رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم وسام الأشقر
رواية صماء لا تعرف الغزل الجزء الثاني والثلاثون
رواية صماء لا تعرف الغزل البارت الثاني والثلاثون
رواية صماء لا تعرف الغزل الحلقة الثانية والثلاثون
ليصدم من حديثه ويترك ملابسه بأعين دامعة:
– أنت أكيد بتقول كده عشان تحرق قلبي عليهم.
يامن بابتسامك باردة:
– انت اللي حرقت قلبك بإيدك.. عمومًا قسيمة الجواز موجوده لو حابب تشوفها.
ليفوق يوسف من صدمته ويندلع بقلبه نارًا وهو يتخيل ملامسة أخيه لزوجته وحبيبته فيلكمه لكمة قوية نزف يامن على آثارها وتناوب عليه بالسباب واقذع الألفاظ واستمر العراك بينهما حتى سمعا صوتًا مدويًا اخترق سبابهما مع تهشم مزهرية كريستال خلفهما إلى قطع صغيرة فينظر يوسف الذي كان يعتلي أخيه مستعدًا لتسديد له اللكمات إليها بذهول مع رعب يامن ليدفع يوسف عنه بقوة ويقف أمامها متوسلًا إياها وهي موجه فوهة السلاح إتجاه يوسف بأيدي مرتعشة وأعين زائغة ليقول يامن بقلق:
– اهدي ياغزل.. مافيش حاجه حصلت.. أنا كويس.. ده خلاف بسيط اهدي وهاتي المسدس ده.
ليلاحظ ارتعاشها وازدياد انتفاض جسدها وكان يظهر عليها أنها كانت تحارب إحدى نوباتها التي تداهمها أحيانًا نتيجة لأي ضغط نفسي مفاجئ.. يحاول الإقتراب منها بهدوء حتى يستطع جذب السلاح منها قبل أن تنطلق رصاصة أخرى تصيب هدفها.. فيرفع كفيه أمامه مهدئًا إياها يقول:
– غزل.. بصيلي.. أنا يامن مافيش أي مشكلة.. ده خلاف بيني وبين يوسف.. يوسف أخويا مافيش خوف منه.
ليسمعها تهمهم برعب واهتزاز متزايد كلمات مبهمة فيسمع اصطكاك أسنانها وتعرق وجهها مع ازدياد ضربات قلبها وضيق تنفسهاوعند لحظة الوصول إليها ونجاحه في سحب السلاح من بين أصابعها بنجاح بدأ جسدها في الإنهيار الذي كان يخشاه ليحتضنها بقوة مسطحًا إياه أرضًا بطريقة احترافية ليعتليها ويقوم تثبيت جسدها المرتجف يظهر لمن يراه أنه معتاد علي التعامل مع هذه النوبات.. فيسرع في نزع غطاء رأسها ليظهر من تحته شعرها البني المعقوص حتى يساعدها على التنفس ويضم ذراعيها أمام صدرها ويحتضنها من الخلف ليلزق ظهرها بصدره ليشعروها بالأمان ويبث الطمأنينة بقلبها حتي يضمن انتهاء النوبة.. كل هذا تحت أعين مراقبه لهما بذهول ممزوجة بتوتر وخوف عليها رغم ضيقة من هذا المشهد فيسمع صوته ينادي بعنف على خادمته يطلب منها شيء ما يجهله بلغتها فتهرول من أمامه برعب لتعود بعد ثواني معدودة بشيء ما.. اتضح بعد ذلك أنه بخاخ ليساعدها على التنفس.. يجد نفسه غير قادرًا على الصمود فقد حل الإرهاق والأسى على وجهه فيتراجع ببطئ ليجلس على أقرب كرسي بجسدٍ متعب منتظرًا الكثير من الأجوبة التي تريح قلبه وعقله.
…………..
مرت ساعة كاملة على وجوده بالغرفة حث نفسه على التماسك والثبات حتى لايصعد إلى غرفتها ويعرف ما يحدث بداخلها منذ أن حملها يامن أمامه تاركًا إياه بدون كلمة وهو يقاوم رغبته في الصعود ويحدث مايحدث.. بعد لحظات بدأ يشعر أنه مراقب من مكان ما ليرفع عينيه فتقبض على جوز أعين رمادية تراقبه خلسة من خلف الحائط فيضيق عينيه أكثر.. ليجدها طفلة صغيرة تنظر له بخوف ثم تخفي حالها مرة أخرى خلف الجدار.. فيظن أنها تابعة للخادمة لتعتلي الإبتسامة وجهه ويرفع يده مشيرًا لها بدعوة منه.. فيجدها متخوفه من التحرك.. فيفكر في طريقة تجعلها تأتي له ليقول:
– ممكن تجيبي لي عكازي الواقع عندك؟
تنظرر ببراءة لما يشير له وتجري بأرجلها الصغيرة وتحمل بيديها الصغيرة ما أشار إليه وتخطو بخطوات متعثرة وتصل إليه.. يشكرها على مافعلت فيتأمل ملامحها عن قرب من بداية شعرها البني الطويل لاعينها الرمادية وبياض بشرتها الثلجي المشبع بالحمرة ويحملها على أرجله لتكون في احضانه ليقول:
– اسمك إيه؟
فلا تجبه فيظن أنها لا تفهمه.. ليتفاجأ بقولها:
– بيسو.
يبتسم لإجابتها فيكمل:
– بيسو اسم جميل.. مين اللي سماكي الإسم الحلو ده؟
لتجيبه وهي تداعب لياقة قميصه دون النظر إليه:
– بابي.
يوسف بمداعبه لشعرها:
– تعرفي إن اسمك حلو أوي.. بس انتي شطورة بتتكلمي عربي كويس.. مين علمك بقى؟
قبل أن تجبه وجدها نزلت من فوق أرجله وتركض وتهلل:
– بــابي بـابي!
حتى وصلت لأرجل يامن متشبثة به فرفعها بدوره واحتضنها لتقول بطفولة:
– هي مامي نامت تاني ومش هتلعب معايا؟
فيبتلع يامن ريقه بصعوبة ويرفع نظره ليوسف المصدوم من الواضح أنه يوم الصدمات العالمي. ليقول يامن لبيسان:
– معلش يابيسو أنتِ عارفة إن مامي تعبانة.. اتعرفتي على عمو يوسف؟
فيقترب بخطوات متمهلة ليقف أمامه بتوتر:
– اعرفك بيسان.. بنتي ووو.. بنت.. غزل.
ويقطع تفكيره قبل أن تندلع النيران في حدوث الطفلة ليقول:
– إحنا مش هينفع نكمل كلامنا هنا.. يستحسن نكمله بره.
ليأمر يامن عائشة بأخذ بيسان من يديه ويراقب توديع بيسان لاخيه بطفولة ولكن الأخير لا يبدو عليه أنه لم يسمعها بسبب شروده فيما صدمه.
…………….
يصعد الدرج يجر نفسه بإرهاق بادي عليه فمنذ الصباح لم يذق للراحة طعمًا.. كان اليوم مليء بالأحداث الغير مرحبة له.. يناجي فراشه لعل جسده يأخد بعض الراحة.. ليزداد دوار رأسه ويشعر انه يصعد جبلًا منيعًا، وكأن هذا الدرج ازداد طولًا كهمومه الغير منتهية.. بعد انصراف أخيه ومواجهتهما وإخباره بحالة غزل التى آلت إليها وطلبه منه الإبتعاد وتركها لحياتها الجديدة فهي زوجته ولن يسمح له بالاقتراب منها كان عليه ألا يقبل دعوة تلك المرأة لتناول المشروب المُسْكِر كتحية منها له.. لعلها إحدى مريضاته ولكن بعد تناول أول كأس أراد المزيد والمزيد.. وهو ليس من عاداته تناول الخمور فهذه هي أول مرة.. حتي شعر أن عليه التوقف.. فيصل أخيرًا لحجرته ويدفع الباب ويضئ الإنارة ويدخل ليلقي جسده على الفراش ويقوم بتحرير أزرار قميصه ويرفع يديه بإرهاق واضعًا رأسه بينهما.. ليجد من تدخل مندفعة إليه لتجلس أمامه على ركبتيها بقلق وتقول
بصوت مهزوز:
– إيه اللي اخرك كده؟ أنت كنت فين كل ده؟ أنا كنت هموت من القلق عليك.
ليبتسم وسط حزنه يسألها:
– انتِ إيه اللي مصحيكي لحد دلوقت؟ مش المفروض يكون المهدئ منيمك؟!
غزل بلوم من كلامه:
– انت بتهرج يا يامن.. بقولك كان هيجرالي حاجة من القلق عليك!
لترفع نفسها وتتمسك بأطراف قميصه المفتوح لتكمل بتساؤل:
– أنت مخبي عني إيه تاني يا يامن؟ البني آدم ده فعلًا أخوك؟ كان بيتخانق معاك ليه!
فيرفع أعينه لتصطدم بأعينها العسلية ويسرح بهما.. كأن لأول مرة يلاحظ سحرهما وحلاوتهما، ليقول هامسًا:
– مافيش حاجه مخبيها عليكي.
ويرفع أنامله يمررها فوق وجنتها فيلمس نعومتهما ويزداد تورد وجهها قائلًا:
– أنتِ عارفه ياغزل.. انتِ شبه إيه؟ شبه (غَزْل البنات) بس بالفراولة.. كنت دايمًا كل ما أشوفك أحس إن غزل البنات حل عليا.. بس دايمًا كان في حاجة ناقصة، اللي هو الفراولة.. تخيلي يكون طعمك غزل بنات بالفراولة؟
لتقول بخجل من كلماته:
– فراولة! أنا؟
فتشعر بدغدغة تسري بروحها من غزله بها ولكن يشوب هذه السعادة بعض القلق من حالته وتشم رائحة نفاذة صادرة منه لتسأله:
– هو أنت سكران؟ انت من أمتى بتشرب؟ أنا هقوم اعملك فنجان قهوة يفوقك عقبال ماتاخد حمام سخن.
تتحرك خطوة إلا أن يده التي قبضت على كفها لتعيدها فتسقط بأحضانه الدافئة وتستقر فوق ساقيه وتخرج منها شاهقة عالية من تصرفه.. وقبل أن تعترض تسمعه يقول:
– ماتروحيش في أي حته خليكي جنبي.. مش ده اللي كنتِ بتتمنيه وعايزاه؟
فتحاول تمالك نفسها وتهدئ من ضربات قلبها المتلاحقة وتعترض لتجد أصابع يده فوق شفتيها مانعًا عنها الاعتراض.. وتجد كفه الأيمن يرفع ليستقر خلف عنقها واليد الاخرى تتحرك على شعرها وظهرها مع اقتراب أنفاسه المُحبّبة لها.. فتغمض عينيها لتغوص فيه ولا تستيقظ من حلمها، ليلتهم ثغرها بقوة كأنه يعوضها سنين حرمانها منه.. لم يتركها إلا طلبًا للهواء ليكرر مافعله مرة بعد مرة فيشعر ذراعيها تلتف حوله وتهمس بإسمه في لوعة.. لم يجد نفسه إلا يحملها لتستقر فوق الفراش وهو معها ليتسأل وسط انفاسه اللاهثة:
– متأكدة إنك مش هتندمي على اللحظة دي بعدين؟
لتجيبه بهيام:
– عمري.
ليقوم بتقبيل وجهها بنهم من أعينها لوجنتيها لفمها بقوة مع تحريرها من ملابس نومها ليتلاحما جسدهما العاري ويغرقها معه في أحلامه ومتعته المحظورة عليه منذ سنوات.
…………..
لحظات تمر علينا نظنها أسعد الأوقات وأمتعها، وكلما ازداد حرماننا ازاد اشتياقنا وسعينا خلفها وتذليل كل عائق يواجهنا مع دهس القليل من المبادئ وتسكين ضمائرنا من أجل متعة غاياتنا، لنجد أنفسنا نخسر أحبابنا قبل أنفسنا.. رغم أنها لم تكن سوى لحظات!
………….
مستيقظة تحاول لملمة مشاعرها المبعثرة بعد هجماته العاطفية الجديدة عليها و التي انجرفت معها باستسلام.. تحاول تنظيم طريقة تنفسها المتوترة حتى لا يشعر بها.. لا تعلم كم مر من الوقت وهو بجوارها مراقبًا لها كأنها لوحة فنية تشعر بنظراته تخترق ظهرها العاري.. تناجي ربها أن يتحرك أو يخرج من غرفته حتى تستطيع التحرك والبحث عن ملابسها.. فبعد ماحدث بينهما… تخجل من مواجهته كيف تظهر له كإمرأة تفتقد العاطفة وتشحذ الحب والاقتراب؟ امرأة محرومة يهديها الفتات، ليتصلب جسدها عندما سمعت صوته الرجولي الآمر:
– قومي ياغزل.. أنا عارف انك مش نايمة، إحنا لازم نتكلم وأفهمك أسبابي ، احنا ما ينفعش نكون زي اي زوجين ، ماينفعش.
تبتلع ريقها بصعوبة بسبب خجلها مما حدث ولم تقوى على مواجهته فتشعر بأصابع كفه يمر فوق كتفها العاري فتلعن ضعفها للمساته وتجد جسدها يسحب بقوة ليلتزق ظهرها بصدره العاري ويطبق قبلة فوق عنقها ليقول آسفًا:
– أنا اسف على اللي حصل بينا.. صدقيني مقدرتش.. في حاجات كتير انتِ مش فاهماها مانعة إنك تكوني ليا زي أي حد .. صدقيني لو كان الوقت غير الوقت كنت هبقي اسعد إنسان في الدنيا.
غزل بأسى واضح:
– يامن هطلب منك طلب أعتبره طلبي الأخير..
فتستلقي على ظهرها لتواجه عينيه حتى ترى ردة فعله:
– رجعني.. لازم أرجع بلدي.
لا يعلم أهو إقرار لا مناقشة فيه أم طلب منها ليقول بصدمة:
– انتِ أكيد اتجننتي.
لينتفض من جوارها يبحث عن ملابسه ويرتديها بغضب مستعر قائلًا:
– بقى أنا بحاول احميكي من كل حاجة وموقف حياتي عليكي.. وأخسر اقرب الناس ليا.. حتى.. حتى باحميكي من نفسي، حرمت نفسي من الحياة، وانتِ عايزة ترجعي للخطر برجليكي؟ قوليلي سبب يخليكي تطلبي ده سبب واحد..
غزل بألم:
– لازم افتكر، حقي!
فيمسكها من ذراعيها بقوة صارخًا:
– ليه! هتستفادي إيه لو افتكرتي غير انك هتتعذبي وتتألمي وتندمي؟ انتِ كده افضل.. هتستفادي ايه؟!
غزل بقوة:
– أنت!
– أنا؟
– أيوه انتَ.. انت مش عايش حياة بتاعتك.. أنا مابقتش عارفة أنت يامن اللي وقف جنبي ولا ابن عمي ولا جوزي.. كل يوم بيعدي بيأكدلي إنك عايش دور مش دورك وحياة مش ليك.
يامن بغضب:
– مافيش سفر ياغزل وده آخر كلام عندي..
غزل بتحدي:
– بصفتك إيه بتمنعني؟
يامن بسخرية:
– بصفتي جوزك.
لتختفي من عينيه نظرة السخرية عندما لاحظ نظرة غريبة عليه منها فتقول:
– متأكد؟
فيفهم مقصدها علي الفور.. يقترب منها جالسًا علي ركبتيه ممسكا بها يقول ناظرًا لاعينها المتحدية:
– لو كان اللي فهمته هو سبب قرارك المجنون.. أنا مستعد تبقي مراتي دلوقتي و حالًا لو ده هيخليكي تتراجعي عن اللي في دماغك.
فيحاول ضم جسدها لصدره وتقبيلها لعلها تتراجع عن افكارها فتدفعه بقوة غريبة عليها وتقول:
– لا.. أنا لما أحب أكون مراتك فعليًا مش هيكون بقرارك أنت.. بعد كده هيبقي قراري أنا لوحدي .
يامن بتساؤل:
– يعني إيه؟
غزل بتحدي جديد:
– يعني هرجع.. ولازم أعرف أنت مخبي إيه.. وساعتها هيكون اختياري أنا.. بايدي أنا.. مش انت.
…………..
في سيارة خاصة التي تفاجئا بانتظارها لنقلهما من المطار بتوصية خاصة من أخيه.. فيبلغه السائق بضرورة التوجه إلى الڤيلا لاستقبالهما.. رغم اعتراض يامن الشديد إلا أنه لاحظ إصرار أخيه المخيف لتوجههم إليها بدلًا من الفندق.. فيرضخ عندما علم بانتظار أفراد العائلة لاستقبالها بعد غياب.. يشاهدها تتطلع من نافذتها على الطرقات وتضم لاحضانها بيسان الغافلة ليقول بصوت أجش:
– لو خايفة أو تراجعتي إحنا ممكن ننزل في أي فندق و…
تقاطعه بالرفض:
– لا.. كده أفضل لينا كلنا.. بس ماتسبنيش خليك جنبي دايما، أنا خايفة.
يبتسم بمرارة:
– ماتخافيش أنا معاكي.. ولو حسيتي في أي وقت إنك مش قادره تكملي هنرجع.. يلا قربنا!
………….
في حالة من القلق والشحنات الكهربائية المنتشرة بالأنفس الموجودة بالحجرة.. ونظرة اللوم الموجهة ليوسف الذي يعتلي وجهه الحزن والألم شاردًا غير مهتمًا بالموجودين.. اختار لنفسه أبعد مكان للجلوس والمراقبة عن بعد وكل فرد ينظر إلى الآخر بترقب.. لا يعلموا شيء عن حقيقة الرسالة النصية التي أرسلت لهم جميعًا بضرورة الحضور لاستقبالها.. فبعد إنتشار الخبر بوجودها مع يامن إنتابهم الذهول من قدرته على إخفائها كل هذا الوقت.
في لحظة وقف الكل في ترقب لدخولها بعد سماع صوت جرس الباب وتهليل هناء وترحيبها لهما.. كانوا يظهروا للعيان كأنهم أعجاز نخل ثابتة باعين ذاهلة.. يدخل يامن بين ذراعه بيسان الغافية بهدوء ناظرًا لهم بصمت كأن على رؤوسهم الطير.
لتقول ملك باعين مدمعة:
– يامن حبيبي.
وقبل أن تتحرك لاحتضانه تنحي جانبًا لتظهر من خلفه الزهرة الندية.. معذبة القلوب بفستانها الطويل الأبيض المنقوش بزهور صغيرة مع سترة من الجينز قصيرة وحجاب يغطي رأسها.. كانت طلتها بعد هذه السنوات رقيقة ناعمة بل اكثر نعومة آسرة للقلوب والأعين المشتاقة.. لم يخف عن الكل توترها وهروب أعينها عنهم وإلتصاقها بيامن الممسك بكفها بخوف.. ليتقدم محمد مندفعًا غير مصدقًا رافعًا يده لاحتضانها:
– غزل!
إلا أن انكماشها وتراجعها المفاجئ له ولهم منعه من التقدم.. ليقول يامن ملطفاً الأجواء محتضنها بذراعه:
– معلش.. غزل متوترة شوية.. ازيك أنت يامحمد؟
…………
تجلس ملتصقة به كالطفل التائه الملاصق لأمه تحت أعين صقرية منكسرة متألمة مراقبة لكل حركاتها بحذر وخوف.. خوف أن يقبض متلبسًا
بفعله.. ليلاحظ عند رفع عينيه مراقبة أربعة أجواز من الأعين له.. ثلاثة منهم يراقبونه بأسى وشفقة على حاله.. بعد علمهما بزواجها من أخيه والإنجاب منه
كانت اعين ملك اخته وشادي صديقه ومحمد أما الرابعة فنظرتها مختلفة نظرة يامن له كالذي يوصِل له رسالة تحذيرية بعدم تخطي حدود منطقته الخاصة(غزل)…..
ليقول بصرامة مزيفة وهو يستقيم في وقفته مستندا علي عصاه :
-انا خليت هناء تجهزلكم الاوض اوضتك انت وغزل زي ماهي والبنت هتنام في أوضة ملك …ياريت تطلع تستريح عشان عايزك ضروري ..عن اذنكم
ملك بارتباك :
-انا كمان همشي عشان اتأخرت علي غزل الصغيرة …هجيلكم تاني مع جاسر …
شادي بتعب:
-طيب ياجماعة هنمشي كلنا عشان تقدروا تستريحوا يلا يامحمد ….فيودعها محمد بنظرات لائمة لم تفهمها لينصرف الجميع ويبقي يوسف ويامن وغزل …
ليقول بألم:
-وصّلها، وصل مراتك لأوضتها انا خليت هناء تحط شنطها فيها ..
ليقول يامن مع تقريب غزل له بتحدي :
-مراتي مش بتنام بعيد عني ..انا طالع اوضتي وتبقي خلي هناء تبعت شنطها عندي ..عن إذنك …..
يتحرك يامن وغزل ومعهما ابنتهما تاركين يوسف المهزوم متهدل الاكتاف ..يشعر بخنجر مسموم يُدق بقلبه كل لحظة ..فيُصبر نفسه بأن هذا أسلم عقاب لأخطائه السابقة
……….
ملك بحزن وبكاء :
-مش قادرة اوصفلك منظره عامل ازاي ياجاسر ..ده مش يوسف ابدًا..كلنا كنّا متحاملين عليه وقاطعناه ..المفروض اننا نشمت فيه ..بس اللي شوفته انهاردة واحد مطعون من اقرب الناس اليه …
جاسر يتنهد قائلا:
-الحقيقة اللي حكتيه ده مش قادر استوعبه ..يامن يتجوز مرات اخوه ويخبي علينا كلنا …لا ويخلف بنت منها …يامن ده طلع مش سهل …
ملك بلوم مدافعة:
-ماتقولش كده علي يامن …في حاجة حاسة انها غريبة بس اكيد هعرفها ..غزل مش بتتكلم معانا خالص كأننا غُرب عنها ..وبصراحة ماسكتها في يامن دي مش طبيعية ….
جاسر :
-طيب عقبال ما تبحثي وتفكري ..أكون انا نمت عشان عندي شغل بدري ….تصبحي على خيرات …..
ملك :نام ياجاسر نام ..ماهو ده اللي فالح فيه من ساعة ما اتجوزنا نام ياحبيبي…………..
………
مر شهرًا على وجودها بالمكان تشعر ببعض الألفة من تواجدها فيه ..وتوالت زيارات ملك ابنة عمها لمساعدتها علي التأقلم من جديد بعد ان علمت بحالتها …ولكن الحق ان يقال الجميع يبذل جهدا عاليًا حتي يوفروا لها سبل الراحة ومساعدتها علي تذكرهم شخصًا شخصًا.ولكن هناك شخصًا بعينه يزيد اضطرابها دائما رغم عدم محاولته للاحتكاك بها او التودد لها مثل غيره، قليل الكلام معها ..لا ينظر لاعينها عند حديثه ..على عكس ماصدر منه في زيارته المفاجئة التي انتهت بنوبة من نوباتها التي تمقتها …فهو بمكتبه او حجرته دائما او بمكانه السري يحاول الهروب منها خصوصا مع وجود يامن معها ولا تعلم السبب أليست ابنة عمه ايضًا؟
أم هناك سببًا اخر تجهله …عندما سألت ملك من زوجها الاول وعن اسمه ارتبكت واختلقت اعذارًا واهيةً للانصراف لماذا الكل يحاول الهروب من أسئلتها بخصوص ذلك ….
………
تسمع صوت طرقات الباب فهي في غاية الإرهاق ولا تعلم لما حل عليها التعب ..وتكتشف بعدها فراغ الفراش بجوارها علي مايبدو ان يامن قام بالانصراف مبكرًا ، فمدة الشهر كان يلازمها كظلها لايتركها إلا لدخول دورة المياة أو النوم …يخاف من شيء لا تعلمه ..دائمًا متحفز للعراك ، علاقته باردة بأخيه ..رغم أن الأخير يحاول توفير سبل راحتهم بكل السبل ..تستقيم لتخرج من فراشها بقميص نومها الكريمي بحمالتيه الرفيعتين بخامته الناعمة وشعرها المشعث علي أكتافها ووجهها ..فيطرق الباب مرةاخري ليراها تفتح الباب مغمضة العينين لاتستطع مقاومة النوم ويدها علي مقبض الباب..والأخرى تحك بها راسها ، فتتسارع انفاسه من رؤيتها بهذا الشكل المهلك لأعصابه ..فيذكر نفسه بأنها زوجة أخيه ولا تحل له فيسرع بإشاحة وجهه عنها ويسمعها تقول :
-خلاص صحيت ….كل ده خب………
فتحت عيناها لتصرخ وتغلق الباب بسبب رؤيتها ليوسف تقول لنفسها:
-انا غبية غبية ..ازاي افتح بالشكل ده ..بس هو ماشفنيش الحمد لله ..ولا شافني ؟!….انا مش عارفة … مصيبة لو شافني .
لتقول بحرج :
-ايوة !..كنت عايز حاجة؟….
.فيقول وهو يظهر جديته بالحديث:
-لقيتك اتأخرتي في النوم قول اصحيكي عشان تفطري ….ااانا نازل وابقي حصليني….
فالتقطت انفاسها وتؤكد لنفسها عدم رؤيته لها لتصعقها كلماته يقول بجفاءمحذرًا:
-غزل !!!.بعد كده ماتفتحيش الباب وانتي بالشكل ده ..فاهمة؟
وينصرف دون انتظار ردها .
لتقول بهذيان :
-شافني ..يانهاري …شافني !!!….
…………..
ارتدت فستانا قطنيا مع حجابها تبحث عن اَي فرد في غرفة الطعام ولكنها تجدها خالية الا انها استمعت إلي أنغام صادرة من مكان ما حتي اكتشفت مصدرها لتتجه الي المطبخ ..فتجده امام الموقد بملابسه البيتية يدندن مع نغمات هاتفه :
و أنا اللى طول عمرى بقول الحب عمره طويل
أنا اللى طول عمرى بصدق كلام الصبر فى المواويل
من كتر ماكان الحب واخدنا
و كل حلاوة الدنيا فى إيدنا
لا فكرنا زمان يعاندنا
و لا أيام تقدر تبعدنا
و عشنا الحب بل أيام
و كل بكره فيه احلام
و أتارى كل ده أوهام…
و سافر من غير وداع
فات في قلبي جراحه
دبت في ليل السهر
و العيون ما إرتاحوا……
……….
وعند انتهاء المقطع قام باغلاقه .سمعت صوته يحدثها بجفاء:
-هتفضلي واقفة عندك كتير ؟؟…
لتتسآءل في نفسها كيف عرف موجودها رغم صمتها وعدم أحداثها لأي جلبة مع علو صوت الأغنية ……
لتقول :
-انت عرفت منين اني واقفة…
فيدور يواجهها وبيده طبق البيض المقلي وكوب ساخن يتصاعد منه الأبخرة ميزت رائحته بسرعة انه مشروب الشكولاته المفضل لديها .متجها الي الطاولة الصغيرة قائلا ببرود:
-اقعدي عشان تفطري ….
لتقول مرتبكة:
-لا شكرًا ..مش ع…..
فيحدثها بصرامة :
-اقعدي ….وبطلي شغل عيال…..
تجلس بأعصاب محترقة من أسلوبه ولكنها اختار مقعدًا بعيد عنه تاركة مقعد فارغ بينهما …فيدفع الطعام أمامها مع وضع الكوب الساخن قائلا:
-أنا ملاحظ بقالي مدة انك مش بتكلي كويس ووزنك نازل ، انا عايزك تخلصي الأكل ده..
لتجيبه بخوف من اسلوبه :
-بس انا مش بحب البيض …
-“عارف ..”
قالها بتحدي لاعينها التي اتسعت فيفهم مايدور بخلدها فتتحرك يده ليحمل كوب الشكولاته ويقوم بالارتشاف منه مع ثبات أعينه عليها بتحدي لتهمس لنفسها بتذمر:
-ايه الاحراج ده انا كنت فكراها ليا…
ليقطع همسها قائلا:
-كانت فعلا ليكي ..بس بما ان حضرتك مش عايزه تفطري يبقي مافيش شكولاته سخنة ….
وتتذمر من بروده ليقول:
-سمعتك علي فكرة .
فتتأفأف من تسلطه وجفائه وتمد يدها لتتناول البيض بغيظ لتتساءل :
-هي فين هناء ؟!…
ليقول بلا اهتمام وهو يتصفح هاتفه :
-خدت إذن ومشيت، عشان ابن بنتها تعبان ..
ليكمل وهي مندمجة بالأكل :
-علي فكرة بيسان ملك بعتت السواق واخدتها تلعب مع غزل ..
فتقف قطعه الخبز بمجري التنفس فتسعل بشدة حتي أدمعت أعينها وترتشف بعض الماء بتوتر :
-انت ازاي مقولتليش ان بيسان راحت عند ملك ..كنت لازم تقولي قبلها أنا امها .
ليرفع حاجبه بتعجب:
-اولا انتي كنت نايمة …ثانيا مش غريبة انك زعلانة انها مش موجودة مع انك من ساعة ماصحيتي ماسألتيش عليها ودي مش اول مرة اخد بالي انك مش مهتمة ببنتك ..
لتدافع عن نفسها بغضب من وقاحته:
-مش صحيح اللي بتقوله ده ، مش انت اللي هتيجي تقولي اعمل ايه معاها..انت مين انت عشان تكلمني كده؟..وكمان ده مش مبرر انك تتصرف من دماغك من غير أذني …
لتقف بعنف فيسقط الكرسي من خلفها ويصدر ضوضاء عالية …تقاوم دموعها الا تظهر فتتحرك للخروج الا ان ندائه الصارم الذي يحمل غضبا باسمها أوقفها ..
ليقول:
-من الاحترام لما نكون بنتكلم ماتسبينيش وتمشي وتغضبي زي الأطفال ..اقعدي كملي أكلك ..واطمني انا اتصلت بأبوها استأذنت منه.
لتنتفض من كلمته صارخة بوجهه رعبا ان يكون يوسف ابلغ والد بيسان التي تجهله عن وجودها :
-ابوها مين ؟….
ليضيق عينيه غير مستوعبا السؤال ليقول :
-أبوها …هي المفروض الواحد ليه كام أب .
فتتحرك بصعوبة لتلقي جسدها علي المقعد ليلاحظ جسدها المرتعش …
لتقول ليوسف برجاء:
-يوسف ؟…اكيد انا عيشت فترة معاكم هنا صح !!…واكيد عارف اني اتجوزت قبل يامن ، يبقي اكيد عارفه صح ؟
لايجد إجابة حقيقية لها فيسود الصمت وتظن انه يريد عدم الإفصاح عن شخصه مثل يامن ..لتقول:
-ارجوك يايوسف ؟..انا عارفة انك مش طايقني ومضايق من وجودي هنا، بس كل ما اعرف اسرع ومشاكلي هتتحل اسرع ..انا عايزه بس اعرف مين هو ؟..
فتراه يغمض أعينه بألم لاتعرف سببه ويضغط علي الكوب بقبضته ..
لتقول مستعطفة إياه:
-انا مش طالبة غير اسمه بس .
ليقول :
-مش هتستفيدي حاجة لو عرفتي ، النسيان نعمة وانتي كدة أفضل يا غزل …
ليكمل بألم :
-انتي ربنا عوضك بيامن كزوج وبنتك ..خليكي في الحاضر لان الماضي دائمًا بيألم.
فيستقيم في وقفته :
-انا خارج رايح اشتري حاجات ..عايزة حاجة ؟..
.
فتندفع بخوف قائلة:
-انت هتسبني لوحدي هنا ؟..
ليقول متعجبا:
-اه في حاجة ؟…خلاص انا ممكن أجل مشواري دلوقت يكون حد هنا .
لتهز رأسها بالموافقة ..
ليمد يده قائلا :
-هاتي تليفونك ؟.
فيقوم بتسجيل رقمه بهاتفها وفعل ذلك بهاتفه :
-لو احتجتي حاجه اتصلي بيا …
لتقول بتودد:
-تحب اعملك قهوة !!.فيوافق علي عرضها بابتسامة وينصرف بهدوء عكس ما يعتليه قلبه من تمزق وقبل ان يختفي سألته بصوت مرتفع:
-هي الأغنية دي اسمها ايه؟!!فتشاهد ابتسامته التي بدأت بالاتساع قائلا :
-حاول تفتكرني
———
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صماء لا تعرف الغزل)