رواية وسام الفؤاد الفصل السابع عشر 17 بقلم آية السيد
رواية وسام الفؤاد الجزء السابع عشر
رواية وسام الفؤاد البارت السابع عشر
رواية وسام الفؤاد الحلقة السابعة عشر
قبل البداية
“من يظن أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، قالوا عن الله ثالث ثلاثة وقالوا عن محمد أنه ساحر مجنون! فما ظنك بمن هو دونهما!”
الشافعي
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
الحلقة السابعة عشر
“شايفه إلي أنا شيفاه؟! وسامعه إلي أنا سمعاه”
وضعت فرح حبة توت في فمها وقالت وهي تمضغها:
– إحنا في مأزق يا رحيل هيقولوا علينا إيه! قرود على رأي وسام؟!
قطبت رحيل حاجبيها وقالت بتبرم:
-و… وال… والظابط ده إيه إلي جابه دلوقتي هو كمان؟
غمزت لها فرح قائلة بابتسامة:
-ايه ده… ايه ده… إيه ده! هو فيه كميا ولا إيه؟
علقت رحيل متعجبه:
-كيما! إيه كميا دي؟
غمزت فرح ولكزتها من ذراعها بخفة وهزت أكتافها قائلة:
-كيما يعني استلطاف اعجاب والذي منه
زمت رحيل شفتيها وقالت بضجر:
-اتلمي يا فرح بدل ما أحدفك من على الشجره دي وأخلص…. دا إنتِ باردة ومستفزه كمان
ضحكت فرح بسخرية وهي تقول:
-دا أنا خبره وبفهمها وهي طايره
رمقتها رحيل بسخط قائلة بحنق:
-بارده ومستفزه… بجد الله يكون في عونه والله
________________________
“هتخرجي.. ولا أجي أخدك ولا إيه؟”
قالها فؤاد نازقًا فعقبت وسام بتلعثم:
-مـ… مش خارجه إلا لما تمشي الكلاب دول
نظر للشباب وزم شفتيه ثم سألهم:
-هو إنتوا عملتوا فيها حاجه ولا إيه؟
كبح يوسف ضحكاته وانحنى للأرض ليأخذ عدة حصوات ويطرد الكلاب وهو يقول:
-أنا أول مره أعرف إن إنت دماغك تخين يا فؤش
أومأ فؤاد رأسه مبتسمًا ثم انفـ جرت ضاحكًا وكأنه استدرك ما يجري نظر إليها مجددًا وقال:
-اخرجوا بقا الكلاب مشيت خلاص
تشبثت سديل بذراع وسام وقالت ببكاء مصطنع:
-أنا عايزه أعيط والله… مكسوفه قوي!
عقبت وسام بنبرة مرتعشة:
-حالي مش أقل منك والله..
وقف فؤاد على حافة الترعة وقال:
-إيه هتخرجوا ولا حابين المايه!
مدت وسام يدها وقالت:
– خد بإيدي
جذبها من يدها لخارج الترعة وتبعتها سديل ثم وقفتا تعصران ذيل ملابسهما باحراج شديد، تفقد يوسف المياه وظل يلتفت حوله متسائلًا:
-اومال فين فرح؟
أشارت وسام بيدها لمكان الشجره وهي تقول:
-فرح فوق
قطب فؤاد حاجبيه يسألها مستفهمًا:
-يعني إيه فرح فوق؟
**********
كانت فرح تستمع للحوار الذي يدور بينهم بانصات نظرت لرحيل قائله:
-خلاص ما باليد حيله
لا مناص فسيعرف بمكانها لا محاله، تنحنحت لتجلي حنجرتها وصاحت:
-أنا هنا يا يوسف أنا هنا
وقف يلتفت حوله ينظر أعلى وأسفل فصاحت بتلعثم:
-بتدور فين أنا فوق الشجرة
رفع رأسه لأعلى وفتح فمه بدهشه دون أن ينبس بكلمه، غض الشباب بصرهم يكبح ن ضحكاتهم، وتدرحرجت فرح بين الأغصان ثم نزلت عن الشجره تقبض بكلتا يديها على جذعها تشبه تمامًا قرد لكن حجمه أكبر قليلًا، نظر يوسف نحو الشباب الضاحكين وانفـ. جر ضاحكًا وهو يطالعها بذهول، ابتسمت ببرود وهي تحدق به وقالت:
-حذر فذر جبتلكم إيه؟
ضغط شفتيه معًا ووضع يده حول خصره رافعًا إحدى حاجبيه، فابتسمت وفتحت الكيس أمام عينه قائلة:
-جبتلكم توت
مسح يوسف وجهه من أثر الضحك وقال:
-حبيبتي إنتِ كل يوم بتبهريني بموهبة جديدة
ظنته يتحدث بجديه فتهلل وجهها بسعاده قائلة:
-بجد يا حبيبي!
ضحك بخفوت وهو يقول:
-أيوه والله أنا أول مره أعرف إنك بتعرفي تقلدي القرود
تجهم وجهها ورفعت شفتيها العلويه بنزق مرددة:
-قرود!!!
نظر نحو الشباب ثم لها قائلًا:
-بجد فاجئتيني وفضحتيني في نفس الوقت
زمت شفتيها متخصرة وقالت بتبرم:
-ماشي يا يوسف هي دي شكرًا دا أنا اتحديت الصعب عشان تأكلوا توت
رتب على كتفها قائلًا:
-يلا نمشي يا غلطة عمري ولينا بيت نتفاهم فيه ونشوف موض ع التوت ده
نفخت بحنق ونظرت لأعلى ثم صفقت بيدها قائلة:
-انزلي يا رحيل عشان هنمشي
رفع رأسه لأعلى وقال:
-هو لسه فيه حد فوق الشجرة!
-أيوه دور وشك عشان البنت تنزل
كررت رحيل مشهد نزول فرح كانت تتشبث بجذع الشجره لكن انفلتت يدها ووقعت على ظهرها صارخة:
-آه… عصعوصي وعمودي الفقري
انحنت فرح تساندها على النهوض وهي تقول:
-العصعوص ماشي لكن الفقري لأ يا أماي
انفـ. جر الجميع بالضحك، ليقاطعهم صوت فؤاد وهو يبدل نظره بين وسام وسديل:
-هتمشوا بالهدوم المبلوله دي ازاي؟
تفحصت وسام ملابسها وهي تقول:
-مفيش حل تاني!
تنهد بعمق ونظر ناحية يوسف قائلًا:
-طيب يلا يا يوسف هنمشي قدامهم وهما يجوا ورانا
_____________________
تقف هبه في المطبخ بعد أن حضرت أكواب الحليب الساخنة، كانت ترتدي بيجامتها الستان طويلة الأكمام باللون الزيتوني الفاتح وتطلق العنان لخصلات شعرها البنية التي بالكاد تغطي عنقها، ظلت تطيح الأفكار برأسها لماذا أصبح يهتم بها ويعاملها بحنو، لمَ تغير لتلك الدرجة؟! أيعقل أنه ينوي أن يتخذها زوجة حقيقية! وما حقيقة مشاعرها هي نحوه هل أحبته؟ لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيها وهي تحرك رأسها باستنكار! حب ماذا! هي اعتادت وجوده فقط، وكذالك فرط حنانه معها أجبرها على الإنجذاب إليه أقنعت حالها بتلك الفكره وهي تومئ رأسها عدة مرات مؤيدة.
“بتعملي إيه؟”
انتفضت صارخة بخفوت وهي تستدير إليه في فزع، وضعت يدها على صدرها تهدئ خفقات قلبها العـ. نيفه قائلة:
-خضتني والله…
ضحك بخفوت قائلًا:
-آسف والله بس باين إنتِ إلي كنتِ سرحانه!
تلعثمت قائلة:
-ا.. إنت جيت امته؟! مش كنت بتقول هتتأخر!
دنا منها واستند بمرفقه على رخام المطبخ أمامها منحنيًا لمستواها وقال بابتسامة وهو يطالع عينيها:
– قولت أجي أطمن عليكِ… عشان حضرتك مبترديش على الموبايل!
ارتبكت من نظرته في عمق عينيها ومن قربه المبالغ، لم تحرك ساكنًا وزاغت ببصرها بعيدًا عنه قائلة بتلعثم:
-مـ.. مسمعتوش والله اتشغلت في التنظيف والغسيل وكده…
لمس خصلات شعرها وقطب حاجبيه قائلًا بتعجب:
-إيه ده إنتِ قصيتِ شعرك؟
حدقت بملامحه لتتفرس هل هو غاضب لأنها قصت شعرها أم ماذا! حتى رأت ابتسامة إعجاب في عينيه وهو يتلمس شعرها فابتسمت باطمئنان، تداركت مشاعرها، أخذتها أفكارها مجددًا؛ لمَ يُركز في تفاصيلها بدقة؟ فهذا سيضر قلبها كثيرًا كيف سيتحمل قلبها المسكين فرط اهتمامه؟!
حين لاحظ سرودها كرر سؤاله:
-إنتِ قصيتِ شعرك يا برتقاله؟
أومأت رأسها ولم تعقب ثم أطرقت رأسها لأسفل في خجل من قربه ونظراته، فاجئها حين رفع ذقنها لتنظر إليه مجددًا ونظر لأعماق عينيها قائلًا بابتسامة:
-البيجامه دي لونها حلو قوي وماشيه مع لون عنيكِ إلي قادره تسحر أي حد
رعشة انتابت أوصالها، تبًا لتلك النظرات والكلمات التي أثلجت جسدها، ماذا تريد يا هذا وإلى أي محطة تود الوصول بكلماتك ونظراتك تلك! هكذا تحدثت في سريرة نفسها وهي محدقة بعينيه لا تستطيع الإبتعاد عنهما وكأنهما مغناطيس وهي قطعة من الحديد يسحبها رُغمًا عنها، أغلقت جفونها لتقبض على مقلتيها وتحميهما من فتك عيناه الساحرتين، شعر آصف بحرارة زائدة تتغلغل لداخل ثنايا جسده وهو يدقق النظر بملامحها مخللًا أنامله بين خصلات شعرها المشذبة، وقعت عينه على شفتيها التي أغرته بشدة، فبلل شفتيه بلسانه متمنيًا تذوق رونقها، ازدرد ريقه بارتباك بالغ، وظل يدنو منها، ففتحت عينها فجأة وعادت برأسها للخلف فارتبك وابتعد عنه خطوات واستدار متنحنحًا وهو يهز رأسه وكأنه ينفض تلك الأفكار والانفعالات التي أطاحت بروحه، هرول ليخرج من المطبخ لاهثًا وكأنه كان يركض في سباقٍ ما!
لم يكن حالها أقل منه، عضت شفتيها السفليه بحرج وهي تنظرت لمكانه الخالي واضعة يدها على قلبها لتُهدأ دقاته وصراعاته التي تأج بداخلها، تنهدت بعمق وزفرت بقـ. وة لتنفث تلك الطاقة الغريبه التي طغت عليها، فقد بدأت علاقتها بإخذ منحنى أكثر عمقًا، مسحت على شعرها بتوتر وهزت عنقها باستنكار وهي تردد بشرود:
-لا لا… مش هيحصل
___________________
وبعد أن تناولا «سالم وزوجته» الطعام في إحدى المطاعم خرجت نغم نازقة، وقفت تطالعه بغيظ رافعةً إحدى حاجبيها، فاقترب منها وقبض على يدها ليسيرا وقال:
-يا حبيبتي الموضوع ده بقاله كتير قوي وبعدين قولتلك إني ضعفت كنت عاوز أتجوزها عشان تخلف وناخد ابننا نربيه بدل تعبك في الحمل والولاده و…
قاطعه ضحكاتها الساخرة وهي تردد:
-لأ يا شيخ والمفروض أصدق أنا بقا
وقف وقبل يدها قائلًا:
-والله ده السبب ومكنتش عاوز أقولك عشان متزعليش كنت هفاجئك لما أدخل عليكِ بحتة عيل يملى حياتنا
عقبت بدلع:
-متعملش كده تاني يا سالم دا إنت عمرك ما خبيت عليا أي حاجه
ابتسم وهو يشير إليها قائلًا:
-يا هبله هو أنا هسيب القمر ده وأروح أبص لواحده زي وسام دي أومال لو مش قائله إنها مشوهه والواحد يقرف منها
ضحكت بدلع وهي تقول:
-طيب شوفلنا توكتوك بقا يوصلنا لحد البيت
غمز بعينيه قائلًا بجراءة:
-هكلم الواد حوكش يجيلنا عشان نحلق وقتنا بدري يا عسل
وبعد دقائق ركبا جوار بعضهما، فهتف السائق:
“هي بنت عمك لسه مزهقاك ومبهدله عمها يا أستاذ سالم”
-أخر بهدله والله يا حوكش مش هي بنت عمي بس دي بت شمال معندهاش أخلاق
-هو صحيح هي وأختها شغالين لا مؤخذه في سكه بطاله زي ما بيتقال في البلد
ابتسم سالم بسخرية وقال:
-أيوه واحده فيهم بتتخفى في النقاب والتانيه ماشيه محدش قادر عليها قالوا لعمهم يا تجوزنا عيالك يا هنفضحك ونقول إنك واكل حقنا
-ده الناس بقت وحشه قوي يا أستاذ سالم
-هنعمل إيه بقا البنتين دول ابتلاءنا في الدنيا
-ربنا يصبركم على ما بلاكم
نظر لزوجته بفخر فهي صاحبة تلك الفكرة، نشرتها في القرية بالإتفاق معه ومع عمه فأصبح الناس يتحاكون عن البنتين بالسوء دون أي دليل!
__________________
سار الشباب بالأمام وتبعهم الفتيات على بُعد مسافة أمتار، كانوا يلتفتون بين حين وأخر للأطمئنان أنهن يتبعنهم.
هتفت رحيل:
-شوفتي أفكارك المجنونه عملت فينا إيه يا وسام
نظرت وسام لملابسها ثم ملابس سديل وقالت:
-قصدك عملت فيا أنا وسديل إيه!
عقبت رحيل بشرود:
-يا ترى هيقول عليا إيه!
تنحنحت فرح تأبطت ذراع رحيل قائلة بدلع:
-أنا بعرف نظرات الحب وهي طايره حتى اسألي وسام!
عقدت وسام حاجبيها وسألت باندهاش:
-حب إيه؟ هو فيه إيه؟
علقت فرح بابتسامة:
-حضرة الظابط
ابتسمت وسام وتأبطت ذراع من الناحية الأخرى وقالت:
-يا بنت الإيه ثبتِ الواد!
نفخت رحيل بحنق وهي تتفلت من قبضتهم وقالت بنفاذ صبر:
-مفيش الكلام ده يا جماعه اتلموا بقا
وسام بابتسامة: يا سلام بقا لو نجوز محمود لرحيل وأحمد ل سديل ويا بخت مين وفق راسين في الحلال
فرح: طيب والله مزز برده يمشوا مع رحيل وسديل
علقت سديل بنزق ونفاذ صبر من حوارهما الذي استفزها:
-جماعه إنتوا بتقولوا إيه والله عيب كده…
وبعد انتهاء جملتها ظهر لهما من العدم ثلاثة كلاب، وقف جميعهن وجحظت أعينهن، حاولت سديل تهدئتهن:
-جماعه اهدوا وسيطروا على خوفكوا يلا خدوا نفس عميق و… و…
وبمجرد أن سمعت نباح الكلب حتى صاحت سديل: واجــــــروا
مسكت فرح يد وسام وسديل بيد رحيل وركضن باتجاه الشباب…
******
على جانب أخر ابتعد الشباب عنهمن مسافة طويله
محمود بابتسامة:
-أنا هتقدملها بس بحاول أخلص موضوع عمها الأول
فؤاد بجدية:
-إيه رأيك إنت تتجوزها وأحمد ياخد أختها والله بنتين محترمين وهتكسبوا فيهم ثواب
عقب أحمد بحدة:
-أحمد مين لأ طبعًا أنا بكره المنتقبات طلعوني بره اللعبه دي
قاطعهم اختلاط نباح الكلاب مع صراخ البنات، التفتوا سريعًا، ثم نظروا لبعضهم لبرهه يحاولون استيعاب ما يحدث، استفاقوا من شدوههم على زيادة عدد الكلاب وازدياد النباح وعلى الفور ركضوا باتجاههن، ليسمعوا صوت وسام الهادر:
وصوت وسام التي تركض صارخة:
-البلد دي كلها كلاب كلها كلاب
ضحك أحمد بصخب وهو يقول:
-لو حد من البلد سمع مراتك مش هيجري وراها الكلاب لوحدهم يا فؤش
ضحكوا بصخب وانحنى أربعتهم يأخذون الحجارة عن الأرض ويقذفون الكلاب حتى استطاعوا طردهم…
يوسف من خلف ضحكاته: أنا نفسي أعرف إنتوا إزاي بتلموا الكلاب حواليكم بالطريقه دي
فؤاد من خلف ضحكاتهم:
-لأ وكانوا بيزيدوا يا يوسف خدت بالك.. يعني لو سيبناهم شويه كان هيبقا عرض مسرحي عال
وضعت وسام يدها على قلبها تهدئ خفقاته وقالت لاهثة:
-أنا مش عارفه بجد إنتوا إزاي قادرين تقفوا في وش الكلاب بالطريقه دي أنا أول مره أشوف أبطال حقيقين لا بجد انتوا أبطال
قبضت فرح على يد يوسف وقالت:
-أنا مليش دعوه إنت تمسك إيدي كده لحد البيت
مسكت وسام ذراع فؤاد وقالت:
-وأنا كمان
نظر بيدها المتشبثة بذراعه وغمز لها هامسًا:
-إحنا كده صافي يا لبن ولا إيه؟
رفعت إحدى حاجبيها قائلة:
-ولا إيه طبعًا
قطب جبينه هامسّا:
-خلاص بقا متمسكيش في دراعي
-خلاص يا عم حليب يا قشطه… إنت عارف إني مبعرفش أزعل منك
ربت على يدها بابتسامة وانحنى ليهمس جوار أذنها:
-وإنتِ عارفه إني بحبك فبتتدلعي براحتك يا وسامي
اتسعت ابتسامتها وهي تنظر نحو عينيه ولم تعقب.
على جانب أخر قبض يوسف على يد فرح وهو يقول بتبرم مصطنع:
-أنا أصلًا مستحيل أسيبك تاني كفايه كوارث النهارده
ضحك الفتيات بخفوت، رمقته رحيل بطرف عينها فوجدته ينظر نحوها، ارتبكت ومسكت يد أختها وهي تشيح بصرها بعيدًا عنه فابتسم وظل يختلس النظر إليها وتسترق النظر إليه.
كانت هناك سيدة في عقدها الرابع تطالعهما بتقزز وهم يخرجون من بين الأراضي الزراعيه لمدخل البلدة أربعة شباب مع أربعة فتيات فظنت بهما الظنون، تلك السيدة من بلد «رحيل وسديل» تعرفهما جيدًا وهنا تأكدت من أكاذيب عمها، ابتسمت بسخرية متمتمة:
-يامه تحت السواهي دواهي
وغادرت عازمة أن تنشر ما رأته بين نساء القرية بأكملهن.
__________________
وقف آصف بغرفته أخذ يقطع الغرفه ذهابًا وإيابًا يدور بين أرجائها لاهثًا بارتباك، وقف أمام الخزانه ومسح وجهه بكلتا يديه عله يهدأ! تجهم وجهه فجأة حين وجد نفسه يقف قبالة ملابس زوجته الراحله، كيف تناسى حبها كيف نسى وعده لها! عاد يمسح وجهه بكلتا يديه وصوت ضحكتها وكلماتها الساخرة يدوي برأسه، متذكرًا حوارهما في أول إسبوع من زواجهما
آمنه ساخرة:
“إنت بتكذب أنا متأكده إني لو مكتوبلي أموت إنت هتقدر تتجوز وتحب وهتعيش حياتك وتنساني.. بس أنا بقا عمري ما هعمل كده عشان مش هحب غيرك ولا هسمح لراجل غيرك يسكن قلبي ولا يلمس مشاعري”
قبل مقدمة رأسها وهو يقول بثقة:
“بس أنا بعاهدك قدام ربنا إني عمري ما اتجوز بعدك أبدًا ولا أسمح لنفسي أحب غيرك يا آمنه”
عاد من سفره للماضي على تسلل دمعة من مقلتيه، قبض على ملابسها وأخذ يشم رائحتها هامسًا بصوت متحشرج باكٍ:
-آسف يا حبيبتي… أنا آسف.. لا مش ممكن أخونك أبدًا.. سامحيني يا آمنه
تعالت شهقاته، أحضر صورتها على هاتفه وأخذ يتأملها ويبكي كطفل صغير ويقول:
-سامحيني… أرجوكِ سامحيني
مسح دموعه وخاطب الصورة قائلًا:
-هبعد عنها.. صدقيني مش هضعف قدامها تاني صدقيني
*********
وقفت في غرفتها ووضعت يدها على قلبها تنفست بعمق وكأنها تحاول طرد تلك المشاعر من قلبها، ارتدت اسدال الصلاة ونظرت لنفسها في المرآه قائلة بلوم:
-إلي بيحصل ده مش صح!
هزت عنقها بعـ. نف وعاتبت نفسها قائلة:
-مينفعش يا هبه دا واحد كان بيحب مراته بجنون… يعني عاوزك تسكني ألم جرحه مش أكتر!
هزت رأسها قائلة بحزم:
-لا لا يمكن ده يحصل… لازم أبعد عنه…
تنفست الصعداء وخرجت من غرفتها لتتفاجأ به خارجًا من غرفته هو الأخر، حدقت ببعضهما لبرهة ثم…
-فين چوري؟
قالا الجملة بنفس الوقت فصدر صوتهما عاليًا لتسمعه چوري، فالتفت لها صائحة:
-أنا هنا بلعب تعالوا
هرولا الإثنان إليها، كان وجهه متجهمًا، يتحاشى النظر نحوها، تأملت خلجاته في تعجب هزت رأسها باستنكار ثم جلست على الأريكة مقابله تبتسم على حركات جوري، ودون أن يرفع رأسه عن شاشة هاتفه قال بدون مقدمات:
-كويس إنك لبستِ الإسدال
احتارت أكتر فهو كل ساعة في حالة، لم تنبس بكلمة فأردف:
-ياريت تاخدي بالك بعد كده أنا مش عايز أشوفك بالبيجامه
لا تدري لم استفزتها كلماته فهدرت به:
-أنا إن كان عليا مش عايزه أشوفك أصلًا بس أعمل إيه مضطره
رفع رأسه عن شاشة هاتفه محدقًا بالفراغ وقال بنبرة حزينة منكسرة:
-أنا ندمان إني إتجوزتك ياريتني ما وافقت… أنا مش عارف إزاي قبلت إني أدخل واحده بيتي غير آمنه!
هبت واقفه تستشيط غضبًا أثر كلماته الاذعة، واتجهت لغرفتها دون أن تنبس بكلمة، فنادتها چوري:
-رايحه فين يا ماما؟ مش هنشرب اللبن؟
عادت هبه وقبلت رأس جوري وهي تربت على ظهرها قائلة بحنو:
-أنا هنام يا چوري خليكِ مع بابا عشان ميقعدش لوحده واشربوا اللبن مع بعض
أومأت جوري رأسها ببراءة وانصرفت هبه بعد أن رمقته بنظرة ساخطة، ولم يُحرك هو ساكنًا بل ظل شاردًا يحملق بالفراغ..
__________________________
استغلت وهيبة انشغال شاهيناز في المطبخ في جلي الأواني، ظانةً بأنها تغط في النوم لكنها تفاجت بتلك التي وقفت أمامها مبتسمة تستند للحائط أمام باب المطبخ وتلف قدمًا حول الأخرى وهي تتشدق بالعلكة هاتفة بدلع:
-أنا جاهزه
استدارت شاهيناز أثر صوتها وشهقت من منظرها الذي يبدو كمهرج استعد لتقديم أداء مسرحي، أحمر الشفاه الذي يلون أعلى وأسفل شفتيها، مع تلك الابتسامة التي زادته اتساعًا، كحل عينها الخارج عن أسوار جفونها، والدائرتان الحمراويان التي ترتسم على خديها، وبدلة قصيرة للرقص ترتديها على عبائتها الطويلة، مع حجاب قصير تشده حول عنقها لتخفي شعرها الأبيض.
هرولت شاهيناز وقبضت على ذراعها تجذبها لغرفتها حتى لا يراها أحد وهي تتمتم بنزق:
-جاهزه لإيه يا حجه… لا حول ولا قوة إلا بالله دا أنا ربنا يصبرني
هدرت بها وهيبه بغضب:
-إوعي سيبي ايدي يا ست إنتِ خليني أقدم العرض وأخد فلوسي ولا تكونيش عاوزه تاخدي الليله مني
تذكرت شاهيناز ذاك الفيلم الذي كانت تشاهده اليوم لراقصة، فليست بالمرة الأولى التي تشاهد فيلمًا وتمثله وكأنها إحدى أبطاله، لطمت شاهيناز خدها بخفة قالت:
-إنتِ جبتِ بدلة الرقص دي منين يا وليه
-دي بدلة الشغل أنا عارفه إنك حاطه عينك عليها بس دي بعينك مش هتاخديها
تفحصت شاهيناز هيئة وهيبة وهي تلف حلوها وتمسك بدلة الرقص التي فرضتها الفئران متقززه وقالت:
-اخلعي القرف ده يا حجه
صرخت وهيبة بصخب فتركتها شاهيناز وهي تضع سبابتها على فمها:
-فيه ايه يا وليه إنتِ بتصوتي ليه
ركضت وهيبه لخارج المنزل وتبعتها شاهيناز تناديها:
-يا حجه استني متفضحيناش
ركضت وهيبه أكثر وهي تصيح:
-الحقــــوني غيرانه مني عشان أنا أحلى منها
وحين رأى الجد المنظر هتف بقلق:
-إقفلوا البوابه لتطلع بره الجنينه وسيبوها تعمل إلي هي عايزاه
وبعد مرور دقائق كان صوت الأغاني الشعبية يدوي بأرجاء الحديقة وكأنه حفل زفاف لأحدهم، والجميع يلتف حول وهيبه “مريم ونوح والجد والدة فؤاد” وشاهيناز التي ترفع شفاها العلويه بنزق تشاهد عرض وهيبه التي تتلوى وتدور حول نفسها ثم تقف لتهز أكتافها صعودًا وهبوطًا بابتسامة واسعة وهي تخرج طرف لسانها لشاهيناز لإغاظتها، كانت تشبه عروس خشبيه يحركها صانعها، وقفت فجأة وصاحت:
-صقفــــــولي
بدأ الجميع بالتصفيق بخفوت، حتى فتح فؤاد بوابة البيت ليدخلوا جميعًا، وحين رأى المنظر قطب جبينه متسائلًا:
-هو فيه إيه؟!
دنا نوح منهما بابتسامة: لا مفيش دا تيته بس بتفرفشنا شويه تعالى يا حبيبي… اتفضلو إنتوا مش أغراب
اقتربت وهيبه لتسحب فؤاد ثم يوسف يليه نوح ثم أجمد ومحمود ليشاركونها الرقص، والجميع يضحكون ويصفقون، انسحبتا وسام مع سديل ليبدلا ثيابهما، وظلت العائلة هكذا ما يقرب من نصف ساعة.
وبعد فترة أغلق الجد الموسيقى، وتحت المظلة جلس الجميع يتبادلون الحديث، كانت وهيبة تجلس جوار أحمد تبتسم له بين لحظة والأخرى، نظرت له وهي تتشدق بالعلكة وقالت بدلع:
-هو إنت مش هتطلبلي حاجه؟… اطلبلي حاجه بقا!
ثم ألقت له قبلة طويلة في الهواء، فبادلها أحمد القبلة بنفس الطريقة، وانفـ. جر الجميع بالضحك عليهما.
تمتم أحمد لنفسه: إيه العيله الهبله دي…
أكمل ضحك وقال بصوت مرتفع: بس والله عسل
انقضى الوقت وقف أحمد يتحدث عبر الهاتف منتظرًا خروج فؤاد ومحمود بالسيارة…
-لأ يا أسامه بنات الناس مش لعبه… يا سيدي احترم إن عندك اخوات بنات… احنا مستحيل نرجع أصحاب طول ما إنت كده… إنت خاين يا أسامه خونت بصرك بنظرك للبنات وخونت ربنا لأنه أمرك بغض البصر وإنت خالفت أوامره يبقا مينفعش تبقا صاحب… أنا آسف مقدرش أثق فيك… لا أنا مش شيخ ومبديش مواعظ أنا بنصحك لله
أغلق هاتفه ونفخ بحنق ليخرج تلك الإنفعالات وشرارة الغضب قبل أن تحـ. رق قلبه، رفع رأسه لأعلى فرآها بالشرفة تنشر الغسيل، لم يدرِ أنها تبتسم أسفل نقابها بعد أن سمعت حديثه بالكامل، وحين نظرت نحوه وجدته يحدق بها فاتبكت ووقع اسدالها من يدها، ابتسم وانحنى يأخذ الإسدال، ثم رفع رأسه قائلًا:
-هدخله للجماعه ابقي خديه
دخلت من الشرفه ووضعت يدها على قلبها الخافق علها تُهدأ من فرط دقاته…
________________
جافاه النوم في تلك الليلة نظر آصف لساعة هاتفه فوجدها الثانية صباحًا نظر لابنته النائمة ونهض ثم خرج من غرفته ليقف بالشرفة يستنشق الهواء النقي، نظر للشارح الفارغ، زفر بقوة عله يُخرج تلك الطاقة السلبيه التي سيطرت على روحه، جلس على المقعد وأغلق عينه ليسترخي قليلًا وينعم ببعض الهدوء مستمتعًا بالهواء العليل الذي يلمس جسده بحنو، لا ينفك يفكر بها، سيطرت هبه على مشاعره، ملأ حبها قلبه، لكنه يخاف من خيانته لزوجته الراحلة، انتبه فجأة على يد تهزه ففتح عينه على مسرعيها وهو يردد بصدمة:
-آمنه! إنتِ عايشه؟
كانت تشبه ملكة تُوجت لتوها ترتدي تاج بارق وفستان أبيض مرصع بحبيبات من الفضة الامعة ووجهها يشع نورًا، ابتسمت فأضاء المكان من شدة جمالها، اقترب ليضمها فأشارت بيدها تمنعه هزت رأسها نافية وقالت:
-متقربش
أدمعت عيناه وطأطأ رأسه لأسفل بخجل فحتمًا هي تعرف بكل شيء هتف باحراج:
– سامحيني
قالت من بين ابتسامتها:
-أسامحك على إيه! قولها هي إلي تسامحك! طول ما في عمرك باقي عيشه يا آصف
ولت ظهرها لتغادر فناداها:
-رايحه فين يا هبه متسيبنيش
شهقت ووضع يده على فمه حانقًا من نفسه فقد اخطأ بإسمها، التفتت إليه وابتسمت قائلة:
-هبه محتاجه لك زي ما إنت محتاج لها… روحلها يا آصف أنا مش زعلانه
هز رأسه بعنف وقال:
-أنا مش محتاج غيرك يا هبه.. متسيبنيش يا هبه
ابتسمت له ثم استدارت لتفتح خزانة ملابسها التي ظهرت فجأة بالشرفة وبدأت تحزم أمتعتها وتضعها في حقيبة باللون الذهبي الامع وهي تقول:
-أنا هاخد هدومي أوديها لحد محتاج هتصدق بيها… عشان هبه تعرف تحط هدومها
حاول الإقتراب منها ومنعها لكن هناك حائل زجاجي بينهما يعوقه عن الإقتراب، أفرغت الخزانه ثم سارت خطوة واحده لكنها ابتعدت بها كثيرًا فركض خلفها ووقف يلهث وهو يناديها:
-هبه متمشيش
لا يدري لمَ كلما حاول نطق اسمها خرج من بين شفتيه “هبه”، بكى عندما اختفت وجثى على ركبتيه مرددّا:
-متسيبنيش يا هبه.. هبه.. هبه
ظل يردد الجمله عدة مرات إلى أن انتبه على صوت آذان الفجر، نهض واقفًا يلتفت حوله باحثًا عنها كالمجنون، فكانت هنا قبل قليل، أكانت رؤية أم ماذا؟! جلس يتذكر تفاصيل ما رأى بمنامه، تنهد بعمق وهو يردد:
-آمنه
ابتسم بسخرية فقد نطق اسمها فقط ليتأكد أن باستطاعته فعل ذلك، نهض ليدخل لغرفته لكن لفت نظره إضاءة غرفتها، فبالتأكيد ستصلي الفجر، أغلق عينيه وفتحها ثم تنهد بعمق ودخل المرحاض ليتوضأ ويخرج للصلاة…
______________________
“اشارات ضبط الوقت أعلنت تمام السابعة من صباح الأحد في إزاعة القرآن الكريم من القاهرة..”
كان صوت الراديو يدوي بأرجاء الشقة، وبدأ الشيخ محمد رفعت بترتيل آيات سورة الإسراء، وقفت أمام النافذة شاردة برائحة هواء الصباح ابتسمت عندما رأت الجد يسقي الورود التي تفتحت مؤخرًا لتزين الحديقة ويفوح شذى عبيرها بالأنحاء، شردت في حالها مع فؤاد وكيف يحاول التودد إليها وهي تستجيب مرة وتصده الأخرى، حائرة بين عاطفتها وعقلها هناك شطر يجذبها نحوه والشطر الأخر يدفعها عنه، رأت سديل تخرج برفقة رحيل فنادتهما:
-طالعين بدري كده ليه؟
رفعتا رأسهما إليها وردت رحيل بابتسامة:
-صباح الخير أنا هروح الشغل وسديل هتخلص حاجات في المدرسه وكده عايزه حاجه
ابتسمت وسام:
-سلامتك يا حبيتي
سارتا خطوات ووقفتا أمام الورود جوار الجد لتهتف سديل:
-صباح الخير يا جدو
التفت لهما الجد وقال:
-صباح النشاط يا حبايب… اعملوا حسابكم هتتعشوا معانا النهارده عشان عاوزكم في موضوع مهم
ابتسمت رحيل قائلة:
-طيب مينفعش الموضوع من غير عشا
الجد بحزم:
-لأ مينفعش ومفيش مچال للإعتراض
عقبت رحيل:
-ماشي يا جدو حضرتك عايز حاجه
الجد:
-سلامتكم في حفظ الله ورعايته
وأثناء الطريق همست سديل:
-تعرفي إن أنا محستش بالأمان والألفه إلا في البيت ده ووسط الناس دي
رحيل بابتسامة مشرقة:
-عندك حق والله كل واحد فيهم حساه فرد من عيلتي
***
رآهما سائق التوكتوك فابتسم ساخرًا وهو يُحدث نفسه:
-صحيح الحلو مبيكملش… إلي يشوفهم يقول محترمين!
خرج من التوكتوك ووقف يحدق ب رحيل وعيناها الجذابة وقال بخبث:
-بس أنا لازم أدوق العسل النحل ده!
سأله أخر:
-إيه يا حوكش بتكلم نفسك ليه على الصبح
نفخ بحنق ودخل للتوكتوك وقال:
-متشغلش بالك يا عم الحلو
________________
وقف فؤاد يُطالع ملامح وجهه بمرآة المرحاض، لم تغفل عيناه منذ مطلع الفجر منشغلًا بها، نزع ملابسه ليعمم جسده بالماء البارد عله يُهدأ نار الشوق التي تأج بداخله، بحث عن الشامبو ليغسل شعره، أخذ يشم رائحة الزجاجات حتى فتح زجاجة أعجبته رائحتها فغسل جسده وشعره بها وهو يقول:
-البتاع ده ريحته حلوه قوي وبيعمل رغوة كده.. لا حلو أكيد بتاع وسام لأن البت دي بتحب النضافه
ظل يغسل منه ويستنشق عبير رائحته المنعشة حتى وقعت الزجاجة من يده بعد أن أفرغ نصفها على جسده وشعره ليقع النص الأخر على الأرض، عض شفاهه السفليه بقواطعه العلوية بصدمة وأخذ يزيل السائل عن الأرض بتبرم ويغسل أرضية المرحاض، وبعد انتهاءه خرج من المرحاض فوجدها تقف أمام النافذة، ضمها من الخلف محاوطًا صدرها بذراعيها وقال:
-صباح الجمال
ابتسمت ورفعت رأسها تطالعه وقالت:
-مش هتبطل حركاتك دي أبدًا! يارب خالتو تشوفك بقا
قال بمشاكسة:
-إيه بقا… أختي إلي بحبها وبدلعها
غمز لها مردفًا بمكر:
-مش أختي برده ولا إيه؟
هي من طلبت أن تكون أخته وأصرت على ذلك، وها هو يسخر منها دائمًا، همس جوار أذنها:
-صاحيه بدري ليه يا وسامي؟
تنهدت بعمق وقالت بضجر:
-أنا عندي أرق أصلًا بقالي كم يوم مش بنام كويس
لفها نحوه ونظر بعينيها قائلًا بلهفة:
-ليه بس يا بابا
ابتسمت وهي تتأمله وقالت:
-إنت حنين قوي يا فؤاد… تستاهل واحده تحبك وتكون حنينه عليك
قبل مقدمة رأسها وقال:
-وأنا مش عايز حد غيرك ومستني لما تحني على قلبي
طأطأت رأسها لأسفل بإحراج وقالت بانكسار:
-ياريت ينفع بس غصب عني…
زفرت بألم وأردفت: أنا تعبانه قوي يا فؤاد ومحتاجلك قوي قوي
ضم وجهها بين كفيه ونظر لعينيها قائلًا بحنو:
-وانا جنبك يا قلب فؤاد… حبيبي جربي تتكلمي معايا بصراحه.. احكيلي يمكن أريحك
دفنت وجهها بصدره وحاطت ظهره بذراعيها، أدمعت مقلتيها ونزعت الكلمات من حلقها بصعوبة قائلة بصوت متحشرج:
-أنا بحبك والله يا فؤاد
شدد على ضمتها وقال بحب:
-ما أنا عارف… وأنا كمان بعشقك يا وسام فؤادي
قاطع تلك اللحظه صوت والدته التي تصيح:
-يا وسام فين مسحوق الغسيل عايزه أشغل الغسالة
خرجت من بين ذراعيه ثم جففت دموعها سريعًا وهي تقول:
-عندك على الحوض يا خالتو
-تعالي هاتيه أنا غلبت
ابتسمت له وغادرت، بادلها البسمة ووقف ينظر لأثرها وهب تغادر شاردًا بما قالته، تنفس الصعداء وتبعها.
أخذت وسام تبحث وهي تستنشق الرائحة قائلة بنزق:
-أنا شامه ريحته والله
وبعد الكثير من البحث قالت خالتها بتبرم:
-إنتِ أخر مره غسلتِ حطتيه فين؟
أشارت وسام لحوض الوجه وقالت:
-والله كان هنا على الحوض
وكأنه قد استدرك ما فعل، هل اغتسل بمسحوق الملابس؟! سأل فؤاد بترقب:
-هي الإزازه كانت شكلها إيه؟
وسام بتوضيح:
-هي لونها أبيض وطويله كده
ابتسم ببلاهه وأومأ رأسه قائلًا:
-السائل إلي جواها كان لونه لبني كده وبيعمل رغوة كتيره
قطبت وسام حاجبيها وقالت
-أيوه شكلك عارف مكانها!
هز رأسه بالنفي وحك عنقه بارتباك فلو علمت والدته بما فعل سيلقى من السخرية والإستهزاء ما يستحق ومالا يستحق، قال بتلعثم:
-لـ… لأ أبدًا مشوفتهاش..
ولى ظهره ليغادر وهو يردد بصوت مسمةع:
-صلاة النبي أحسن
______________________
وفي العاشرة صباحًا عاد آصف للبيت فقد عزم أمره يجب أن يطوى صفحة الماضي ويبدأ من جديد، لط فقد فكر كثيرًا وقرر أن يعترف بأن قلبه بات يدق لها، قلبه يشتاق إليها، وقف أمام خزانة ملابس زوجته الراحلة ليحزمها ويتصدق بها، ليلتفت أثر صوتها:
-حرام عليك أنا مـ. وتي هيكون على إيدك بسكته قلبيه… إنت بتعمل إيه يا أحمر؟
التفت إليها وابتسم قائلًا:
-أنا آسف والله فاكرك في الشغل مش المفروض عندك شيفت النهارده؟
-استأذنت النهارده وبدلته لبكره
نظرت للحقيبة عأعلى الفراش وقالت:.هو إنت بتعمل ايه؟
تنحنح ليجلي حلقه وقال:
-بشيل هدوم آمنه الله يرحمها عشان أتصدق بيها… تعالي ساعديني لو مش هضايقك يعني
أشارت لملابسها وقالت:
-طيب هلبس الإسدال وأجي
غمز لها وابتسم قائلًا:
-مفيش داعي دا أنا زي جوزك!
كانت ترتدي منامة بيضاء من قماش الستان، تعجبت من تغير أحواله حتى أنها ظنت أنه يعاني من إحدى الأمراض النفسية، ساعدته وهي ترمقه بين وعلة وأخرى بكثير من التساؤلات تحاول تفسير كل خلجة من خلجات ملامحه المحيرة، ابتسم ورمقها وهي تتأمله أخفض بصره ليتابع عمله وهو يقول:
-أنا فيه سؤال محيرني قوي!
قطبت حاجبيها مستفهمة:
-سؤال إيه؟
بلل شفتيه ودون أن يُطالعها قال:
-إزاي أيمن قعد معاكِ شهر كامل من غير ما يضعف؟
هزت عنقها مستفهمة:
-مش فاهمه!
نظر بعينيها وهو يقول بخبث:
-يعني إزاي راجل يقعد في شقه واحده مع بنت زي القمر وفي الأخر تطلع من غير عده!
أخرج فمها الكلمات دون ذرة تفكير فقالت:
-طيب ما أنا قاعده معاك أهوه وعادي
ضحك قائلًا:
-ومين قالك إنه عادي!
قطبت حاجبيها بعدم فهم، فدنا منها وأمسك يدها ثم وضعها على قلبه كما فعلت هي بيوم زفافهما وقال وهو يحدق بعينيها:
-فاكره قولتلك إيه لما عملتي كده!
حاولت سحب يدها فجذبها مجددًا وضغط عليها بقـ. وة مردفًا:
-العواقب إني مش قادر أبعد يا هبه… مبقتش قادر أقاوم مشاعري
تلعثمت قائلة بارتباك:
-سـ… سيب إيدي لو سمحت
قال بصوت أجش:
-هو قلبك ده مدقش باسمي ولو مره ده حتى بيقولوا القلوب عند بعضهما… معقول قلبك محسش بقلبي!
قولوا لي رأيكم لأن الحلقه دي تعبتني جدًا مش عارفه ليه مكنتش عارف أجمعها وخايفه متعجبكمش
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)
تحفه
جميله