رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وثلاث عشرة 113 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وثلاث عشرة
رواية أغصان الزيتون البارت المائة وثلاث عشرة
رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وثلاث عشرة
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة والثالث عشر :-
الجُـزء الثـانـي.
“إما الحياة؛ أو الحيـاة.. ولا مكان لخيار ثالث.”
____________________________________
وضع النادل على طاولتهم صنوف عديدة من أشهى الأطعمة البحرية، حتى أصبحت المائدة شهية مثيرة للجوع، بينما كان “حمزة” في عالم آخر لا يشعر بأي شئ سوى بالغيظ المكتوم في جوفهِ، بعدما اضطر مجبرًا أن يخضع لمؤامرتها ويبتعد عن مسرح الأحداث.
اهتم “نضال” بوضع الطعام أمامها بعد انتقاء الأصناف التي تُفضلها، ثم أردف بتلقائية غير مقصودة :
– الجمبري الـ butterfly اللي بتحبيه يا سُلاف.
فـ ابتسمت بوداعةٍ غير معتادة منها وهي تمسك الشوكة والسكين قائلة :
– ميرسي يا نضال.
رفع “حمزة” عيناه نحوهما يشملهما بنظراتهِ الحانقة، متضايقًا من حجم العلاقة التي أمام عينيه، عاجزًا عن صدّه عنها؛ لكن صمته لم يطول كثيرًا، وفي النهاية تغلبت عليه غيرتهِ ليهتف بعصبية مفرطة موجهًا إياها :
– قومي من هنا.. أنا مش عجباني الترابيزة دي!.
ثم نهض واقفًا وهو يشير لأحد الطاولات ذات مقعدين فقط :
– في ترابيزة فاضية هناك اهي.. يلا.
تأفف “نضال” منزعجًا، خاصة بعدما لاحظ عيون البعض التي بدأت تتوجه نحوهم، فـ بادر بالتدخل من أجل إنهاء الموقف قبيل أن يحتدم :
– أنا هقعد هناك وخليك انت عشان الولد نايم.
ونهض أثناء إشارته للنادل قائلًا :
– هاتلى الطبق ده على الترابيزة اللي هناك.
جلس “حمزة” دونما ينظر نحوه حتى رآه يبتعد عنهما، فـ انتقلت عيناه تنظر إليها في استنكارٍ، وهي تتناول طعامها دون أن تُعيره أدنى اهتمام، حتى سألها مباشرة :
– انتي بتعملي إيه بالظبط؟؟.. ولا عايزة تكوني معايا ولا عايزة تسيبيني لمصيري!.. ما تقولي من الآخر نهاية اللعبة دي إيه؟.
مسحت فمها بالمنديل قبل أن ترفع عيناها نحوهِ، ثم أجابت بمنتهى الشفافية :
– أنا بنقذك قبل ما تورط نفسك.. المفروض تشكرني مش تلومني!.
تغضن جبينه بضيق بعدما أحس منها الشفقة عليه، فكان شعورهِ كفيلًا لإحياء عصبيته من جديد :
– محدش طلب منك تقومي بالدور البطولي ده.. لو فاكرة إنك كده بترضي ضميرك اللي معذبك تبقى غلطانة.
أشارت نحو صحنهِ متجاهلة الرد على كلماتهِ السابقة :
– الجمبري لما بيبرد طعمه بيتغير.
ثم غرزت شوكتها في طعامها وبدأت تتناول من جديد :
– أنصحك تاكل بدل ما تحرق في دمك على الفاضي.
تراجع بظهره للخلف بينما عيناه القادحتان بالغيظ مرتكزتان عليها، وهي في حالٍ لا تأبه به من الأساس. كان على دراية كاملة بما تفعله في سبيل الزجّ به بعيدًا عن مرمى الأحداث؛ ولكن في جانب آخر هو ترك من ينوب عنه حتى لا تنهار خططهِ الإنتقامية وتضيع هباءًا. نظر لشاشة هاتفهِ المُعتمة ثم نظر إليها من جديد، ثم عاود النظر على الهاتف وبداخلهِ نيران تكاد تلتهم أحشائهِ. أُضيئت شاشة هاتفه، فـ انتفض معتدلًا في جلستهِ گالذي مسّه شيطان، وسحب الهاتف في عجالةٍ ليخرج به من المطعم كله، وسط نظراتها المتفحصة لحالتهِ الهيستيرية، ثم التفتت رأسها تنظر لـ “نضال” وداخلها الفضول القاتل لمعرفة ما آلت إليه الأمور.
*************************************
كانت مفاجأة صادمة بالنسبة له. دخول “عباس” إلى مسرح الأحداث كان شيئًا مريعًا مثيرًا لإشمئزازهِ وغضبهِ في آنٍ واحد، فهو لم ينسى بعد تسبب ذلك الأرعن في حبس والدهِ حينما وشى به، فكان السبب الرئيسي فيما يعيشهُ الآن. أحس “حمزة” وكأن شيئًا يأكل في جلده، فأصابه برغبة جامحة لحكّ سائر بدنهِ، گالقشعريرة وإنما شعورها أقوى من ذلك أيضًا. فرك “حمزة” عنقهِ بل وخدش نفسه أيضًا دون قصد، ثم ذمّ على شفتيه قبل أن يسأل :
– وبعدين يا زيدان؟؟ خرج معاه من الجراج وإيه اللي حصل؟.
أصغى إليه بنصف تركيز، بنصف عقل، بنصف إتزان.. أحاط به شتاتهِ وبدت رأسه گالخيوط المتعقرطة صعبة الحلّ والفك، لا يستطيع حتى التفكير في أمرٍ واحد، وكل ما يعصف بذهنهِ هي صورة أبيهِ الراحل في لحظاتهِ الأخيرة، وهو يوصيه بالثأر لحقهِ، والآن أصبح كلا الطرفين المتسببين في هذا المشهد بجانب بعضهما البعض، وقد تكون المصيبة الآتية تتوجه نحوهِ بكل قوتها وهو على غير دراية بما يُحاك خلف ظهرهِ. أحس أصابعها تطرق بخفة على كتفهِ، فأبعد الهاتف فورًا عن أذنه واستدار إليها، أنهى المكالمة في منتصفها وعيناه تتعلق بها دون تركيز، فسألته بإرتياب :
– في حاجه حصلت؟.
نظر لساعة يده، ثم عاود النظر إليها وهو يقول :
– أنا ماشي، هتيجي ولا تستني مع قريبك؟؟.
لم تتردد في جوابها أو تفكر حتى، وسرعان ما أردفت بـ :
– هجيب زين وآجي.
أحس وكأن ضغط الدم لم يعد متزنًا، حتى هو حالتهِ ليست في وضعيتها الطبيعية، ثمة دوّار مصحوب بتقلب في معدتهِ بجانب سخونة منبعثة من عيناه وأنفهِ، واستمر وضعهِ هكذا لدقيقة ونصف كاملة، وهو متسمرًا في مكانه يخشى الحراك، حتى وجدها قد حضرت إليه وفي الخلف يقف “نضال” على بُعد مسافة مقبولة، يراقب ذهابهم المفاجئ بعيونٍ متربصة. وقفت قبالتهِ وهتفت بـ :
– أنا جاهزة.
أخرج مفاتيح سيارتهِ ووضعها بين أصابعها، ثم سحب “زين” برفق منها وهو يقول :
– هاتيه عشان انتي اللي هتسوقي.
وانطلقت خطواتهِ تسبقها، فلحقت به حتى بلغن السيارة معًا، وكل ما يشغلها سبب تغيرهِ وما أدى به لهذه الحالة المريبة التي تراه عليها؛ لكنها عاجزة حتى عن سؤاله، فلن ينطق الحجر ولو غرق أسفل الماء، سيبقى الحجر حجر.
************************************
قطع “حاتم” ورقة من “دفتر الشيكات” الخاص به موقع بخط يدهِ لحاملهِ، وبسط به يده وهو يهتف بصرامةٍ :
– شيك أهو بعشرة مليون، وليك زيه لما تنفذ.
تناول “عباس” تلك الورقة ليقرأ محتواها، وعلى ثغرهِ هذه الإيماءات المعترضة جليّة وواضحة، ثم تلوّت شفتيهِ في سخطٍ ليعقب بعدها :
– لأ ياعمنا كده تزعلني.. أنا ماليش في شغل الورق الملون ده، أنا عايز كاشات.
زجره “حاتم” بنظراتهِ المستشيطة وهو يزأر بـ :
– انت هتستعبط!.. أشيل معايا ١٠ مليون في جيبي إزاي يعني!؟.
لم يتراجع “عباس” عن موقفه، بل أظهر نبرة عدائية أكثر إصرارًا :
– لأ لامؤاخذة تشيلهم في شنطة مش في جيبك، وبعدين أنا مش ميملاش عيني الورق ياباشا، ده خدت تمن دمك وقتي وعلى الترابيزة، وانتي بتلاوع معايا في روحك!؟.
طرف السكين لمع أمام عيني “حاتم” قبيل أن يُشهره “عباس” أمام ناظريه من جديد، فلم يُظهر “حاتم” تخوفًا أو ارتعادًا منه، وتظاهر كأنه لم يخشاه أبدًا :
– وبعدين معلش يعني النبرة دي تكلم بيها العيال اللي شغالين تحت إيدك، مش معايا أنا.
قطب “حاتم” ما بين حاجبيه الكثيفين، وكشّر عن أسنانهِ وهو يزأر بـ :
– بس كفايه لتّ وعجن انت فاكر نفسك في محاضرة.. هاتلى راسها وأنا أديك اللي عايزه وزيادة كمان.
برقت عيناه في هذه اللحظة، وقد بعث إليه عقلهِ يُذكره بشأن “حمزة” أيضًا :
– وراس جوزها كمان.. خلينا نخلص من العيلة بنت الـو*** دي.
مدّ “عباس” يده إليه ليعاود المطالبة مرة أخرى :
– قبضني وانت تاخد مني أجدع شغل.. شغل على ميا بيضا كمان.
تأفف “حاتم” مضجرًا، ثم نظر لساعة يدهِ وهو يردف ممتعضًا :
– بكرة الصبح هتبقى نص الفلوس عندك، نفذ وخد الباقي.
لعق أسنانهِ بلسانهِ وهو يفكر مليًا في عرضهِ، وخلال ثوانٍ معدودة كان يرد عليه :
– موافق.. كده كده انت مش بعيد عني ياباشا، مسافة السكة تلاقيني قدامك.
فتح “عباس” باب السيارة وهو يختتم كلماته:
– تتمسى بالخير ياغالي.
راقب “حاتم” ابتعاده بعدما أغلق السيارة على نفسه وحتى الزجاج كان مغلقًا، لا يستطيع إنكار حالة الذعر المكتومة بأحشاءه، حتى معدتهِ أصيبت بتقلباتٍ مؤلمة أثر ما عاشهُ. غليان دماءهِ جعل حرارة جسده في أقصى مراحلها، وما يشعر به من بغض وكراهيه تكاثر وانتفش داخلهِ للحد الذي أعجزه تجاوز الأمر. منذ لحظات كان يجلس جوار المتسبب في قتل والدهِ، والأسوأ إنه مضطر للتعامل معه، من أجل الوصول إلى رأس الحية التي أعطت أمر بقطع تذكرتهِ للدار الآخرة. نفخ “حاتم” غير قادر على تنفس الهواء، كأنه رصاص خام يخترق صدرهِ، وسرعان ما بدأ قيادة سيارتهِ للخروج العاجل من هنا، وعيناه في منتصف رأسه ينظر لليمين واليسار بترقبٍ مرتاب، كي لا يتعرض لموقف لن يكون مستعدًا لمواجهتهِ الآن، عليه أن يستعد أولًا، ثم يظهر معتدًا بأسلحتهِ الفتّاكة، لسحق كل من تطاوعه نفسه للتفكير في القضاء عليه.
************************************
كان التفكير گالدود الناهش في لحم رأسه، يعصف به يمينًا ويسارًا حتى أُصيب بالدوار الموجِع، وسؤال واحد يدبر لجواب له، ماذا سيفعل في كل ما يواجهه، وفي كل العقبات التي تظهر واحدة تلو الأخرى يومًا بعد يوم ولا يقوَ على تذليلها، وكأن الحلول قد توقفت في مكانٍ ما وتأبى مساعدتهِ. جلس “حمزة” أمام مكتبهِ صامتًا مستكينًا، من الخارج يظهر عليه الهدوء الرتيب، أما عن داخله فـ نيران الغضب تكاد تقضي عليه. بداية من مناورات “سُلاف” وخططها التي لا تنتهي وحتى دخول “عباس” المفاجئ لمحور الأحداث مرة أخرى. دفن وجهه بين راحتيهِ مُحررًا تنهيدة حارّة مُحملة بأطنان من الهموم، ثم همس بخفوت شديد :
– هو انا هخلص من اللي انا فيه ده أمتى؟.. هفوق أمتى ؟.
اعتدل في جلسته مستندًا بظهرًه للخلف ثم تابع :
– ده انا مبقاش يعدي عليا يوم عادي كده زي بقيت الناس!.
انفتح باب مكتبهِ فجأة، فـ التفتت رأسهِ ينظر نحو مُقتحم المكتب ليجد “نضال” أمامه، فـ تأفف بتذمرٍ وأشاح بوجهه وهو يردف :
– مسلمتش مفاتيح المكتب وانت بتسلم الملفات اللي عندك ليه؟.
لم يترك له “نضال” مساحة للنقاش في هذا الوقت العصيب – من وجهة نظره -، وفضّل الدخول في صلب الموضوع مباشرة :
– أنا جاي أكلمك بخصوص سُلاف.. أنا مش قادر أمنعها!! يمكن انت تقدر، اللي سُلاف دخلت نفسها فيه مينفعش يتطور لأقصى من كده.
نهض “حمزة” واقفًا وهو يتلقى عباراته المُقلقة، وبدا على وجهه آثار التحفزّ جلية وهو يسأله :
– في إيه أنا مش فاهم حاجه؟.
كانت عينا “نضال” تراوغ القلق الذي يحمله بين ضلوعهِ، مكافحًا شعور الخوف الذي نبت واستوطن داخله، وعلى المدى السريع كان يخبره بإيجاز عن تورطّها في ذلك الأمر من أجل حمايته :
– سُلاف اتفقت مع عباس، وكل هدفها تحميك انت.. لكن دلوقتي هي اللي بقت في خطر.
كلمة خطر كانت گالقنبلة الموقوتة، صوت صفيرها مدويًا مخيفًا، جعلت جلدهِ يتحسس ويقشعر تأثرًا من قوتها، وعيناه اتسعت گعيون طائر جارح يُرفرف فوق رأس طريدتهِ، تأهبًا للإنقضاض عليها، حتى استرسل “نضال” في سرد ما بقى من خطتها على مسامعه، علّه يقوَ على كبح جنونها الذي حتمًا سيؤدي بهم للجحيم.
************************************
دخل وأغلق الباب، برأسٍ منكس ومعنويات مستوية بالأرض، بينما الخوف ينمو في أحشائهِ في كل لحظة أكثر وأكثر. ألقى مفاتيحهِ جانبًا، والتفت في نفس اللحظة التي خرج فيها “مصطفى” على مقعدهِ المتحرك من الداخل، ليسأله في قلقٍ وريبة :
– وصلت لأيه؟!.. اتكلم بسرعة.
أسبل “نضال” جفنيه وهو يجيب بإقتضاب شديد :
– قالي هيتصرف.
ضرب “مصطفى” مسند كرسيهِ بقوةٍ آلمت عظامه، ثم صاح مهتاجًا :
– وانا بقى هقعد مستني ابن القرشي وانا حاطط إيدي على خدي لحد ما بنتي التانيه تروح مني؟؟.
واندفع صياحهِ يهدر فجأة :
– أنا غلطان إني سيبتك تروحله، كان المفروض أروح بنفسي وأجيبها تقعد هنا قدامي.
زفر “نضال” متذمرًا وهو يقول :
– أنا هغير وأروح أقف مع عبيد يا عمي.. انت عارف انه قاعد عند سُلاف ومش هيسيبها خطوة.
لم يقبل “مصطفى” بأية مفاوضات أو مناقشات، وتحجر رأسه لدى الإصرار الشديد على استعادتها في الحال، مهما كان الثمن :
– تنزل وتروحلها دلوقتي.. متتحركش من هناك غير لما تكون معاك.. انت ســامـع؟!.
حرر “نضال” زفيرًا مختنقًا من بين ضلوعهِ، ليعترف بعدها بالإعتراف الأسوأ على الإطلاق :
– انا عارف إنه صعب نتقبل حقيقة زي دي.. بس انا شوفت النهاردة يا عم مصطفى، شوفت حاجه أول مرة أشوفها.
قطب “مصطفى” جبينه دون أن يفهم ما يرمي إليه، بينما تابع “نضال” مسترسلًا :
– حمزة بيحب سُلاف بجنون.. هيعمل أي حاجه عشان يخرجها من التورط مع حاتم، أنا شوفت عينه النهاردة وهو ميت من الخوف عليها.
قبضت أصابع “مصطفى” على مسند الكرسي، وتسربت حرارة الغيظ من أنفهِ وأذنيه، وهو يذكّره بحقيقة الأمر الذي تغافل عنه :
– انت سامع نفسك بتقول إيه؟؟.. ده بدل ما تحاوط عليها بتقدمهاله على طبق دهب، بتسلم بنتي لأبن القرشي يانضال؟!.
لم يقوَ “نضال” على هضم كلماته المؤذية، والتي لامست جرحًا في أعماق فؤادهِ، فـ اهتاجت أعصابه ليصيح بغير وعي :
– غــصـب عـنـي.. لو هو هيحميها ويرجعهالنا مستعد أحط إيدي في النار كمان.
التقطت أنفاسهِ بصعوبة وهو يحس بممرات الهواء في صدرهِ تضيق عليه، فلم يوليها انتباههِ ليتابع عبارتهِ بنفس الإنفعال المهتاج:
– هما ٢٤ ساعة والموضوع يتحل، هو وعدني بكده.
خفت صوته في تلك الكلمة الأخيرة، وأجفل جفونه وهو يهمس بنبرة ضعِفت فجأة :
– أنا متأكد إنه هيوفّي.. أنا عارف.
جرّ ساقيه نحو الردهه وهو يتحدث لحاله دون شعور :
– المهم تكون كويسة، مش مهم أي اعتبار تاني.. مين اللي بيحميها ومين اللي هيفوز في الآخر مش فارقه.
وارتفعت ابتسامة ساخرة على محياه وهو يستطرد :
– إحنا خسرنا سُلاف وأنا عارف.. سُلاف خلاص بقت تفكر في حد تاني أكتر ما بتفكر في نفسها.
أغلق الباب على نفسهِ ومازال يتمتم بتلك الكلمات التي تنبع من أعماقهِ بصدقٍ :
– احنا وصلنا للنهاية الحقيقية.. بس انا اللي كنت بكدّب نفسي وأقول مستحيل يحصل.
بمرارةٍ تمكنت من جوفهِ، وشعور القهر قد تشعّب في بواطنهِ، همس كلمته الأخيرة قبيل أن يتسطح جسدهِ على الأريكة :
– بس حـصل.. حصل اللي كنت خايف منه.
*************************************
كان التوتر باديًا عليها، وهي تسعى بكل الطرق للوصول إلى معلومة واحدة تفيدها حول ما حدث لمخططها؛ لكن نتيجة سعيها وما وصل لمسامعها لم يكن خيرًا البتة. انتفضت “سُلاف” بعدما أعمى الغضب عينيها، ولم تضيّع الوقت في الإنصياع خلف رغبة عقلها بالإنتظار، فـ خرجت متعجلة دون أن تنظر من حولها، وشقّت طريق الدرج في هرولةٍ حتى أنهته دون أن تشعر، لتصتدم في نهايته بجدارٍ صلب رفعت على أثره رأسها وهي تكتم شهقتها، حتى تفاجئت برؤيته أمامها، بوجههِ المظلم وعيناه الصارمة، تعابيره الجادة وخطوط وجههِ الذي اندثر فيها الغضب، لينطق بسؤاله في اقتضاب شديد :
– رايحة فين؟.
زفرت وهي تحيد بوجهها عنه، ثم هتفت في عجلٍ :
– مشوار وراجعة.. الولد مع أم علي.
وقبيل أن تخطو بقدميها كانت يداه تسبق حركتها لردع تقدمها هاتفًا :
– مفيش مشاوير دلوقتي.. أنا عايزك في موضوع مهم.
أثارت مسكته تلك تحفظّها الحازم، لترنو إليه بإحتدام وهي تسعى للخلاص من أصابعهِ :
– سيب دراعي ياحمزة، أنا مش فايقة للمناقشات معاك دلوقتي.
ضغط بأصابعهِ على جلدها وهو يسحبها من خلفه هاتفًا :
– بس أنا فاضيلك.
تآوهت بتألمٍ وعجز، لا تقوَ التغلب على قوّتهِ البدنية التي تفوقت عليها، ومازالت محاولاتها البائسة المستميتة تحاول الخلاص منه :
– آآآه.. إيه الوحشـيّة دي!.. سيب دراعي.
جرجرها خلفه لخطوات طويلة لم تعرف نهاية مجراها، ولم تفيد صرخاتها المرتعبة بأي شئ، حتى هدر فيها قاطعًا صوتها :
– ريحي نفسك كل ده ملهوش أي لزوم.
هبط بها درج أسفل الأرض، كأنه قبو مختبئ بالأسفل وغير مرئي للجميع، فترآى لها “زيدان” واقفًا أمام الباب، وهي تُساق لمصيرٍ تجهله، نمى داخلها شعور الذعر، وبدأت تفقد قوتها للدفاع عن نفسها أمام إصرارهِ المستميت، حتى انفتح الباب لغرفة كبيرة تحمل عدد من الأجهزة الكهربائية القديمة، وفجأة دفعها للداخل بكل قوتهِ. أثر دحرهِ العنيف لها سقطت “سُلاف” أرضًا مرتطمة بصلابة الأرضية، وقبل أن تستعيد توازنها وتتغلب على آلامها كان يغلق الباب و يوصده من الخارج عليها لتبقى هي حبيسة الغرفة، فـ ركضت نحو الباب وصرخاتها تتردد بين الأربع جدران :
– أفـــتـح البـاب ياحـمـزة.. أفـــتـحـلي بـقولك…
وضع “حمزة” قفل ضخم مُحكم على الباب، متجاهلًا ندائها وصراخها بالداخل، وقبل أن يغيب عن المشهد كُليًا ختم لقائهم هذا بعبارة واحدة :
– هتفضلي هنا لحد ما أخلص من العك اللي عملتيه برا.. ولما أضمن إنك في أمان ساعتها بس هتشوفي نور الشـمس…
*********************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)