رواية أوهام الحب الوردية الفصل الثاني 2 بقلم بتول علي
رواية أوهام الحب الوردية الجزء الثاني
رواية أوهام الحب الوردية البارت الثاني
رواية أوهام الحب الوردية الحلقة الثانية
سقط الهاتف من بين يدي إلهام بعدما اتصلت بها منى وأخبرتها بالتصرف الذي قام به ابنها.
أمسكت إلهام بالهاتف هاتفة بجدية امتزجت بالذهول الذي شعرت به بعدما سمعت كلام شقيقتها:
-“اهدي يا مني وبلاش تخافي، أنا هتكلم مع رامز أول ما يرجع وإن شاء الله هخليه يجي يتأسف ليكِ ولنادين”.
هتفت منى بحرقة قبل أن تقوم بإنهاء المكالمة:
-“حسبي الله ونعم الوكيل في ابنك يا إلهام، نادين منهارة لحد دلوقتي بسببه وعلى العموم هو خلاص مبقاش يلزمها بس عايزة أقولك حاجة ياريت تقوليها لرامز لما يرجع البيت وهي أن كما تدين تدان ولو بعد حين، وربنا هيسلط عليه اللي يجيب حق بنتي منه”.
كادت إلهام تتحدث ولكن انقطع الخط فزفرت بضيق وأرادت أن تتصل بشقيقتها مرة أخرى ولكنها توقفت ووضعت الهاتف جانبا بعدما رأت ابنها الذي دلف من باب الشقة والذي تأكد من معرفتها لكل ما جرى بعدما رأى ملامح وجهها المحتقنة.
هبت إلهام واقفة صارخة في وجه رامز بعصبية نتجت عن تلك الكارثة التي اقترفها في حق ابنة خالته التي أحبته كثيرا وكان جزاء هذا الحب هو الخذلان بهذا الشكل البشع:
-“أنت اتجننت يا رامز ولا جرى لعقلك حاجة؟! إزاي قلبك طاوعك تسيب بنت خالتك قبل فرحكم بأسبوع؟!”
زفر رامز بسأم صائحا بنبرة حازمة فهو قد قرر ألا يخضع لضغوطات والدته مرة أخرى مهما حدث:
-“أنا مش بحبها كزوجة وشايف أننا مش هينفع نكون مع بعض فأرجوكِ يا ماما بلاش تضغطي عليا أكتر من كده لأن أصلا كل اللي إحنا فيه دلوقتي ده بسببك أنتِ”.
أشارت إلهام نحو نفسها مرددة باستنكار فهي لم تكن تريد سوى سعادة ابنها الذي يقف أمامها الآن ويتهمها بأنها المسؤولة عن كل ما حدث:
-“أنت بتلومني يا رامز؟! بعد كل اللي عملته عشانك جاي ترمي مصيبتك فوق دماغي!! أنا كنت عايزاك تتجوز جوازة كويسة وتعيش مبسوط لأني حسيت بالخوف عليك من اللي بيحصل دلوقتي في الزمن المهبب اللي بقينا عايشين فيه”.
هتف رامز بسخرية وهو يجلس أمامها يحيط رأسه بكفيه:
-“خايفة عليا من إيه يا ماما؟! هو أنتِ شايفاني عيل صغير قدامك مش بيعرف يعتمد على نفسه في أي حاجة؟!”
رفعت إلهام بصرها تنظر له وهي تقول بمرارة:
-“لا شايفاك قدامي شاب أهطل ساب البنت اللي بتحبه عشان خاطر واحدة مش محترمة مكانش عندها مشكلة أنها ترتبط بواحد خاطب وعلى وِش جواز”.
تجاهلت إلهام نظرات رامز الحادة بعدما وصفته بالبلاهة وتابعت حديثها في محاولة منها لإرجاعه من الطريق المظلم الذي بدأ يسير فيه:
-“أنا كنت خايفة عليك يحصل معاك نفس اللي بيحصل دلوقتي مع الشباب اللي حظهم الوحش بيخليهم يقعوا فريسة لبنات مش محترمات بيدمروا حياتهم وبيخربوا بيوتهم وبيخلوهم يبوسوا الأيادي عشان يشوفوا أولادهم ساعتين في الأسبوع”.
صاح رامز مستنكرا تلك الأفكار التي تدور في عقل والدته:
-“أرجوكِ يا ماما حاولي تفهمي أن داليا بنت كويسة جدا بس أنتِ اللي واخدة عنها فكرة غلط وهي على فكرة كانت رافضة ترتبط بيا بسبب موضوع نادين اللي أنا سيبتها عشان عارف أني مش هقدر أسعدها لأن قلبي مع واحدة غيرها”.
ربت رامز على كتف والدته محاولا إقناعها بقوله:
-“داليا بتحبني أوي يا ماما وعمرها ما هتفكر تخرب بيتي ومش هيحصل أي حاجة من الحاجات اللي أنتِ بتشوفيها كتير في قضايا الطلاق لأن داليا مش وحشة زي ما أنتِ شايفاها ومحتاجة منك فرصة عشان تتعرفي عليها”.
ضربت إلهام كفيها قائلة بأسى بسبب تعنت ابنها وتشبثه بوجهة نظره الخاطئة:
-“اعمل كل اللي أنت عايزه بس حط في دماغك أن أنا عارفة نادين كويس لأنها اتربت وكبرت قدامي وكنت واثقة أنها مستحيل تكون سبب في تعاستك بس أنت مقدرتش حبها ليك ومشيت ورا شوية أوهام على أساس أنها حب بس أحب أعرفك يا رامز أنك هتندم وهيجي عليك يوم تقول ياريتني سمعت كلام أمي”.
دلفت إلهام إلى غرفتها وهي تشعر بالضيق وتسطحت على السرير وأغمضت عينيها حزينة على حال ابنها فقلبها يخبرها أنه سوف يعاني من تبعات تلك الزيجة المشؤومة التي يخطط لها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
اتصل رامز بداليا وأخبرها أنه قد أنهى كل شيء يربطه بنادين فابتسمت بسعادة لأن هدفها قد تحقق وهتفت بتساؤل وهي تقف أمام المرآة تمسك الهاتف باليد اليسرى وتضع مورد الخدود على وجنتيها بيدها اليمنى:
-“طيب وأنت هتيجي تتقدملي إمتى يا رامز؟”
أجاب رامز بجدية فهو ينوي بالفعل أن يتخذ خطوة جادة بشأن علاقتهما بعدما تهدأ الأوضاع عنده في المنزل:
-“قريب أوي يا حبيبتي بس مضطر أستنى شوية لحد ما الأوضاع تهدى عندي لأن في الأول وفي الأخر نادين تبقى بنت خالتي والجو مكهرب أوي عندي في البيت”.
قررت داليا أن تضغط عليه قليلا حتى لا يفكر في المماطلة فهي تريد أن تتم خطبتها به في أسرع وقت ممكن.
تحدثت بخوف مصطنع حتى يقتنع بوجهة نظرها:
-“لازم يا رامز تتقدملي بسرعة لأن ماما سمعتني امبارح وأنا بكلمك وعرفت بموضوعنا وكانت ناوية تعمل مشكلة كبيرة بس أنا قدرت أسيطر على الوضع وهي هديت بعد ما قولتلها أنك هتتقدملي بس حلفت عليا لو أنت مجيتش قريب أنها هتروح تقول لبابا على كل حاجة وهو هيطين عيشتي”.
حرك رامز رأسه قائلا بتفهم:
-“متخافيش يا داليا، أنا هظبط الأمور عندي وهاجي بيتك الأسبوع الجاي عشان أخطبك”.
أنهت داليا الاتصال وهي تشعر بالسرور لأنها تمكنت خلال فترة قصيرة من جعل رامز مثل الخاتم في إصبعها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
شعرت أمنية بالذهول بعدما أخبرتها والدتها بما فعله رامز مع نادين وضربت كفيها ببعضهما ناظرة إلى هاتفها الذي كانت تراسل من خلاله أصدقائها حتى تدعوهم لحضور حفل الزفاف.
-“ابنك كده شكله اتجنن ومحتاج حد يفوقه لأن واضح أن عقله فوت ونسي أن الجواز مش لعبة وأنه مش من حقه يعمل كده في نادين”.
صاحت بها أمنية بنبرة يملأها الغضب وهي تقف بنية التوجه إلى غرفة رامز حتى تقوم بتوبيخه ولكن أوقفتها إلهام بقولها:
-“أنا حاولت أتكلم معاه بس هو مصمم على رأيه ده غير أنه راح الأول عند خالتك وبلغها بقراره وهي اللي اتصلت بيا وعرفتني بالموضوع”.
كزت أمنية على أسنانها غاضبة من أخيها وحزينة على ابنة خالتها وسألت والدتها بصوت حاد:
-“ويا ترى هو قالك مين بنت ستين في سبعين اللي ساب نادين عشان خاطر سواد عيونها؟!”
أجابت إلهام بسخرية لاذعة وهي تنظر إلى وجه ابنتها مترقبة ردة فعلها بعدما تعرف الحقيقة:
-“الأستاذة اللي لفَّت على أخوكِ لحد ما خليته يسيب بنت خالته عشانها هي نفسها داليا صاحبتك الأنتيم في الكلية”.
انفرج فم أمنية من شدة الدهشة وأخذت ترمش بعينيها عدة مرات تحاول أن تستوعب حقيقة أن صديقتها التي كانت تساعدها دائما ردت لها الإحسان بالإساءة وغدرت بها.
أمسكت أمنية بهاتفها ثم اندفعت نحو غرفتها واتصلت بداليا التي تجاهلت الاتصالات في البداية ولكنها أجابت بعدما اتصلت بها أمنية عدة مرات:
-“أيوة يا موني، إزيك يا حبيبتي عاملة إيه؟”
قالتها داليا بميوعة جعلت غضب أمنية يزداد ويصل إلى ذروته:
-“أنا عايزة أفهم أنت معجونة من إيه يا بني آدمة أنتِ؟ أنا ساعدتك كتير وفي الأخر بدل ما تردي المعروف تروحي تغدري ببنت خالتي وتسرقي منها فرحتها!!”
استكملت أمنية قائلة بحزن على الخراب الذي حل بالروابط العائلية التي كانت تجمعها بمنزل خالتها:
-“حرام عليكِ يا داليا، ليه عملتِ كده في عيلتي؟! أمي وخالتي علاقتهم باظت وأنا مبقيتش قادرة أبص في وِش نادين وكل ده من تحت رأسك أنتِ”.
زفرت داليا بسأم قائلة ببراءة مزيفة محاولة إظهار نفسها بهيئة الضحية وأنه ليس لها دخل بكل ما جرى:
-“صدقيني يا أمنية أنا لما اتعرفت على رامز على الفيس بوك وحبيته مكنتش أعرف أنه يبقى نفسه أخوكِ اللي هيتجوز بنت خالتك ولما عرفت بالموضوع حاولت أبعد عنه وشرحتله أن مينفعش يفسخ خطوبته ببنت خالته عشاني بس هو فضل يطاردني وقالي أنه هيسيب نادين في الحالتين سواء أنا وافقت بيه أو فضلت مصممة على موقفي”.
رفعت أمنية حاجبيها قائلة باستنكار:
-“لا يا شيخة!! تصدقي أنتِ فعلا طلعت مسكينة وأنا ظلمتك”.
انتبهت داليا للنبرة الساخرة التي نطقت بها أمنية جملتها فتصنعت الأسف وهي تقول:
-“اللي خلاني أوافق على رامز هو أن أمي سمعتني في مرة وأنا بكلمه وبهدلتني أخر بهدلة ومكانش قدامي حل يخليها تهدى غير أني أقولها أنه هيتقدملي لأنها صعبة أوي وأبويا مش هيسكت لو عرف بالموضوع ولو أنتِ مش مصدقاني يا أمنية تقدري تروحي تسألي رامز وهو هيأكد ليكِ أني مش بكدب عليك في أي كلمة من اللي أنا قولتها”.
أنهت أمنية المكالمة وهي تشعر بالحيرة فإذا صدقت داليا في حديثها فهذا يعني أنه لا يوجد لها ذنب في كل ما جرى وأن الخطأ كله يقع على شقيقها الذي ذهب وأحب فتاة تعرف عليها من مواقع التواصل الاجتماعي ولم يحترم رابط الخطبة الذي يجمعه بنادين.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
علمت سمية بما حدث مع نادين فأخذت تسب ابن خالة صديقتها الذي فعل هذا الأمر بابنة خالته.
على الرغم من عدم معرفة سمية برامز فهي لم تره من قبل لأنها لم تحضر حفل خطبة نادين لأنه تزامن مع وجود حالة وفاة في عائلتها إلا أنها صارت تكرهه لأنه مزق قلب صديقتها.
ذهبت سمية إلى منزل نادين وأخذت تواسيها مؤكدة لها أن الله سوف يرزقها برجل أفضل بكثير من رامز الذي حطم قلبها بمنتهى القسوة والجبروت.
نظرت نادين إلى صديقتها قائلة بامتنان:
-“شكرا ليكِ يا سمية على وقفتك جنبي، أنا والله العظيم راضية بقضاء ربنا وواثقة أنه هيعوضني خير”.
انهمرت دموع نادين وتحشرج صوتها وهي تكمل حديثها تحت نظرات سمية المشفقة على حالها:
-“أنا اللي مزعلني هو فرحة أمي اللي اتكسرت واللي بقيت خايفة تخرج للشارع من ساعة ما الجيران عرفوا أن الفرح اتلغى، فيه ناس كتيرة أوي شمتت فينا وقالوا في حقي كلام وحش أوي عمري ما كنت أتخيل أني أسمعه طول حياتي”.
خرجت الكلمات من نادين، وعيناها تدمع وقلبها يتألم بعدما خذلها من أحبته وتركها من أجل فتاة أخرى لا تتفوق عليها سوى في شيء واحد وهو الجمال الخارجي.
روحها تحترق ولا يمكنها أن تصف شعورها أمام أحد فقد رأت نظرات الشماتة في أعين البعض بعدما تم فسخ خطبتها قبل الزفاف بأسبوعين وصار كثير من الناس يطعنون في سمعتها وكل ذلك بسبب ابن خالتها.
احتضنتها سمية وفكرت قليلا في فكرة تُخرج بها صديقتها من تلك الحالة المأساوية:
-“إيه رأيك يا نادين تيجي تشتغلي معايا في مكتب المحاماة اللي أنا بتدرب فيه وأهو منه تغيري جو وتكتسبي خبرة”.
حركت نادين رأسها قائلة برفض فهي أدرى الناس بنفسها وتدرك جيدا أنها ليست مستعدة للعمل في ظل تلك الظروف التي تمر بها:
-“شكرا ليكِ يا سمية بس أنا مش بفكر خالص دلوقتي في فكرة الشغل وحابة أني أقعد لوحدي مع نفسي الفترة دي”.
حزنت سمية بسبب هذا الرفض ولكنها لم تضغط على صديقتها وقررت أن تتركها تتخطى الصدمة ثم ستقترح عليها فكرة العمل مرة أخرى.
غادرت سمية بعد مدة من الوقت وتركت نادين تفكر في كل ما جرى معها خلال الفترة الماضية.
وقفت نادين تتأمل ملامح وجهها في المرآة وأشارت إلى نفسها مستنكرة الحال الذي وصلت له بعدما تركها رامز.
لقد تخلى عنها خطيبها قبل موعد زفافهما بأسبوعين وتركها تتعرض لألسنة الناس السليطة التي لا ترحم أي فتاة يتم إلغاء زفافها فقد ترك لها خيارين لا ثالث لهما وهما: إما الانعزال في منزلها أو الانتحار.
هزت رأسها مستنكرة تلك الفكرة فهي لن تقوم بقتل نفسها من أجل شخص سحق القلب الذي عشقه وإذا كان قد حطم قلبها لأنه لا يريد حبها فسحقا له فهي لن تذرف دمعة واحدة من أجله بعد الآن.
كفكفت نادين دموعها وقامت بتمشيط خصلات شعرها ناظرة إلى نفسها بفخر واعتزاز مؤكدة لروحها أنها سوف تنسى كل ما حدث ولن تنهار مرة أخرى.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
مر أسبوعان وذهب رامز بمفرده إلى منزل داليا حتى يقوم بخطبتها وعلى عكس المتوقع رحب به والد داليا ولم يسأله عن أفراد عائلته الذين لم يأتِ منهم أحد معه.
لقد رفضت والدته الذهاب برفقته وتشاجرت معه؛ لأنه لم يراعِ مشاعر ابنة خالته التي تركها وأصر على التقدم لداليا في ظل هذا الظرف العصيب الذي يمر به الجميع من تحت رأسه.
قرأ رامز الفاتحة برفقة عائلة داليا بعدما اتفقوا على التفاصيل وقرروا أن تتم الخطبة بعد أسبوع وقد اشترطت داليا على رامز أن يقيم لها احتفالًا كبيرًا يليق بها ويشرفها وسط أصدقائها.
استجاب رامز لطلب داليا وأقام لها احتفالًا ضخمًا في قاعة فاخرة جعل المقربين من داليا يحسدونها؛ لأنها حصلت على عريس مثل رامز.
أخذ رامز ينظر حوله بخيبة أمل فقد خذلته والدته ولم تحضر أيضا حفل الخطبة وكذلك أمنية رفضت الحضور معلنة بكل صراحة عن موقفها الرافض لتلك الزيجة.
أخذت داليا ترقص أمام الجميع وسط أبناء خالتها الذكور وأصاب هذا الأمر رامزًا بالضيق فاندفع نحوها محاولا منعها من مواصلة الرقص ولكنها صدت تلك المحاولات وهي تهمس بحنق:
-“متبقاش خنيق بقى يا رامز، دول يبقوا أولاد خالتي وبعتبرهم زي أخواتي وهم كمان بيعتبروني أختهم الصغيرة”.
-“تعالى يا أبو نسب الشباب عايزين يحتفلوا بيك”.
قالها “محسن” شقيق داليا الذي تدخل مانعا المشاجرة التي كانت على وشك الاندلاع وسحبه معه وسط الشباب الذين التفوا حوله يباركون له مؤكدين له أنه محظوظ لأنه قام بخطبة داليا.
انتهت أحداث الخطبة وسط شعور رامز بالضيق؛ لأن داليا لم تستمع لكلمته واستمرت في الرقص وأيضا لأن والدته لم تحضر الحفل وهذا الأمر جعل والد خطيبته يتأكد من أن إلهام ليست راضية عن هذه الخطبة.
عادت داليا برفقة عائلتها إلى المنزل وقبل أن تدخل إلى غرفتها سمعت والدتها تهتف بتبرم:
-“أهل خطيبك محدش فيهم جه على القاعة ولا فكروا يزورونا وكان منظرنا زي الزفت قدام الناس لدرجة أني كدبت على قرايبي لما سألوني عن أهل رامز وقولت أنهم مسافرين”.
دلفت داليا إلى الغرفة وهي تشعر ببعض الضيق ولكنها تجاوزت هذا الأمر بعدما وقع بصرها على خاتم الخطبة الذي يزين بنصرها غير مكترثة بمسألة عدم رضا إلهام وأمنية فالأهم عندها الآن هو رامز الذي سيبذل قصارى جهده حتى يقوم بإسعادها وتحقيق جميع أمنياتها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
جلست أمنية بجانب إلهام تشاهد صور خطبة شقيقها فقد مر شهر على تلك الخطبة المشؤومة ولا تزال غير راضية على ما حدث.
أبعدت إلهام الصور عنها قائلة بضيق:
-“أخوكِ عمل اللي في دماغه وخطب من غير رضايا وأنا كمان هعمل اللي أنا عايزاه ومش هحضر فرحه طول ما هو مصمم على جوازته من البنت دي”.
أومأت أمنية مساندة والدتها في موقفها ومؤكدة ذلك بقولها:
-”وأنا كمان مش هحضر فرح رامز لأن اللي عمله مع نادين شيء ميرضيش ربنا وأنا عمري ما أقبل أن ده يحصل معايا ونادين زي أختي بالظبط واللي مش هرضاه على نفسي مش هرضاه عليها حتى لو كان ده هيأثر على علاقتي بأخويا”.
هتفت إلهام بأسف شديد تنعي غباء ابنها الذي استبدل النفيس بالرخيص:
-“أنا زعلانة أوي على رامز لأني عارفة أنه هيندم وزعلانة أكتر على نادين اللي لحد دلوقتي حابسة نفسها جوة بيتها ورافضة تخرج ده غير منى أختي اللي علاقتي بيها اتوترت بسبب اللي حصل”.
هذا الشعور أيضا كانت أمنية تشعر به فهي تعرف داليا جيدا وتدرك أنها تحب المظاهر والرياء وهي بالتأكيد لا تحب رامزًا وإنما ارتبطت به من أجل أمواله.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ابتسمت سمية وفرحت كثيرا عندما حضر ”مراد” وهو أحد العملاء الذين يتعاملون مع المحامي الذي تتدرب في مكتبه.
لقد تعرفت على مراد قبل فترة قصيرة ولكنها شعرت بانجذاب كبير نحوه ودون أن تشعر وجدت نفسها تسقط في شراكِ حبه دون إرادة منها.
صارت تبتسم كلما رأته ساخرة من نفسها لأنها كانت تؤكد لكل من يسألها في الماضي أن قلبها لن يدق أبدا من أجل رجل مهما كانت مميزاته.
تذكرت والدتها التي كانت تتشاجر معها قبل فترة قصيرة لأنها رفضت عريسًا تقدم لخطبتها وتمتمت بينها وبين نفسها بصوت خافت لم يسمعه سواها:
-“فينك يا ماما تيجي تشوفي بنتك اللي وقعت ومحدش سمى عليها، شكل ربنا استجاب دعواتك يا جميلة يا بنت بثينة وجِه ابن الحلال اللي هيخليني أغير وجهة نظري عن الجواز”.
اقترب “مراد” من مكتب سمية وألقى عليها تحية الصباح فردت عليه تحيته وأخبرته أنها ستبلغ السيد “شوكت” بقدومه ونهضت وكادت تبتعد حتى تقوم بهذا الأمر ولكنه أوقفها بقوله:
-“استني يا سمية، أنا مش جاي هنا عشان أقابل أستاذ شوكت”.
التفتت له هاتفة بتساؤل فقد أصابتها الحيرة من قدومه بدون موعد وعدم رغبته في لقاء رب عملها:
-“أمال أنت جاي عشان إيه يا أستاذ مراد؟!”
ابتسم وهو يقترب منها قائلا بجدية تاركا العنان للتعبير عن مشاعره نحوها:
-“أنا جاي عشان أشوفك أنتِ يا سمية، جاي أقولك أني بحبك وهكون أسعد واحد في الدنيا لو أنتِ وافقتي تتجوزيني”.
سقط الهاتف من بين يدي إلهام بعدما اتصلت بها منى وأخبرتها بالتصرف الذي قام به ابنها.
أمسكت إلهام بالهاتف هاتفة بجدية امتزجت بالذهول الذي شعرت به بعدما سمعت كلام شقيقتها:
-“اهدي يا مني وبلاش تخافي، أنا هتكلم مع رامز أول ما يرجع وإن شاء الله هخليه يجي يتأسف ليكِ ولنادين”.
هتفت منى بحرقة قبل أن تقوم بإنهاء المكالمة:
-“حسبي الله ونعم الوكيل في ابنك يا إلهام، نادين منهارة لحد دلوقتي بسببه وعلى العموم هو خلاص مبقاش يلزمها بس عايزة أقولك حاجة ياريت تقوليها لرامز لما يرجع البيت وهي أن كما تدين تدان ولو بعد حين، وربنا هيسلط عليه اللي يجيب حق بنتي منه”.
كادت إلهام تتحدث ولكن انقطع الخط فزفرت بضيق وأرادت أن تتصل بشقيقتها مرة أخرى ولكنها توقفت ووضعت الهاتف جانبا بعدما رأت ابنها الذي دلف من باب الشقة والذي تأكد من معرفتها لكل ما جرى بعدما رأى ملامح وجهها المحتقنة.
هبت إلهام واقفة صارخة في وجه رامز بعصبية نتجت عن تلك الكارثة التي اقترفها في حق ابنة خالته التي أحبته كثيرا وكان جزاء هذا الحب هو الخذلان بهذا الشكل البشع:
-“أنت اتجننت يا رامز ولا جرى لعقلك حاجة؟! إزاي قلبك طاوعك تسيب بنت خالتك قبل فرحكم بأسبوع؟!”
زفر رامز بسأم صائحا بنبرة حازمة فهو قد قرر ألا يخضع لضغوطات والدته مرة أخرى مهما حدث:
-“أنا مش بحبها كزوجة وشايف أننا مش هينفع نكون مع بعض فأرجوكِ يا ماما بلاش تضغطي عليا أكتر من كده لأن أصلا كل اللي إحنا فيه دلوقتي ده بسببك أنتِ”.
أشارت إلهام نحو نفسها مرددة باستنكار فهي لم تكن تريد سوى سعادة ابنها الذي يقف أمامها الآن ويتهمها بأنها المسؤولة عن كل ما حدث:
-“أنت بتلومني يا رامز؟! بعد كل اللي عملته عشانك جاي ترمي مصيبتك فوق دماغي!! أنا كنت عايزاك تتجوز جوازة كويسة وتعيش مبسوط لأني حسيت بالخوف عليك من اللي بيحصل دلوقتي في الزمن المهبب اللي بقينا عايشين فيه”.
هتف رامز بسخرية وهو يجلس أمامها يحيط رأسه بكفيه:
-“خايفة عليا من إيه يا ماما؟! هو أنتِ شايفاني عيل صغير قدامك مش بيعرف يعتمد على نفسه في أي حاجة؟!”
رفعت إلهام بصرها تنظر له وهي تقول بمرارة:
-“لا شايفاك قدامي شاب أهطل ساب البنت اللي بتحبه عشان خاطر واحدة مش محترمة مكانش عندها مشكلة أنها ترتبط بواحد خاطب وعلى وِش جواز”.
تجاهلت إلهام نظرات رامز الحادة بعدما وصفته بالبلاهة وتابعت حديثها في محاولة منها لإرجاعه من الطريق المظلم الذي بدأ يسير فيه:
-“أنا كنت خايفة عليك يحصل معاك نفس اللي بيحصل دلوقتي مع الشباب اللي حظهم الوحش بيخليهم يقعوا فريسة لبنات مش محترمات بيدمروا حياتهم وبيخربوا بيوتهم وبيخلوهم يبوسوا الأيادي عشان يشوفوا أولادهم ساعتين في الأسبوع”.
صاح رامز مستنكرا تلك الأفكار التي تدور في عقل والدته:
-“أرجوكِ يا ماما حاولي تفهمي أن داليا بنت كويسة جدا بس أنتِ اللي واخدة عنها فكرة غلط وهي على فكرة كانت رافضة ترتبط بيا بسبب موضوع نادين اللي أنا سيبتها عشان عارف أني مش هقدر أسعدها لأن قلبي مع واحدة غيرها”.
ربت رامز على كتف والدته محاولا إقناعها بقوله:
-“داليا بتحبني أوي يا ماما وعمرها ما هتفكر تخرب بيتي ومش هيحصل أي حاجة من الحاجات اللي أنتِ بتشوفيها كتير في قضايا الطلاق لأن داليا مش وحشة زي ما أنتِ شايفاها ومحتاجة منك فرصة عشان تتعرفي عليها”.
ضربت إلهام كفيها قائلة بأسى بسبب تعنت ابنها وتشبثه بوجهة نظره الخاطئة:
-“اعمل كل اللي أنت عايزه بس حط في دماغك أن أنا عارفة نادين كويس لأنها اتربت وكبرت قدامي وكنت واثقة أنها مستحيل تكون سبب في تعاستك بس أنت مقدرتش حبها ليك ومشيت ورا شوية أوهام على أساس أنها حب بس أحب أعرفك يا رامز أنك هتندم وهيجي عليك يوم تقول ياريتني سمعت كلام أمي”.
دلفت إلهام إلى غرفتها وهي تشعر بالضيق وتسطحت على السرير وأغمضت عينيها حزينة على حال ابنها فقلبها يخبرها أنه سوف يعاني من تبعات تلك الزيجة المشؤومة التي يخطط لها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
اتصل رامز بداليا وأخبرها أنه قد أنهى كل شيء يربطه بنادين فابتسمت بسعادة لأن هدفها قد تحقق وهتفت بتساؤل وهي تقف أمام المرآة تمسك الهاتف باليد اليسرى وتضع مورد الخدود على وجنتيها بيدها اليمنى:
-“طيب وأنت هتيجي تتقدملي إمتى يا رامز؟”
أجاب رامز بجدية فهو ينوي بالفعل أن يتخذ خطوة جادة بشأن علاقتهما بعدما تهدأ الأوضاع عنده في المنزل:
-“قريب أوي يا حبيبتي بس مضطر أستنى شوية لحد ما الأوضاع تهدى عندي لأن في الأول وفي الأخر نادين تبقى بنت خالتي والجو مكهرب أوي عندي في البيت”.
قررت داليا أن تضغط عليه قليلا حتى لا يفكر في المماطلة فهي تريد أن تتم خطبتها به في أسرع وقت ممكن.
تحدثت بخوف مصطنع حتى يقتنع بوجهة نظرها:
-“لازم يا رامز تتقدملي بسرعة لأن ماما سمعتني امبارح وأنا بكلمك وعرفت بموضوعنا وكانت ناوية تعمل مشكلة كبيرة بس أنا قدرت أسيطر على الوضع وهي هديت بعد ما قولتلها أنك هتتقدملي بس حلفت عليا لو أنت مجيتش قريب أنها هتروح تقول لبابا على كل حاجة وهو هيطين عيشتي”.
حرك رامز رأسه قائلا بتفهم:
-“متخافيش يا داليا، أنا هظبط الأمور عندي وهاجي بيتك الأسبوع الجاي عشان أخطبك”.
أنهت داليا الاتصال وهي تشعر بالسرور لأنها تمكنت خلال فترة قصيرة من جعل رامز مثل الخاتم في إصبعها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
شعرت أمنية بالذهول بعدما أخبرتها والدتها بما فعله رامز مع نادين وضربت كفيها ببعضهما ناظرة إلى هاتفها الذي كانت تراسل من خلاله أصدقائها حتى تدعوهم لحضور حفل الزفاف.
-“ابنك كده شكله اتجنن ومحتاج حد يفوقه لأن واضح أن عقله فوت ونسي أن الجواز مش لعبة وأنه مش من حقه يعمل كده في نادين”.
صاحت بها أمنية بنبرة يملأها الغضب وهي تقف بنية التوجه إلى غرفة رامز حتى تقوم بتوبيخه ولكن أوقفتها إلهام بقولها:
-“أنا حاولت أتكلم معاه بس هو مصمم على رأيه ده غير أنه راح الأول عند خالتك وبلغها بقراره وهي اللي اتصلت بيا وعرفتني بالموضوع”.
كزت أمنية على أسنانها غاضبة من أخيها وحزينة على ابنة خالتها وسألت والدتها بصوت حاد:
-“ويا ترى هو قالك مين بنت ستين في سبعين اللي ساب نادين عشان خاطر سواد عيونها؟!”
أجابت إلهام بسخرية لاذعة وهي تنظر إلى وجه ابنتها مترقبة ردة فعلها بعدما تعرف الحقيقة:
-“الأستاذة اللي لفَّت على أخوكِ لحد ما خليته يسيب بنت خالته عشانها هي نفسها داليا صاحبتك الأنتيم في الكلية”.
انفرج فم أمنية من شدة الدهشة وأخذت ترمش بعينيها عدة مرات تحاول أن تستوعب حقيقة أن صديقتها التي كانت تساعدها دائما ردت لها الإحسان بالإساءة وغدرت بها.
أمسكت أمنية بهاتفها ثم اندفعت نحو غرفتها واتصلت بداليا التي تجاهلت الاتصالات في البداية ولكنها أجابت بعدما اتصلت بها أمنية عدة مرات:
-“أيوة يا موني، إزيك يا حبيبتي عاملة إيه؟”
قالتها داليا بميوعة جعلت غضب أمنية يزداد ويصل إلى ذروته:
-“أنا عايزة أفهم أنت معجونة من إيه يا بني آدمة أنتِ؟ أنا ساعدتك كتير وفي الأخر بدل ما تردي المعروف تروحي تغدري ببنت خالتي وتسرقي منها فرحتها!!”
استكملت أمنية قائلة بحزن على الخراب الذي حل بالروابط العائلية التي كانت تجمعها بمنزل خالتها:
-“حرام عليكِ يا داليا، ليه عملتِ كده في عيلتي؟! أمي وخالتي علاقتهم باظت وأنا مبقيتش قادرة أبص في وِش نادين وكل ده من تحت رأسك أنتِ”.
زفرت داليا بسأم قائلة ببراءة مزيفة محاولة إظهار نفسها بهيئة الضحية وأنه ليس لها دخل بكل ما جرى:
-“صدقيني يا أمنية أنا لما اتعرفت على رامز على الفيس بوك وحبيته مكنتش أعرف أنه يبقى نفسه أخوكِ اللي هيتجوز بنت خالتك ولما عرفت بالموضوع حاولت أبعد عنه وشرحتله أن مينفعش يفسخ خطوبته ببنت خالته عشاني بس هو فضل يطاردني وقالي أنه هيسيب نادين في الحالتين سواء أنا وافقت بيه أو فضلت مصممة على موقفي”.
رفعت أمنية حاجبيها قائلة باستنكار:
-“لا يا شيخة!! تصدقي أنتِ فعلا طلعت مسكينة وأنا ظلمتك”.
انتبهت داليا للنبرة الساخرة التي نطقت بها أمنية جملتها فتصنعت الأسف وهي تقول:
-“اللي خلاني أوافق على رامز هو أن أمي سمعتني في مرة وأنا بكلمه وبهدلتني أخر بهدلة ومكانش قدامي حل يخليها تهدى غير أني أقولها أنه هيتقدملي لأنها صعبة أوي وأبويا مش هيسكت لو عرف بالموضوع ولو أنتِ مش مصدقاني يا أمنية تقدري تروحي تسألي رامز وهو هيأكد ليكِ أني مش بكدب عليك في أي كلمة من اللي أنا قولتها”.
أنهت أمنية المكالمة وهي تشعر بالحيرة فإذا صدقت داليا في حديثها فهذا يعني أنه لا يوجد لها ذنب في كل ما جرى وأن الخطأ كله يقع على شقيقها الذي ذهب وأحب فتاة تعرف عليها من مواقع التواصل الاجتماعي ولم يحترم رابط الخطبة الذي يجمعه بنادين.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
علمت سمية بما حدث مع نادين فأخذت تسب ابن خالة صديقتها الذي فعل هذا الأمر بابنة خالته.
على الرغم من عدم معرفة سمية برامز فهي لم تره من قبل لأنها لم تحضر حفل خطبة نادين لأنه تزامن مع وجود حالة وفاة في عائلتها إلا أنها صارت تكرهه لأنه مزق قلب صديقتها.
ذهبت سمية إلى منزل نادين وأخذت تواسيها مؤكدة لها أن الله سوف يرزقها برجل أفضل بكثير من رامز الذي حطم قلبها بمنتهى القسوة والجبروت.
نظرت نادين إلى صديقتها قائلة بامتنان:
-“شكرا ليكِ يا سمية على وقفتك جنبي، أنا والله العظيم راضية بقضاء ربنا وواثقة أنه هيعوضني خير”.
انهمرت دموع نادين وتحشرج صوتها وهي تكمل حديثها تحت نظرات سمية المشفقة على حالها:
-“أنا اللي مزعلني هو فرحة أمي اللي اتكسرت واللي بقيت خايفة تخرج للشارع من ساعة ما الجيران عرفوا أن الفرح اتلغى، فيه ناس كتيرة أوي شمتت فينا وقالوا في حقي كلام وحش أوي عمري ما كنت أتخيل أني أسمعه طول حياتي”.
خرجت الكلمات من نادين، وعيناها تدمع وقلبها يتألم بعدما خذلها من أحبته وتركها من أجل فتاة أخرى لا تتفوق عليها سوى في شيء واحد وهو الجمال الخارجي.
روحها تحترق ولا يمكنها أن تصف شعورها أمام أحد فقد رأت نظرات الشماتة في أعين البعض بعدما تم فسخ خطبتها قبل الزفاف بأسبوعين وصار كثير من الناس يطعنون في سمعتها وكل ذلك بسبب ابن خالتها.
احتضنتها سمية وفكرت قليلا في فكرة تُخرج بها صديقتها من تلك الحالة المأساوية:
-“إيه رأيك يا نادين تيجي تشتغلي معايا في مكتب المحاماة اللي أنا بتدرب فيه وأهو منه تغيري جو وتكتسبي خبرة”.
حركت نادين رأسها قائلة برفض فهي أدرى الناس بنفسها وتدرك جيدا أنها ليست مستعدة للعمل في ظل تلك الظروف التي تمر بها:
-“شكرا ليكِ يا سمية بس أنا مش بفكر خالص دلوقتي في فكرة الشغل وحابة أني أقعد لوحدي مع نفسي الفترة دي”.
حزنت سمية بسبب هذا الرفض ولكنها لم تضغط على صديقتها وقررت أن تتركها تتخطى الصدمة ثم ستقترح عليها فكرة العمل مرة أخرى.
غادرت سمية بعد مدة من الوقت وتركت نادين تفكر في كل ما جرى معها خلال الفترة الماضية.
وقفت نادين تتأمل ملامح وجهها في المرآة وأشارت إلى نفسها مستنكرة الحال الذي وصلت له بعدما تركها رامز.
لقد تخلى عنها خطيبها قبل موعد زفافهما بأسبوعين وتركها تتعرض لألسنة الناس السليطة التي لا ترحم أي فتاة يتم إلغاء زفافها فقد ترك لها خيارين لا ثالث لهما وهما: إما الانعزال في منزلها أو الانتحار.
هزت رأسها مستنكرة تلك الفكرة فهي لن تقوم بقتل نفسها من أجل شخص سحق القلب الذي عشقه وإذا كان قد حطم قلبها لأنه لا يريد حبها فسحقا له فهي لن تذرف دمعة واحدة من أجله بعد الآن.
كفكفت نادين دموعها وقامت بتمشيط خصلات شعرها ناظرة إلى نفسها بفخر واعتزاز مؤكدة لروحها أنها سوف تنسى كل ما حدث ولن تنهار مرة أخرى.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
مر أسبوعان وذهب رامز بمفرده إلى منزل داليا حتى يقوم بخطبتها وعلى عكس المتوقع رحب به والد داليا ولم يسأله عن أفراد عائلته الذين لم يأتِ منهم أحد معه.
لقد رفضت والدته الذهاب برفقته وتشاجرت معه؛ لأنه لم يراعِ مشاعر ابنة خالته التي تركها وأصر على التقدم لداليا في ظل هذا الظرف العصيب الذي يمر به الجميع من تحت رأسه.
قرأ رامز الفاتحة برفقة عائلة داليا بعدما اتفقوا على التفاصيل وقرروا أن تتم الخطبة بعد أسبوع وقد اشترطت داليا على رامز أن يقيم لها احتفالًا كبيرًا يليق بها ويشرفها وسط أصدقائها.
استجاب رامز لطلب داليا وأقام لها احتفالًا ضخمًا في قاعة فاخرة جعل المقربين من داليا يحسدونها؛ لأنها حصلت على عريس مثل رامز.
أخذ رامز ينظر حوله بخيبة أمل فقد خذلته والدته ولم تحضر أيضا حفل الخطبة وكذلك أمنية رفضت الحضور معلنة بكل صراحة عن موقفها الرافض لتلك الزيجة.
أخذت داليا ترقص أمام الجميع وسط أبناء خالتها الذكور وأصاب هذا الأمر رامزًا بالضيق فاندفع نحوها محاولا منعها من مواصلة الرقص ولكنها صدت تلك المحاولات وهي تهمس بحنق:
-“متبقاش خنيق بقى يا رامز، دول يبقوا أولاد خالتي وبعتبرهم زي أخواتي وهم كمان بيعتبروني أختهم الصغيرة”.
-“تعالى يا أبو نسب الشباب عايزين يحتفلوا بيك”.
قالها “محسن” شقيق داليا الذي تدخل مانعا المشاجرة التي كانت على وشك الاندلاع وسحبه معه وسط الشباب الذين التفوا حوله يباركون له مؤكدين له أنه محظوظ لأنه قام بخطبة داليا.
انتهت أحداث الخطبة وسط شعور رامز بالضيق؛ لأن داليا لم تستمع لكلمته واستمرت في الرقص وأيضا لأن والدته لم تحضر الحفل وهذا الأمر جعل والد خطيبته يتأكد من أن إلهام ليست راضية عن هذه الخطبة.
عادت داليا برفقة عائلتها إلى المنزل وقبل أن تدخل إلى غرفتها سمعت والدتها تهتف بتبرم:
-“أهل خطيبك محدش فيهم جه على القاعة ولا فكروا يزورونا وكان منظرنا زي الزفت قدام الناس لدرجة أني كدبت على قرايبي لما سألوني عن أهل رامز وقولت أنهم مسافرين”.
دلفت داليا إلى الغرفة وهي تشعر ببعض الضيق ولكنها تجاوزت هذا الأمر بعدما وقع بصرها على خاتم الخطبة الذي يزين بنصرها غير مكترثة بمسألة عدم رضا إلهام وأمنية فالأهم عندها الآن هو رامز الذي سيبذل قصارى جهده حتى يقوم بإسعادها وتحقيق جميع أمنياتها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
جلست أمنية بجانب إلهام تشاهد صور خطبة شقيقها فقد مر شهر على تلك الخطبة المشؤومة ولا تزال غير راضية على ما حدث.
أبعدت إلهام الصور عنها قائلة بضيق:
-“أخوكِ عمل اللي في دماغه وخطب من غير رضايا وأنا كمان هعمل اللي أنا عايزاه ومش هحضر فرحه طول ما هو مصمم على جوازته من البنت دي”.
أومأت أمنية مساندة والدتها في موقفها ومؤكدة ذلك بقولها:
-”وأنا كمان مش هحضر فرح رامز لأن اللي عمله مع نادين شيء ميرضيش ربنا وأنا عمري ما أقبل أن ده يحصل معايا ونادين زي أختي بالظبط واللي مش هرضاه على نفسي مش هرضاه عليها حتى لو كان ده هيأثر على علاقتي بأخويا”.
هتفت إلهام بأسف شديد تنعي غباء ابنها الذي استبدل النفيس بالرخيص:
-“أنا زعلانة أوي على رامز لأني عارفة أنه هيندم وزعلانة أكتر على نادين اللي لحد دلوقتي حابسة نفسها جوة بيتها ورافضة تخرج ده غير منى أختي اللي علاقتي بيها اتوترت بسبب اللي حصل”.
هذا الشعور أيضا كانت أمنية تشعر به فهي تعرف داليا جيدا وتدرك أنها تحب المظاهر والرياء وهي بالتأكيد لا تحب رامزًا وإنما ارتبطت به من أجل أمواله.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ابتسمت سمية وفرحت كثيرا عندما حضر ”مراد” وهو أحد العملاء الذين يتعاملون مع المحامي الذي تتدرب في مكتبه.
لقد تعرفت على مراد قبل فترة قصيرة ولكنها شعرت بانجذاب كبير نحوه ودون أن تشعر وجدت نفسها تسقط في شراكِ حبه دون إرادة منها.
صارت تبتسم كلما رأته ساخرة من نفسها لأنها كانت تؤكد لكل من يسألها في الماضي أن قلبها لن يدق أبدا من أجل رجل مهما كانت مميزاته.
تذكرت والدتها التي كانت تتشاجر معها قبل فترة قصيرة لأنها رفضت عريسًا تقدم لخطبتها وتمتمت بينها وبين نفسها بصوت خافت لم يسمعه سواها:
-“فينك يا ماما تيجي تشوفي بنتك اللي وقعت ومحدش سمى عليها، شكل ربنا استجاب دعواتك يا جميلة يا بنت بثينة وجِه ابن الحلال اللي هيخليني أغير وجهة نظري عن الجواز”.
اقترب “مراد” من مكتب سمية وألقى عليها تحية الصباح فردت عليه تحيته وأخبرته أنها ستبلغ السيد “شوكت” بقدومه ونهضت وكادت تبتعد حتى تقوم بهذا الأمر ولكنه أوقفها بقوله:
-“استني يا سمية، أنا مش جاي هنا عشان أقابل أستاذ شوكت”.
التفتت له هاتفة بتساؤل فقد أصابتها الحيرة من قدومه بدون موعد وعدم رغبته في لقاء رب عملها:
-“أمال أنت جاي عشان إيه يا أستاذ مراد؟!”
ابتسم وهو يقترب منها قائلا بجدية تاركا العنان للتعبير عن مشاعره نحوها:
-“أنا جاي عشان أشوفك أنتِ يا سمية، جاي أقولك أني بحبك وهكون أسعد واحد في الدنيا لو أنتِ وافقتي تتجوزيني”.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوهام الحب الوردية)