
وقف “عمار” يقرأ الروشتة الطبية وبجواره “عبدالرحمن” صديقه وهو يتحدث في الهاتف مع زوجته وقد شعر بالملل من هذه المكالمة وحقًا بدأ يشعر بالاختناق وقد هتف يختتم المكالمة بقوله:
_بقولك إيه يا “مريم” روحي عند أمك أسهل، أبقي تعالي لما تولدي أحسن، أنتِ عاوزة قرض من البنك؟ رمضان وعيد وولادة مع بعض؟ ليه ابن نجيب ساويرس؟.
كتم حينها “عمار” ضحكته وودع العميل ثم رفع كلا إصبعيه يضعهما على وجنته وهو يراقب رفيقه الذي أغلق الهاتف وزفر مطولًا بضجرٍ جعله يهتف بنبرةٍ هادئة:
_ياعم ماتوحد الله، أهي دنيا شقلبت الكل، مرجيحة اللي طلعها رايق نزل منها متضايق، أحمد ربنا ياعم “عبدالرحمن” أحسن من غيرنا أهو.
هتف “عبدالرحمن” بقلة حيلة قائلًا:
_ياعم أنا قولت حاجة؟ بس مش مستوعب المصاريف والفكرة إني مش مستوعب رايحة فين المصاريف دي، صحيح هي لسه في نص الحمل بس برضه دي مصاريف، وأنا مش عاوز أروح مستشفى أشتغل فيها علشان لو عملت كدا هقصر معاها، بس هي مصممة إني كسول.
حينها ابتسم الأخر وجاوبه بيأسٍ:
_ أنتَ هتشتغلني أنا؟ كسول وأنا وأنتَ عارفين، بس شغل المستشفى صعب أوي ومسئولية كبيرة، ونص اللي بيشتغلوها دايرين حرام، علشان العلاج اللي بيسلكوه من برة برة، يعني حرام وداخل بيتك حرام، فلازم تعمل مصالح هناك، إلا من رحم ربي، فكدا أحسن، المهم بس غير نيتك كدا وخد نفس وصالح مراتك ولو على الفلوس خد من هنا وأهو أنا وأنتَ واحد، وكدا كدا لازم ناخد فلوس من هنا.
حرك “عبدالرحمن” رأسه مومئًا بقلة حيلة جعلت الأخر يلحظ حالته فيما أضاف هو نفسه بيأسٍ:
_ضيقوها علينا منهم لله، طب اللي زينا قادر ويقدر يستغنى عن حاجات قصاد حاجات أو يقدر ياعم يتصرف من أهله، إنما غيرنا بقى يعمل إيه؟ دا حتى موائد الرحمن نفسها مش لاقيينها، وأبويا هيعملها لوحده السنة دي بعدما اللي معاه أنسحبوا بسبب الظروف، يعني حتى الخير وقفوا في وشه..
حينها هتف “عمار” بثقةٍ كبرى في الخالق قائلًا:
_ماهو علشان كدا واجب علينا نحمد ربنا برضه، نحمده على القليل قبل الكتير، نحمده إن على الأقل متاح قدامنا اختيارات ونحاول نساعد اللي معندوش اختيارات زينا، رمضان شهر بركة وخير رزقه موجود ومحدش فيه خاطره بيتكسر، غير كدا الحسن البصري قال:
إنَّ اللهَ جعلَ شهرَ رمضانَ مِضمارا لخلْقِه يَسْتَبِقون فيه بطاعته إلى مرضاته فَسَبَقَ قومٌ ففازوا،وتَخلَّف آخرون فخابوا، فالعجبُ مِن اللاعبِ الضَّاحكِ في اليومِ الذي يَفوزُ فيْهِ المُحسِنون ويَخسرُ فيه المُبْطلون..
سكت هُنيهة عابرة ثم أضاف من جديد:
_يعني رمضان مش شهر أكل ولبس وفساتين وخروجات وعزومات، رمضان شهر خير وبركة إجازة للعباد من الدنيا، يعني نحاول نقرب أكتر ونقصر المسافة أكتر وأكتر، ونحارب إننا نخرج بقلب غير اللي دخلنا بيه، فبدل ما تخلي الشيطان يلهيك بسبب المصاريف والفلوس وهنجيب منين، ركز إزاي تقرب من ربنا أكتر واستغل الأيام دي، صح يا “بـودي”؟ ولا أنا غلطان؟.
ابتسم حينها “عبدالرحمن” باطمئنانٍ له وقد تذكر أن هذا الصديق دومًا يعتبر له كما طوق النجاة حتى من نفسه وتفكيره.
__________________________________
“مرحب مرحب يا هلال..
أهلًا أهلًا كيف الحال، قد غيبتَ وإليك اشتقنا…
وانتهى بُعدك صار وصال…
نُعطي صبرًا، نأخذُ أجرًا والله يرانا ويسمعنا..
نغفر ذلة، نوصل أهلًا لأن رمضان يجمعنا…
لأن رمضان يجمعنا”
في بيت آل”الرشيد” قد وصل هناك “حسن” بأسرته قبل التجهيز لتعبئة شنط رمضان وعبواته وفي هذه الأثناء أقترب “مازن” ومعه “فارس” من “وليد” الذي ما إن رآهما سويًا هتف بنبرةٍ تهكمية:
_مبدأيًا لو جايين في مصيبة فلأ.
تحدث حينها “فارس” ابن شقيقه يتوسله بقوله:
_والله هي مش مصيبة، هو تمن سلك معفن وولاعة أعفن، وهنولع فيهم فوق السطح هنا، وأنتَ بس أقنعهم، إيه رأيك؟.
رفع حاجبيه بسخريةٍ فتدخل “مازن” يهتف بنبرةٍ ضاحكة:
_بص هو دا صريح حبتين يعني، بس أكيد مش هنعملها بصراحة كدا، إحنا بس هنجرب قدامك لحد ما هما يجهزوا الحاجة بتاعة رمضان ونساعد كلنا، قولنا نعرفك بقى.
سكت “وليد” عن الحديث واكتفى بتجاهل الإثنين وفي هذه اللحظة أقترب منهم “زياد” الذي هتف بنبرةٍ جامدة بعض الشيء تشبه إصرار والده ونفس طريقة الحديث:
_بص يا بابا، أنتَ مش غريب وعارفنا، نعمل الحاجة قدامك ولو باظت تصلح، ولو من ورا ضهرك ولو عرفت تضرب وتكسح؟ فكر فيها كدا وأحنا معاك، بس برضه هنجرب.
انتبه له “وليد” وهو يراقب عينيه فوجد الإصرار نفسه يشبه ذاك الذي يخرج من عينيه عندما يريد شيئًا، وقد سكت أمام الجميع بالرغم من إصرارهم لكن نظرته أسكتت الجميع عن الإلحاح حتى نظروا لبعضهم بإحباطٍ من فشل لحظتهم..
“رمضان كريم فتاح يا عليم..
٣٠ يوم فيه هنا وسعادة…
قعدة رمضان حلوة يا جدعان
شهر الإحسان كله عبادة..”
صدح صوت الأغنية فوق سطح بيت الرشيد عاليًا بالتزامن مع ظهور الكارثة الأخرى حيث وجود الصبية فوق سطح البناية معهم قداحة يمسكها “فارس” الحفيد الأكبر في هذه العائلة وبجواره بقى “مازن” و “زياد” و “علي” ثم بدأت الكارثة تظهر مع استخدامهم القداحة في إشعال السلك المعدني ثم تدويره بذراعهم في الفراغ ليخرج الشرار منه في حلقات دائرية جعلت “طارق” يغلق هاتفه ما إن انتبه لذلك وأقترب منهم صارخًا لكنه وجد “وليد” بجوارهم وحينها سأله بنبرةٍ منفعلة:
_أنتَ لوح تلج يالا؟ العيال مولعة سلك وأنتَ واقف؟.
في هذه اللحظة تحدث “علي” بنبرةٍ ضاحكة وهو يقول:
_واقف إيه يا خالو؟ دا هو اللي نزل جابلنا الولاعة من تحت.
برق حينها “طارق” ونظر إلى ابن عمه فوجده يحرك كتفيه وهو يقول بسخريةٍ اصطبغت بلامبالاته الطبيعية:
_إيه يغلطوا قدامي وأصلح؟ ولا من ورايا وأكسح؟.
ضحكوا الصغار في هذه اللحظة وقد وصل “أحمد” لهم وما إن وقع بصره عليهم ركض لهم سريعًا وهو يقول بلهفةٍ:
_وأنا، حد يجيب حتة سلك أنا بحب الشعلة دي أوي.
أعطاه “علي” قطعة وهو يضحك له وقد بدأ “وليد” هو الأخر وكأن بداخل كليهما يسكن طفلٌ صغيرٌ لم يخرج منهم بعد، وفي هذه اللحظة أبعد “طارق” الصغار للخلف بنفس لحظة صعود “حسن” لهم وقد ضحك بسعادةٍ ووقف يتابعهم حتى طلب منه “علي” ابنه المعاونة وحينها عاونه “حسن” ضاحكًا وبدأت الشرارة تزداد فوق سطح البيت مع صوت الكلمات العالية وكأنه البيت الوحيد الذي لازالت به الروح دونًا عن البقية المنطفئين…
في هذه اللحظة صعد “مرتضى” برفقة “وئام” ابنه وقد حمحم بخشونةٍ حينها ليتوقف الجميع عن الحراك وقد أقترب من “علي” يخطف منه القداحة وهو يرمقه بتوعدٍ ثم رفع صوته بنبرةٍ عالية قائلًا:
_دا اسمه كلام؟ طب أنتوا مخكم فاضي، العيال الصغيرة دي لو حد فيهم اتحرق؟ ولا النار مسكت في عيل فيهم؟ دا اسمه هبل، اللعب عمره ما يكون كدا يا بهوات.
سكتوا الشباب عن الحديث ورمقوا “وليد” بسخطٍ الذي ظل يطالع وجه والده بصمتٍ فيما مد “مرتضى” كفه بداخل قميصه ثم أخرج منها شيئًا لم يروه هم بينما هو التفت يولي الجميع ظهره ثم التفت يلقي الشيء وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_اللعب كدا يا ولاد الهبلة.
أنهى الجملة ثم حرر اللعبة النارية من بين كفيه لتشتعل عدة مرات فوق الأرض السيراميكية وحينها أرتفع صوت الضحكات المذهولة وتبعته النظرات المدهوشة وهو يتحرك نحو الصغار ويمسك أيديهم يراقصهم ببهجةٍ نشرها في المكان بظهورهِ المرح كعادته وقد شاركه الشباب أيضًا وعلى رأسهم “وليد” الذي شارك “أحمد” والبقية معه.
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية رمضان كريم)