رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الثامن 8 بقلم شمس محمد
رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء الثامن
رواية صدفة لم تكن عابرة البارت الثامن
رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة الثامنة
“بعدما ظننا القمر عنَّا بَعيدًا، ها قد نِلناهُ و أصبح اليوم عيدًا”
*************************
في إحدىٰ المقاهي العامة الفاخرة كان جالسًا بترقبٍ ينظر في ساعة يده منتظرًا قدوم الأخر، و هو يهز قدمه بانفعالٍ حتى سُحب المقعد المقابل له وجلس الأخر يقول بنبرةٍ هادئة:
“معلش يا فكري اتأخرت عليك”
تقدم بجسده منه بلهفةٍ وهو يقول:
“هو دا معادنا يا ماجد ؟؟؟”
احتل البرود معالم وجه الأخر وهو يقول بلامبالاةٍ تعمدها هو:
“معلش يا سيدي على ما خلصت شغل و خرجت، خير إن شاء الله”
ازدرد “فكري” لُعابه ثم سأله بخوفٍ اتضح أثره عليه وهو يقول:
“طب هنعمل إيه؟؟ أنا خليت الكهربائي يلعب في السلوك بتاعة المحل من العمود الأصلي، إيه العمل بعد كدا ؟؟”
حرك كتفيه ببساطةٍ وهو يقول:
“ولا أي حاجة، خلاص اللي طلبته منك نفذته و اللي عاوزه هتاخده، بطل خوفك دا !!”
رد عليه مندفعًا بدون تعقل أو ترتيب الحديث و الأفكار:
“طب و منة ؟؟ هنعمل إيه معاها ؟؟”
انتبه له “ماجد” لذلك تبدلت نظرته لأوج الاهتمام وهو يقول:
“و أنتَ مالك ومال منة ؟؟ دورك كان إنك تساعدني أربي رائف وتاخد حق مساعدتك، اللي جاي بقى بتاعي أنا، مـنة تطلع من دماغك خالص”
تنهد “فكري” بضجرٍ ثم تحدث باندفاعٍ كعادته:
“بس أنا عملت كدا علشان أروح اتقدملها، هي خلاص سابتك”
ضغط “ماجد” على فكيه حتى صدر صوت الاصتكاك منهما ثم قال بشرٍ تقطر من حروفه:
“هترجع….لما تعقل وتعرف مصلحتها هترجع تاني ليا، رائف خلاص مبقاش عنده حاجة يقدر يطلبها بيها، و أهلها مستحيل يوافقوا أنها تكمل مع واحد زي دا، خصوصًا أمها، شوية ضغط مني على ضغط من ماما على ضغط من عمتك، هيخلوها ترجع”
سأله “فكري” بتهكمٍ:
“اللي يسمعك كدا يقول حاببها”
أرخى جسده على المقعد بتعالٍ يضع قدمًا فوق الأخرىٰ ثم قال بثباتٍ لم ينفك من محله:
“عجباني…..رغم أنها ضعيفة و هشة بس عاملة زي القطة، مخربشة، الوحيدة اللي كنت بحس بسلطتي عليها، مـنة رغم أنها تبان شخص مهزوز بس لو تطلب الأمر هتلاقيها أقوى من ١٠ في بعض، و Sorry يعني يا فكري أنتِ ضعيف و متنفعهاش، و عاوزها بس تقهر رائف”
تنهد “فكري” بضجرٍ ثم أخفض رأسه للأسفل بضعفٍ و انهزامٍ حتى تفاجأ بشيئًا يُلقىٰ على الطاولة أمامه، حينها رفع رأسه يطالع ذلك الشيء ثم وزع انظاره ما بينه و بين “ماجد” الذي فرد جسده بشموخٍ وهو يقول:
“دا اتفاقنا أهو، غير كدا متطمعش واللي ميخصكش بيه متحلمش، مفهوم يا فكري ؟؟ و اتفاقنا محدش يعرف بيه حتى باسل أخوك نفسه”
حرك رأسه موافقًا بخوفٍ من نظرات الأخر الذي يبدو وكأنه ينذره بما هو قادم، بينما “فكري” تنهد بعمقٍ ثم قال بضياعٍ:
“باسل ميعرفش حاجة عن اتفاقنا سوا، و ياريت ميعرفش عنه أي حاجة، بس ياريت تخلي بالك من منة، هي غلبانة ومتستاهلش البهدلة”
ابتسم به باصفرارٍ وهو يقول بلامبالاةٍ:
“شيء ميخصكش، أنا عارف هعمل إيه كويس، زي ما أنا متأكد دلوقتي كدا إنها أكيد سابته، يا هو هيسيبها بما أنه شهم بزيادة عن اللزوم، يا أمها هتخيها تسيبه علشان مش هيقدر يتجوزها، يعني ملهاش غيري برضه”
رمقه “فكري” بغيظٍ ولم يقوى على إطالة النظر له أكثر من ذلك، لذا حرك رأسه للجهةِ الأخرى يَسبه في سره، ثم سأله بلهفةٍ وكأنه تذكر لتوه:
“هـو أنـتَ بـتـحبها ؟؟”
ابتسم “ماجد” ساخرًا ثم قال بنفس النبرة الواثقة الممتزجة بتهكمه:
“قال يعني أنتَ اللي بتحبها ؟؟ أنتَ عاوز تقهر رائف بانك تاخدها منه وتحس إنك بقيت احسن منه في حاجة، عاوز تحس بالأفضلية عليه عن طريق منة، زي ما أنا عاوز واحدة متعملة و مثقفة و في نفس الوقت متكترش معايا و اللي أقوله تنفذه، يعني كل واحد فينا عاوز حاجة معينة فيها، بس أنا شايف أنها تستاهل المعافرة”
تبدلت نظرة الأخر في اللحظة إلى الكره و الحقد، فيبدو أن ذلك الماكر الذي يجلس أمامه يشبه “اليهود” في طباعهم، الخيانة و المكر و الغدر يجرون في دمه و تنطق بهم نظراته _ الغير مريحة إطلاقًا_ لكنه بالطبع لن يضر نفسه في التخلي عنه والنطق بما دار بينهما.
*************************
في شقة “كريمة” وزعت نظراتها بغير هُدى ما بين النقود وبين “هنية” التي كانت تجلس معها بعدما نطقت الأخرى وعرضت عليها المساعدة، لذا تحدثت “كريمة” بتشوشٍ وتخبطٍ في حديثها:
“متأخذنيش بس يا ست هنية ؟؟ بس أنا مش فاهمة حاجة، هو أنتِ جاية تساعدي رائف ؟؟ ابني أنا !! لعله خير إن شاء الله”
تنهدت “هنية” بعمقٍ ثم رفعت طرف حجابها تضعه خلف كتفها وهي تقول بثباتٍ:
“آه يا أم رامز، منكرش يعني موقفي من رائف واني ماكنتش شايفاه مناسب لِـ منة، بس أنا أم و زيي زي غيري عاوزة افرح ببنتي واجوزها جوازة حلوة ترتاح فيها العمر كله من غير شقا و تعب، صحيح أنا بشوفها فلوس بس، بس أنا شايفة منة متعلقة برائف اوي و زعلها عليه باين أوي، متأخذنيش برضه في الكلمة، منة كانت بتخرج مع ماجد كتير اوي و كان بيروح بيها اماكن كتير حلوة بس مفيش مرة بنتي رجعت بتضحك و مبسوطة، ولما نزلت مع رائف رجعت الفرحة مش سيعاها لدرجة أنها معرفتش تنام من فرحتها، طالما أنا يهمني فرحتها يبقى امسكي دول بقى اديهم للمحروس بتاعك و قوليله يلم نفسه مع بنتي و يصالحها بدل ما أبططهولك أنا”
ابتسمت “كريمة” بيأسٍ وكأن الضحكة خانتها حتى تظهر، ثم قالت بقلة حيلة:
“شيلي فلوسك يا هنية، مستورة الحمد لله ، دهبي موجود على قرشين كنت شايلاهم لوقت عوزة، على فلوس رائف محوشها من شغله وكل دا هيقوم المحل تاني إن شاء الله”
قبل أن تهم “هنية” بالحديث أوقفتها “كريمة” بوضع كفها على كف الأخرىٰ وهي تقول بعجالةٍ:
“والله مستورة الحمد لله و رائف مستحيل يقبل حاجة زي دي، إذا كان كرامته نقحت عليه وساب منة علشان حس إنه مش لايق بيها، هيقبل بقى مساعدة منكم ؟؟ شيلي فلوسك و ربنا يقدم اللي فيه الخير، تشربي إيه بقى ؟؟”
تنهدت “هنية” بغلبٍ ثم قالت:
“شاي خليها شاي….لحد ما نشوف الشربات هيبقى امتى بقى”
تحركت “كريمة” من أمامها بعدما حركت رأسها موافقةً فيما ابتسمت “هنية” رغمًا عنها وهي تطالع صورته الموجودة بجوارها ورغمًا عنها ضحكت وهي تقول:
“يخيبك يا واد دا أنتَ طلعت أمور….بس برضه بنتي أحلى”
*************************
في الأسفل أمام المحل نظر “رائف” بتعجبٍ لذلك الشاب الذي يبدو عليه الوقار و الاحترام، فيما بدت السعادة على وجه “منة” ما إن أدركت سبب وقوف الشاب أمامهما.
سأله “رائف” ببلاهةٍ:
“معلش أنا مش فاهم حاجة، وأكيد حضرتك فاهم وضعي و الصدمة ليها تأثير قوي عليا، تأمين إيه؟؟”
ابتسم له الشاب ثم قال بوقارٍ:
“مفيش أي مشاكل، أنا متفهم يا فندم كل حاجة، دلوقتي حضرتك مأمن على المحل تأمين كلي، يعني على العقار نفسه و قيمة البضايع الموجودة فيه، وقيمة العقار نفسه كمحل تجاري على شارع عمومي مساحته كبيرة زي دا، تقريبًا مليون جنيه، وقيمة البضايع فيه غالبا معدية الربع مليون جنيه، يعني الشركة هتتكفل بتجديد المحل و تكلفة البضايع و الأجهزة اللي اتضررت، بالأقساط اللي حضرتك دفعتها و هتدفعها لسه”
شهقت “منة” بسعادةٍ، و اتسعت حدقتيه بذهولٍ، فيما أضاف “معاذ” بنفس الأسلوب:
“وبكدا الشركة هتغطي التكلفة و التعويض لحضرتك عن الحرق اللي حصل، و قيمة البضاعة نفسها، ولو حضرتك حصلك أي اصابات علاجها برضه على الشركة لأن وثيقة التأمين شاملة على حياتك و المحل التجاري، ها تمضي الورق علشان نبدأ ؟؟”
تحدثت “مـنة” بثباتٍ:
“طب معلش ممكن اقرأ الورق دا؟؟ اتأكد منه بس”
حرك رأسه موافقًا ثم أخرج الورق من حافظة أوراقه الجلدية ثم مد يده لها وهو يقول مُبتسمًا:
“اتفضلي يا فندم، اقرأيها و شوفيها وأي حاجة تحبي تستفسري عنها أنا فهمها لحضراتكم، و الأستاذ رامز كمان عرف كل حاجة و ممكن هو يكون أفضل مني”
تنهد “رائف” ثم نظر لها فوجدها تُمعن النظر في الأوراق الموجودة أمامها، حينها ابتسم وهو يدقق النظر في ملامحها، حتى رفعت بصرها عن الاوراق وهي تبتسم بعمليةٍ ثم قالت بتهذيبٍ:
“تمام يا فندم، رائف هيراجعها و إن شاء الله يمضيها علشان الشركة تبدأ التنفيذ”
حرك رأسه موافقًا ثم ودعهما بأدبٍ ثم انصرف من أمامهما تاركًا الأوراق لهما بعدما حدد موعدًا لهما يأخذ فيه الأوراق.
نظرت “مـنة” في اثره بابتسامةٍ حتى نطق “رائف” بجمودٍ:
“خلاص يا عسل !! بتبصيله كدا ليه ؟؟ ولا علشان لابس بدلة يعني، اظبطي”
زفرت الهواء في وجهه ثم قالت بضجرٍ وهي تشهر بسبابتها في وجهه:
“اتكلم معايا عدل لو سمحت، مش من حقك إنك تتكلم معايا كدا، وبعدين أنتَ مالك ابصله ولا أعاكسه؟؟ شيء يخصك ؟؟”
استشاط منها غضبًا لذلك أوقفها بنفاذ صبرٍ وهو يقول:
“مـنـة !! متخرجينيش عن شعوري، و جهزي نفسك كلها كام يوم و هنلبس الدِبل، كفاية دلع بقى لحد كدا”
_”نــعم !! دِبل مين يا بابا !! أنسى خالص يا رائف، كل اللي بيننا أننا جيران وبس، أنا مش لعبة تركنها و تاخدها وقت ما أنتَ عايز، ربنا يعوضك إن شاء الله”
حاول التحكم في نفسه وهو يقول بنبرةٍ هادئة أشبه بهدوء ماقبل العاصفة:
“منة !! أنا صبري ليه حدود، بعد اذنك متعصبينيش، اطلعي ونتكلم فوق بالهدوء أحسن”
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت:
“قولت لأ، أنسى خلاص، أقولك على حاجة ؟؟ أنتَ توكسيك”
ضيق جفونه وهو يقول بشرٍ:
“لو دي طلعت شتيمة بالأم يا منة أنا هزعلك، بتغلطي فيا !!”
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت بتأكيدٍ تُزيد من غضبه:
“أقولك على حاجة ؟؟ مش طايقاك يا رائف، وامشي من وشي من غير مطرود بقى”
نظر حوله بسخريةٍ ثم قال بتهكمٍ:
“أنتِ هبلة !! احنا في الطَل يعني مطرودين خِلقة أصلًا، الكلام دا تقوليهولي لما يتقفل علينا باب واحد إن شاء الله”
ابتسمت بتهكمٍ ثم قالت:
“آه….دي نجوم السما اقربلك”
اقترب منها خطوةً واحدة يقول بمراوغةٍ:
“بلاش حوار نجوم السما دا علشان محسوبك طمع في نجمة منهم و هتبقى معاه قريب إن شاء الله، يمكن كانت أبعد من نجوم السما كمان”
استشفت مغزى الحديث لذلك تصنعت الثبات و الجمود ثم تنحنحت وقالت:
“لو سمحت !! لم نفسك”
رفع حاجبيه مستنكرًا فيما التفتت هي بتعالٍ تدخل البيت بشموخٍ هُدم فوق رأسها ولم يدم طويلًا وهو يقول بمرحٍ يشاكسها:
“و أنتِ مين يطولك دا أنتِ العالية لفوق”
وأدت ضحكتها الخائنة التي دومًا تعصيها أمام مرحه ثم صعدت للأعلىٰ، بينما هو نظر في أثرها ثم قال مؤنبًا نفسه:
“علشان تتغابىٰ كويس بروح أمك، بس وربنا اللي خلق الخلق كلهم، ما هسيبك لغيري”
*************************
بعد مرور بعد الوقت نسبيًا، وصل “فكري” شقتهم و دلف فورًا إلى غرفته يجلس بها شاردًا وهو يتذكر مقابلته مع “ماجد”.
(في يوم النزهة الخاص برائف ومنة)
نزل “ماجد” بعد اصطدامه مع “رائف” و “خليل” يضرب درجات السلم بقدمه ثم سار على قدمه عدة خطوات قليلة نحو موضع وقوف سيارته، لكنه تفاجأ ببعض شباب المنطقة يجلسون على مقدمتها، حينها انفعل عليهم بصوتٍ عالٍ يقول:
“أوعى ياض أنتَ وهو، إيه الاشكال الـ**** دي ؟؟ حاسب يا بابا منك ليه”
انتبه له الشباب فنطق أحدهم بنبرة جامدة و طريقةٍ سوقية:
“جرى إيه يا عم ؟؟ بالراحة على نفسك بدل ما أحزنك عليها، تلاقي أمك اللي جايبهالك وربنا”
اقترب منه “ماجد” يحاول التشابك معه بعدما سبه سبةً بذيئة، لكن بقية الشباب حالوا دون ذلك حتى اقترب منهم “مودي” يفصل بينهم وهو يقول بلهفةٍ:
“خلاص يا أستاذ ماجد، حصل خير خلاص ميعرفوش أنتَ مين، اتفضل”
نظر له “ماجد” بتعالٍ ثم وزع نظرة ازدراء لهم جميعًا، وفي تلك اللحظة اقترب “فكري” منهم بعدما ترك المقهى التي كان جالسًا بها ثم اقترب من “مودي” يسأله بهمسٍ خافتٍ:
“بقولك يا كابتن أنا بشبه على الأستاذ دا هو أنتَ تعرفه ؟؟”
رد عليه “مودي” بنفس الهمس:
“آه دا الأستاذ ماجد اللي كان خاطب الآنسة منة اخت مصعب، بس خلاص سابوا بعض و رائف بقى خطيبها”
يبدو وكأن حديثه يثير غيظه لذلك رمقه “فكري” بحنقٍ ثم انتظر ابتعاد الشباب بعدما تدخل هو يقول بصوتٍ عالٍ:
“خلاص يا شباب فضناها سيرة، يلا كل واحد على بيته، مع السلامة يلا”
تحرك الشباب بينما “ماجد” فتح باب سيارته ثم أوشك على الركوب، لكن يد “فكري” منعته من ذلك وهو يقول بلهفةٍ:
“استنى يا أستاذ، معاك فكري كرم ابن خال رائف خطيب خطيبتك سابقًا”
تبدلت نظرة “ماجد” إلى أخرى ظهر بها الحقد و الغضب معًا، بينما “فكري” قال بتهكمٍ:
“بحبه زي عنيا، إذا كان ليك حق عنده قولي وناخده سوا، أصل مقولكش المحبة بينا عاملة إزاي ؟؟ مولعة في الدُرة”
تنهد “ماجد” بضجرٍ ثم أخرج البطاقة التعريفية “الكارت” الخاص به وهو يقول بثباتٍ:
“إذا كان كلامك صح كلمني و لينا مقابلة سوا إن شاء الله، عن إذنك يا…. حبيبهُ”
حرك “فكري” رأسه بموافقةٍ ثم انتظر تحرك الأخر حتى تحرك هو أيضًا مُتجهًا نحو بيته.
تقابلا سويًا للمرة الثانية ودار الاتفاق بينهما وأخر ما أستقر عليه كليهما أن يتم حرق المحل عن طريق اللعب في الكهرباء العمومية الخاصة بالمحل، حتى تم التنفيذ بعد عدة أيام قليلة وقد غفل كليهما عن مشاهدة المولى عز وجل لهما و للحقد في قلوبهما.
(عودة إلى ذلك الوقت)
تنهد “فكري” ثم مسح وجهه بكفيه معًا حتى دلفت والدته الغرفة تصرخ في وجهه قائلةً:
“الحق يا فكري، مالك ابن أخوك تعب تاني و وقع من طوله، ألحق روح لأخوك و أنا هحصلك مع أبوك، هتلاقيهم عند الدكتور اللي على الشارع العمومي”
انتفض من على الفراش ثم خرج من الشقة ركضًا نحو الخارج بلهفةٍ، فيما دارت والدته بتشوشٍ كمن ضُرب فوق رأسه غفلةً، خاصةً حينما يخص الأمر حفيدها.
وصل “فكري” في وقتًا قياسيًا لتلك العيادة الطبية التي دومًا ما يتردد عليها ابن شقيقه حتى وجده يجلس في الخارج بجوار زوجته التي تبكي بحرقةٍ، فسألهما بلهفةٍ وخوفٍ:
“فين مالك يا باسل ؟؟ أنطق الواد راح فين ؟؟”
رفع رأسه له لتتضح عينيه الحمراوتين كما الجمر المُشتعل، وقال بصوتٍ متحشرجٍ:
“الدكتور خده ودخل بيه جوة و منعنا ندخله، تقريبًا هيعمله جلسة”
شخص ببصره نحو الغرفة يتعلق يثبت أنظاره عليها، بينما زوجة أخيه بكت بصوتٍ متقطعٍ على فلذة كبدها، فقال “باسل” منفعلًا:
“كفاية عياط بقى يا دُنيا !! أبوس إيدك كفاية أنا اعصابي بايظة”
ردت عليه بانفعالٍ:
“يعني مش عاوزني أعيط بعدما ابني وقع قصادي كدا يصرخ من الوجع ونفسه اتقطع ؟؟ عيل صغير زي دا مش قادر حتى يلعب زي غيره، حرام عليك أنتَ”
تدخل “فكري” يُهديء بينهما بقوله:
“خلاص يا جماعة، الدكتور دلوقتي يخرج يطمننا عليه، العيادة هنا حلوة وفيها امكانيات، متقلقوش”
فور انتهاء حديثه خرج الطبيب من الغُرفة وخلفه مساعدته، فهبوا مُنتفضين بلهفةٍ وأول من سأله كان “باسل” الذي نطق:
“طمني يا دكتور !! عامل إيه دلوقتي ؟؟ هو كويس صح ؟”
حرك رأسه موافقًا ثم قال:
“الحمد لله كويس، ياريت يا جماعة نهتم بيه، دلوقتي خد جلسة تنفس صناعي، للأسف عنده انسداد في الشرايين ولازم عملية، التأخير في حالته مش صح”
وقع الحديث عليهم كوقع الصاعقة، فيما قالت “دنيا” بضياعٍ:
“عملية ؟؟ بس هو صغير أوي على العملية، دا لسه خمس سنين”
حرك الطبيب كتفيه ثم قال:
“مفيش حل تاني، لو هيعمل عملية دا أفضل بكتير خصوصًا إن سنه صغير، في النهاية دا افضل علشانه”
سأله “باسل” بعدما انتبه له:
“طب معلش يا دكتور، العملية دي تكلفتها قد إيه تقريبًا ؟؟ أو نبدأ إزاي في الإجراءات ؟؟”
رد عليه الطبيب بعمليةٍ:
“والله على حسب المكان، لو حضرتك هتعملها هنا يبقى دي تكلفة خاصة لأن الإمكانيات هنا أفضل والمكان مُجهز للعمليات، إنما لو في مستشفى حكومي، يبقى هتستنى تعمله قرار من مستشفى حكومية أو التأمين الصحي، ودي فيها وقت غالبًا من اسبوعين لمدة شهر”
ردد “فكري” خلفه مُستنكرًا:
“شهر !! لا خليها هنا احسن وشوف هتبدأ أمتى وتكاليفها قد إيه، أي حاجة بس مالك يقوم منها”
قبل أن يتحدث الطبيب تدخل “باسل” يسأله بتعجبٍ:
“إزاي بس يا فكري ؟؟ الفلوس بتاعتي مش موجودة معايا، الفلوس مع التُجار في السوق”
رد عليه بجمودٍ:
“هدفع أنا يا باسل بس مالك يقوم منها، أنا معايا فلوس”
تحدث الطبيب بثباتٍ:
“على العموم لو تمام يبقى خلال الأسبوع دا نعمل العملية بس ياريت يرتاح تمامًا و بلاش مجهود أو أي حاجة تصعب التنفس عليه، عن اذنكم”
تحرك الطبيب بينما “دنيا” جلست على المقعد تبكي من جديد حتى جاورها “باسل” فيما وقف “فكري” تائهًا يطالعهما بشفقةٍ وحزنٍ وهذه فقط هي البداية.
*************************
جلس “مُصعب” على فراشه بعدما تحمم وبدل ثيابه كعادته بعد عودته من العمل ثم أخرج هاتفه يطلب رقم خطيبته “إنعام” وهو يقول بسخريةٍ حينما أجابت على الهاتف بسرعةٍ:
“واقعة واقعة يعني، طب داري لهفتك عليا شوية”
ردت عليه بحنقٍ:
“ياختي على الرخامة، لو مرخمتش عليا يجرالك حاجة، نعم ؟؟ خير إن شاء الله”
أبتسم بمشاكسىةٍ وهو يقول:
“تصدقي أنا غلطان أني عبرتك من الأساس ؟؟ روحي نامي اجري، بس ابقي ارجعي نكدي عليا بليل بقى”
ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:
“براحتي يا مُصعب، وكفاية اوي إن كلهم شهدوا أني علمتك الأدب و بطلتك الصياعة و قلة الأدب، ولسه هظبطك تاني”
تنهد بعمقٍ ثم قال بهدوءٍ:
“عارف يا انعام، بس أنا لو مش عاوز ابدأ معاكي صح ماكنتش هطلبك و أصمم عليكي، بعدين أنا ماكنتش صايع، مش علشان كنت مرتبط قبلك ابقى صايع”
زفرت بقوةٍ ثم قالت بصوتٍ عالٍ أقرب للصراخ:
“يابني أنتَ قاصد تشلني ؟؟ ارحمني بقى و متعصبش أمي، متجيبش سيرتها قصادي بقى”
ضحك بقوةٍ حينما أثار غيظها ثم قال بمرحٍ:
“طب شوفتي إنك غاوية نكد بقى ؟؟ دي علاقة بريئة وأنا تالتة اعدادي وراحت لحالها”
سألته بتهكمٍ:
“يا شيخ ؟؟ طب و أنتَ في ثانوي بقى دي كانت إيه؟؟”
_لأ دي كانت جريئة بصراحة”
جاوبها بتلقائيةٍ دون تفكير أو تزييفٍ حتى صرخت في الهاتف بغيظٍ منه، فتنهد هو بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ خيم عليها الحزن:
“طب والله بضحك معاكي من غلبي، زعلان علشان منة وفرحتها اللي مكملتش، وزعلان علشان رائف واللي حصله، الواد ملحقش يفرح إنها بقت معاه”
انتبهت “إنعام” لحديثه لذلك قالت بلهفةٍ:
“فكرتني صح !! عاوزة أقولك حاجة بس بصراحة يعني خايفة أبقى ست مفترية، بس هقولك وخلاص، بس متضحكش عليا”
انتبه لها واعتدل في جلسته على الفراش بينما هي قالت بعدما تنهدت بعمقٍ:
“قبل الخطوبة بتاعتنا، كنت بجيب حاجات ليا من محل المكياج و الاكسسوارات اللي على أول الشارع الرئيسي وشوفت حاجة غريبة أوي”
انتبه لها بكامل حواسه بينما هي حاولت ترتيب الكلمات حتى فتح باب غرفتها وطل منه والدها يقول بنبرةٍ جامدة _ زائفة _ إلى حدٍ ما:
“أنا هفشكل الخطوبة الزفت دي علشان تبطلوا كلام سوا، قومي يلا حضري العَشا مع أمك، وقولي لسي زفت بتاعك يتلم”
أغلقت الهاتف في وجه “مصعب” الذي رفع حاجبيه مستنكرًا ثم قال بغموضٍ:
“ماشي…..بكرة يتقفل علينا باب واحدة و أربيكي التربية اللي رفعت كسل يربيهالك”
*************************
كانت “منة” جالسةً تتصفح هاتفها على الفراش في غرفتها فوجدت شقيقة “دُنيا” والدة “مالك” قامت بتنزيل صورة الصغير وكتبت أسفلها:
“ياريت تدعوا لابن أختي ربنا يتمم شفاه على خير يا رب”
انتفض قلبها من محله ثم أخرجت رقمها تطمئن منها على الصغير وهي تقول:
“ماله مالك يا ميادة ؟؟ كان عندي في الحضانة النهاردة وكان كويس”
ردت عليها الأخرى بنبرةٍ أقرب للبكاء:
“تعبان أوي يا منة، محتاج عملية علشان عنده انسداد في الشرايين، و دنيا مموتة نفسها علشانه، لسه صغير يا حبيبي على التعب دا، بحاول أتصل بيهم مش بيردوا عليا، مستنياهم يرجعوا، يعلم ربنا أني بحبه كأنه حتة من روحي”
هدأتها “منة” بالحديث ثم أغلقت معها تحاول التواصل مع والدة الصغير، لكن دون جدوى لم تصل لها، حينها قامت بفتح تطبيق الواتساب حتى تراسلها، فوجدت “رائف” قام بتحديث حالته منذ دقيقةً تقريبًا حيث وضع صورةً لِـ قلبٌ قُسم نصفين ووضع أسفها
“الله يرحمك يا غالي”
شهقت بفزعٍ وظنت أن الصغير توفاه الله لذلك ارسلت له رسالة صوتية بنبرةٍ باكية:
“حصل إيه يا رائف ؟؟ مين مات؟”
أرسل لها كتابةً في نفس اللحظة:
“البقاء لله يا منة، قلبي مات في حُبك”
تنفست بعمقٍ وسحبت الهواء عنوةً داخل رئتيها فيما انتظر هو ردها عليه حتى تفاجأ بها تضعه في قائمة الحظر حينما اختفت صورتها، فيما تنهد بعمقٍ ثم قال بحزنٍ:
“براحتك كدا كدا مش هسيبك”
*************************
أوشك “مصعب” على الخروج من غرفته فأوقفه صوت هاتفه، حينها عاد يأخذه من جوار الفراش وهو يقول بسخريةٍ:
“بتقفلي في وشي يا نعامة ؟؟ تصدقي يا بت صدق اللي سماكي نعامة فعلًا، تدفسي راسك في الرمل، أخس عليكي”
تنهدت بضجرٍ ثم قالت بلهفةٍ:
“يابني اسكت بقى !! خليني اقولك الكلمتين قبل ما بابا يقفش عليا، اليوم دا أنا شوفت ماجد اللي كان خاطب أختك واقف عند عربيته مع فكري ابن عم رائف، وطبعًا أنا عارفة فكري بما أنه كان صاحب أخويا، بس مش غريبة يعني ؟؟ وبعدين تفتكر دي صدفة يعني انهم يكونوا سوا وبعدها المحل يولع؟”
نظر “مصعب” أمامه بشرودٍ فيما نطقت هي اسمه عدة مرات تلفت انتباهه لكن دون جدوىٰ حيث تحولت نظراته إلى أخرى عدائية.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)