رواية ما بين الألف والدال الفصل الثاني 2 بقلم ملك منصور
رواية ما بين الألف والدال الجزء الثاني
رواية ما بين الألف والدال البارت الثاني
رواية ما بين الألف والدال الحلقة الثانية
ترجلت للشرفة أنفخ الهواء منفثه عن بعض ضيق صدري، تصلبت عند سماعي لجملته التي هزت أوصالي.
_ يا نور قولتلكِ مشكلة بسيطة وهتتحل، بطلي تكبري المواضيع، واهدي كده.
ماذا! نور؟!
هل حقًا هي من يُحادثها كل يوم مُستخدمًا صيغة المذكر؟
لقد أخبرني حين كنت أحدثه في غرفته أنه صديقه نور!
يا إلهي كيف نسيت أنهم يتحدثون معًا بصيغة المذكر!
ولكن لِمَ لم يخبرني أنهم عادوا يتحدثون على الهاتف؟
كان معرفتي للمجهول أشد ألمًا من كونه مجهول، كدلو مياة ساقع انتفض له عقلي، يعلم أنني لا أحب هذا القرب الغير مبرر، لا أمنعه منها ولكن فقط أردته أن يحترمني، يقدرني ولو بالقليل، أحقًا لا يعرف أن نور تُحبه؟
ألم يفهم من بُعدها المفاجئ بعد خطبتنا!
ففي بُعدكم المصلحة لكليكما، قربكما لن يزيدها إلا تعلق وأنت لا تدري طبيعة ما يؤول إليه فعلك، فقط تهتم أنها صديقة طفولتك ولن تقطعها وترميها لمجرد خطبتك!
ولم أطلب منك ذلك، فقط أردت أن تشعر بي، تشعر بنيراني المتأججة ولو لمرة!
أأشعر بالغيرة؟ نعم وبشدة، أليس من حقي!
ذهبت إلى العمل مقتضبة، حزينة أم متألمة لا أدري، ولكن ذلك الثقل وتلك النغزة أصبحا جزءًا مني، يمكن القول أنهم زادوا قليلًا اليوم عن المعتاد، ولكن يختفوا؟
لم أعد اسعى لذلك، لأول مرة كان يظهر على وجهي ملامح الحزن، فشلت اليوم في إرتداء قناعي المُتبسم حتى لاحظت “نادين” لم أراسله اليوم، ولم يهتم ليفعل، لا يفعل سوى أنه يزيد من نغزتي، كانت عيني مع العملاء وحواسي مع اهتزازه الهاتف في وضع الصامت ليعلن عن رسالته، تستعد لحركته في أي لحظة، ولكن لا شيء، صفر كبير يُزين الخيبة.
_ مالك إنتِ كويسه؟ شكلك تعبان.
أفقت من شرودي على خبط “نادين” في كتفي.
– إيه؟
آه أنا تمام، منمتش بس كويس، إمبارح كان عندي أرق.
أكذب وتعلم أنني أكذب وعلى أتم المعرفة أنني لا أريد التحدث ولن أفعل، أحب في “نادين” تفهمها، لم تضغط عليّ لأتحدث، بل ربتت على كتفي ساحبه لي في أحضانها قائله بهدوء.
_ إنتِ عارفه إني أنا هنا، وهفضل هنا..جنبكِ.
لمعت الدموع في عيني، هززت رأسي بإبتسامتي المعهودة وكعادتها لم تتركني لسُحبي، ازالتها بحديثها وطرائفها لتخرجني من تلك العتمة وكيف لا تنجح في ذلك، فإن فشلت هي من سيفعل؟
حينها تذكرت قول أم كلثوم بل شعرت به لأول مرة بعدما لم أكن أفوت الفرصة للسخرية منه، يا للسخرية، حقًا كم أن المرء لا يعرف حقيقة شيء حتى يجربه.
“خاصمتك بيني وبين روحي.. وصالحتك وخاصمتك تاني
وأقول أبعد يصعب على روحي.. تطاوعني ليزيد حرماني
ها افضل أحبك من غير ما أقولك..إيه اللى حير افكاري”
مرّ يومان، لم أرسل له فيهم شيء، ولم يفعل هو، كانت اجازه نهاية الأسبوع، حزينه، متألمه، غاضبه؟
مزيج من المشاعر خدر عقلي وقلبي في آنٍ واحد فلم أستطع إتخاذ قرار، قررت أن اتركه ليحكي، بالتأكيد لديه سبب مقنع، ومن المؤكد أنه سيحكي لي كل شيء، لن أتسرع أو أضغط عليه، بقيت في غرفتي مع ذات الكتاب الذي يضم حبيبات التراب، وكان إلى هنا ما قدرت عليه لبعده، أرسلت له أطمئن عليه، لم أرغب بالتحدث، فإذا استمعت لصوته سأبكي، فاجئني بإتصاله، بل دُهشت، مرّ وقت طويل على أن يبادر هو بالإتصال دون أن أخبره أن يفعل، انتظرت قليلًا، أخذت نفس عميق أُعد به نفسي حتى لا أبكي، إشتقت له، مرّ ثلاثة أسابيع على آخر لقاء بيننا الذي لم يحمل سوى خلافنا وفي طياته برود، أبتلعت غصتي وأجبت بتردد.
_ ألو.
– هتفضلي قاعدة في الأوضة كتير، مش ناوية تخرجي .
لم أفهم حديثه، ارتديت إسدال الصلاة وخرجت للصالة، تفاجئت به وخالتي “فايزة” لوح شبح ابتسامة على وجهي مُتناسيه أي حزن حمل اسمه في قلبي، كان يبدو عليه الإرهاق، أسرعت للجلوس بجانبه بعد سلامات لخالتي، لم أعطه فرصة للحديث وأردفت بقلق:
_ مالك؟
إنت تعبان، شكلك مرهق ووشك مخطوف؟
أجاب بإبتسامته الحانية التي تصيب قلبي جاعلاه عاجز عن فعل ما دون النبض لأجله:
– أنا كويس متقلقيش، شوية برد بس.
قاطعته “فايزة” مازحه:
_ شوية؟ شوية إيه بس ده متكوم من يوم الأربع ولسه شامم نفسه انهارده.
نظرت له معاتبه تسأله عيني “لِمَ لم تخبرني؟!”
لم تمنحني “فايزة” فرصة للتساؤل واقتربت مني ممسكه وجهي بتفحص:
_ وإنتِ كمان مالك، وشك مِصفر كده وشكلك مجهد.
ابتسمت بتوتر، الوضع اصبح سيء حتى وصل لدرجة الملاحظة، أردفت بتوتر:
_ لأ مفيش يا خالتو، ده من قلة النوم بس.
نظر لي بشبح ابتسامته دون أن يعلق، يبدو عليه الوهن، نهضت مسرعة أعد له مشروب دافئ وساعدت أمي في تحضير الغداء، فاليوم نتشارك الغداء نحن وخالتي، لا أعرف كيف نسيته، ولكن سعدت لحضوره وأخيرًا بعد تغيبه الثلاثة أسابيع الماضية متعللًا بالعمل، حضرت له شوربة، تناولنا طعامنا وجلسنا سويًا، تناسيت أي حزن حمله قلبي باسمه، لم يشغلني سوى أنه مريض ويعاني، وكم يتألم قلبي لمعاناته، لم يتحدث كثيرًا على عكسي التي أغرقته بالحكاوي كعادتي مع تفاصيلي التافهة التي كنت أجاهد بألا أتطرق إليها حتى لا تسبب له إزعاج، انتهى اليوم بهدوء تخلله ضحكاته الوهنة من شرفته، كنت قد تناسيت الأمر أو ادعيت ذلك ولكن ضحكاته أحيت جرح لم يندمل بعد، أصبحت ضحكاته التي كنت أتوق إليها لأنعش آذاني، كالأسهم الحارقة تخترق قلبي، كانت كل ضحكة تسبب نغزه، فقد أصبحت عادة لديه، التحدث معها في الوقت ذاته كل يوم، كان التساؤل ينهشني، في ماذا يحدثها؟
ومتى أصبح يهوى الحديث في الهاتف لعدة ساعات؟
كان عقلي على وشك بدأ هجومًا جديدًا دافعت تلك المرة بضراوة
خرجت بخسائر عدة ولكن النصر كان لي في تلك الجولة، فبالتأكيد لديه أسبابه، وبالتأكيد سيخبرني!
لن أتسرع لا لن أترك الساحة لذلك المتحجر بأن يُحجرني..
….
_ أيوة بقى يعم، فتاة العيد ميلاد.
ضحكت بعفوية لحديث “نادين”، مرّ أسبوعان من بعد يوم ميلادها مُعلنًا عن يومي، أتممت شهرين وأسبوع في البنك الجديد، شهرين لا يزيدوا سوى المسافة بيننا التي لا أعلم سببها، أستمر في اهتمامي المُفرط ولكن مؤخرًا عزمت على تقللته، فقد أصبح “أدهم” يغضب وبشدة، الوضع أصعب مما تظن يا “أدهم” صعب عليَّ أن ألا أرسل إليك صباحًا مطمئنة عليك، صعب عليّ تحمل ذلك الجفاء الذي يزداد يومًا عن الآخر، صعب عليّ ألا أستمع لصوتك إلا في الشرفة وأنا قلبي ينعصر لحديثك مع “نور” مرّ أسبوعان على علمي، وشهران على عودتك للحديث معها ولم تخبرني، خلقت لك بدل العذر مئة وأنتظر أن تخيبهم جميعًا بعذر يقتلهم في آنٍ واحد..
انتظرت يوم مولدي بشدة، لم يتوقف عقلي عن نسج سيناريوهات لمفاجأتك، ماذا ستفعل لي؟
أنت تعلم أن هذا يُمثل لي الكثير وأني أحب أعياد الميلاد فأقول عنها أنها اليوم الذي يُفصح فيه كل صندوق عن أسراره ليحتفل بوجود شخصٍ في حياته،
انتظرت مكالمتك مساءًا كعادتك، ولكن خيبتني وما زاد خيبتي استماعي لحديثك معها في ذات الموعد!
هونت على نفسي بأنك تُعد لي ما هو أفضل، سأتوقف عن التسرع كما تخبرني دائمًا، بالتأكيد لديك أسبابك لن ألومك.
عُدت للمنزل، لم أجدك، تلاشت بسمتي المفترشة على وجهي ولكن رجحت أنك ستأتي مساءًا، أو ستهاتفني ليلًا، ألهيت نفسي في الكتاب الذي لم يعد يحمل حبيبات التراب، وكالعادة عقلي لم يكن معه بل مع إنتظار إشعار رسالتك، انتظرتك ساعة تلو الأخرى، حتى منتصف الليل… لاشيء، لاشيء كبير حصلت عليه، خرجت لشرفتي وما قطع شرودي صوت حديثك!
إيه؟ قولتلك لأ مش ورايا حاجه أحكي خلصي.
ثبتت مكاني، استغرقت دقيقتين أستوعب، إنك…إنك تحادثها..
يوم مولدي!
أنتظرك منذ أمس هنا اتأمل صورتك على الواتساب على أمل رسالة تأتيني منك وأنت تتحدث معها..وتخبرها بأنك متفرغ! منذ متى أصبحت؟ وهل تفرغك هذا لا يحمل دقيقة لأجلي؟
لم أُطالبك بالكثير، ولم أرغب بما هو عبأ عليك، فقط أنتظرت تهنئة عيد ميلاد صغيرة، لم أطمح بالكثير!
ولكن قليلي كثير عليك، ابتلعت مرارة خيبتي وترجلت للسرير، لن أقدر اليلة على الإستماع لصوتك، فصوتك أصبح كالنيران يحرق قلبي، إتخذت وضع الجنين، لم أشعر بالأنهر التي حُفرت على وجهي، لا أعلم متى غفوت أو حتى كيف، فقد كان ثقل قلبي تلك الليلة أشد من أي ليلة مرت، ولم يفارق رأسي سؤال لماذا؟
لماذا؟
علامة استفهام كبيرة استقرت في منتصف رأسي لا أجد إجابة لها، كنت فريسة رائعة لعقلي ليلة أمس ولكن جسدي عفاني من تلك الحرب الضارية وغفا، مُغلقًا الأبواب أمام عقلي، استيقظت على صوت منبهي، لقد غفوت ولم أدرى بشيء، نهضت بوهن مرتديه ملابسي اتجهز لعملي، أمسكت هاتفي في طريقي، لا شيء منه، خيبة كبير تجلس على قلبي، قررت تجاهل ما حدث، بال..بالتأكيد لديه أسبابه!
أو هذا ما أحاول إقناع به نفسي، أردده على عقلي حتى يهدأ، أمسكت الهاتف وكتبت له “صباح الخير” وأخبرته أنني ذاهبه للعمل، ترددت في الضغط على زر الإرسال تركتها معلقة حتى وصلت لمكتبي، كان الفشل عنوان يومي، فشلت في إرتداء قناعي المعتاد، بل كدت أفشل في إخفاء دموعي، أمسكت هاتفي وأرسلت له الرسالة مغلقة بيانات الهاتف.
_ مالك يا داليا، شكلك مُجهد، حد زعلك؟
قوليلي مين وأنا أكسر دماغه.
لاح شبح ابتسامع على وجهي مجيبه لحديث “نادين” ماذا أخبركِ يا عزيزتي؟
_ احكيلي يا ست عملتي إيه إمبارح مع أدهم، احكيلي عملتوا إيه.
آه يا عزيزتي، لقد نسيّ!
نسيّ وجلس يُهاتف صديقتة المقربة حتى منتصف الليل، لم يُكلف نفسه عناء إرسال تهنئة خرقاء لأجلي، لم يهتم بمهاتفتي يطمئن عليّ يا عزيزتي، يعلم أنني اتأثر، هُنت عليه يا “نادين” هُنت وهان قلبي.
– آه يا حبيبي عملي مفاجأة تحفه وخرجنا سوا، كان يوم جميل.
أنهيت حديثي مُرتديه قناعي المُتبسم ضاربة بشكوكها عرض الحائط، وبدون إرادتي تذكرت موقف “محمد”، لم أشعر بالغيرة من صديقتي بل تألمت لِمَ يفعله حبيبي، لا أقارن بينهما ولن أفعل، فأنا أعي أن لكلٍ طريقته الخاصة في التعبير، ولكن تذكري للموقف جعلني أقف لوهلة واتأمل من بعيد ما يُقدمه لي وما أفعله أنا، ورنت علامة الإستفهام في رأسي، لماذا؟
عدت للمنزل، لم أراسله مرة أخرى ولم أرى إن كان جائني رده أم لا، تناولت غدائي وغفوت مبكرًا، لا أعرف كيف ولكن جسدي كان أكثر رحمة بي مني…
أفقت من نومي على صوت رنين هاتفي، تناولته بدون النظر للمتصل وأجبت بصوت نائم:
_ ألو.
– إيه يا دود، عامله إيه، إيه نمتي امتى دي الساعة 12.
انتفض قلبي لمجرد سماعي لصوته، صوته الذي اعتدت أذني على غيابه من قلة حديثنا، لم أجبه، ولم أشعر بدموعي تهرب من عيني حتى لامست فمي، أود أن أصرخ به، أنا حزينه…
قطع تفكيري نداءه من الجانب الآخر.
_ روحتي فين، نمتي ولا إيه.
– معاك.
_ حبيت أقولك كل سنة وإنتِ مبسوطة وكل سنة وإنتِ جميلة.
لأول مرة حديثه البسيط لا يُفرحني، لأول مرة كلماته الهادئة لا تُزهر قلبي بل أثارت به نغزة، لأول مرة تنساب دموعي حزنًا على كلامه اللطيف، أجبته بإقتضاب حاولت أن أخفيه:
– شكرًا يا أدهم.
صمت برهه لم أعطه فرصة للحديث وأكملت بذات النبرة النائمة:
_ تصبح على خير عشان مش قادرة هبقى أبعتلك بكرا.
حزينة؟
نعم وبشدة، ربما تجد أن حزني تافه بل وغير مبرر، هل حزنت لأن حبيبي تجاهل عيد مولدي وقابله بجفاء مُحدثًا صديقته بمرح؟
نعم حزنت، بل انعصر قلبي وأخذ ينزف، يعلم بل على يقين أني لا أبالي إلا لأشعر أنك تقدرني، أن أرى أنك تعطيني قيمة، لم أشكو من قلة إهتمامك ولكني أبكي من قلة تقديرك، لم يكن موقف عيد مولدي من سبب لي ذلك الألم والإنطفاء الذي أصاب قلبي، بل عدة مواقف لعدة أشهر اجتمعت واتفقت أن تشكل الثقل على صدري..
غفوت مجددًا دون وعي مني، لا أعلم كيف سقطت في النوم فور إغلاقي معه بخمس دقائق، خمس دقائق كانت كافية لعقلي لبث سمومه فيّ.
مرّ الأسبوع بذات السكون، السكون القاتل، مان كل يوم بمثابة حجر جديد يوضع أعلى قلبي، لم أعاتبه، اكتفيت بالهدوء الخارجي، الهدوء الذي يحمل في طياته عواصف دامية،
لم أهاتفه هذا الأسبوع ولم يفعل هو، اكتفيت بالرسائل وتجنبت اتصالاته التي تُعد على الأصابع، لم أكن قادره على الإستماع لصوته، فصوته يُضعفني، يؤلمني ويبكيني، اكتفيت بالألم الذي أحصل عليه كل ليلة في الشرفة مهونه على نفسي أنه سيأتي ويخبرني بنفسه في الغد، كان الأسبوع كافيًا حتى أتجاوز موقف عيد مولدي، أو هذا ما اقنعت به نفسي…
قطعت الجفاء صباح الأربعاء الذي يسبق أول خميس في بداية الشهر، يوم نجتمع نحن وخالتي، قررت أن اهاتفه وانهي هذا الخصام الذي بدأته أنا وعلى بعض من التأكد أنه لا يشعر، ففي النهاية لقد عايدني، وأن تصل متأخرًا خيرًا من ألا تصل!
رددت هذا على عقلي فقد إشتقت وبشدة لصوته، اشتقت لهمساته..
_ إيه يا باشا فينك كده.
– إيه يا داليا، عامله إيه، عايزه حاجه ولا، قولي بسرعة الله يباركلك عشان في الشغل ومطحون ومش وقته رغي حقيقي.
ابتلعت الغصة في حلقي، فلم أفتح فمي بعد لِمَ الغضب!
_ لأ مفيش أنا كنت بسألك هتيجي تتغدى معانا انهارده؟
– آه إن شاء الله.
” يبني أنا قولتلك توديها هناك مش عندي، توب عليا يارب من الغباء مش كفاية اللي معايا”
أُحرجت وبشدة، هل يقصدني بالغبية؟ متى كنت غبية عزيزي؟
– احم لامؤاخذه يا داليا، مش قصدي عليكِ، أنا هقفل دلوقتي عشان أخلص شغل، أشوفك بليل بإذن الله.
مرّ أسبوعين على آخر لقاء بيننا، تغيب في أسبوع عيد مولدي وهذا الثاني، تحمس قلبي للُقياه رغم جرحه الذي يُحيي كل ليلة، أتى متأخرًا كانت السابعة والنصف، تناولنا غدائنا وجلسنا سويًا، كانت من أكثر لقائاتنا برودة، لا أفهم ماذا يحدث لنا، ومتى أصبحت تؤلمني هكذا يا “أدهم” لم أعهدك قاسي، لم أطلب منك فوق طاقتك، ولكني أشعر أنني من يحمل علاقتنا، من يملأ ساعتنا الرملية واهمًا أن هذه أوقاتنا الخاصة، ولكن عن أي أوقات أتحدث؟!
قطعت إندماجك في هاتفك:
_ هنخرج بكرا؟
بكرا أول الشهر، بقالنا كتير أوي مخرجناش، هنروح فين؟
إلتفت لي وكأنه قد تاه عن باله، أجاب مسرعًا هادمًا أحلامي قبل بنائها.
– لأ نخرج إيه أنا مش قادر، جيوبي الأنفية انهارده تعبت أوي من التراب في الموقع ومش هقدر أنزل، هي أصلًا بقالها يومين تعباني، “أكمل بنبرة مازحه” ما إنتِ لو مهتمه يا هانم كنتِ عرفتي.
ابتسمت بخيبة، ولكن يبدو أنه مرهق حقًا، لن أضغط عليه.
_ سلامتك، خلاص نأجلها للأسبوع اللي بعده، أما أقوم أعملك حاجة دافية تشربها.
ابتسم لي بخفوت ثم عاود لهاتفه، لم أُبالي أنه لغى خروجتنا التي لم نحصل عليها من قرابة الثلاثة أشهر، يكفي أننا لا نتقابل، أهتممت فقط بتعبه، فأعلم جيدًا كيف أن جيوبه الأنفية تُرهقه بشده وخاصة في الشتاء..
مرّ اليوم بهدوء ثقيل، يحنل الصمت القاتل، لا الصمت الهادئ، يبدو عليه علامات السهر، غفوت أمس ولم أنتبه متى أغلق معها، لا أعرف ماهية حديثهما، كل ما أفهمه أنه يحادثها هي ليس شخصًا آخر…
……
_ ما تيجي ننزل انهارده المكان اللي بنقعد فيه على طول؟
آه صحيح نسيت،
غمزت مُكملة: أيوة يا ستي محدش قدك هتقابلي حبيب القلب انهارده.
كان هذا حديث “نادين” بتد انتهائنا من دوامنا مبكرًا
خبئت حزني بابتسامتي المرحه مُجيبه:
– لأ انهارده free.
_ إيه ده، إنتوا مش بتتقابلوا كل أول خميس في الشهر؟
– أدهم جيوبه الأنفية تعباه ومش هيقدر ينزل، ده ما صدق إن انهارده اجازه عشان يريح، المهم سيبك إنتِ وتعالي ننزل سوا بقالنا كتير مخرجناش.
“”الصفعة التي لا نتعلم منها، نستحقها مجددًا.”
كان هذا هو عنوان يومي وأنا أترك “نادين” وأنهض بهدوء دون إعطائها مبررات.
_ أنا… أنا… أنا ماشية، سلام.
– تمشي تروحي فين، داليا استني، إيه اللي حصل؟
لم أنتظر ردها، ازحت الطاولة متحركة للخارج متجاهله ندائها.
لم أقدم أسباب، خرجت بهدوء قبل أن تلحقني، أسير كالتائهه، لا أعي شيء، علامات الإستفهام تغزو رأسي وتقودها، لماذا؟
ولا أحصل إلا على اجابه “الصفعة التي لا تتعلمي منها، تستحقيها مجددًا.”
يلوح مشهده أمام رأسي، عندما……!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين الألف والدال)