رواية رحمه تقي الفصل الثاني 2 بقلم سارة مجدي
رواية رحمه تقي الجزء الثاني
رواية رحمه تقي البارت الثاني
رواية رحمه تقي الحلقة الثانية
حين غادرت المنزل بعد أن أطمئنت على والدتها وقفت أسفل البنايه تنتظر تاكسي و هى تفكر من أين لها بالمال فما أخذته من البيت تحتاج أضعافه و لن تستطيع تدبيره من الأساس و لا تريد أن تضع حمل جديد على والدتها .. فمن يوم وعت على تلك الحياة والدها هو المسؤل عن الأمور المالية للمنزل بالكامل والدتها لا تستطيع التعامل و لا تعرف حتى أسعار المشتريات اليوميه للمنزل فكيف لها أن تدرك المال المطلوب للمستشفى خاصة مع حالة والدها
أوقفت التاكسي و صعدت إليه و هى تُخرج هاتفها حتى تتصل بعمها فليس لها أحد آخر أو حل آخر رغم صعوبة الموقف عليها .. خاصة و هى تعلم جيداً موقف زوجة عمها و إبنه الكبير فى أمر الأموال بالتحديد لكن ليس بيدها شيء آخر .. مرت عدة ثوانِ حتى وصلها صوت عمها و هو يقول
– أهلا أهلا يا بنت الغالي
– أهلا يا عمي .. أزي حضرتك
أجابته بهدوء وعلى قدر الأمكان حاولت أن تمسك دموعها عن الهطول كأمطار الشتاء .. ثم قالت
– عمى أنا محتاجة حضرتك
قال بقلق واضح فى صوته
– خير يا بنتي فى أيه ؟
– بابا فى المستشفى ياعمي
أخبرته بالأمر و عيونها كسحابة شتاء رمادية .. تهطل منها الدموع دون توقف ليقول هو بقلق كبير
– ليه خير أيه إللى حصل
أخبرته بكل ما حدث ليقول لها بأقرار .
– مسافة الطريق و هنكون عندك ان شاء الله و أول ما أوصل هتصل بيكي علشان تعرفيني عنوان المستشفى
أغلقت الهاتف و أنتبهت أن السيارة توقفت أمام المستشفى منذ عدة دقائق
أخرجت المال سريعاً و هي تعتذر إلى السائق الذى كان رجل فى بداية الخمسينات لكنه أبتسم لها و قال بابتسامة صغيرة
– خليها عليا المرادي يا بنتي .
و أخرج ورقة مكتوب عليها رقم هاتفه و أكمل قائلاً
– ده رقم تليفوني .. بنتي قدك كده و عملتلى ورق من ده كتير و قالتلي أبقى أديه للزباين إللى هيركبوا معاك .
أخذت منه الورقة و قالت
– والله يا عمو هتوفر عليا وقت كتير أوى .. بس كمان لازم تاخد الفلوس علشان متكسفش و أنا بتصل بحضرتك
مد يده و أخذ المال من يديها لتغادر السيارة و هى تقول
– شكراً لحضرتك و ياريت تدعي لبابا
– ربنا يشفيه و يعافيه يا بنتي
وقبل أن تغلق الباب سمعته يردد
– ((اللهمّ أشفه شفاءً ليس بعده سقمًا أبدًا، اللهمّ خذ بيده، اللهمّ أحرسه بعينيك التّي لا تنام، واكفه بركنك الّذي لا يرام، وأحفظه بعزّك الّذي لا يُضام، واكلأه في الّليل وفي النّهار، وأرحمه بقدرتك عليه، أنت ثقته ورجاؤه، يا كاشف الهم، يا مُفرج الكرب، يا مُجيب دعوة المُضطرين ))
لتدلف إلى المستشفى و مباشرة إلى الحسابات وضعت كل ما معها من مال فى حساب المستشفى و أخبرتهم أن باقي المال سيكون متوفرا فى صباح اليوم التالي
وصعدت إلى صالة الأنتظار فى طابق الرعاية .. تقرأ فى مصحفها و قلبها يتوسل أن يطمئنها الله على والدها .
مر الوقت بطئ عليها فالأنتظار مر و قاسي خاصة فى تلك الحالات التى تتعلق فيها الروح بين الحياة و الموت بين اليأس و الأمل و الرجاء .. بين الرغبة فى الصراخ بصوت عالى و بين الحاجة إلى الأختباء .. و أحياناً نتمنى أن نعود إلى أرحام أمهاتنا من جديد لنبتعد عن كل تلك الألم و هذا العذاب
أشرقت شمس اليوم التالي و هى مازالت على جلستها .. تنظر إلى باب غرفة الرعاية و قلبها متعلق بنبض من بداخلها يتوسله المقاومه من أجلها و الرجوع إليها سالماً
لم يمر الكثير من الوقت على شروق الشمس و كان عمها يقف أمامها وخلفه إبنه الكبير غازي الذى ينظر أرضاً إحتراماً لها و أيضاً غض للبصر
– خير يا بتي أبوكي ماله ؟ أيه إللى حصله ؟
أخفضت رأسها أرضاً و بدأت فى شرح كل ما حدث و ما قاله الطبيب ثم رفعت عيونها و قالت بالدموع
– أنا آسفه يا عمي بس و الله الفلوس إللى معايا مش مكفيه .. و حساب المستشفي
ليقطع حديثها صوت غازي و هو يقول
– فين الحسابات يا بنت عمي ؟
نظرت إليه بأندهاش ثم أخفض عيونها و هى تقول
– فى الدور الأرضي
ليتحرك غازى سريعاً فى نفس اللحظة التى جلس فيها راضي على أقرب كرسي و هو يقول
– عايز أشوفه يا بتي عايز أطمن عليه و أشوفه بعنيه
جلست جواره و هى تقول موضحة
– الدكتور هيجي كمان شوية يكشف عليه و يطمنا ان شاء الله
خيم الصمت عليهم لعدة دقائق .. لكن عليها أن تتحدث عليها أن تشرح له الوضع حتى لا يظنوا بها الطمع كالعادة
– عمي أنا و الله مش معايا فلوس أنا كل الفلوس إللى كانت فى البيت دفعتها تحت الحساب إمبارح و لما ماما تيجي هروح أبيع السلسه بتاعتي علشان يبقى معانا فلوس الفترة الجاية لحد بابا ما يخرج بالسلامة
كان راضي يستمع لها و بداخله ضيق شديد بسبب ما خلقته زوجته داخل تلك الصغيرة الوحيدة و داخل غازي الذى لم يتمنى له زوجة سوى رحمه لكن كلمات زوجته عن أنها تطمع بمالهم جعل غازى يتعامل معاها بنفس الفكرة .. و جعل الصغيرة الغالية تبرر الأن طلبها للمساعدة ربت راضي على ساقها و هو يقول بهدوء و طيبه
– عيب لما تجولي أكده يا رحمه سلسال أيه إللى تبعيه علشان تاكلي بيه أنتِ و والدتك و عمك موجود أى حاجة محتاجاها عرفيني يا بتي
– لا يعمي معلش مش عايزه أى كلام مش حلو من أي حد .. أنا هبيع السلسله .. و لما بابا يقوم بالسلامه ان شاء الله أكيد هيسد لحضرتك فلوس المستشفى
أجابته بأصرار رغم أختناق صوتها بالبكاء ..و كان هو يقف عند باب الأستراحة يستمع لكل ما يحدث بصدمة حقيقية
فلقد كانت الصدمة الأولى حين سمع المبلغ المطلوب من موظف الحسابات و أيضاً أنها دفعت مبلغ حتى و لو صغير و لم تنتظرهم حتى يدفعوا كل المال .. و تذكر كلمات والدته قبل ذهابه مع والده
– خليك صاحيلها بنت المصراوية .. هما كل إللى يهمهم فلوس أبوك .. خليك ناصح يا ولدى أبوك قلبه رهيف و البت هتصعب عليه
عاد من أفكاره على صوت خطوات تقترب ليدلف إلى الغرفة و بعد ثوانِ دلف الطبيب الذى دلف مباشرة إلى غرفة الرعاية لتقترب رحمه من الباب الذي يتوسطه نافذة دائرية صغيرة .. علها تستطيع رؤية والدها .. و يطمئن قلبها فى نفس اللحظة التى دلفت فيها والدتها من الباب و هى تقول بصوت قلق
– أبوكي عامل أيه يا رحمه
إلتفت إليها الجميع لتقترب منها رحمه تحاوط كتفيها حتى تطمئنها و تخبرها
– ماما عمي أما عرف أن بابا تعبان جه علشان يشوفه
أبتسمت والدتها ببعض التوتر و قالت
– تسلم يا حج راضي
كانت رحمه ترى نظرة غازي المندهشة لكنها أنتبهت إلى أمها حين قالت
– طمنيني على أبوكي
– الدكتور عنده و ان شاء الله يطمنا عليه
جلست والدتها لتعود رحمه تقف أمام الباب و لكن قبلها وقفت أمام غازي و قالت بصوت منخفض
– ماما عمرها ما أتعاملت بالفلوس و بابا هو إللى كان بيتصرف فى كل حاجة و هى متخيله أن الفلوس إللى أنا دفعتها هى دى إللى هتكفي مصاريف المستشفى
أومىء بنعم لكنه لم يعقب لتعود تقف أمام الباب و قلبها يناجي الله أن يطمئن قلبها و يريح روحها
********************
فى الجامعة كانت تجلس فى نفس المكان و لكن عيونها ثابته على الباب .. تشعر بالأندهاش لِمَ لم تحضر رحمه حتى الأن .. أنها قد أخبرتها بالأمس أنها تحضر يومياً و لا تترك أى محاضرة .. رغبة منها فى إنهاء دراستها سريعاً .. و أيضاً من باب الإجتهاد و كسب رضا الرحمن
نظرت إلى ساعتها للمره التى لا تعلم عددها و بداء القلق يرتسم على ملامحها فلم يتبقى سوى ثوانِ قليله على دخول دكتور تقِي
عادت تنظر إلى ساعتها من جديد و هى تهمس
– أنتِ فين يا رحمه ؟
حين أنهت كلماتها وجدت الباب الخلفي للمدرج يغلق ثم دخول تقِي من الباب المخصص له لتشعر بالأحباط و القلق أيضاً
لكنها أنتبهت إلى المحاضره و سجلت كل ما قاله حتى تعطيها لرحمه و تستطيع فهمها
و كان هو يبحث عنها وسط الجموع .. لكنه لم يجدها يشعر ببعض الضيق لكنه حاول و بكل الطرق أن يتجنب التفكير فيها … فى الحقيقة هو يحاول فعل ذلك منذ إلتقاها لكن قلبه دائماً يذكره بها
أنتهت المحاضرة و غادر الجميع إلا هي و هو تباطء فى محاوله منه أن يجد طريقة لمعرفة سبب عدم حضورها اليوم .. و كأن القدر يخبره أن هناك أمل دائماً و شيء ما يجمعهم
وصل إليه صوت صديقتها حين قالت بقلق واضح
– أنتِ فين يا رحمه ؟
صمتت لعدة ثوانِ كان يشعر بهم ساعات طويله من القلق و زاد بخوف لا يوصف حين وصله شهقتها و سؤلها الذي ألم قلبه
– مستشفى أيه ؟ أنا جيالك حالاً
رفع عيونه ينظر إلى ظهرها و هى تركض خارج المدرج و قلبه يلحق بها لكن قدمه قد تيبست أرضًا و كأنه لم يعد المتحكم بها
ماذا أصابها و لما هى بالمستشفى و ماذا عليه أن يفعل الأن و كيف سيهدء تلك النبضات التى تتصارع داخل قلبه و تكاد تخرج قلبه من مكانه بسبب قوتها و شدتها
ظل واقف فى مكانه ينظر إلى الباب الذي خرجت منه صديقتها و كأنه ينتظر عودتها أو كأن هذا الباب هو من سيطمئنه
دلف المسؤل عن المدرج و وقف أمام تقِي و هو يقول
– خير يا دكتور فى حاجة ؟ حضرتك تعبان ولا حاجة ؟
نظر إليه تقِي بتشتت ثم تحرك و غادر المدرج دون أن يرد على العامل الذي كان ينظر إليه باندهاش و صدمه
وصلت رُبىٰ إلى المستشفي و سألت عن مكان رحمه و حين وصلت أمام غرفة الرعاية ركضت إليها سريعاً و هى تقول
– رحمه حبيبتي ألف سلامه على عمو خير يا حبيبتي فى أيه ؟
كانت والدة رحمه تجلس بجانبها تنظر إلى تلك الفتاة باندهاش كحال راضي
و لكن غازي كان ينظر إليها بصدمه و كأن فتاة أحلامه تجسدت أمامه هى بكل تفاصيلها
هى تلك الفتاة الذي ظل لأيام و أيام يراها فى أحلامه دون أن يعرف سبب ذلك الحلم و لماذا يراها هى فى كل مره
و بأشكال و مواقف مختلفة و من تكون .. كان يرفض الزواج بشده من أى فتاة تحضرها له والدته و حين تسأله عن السبب يخبرها أن العروس لا تنال إعجابه حتى أن أخيه الأصغر قد تزوج و أصبح لديه ولدان و ما زال هو ينتظر تلك الفتاة الذي لا يستطيع رؤية أخرى غيرها
إنتبه إلى نظراته فأبعدها سريعاً لكن والده كان قد لاحظها و أنتبه إليها جيداً و كم سعد بها جداً
ربتت رحمه على ساق ربُىٰ و قالت
– بابا تعب أوى إمبارح و مستنين الدكتور يطمنا
ثم نظرت إلى والدتها و قالت
– ماما دى ربُىٰ صحبتي و زميلتي فى الكليه
– أهلاً يا بنتي … شكراً على مجيتك دى و وقفتك جمب رحمه
قالت كريمة بابتسامة حانيه لتقول ربُىٰ بابتسامة سعيدة
– أهلاً بحضرتك يا طنط أنا سعيدة إني أتعرفت عليكي و ان شاء الله نطمن على عمو و بعدين رحمه دي صحبتي الوحيدة إللى لسه متعرفه عليها إمبارح
لتضحك رحمه و هى تقول بمرح أنساها الخوف و لو قليلاً
– أيوه ده أحنا بقينا عشرة عمر
كان راضي يستمع إلى ما يقال لكن عيونه ثابته على إبنه الذي إبتسم إبتسامة صغيرة حين وصله صوت رحمه بأسمها و ردده بينه و بين نفسه بسعادة
غرقت ربُىٰ مع كريمة فى الحديث حتى خرج الطبيب لتقف رحمه سريعاً أمامه و جوارها كل من عمها و ولده
ليقول الطبيب مباشرة
– الحمدلله قدرنا نسيطر على الجلطة … و هو دلوقتي حالته أتحسنت بس هيفضل فى الرعاية النهاردة كمان علشان نتأكد أن كل الأمور تحت السيطرة
لتغمض رحمه عيونها ببعض الراحة و الدموع تسيل فوق وجنتيها و هى تحمد الله بصوت يصل إللى من يقفوا جوارها … يحمدون الله أيضاً
كذلك كان حال كريمة لكن بسعادة و ربُىٰ تحتضنها بأبتسامة رقيقة
فتحت رحمه عيونها و قالت بتوسل للطبيب
– ممكن أشوفه ؟ دقيقة واحده بس … أرجوك
ليومىء الطبيب بنعم و قال موضحاً بعد أن نظر إلى ساعته
– مواعيد الزيارة بعد ساعتين و وقتها ممكن تدخلوا تشوفوه بس طبعاً واحد واحد
– أكيد يا دكتور
قالها غازي قاطع الفرصة فى الحديث لرحمه التى كانت ترغب فى الدخول الأن … لكن لا بأس لتنتظر قليلاً
~~~~~~~~~~~
جالساً فى غرفته بعد أن عاد إلى البيت … فلم يستطع البقاء بالجامعة أكثر من ذلك نار حارقه داخل قلبه
مشتعله بأستمرار و لا يطفئها شىء
توضىء و صلى .. و قراء و رده اليومي و زاد عليه و لكن القلق ينهش روحه يريد أن يطمئن
جلس على سريره ينظر إلى السماء عبر باب الشرفه المفتوح و هو يفكر (( متى أنشغل بها … و متي أصبحت مهمه لديه … أنه لم يقابلها سوا مرتين … فى المترو و فى الجامعة ))
لكن عقله قرر أن يحسم الجدال و بداء يتذكر قبل ذلك اللقاء ماذا حدث
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية رحمه تقي)