رواية الحب أولا الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء الثالث والأربعون
رواية الحب أولا البارت الثالث والأربعون
رواية الحب أولا الحلقة الثالثة والأربعون
رَّصاصَ الحياة شديد الخطورة قد كثرة انواعه وتضاخمة مصائبة ، فإن لم ينجو المرء منه
يُقتل قبل طرف العين….
هناك رَّصاص يأتيك خلسة متشبع بالغدر ، واخر
يحدث عن طريق الخطأ وسوء حظ…
هناك رَّصاصَ يعد النجاة منه موعظة بالفرصة
ثانية…
ورَّصاصَ اخر قاصد الأذى عندما يصلك تنقلع
احلامك من الجذور منتهية ويقف مستقبلك وحاضرك بلا حراك…
من منا قادر على مواكبة المخاطر ، جميعنا نسير في الدنيا بشجاعة الجهل نركض كفرسٍ جامح بلا تفكير نجري نقفز نقطع الاميال دون حسبان حتى نهلك ونقع من التعب نادمين !!….
المؤلم في قانون الحياة انك احيانا مضطر ان
تخوض حروب شائكة….لتدافع عن مبادئك… عن سجيتك…عن حبك….عن حقك…..عن اشياء تستحقها وغيرك يبخس بها عليك….
قد دافع بكل قوته عن حق زوجته…أراد إنصافها واسترجاع حقها من والده……لكن والده ابى بعناد
واشهر السلاح في وجهه مهدد بقتله ان لم يتراجع…
راى في عينا والده وقتها حقيقة انه قادر على
فعلها فقط يحتاج الى دفعة بسيطة !!.. وكم
ضربة هذا الشعور القاسي في مقتله…
لم يكن مجرد والد قاسٍ ، اضحى سفاح يريد أراقة
الدماء باي ثمن كان…
منذ زمن وعلاقتهما في وطاة وقسوة لكنه لم يتوقع
رد فعل والده وكأنه قتله بالفعل دون ان يتكأ على
الزناد !!….
الان أدرك ان ربما نهايته قريبة….قريبة جدًا ومع ذلك لن يتراجع خطوة واحده سيتابع الاجراءات القانونية وليفعل والده ما راه مسطور في عيناه….
فتح باب الشقة بملامح جافية وعينا مظلمة اكتافه هابطة باحباط…وصدره متضخمًا بمشاعر مقيته
كارهه…عيناه حمراء كالدماء من شدة الانفعال والضغط و…..البكاء…
بكى حمزة اليوم في سيارته….بكى ساعات طويلة وهو يدور في شوراع المدينة بالسيارة باحث عن الراحة في خلوة مظلمة كئيبة…..
شعر انه عاد صغيرًا يتوارى عن الاعين ويبكي
يبكي حتى يفرغ اوجاعه ثم يعود ليلا محطمًا
يسقط على الفراش وينام كجثة هامدة…..
رؤيته هكذا كمن خاض أكبر المعارك بشراسة وعاد منها بخزي ناكس الرأس يحمل على عاتقه خسائر مثقلة باوجاع الهزيمة….
كانت قمر جالسة فريسة للخوف لساعات طويلة تنتظر قدومه على احر من الجمر…..
وعندما سمعت صوت المفتاح في المزلاج يليه
دخوله اليها وقفت مكانها تنظر اليه بعينين قلقتين وحين اقترب حمزة من مكانها دون ان يلاحظ وجودها حتى الان…
ما كان امامها سوى ان تقترب هي منه وتلقي نفسها في احضانه متشبثه بعنقه ثم فجاة انخرطت في بكاءًا مرير ناتج عن خوفها عليه اليوم وعدم رده
على اتصالاتها الكثيرة ساعات الماضية…
“من الصبح برن عليك ليه مردتش عليا….كنت
هموت من القلق عليك….”
ابعدها عنه برفق قائلا… “انا كويس اطمني…..”
مسحت دموعها وهي تنظر الى عسليتاه ملامسه
خده بحنية وقلق….
“انت كنت عند المحامي ياحمزة مش كده….”
“مالك ياحبيبي…قالولك اي ضايقك…اتكلم ليه
ساكت….”
حاول حمزة ان يكون طبيعيًا في الرد…
“هتكلم أقوله إيه…هما حاولوا معايا…يعني عرضوا
عليا مبلغ بسيط كده بس انا مرضتش فاختلفنا وسبتهم ومشيت….”
قالت قمر بريية….. “وخالي….كان اي رده ؟!!…”
بلع حمزة ريقة كمن يبتلع شفرة حادة قادرة
على شطر حلقه لنصفين…
اجابها حمزة بقنوط….
“هيقول إيه….يعني طمعان انك تتنازلي من
غير ما تاخدي حقك….”
قالت قمر بجبن….
“انا من رايي ان إحنا نبعد عن الشر و…”
عيل صبر حمزة فصاح….
“قـمـر احنا مش هنطاطي لحد…دا حقك…”
قالت قمر بغصة مختنقة….
“انا مش عايزة حاجة من الدنيا دي غيرك…شكلك
مخبي حاجة عني….حـمـزة….”
“انت كنت بتعيط !!…”قالتها قمر بشفاة فاغرة
وهي تلامس وجهه بكلتا يداها بحنو….
“اي اللي عمله وصلك لكده….”
أشاح حمزة وجهه عنها مبعد يداها
عنه…قائلا بنفاذ صبر….
“قـمـر…..انا تعبان أوي وعايز انام….عشان
خاطري سبيني دلوقتي…”
نظرت له قمر قليلا ثم اومات براسها
برفق…..
“حاضر….. زي ما تحب… تعالى….”
مسكت يده كأم ترشد طفلها ثم سارت معه الى غرفتهما وهو معها مستسلم لها وعيناه معلقة بها
بنظرة غريبة بينما عقله عاصف بالافكار…..
جلس حمزة على حافة الفراش وهي جلست
على ركبتيها ارضًا و أمام وجهه مباشرة رفعت
وجهها المليح وبنيتاها اسيرة عيناه بينما يداها
تعملا بشكلا آلي على نزع السترة وفك ازرار قميصة….
لم يقدر على مقاومة جمالها رغم انتكاسة مشاعره
الان…مد يده يلامس خصلة من شعرها اللولبي
الأسود هامسًا بخفوت….
“وشك مخطوف كدا ليه…..”
تأوهت بعذاب قائلة بعتاب…
“وكمان بتسأل….مصيرك في يوم قتلني من القلق
عليك….”
غمز حمزة لها محاولا المزاح….
“جمدي قلبك شوية….احنا لسه معملناش حاجة…”
قالت قمر بملامح ممتقعة…
“متحولش تضغط على نفسك عشان تطمني وتهزر
عشان مقلقش….باين ان في حاجة كبيرة حصلت..”
تافف حمزة بملل…. “قـمـر….”
هتفت بنبرة متوسلة…..
“حمزة لو بتحبني بجد بلاش تكمل في سكة الانتقام
دي…انت كده بضر نفسك….”
جفل حمزة مستهجنًا…
“مين قالك اني بنتقم….انا بجبلك حقك…”
قالت قمر بخفوت واهٍ….
“عارفه….وعارفة كمان انها فرصة عشان تنتقم منه…وتخليه يدفع تمن اللي عمله معاكم زمان…”
التوى فم حمزة هازئًا بضغينة….
“حتى لو اتسجن ياقمر…..تفتكري كده هو دفع
تمن موت أمي وبهدلتنا احنا التلاته السنين دي
كلها….هو اللي قتلها….وحرمنا منها….”
قالت قمر بجدية دون أدنى تردد….
“خليك صريح مع نفسك ياحمزة…دا كان اختيار
مامتك في الاول والاخر…هي أكيد حبته بطريقة
خلتها تندم مع الوقت انها رجعتله من تاني وادته
فرصة هو ميستحقهاش….”
عندما لم تجد منه ردًا خففت من حدتها
قائلة بتعاطف…..
“ربنا يرحمها…..في نهاية النصيب غلاب…ومفيش
مفر منه….كله مكتوب لينا…..”
“صح كله مكتوب لينا….”علق حمزة على جملتها
وهو يومىء براسه مستلقي على الفراش بظهره وعيناه على سقف الغرفة….
سالته قمر بقلق….”خلاص هتنام….”
فرد حمزة ذراعه لها قائلا بنظرة ميتة
المعاني….
“تعالي في حضني عشان اعرف أنام….”
استلقت على الفراش من الجانب الاخرى منضمة اليه
فتح ذراعيه واخذها بين احضانه يضمها اليه بكل ما اوتي من قوة وكانه يريد وشمها على صدره…
تبادلت قمر معه العناق بحب متنفسة عطرة الرجولي الممزوج برائحة أنفاسه وهمست بصبابة الهوى…..
“بحبك أوي ياحمزة….”
طبع قبلة سطحية على شفتيها قائلا وهو يغلق
عينيه بارهاق … “وانا بموت فيكي…..”
ابتسمت قمر واغمضت عينيها معه لتسمع جملة
بعد دقائق نطق كلماتها بنبرة ناعسة دون وعي
منه….
“ومعنديش مانع أموت عشانك..”
خفق قلبها بقوة كناقوس الخطر وهي تنتفض بين ذراعيه بهلع جاحظة العينين لكنه لم يشعر بانفعالاتها
فقد غط في نومًا عميق بعدها…..
………….
في صباح اليوم التالي دلفت قمر الى الغرفة بعد
ليلة مضنية من التفكير والقلق لم تذق طعم النوم بعد تلك الجملة التي قالها دون ان يعي على نفسه..
وضعت صنية الفطور التي كانت تحملها جانبا على
الطاولة…
ثم اقتربت من الفراش بهيئة مرتبة عطرة بعد ان
اغتسلت وبدلت ملابسها الى منامة رقيقة ورفعت شعرها للأعلى على هيئة ذيل حصان متدلي خلف عنقها بتمرد جنوني….
جلست قمر على حافة الفراش ونظرت اليه بعينين
عاشقتين خائفتين عليه بشدة من القادم……
لمست خده بيدها الحانية الناعمة كلمسات
الورد همست بنبرة خلابة…..
“حـمـزة….حـبـيـبي اصحى……كفاية نوم….”
حرك حمزة حاجبيه قليلا بانزعاج فابتسمت قمر
وهي تميل عليه طابعة قبلة ناعمة على خده
هامسة بنبرة خلابة تدلله….
“حـبـيـبي….مـيـزو….اصحى بقا عشان تفطر
وتروح شغلك….”
فتح عسليتاه وابتسم بعد ان رأى وجهها الجميل
يطل عليه في الصباح كأجمل وأروع شيء يبدأ الإنسان به اليوم….وبنفس النظرة من بنيتاها التي تشعره دون ان تعي انه إمتلك العالم بأسره حين
ملك قلبها…..
قالت قمر بنظرة شقية….
“اي الكسل دا كله…..انا حسدتك ولا إيه….”
استوى جالسًا على الفراش
بتكاسل…
“صباح الخير يـاقـمـر….”
قالت بنفس البسمة المشرقة….
“صباح النور ياميزو…..ضارب بوز كدا ليه….”
رد واجمًا…..”لسه صاحي….”
قلدت صوته بمزاح غليظ….. “ليسه صاحيي….”
لكزها حمزة بخفة مبتسًما…..
“خفة الدم دي هتيجي على دماغك…اتعدلي…”
تحسست قمر مكان الكمة قائلة
بتأوه..”ايدك تقيلة…..”
اعتذر حمزة مقبل كتفها ثم مالى جواره يسحب
علبة السجائر….
سحبت قمر العلبة في لحظة خاطفة وقالت
باعتراض شديد….
“بتعمل إيه….انت لسه صاحي هتشرب سجاير… ”
عبس حمزة قائلا بجزع….
“هاتي العلبة ياقـمـر….انا مش هعرف ابدا اليوم
غير بيها….”
خبئة العلبة منه وهي تنهض برشاقة حاملة صنية
الفطور اليه لتقول بفخر….
“نبدأ اليوم بالفطار المتين…شوف انا محضرالك ايه بيض وجبنة ومربى وللبن….”
نظر حمزة لكوب الحليب برفضٍ
قاطع….
“للبن ؟!!!….اللبن مش بيحبني…..”
قالت قمر بمداعبة جميلة…
“معقول… هي في حاجة تقدر تشوفك ومتحبكش…
جرب كده يمكن يحبك….”
ضحك حمزة وهز راسه قائلا
بحزم….
“هاتي السجاير ياقـمـر…”
زمت شفتيها بدلال مؤنبة….
“لا ياميزو…هتفطر الأول….مش كفاية لحد دلوقتي مبطلتهاش زي ما وعدتني….”
قال حمزة بصلابة….
“قللت منها….أكيد واخده بالك….”
قالت باستحسان….
“عقبال ما تبطلها خالص عشاني….”
قال حمزة بصبرٍ….
“عشانك اعمل إي حاجة…هاتي بقا السجاير…”
رفضت بمشاكسة مشيرة على صنية
الفطور…”افطر الأول….”
اشار على كوب الحليب بغيظٍ….
“طب شيلي اللبن ده من قدامي عشان محمكيش
بيه دلوقتي…”
“وهتفطر ؟!…”ضحكت بدهشة وهي تحمل الكوب
من امامه بسرعة….
زم شفتيه مستهجنًا…
“أمري لله هفطر….انتي هتفطري ؟!!…”
قالت بتأكيد مدعيه المرح بقدر
كبير….
“طبعا انا ميته من الجوع…..”
بدأت قمر تاكل لقيمات صغيرة وهي تراقبة يتناول وجبة الفطور بهدوء…..بينما هي فقدت الشهية قبل
حتى ان تمس الطعام….كما جفاها النوم والراحة
أمس….
“واضح اوي انك ميته من الجوع….”
قالها حمزة وهو يمد له لقمة مغمسة بالجبن ، اكلتها
قمر منه مبتسمة وهي تقول…
“واضح اني نقنقت شوية وانا بحضر الفطار….عشان
كده شبعت بسرعة….”
اعطاها لقمة اخرى قائلا بحزم….
“مفيش الكلام ده…كملي فطارك….”
بدا حمزة يهتم بها ويطعمها معه….حتى اضفى شعور الدفئ بينهما مجددًا فتبادلا اطراف الحديث قليلا…
فقال حمزة بعد تنهيدة…..
“نمت زي القتيل امبارح…محستش بنفسي….”
ابتسمت قمر بحزن مؤكدة بايماءة
بسيطة….
“فعلا نمت بسرعة….انا بقا نمت ساعة وقومت….
من القلق مجاليش نوم….”
سالها بحاجب معقود….”واي اللي قلقك….”
قالت بنبرة مهمومة…..”مش عارفه…”
تلاقت أعينهما لفترة زمنية مشحونة بالكثير من المشاعر حتى وجزة عينا حمزة منسحبًا من
حرب النظرات تلك ناهضًا من مكانه قائلا
بهدوء….
“تسلم ايدك ياقمراية على الفطار…”
اومات براسها واجمة الملامح…..
“بالف هنا ياحمزة….”
ثم نهضت من مكانها حاملة الصنية الى المطبخ….
بينما دلف حمزة الى الحمام يستعد للعمل…
خرج حمزة بعد فترة ملتف بمئزر الاستحمام
وفي يده منشفة يجفف بها وجهه وشعره
المبلل…
“انت هتروح الشغل النهاردة….”
سالته قمر وهي تخرج من المطبخ وفي يدها فنجان القهوة التي اعدته له….والذي هو كل ما يحتاج إليه الان…..
اجابها حمزة وهو ياخذ رشفة ساخنة
منه….
“ايوا زي كل يوم بتسألي ليه…”
قالت قمر بارتباك….
“اصلك وعدتني انك هتاخد اجازة ونسافر…..”
قال حمزة بهدوء متأني….
“الصبر يـاقـمـر لما القضية يتحكم فيها نبقا نسافر المكان اللي تشاوري عليه…مش معقول هنسيب كل اللي بنرتب ليه ونسافر كده….”
قالت قمر بتوسل…..
“طب ما تقعد معايا النهارده ونقضي اليوم سوا….”
رفض حمزة بحزم….
“مش هينفع برضو عندي شغل وسلطان بيجي
متاخر اليومين دول فمش هيبقا انا وهو….”
تاففت بحنق قائلة….
“اي المشكلة يعني لو قعدت معـ…….”
اوقفها حمزة بشك سائلا…..
“قمر اي حكايتك انتي عايزة تحبسيني جمبك ليه في إيه مالك ؟!!….”
حاولت التأثير عليه بطريقة اخرى فمدت يدها
تلمس عنقه باصابعها هامسة بنبرة مغوية….
“ولا حاجة اصلك وحشني اوي وامبارح ملحقتش اقعد معاك….”
لانت ملامح وجهه قليلا فاحتوى خصرها بيده
الحرة وهو يقول….
“حقك عليا… النهاردة هطلع من المصنع عليكي علطول ونقضي طول اليوم سوا ونسهر كمان اي رأيك.. ”
وضعت راسها على صدره متنهدة…
“مش محتاجة سؤال هستناك… ربنا يخليك ليا…”
طبع قبلة فوق راسها ثم دس انفه في شعرها
الغجري مستنشق عطرة الزكي ويده تشدد
الى ضمها إليه…. “ويخليكي ليا ياقمري…”
بعد قليل كانت تودعه على عتبة باب الشقة بعد ان تأنق بطاقم شبابي رائع لاق بجسده الصلب وقامة طولة المناسبة ، صفف شعره الناعم للخلف ووضع عطره الخاص….
كان وسيمًا وسامة تجذب الابصار إليه فرغم الهدوء البادي عليه إلى ان هناك شيء يدينه ربما عسليتاه التي اصبحتا شرستان كجذوتان من لهب في ليلة وضحاها..او قناع الجمود الذي ارتداه مخفى عنها حقائق هامة…..
“خد بالك من نفسك ياميزو….”
قالتها قمر التي وقفت جوار الباب ترنو اليه بعينيها
وقلبها يخفق في حضور مالكه….
ابتسم لها حمزة وهو يميل عليها خاطف القبل
من وجنتها وهو يأمرها بمداعبة….
“عايز لم ارجع نبقا نعوض الليله اللي عدت على
الفاضي دي….عايز أشوفك بالاحمر النهاردة….
وترقصيلي…”
قرصة قمر وجنته وهي تميل عليه بتغنج
ضاحكة….
“من عنيا ياسي حمزة…هحضر كل حاجة على
ما تيجي…..قولي نفسك تاكل صنف معين….”
مسك كف يدها قبل ان تبعدها عنه ثم طبع قبلة
داخلها قائلا بشغف….
“اي حاجة منك حلوة ياقمراية….طالما انتي اللي عملاها..”
مسحت على كتفه قائلة…..
“في حفظ الله ياحبيبي….”
ابتسم حمزة لها وهو يتخطى عتبة الباب
المفتوح….
“هبقا أرن عليكي لما اوصل….يلا اقفلي….”
قالها وهو يوليها ظهره متجه الى المصعد…..
فأغلقت قمر الباب كما أمر ثم اسندت ظهرها
عليه من الجهة الأخرى وقد تهدل وجهها بمشاعر الخوف
فرفعت عيناها الحزينة الامعة بالدموع للأعلى
تناجي ﷲ بلوعة…..
“يارب….يارب احفظه….وابعد عنه الأذى…..”
……………………………………………………
بعد نصف ساعة تقريبًا رن جرس الباب فاتجهت
قمر اليه وهي تجفف يداها بالمنشفة بعد ان
غسلت الأواني…..
ارتدت خطوة للخلف فاغرة الفم بدهشة متسعة الأعين بعد ان رأت عثمان الدسوقي يقف امامها مباشرة عند الباب بملامح مظلمة ونظرات قاسية مخيفة تضاهي نظرة سفاح لعين…..
بلعت ريقها وتملكها شعور الخوف وهي تقول
تحت تاثير الصدمة…
“خالي ؟!!….”
قال عثمان بنبرة غليظة….
“اي مش هتقوليلي اتفضل….دي حتى أول مرة ازوركم في شقتكم….”
تنحت قمر جانبًا قائلة بتردد…
“لا اتفضل ياخالي تنور….دا بيتك….يمكن استغربت
شوية عشان فعلا أول مرة تزورنا….”
تخطى عثمان عتبة الباب ودلف الى الشقة وبلمحة
سريعة من عيناه قيم المكان وهو يبتسم بسخرية فكل هذا ينعم به الوغد ابنه ويطمع في الأكثر ؟!!….
اشارة له قمر على غرفة الجلوس فدلف اليها وهو
يتفقدها بعيناه ثم جلس على أقرب أريكة….
قالت قمر بنبرة فاترة….
“حمزة مش هنا….لسه خارج للشغل من شوية.. ”
اوما عثمان براسه قائلا بوجوم….
“عارف…وده اللي خلاني اجيلك…عشان نتكلم…”
تسارع نبض قلبها…فقالت مبتسمة
بصعوبة…..
“قبل اي حاجة تشرب إيه ياخالي….”
رفض عثمان وهو يشير لها على
المقعد المجاور له…. “مش عايز….قعدي….”
جلست بتوتر كما أمر شاعرة بالاختناق بالقرب منه
وعدم الأمان…..
سالها عثمان على نحوٍ مفاجئ…
“انتي بتحبي حمزة مش كده ؟!….”
رفعت عيناها اليه بتحفز
قائلة…
“أكيد….ليه هتجوزه لو مش بحبه….”
مالى فم عثمان في بسمة جانبية باردة ثم عاد
لتجهمة قائلا بنظرة ثاقبة….
“عرفتي باللي عمله معايا ؟!!..”
بلعت قمر غصة مسننة بحلقها وهي تسبل جفنيها
بحرج شابكة ايديها ببعضهما بقوة….غير قادرة
على مواجهة نظراته…..
فهتف عثمان بنبرة مستاءة مؤنبة….
“سجني هيرضيكي ياقمر….دا اللي امك وصتك بيه
قبل ما تموت.. تيجي لحد هنا عشان تسجنيني…بعد
ما دخلتك بيتي وعرفتك على عيالي…وجوزتك ابني
جزاتي يبقا السجن ؟!!….”
قالت قمر بقلة حيله…..
“انا مش عايزة غير حقي ياخالي…وانت مانعني
عنه….”
على تعبير الشراسة وجه عثمان الذي صاح
بصوتٍ مقيت….
“حقك خدتيه لما اتجوزتي ابني وعشتي في خيري
ولا تكونيش فكرة الشقة الكبيرة اللي انتي عايشة
فيها معاه والمصنع اللي فتحه والفلوس اللي بيصرف عليكي بيها كلها من حر ماله…دي فلوسي انا… وانتي عارفه انه مكنش لاقي…لا شهادة ولا شغل…انا
اللي خليتها حاجة ويوم ما اتنطط…. اتنطط
عليا…عشانك…”
قالت قمر بانفعال طفيف…..
“الفلوس اللي فتح بيها المصنع حقه من ورث
امه….والشقة اللي احنا فيها دي تقدر تقول جزء
من حقي لحد ما ارجعه كله منك…..”
ارتفع حاجب عثمان بشرٍ….
“دا انتي مصممه بقا على سجني….”
قالت قمر بتراجع….
“ممكن نتفق ومتوصلش للسجن….”
هتف عثمان بضجر….
“بس انا مش هديكم مليم واحد….وهاخد منك
تنازل ودلوقتي حالا….”
اخرج الاوراق من جيب السترة الكبيرة ثم القاها
امامها على الطاولة بعصبية ، يأمر بنبرة مهيبة
تجلى بها الوعيد…….
“امضي على الورق ده….”
رفعت حاجبها ونظرت الى الورق ثم اليه
قائلة بتهكم…..
“واي اللي يجبرني انفذ كلامك…”
هتف عثمان بنبرة تنبأ بالخطر….
“حـمـزة…. لو عايزة تحافظي على جوزك اتقي شري….وامضي على التنازل….”
قفزت قمر من مكانها كمن لدغتها
حيه….
“انت بتقول إيه….انت ناوي تأذيه ؟!!..”
ابتسم عثمان بسخرية موضحًا….
“ناوي اقتله لو كمل في سكة المحاكم دي عشان يسجني….هقتله واحسركم انتوا التلاته عليه…”
قالت قمر وقلبها ينتفض بين اضلعها
بخوف….
“انت ازاي تفكر كده…دا ابنك !!!….”
وقف عثمان امامها وقد تملك منه الغيظ
فقال بغل…..
“ابني اللي عايز يسجني عشان مراته ميبقاش ابني
يبقى ابن حرام…..ويستاهل اللي يجراله…”
صاحت قمر بنظرة منفعلة…..
“مش مصدقة انت شيطان بجد..إزاي قادر تفكر
بطريقة دي…تقتل ابنك….كل ده عشان الفلوس….”
هتف عثمان بصوتٍ قاسٍ مزدري…
“ايوا كل ده عشان الفلوس…اللي انتي وهو ناوين
تسجنوني عشان تخدوها مني…ها ناويه تمضي
ولا هضحي بيه….”
تشتت عقلها قليلا وهي تنظر اليه بكراهية وبغض
ثم الى الأوراق على الطاولة خلف منكبيه…..
قصف صوتٍ حاد من خلفها اهتزت معه حيطان الغرفة من حولها أو هكذا ظنت قد أعجز تفكيرها
واجفلها….
“اياكي حتى تفكري تعمليها….”
انتفضت قمر مبهوتة على صوت حمزة فاستدارت
للباب خلفها ترفع عينيها بصدمة لتراه يقف عند
باب غرفة الجلوس المفتوح باعصاب مشدودة
وعينا شاخصة تبرق بشكلا مفجع كقاتل
متسلسل……
تفاجئ عثمان بوجود ابنه فظهرت أمارات
الضجر على وجهه فالخطة فشلت قبل ان
تجني ثمارها….
أقترب حمزة منهما بخطوات متباطأه هادئة هدوء
ما قبل العاصفة……
خفق قلب قمر بوجع وهي تراه يقترب من والده
بوجهٍ يعلوه أمارات الغضب السافر….
اغمضت قمر جفنيها وهي تشعر بالذنب فالعداوة بينهم وصلت الى درب مغلق مستعر بنيران الانتقام وكلا منهم يبحث عن الخلاص لنفسه وهلاك الاخر !!…
وقف عثمان امام ابنه بملامح جامدة ونظرة قاسية
بالفطرة لا تمحى…..
ساله حمزة بخشونة
كارهٍ….
“اي اللي جابك هنا……”
قال عثمان ببسمة خبيثة….
“جاي اتفق مع بنت اختي…. هو دا مش حقها
برضو ولا انت ناوي تلهفة منها….”
صاح حمزة والغضب يضرب كل عصب
بجسده….
“كلامك يبقا معايا انا….احنا متفقناش امبارح على حاجة عشان تيجي تاخد امضتها دلوقتي…”
نظر حمزة للأوراق قائلا بقرف….
“ولا انت استغليت اني مش هنا…فقولت تيجي
تلعب باعصابها وتضغط عليها…..عشان تاخد
اللي انت عايزة….. ”
ساله عثمان ببلادة…
“وانت إيه بقا اللي رجعك ؟!!…”
وجم حمزة قائلا بازدراء….
“النصيب خلاني ارجع اجيب تلفوني ولاقيك جاي
لحد هنا تهدد مراتي بموتي لو متنزلتش….”
قال عثمان بخساسة….
“مراتك اعقل منك….وعارفه مصلحتك كويس….”
ثم نظر الى قمر الواقفة خلف حمزة على بعد خطوات بوجه باهت منفعلا بالقلق…
“قولتي اي ياقمر….”سالها عثمان بنظرة تبث
تهديدًا صريح في الأعماق….
خفق قلب قمر بذعر وهي ترمش بجفنيها مترددة
بينما هدر حمزة بصوتٍ جهوري قاتم….
“قولتلك كلامك يبقا معايا انا….خد الورق بتاعك واطلع برا…ونبقا نتقابل في المحكمة وساعتها القاضي يحكم بينا….”
أخذ حمزة الورق من على الطاولة واعطاه له
بعصبية….فقال والده بقتامة وهو يوزع
النظرات العنيفة عليهما…..
“يعني دا اخر كلام عندكم ؟!!….”
اوما حمزة متهكمًا بجسارة….
“ايوا واللي عندك اعمله….انا مبتهددش….”
اقتربت قمر من حمزة بهلع تمنعه من التمادي
وهي تمسك ذراعه… “حـمـزة…..”
اخرسها حمزة بنظرة ثاقبة…. “ولا كـلـمـة….”
اطرقت براسها وهي متشبثه بذراعه بقوة…بينما
اشار هو الى ابيه بنظرة محتدة…..
“اتفضل من غير مطرود…..”
جاشت مراجل عثمان وهو يلقي عليهما نظرة سوداوية متوعدة ثم خرج بخطوات سريعة متجهمة….
“ليه عملت كده ياحمزة…أفرض نفذ تهديده واذاك…”
قالتها قمر والدموع تتجمع في مقلتاها بخوف …
قال حمزة بنبرة واثقة…..
“ميقدرش…انا عارفه كويس كلمتين وبيقولهم
عشان يضغط علينا وفي الاخر لما ميلقيش منها فايدة هينفذ اللي احنا عايزينه….”
قالت قمر بسأم….
“انت بتضحك عليا ولا على نفسك….”
تافف حمزة بجزع….
“ممكن تهدي وتسيبي الموضوع يمشي زي
ما اتفقنا….
ثم رفع اصبع التحذير قائلا بصرامة….
“وإياكي تفكري تصرفي تاني من دماغك لولا اني رجعت البيت في الوقت ده كان زمانك ماضيه
على الورق ومضيعة تعبي كله…”
قالت قمر بتلعثم….
“مكنتش همضي اكيد…غير لما ارجعلك….”
رفع حاجبه مشككًا في الأمر….
“ياسلام…..امال انا ليه حسيت العكس…”
مسك حمزة ذراعها وقربها منه قائلا
بحنو…..
“قمر مضيعش كل اللي احنا بنعمله اجمدي شوية ميبقاش قلبك خفيف كده.. المحامي مأكدلي اننا هنكسب القضية من أول جلسة….”
قالت قمر بخفوت واهٍ…..
“انا مبقتش عايزة حاجة…انا بقيت خايفة كل
ما معاد الجلسة يقرب….”
مسح على كتفها بحنان….
“اطمني ياحبيبتي انا جمبك….”
القت نفسها بين ذراعيه هامسة بلوعة…..
“يارب علطول جمبي….انا مش عايزة غير انك
تبقا جمبي وبس ياحمزة…”
اغمض عيناه بعذاب وصدره يموج بالكثير من المشاعر وأكثرهم صعوبة والمًا الخوف عليها
ان اصابه مكروه !!….
………………………………………………………………
ابتسمت داليدا وهي تضم الصغيرة الى صدرها مستنشقة رائحتها الطيبة…. ثم وضعتها عند ثديها
لترضعها وتنام بعدها….
تثأبت داليدا بتعب فمنذ ان عادت من المشفى ولمدة أسبوع كامل لا تنام ساعتين كاملين… فالصغيرة تبدا
بالصراخ والتذمر ليلا ونهارًا دون توقف وبلا سبب
وجيه…..
فتكون مضطرة بالسير بها ذهابًا وعودة في انحاء الشقة تغني لها تحدثها حتى تتوقف عن البكاء دون نوم وكأنها تعاقبها على خصامها لأبيها….
ابتسمت داليدا فمنذ ان عادت من المشفى وسلطان يحاول ارضاءها بشتى الطرق لكنها ترفض التحدث
له بكبرياء مصرة على قرار الانفصال الذي ما هو
إلا حجة لعقابة بعد ان قهرها وهي تتخيل زواجه
من أخرى….
رفعت داليدا عيناها على باب غرفة نومها لتراه يدخل اليها حامل بين يداه صنية الغداء….دغدغ قلبها بالعاطفة فور رؤيته بجسده الضخم الطويل والوسامة الفجة التي يتمتع بها….
سالته داليدا بحرج وابنتها بين ذراعيها
تأكل…
“فين أميرة…هي روحت…..”
“نزلت تتغدى مع امي تحت….يلا عشان تتغدي..”
قالها سلطان بهدوء وعيناه تبتلع أدق تفصيلة
بها وهي تجلس بتلك الوضعية التي تثير
عواطفه…
بلعت داليدا ريقها وهي تتحاشى النظر اليه
بحياء…..
“حط الصنية عندك….مليكة لسه مخلصتش اكلها..”
انصاع سلطان لأمرها وهو يضع صنية الغداء
جانبًا ثم انضم اليهم على الفراش جالس على
الحافة…..وهو يسالها وعيناه على طفلته
الصغيرة التي انهت طعامها للتو….
“بتسهرك كتير أوي…كل يوم بسمع صوتها…”
امتلأت احناءُ صدرها بالضيق وهي تضع
الصغيرة على كتفها متبرمة…..
“ومع ذلك مش بيهون عليك تقوم تشيلها عني..”
على الاستهجان وجهه وهو يخبرها
بلوم….
“عايزاني اساعدك ازاي وانتي قلبه بوزك كده…”
قالت بتذمر انثوي…..
“ملهاش دعوة بالبوز….دي بنتك زي ما هي بنتي..”
اشاح سلطان وجهه بنفاذ
صبر….
“المرة الجاية حاضر…مش هتاكلي… ”
“ثواني….”قالتها داليدا وهي تضع الصغيرة في السرير بالعرض بالقرب من سلطان الذي لم يقاوم جمالها الخاطف وسند على مرفقة يداعبها بلمساتٍ
رقيقة مدللها بمحبة….
“مليكة….حبيبة بابا….اي الحلاوة دي…
داليدا الصغيرة….”
طبع قبلة على وجنتها وهو يقول
منتشيًا….
“عايزة تتكلي أكل انتي وامك….”
نظر سلطان الى داليدا بمداعبة وقحة فاسبلت
عينيها ارضًا متحاشية النظر اليه متكأه على اسنانها بقوة حتى تمنع بسمة خائنة معبرة عن مدى شوقها المجنون اليه !!…..
“شبهك أوي ياداليدا….”قالها سلطان بنبرة عذبة
وهو يوزع النظرات بينهما بمحبة….
فقالت بخفوت مبتسمة….”فيها منك برضو….”
تبادلا النظرات بعمق لبرهة وكأن الكون توقف بجمالا
عند تلك اللحظة….
اشاحت داليدا بوجهها بقلبٍ خافق بعذاب…ثم نهضت
من مكانها قائلة بتلعثم….
“انا هروح اغير الأول….وبعدين هبقى أكل…مش
مرتاحه كده….”
وقف سلطان فورًا معها… “طيب يلا….”
سالته بحرج شديد…. “انت رايح فين؟!!….”
اجابها ببساطه….”هساعدك ياداليدا….”
رفضت بارتباك….
“لا مش عايزة….خليك جمب مليكة….”
نظر الى ابنته الساكنة مكانها كما وضعتها أمها
تنظر للاعلى شاردة في مكلوت آخر……
عاد سلطان اليها قائلا
بحزم…
“بلاش تتحججي بمليكة….تعالي….”
وجدت نفسها فجاة ترتفع بين ذراعيه بخفة
شهقة داليدا ممتنعة….
“سلطان نزلني مش عايزة…..عشان متقرفش…”
“اقرف من اي ياهبلة…دا انتي بنتي مراتي
وحبيبتي….”قالها وهو يقطف قبلة من شفتيها
الفاغرة بالرفض الركيك…..
زمت شفتيها الشهيتين بدلال…
“برضو مش مسمحاك….وهفضل مخصماك….”
انزلها سلطان امام باب الحمام المفتوح وقبل
الدخول عاتبها قائلا….
“لحد امتى….هتفضلي مخصماني…حني بقا يادودا
وحشني حضنك يابت….”
عقدت ذراعيها امام صدرها وهي تهز جسدها
بغيظٍ والغيرة تدب في اعماقها….
“لو كنت بتحبني اوي كده ومتقدرش على زعلي…
كنت على الاقل عرفتني انه صاحبك اللي هيتجوز
مش انت….انت قاصد تحرق قلبي….”
هتف سلطان مستنكرًا….
“ياساتر هو انا رايح أموت…دا جواز…..وبعدين
انا لسه بفكر….”
قالت داليدا بحدة….
“زيه زي الموت…. هو إيه اللي لسه بتفكر ؟!!..”
سالته بعينين تقدحان شررًا….فقال سلطان
بمزاح خشن…
“ايوا اي رأيك اتجوز واحده تانيه تساعدك في
شغل البيت واهي تطبخ حاجة لينا احنا الاتنين
غير المكرونة….”
احمر وجهها بالغضب وهي تصرخ…
“انت عايزني اشرب من دمك…انت كده شايف
انك بتراضيني ؟!!….”
“راضيني انتي وتعالي في حضني شوية يادودا…”
سحبها سلطان بين ذراعيه وهي بدت تقاوم العناق
بكبرياء….
طبع قبلة على كتفها معاتبًا بنبرة مشتعلة
بالاشواق….
“أسبوع بحاله وانتي مش مهتمه بحد غير بنتك…”
قالت بتبرم… “وانت مهتم بشغلك ونسيني….”
فصل سلطان العناق وهو ينظر اليها قائلا
بنبرة حانية….
“دا انا انسى الدنيا كلها ولا انساكي….مانا كل شوية
بكلمك في شغل…ولما برجع بقعد معاكم…بس انتي
اللي قلبه وشك عليا وبتردي بالقطارة….”
امتقع وجهها بحنق قائلة….
“انت شايف ان الموضوع مش مستاهل اخد
فيه موقف ؟!…”
تشدق سلطان هازئًا بغلاظة…
“والله وكبرنا ياداليدا وبقينا بناخد مواقف كمان….”
أوغر صدرها بالغيظ فلكزة ذراعه بقوة قائلة
بحدة…
“ايوا كبرنا واتكلم معايا من غير اسلوبك المستفز
ده….”
مد سلطان يده ومسكها من الخلف من ياقة
المنامة التي ترتديها…ثم حركها بين يده بخفة
كمن قبض على لصّ الملابس….
“انتي اتهبلتي ياداليدا بتزقيني….انتي الولادة
قوة قلبك عليا اوي….”
قالت وهي تبعده عنها برعونة….
“أوي….ومصممة على الطلاق لحد ما تقول حقي
برقبتي وتحترمني بعد كده….”
صاح سلطان بعينين تنفثان نارًا….
“اه دا بعدك….مفيش طلاق ومش هقول حقي برقبتي…..وخدي التقيلة بقا…..احتمال اتجوز
واجبها تعيش معاكي هنا….”
ضحكة داليدا ضحكة رقيعة متمايلة بكتفها
كراقصة شديد الوقاحة و…الجمال…..
“ومالوا ياحبيبي هاتها…الديب فريزر موجود
والساطور مستني…ومتخفش مش هخليك
تبعد عنها ثانية واحده…هحطكم في نفس الكيس..”
“ياساتر…..”قالها سلطان وهو يتراجع خطوة
للخلف مرتعد المفاصل ملامسًا عنقه بيده ، يتأكد
ان كانت راسه في مكانها الصحيح…..
المرأة والساطور !!…..
ابتسمت له داليدا بفخرًا فأشار سلطان على باب الحمام قائلا بضيق بالغ….
“اتزفتي ادخلي خليني اساعدك…..”
رفضت داليدا بوجه مكفهر….
“قولتلك مش عايزة….سبني وروح قعد جمب
بنتك.. ”
لم يسمع لها سلطان ففي اللحظة التالية كان يحملها
على كتفه بطريقة عشوائية مهينة….
صاحت داليدا متذمرة بغيظ….
“سبني…سبني…مش كل شوية تشيلني كده…
روح شيل مراتك التانية…..ياخاين ياغدار….”
ادخلها سلطان الحمام وهي محمولة على كتفه
تحرك ساقيها بعنفوان رافضة بتمرد….
لكنها لم تقاوم كثيرًا فمع أول قبلة حانية على
شفتيها جعلها تصمت ناكسة راسها بتهذيب
تاركه له حرية مساعدتها في الاغتسال
وتبديل ثيابها باخرى مريحة…..
كانت المهمة سهلة بنسبة له فلم تكن أول مرة يساعدها فمنذ ان وضعت الطفلة وهو من يعتني
بنظافتها الشخصية….
رغم انها استعادت صحتها كاملة إلى انه مزال مصمم
على تلك المساعدة بمنتهى التفاني والتي تضفي
على علاقتهما شعورٍ أخرى من الدفء والانتماء..
وكأنك تنتمي لهذا الشخص بكل جوارحك ولا يهم
ابدًا بأي شكلا سيراك وباي حالة ستكون عليها
يكفي ان يخبرك بنظرة عيناه انه معك في كل
وقتًا ، بجوارك مهما حدث…..
يكفي ان يخبرك انه أحبك كما أراد قلبه !!…
………………………………………………………..
من خلال نافذة السيارة نظرت الى الطريق الممتد أمامها بعسليتين تلمعان بوهج الحب….
واخيرًا عادة الى موطنها بعد رحلة طويلة استنزفت الكثير داخلها وعاشت خلالها غربة مريرة مليئة بالصراعات ، لكنها انتهت وعادة وعاد الحب يشرق حياتها فاصلا بينها وبين الأوجاع…..
حانت منها نظرة على عاصم الذي كان جالسا بجوارها في مقعد القيادة… يقود سيارته الفارهة بهدوء مركز عيناه على الطريق أمامه….
ابتسمت شهد وسلب قلبها أكثر بتلك الجلسة القيادية
التي تشع شكيمة ووسامة رجولية يتمتع بها….
لم تقاوم كثيرًا فالبعد علمها ان المقاومة في القرب
ماهو إلا إمتناع أبدي عن الحب !….
وهي لم تعد تمتنع عن الحب اصبحت تراه كترياق
المعالج لروحها لذا مالت عليه ووضعت راسها على
كتفه بخفة ويدها الرقيقة عانقت كف يده فشبك عاصم بتلقائية اصابعه باصابعها الصغيرة….
وران الصمت بينهما مع عزف قلوبهم المدلها
بالحب…
والسيارة تسير بهما على الطريق الممتد الفارغ أمام أعينهما….
“مالك ياعاصم؟!…..”
سألته شهد بعد لحظة صمت وهي تشعر بشيء غريب يرفض الإفصاح عنه منذ فترة….
ترى مالذي يزعجه….ويشغله عنها….وكأن هناك سور
جديد وضع أمامهما يعيق شعورهما بسعادة العودة
رد عاصم بنبرة هادئة مبهمة…..
“مفيش حاجة ياشـهـد…..هيكون مالي يعني….”
قالت بعد تنهيدة….”مش عارفه حساك بعيد عني….”
“بعيد إزاي وانا طول الوقت معاكي….”
قالها عاصم وهو يميل بانفه خلسة على شعرها يشم عطرها المنعش مزيج من عبير الزهور ونسيم البحر تركيبة عجيبة يصعب مقاومتها….
قالت شهد برقة وراسها على كتفه…..
“معايا بس متغير حتى نظرة عنيك ليا…وكأنك عايز
تقولي حاجة….قول انا سمعاك….”
أنكر عاصم بملامح جادة…..
“اي الكلام الكبير ده…لو عايز أقول حاجة هقولها
انتي عرفاني….”
رفعت راسها عن كتفه تداهم عيناه وهي تقول بعتاب…”عرفاك طبعا….وعشان كده سألتك….”
لم يرد عاصم عليها بل اكتفى بنظرة جعلت شكها يقين بان هناك ما يزعجة منها…..
وبعد فترة طويلة من الصمت….سألته شهد بنبرة
كئيبة…..
“أول مرة جدك يونس يعزمنا عنده… يعني مش غريبة شوية….”
رد عاصم عليها بهدوء ويداه على عجلة
القيادة…..
“مش غريبة ولا حاجة….هو عزمنا اكتر من مرة
في أول الجواز بس انا اللي كنت بتحجج بالشغل
والمرادي صمم اننا نيجي ونتجمع كلنا عشان يعرفك
على اولاده واحفاده….وهما كمان يتعرفوا عليكي..”
اومات شهد براسها مشيحة بعينيها للجهة الأخرى
فقال عاصم بنبرة حانية مطمئنة…
“بلاش تتوتري…انا جمبك مش هسيبك لحظة..”
مالت شفتيها في إبتسامة بسيطة وهي تقول
بثقة…
“مش متوترة ولا حاجة يعني انا قبلت معظمهم في فرحنا وقبلها في الفرح اللى روحته معاك واحنا
مخطوبين….. فاكر…..”
اوما براسه مؤكدًا بالقول…..
“أكيد فاكر…. مفيش حاجه بينا قدرت انساها….”
جملة من بعيد تسمع كشعرٍ يلقى لكنها في الحقيقة ألمتها بشدة فكل شيء جميل حدث مقترن بذكرى سيئة بينهما…..
استرسل عاصم وهو ينظر الى وجهها الذي
امتقع فجأة….
“انا متأكد انك هتحبيهم أكتر بعد الزيارة دي
وهتارتاحي وسطهم….”
ردت بفتور…..”ان شاء الله….”
“ليه بعدتي عني….”سالها عاصم وهو ينظر اليها
جالسة مكانها دون حراك كتمثال…..
قالت بحرج تجلى به الحزن….
“عشان تعرف تسوق كويس….”
“متشغليش بالك بالسواقة…قربي…..”سحبها عاصم
من ذراعها برفق حتى وضعت راسها من جديد على
كتفه وكف يدها تلك المرة ارتاح على صدره أسفل خفقات قلبه المتسارعة بقربها…..
همست بأسمه بلوعة الحب….”عـاصـم…..”
اجابها بصوتٍ أجش…..”نـعـم….”
سألت مجددًا بألحاح…
“ليه متغير معايا…..انت لسه زعلان مني….”
اردف عاصم بجزع…..
“بلاش نتكلم في اللي فات ياشـهـد…انسي…”
قالت شهد بشجن….
“المهم انت اللي تنسى ياعـاصم…..”
اغمض عاصم عيناه لثانيتين فيهما تضخمة حنايا صدره بمشاعر عديدة ومؤذية وتشنجات قسمات
وجهه بحدة…..
فهو لا يريد ايلامها ويرفض ان يعود معها لنقطة الصفر….
فإن نجح المرء في النسيان كيف يخمد شعور
الغيرة بداخله ؟!….
ثمة مشاعر يصعب مقاومتها فهي كالنار في الهشيم
تنتشر بصورة مريعة مسببه فوضى جسيمة غير قابلة للإصلاح….
رات امام عينيها بوابة كبيرة تفتح من الجهتين أكمل عاصم القيادة الى ان توقف أمام فيلا كبيرة فخمة تحاط بساحة خضراء شاسعة تزهو بالزهور والاشجار المثمرة……
ترجلت شهد من السيارة مع عاصم ووقفت قليلا تتأمل المكان الذي كان أكبر وأفخم من سرايا الملوك
بمراحل….وهذا يدل على رفاهية أصحاب المكان وسعة الرزق….
اشار لها عاصم ان تقترب منه ففعلت حينها مسك يدها وسارا معًا على ارضًا مصقولة تلمع من شدة فخامتها ونظافتها…..
ما ان اقتربا من باب الدخول حتى خفق قلب
شـهـد برهبة إلقاء الأول..
الرهبة التي تتلبس البعض عند الزيارة الأولى
في بيوت الغرباء….
مهما كانت الصفة التي اجبارتنا على الزيارة
يظل شعور الرهبة ملازم لنا حتى نعتاد عليهم
وتحدث الالفة أو العكس !!…
رأت شـهـد عند الباب الكبير سيدة أنيقة أقل عمرًا
من الجدة( نصرة) تقف عند الباب تستقبلهما بوجه بشوش مبتسمة بحفاوة….
ترتدي عباءة رائعة فخمة تلف الحجاب حول وجهها
الناضر المجعد قليلا بفعل سنوات العمر….ومع ذلك كانت سيدة جميلة حلوة إلقاء……
انها الجدة هدية….هكذا نداها عاصم وهو يقبل يدها احترامًا وتقدير لها فهي عنده مثل الجدة نصرة تماما….نعم انها سيدة هذا البيت الكبير انها زوجة الجد يونس الصاوي…..هدية……
“واخيرًا زورتنا ياعاصم…..نورت بيتك ياحبيبي..”
ربتت الجدة هدية على كتفه كانت سيدة قصيرة القامة مكتنزة الجسد…..
ابتسم عاصم لها بمحبة سألها….
“منور باهله ياحاجة…عاملة اي وصحتك عاملة
إيه….مها واخده بالها منك… ولا أثرت زي المرة
اللي فاتت…”
قالت الجدة هدية بقنوط…..
“انا الحمدلله بخير….مها مزهاقني كل شوية قياس ضغط وعلاج….من ساعة ما اتخرجت وملهاش شغله
غيري….”
“جرالك إيه ياست ماما…دا بدل ما تدعيلي….”
رفعت شهد عيناها للاعلى نحو السلم الممتد لترى شابة جميلة تهبط على الدرج بخفة ترتدي فستان
محتشم وتلف الحجاب حول وجهها الخمري
الخالي من الزينة….
نظر عاصم لشهد وقال
بمزاح….
“جبنا في سيرة القط….”
بينما قالت هدية بتمني…..
“انا بدعيلك كل صلاة بابن الحلال اللي يسعدك…”
زمت مها شفتيها وهي تقف أمامهم…
“بدأنا ياست ماما من ساعة ما فتحت العيادة وبدأت
أشتغل وانتي ملكيش سيرة غير الجواز…..”
ثم إضافة مها وهي ترحب بعاصم دون
مصافحة باليد….
“عامل اي ياعاصم نورتنا…..تعرف لسه قافلة مع
علا دلوقتي حالا…..”
ابتسم عاصم قائلا…. “كويس انا كلمتها الصبح…..”
قالت الجدة هدية بحرج من شهد التي تلتزم
الصمت جوار زوجها….
“معلش ياشهد الكلام خدنا…عامله اي ياعروستنا..”
عانقتها الجدة هدية بحفاوة….بينما قالت مها من خلفها….
“عروسة اي ياماما دي بقالها اكتر من سنة متجوزه…”
قالت هدية بمودة وهي تفصل العناق….
“هتفضل عروسة لحد ما ربنا يكرمها….وتبقا ام
ساعتها هنقولها يام عبد الرحمن……”
اكتفت شهد بابتسامة محرجة فقالت هدية
باعجاب وهي تنظر الى عاصم….
“بسم الله ماشاء مراتك زي القمر ياعاصم…بتفكرني
بالمرحومة امك كانت جميلة ورقيقة كده….تدخل القلب من غير استأذن زيك بظبط ياشهد….”
قالت شهد بابتسامة مجاملة….
“ربنا يرحمها ويجعل مثواها الجنة…”
“تشرفت بمعرفتك حقيقي…عاصم حكالي عنك كتير…..حكالي عنكم كلكم….”
وعلى نحوٍ مفاجئ مدت مها يدها لها قائلة بعفوية
محببة….
“يبقا اكيد حكالك عني انا مها…الدكتورة مها….”
تبادلت معها شهد المصافحة….
“اهلا وسهلا…..يادكتورة ”
قالت مها بملامح مبتهجة….
“اهلا بيكي ياشهد..شوفتك في مسابقة(***)
حقيقي كنتي تجنني…رفعتي راسنا كلنا….
مبروك….الف مبروك من نجاح لنجاح……”
قالت شهد بحياء….”تسلمي يامها شكرًا…..”
“شـهـد….”
صاح صبي صغير باسمها وهو يهبط على درج السلم بسرعة ولهفة…..
لمعة عينا شهد بالفرح وهي تراه يقترب منها تذكرت
هذا الوجه الشقي الجميل سريعًا….الصغير الذي طلب
يداها واعطاها الوردة البيضاء واخرى حمراء….وأثار
غيرة عاصم بطلبة الملح وتغزل بعينيها….الصفراء
الامعة….
صفراء وتلمع !!…..
“ريـان !!!……”
نطقت شهد اسمه بابتسامة واسعة بينما زم عاصم فم بغيرة حمقاء من هذا الصغير الشقي…..
القى الصغير نفسه في احضانها معانق ساقيها…
فمالت شهد اليه بحنان ضمته الى صدرها مداعبة شعره البني الغزير بيدها…..
رفع ريان وجهه لها قائلا ببراءة….
“عاملة اي ياشهد انا مصدقتش لما خالتو مها
قالت انك جايه عندنا…..”
نظرت شهد الى مها…..”خالتو ؟!!….”
قالت مها موضحة بغمزة…..
“ريان ابن اختي نيفين…..باباه قريبنا برضو يقول للحاجة نصرة ياعمتي…..يعني نسايب في بعض..”
اومات شهد براسها متفهمة…ثم قرصت خده
الصغير بخفة قائلة بشقاوة….
“عامل اي ياريان كبرت شوية…..بقا عندك كام
سنة كده يابطل……”
قال ريان بفخرٍ… “انا في سنة اولى ياشـهـد…..”
ضحكت شهد ضحكة سلبت قلب عاصم الذي يقف جوارها يتابع الحوار بصمت…
“لا لا دا احنا كبرنا بجد..وبقينا بنروح المدرسة
كمان.. ”
ضحك ريان وقال ببراءة…..
“ايوا…على فكرة انا حكيت لصاحبتي روزان عنك..”
ضاقت عينا شهد بشقاوة..
“روزان ؟!!….وقولتلها إيه بقا….”
هفت ريان بعفوية لطيفة….
“قولتلها ان عنيكي صفرة وبتلمع…واني هتجوزك
لما أكبر….”
لكزته مها بتحذير….
“يابني مش قدام جوزها….فضحتنا….”
قال عاصم بابتسامة سفاح….
“سبيه سبيه يطلع اللي جواه….واي كمان ياريان….”
اشاع عاصم نظرة مرعبة جعلت الصغيرة يرتد للخلف
متاففًا بسأم…..ثم صاح بانفعال مضحك…..
“يووووه غيرت رأيي….”
سالته شهد بذهول….”ليه كده ؟!!….”
انتفخت شدقتاه بغيظٍ وهو يشير على عاصم الذي مزال يبرق لها بعينيه…..
“مش شايفه نظراته….”
ضحكت شهد وهي تنظر الى عاصم الذي اشاح بوجهه للناحية الاخرى مدعي عدم الفهم…
قالت مها بمزاح لئيم…..
“خلاص يارينو انت تصبر شوية لحد ما عاصم
يجيب بنوته وساعتها ندبسة فيك العمر كله….”
رفض عاصم بجدية قائلا….
“لو آخر واحد مش هجوزها ليه…انا ناقص ريان
وابوه…”
قالت مها ضاحكة….
“آه لو تسمعك نيفين…..مش هتخلص منها…”
قالت الجدة هدية للصغير….
“روح العب يارينو في الجنينة مع ولاد خلانك…”
ثم نظرة لهم واضافة بترحيب….
“وانتوا ياولاد ادخلوا هنفضل واقفين كده….”
سالها عاصم بهدوء…
“هو فين الحاج يونس صحيح….”
قالت الجدة هدية…..
“في مكتبه….روح قعد معاه الرجالة كلهم
قعدين هناك……”
نظر عاصم الى شهد متردد في تركها وحدها…
فقالت مها بشقاوة….
“متقلقش عليها مش هناكلها…..”
تنهد عاصم وهو يميل على شهد قائلا…
“شوية ورجعلك…..لو في اي حاجة رني عليا…”
اومات شهد براسها مكتفية بابتسامة صغيرة ثم
رأته يبتعد عنها الى احد الغرف البعيدة….
مسكت مها يد شهد وقالت بحفاوة….
“تعالي ياشـهـد….خليهم هما يقعد سوا واحنا نرغي مع بعض….تعالي اعرفك على بقيت العيلة…النهاردة
تجمع عائلي وزحمة إيه…..”
دلفت شهد بصحبة هدية وابنتها مها الى قاعة
نسائية عبارة عن غرفة صالون كبيرة وفخمة
يوجد بها اربعة نساء بأعمار مختلفة….
جميلات الشكل وانيقات الهيئة جمعيهن يرتدون ملابس محتشمة فضفاضة جميعهن محجبات
حتى اصغرهن والتي كان عمرها لا يتجاوز
السابعة عشر…..
دلفت شهد والقت السلام عليهن فردوا عليها بوجوه
بشوشة مرحبة……
بدأت مها تعرف عنهن على حسب الأعمار من
الاكبر الى الأصغر…..
“دي بقا صفية…مرات اخويا الكبير عدي…ودي وفاء
مرات اخويا الوسطاني حسني…ودي جميلة مرات اخويا الصغير انس….”
ثم اشارة على المراهقة الصغيرة….
“ودي بيسان اختي الصغيرة…ونيفين اختي الكبيرة اللي هي ام ريان….في المطبخ بتشرف على الاكل اللي بيتعمل…. هي غاوية مطبخ زيك بس هي اصلا خريجة طب صيدلي….”
صافحتهن شهد جميعًا مبتسمة….
“اهلا وسهلا….اتشرفت بمعرفتكم….”
رد الجميع بـ…..”احنا أكتر….نورتينا….”
قالت هدية وهي تشير الى المطبخ…
“قعدي ياشـهـد ياحبيبتي….وسط اوخواتك….”
جلست شهد بينهن في جلسة نسائية ودودة لأول
مرة تحدث…..
ذهبت الجدة هدية وتركت الصبايا معًا يثرثروا
بحرية مع بعضهن…..
سألتها مها بفضول….
“شهد هي فعلا القوانين اللي كانت في المسابقة دي حقيقية….والوقت اللي كانوا بيحطوا ليكم ده…حقيقي ولا فيك…..”
اومات شهد براسها….”طبعا يامها حقيقي….”
سألتها صفية أكبرهن عمرًا…..
“ياترى بقا وجهتي عنصرية في الفترة اللي قعدتيها
في المسابقة….بما انك المشتركة العربية الوحيدة وسطهم….”
تعجبة شهد من السؤال المفاجئ…فقالت مها بتوضيح….
“اصل صفية الجامعة بتاعتها كانت برا مصر….وعانت
في فترة الدراسة بسبب التنمر على الحجاب
والعنصرية ضد الاسلام والمسلمين…..”
قالت بيسان الصغيرة بتبرم…..
“اكيد موجهتش حاجة لانها مش محجبة….”
“بس يابيسان….”لكزتها مها بضيق وابتسمت
لشهد قائلة بملاطفة…
“بيسان دبش حبتين….لسه صغيرة…..”
اومات شهد براسها مبتسمة بنفسٍ صافية فتلك
المراهقة تذكرها باختها (كيان)…
بادلتها بيسان الابتسامة بحرج قائلة
باعجاب….
“على فكرة لون عنيكي حلو أوي…..”
ابتسمت لها شهد ثم وجهة الحديث الى صفية
مجيبة برقي…..
“هو انا اكيد وجهة نوع من العنصرية بسيط
يعني مش لدرجة التطاول بالايد ولسان…يعني كانوا
معظم المشتركين بيتجنبوني دا غير نظراتهم….بس ملهاش علاقة بالحجاب لانهم عارفين اني عربية مسلمة….فده كان كفاية يشفوني عدوتهم…”
قالت وفاء بمحبة…
“المهم انك نجحتي….وفوزتي عليهم….”
قالت صفية كذلك… “حقيقي كلنا فخورين بيكي….”
شكرتهن شهد شاعرة بالحرج الشديد بينما قالت
مها بنبرة متحمسة…..
“احنا عرفنا انك فتحتي مطعم….عايزين نعرف العنوان…..”
قالت شهد ببهجة جميلة….
“تنوري في اي وقت يامها….هبعتلك العنوان في رسالة هاتي رقمك…..”
اخرجا الفتيات الهواتف وتبادلا الأرقام….
فقالت وفاء باسلوب طريف…..
“بلاش ياشـهـد….مها هتقرفك كل شوية بزياراتها..
هتاكل عندك ببلاش… ”
رفعت مها شفتيها متبرمة…..
“لا إله إلا الله…بس ياشعلة انا اصلا راحه انفعها..
قال اكل ببلاش قال…”
شهقة وفاء قائلة بتهديد….
“انا شعلة طب والله لاقول لحسني عليكي….”
قالت مها باسلوب كياد…
“هو ذات نفسه بيقولك كده…اخويا وليه نظرة….”
قالت جميلة بانف مرفوع…..
“الحمدلله انس مش بيقولي غير ياجميلتي….”
قالت صفية بحسرة مضحكة….
“انا عدي بيقولي يام العيال….”
سألت مها بنظرة شقية…
“وانتي ياشـهـد عاصم بيقولك إيه….”
تورد وجه شهد دون تعليق فقالت بيسان الصغيرة
بلؤم…..
“بيقولها ياست الحُسن….سمعته يوم فرح جميلة وانس وهو بيناديها بست الحُسن….”
غمزة مها الى شهد متذكرة….
“اه كانوا مخطوبين وقتها…لسه بيقولك ؟!…”
اومات شهد براسها بخجلا ، ففي الحقيقية هي شخصٍ كتوم لا تفضل الحديث عن حياتها مع
أحد ولو من باب المزاح…..
قالت مها بعد تنهيدة هيام…
“ياااه دا طلع ابن عمنا رومانسي….”
قالت بيسان باندفاع…..
“هو من زمان رومانسي وحنين فاكرة كان بيعامل رفيدة إزاي…..”
لم تنزعج شهد من الحديث بل ابتسمت….ان الصغيرة نسخة من (كيان)قصيرة مشاغبة وحديثها مندفع
ببراءة تبوح….
قالت وفاء باستهجان…..
“اه ياساتر بس كان دمها تقيل عمري ما حبتها لا
هي ولا اختها اللي هي مرات عمو مسعد…..”
قالت جميلة….”خلاص بقيت طلقته….”
تدخلت صفية في الحديث قائلة….
“اه صحيح بس حبيت جيهان الكيلاني مراته الجديدة….كانت هنا الجمعة اللي فاتت…ست
شيك وذوق كده…مريحة في التعامل….متفرقش
عنك ياشـهـد… ”
ابتسمت شهد ممتنة…بينما قالت مها….
“رغم انه أكبر منها بكتير…وبابا معترض
عليها برضو بس انا ارتاحت لها….”
دخلت عليهن امرأة يافعة الطول والجمال ترتدي
عباءة انيقة وحجاب يماثلها….
وقالت برجاحة عقل بعد ان سمعت جزء
من الحديث….
“العمر اصلا مجرد رقم وطالما مرتاحين مع
بعض يبقا خلاص….. ازيك ياشـهـد….”
رحبت بشهد وهي تمد يدها لها فنهضت شهد
من مكانها مرحبة بها…..
“دي بقا نيفين اختي الكبيرة…..ام ريان…”
“اهلا وسهلا….”قالتها شهد وهي تبادلها
المصافحة…
قالت نيفين باستقبال حفي….
“نورتيني ياشـهـد….ريان مش مبطل كلام عنك
من ساعة ما عرف ان انتوا جايين هنا..”
قالت شهد ببهجة…..
“ريان دا قمر….ربنا يحفظه ويباركلك فيه….”
قالت نيفين بمحبة…..
“ويعوض عليكي ياقلبي…..بولد شقي زيه…”
نظرت نيفين الى اختها الصغرى
وامرتها…
“بيسان قوللهم يجيبوا هنا حاجة نشربها…”
نهضت بيسان من مكانها ملبية طلب اختها الكبرى باحترام خارجة من الغرفة……
جلست نيفين على الاريكة وقالت بتقريع لهن…
“قعدين معاها من بدري ومفيش واحده فيكم طلبت
حاجة تشربها….اي البخل ده… ”
قالت صفية بحرج….”مش بخل بس الكلام خدنا….”
ربتت نيفين على ركبة قائلة بمؤنسة…
“عاملة اي ياشهد نورتينا والله….عارفه مستنين زيارتك دي من أول ما تجوزتي انتي وعاصم…بس عاصم كان علطول بيعتذر….مخبيكي عننا….”
قالت شهد بصوتٍ رقيق….
“مش حكاية مخبيني يعني مجتش فرصة ننتقابل
ونتعرف أكتر…..المهم اني جيت في الاخر واتعرفت عليكم… حقيقي القعدة معاكم ما يتشبعش منها…”
قالت وفاء بتودد…
“ولا منك والله احنا حبناكي أوي….”
قالت صفية بوئام….
“يارب متكنش اخر زيارة بينا….خدي ارقمنا خلينا نتقابل ونشوف بعض اكتر أكيد هنبقا صحاب…”
قالت شهد بعسليتين تومض بالمحبة…
“أكيد طبعًا…. هاخد الارقام من مها ونرتب خروجة
تانية….”
رفعت مها اصبعها بشرطٍ….
“موافقة بس مش هتنازل عن عزومة في مطعمك…”
لكزتها نيفين بحرج…
“همك على بطنك علطول….”
أكدت شهد عليهن بجدية….
“دي أول عزومة طبعا يامها…. لازم اعرف رايكم
في المكان والاكل….”
قالت نيفين بود….
“باذن الله….نرتب ونتقابل كلنا….”
كانت جلسة نسائية مليئة بالثرثرة الممتعة والضحك
المتبادل…شخصيات نسائية رائعة رغم الاختلاف
يتقابلا في عدة نقاط هامة…..
جميعهن حصلوا على شهادات عليا منهن من
فضلت الجلوس في البيت ورعاية الأطفال
وهناك من فضل العمل بشهادته الجامعية
بجانب تلك المهام ، مثلها تماما…
كان الحوار شيق وممتع معهن جلسة بمثابة علاج
نفسي الى شهد التي هي بحاجة كبيرة للتعرف
على اشخاص جدد ، تحتاج الى بناء صدقات
جيدة تدوم ، وعائلة رائعة لها ولابنائها !!….
بعد فترة من الجلسة النسائية المليئة بالثرثرة والضحك….
دلف الجد يونس اليهن بشموخ يشع هيبة عند الحضور بالحية البيضاء والشعر المماثل والنظرة الجادة الهادئة….وسبحة الزرقاء التي لا تفارق يده
وكأنها جزءًا منه ، تتحرك بين أصابعه بتريث…
كان برفقته عاصم الذي قابل عينا شهد بلهفة
جعلت قلبها يرتجف بين اضلعها وهي تنظر إليه بعينين عاشقتان ممتنتان له فهو اليوم اهداها أكثر من صديقة لا انهُ اهداها عائلة ثانية…
“اهلا وسهلا ياشهد نورتي بيتك التاني…”
قالها الجد يونس وهو يسلم عليها….انحنت شهد مقبلة يده بأحترام….
“منور بوجودكم ياعمي….”
شعر يونس بالرضا نحوها فمزح معها قائلا
بألفة….
“اتعرفتي على اخواتك….اكيد كلوا دماغك انا
عارف رغيين….بذات مها وبيسان.. ”
نهضت بيسان من مكانها متذمرة…
“كده يابابا….طب والله صفية ووفاء اكتر ناس
رغاية…وكلوا دماغها فعلا….”
قالت مها باقتضاب…”هو علطول كده ظلمنه….وناصف مرتات عياله علينا…”
بينما قالت شهد بوئام….
“بالعكس والله ياعمي انا حبتهم أوي….والكلام
معهم ما يتشبعش منه….”
عقب يونس بمرح….. “طلعت رغاية زيكم….”
ضحك الجميع معًا….
فاقتربت الجدة هدية من زوجها وقالت على
مرأى الجميع….
“السفرة جاهزة ياحاج يونس….”
اشار الجد يونس لهما بالخروج لتناول
الطعام….
“يلا ياولاد عشان نتغدى وبعد الغدا كملوا
رغي براحتكم….”
خرج الجميع من الغرفة….وسارت شهد بجوار زوجها
الذي مالى عليها سائلا بهمسًا….
“شكلك انبسطي وسطهم….”
اومات شهد براسها بجذل قائلة بخفوت….
“جدًا حقيقي مكنتش اتوقع ان الزيارة تبقا حلوة كده…انا كمان خدت ارقمهم وهنتقابل قريب وهعزمهم في المطعم بتاعي….اي رأيك….”
غمز لها عاصم بوسامة قائلا….
“مش محتاجة رأيي….لازم تردي العزومة…”
اجتمعت العائلة الكبيرة حول سفرة الطعام
التي كانت مليئة باصناف عديدة من المأكولات
الشهية كل مالذا وطاب كان على السفرة..
تعرفت شهد على رجال العائلة أزواج الأربع
نساء منهم والد ريان….
ريان الذي جلس بجوارها على المقعد مصمم ان يتناول الطعام بالقرب منها…وهي لم تمانع ابدًا
فكانت احيانا تطعمه بيدها وتدلله وكأنه صغيرها…
ورغم غيرة عاصم من هذا الصغير الى انهُ شعر
بغصة مريرة في حلقه….متذكر فقدان ابنتهما
والحلم الجميل الذي فارق حياتهما سريعًا…
………………………………………………………….
جلست شهد على المقعد امام طارق وبينهما طاولة
مستديرة عليها طبق يحوي وجبة غداء شهية قد طلبها طارق بعد ان وصل الى المطعم كي يتناول الطعام عندها كما أخبرها في الرسالة….
ابتسمت شهد وهي تستمع الى حديثه الفكاهي
وعفوية لقاءه بها…
طارق شخصٍ جيد وصديق يستحق الحب والإحترام
لكن في قاموس زوجها غير مقبولة تلك الصداقة…
أصبح من الصعب الاحتفاظ بهذا الصديق…
رفع طارق عيناه عليها وجدها ساهمة العينين
بحزن لذا توقف عن الأكل وسالها بقلق….
“مالك ياشهد…. ساكته من ساعة ما قعدنا يعني
في حاجة مضيقاكي….”
هزت شهد راسها قائلة بمزاح….
“ابدًا كمل أكلك وقفت ليه… ولا اكلنا مش عاجبك…”
نظر طارق للمكان من حوله ثم الى طبق الطعام
الشهي…..
“مش محتاجة سؤال الأكل طعمه يجنن..وكمان
موقع المطعم عجبني اوي دا غير الديكور…
اشترتيه بكام صحيح….زمانه شطب على
الفلوس اللي معاكي..”
قالت شهد بحرج….
“بصراحة عاصم اللي اشترالي المطعم….”
انعقد حاجب طارق متعجبًا….
“مش مصدق….كان واضح انه رافض شغلك….”
قالت شهد بنظرة حانية….
“دا كان الأول بس هو أتغير…..يعني بيحاول عشاني…”
سالها طارق بفضول…
“وانتي على كده بتحاولي تتغيري…”
اومات شهد براسها وهي ترجع خصلة من
شعرها خلف اذنها….
“اكيد ياطارق….يعني لما بعدنا عرفت قيمته
وقيمة الحب اللي بينا….”
شعر بنغزة في قلبه نعم قد مالى قلبه لها قليلا
لكن في اخر مرة راها مع زوجها….علم انه دخيل
بينهما والانسحاب اكرامًا له ولهما….
فشعور نحوها ما هو إلا إعجاب سينطفئ ومضة
مع الوقت….
اردف طارق بنبرة هادئة متزنة….
“تعرفي اني في الأول افتكرتها قصة حب فشلة وانتهت بنسبالك.. بس يوم ما اعلنوا فوزك في المسابقة… وبعد ما ظهر قدامك وخدك في حضنه….فهمت….”
توردت وجنتاها بحياء…..”فهمت إيه ؟!!…”
ابتلع المرارة قائلا….
“انكم متقدروش تستغنوا عن بعض….”
ابتسمت شهد مسبلة عينيها…..”دي حقيقه….”
قال طارق بوئام وهو يرى عينيها تتألق كنجوم
في سماها كلما ذكر اسم عاصم…..
“ربنا يسعدك ياشهد انتي عارفه انا بتمنالك الخير
ومن ساعة ما تقابلنا وانا بحترمك وبقدرك..وبعتبرك اكتر من اخت ليا…..”
نظرت له شهد وقالت بود….
“طول عمرك جدع ياسكندر…..انت بنسبالي
زي حمزة بظبط…وده من زمان على فكرة
مش من دلوقتي….”
ادعى طارق المرح يخفي هذا الشعور
المؤلم….
“عارف والله…..بس جوزك اللي مش مصدق…”
ابتسمت شهد باستياء بينما هو اخفى تعابير وجهه
بنظر الى الطبق الشهي….
الجيد في الشعور الغير متبادل ان الانسحاب لا
يعني الهزيمة ابدًا بل هو احترامًا للذات….
فنحن لا نحارب لأخذ الحب قسرًا ، بل نحارب
للفوز به وهناك فارق كبير بين كلاهما….
قالت شهد بتنهيدة تمني…..
“يسلام لو كان في بينا صلة قرابة…او نسايب..”
قال طارق بمناغشة….
“جوزيني كيان وانا ابقى جوز أختك….”
قالت شهد باحباط….
“للأسف كيان متجوزة وحامل كمان….”
اخذ طارق رشفة من كوب الماء ثم
سألها…..
“ايوا صحيح يعني مفيش عروسة عندكم
على وش جواز…..”
سالته شهد بجدية….
“لا خلينا نتكلم بجد ياسكندر…انت عايز تجوز….”
لمعة عينا طارق بتسلية وهو يسالها بفضول….
“أكيد عايز أكمل نص ديني…انا خلاص ناوي
استقر هنا زي ما حكتلك….هتجوزيني مين بقا….”
اخفت شهد اندفاعها وهي تقول…
“حد قالك اني شغاله خطبة وبعدين أفرض اللي
بفكر فيها مش هتعجبك مثلا….”
ضاقت عينا طارق بلؤم…
“اشوفها واحكم……. هي تقربلك؟!….”
قالت شهد بتحفط…. “هي تقرب لعاصم….”
توقف الطعام في حلق طارق فسعل بقوة حتى
احمر وجهه وضاقت أنفاسه…ساعدته شهد بقلق ومدت له كوب الماء…فاخذه منها وارتشف
القليل بعد قول الشهادة….
“يا ساتر…..كنت هموت…..”
قالها طارق وهو يرمقها بضيق مضيفًا
بتجهم….
“انا غيرت رايي مش عايز أتجوز…..انا
هعيش اعزب الباقي من عمري….”
قالت شهد بحرارة…..
“على فكرة البنت جميلة ومحترمة….ودكتورة
شاطرة كمان…..”
قال طارق بملل…. “واسمها إيه بقا….”
قالت مبتسمة…. “إسمها مها….”
زم طارق فمه مستهجنًا بقرف….
“انا مبحبش الإسم ده….فاكرة مها صبحي…..البت
اللي كانت بتشرب سجاير في حمام الولاد….”
ارتفع حاجبا شهد للاعلى وهي ترجع راسها للخلف متذكرة وهي تضحك بدهشة…..
“احيه عليك ذاكرتك حديد….فكراها…فاكر لما المدير قفشها….”
أضاف طارق ….
“كانت زفة….وقتها ابويا الله يرحمة اتوسط لها عند
المدير عشان امها جت وترجته….”
قالت شهد بحزن….
“كان طيب اوي الاستاذ عياد الكل كان بيحبه وبيحترمه…..ربنا يرحمه…..”
ثم قالت شهد بحماس غريب…
“المهم…..اي رأيك لو ارتب مقبلة بينكم هنا…يعني
كأنها صدفة وكده….”
قال برفضٍ تام….”لا مش عايز….”
قالت شهد بنزق….”طب ليه يافقري….”
اخبرها طارق باستقباح…..
“فقري فعلا ؟!….اولا انا مبحبش الدكاترة اصلا إيه اللي هيخليني ارتبط بدكتورة…. ثانيا قريبة عاصم
وده لوحده يخليني ارفض بالتلاته….”
قالت شهد بتحذير….”لاحظ ان ده جوزي….”
قال طارق بأمر….
“واخد بالي بلاش تقطعيني….ثالثا اسمها مها…”
قالت شهد باستسلام….
“انت حُر….انا قولت اكسب فيك ثواب وفي نفس الوقت تقرب من عاصم مش يمكن تبقوا صحاب..”
امتقع وجه طارق مستجهنًا…..
“صحاب إيه….مش هلاقي غير جوزك اللي أصحبه…”
قالت شهد بتبرم مدافعة…
“الله… ومالوا عاصم انت تطول أصلا….”
هز طارق راسه بسأم ضاحكًا…
“ايوا دفعي عنه…بعتيني في ثانية…”
صدح هاتف شهد فنظرت الى الشاشة التي تنير
باسم مها…قالت وهي تنظر اليه بشقاوة….
“تعرف مين اللي بيرن….”
خمن بعدم اهتمام….. “مين جوزك….”
قالت بملامح مبتهجة…..”لا مها….”
اتسعت عيناه بدهشة…. “اي ده مها صبحي…..”
قالت شهد بصدمة عابسة….
“صبحي مين….هقبلها فين دي…دي مها اللي بكلمك
عنها مها يونس الصاوي…..الدكتورة…..”
انكمشت ملامح طارق باستخفاف بينما رفعت شهد
الهاتف على اذنها قائلة بجذل…
“ازيك يامـهـا عاملة إيه…..بجد طب تمام هستناكي….”
اغلقت معها بعد عدة كلمات مختصرة…نظر لها
طارق بشك….
“العروسة جايه ولا إيه….”
قالت شهد بجذل…..
“اه هتعدي عليا….اي رأيك تقعد تستناها وتشوفها
من بعيد….”
نهض طارق من مكانه فجأة مقرر الانسحاب
وهو يقول بوجوم….
“لا من بعيد ولا من قريب انا عندي كام مشوار كده هخلصهم وهروح أنام….انا جاي من السفر عليكي..
عايزه حاجة…سلام….”
خرج من باب المطعم امام عينا شهد الذاهلة….
استقل طارق سيارته السوداء وادار المحرك وقبل
ان ينطلق بها أعاق تحركه سيارة أخرى رمادية اللون…
توقف طارق مكانه تماما يشاهد ما يحدث فكان سائق
السيارة يواجه صعوبة في ركن سيارته كـباقي السيارات المصفوفة خلف بعضها….
استند طارق بذراعيه على عجلة القيادة يتابع ما يحدث بملل فأكيد سائق السيارة ماهو إلا سيدة
مدللة….
وبعد ربع ساعة من الإنتظار نفذ صبره منها
فضرب على بوق السيارة الخاص به يستعجلها
بحنق….
ليراها تصف السيارة بشكلا كارثي ثم تترجل منها ملوحة بيدها له….
تأملها طارق في لمحة سريعة شابة انيقة يافعة الجمال محجبة ترتدي ملابس فضفاضة… شديدة الاحتشام والرقي نوع من النساء النادر ما تراه…
“هو حضرتك مش شايف اني بركن.. إيه مفيش
شوية صبر….”
قالتها مها وهي تعض على ظافر اصبعها بتوتر وضيق..وهي ترى سيارتها مصفوفة بشكلا مثير للشفقة….
ترجل طارق من السيارة واقترب منها
قائلا بتهكم….
“انا بقالي ربع ساعة مستني حضرتك تخلصي… وياريت بفايدة… اي الركنة دي….”
أوغر صدر مها بالغيظ وهي تنظر إليه….
“وانت مالك ياجدع انت….عايز تطلع بعربيتك اطلع
انا خلاص ركنت…..ولا انت مش فالح غير تضرب كلاكسات وتوترني….”
هتف طارق بغلاظة…..
“وطالما حضرتك مش بتعرفي تسوقي ولا
تركني بتركبي عربيات ليه من الأساس….”
رفعت مها سبابتها بملامح صارمة…
“الزم حدودك ياحضرة.. انا بعرف اسوق كويس
اوي واحسن منك شخصيًا… وركنة اللي مش
عجباك دي انت اصلا متعرفش تركنها….”
تافف طارق بنفاذ صبر ثم مد يده
لها قائلا…
“ممكن تديني المفتاح يانسة….”
عقدة حاجبيها منزعجة….
“واديك المفتاح بصفتك إيه…”
اربد وجه طارق بالغضب وهو يقول بسخرية
لاذعة…
“بصفتي واحد عايز يطلع بعربيته وحضرتك
قفلتي عليه الطريق بالركنة الهايلة دي…..”
رمقته بتحذير…..
“الزم حدودك……وبلاش تريقة…..”
ابتسم طارق بعصبية قائلا….
“حاضر انا آسف ممكن تديني المفتاح خلينا نخلص
وكل واحد يروح لحاله….”
مد طارق كفه لها مصممًا…فنظرت مها إليه بتردد
ثم زفرت بحنق مستسلمة وهي تضع المفتاح في
كفه الممدود لها….
“اتفضل…بس براحة على العربية دي لسه جديدة..”
غمغم طارق باستهزاء وهو يستقل
سيارتها….
“والله لو خايفة عليها مش هتركنيها كده….”
رأته مها يصف سيارتها في وقت قياسي وبشكلا صحيح ثم ترجل منها مبتسمًا ببرود….
الان انتبهت الى سيمات الوسامة به قامة طولة
المناسبة ملامحه الرجولية الجذابة والحية المشذبة
والناب المكسور…..
ابتسمت مها باستحياء فمنذ متى وهي تدقق النظر هكذا الى الجنس الاخر…
قالت مها بحرج…..”شكرا يا….”
رد طارق بهدوء….
“العفو اسمي طارق تشرفنا يا آنسه….”
قالت بحياء شديد….”مها…. اسمي مها…..”
اوما طارق براسه وهو ينظر الى المطعم ثم
اليها مرحبًا بحفاوة…
“اهلا….اهلا وسهلا بالدكتورة مها….”
رمقته مها بعينين مشدوهتين متسألتين….لكنه
لم يعطيها جوابًا فقد ابتعد عنها مستقل سيارته
وانطلق بها…
على وجه مها الحيرة وهي تحدث نفسها
سرًا…..
“هو قال دكتورة ؟!!….يعرفني منين ده….”
………………………………………………………….
رفع عيناه عن شاشة الحاسوب اليها مباشرة فكانت مزالت جالسة على المقعد تريح ساقيها على سطح الطاولة القلم في فمها وعينيها الفيروزية معلقة بالأوراق أمامها تفكر بعمق شديد وكأن الحل عويص…
ان القضية بأكملها عويصة في حل شفراتها ومع ذلك يحاول إلا يتدخل طالما هي لم تطلب منه…
لكنه ينتظر طلبها على صفيح ساخن… يخشى عليها من الخسارة فهي لن تتحمل مرارتها خصوصًا انها تعيش مرحلة حساسة جدًا وتلك الضغوطات ستأثر عليها وعلى الجنين…
“مش كفاية كدا ياكيان…. بقالك اربع ساعات قعده
كده… ايه متعبتيش….”
قالها سليم متعجبًا وهو يغلق الحاسوب ويضعه جانبًا…
بينما هي تحسست عنقها بآرق وهي تنظر الى ساعة الهاتف لتقول بذهول….
“ياخبر إزاي الوقت خدني كده….”
رمقها سليم بعتاب قائلا…..
“قولي لنفسك… المفروض ترتاحي الفترة دي
وتأجلي اي حاجة كنتي مخططه ليها…”
قالت كيان بهدوء وهي تغلق الملفات….
“انا اجلت كل حاجة إلا القضية دي….انت عارف
انها مهمة اوي بنسبالي..”
زم سليم فمه قائلا بعدم رضا…..
“عارف وقولت انك أكيد هتطلبي إستشارة قانونية مني او حتى من سيادة المستشار….بس انتي معملتيش كده….”
قالت كيان بحمائية…..
“لاني عايزة اكسبها بمجهودي ياسليم….”
رفع سليم حاجبه مستهجنًا….
“وانا لو وضحتلك كام نقطة يبقا مجهودك ضاع ؟!!..انتي بتفكري إزاي….”
قالت كيان بنظرة جادة…..
“انا عارفه انك بتحاول تساعدني بس انت عارف رايي بذات في القضية دي…انا واخداها تحدي
بيني وبين نفسي…”
لم يعقب سليم تبادل معها النظرات بصمتٍ فقالت
كيان وهي تنهض عن مقعدها…..
“انا عمتًا خلصت….”
ثم اتجهت الى خزانة الملابس واخرجت منها علبة أنيقة مربعة كبيرة الحجم….
تسأل سليم وعيناه ترمق العلبة
بفضول…
“اي اللي في ايدك ده ياكيان….”
ابتسمت كيان بسعادة وهي تضع العلبة امامهما
على الفراش ثم جلست قائلة بجذل….
“باباك فاجئني النهادرة وجاب حاجات للنونة….”
إشارت بيدها على بطنها في حركة عفوية جعلت
عينا سليم تبرق بالفرح وهو يسالها…..
“حاجات إيه يعني ؟!!….”
“شوف معايا محبتش افتح العلبة غير معاك….”
قالتها كيان وهي تفتح العلبة فساعدها سليم في
فتح العلبة من جانبه…..
ابتسما كلاهما وهم ينظرا الى بعضهما كاطفال حصلا
على حلواهما المفضلة….
فرحة لا توصف وهم يتفقدا أول غرض ياتي لطفلهما
كانت الأغراض شديدة الرقي والفخامة عبارة عن منامة صغيرة بحذاء يماثل لونها، عدة جوارب صغيرة رقيقة.. دُمى لطيفة الشكل صغيرة تمسك بقبضة اليد
وايضًا مجموعة فاخرة من العناية ببشرة الطفل…
قالت كيان وهي في غمرة من السعادة….
“واو ذوقه يجنن….مع اننا لسه معرفناش نوع
الجنين بس جايب حاجات تليق اذا كان ولد او بنت….”
أكد سليم وهو ينظر للدمى الصغيرة….
“دا حتى اللعب منسهاش….”
ضحكت كيان بسرور وهي ترفع الاشياء واحد
تلو الاخر….
“والشاور والبلسم…..بص الشراب ده ولا الجذمه
ياخراشي…”
على وجه سليم العاطفة متأثرًا وهو يشرد
بعيناه قائلا…..
“ياحبيبي يابابا….انا لو كنت اعرف ان الخبر ده
هيفرحك اوي كده….كنت اتجوزت من زمان..”
مالت كيان عليه فجأة…..”كنت إيه ؟!!…”
تراجع مصححًا القول…..
“كنت اتجوزتك يعني من زمان….”
تغاضت عن الامر بنظرة مشككة…
“ممم…..بحسب….”
ابتسم سليم وهو ينظر الى
الاغراض…
“مبروك عليه او عليها…..ربنا يخليه لينا….”
قالت كيان بمحبة حقيقية….
“يارب ويبارك في عمره…..حبيبي عمو مصطفى
احن واطيب اب في الدنيا…”
سالها سليم بغيرة… “وبنسبة لابن عمو مصطفى….”
قالت بمناغشة…. “جوزي…”
ضاقت عيناه بعبث….. “بس ؟!!…”
قرصة خده قائلة بملاطفة…
“وحبيبي وروحي وكل حاجه ليا….”
نظر لها سليم نظرة شهوانية جعلتها ترتجف رجفة
حياء وهي تقفز من مكانها قائلة بحمحمة جادة
“هشيل العلبة مكانها… خليني الحق انام بدري لحسان بطريقة دي هنسهر لوش الصبح…واحنا
عندنا شغل الصبح بدري في المكتب….”
ابتسم سليم بخبثٍ وهو يستلقي على الفراش منتظرها ان تنضم إليه….ثم قال بخشونة…
“انا شايف بلاش مكتب ليكي الفترة دي لحد
ما الحمل يثبت…”
نزعت المئزر عن جسدها الغض فكشف عن بشرتها
البيضاء ومفاتنها السخية من خلال هذا القميص
الحريري القصير…..
ردت على الحديث وهي تنضم اليه على الفراش
من الجانب الاخر….
“لو تعبانه هقعد ياسليم انت عارفني…..لازم الفترة الجاية أروح المكتب والمحكمة عشان اخلص
الأوراق اللي هقدمها في المرفعة.. الجلسة آخر الاسبوع ده….قولي هتحضر أول مرفعة ليا ولا هطنش…”
اجابها سليم دون تردد وهو يحيط خصرها
اللين بذراعه…..
“انا اطنش الناس كلها إلا عصفورتي…”
سالته كيان بتردد…. “تفتكر هسكب القضية…..”
سبح في فيروز عينيها لبرهة ثم اجابها بثقة
حازمًا…..
“انا شايف انك بتبذلي مجهود جبار فيها من ساعة
ما مسكتيها…فإن شاء الله تكسبيها…ولو محصلش
دا مش هيقلل منك ابدًا في نظري….دا كفاية انك حاولتي واشتغلتي عليها دا في حد ذاته يخليني أكون فخور بيكي ياكيان….”
ذاب قلبها وعينيها في النظر إليه وهي بين ذراعيه على الفراش وكأنهما جالسين فوق السحب وترانيم
الحب تطرب قلوبهما بسحرٍ خالص…..
لم تقاوم كيان أكثر سحر زوجها الوسيم وكلماته الاشد من الغزل وأقوى من القصائد…..
احاطت وجهه بكلتا يداها برقة انثوية وهي
تقول…..
“انا اللي لازم اكون فخورة اني مراتك بجد…بحبك
بحبك اوي ياسليم….”
ابتسم سليم حتى ظهر صف اسنانه.. فسألت
كيان بحيرة مبتسمة معه….”بتضحك على إيه ؟!!…”
أخبرها وهو يحتوي خصرها مقربها
منه…
“كنت قربت انسى انك بتقولي بحبك زينا…”
ضحكت بخجلا قائلة….
“عادي…انا بحبك بالعربي والكوري….”
قرب وجهه منها بشغف واسند جبينه الى جبينها
فاغمضت عينيها بضعف بعد ان لفح بشرتها
بانفاسه الدافئة….اعترف بصوتٍ أجش….
“وانا بحبك بكل لغات العالم…..بحبك يامُزتي…”
تبسمت كيان قائلة بضعف…”سرانغي ياسولي…..”
اجابها سليم بحرارة…. “سرانغي من كل قلبي….”
جعلها تستلقي على الفراش برفق ثم مالى عليها يقطف أول قبلة عميقة من بين ثغرها الشهي…
فتركت هي العنان لمشاعرها متعلقة في عنقه
بضعف ومن بين القبلات المتلاحقة منه كانت
تنطق اسمه بضعف وشوق….
في صباح اليوم التالي خرجت كيان برفقة زوجها
من باب الشقة الى المصعد….كانت متأنقة بطاقم كلاسيكي انيق من اللون البني ترفع شعرها للأعلى في تسريحة أنيقة وتضع القليل من الزينة….
كان سليم كذلك متأنق بحلة فخمة مصفف شعره للخلف ويضع عطره الخاص كانوا وجهة مشرفة
رائعة وكانهما ذاهبون الى مؤتمر صحفي تحت الأضواء فكانت الوسامة عنوان هذا الثنائي
المتناغم بشكلا يفوق الوصف….
شرعت كيان في فتح المصعد لكنها توقفت فجاة وهي تدير وجهها للخلف ناظرة الى سليم بتساؤل
بعد ان قبض بيده على رسغها برفق يوقفها عن
فتح المصعد….
“في اي ياسليم مالك….”
نظر سليم الى باب شقة مجاورة لشقة والده ثم
اخبرها مبتسمًا…
“عايز اخد رأيك في حاجه مهمة تخصنا تعالي…”
سحبها برفق وهو يسير نحو هذا الباب المغلق بينما
انعقد حاجبي كيان وهي تراه يفتح الباب بالمفتاح..
ثم دلف إليها واشار لها بالدخول قائلا…
“ادخلي…لازم تقوليلي رايك في شقتك الجديدة…”
خطت كيان بقدمها اليمنى الى الداخل وهي تنظر
في أرجاء الشقة بعينين ذاهلتين سعيدتين….
بعد ان تأكدت من صدق حديثه فكانت الشقة فارغة
كليًا مساحة شاسعة حوائط بيضاء تحتاج الى الطلاء
والكثير من الأفكار لبناء ديكور رائع بها..
كانت عبارة عن لوحة فارغة تحتاج الى ريشة فنان
حتى تزدهر وتوضح معالمها…
فغرت كيان شفتيها وهي تدير وجهها اليه
تسأله بدهشة…
“انت بتكلم بجد ياسليم….اشتريتها إمتى….”
اخبرها سليم وهو يدس يداه في جيبه مستمتع برؤية فرحتها الغامرة بمكان خاص بهما وبطفلهما
القادم…
“من أسبوعين سمعت ان صاحب الشقة بيدور على
مشتري بعد ما كان قافلها الفترة دي كلها قرر يبعها
لما رجع من السفر….فكلمت السمسار واتفقت معاه
واشتريتها منه حبيت اعملهالك مفاجأة…اي رأيك ”
قالت وهي تتحرك في المكان بخفة كفراشة
تحلق فوق البستان….
“تجنن طبعا نفس مساحة شقتك باباك والأجمل
انها جمبه يعني مش هنبعد عنه هنفضل برضو
معاه ومنها هو ياخد راحته….واحنا كمان….”
اوما سليم براسه وهو يخرج يداه من جيبه…
“انا برضو اختارتها لنفس السبب ان احنا هنبقا
جمب بابا وفي نفس الوقت احفاده مش هيبعده عنه…”
رمقته كيان بلؤم وادعت الحنق قائلة….
“احفاده ؟!!…واضح انك ناوي تخليني اجيب دسته…”
اجابها مع غمزة وقحة يذكرها باليلة
أمس…
“اكتر وحياتك….بس انتي شدي حيلك معانا….”
تخضبة وجنتاها قائلة بتورد….
“لا والله انت شايفني ارنبه…..مش ممكن هما
اتنين بس… ”
رد سليم بصوتٍ أجش وهو ينظر الى بطنها
المسطحة…..
“مش هنتكلم في العدد دلوقتي لما تقومي انتي
واللي في بطنك بسلامة نبقا نشوف….”
اولته كيان ظهرها وهي تنظر لزوايا الشقة مجددًا
قائلة….
“بس الشقة دي محتاجة شغل كتير اوي ياسليم…دا غير الفرش…..”
اقترب سليم منها وعانق خصرها من الخلف ثم
الصق خده الى خدها المتورد الناعم…
فتنهدت كيان بقلب خافق وهي تغمض عينيها
بضعف…
لتسمع صوت سليم الهادئ يخبرها بصبرٍ
حاني….
“خدي وقتك دي شقتك…اعتبري نفسك لسه
عروسة وبتجهزي من أول وجديد…وبلاش تحملي هم الفلوس شوفي انتي عايزة إيه واطلبيه….وانا هكلم مهندس ديكور نقعد معاه ويشوف طلباتك…. ”
ابتسمت كيان وهي تفتح جفنيها هامسة بنبرة
ممتنة بالحب….
“ربنا يخليك ليا ياسليم….مش عارفه أقولك إيه
كل اللي أقدر أقوله اني أسعد انسانه في الدنيا
من ساعة ما حبيتك واتجوزتك….”
ادارها سليم اليه برفق ثم رفع وجهها إليه لتقابل
عينيها عينيه المستقبلتين لهما بشوق لا ينضب
ابدًا…..همس سليم بعاطفة جياشة….
“وده اللي بتمناه انك تكوني سعيدة ياكيان..لو
أطول اجبلك نجمة من السما….والله ما هتأخر….”
لمعة عينا كيان بحبٍ متأثرة واختلج قلبها بنبضات
وهي تعترف بهمسًا…..
“عارفه ياحبيبي…..بس انا مش عايزه نجمة من السما
انا كفاية عليا وجودك جمبي وحبك ليا….كفاية حب
باباك وحنيته عليا….كفاية أوي انك جوزي وابو ابني
وعيلتي كلها…..انا بحبك ياسليم….انت أول حب يدخل قلبي…. واكيد الاخير….”
القت نفسها في احضانه وهي تذرف الدمع بينما ضمها سليم اليه بقوة مبتسمًا بحب وهو يقبل كتفها ممتنًا لها ولهذا الحب الذي كان بمثابة طوق النجاة لكلاهما….
ان(الحب أولا) يبقى دائمًا وابدًا واذ انكرنا الحقيقة ما النكران إلا كذبة سنعترف بها عاجلًا ام أجلًا…..
……………………………………………………………
كان جالسًا في قاعة المحكمة يتابع الجلسة بعينيه مصوب كامل تركيزة عليها…
واقفة كيان في مكانها المخصص للدفاع أمام القاضي وهيئة المُحلفين تتحدث بمنتهى الثقة والهدوء تختار الكلمات بعناية وبلاغة فائقة…تقدم الاوراق المهمة ودلالات ستفيد في كسب القضية
من أول جلسة….
كنت تستخدم جمل واضحة سهلة الفهم ودقيقة كذلك مما اعطى انطباع للمستمع بانها متمكنة
قانونيًا بخبرة مهنية عالية نالت إعجاب الجميع…
كانت عينا سليم تشع فخرًا بها…لم تكن زوجته في تلك اللحظة بل هي تلميذة مجتهدة درست بجد والان تبذل قصارى جهدها للنجاح واثبات نفسها للجميع….
امتلئ صدر سليم بالسعادة والتباهي بها بعد ان رأى علامات الرضا تعلو وجه القاضي وهيئة المحلفين بعد ان قدمت كيان مرافعة ناجحة بكل المقاييس وأدلة سيأخذ بها…..
جلست كيان على المقعد في الصف الأول بملامح جامدة بعينين منتظرتين بهدوء النطق الاخير من القضاء….
بجوارها كان جالسًا الموكل الذي قد ذهل من جديتها
في العمل والحلول التي قدمتها لكسب القضية….
والمرافعة التي تمت بمهنية وضمير كم كانت صارمة
ومتقنة في عملها مما اثار اعجابة…..
لم تشعر كيان بوجود سليم بقلب قاعة المحكمة فكان يتابعها وهو جالس في اخر صفٍ…يتابع بصمتٍ دون تدخل…..
لم يظهر نفسه لها حتى الان ، خشى ان يسبب لها توتر وتتلعثم اثناء الحديث وتفقد تركيزها….
رغم انها ألحت على حضوره لكنه يعلم كيف سيأثر عليها وجوده بالسلب في أول مرافعة لها…..
اسبلت كيان عينيها بقنوط وهي تشعر بالفراغ فلم يحضر سليم الجلسة كما وعدها….
ربما العمل تراكم عليه في المكتب او نسى الأمر….
لكنها لن تيأس ستنجح باذن الله…وستذهب اليه وستخبره انها كسبت القضية من أول جلسة
وبجدارة تفوقت على أستاذها…..حبيبها……
وضعت يدها على بطنها في سهوة متذكرة ان الجنين يشاركها أول مرافعة لها كذلك…..
ابتسمت كيان بحياء فمن يصدق ان أول مرافعة
تخوضها في قاعة المحكمة تكون حامل في شهرها
الأول وحمدًا لله انه الأول فأكثر من هذا سيكون حدثٍ تاريخي…فكاهي…..
قطع حبل افكارها الطريف صوت الموكل الذي
أشاد باعجاب…..
“كانت المرافعة هايلة يأستاذة حقيقي خلفتي كل توقعاتي عنده حق الاستاذ سليم يرشحك بطريقة
دي ليه نظرة مهنية….”
رفعت كيان وجهها الى الموكل بكبرياء قائلة بصوتٍ جاد متزن…..
“دا أكيد اسم سليم الجندي لوحده يخليك تطمن ان اي مسألة قانونية ليها حلول بإذن الله…وطبعا مكتب المحاماه مكتب كبير ومعروف وأكيد مش هيمسك اي حد قضية حتى لو كانت صغيرة الخبرة المهنية طبعًا مهمة ودراسة القضايا اللي من نوع ده كمان..
“طبعاً انت عارف دا اسم وسمعه…وأكيد مفيش استهتار في المسأل اللي زي دي…أطمن…”
تعرق جبين الرجل وهو يشعر بالاحراج الشديد
بعد حديثها الحازم فقال معتذرًا…..
“انا طبعًا مطمن…وسامحيني لو حصل اي سوء
تفاهم قبل كده….”
اومات كيان براسها بهدوء قائلة بلطف…..
“حصل خير….دا أول تعامل بينا وبين حضرتك وان شاء الله ميكونش الأخير… ان شاءالله نسمع أخبار حلوة..انا عملت اللي عليا..وادينا مستنيين الحكم الأخير…ويارب يكون في صالحنا….”
توقف العالم من حولها عندما اتت اللحظة الفاصلة للنطق بالحكم الأخير…..
بدأت تسمع باعصاب مشدودة في مكانها فنطق القاضي بعد مقدمة لا بأس بها ان المرافعة التي قدمتها والادلة كانت بصالح القضية التي كسبتها
الان بجدارة….
ابتسمت كيان بسعادة وهي تستقبل التهاني الحارة من الموكل الذي قال….
“انا مش عارف أقولك إيه… حقيقي اي كلمة مش هتوفي حقك في المجهود الجبار اللي بذلتيه….”
بادلته كيان المصافحة بحرج وهي تقول
بهدوء…..
“على اي دا كله انا عملت شغلي… الف مبروك….”
“الله يبارك فيكي ياستاذة….متشكر جدًا…”
قالها الموكل ثم رحل بعد فترة وجيزة من قاعة المحكمة…كما رحل جميع من في قاعة المحكمة…
وبقت هي بمفردها تلملم الأوراق وعلى محياها إبتسامة واسعة سعيدة بهذا الإنجاز…..
“الف مبروك يا أستاذة…تستحقيها وبجدارة كمان…”
اتسعت عينا كيان وهي تستدير للخلف الى الصوت التي تحفظه عن ظهر قلب….لترى سليم يجلس في آخر الصفوف على احد المقاعد باناقته المعتادة وسيمات الوسامة المشعة منه….مبتسمًا لها إبتسامة جذابة سلبت قلبها واذابة عينيها بالحب…..
حملت كيان ملف الأوراق واقتربت منه بخطى متهادية وكانها تخطو على السحب وصولا إليه..
فنهض سليم من مكانه كذلك وقطع المسافات بينهما وهو يقترب منها ايضًا وعيناه تبتلعها بنظرة عاشقة متباهٍ بها وهو يراها بهذا الشكل ترتدي الزي الرسمي للمهنة الرداء الاسود ترفع شعرها للاعلى في لفة راسخة تليق بملامحها الصارمة آنذاك عندما كانت تلقي كلماتها امام القضاة…..
“من بداية الجلسة وانا حاطت ايدي على قلبي…خايف تغلطي….”
قالها سليم بمشاكسة بعد ان تقابلا ووقفا امام بعضهما بتحفظ…..
ضمة كيان الملف الى صدرها وهي تزم شفتيها متبرمة كتلميذة صغيرة تعاتب استاذها على
التأخير…. وهم كذلك…
“وانا من أول ما دخلت قاعة المحكمة وانا بدور عليك..اتاريك هنا من أول ما بدأنا….”
حافظ سليم على ثباته امامها وهو يخبرها بنبرة
تدفقت منها العواطف…..
“خوفت اوترك بوجودي فقولت اتابع من بعيد..
كنتي حاجة متتوصفش ياكيان…حقيقي تفوقتي ياعصفورتي عجبتني المرافعة وادائك وثقتك في نفسك قدام الكل….”
اتسعت ابتسامتها حتى شملت وجهها الجميل
وهي تسأله ببلاهة….”بجد ياسليم ؟!…”
نظر سليم من حوله متعجبًا…..
“وبتسأليني كمان…مش واخده بالك انك كسبتي القضية ولوحدك….من غير مساعدة من حد…زي
ما بتقولي…”
قالت كيان بعد تنهيدة….
“بجد مش مصدقة لحد دلوقتي اني كسبتها….”
قال سليم بنظرة حنونة….
“انا بقا مصدق وكنت مراهن على ده..مبروك ياحبيبتي…”
قالت بنظرة ممتنة…..”الله يبارك فيك ياحبيبي….”
خرجا من قاعة المحكمة برفقة بعضهما
فاقترح سليم عليها…
“احنا لازم نحتفل….اي رأيك….”
اظهرت كيان حماسًا وهي تسأله بسعادة…
“مش محتاجة سؤال طالما هنبقا مع بعض…
قولي هنروح فين….”
غمز لها سليم قائلا بعبث….
“خلي المكان مفاجأة اكيد هيعجبك….”
…………………………………………………….
كانت الساعة تشير للسابعة مساءًا في شارع الصاوي الكبير الذي يضوي بأعمدة الانارة العالية وانوار
المحلات الكبيرة المصفوفة من الجانبين….
كانت الحركة به هادئة قليلا في تلك الساعة على عكس بداية اليوم حيثُ يعج بالسيارات والناس بكثرة…
ترجلت شهد من سيارة الاجرة أمام محل المصوغات
الكبير الفخم المضوي بشكل باهر….
بعد ان اعطت السائق الاجرة وقفت مكانها والسيارة
تنطلق من خلفها مبتعدة من حيث أتت اما هي فظلت مكانها تطلع على المكان بنظرة عميقة..وعبق الشارع يملئ رئتاها بالحنين يذكرها بالبداية….
بداية الحلم ، بداية الحب ، بداية التغيير الجذري
التي وصلت إليه الان….
ابتسمت بوله وعسليتاها ترنو الى مطعمها القديم المغلق والمظلم قليلًا عكس المحلات المضاءة أمامها..
غيرت وجهة سيرها واتجهت الى المطعم المغلق
ووقفت أمامه قليلا وكأنها تستعيد الذكريات منذ
ان فتحت هذا الباب الى ان اغلقته بيدها منهية
قصة العمل والحلم….
حتى عاد الحلم مجددًا خلسة مقتحم حياتها
يملئ قلبها وعقلها بتعلق به ،أراد ان يلعب معها
من جديد لعبة الغميضة وهي اغمضت عينيها
وسارت ببسالة تبحث عنه بالارجاء حتى راته
فـقبضة عليه بكلتا يداها وفازت في اللعبة
أخيرًا محققة الأهداف بعد صبرٍ وسعيًا
وصلت…
واكبت الظروف والصعاب حتى وصلت الى ما
تريد فمن كان يصدق ان هذا المطعم الصغير بداية للأنطلاقات الكبرى في تحقيق الحلم في الشعور بالحب ، في كسب رفقة وعائلة ثانية…
في كسب (شهد) جديدة مقبلة على الحياة والحب
بكل ذرة داخلها مستعدة للبدأ من جديد مع من
أحبت بكل جوارحها وعشقها حتى أصبح
علاج قلبها وبلسم روحها….
لن تفرط به بعد الان انها عاهدت نفسها على الحب
معه وإليه…عاهدت نفسها ان يكون الحب أولًا
بينهما وستوفي بعهدها….
زفرت نفسًا ثقيلا على صدرها وكأنها نست انفاسها
وسط زوابع الأفكار التي انتهت عند نقطة هامة ستسعى لها معه…..
“معقول شـهـد ؟!!…..”
استدارت شهد الى الصوت المألوف لها صوت نسائي
قوي…..ابتسمت شهد فور رؤيتها انها السيدة أحلام
عانقتها أحلام بحرارة قائلة بمحبة….
“والله وليكي وحشة ياشهد…اخيرا رجلك عتبة شارع
الصاوي هو من لقى احبابه نسي اصحابة ولا إيه
مش بتسألي يعني….”
فصلت شهد العناق وهي تقول بحرج….
“معلش عارفه اني مقصرة معاكي في السؤال…عامله اي ياست احلام اي اخبارك….”
“الحمدلله انا عذراكي….اكيد شهور الحمل تعباكي
شكلك ولادتي….جبتي إيه بقا….”
قالتها احلام بملامح منبسطة تنظر الى بطنها المسطحة من خلال هذا الطاقم الكلاسيكي
الأنيق التي ترتدية شهد…..
شحب وجه شهد على ذكرى حملها فوضعت يدها على بطنها الخاوية، صحيح ان ابنتها لم تعد تسكن رحمها لكنها تسكن قلبها منذ ان علمت بوجودها وعاشت داخلها خمسة أشهر على أمل ان تراها
وتغمرها بحنانها…وحتى بعد ان رحلت لم
يفارقها هذا الشعور…
فعندما تُذكر على لسان الآخرين تشعر بالغصة
تشطر حلقها لنصفين ورغبة البكاء تلح عليها
وهي تنظر الى عينا السائل…..
اجابتها شهد بغصة مريرة….
“الحمل مكملش…..الحمدلله على كل شيء….”
على وجه احلام التاثر مشفقة عليها وهي تربت
على كتفها…..
“ياحبيبتي لمؤخذة والله ما اعرف غير منك دلوقتي
اصلي عرفت انك حامل لم سألت المعلم عاصم عنك
قبلها كان دابح عجلين في الشارع وكان باين انه فرحان أوي…..ربنا يعوض عليكم ياحبيبتي….”
لان ثغر شهد في ابتسامة حزينة وهي تنظر
الى الصاغة فهذا الخبر جديد عليها رغم
انه قديم…..
عادت الى أحلام تسالها باهتمام….
“الحمدلله… انتي اي اخبارك…لسه فاتحة المكتبة…”
إجابة احلام ببسمة قانطة…
“هو انا ليا شغلانه غيرها….اديني شغالة فيها…
ماتيجي تشربي معايا حاجة جوا… بدل وقفتنا
دي.. ”
قالت شهد برفضٍ لبق…..
“مرة تانية ياستهم…هجيلك مخصوص….”
نظرت لها احلام بشك…..”يعني اعتبره وعد….”
اومات شهد براسها بتأكيد فقالت أحلام
بوئام….
“طيب اسيبك انا بقا عشان معطلكيش….سلامي
للمعلم عاصم….فوتك بعافية….”
ابتعدت احلام عنها بعد السلام ودخلت من باب المكتبة المجاورة للمطعم….
بينما اتجهت شهد الى محل المصوغات الكبير ودلفت
من خلال الباب الزجاجي الامع…..
رفعت عيناها في انحاء المكان الفخم الذي يزهو بالذهب والمجوهرات الباهظة الانيقة كذلك…
رأت بعيناها عدد من الزبائن الفاتنات الجالسات
على المقاعد باناقة يشاهدون الحلي والمجوهرات التي تعرض امامهن بينما العمال يقفوا من الجهة الأخرى يعملا على تلبية طلباتهن في معاملة لبقة
لها سحرًا خاص على النساء في الشراء….
اما انهُ شيءٍ ثابت يتوارث بين تجار المصوغات
ام انها تعويذة (عاصم الصاوي)التي إصابة العمال
ومن ضمنهم يـزن….
يزن الذي كان يقف في ركن اخر ليرائي الزبونة
الجميلة البضائع ويقنعها بانتقاء قطعة نفيسة من بينهم…محاول الوصول الى حلا يجعلها تقتنع بما
يقدمه لها وتخرج من هنا واعدة بزيارة جديدة
بسبب حسن المعاملة وجودة البضاعة…
رفع يزن عيناه عليها مباشرة وكأنه شعر بمراقبتها
لها فابتسمت له شهد بتلقائية فبادلها البسمة وهو
يشير الى احد العمال كي يقف مكانه…
وعندما فعل خرج اليها يزن مقترب من مكانها
قال بترحيب….
“ازيك ياشهد عاملة إيه….”
قالت بابتسامة ودودة….
“الحمدلله….انت اي اخبارك….شكلك اتعودت
على المكان وحبيته….”رمقت الزبونة التي
كان يقف معها…..
قال يزن بسخرية….
“انا أول مرة أشوفها أصلا….عادي زيها زي كل الزباين…”
قالت شهد بإرشاد…
“اوعى تكون مقصر في الدراسة….شهادتك أهم
من شغلك هنا…..”
قال يزن برجاحة عقل…..
“مش محتاج اسمع الكلام ده…انا حاطت هدف في دماغي شهادتي اهم من اي شيء…بس يعني برضو
وجودي هنا مهم مع عاصم دي تجارة جدي وابويا…ولازم افضل فيها واكبرها….وانا الحمدلله بوفق بين الجامعة والشغل…اطمني….”
قالت شهد مبتسمة بتشجيع…
“مطمنه طبعا…انت مايتخفش عليك…هو عاصم
فوق مش كده….”
هتف يزن بعفوية…..
“اه بس مش لوحده مع زبونة…بس إيه…حلوة
حلاوة….”
جفلت شهد ناظرة اليه بدهشة…فقال يزن
بتصحيح….
“مش قصدي حاجة انا بديكي فكرة بما انك
طالعه ليه….مش طالعة تشوفيه برضو…”
اومات شهد وهي تنظر الى السلم الصغير الممتد
للدور العلوي حيث مكتب عاصم والمكان الذي
يقضي أغلب ساعات عمله فيه…
“ايوا…..هما بقالهم كتير فوق ؟!….”
هرش يزن في شعره مفكرًا….”تقريبا ساعة….”
عبست شهد سائلة….”مش كتير….”
هتف يزن دون تفكير مسبق….
“هو مش كتيير بنسبة للانسة تيا…هي متعودة
على كده….بطول أوي في القعدة مع عاصم اصلها بتشوف التصاميم و بتعمل تعديلات كتير على الرسمة كده يعني….”
عقبت شهد على الحديث بملامح مستهجنة
والغيرة تدب في اعماقها….
“انسة تيا ؟!!…وبطول أوي في القعدة واي
كمان….”
“احم واضح اني عكيت..”تنحنح يزن بحرج
وهو يقول….
“بلاش النظرة دي يعني عاصم بيحبك وأكيد
مش شايف غيرك ….”
لم ترد عليه شهد بل ظلت تحدق به دون
تعبير واضح….
فاشار يزن لها على السلم قائلا…..
“خليني اوصلك…..”
رفضت بنبرة صارمة….
“روح كمل شغلك انا هطلع بنفسي….”
وامام عينا يزن صعدت على الدرج بخطوات هادئة
راقية لكن عينيها تنفثان نارًا من شدة الغيرة عليه..
هتف يزن من خلفها بتوجس….
“عنيفة أوي !!…..الله يكون في عونك يا كينج….”
لمح يزن عند باب الصاغة فتاة محجبة بسيطة تدلف الى الصاغة كانت ترتدي نظارة طبية ملامحها صارمة رغم جمالها
كانت تختلف عن جميع الزبائن اللواتي اعتاد رؤيتهن
هنا بها شيءٍ جذب انتباهه من النظرة الأولى فوقف قليلا يتابع تحركها في قلب الصاغة وبحثها عن شيءٍ بعينة…
رأى من خلفها فتاة في نفس عمرها تتبع خطاها منادية عليها بتذمر….
“ياجنة استني….”
جنة !!….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)