روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وخمسة 105 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وخمسة 105 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وخمسة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وخمسة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وخمسة

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائة وخمسة :-
الجُـزء الثـاني.
“هناك ثمن لكل شئ، هناك قرابين تُقدم مقابل الفوز الدائم.”
_____________________________________
كان يحس في قرارة نفسهِ شعورًا مشمئزًا، رائحة العفن طالت أنفهِ، وشعور الإحتقار لكل شئ من حوله يعكر عليه كل شئ حتى فرصته في التفكير المتأنِ، يحس وكأنه ؛ بالرغم من تواجده بين جدران السجن إلا إنه حظى بفرصة وجودهِ ضمن الطبقة الأولى، أي مرفهًا إلى حدٍ ما عن عامة الشعب من المسجونين، إلا أن ذلك لم يكن مرضيًا أيضًا. دخل “صلاح” متأملًا رؤية ولدهِ في الموعد المقرر للزيارة، لكنه تفاجأ بعدم وجود أي أحد، الجميع منشغل بزائريه وهو يقف بمفردهِ ينظر يمينًا ويسارًا عساه يراه، حتى قطع عليه أحد المجندين تفكيره قائلًا :
– خد ياعم صلاح، ابنك جه برا سابك الشنطة دي وقالي أقولك أطمن هييجيلك خلال يومين بس يوصل لعباس الأول.
تناول “صلاح” الكيس البلاستيكي الذي بدا عليه محتواه، نظر بداخله فوجد طعامًا ساخنًا من نفس ذلك المكان الذي يفضل تنازل الشواء فيه، فـ انفرجت شفتيه بقليل من التحمس نظرًا لجوعهِ المفرط وأردف بـ :
– أهو على الأقل جاب من المطعم اللي بحبه، شكرًا.
ابتسم المجند بإبتسامة واسعة وهو ينظر لكيس الطعام بشراهةٍ ورغبة :
– طب مفيش حاجه منك كده.. كلمة شكرًا مبتشبعش ياعم صلاح!.
تلوت شفتي “صلاح” مستنكرًا وقد تغير لون عيناه لآخر أكثر حزمٍ، ثم هتف بحِدةٍ :
– بعدين.. أخرج من هنا وكل واحد هياخد اللي يستحقه، حتى انت.
والتفت عائدًا من حيث أتى وهو يتمتم بسخطٍ :
– ياترى إيه أخرك عني يا حمزة؟!.. عاالله بس تلاقي حاجه تطلعني بيها من المستنقع اللي وقعت فيه ده!.
*************************************
كانت تجمع أشيائها بعجالةٍ غير مبررة، كأنها ترغب في اللحاق بأمرٍ ما لا تعلم ماهيته. نظرت لهاتفها الذي خرب تمامًا بعدما سقط في المياة، ثم تأففت بتذمرٍ وهي تغمغم بخفوت :
– يعني كان لازم أنسى تليفوني التاني في البيت!!.. كله بسببه.
حملت حقيبتها وتحركت نحو الباب بخطواتٍ سريعة، فرأته بالخارج في مشهدٍ صادم ومفاجئ. وقفت “سُلاف” بمكانها وهي ترى “حمزة” واقفًا برفقة السكرتارية، ثم خطت نحوه تسأل بفضولٍ حمل بعض الشدة :
– بتعمل إيه هنا؟.
لاحظها فاترة أكثر من اللازم، هادئة بشكل مريب، وكأن الخبر لم يصل إليها بعد. فكر سريعًا في جواب مناسب لئلا ينشر الخبر فجأة أمامها في حين إنها قد تكون جاهله به، ثم سألها :
– نسيت أتكلم معاكي في موضوع مهم الصبح.
قطع حوارهم حضور “عناني” وهو يسأل دون الإنتباه لوجود “حمزة” :
– انتي لسه هنا يا سُلاف؟؟.
ثم نظر للشخص الواقف أمامها ليُذهل من وجود “حمزة” بين جدران مكتبه :
– حمزة القرشي عندنا !!.
تجاهل “حمزة” نبرته المائلة للإستخفاف، ثم تابع توجيه حواره لها :
– في موضوع مهم جدًا وميستناش عايزك فيه.. أنا مستنيكي برا.
انتابها بعض القلق، حتى تعابير وجهه لم تكن طبيعية على الإطلاق، حتى عقلها اتجه بالكامل للتفكير فيما هو أسوأ، مما اضطرها ألا تسمع صوت “عناني” وهو يتحدث إليها، إلى أن لوح أمام عينيها بيداه:
– سُــلاف ؟؟.. روحتي فين؟.
تعجّلت “سُلاف” في خطواتها نحو الإنصراف وهي تنهي الحوار مؤقتًا :
– هكلمك لما أروح ياأستاذ عناني.. محتاجه أمشي دلوقتي، سلام.
تنهد “عناني” وهو يراها تخرج في حالة الهلع تلك، وتقوست شفتاه بنزقٍ وهو يقول:
– من وقت ما الواد ده دخل حياتها وهي مبقتش هي!.
*************************************
استغرق الأمر منه مجهود عظيم، حتى استطاع فقط أن يتخطى صوت صرخاتها وصياحها المستمر، لم يتمكن من تجاوز فكرتها عنه لإنه قد يكون متسببًا فيما طال ابن عمها الوحيد، بل إنها توعدته بكثير من التهديدات الثقيلة حالما تتأكد بأن له يدًا خفيّة في موت “راغب”.
حررت “سُلاف” قميصه من بين أصابعها بصعوبة بالغة، ودموعها المنهمرة لا تتوقف عن الهطول على خديّها، وسرعان ما ترجلت عن سيارته تركض للدخول إلى المشفى التي أوصلها أمامها، بينما كان “حمزة” يصفّ جانبًا حتى يلحق بها. صعدت “سُلاف” ركضًا وهي لا ترى أمامها من فرط الدموع التي ملأت عيناها، حيث الطابق الذي أرشدها إليه موظف الإستقبال، وما أن وصلت رأت “عِبيد” واقفًا بالردهه بمفردهِ، لا يوجد سوى مقعد “مصطفى” الفارغ، والخواء من حولها عتيًا موحشًا، كأنها تسمع صوت هرير الرياح من قسوة المشهد الذي ينتظرها. أطبقت “سُلاف” جفونها فأندفعت الدموع من طرفيهما، في اللحظة التي كان فيها “عِبيد” يهرع نحوها مناديًا :
– سُــلاف…
ولكن الأرض قد استقبلت جسدها أولًا قبيل أن يصل “عِبيد” إليها، سقطت مغشيًا عليها أثر مجهود نفسي وعصبي مبالغ فيه ولم تتحمله قواها العصبية، مستسلمة لرغبة جامحة للهروب من هذا الواقع الموجِع. لقد كانت متهيئة للنصر فقط في هذه الرحلة، لم تنوي أبدًا على تقديم القربان مقابل الفوز الدائم الذي حصلت عليه، لم تكن مستعدة لدفع ثمن هذا الإكتساح الذي وصلت إليه بكل سهولة، لكنه الواقع الذي فرض نفسه على الجميع، وسلبها هي أيضًا جزءًا جديدًا من روحها، من أجل أن تتذكر مرة أخرى (ماذا يعني فقد من تُحب للأبد؟).
**************************************
مرّ يومان..
يومان كاملان منذ دفن “راغب”، عجز فيهم “حمزة” عن الوصول إليها، وكأن الأرض قد انشقت وابتلعتها ولا أثر لها نهائيًا، كما كانت تختفي من أمامه مسبقًا ولا يجد طرف خيط واحد يدلهُ إليها. لم يترك مكان إلا وبحث فيه، لم يترك وسيلة إلا ولجأ إليها من العثور على “سُلاف”، وباءت جميع تلك المحاولات بالفشل، حتى إنها لم تكن حاضرة في مراسم الدفن لأسباب لم يعلم عنها شيئًا، فقط تفاجأ بغيابها الذي لم يبرره أحد.
على الجانب الآخر لم يهدأ “زيدان”، لم يكلّ ولا يملّ بحثًا عنها، بعدما رأى الحال الذي بدا عليه “حمزة” من الحيرة والقلق والتوتر، بذل قِصارى جهدهِ مسخرًا لنفسه العديد من الجنود لتيسير عملية البحث عنها، حتى أدى به المطاف أخيرًا للوصول على عنوان “آل زيِّان”، فلم يدخر وسعهِ لإرسال المعلومة إلى “حمزة” علّ نارهِ تنطفئ قليلًا. تجهزت “أم علي” وجهزت “زين” للخروج كما أمرها “حمزة”، مستثقلة تنفيذ كافة أوامره في ظل غياب “سُلاف” عن الصورة بالكامل، لكنها مجبرة على ذلك حتى تجد المخرج المناسب من هنا. خرجت حاملة الصغير حتى عبرت البوابة الرئيسية، فوجدت “زيدان” يمدّ لها يده كي يحمل عنها الصغير مبتسمًا ابتسامه عريضة :
– عنك يا ست الكل.
امتنعت “أم علي” عن تركه إليه مبررة :
– الولد مش متعود يروح لأي حد.
فأشار له “حمزة” للتنازل عن ذلك :
– سيبها يا زيدان.
ثم وجه حديثه الصارم إليها وقد تنشطت نظرات الغضب في عيناه :
– أنا وصلت لعنوان الهانم يا أم علي.. ومش هنسى إنك كنتي عارفه ورفضتي تقولي، هخليها في دماغي لحد ما احتاجها وأرجع لها.. المهم انتي متنسيش.. أركبي.
وجلس في مقعده خلف المقود، ثم نظر للخريطة الإلكترونية من أجل متابعة الطريق الأسهل، في حين كانت “أم علي” ترتجف خوفًا بعد تصريحه الأخير، خشية أن يطالها منه أذى، خاصة وأن “سُلاف” لك تعد ظاهرة أمامها في الصورة.
وصل “حمزة” أمام المنزل، أطل عليه بنظرات متفحصة، إنه أحد المنازل العريقة القيّمة بإحدى الأحياء الراقية في وسط المدينة، لم يكن مكان بعيد عن الناس، أو مهجورًا منسيًا، لكنه هادئًا محاط بمنازل من نفس شكله ووتيرته، بمنطقة هادئة ساكنة جدًا. ترجل “حمزة” عن سيارته مرتديًا حُلتهِ السوداء، ينظر للمنزل في تشوقٍ ولهفة، ينتظرها تفتح بابها بنفسها، ينظر إليها بحنوٍ يمحو عنها قساوة اليومين اللذان عاشتهم في وجعٍ وحزن، يشد عضدها ويقوّي ظهرها، يعطيها الشئ الذي قد يرد إليها الحياة من جديد. تنهد “حمزة” قلقًا من مواجهتها، ووقف لحظات يفكر بتردد، هل يكمل خطوتهِ ويدخل أم يعود من حيث أتى؟؟
بتر تفكيره صوت “زيدان” وهو يحثُه على المُضي :
– يلا يا باشا لسه هتقف تتفرج.. ده انا طلعت روحي وربنا عشان أوصل لهنا.. لو عرفت وصلت إزاي مش هتصدقني، بس هقولك بعدين.. يلا أطلع.
استجمع “حمزة” رباطة جأشهِ، والتفت لكي يصطحب معه “زين” أولًا قبل أن يدخل، فـ تركته إليه “أم علي” وكلها ترقبٍ، بعد أن تأكدت إنه وصل للعنوان الصحيح. لم يهتم “حمزة” لأمرها كثيرًا، وعقله كله منشغلًا بما سيراه بالداخل. صعد الدرجات وبدأ بالدخول للباحة الصغيرة المؤدية لباب المنزل، ثم قرع الجرس وعاد يقف منتظرًا، تكاد الحماسة تفتك به وتطبق على أنفاسه، حتى أنفتح الباب أمامه وظهر من خلفه “نـضال”.. فكان للأمر وقع آخر عليه، وقع غير مفهوم، وقع غريب لا وصف يؤدي حقهِ. جمد “حمزة” في مكانه وكذلك “نضال”، كل منهما علق ببصره على الآخر في ذهولٍ وصدمة، في حين كان “حمزة” يعود بذاكرته للخلف، مستعيدًا كل شئ، كل ذكرى، كل موقف، كل صورة، كل شئ بينهم، حتى رؤيته في المدافن وهو في تلك الحالة المنفعلة عاطفيًا ولم ينتبه له.. كل ذلك مرّ أمامه خلال ثوانٍ، حتى أفاق على الواقع الصادم الذي يراه، الواقع الذي خذلهُ مرتين….
***********************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى