رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السادس 6 بقلم نهال مصطفى
رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء السادس
رواية غوى بعصيانه قلبي البارت السادس
رواية غوى بعصيانه قلبي الحلقة السادسة
الفصـل السادس
“رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
(6)
من حروف اسمك بدأت روايتي ، ومن خطوات ترحالك لم يتبقى لي إلا قهوتي وحبر قلبي الدامي وروايتي الغير مكتملة ، كُنت أود أن تستمر قصتنا حتمًا كانت ستنضم إلى سجل الأساطير ، يتحاكى عنها العشاق عن صدفة بَنت بين قلبين معراج حب ووصال ، و أن هناك رجل كان الحلـم الوحيد لإمراة لم يكن الحُب من أولوياتها ، حتى أصبحنا أمنية الحُب الوحيدة ، وهي أن ينسب قصتنا إلى قوائمه !
نهال مصطفى ✨
•••••••••••••
لمحت هدير ظل ” حياة ” تقترب منهم ، فتمادت في بكائها واقترابها منه ، حتى أمسكت بيده ووضعت الأخرى على صدره العاري وقالت بحنو :
-أن قلبك دا يخصني ، أنا محبتش غيرك في حياتي يا عاصي .
لم تمنحه فرصة للرد فبمجرد ما لمحت “حياة” أمامها ارتمت في حضنه وأخذت ترتعش بين يديه وتقول :
-أنا بحبك ، ليه تعمل فيا كدا ؟!
أي نازلة تلك التي ألقت بها بين ذراعيه ترتجف كحمامة مذٰبــوحة ، صدمه أمر ” هدير ” وجرأتها في اعترافها ، وقف مُكبل الأيدي ، مغلول التصرف ، مُصفد المشاعر التي لم تتحرك لأجلها حتى ولو شفقة ، أحست بـ برودة جسده في استقبالها ، و تصلب كفوفه التي لم تتنازل لتربت على ظهرها رأفة بحال امرأة ضناها الحُب والانتقام .
وقفت ” حياة ” تراقب الموقف في توجس لحديثهم الهامس ، وجست قربهم بعيونها الذابلة منتظرة خاتمة مشهدهم السينمائي ، جاءت مستندة على المنضدة الفاخرة بجوارها ، فـ طاح ظهرها بـ الزهرية خلفها فاصطدمت بالأرض محدثة صوت ارتطام قوى طغى على صوت مشاعر ” هدير ” المزيفة .
تفرق مجمع الثنائي إثر صوت تهشم الكذب وفض تمثيلية اخراة تتمسح بماء الحب العكر ، دار ” عاصي ” نحو مصدر الصوت فوجدها واقفة ملتصفة الظهر بالمنضدة تراقب الحدث بأعين متسعة ، ركض إليها وسألها باهتمام :
-أنتِ كويسة !
توغلت هدير في نيران مكرها الحارقة ، واقتربت منهم بعنجهية مُفرطة وقالت برتابة زائفة :
-سوري يا حياة ، ماكنتش أعرف أنك موجودة !
ثم دنت خطوة أخرى وأكملت بشموخ :
-أعرفك بنفسي ، أنا هدير أبقى بنت خالة عاصي .
زفر عاصي بضيق ثم قال بصوتٍ المبطن بالجزع
-اتفضلي امشي أنتِ يا هدير .
تدخلت حياة في حوارهم وقالت بفظاظة وغرور لا يناسب هزل جسدها ، ولكنها امراة مكونة من أحجار التمرد ، اعتادت ألا تظهر وجعها إلا لسطور دفترها ، وقفت أمام هدير وقالت برتابة :
-ممكن اتفضل أنا لو وجودي هيضايقكم !
ارتسمت معالم الانتصار على ملامح هدير بابتسمامة ماكرة ابتلعتها ، وقالت مبررة :
-أنتِ فهمتي أيه !
-والمفروض افهم أيه لمـا أخرج وألقاكي في حضن ابن خالتك! .. أيه تعبانة بيقيس لك النبض مثلاً !
أحس عاصي بأنه سقط في ساحة حرب نسائية لا مفر منها ، كاد أن يوقف تشاحنهم ولكن سبقته هدير قائلة :
-ليكِ حق تضايقي بس ..
وبنظرة أحد من السيف قاطعتها ” حياة ” بسخرية وعدم اهتمام وقالت :
-مش مجبرة تبرري ، خديه يا حبيبتي ، كدا كدا مايلزمنيش .
رصاصتها تعرف في أي رأس تود أن تنغمس ، وخرجت جملتها مستهدفة أكاذيب رجل خلى باتفاقه معها ، و واطمئنان قلب حية تتلوى حول مقصدها ، بمجرد أن قالت جملتها وأحس بكشف خطته ، جذبها من ذراعها إليه بقوة جعلتها تتأوه ، وجهر بوجه هدير آمرًا :
-هدير امشي دلوقتِ !
شردت هدير في جملة حياة الأخيرة متعجبة من أمر فتاة تعلن تخليها عن رجل مثله ! رغم انتسابها وحملها لاسمه ! فاقت من دوامتها الشديدة على تكرار جملة عاصي ولكن بنرة أحد ، أومات بتيه ثم خرجت من غرفته وهى ترج الأمر برأسها ربما تصل لحلٍ .
سحب عاصي حياة من ذراعها بقوة نحو الباب وهى تتلوى وجعًا واعتراضًا على تمسكه بها بهذه القسوة ، وما أن قفل الباب خلف هدير بقوة حرر رسغها أخيرًا وهو يدفعها للوراء :
-انت اكيد اتجننتي ! أنت ناسية انك المفروض مراتي !
اجابته بسخرية بحتة :
-أنت تكذب الكذبة ومطلوب مني أصدقها ! أنت مجنون !
جنت حبوب غضبه حتى أصبح يتطاير كـ حبات الفشار واقترب بخطوة إليها لاصقًا ظهرها بالحائط ، وبكلا كفيه لزقت معصميها بالحائط وما أن تعثر بأهدابها الكثيفة التى وخزت شيء ما بقلبه لا يدركه ، ولا يعلم مصدره ، تقهقرت نبرة جنونه وتحولت لنصحٍ :
-مش لازم كل شوية أفكرك أنك قدام عاصي دويدار ! يعني الكلام معايا بحاسب .
التقطت صورة فوتوغرافية لملامحه الحادة التي ينبت من بين ثناياه الشوك ، وقالت بأنفاس متعالية بلوم :
-أنت ازاي تغير اتفقنا !
طاب له القُرب فلـم يجره الغضب بعيدًا عنها ، وانكمشت حواجبه وهو يسألها:
– أي اتفاق !
حاولت التملص من قبضته القوية ولكنها فشلت ، فتنهدت بفشلٍ وطالعته بشموخٍ :
-كمان ! أنت ازاي تقول إني مراتك !
ارتخت ملامحه تدريجيًا و رد عليها بهدوء :
-ماهو دا الاتفاق !
عارضته بعنـٰف
-لا ، دا مش اتفاقنا ؟ الاتفاق كان أننا مخطوبين ، مش مراتك ! أيه اللي حصل !
-اه ، دا الاتفاق القديم !
-هو في اتفاق قديم واتفاق جديد ؟!
رفع حاجبه مستمتعًا بحوارها :
-طبعا ، قبل ما تمشي كان اتفاق ، ولما رجعتي ووافقتي على كلامي كنت غيرت الاتفاق !
زفرت بضيق :
-دا اسمه لعب عيال ! طيب ليه ما قولتش !
رد بسماجة :
-وليه مسألتش !
غاصت فـ عتمة عناده و حيله وقالت بنفاذ صبر :
-وأنا المفروض أنجم عشان أعرف سيادتك غيرت الاتفاق ولا لا .. وبعدين أي حامل دي ؟! أنت ازاي تقول عليا كدا !
ثم ولت أعينها بعيدًا متحاشية النظر إليه و قالت لنفسها بصوت اخترق مسامعه من حدة سخريتها وتقليلها منه :
-اااه يمكن فيك عيب ، وبتحاول تحسن صورتك قدام الناس !
ثم أطلقت ضحكة ساخرة :
-وهتلاقي فين واحدة تستغفلها زيي ! مش فاكرة هي مين ومحتاجة لك ، يعني لوزة مقشرة .
ثورة حارقة اندلعت بجوفه أرادت أن تلتهمها ولم تترك إلا رمادها ، تمايل أكثر وأكثر نحو فوهة بركانها الذي ثار بوجهه بأبشع الاتهامات فـ رأي الرعب بعيونها إثر تلامس أنفاس معالم وجهها ، ظفر بـ إخافتها ثم غير مسار نواياه مقررًا أن ينسحب ليحمي رجولته من اغداق امراة كتمت أنفاس تمرده وإهانته بشدة وقللت منه ، ومال إلى مسامعها قائلًا بنبرة ارعبتها :
-أنا ممكن اخليكِ تندمي على اللحظة اللي اتعلمتي فيها الكلام لحد اللحظة اللي لسانك اتجرأ عليـا ، بس أنا هراعي مرضك وهخلي الأيام تعرفك مين هو عاصي دويدار!
لا يوجد سبيل لانتصار الرجل عـ امراة سوى الفرار منها ، بمجرد ما رمى جمر كلماته في صدرها مما جعلها تلوم نفسها سرًا عما قالت ، وعما كان رده على اتهاماتها السخيفة وطعنها في حق رجولته ، أخذت تتنفس الصعداء إثر تحررها من أنفاسها الأشبه بدخان التبغ وطلت تسعل بقوة كغريق نجاة من المـٰوت في أخر لحظة ، ثم اتجه نحو جواله وهاتف يسري آمرًا :
-تعالى خدها على أوضتي فـ القصر !
جادلته من الخلف رافضة :
-أنا مش هكمل فـ المسرحية السخيفة دي !
تجاهل غضبها وقال :
-متكمليش ، اتفضلي امشي !
تجمدت في مكانها محاولة استيعاب عواقب جملته ، والمأزق الذي تورطت به بين فكي كبريائها و ضياعها ، مسحت على شعرها بتردد ثم اقتربت منه خطوة صغيرة وقالت :
-أنا هقعد هنا ، وأنت روح اقعد في اوضتك براحتك !
رمقها بتعجب وغرابة من تحول أمرها وقال مستهزئًا :
-واضح أن مش لوحدي اللي بغير كلامي !
ثم دار بجسده إليها وقال بنظرة تبطن نواياه الخبيثة :
-أنا عن نفسي مش هكره ، بس أنتِ ممكن تزعلي لان المكان دا له قواعده الخاصة ، واظن أنها صعبة عليكِ على الاقل دلوقتِ .
أزرت على كلامه ، وهبت بها عاصفة الهلع التي انقذها صوت طرق يسري ، تركها فأتخذها نفسها بارتياح وما أن فُتح الباب ، أمره عاصي :
-خدها .
تحركت بشموخ وثبات ولم تمحنه إلا نظرة تمرد وبخطوات عسكري تحررت من قفصه كعصفور أُسر لسنوات وأُطلق سراحه للتو .
••••••••••••
-ممكن تهدي يا عالية ! أكيد في حل .
أردفت “شمس” جُملتها بصوتٍ خفيض وهي تواسي عالية عن مُصيبتها التي حلت فوق رأسها ، تجلس بجسد كل إنش به يرتجف ويرتوي بدموع حزنها وقلة حيلها ، انفجرت باكية :
-اهدأ ازاي ! أنت مشوفتيش الصور والفيديوهات اللي مغرقة مواقع السوشيال ، أنا اتفضحت يا شمس .
جلست شمس بجوارها بخيبة وعجز محاولة إيجاد حل لتلك الورطة ، فاقترحت عليها :
-طيب تحكي لتميم بيه !
رفضت رفض قاطعة وهي تعلن :
-مستحيل ، ممكن يضايق وصحته تتراجع وأنا ما بصدق يتقدم خطوة لقدام !
حملقت ” شمس” بالصور والفيديوهات الخارجة فقالت بوضوح :
-على فكرة باين أوي أن الصور دي متركبة ، ومش أنتِ ، أهدي كدا وهتتحل ! آكيد محدش هيصدق أن دي أخلاقك يا عالية .
صرخت عالية برعب ينهش بجسدها وقالت :
-محدش هيعرف كده ، يا نهار أسود ، عاصي ممكن يـقتلنٰي فيها !
ثم أخذت تتجول بجنون في الغرفة ممسكة برأسها :
-أعمل أيه ياربي فـ المصيبة دي ! كلها دقايق والبيت كله يعرف ومحدش هيرحمني .
••••••••••
“صفق لمن علمك القسوة ثم إصفعه بقوة، ليعلم أنك تعلمت.”
– محمود درويش.
وقفت جيهان أمام أختها بعد ما تمدد فحل العداوة والحقد بينهم ، وأصبحت نسخة مُصغرة مما علمتها اياه ، وشرعت في تهدئتها وإدخال الأمر برأسها أن فعل عاصي ما هو إلا نزوة تُمحى مع الأيام ، ثم بدلت مجرى الحديث لصالحها وقالت :
-عايزه أقولك على حاجة !
أشعلت عبلة سيجارته وتنهدت دخانها بغضب وقالت تحت سطو شرودها :
-فيها أيه لو عاصي اتجوز سوزان هانم !
وبختها جيهان بحنق :
-جرالك إيه يا عبلة ! هو من همه هياخدها أد أمه ؟! سوزان مين اللي اللي عايزه تجوزيها لابنك !
بررت عبلة اقتراحها موضحة :
-ومالها سوزان ، ست جميله وشيك وغنية وعايشة لوحدها ، وفرق السن بينهم مش كبير دول ٩ سنين بس ، على الأقل جوازة هيطلع منها بمصلحة ، مش بدل البنت اللي من الشارع دي !
-طيب ممكن تسيبك من عاصي ، ونركز في عالية !
انتبهت عبلة إليها بعد ما ثنت سيجارتها بالمطفأة وقالت :
-مالها عالية !
-مراد معجب بعالية ، وحابب يتقدم لها ، شافها في الحفلة وسألني عليها واتفاجئ أنها عالية البنت الصغيرة اللي كانوا يلعبوا سوا !
حدجتها عبلة برفض قاطع بسيف نظراتها ولم يفصح عنه لسانها :
-عالية ومراد ! أنتِ متخيلة يا جيهان بتقولي أيه ، ولو أنا وافقت ، عاصي ممكن يوافق بعد المشاكل اللي بينهم دي كلها !
بررت جيهان مغزى طلبها :
-وليه يا عبلة منرجعش المية لمجاريها ، ونلم شمل الولاد ، هنعيش لهم لأمتى في كُره وحقد ، فكري يا عبلة ، وأظن المستوى المادي لـ مـراد مناسب جدًا لنسب عيلة دويدار !
صدمة وراء الأخرى تنزل فوق رأس عبلة مما جعلت رأسها يتوقف عن التفكير وعن الرد ، فكرت طويلا وما زالت نظرات جيهان الخبيثة تحدق بها وتتلون بطيبة مُزيفة :
-أنا بوجهك للصح ، بدل ما تلاقي عالية هي كمان جايبه لنا واحد من الشارع طمعان فيها وفي فلوسها وعايزه تتجوزه ! لازم نحوط على الولاد من دلوقتِ ، عشان نحافظ على الإمبراطورية الكبيرة للعيلتين !
•••••••••
وصلت ” حياة” بصحبة يسري والخادمة إلى الجناح الخاص بـ ” عاصي” فكان أشبه بغُرفة ملكية ، قصر بحوزته قصر ، وقفت أمام باب الغُرفة فلم تلتقط أعينها أخرها ، مساحة الفراش تكفي لـ تمدد عشرة أشخاص فوقه ، تضم صالون فخم ذهبي بالنظام الكلاسيكي ، تحوطه الستائر من كل ناحية ، ركن خاص شاسع الاتساع يضم ملابسه باهظة الثمن ، أخذت تتجول في الغُرفة كأنها في محل تجاري يستعرض بضاعته ، أمسكت بـ زُجاجة عطره الوحيدة أمامها ، فلم تجد نوع آخر منه ، استوطنت الغرابة ملامحها وهي تتسائل بسخرية :
-اشمعنا دي اللي مجبش منها مصنع !
أخذها الفضول لتفتحها وتستشق رائحتها وبمجرد ما لامست أنفها تقيئت راحة كبريائه وغروره وعنجهيته المفرطة ، قفلتها باشمئزاز لان العطر يأتي بذكريات صاحبة ووضعتها بغيظ في مكانها وقالت :
-بني آدم غريب !
ثم تطلعت على هيىتها بالمرآة تتفحص معالم وجهها بأنامل مُرتعشة وأعين متقطرة بالآسي وهي تتسائل نفسها :
-أنا مين ! وأيه مكتوب لي هنا ، وأيه الصداع دا !
ثم تذكرت جُملته التي افقدتها وعيها وتبدلت ملامحها من التيه للاسترشاد وجهرت معترضة :
-أنا مراته من أي جهة المتخلــٰف دا ! دا يروح يشوفه زريبة يعيش فيها ولا بهيمة يتجوزها بدماغه دي !
لم تنتبه لوجود يسري ورائها وما أن أنهت جُملتها استدارت إثر حمحمته الخافتة وهو يقترب منها ويقول مُرشدًا :
-هنا عشان تعيشي ، يبقي لا أرى لا أسمع لا اتكلم ، فاهمة !
بكتتهُ باستخفاف وقالت :
-ليه فاكر نفسك أنت واللى مشغلك هتستعبدوا الناس ! أنتوا مين ؟!
مال يسري نحو آذانها وهمس بنبرة أرعبتها وأشعلت نيران الفضول برأسها :
-أحنا عالم لو دخلتي جواه مش هتعرفي تخرجي ، حاولي تهربي من هنا في أسرع وقت .
أنهى جملته مختومة بصوت وصول رسالة على هاتفه ، وما بين نظرته على ” حياة ” ونظرة أخرى على شاشة هاتفه فتح الرسالة وقلب الصور سريعًا ثم اختتمها بمقاطع صوتية تضم صوت وصورة عالية بملابس خارجة وأوضاع مُخلة ، فتقهقرت خطواته للخلف مصدومًا :
-يا نهار أسود ، عاصي بيه لازم يلحق المصيبة دي ! متتحركيش من هنا ! أنت فاهمة !
•••••••••
“شبرا”
حاولت نوران مهاتفة كريم مرارًا وتكرارًا ولكن بدون فائدة ، قفلت محمولها بغضبٍ وقالت لجدتها :
-مابيردش يا تيتا .
أخذت تندب العجوز حظها وتضرب كف على الآخر :
-يبقى آكيد عملوا في أختك حاجة.. لا يا نوران قلبي مش مطمن !
شعرت نوران بالعجز وقلة الحيلة والقلق ، كلها مشاعر أخذت تأكل في حواف قلبها ، فـ ربتت على كتغ جدتها وقالت:
-طيب أهدي ، نستنى لحد بكرة ، لو معرفناش نوصل لشمس ، اخدك ونروح لها .
••••••••
تتنقل هدير هنا وهناك وتتجول أرجاء غُرفتها بعشوائية وهي تتذكر أعين حياة وجرأتها ووقاحتها ، أدركت أن بالأمر يمكن سرًا لابد من حله ، دخلت جيهان عليها وهي تتلفت حولها كاللصوص ، ثم أحكمت غلق الباب خلفها وقالت :
-طمنيني ، عملتي أيه !
بدون اهتمام للأمر ردت هدير بشرود :
-كله تمام وفضيحة بنت أختك بقيت على كل لسان !
تناولت هاتف ابنتها وأخذت تفتش على أحد المواقع وتشاهد الصور المزيفة والمركبة بانبهار :
-الواد اللي عمل كدا فنان ، يسلم ايديه ، الصور مفيهاش غلطة !
ثم شردت بخيالها متأملة بفرح وانتصار :
-كدا يبقى كلها أيام وتقع القطة في مصيدة مراد أخوكي !
سألتها هدير باهتمام :
-ماما هو مراد فعلًا عايز يتجوز عاليه ، ولا دا من خططك بردو !
قهقهت بصوت الشر ورفرفت نيرانه وقالت :
-ولا يعرف شكلها اساسًا .
جلست هدير بجوار أمها لتوزن معادلة البغضاء برأسها وقالت بتعجب :
-انتوا أكيد بتهزروا ، وأيه الفايدة من الجوازة دي أصلا ! البنت عالية دي رخمة ومفيش من وراها مصلحة .
وثبت جيهان عودها وأخذت تتمايل بتفاخر وأفصحت عن مُخططها :
-مين قال ! مراد هيتجوز عالية منها ويمضيها على تنازل عن نصيبها في شركات دويدار ، وكدا أخوكي هيدخل الشركة كصاحب ملك ، ويبقى أول مسمار ادق في نعش عاصي !
أغمضت هدير جفونها محاولة استيعاب ما سردته أمها وقالت بعدم تصديق :
-أنتِ لو قاصدة ترمي مراد في النار مش هتعملي كدا !
بثقة عارمة أردفت جيهان :
-مراد أخوكي أد عاصي وعشرة زيه ، أقعدي واتفرجي على اللي هيحصل .
بخيبة أمل سحيقة ردت هدير :
-يا خوفي ! المهم البنت اللي جايبها عاصي دي وراها سر ، وسر كبير وأحنا لازم نعرفه !
تدبرت عيون ابنتها بعناية وسألتها :
-حصل أيه !
غاصت هدير في دوامة أفكارها لدقيقتين ثم قالت بخبثٍ :
-البنت دي عاصي متورط فيها ، من كلامها حسيت بكده !
-يعني أيه متورط فيها ، وأي الكلام اللي اتقال احكي لي !
فركت هدير كفوفها ثم أخذت تتنقل بعشوائية وتسرد ما حدث لأمها حتى اختتمت حديثها بـ
-البنت دي شكلها غلطة من بتوع عاصي ، وقاصدة توقعه فيها بحوار حملها ، عشان كدا هو جابها ..
شهقت جيهان بفزعٍ :
-مصيبة لتكون حامل في ولد !
ثم وقفت أمام ابنتها وقالت بحزم :
-البنت دي لازم تسقط !
بعيدًا عن جحيم شرهم وخاصة إلى غُرفة عالية التي تأزم بها القلق وسن أنيابه وباتت الأرض من تحتها فوهة بركان أوشك على الانفجار ، حاولت شمس أن تهدأ من قلقها ولكن بدون فائدة ، الصور انتشرت بشكل مفزع ، وأصبحت قصة عالية كالعلكة بالأفواه .
أخذت أنفاسها بصعوبة وقالت بضعف :
-أنا هروح لتمـيم ، هو الوحيد اللي هيصدقني .
أوقفتها شمس بخزى :
-استنى ، تميم أخد جرعة أدوية تقيلة النهاردة ، و زمانه نام .
صرخت بوجع و أحست بانهيار لم تحسه من قبل ثم تأوهت بهزل
-يا رب ساعدني ، هتجنن يا شمس ، حاسة قلبي هيقف !
ربتت شمس على كتفها وقالت بترجي :
-ممكن تقفلي تليفونك خالص ، وتعالي نصلي قيام الليل سوا وندعي ربنا !
هنا فُتح باب غُرفتها على مصرعيه وبعنـٰف شديد سبقه صوت عاصي الجاهر الأشبه بصوت الرعد الذي تهز له الجبال وصاح باسمها :
-عالية !
لطمت عالية على وجنتيها وسالت دموع عيونها بغزارة وهي تحتمي بشمس :
-عاصي .
كرة ملتهبة من النيران تقترب منها ما تزيدها إلا رُعبًا ، تمسكت بشمس أكثر منتظرة قدرها الحتمي بعيون منتفضة وجسدها هرم ، حاصر الغضب عيونه وهو يسألها بحدة :
-أومال أي جو الدين وقال الله قال الرسول ، وأنت يا هانم مغفلانة كلنا !
توقفت شمس أمامه بقوة ، وجهرت بوجهه :
-لو تعبت نفسك وركزت في الصور والفيديوهات دي هتلاقيها متفبركة ، يعني يا عاصي بيه بدل ما تضيع وقتك مع الضحية روح شوف مين اللي عملت فيها كدا وقاصد مين بالظبط !
افترسها بملامحه الحادة وما أن دفعها أرضًا بيسارها ، لفت يمينه شعر عالية وجرها خلفه بمنتهى القسوة مجمهرًا :
-يا عبلة هانم ، تعالي شوفي المصيبة اللي بنتك حطتنا فيها !
صرخت عالية متوسلة ومتألمة راجية أن يتركها ولكن كفوفه كانت أكثر قسوة وهي تتدلها على وجنتها بصفعات متتالية ، ولم يكف عن هذا بل أخرجها من غرفتها زحفًا غير مكترثًا لصوت صراخها الذي ينافس صوت زمجرته التي أخرجت الجميع من غُرفهم .
ركضت عبلة وهي تربط منامتها محاولة إيقافه ولكن بدون فائدة ، قطع جسدها درجات السلم زحفًا وهي تصرخ ولم تكف عن توسلاتها وضعفها تحت قبضته القوية ، وما أن وصل لنهاية الدرج رماها كما يرمي نفاياته ، فأرتطم جانبها بأحد المقاعد وهي تصرخ :
-افهمني بقا حرام عليك !
احتشد الخدم وغيرهم من حرس القصر ، وخرجت هدير وجيهان من غُرفهم يراقبان المشهد بشماته وانتصار لنجاح مُخططهم ، وقفت عبلة أمامه :
-ممكن تهدأ وتفهمني حصل أيه !
انفجر بوجهها :
-الهانم صورها في حضن ابن المرشدي مغرقة السوشيال ! افتحي وشوفي .
صرخت عالية مبررة بدون وعي :
-والله كذب ، كذب ، أنا معرفهوش .
دارت إليها عبلة بلوم وعتب :
-وأنت أيه علاقتك بابن المرشدي يا عاليه ، مش دا الولد بتاع المكتبة !
بررت عالية موقفها :
-والله ما اعرفه ولا اعرف حتى اسمه في حاجة غلط !
نزلت شمس ركضًا وراءهم وولته من معصمه إليه وبنبرة تهديد :
-البلد فيها قانون وانت مش من حقك تضـٰربها كدا مهما كان غلطها !
ضحك عاصي بسخرية وصوت مخيف :
-مش ناقص غير حتة بنت من شبرا تقف قدامي وتقولي أعمل أيه !
-شبرا دي أحسن الف مرة من قصر صاحبه مفيش في قلبه ذرة رحمة .
ركض يسري مسرعًا إلى عاصي وقاله :
-مصيبة يا باشا ، فاروق المرشدي طالع لايف وبيقول أن معاليك ورا كل دا ، واستخدمت عالية هانم عشان يخسر الانتخابات ! وبيطالب أنه يوصل الأمر لأعلى السلطات !
انضمت عبلة إليهم وقالت بذعر :
-أيه المصايب دي ! أحنا ما صدقنا نقفل دفاترنا مع الزفت دا ، كله طاقة جهنم اتفتحت في وشنا !
تراقبهم ” حياة ” من الدور الثالث بأعينه مرتجفه ، محاولة استيعاب مدى القسوة والإهانة التى تعرضت لها تلك الفتاة الضعيفة وهنا تذكرت جملة يسري الأخيرة لها :
-هنا لا ارى لا اسمع لا اتكلم !
وضعت أناملها على فمها وهي تحدجهم بأعين متسعه يسيل منها الحزن على حالة تلك المسكينة ، خاصة بعد ما انهال عاصي عليها بالضرب والسبات المتتالية وسحبها من شعرها متجاهلًا حُرقة صراخها وتوجعها ، لحقت به عبلة راكضة
-هتمٰووت في أيدك يا عاصي ، خلاص .
انحفرت أقدام عالية بالأرض وغلف تراب الحديقة أرجلها العارية وملابسة وهي تجر كما تجر الاغنام متجهًا بها إلى غرفة الاسطبل وبقوة فتح الباب الحديدي وألقاها بداخل الغرفة المظلمة وقفل عليها صارخًا :
-مفيش نقطة مية هتشوفيها .
توسلت له عبلة أن يرحم أخته :
-لا لا يا عاصي متعملش كدا ، كل حاجة ليها حل !
أنهى ثورته المشحونة بالغضب وقال مهددًا :
-كلمة كمان وهدخلك معاها !
ثم زمجر بصوته الرعدي :
-كله ينام ، مش عايز أشوف مخلوق صاحي .
أخذت تخبط عالية على الباب برعب وفزع وتترجاه:
-يا عاصي ورحمة مها افتح ، حاسة إني همـٰوت .
كانت شمس متأهبة للذهاب إليها ولكن أوقفها يسرى بتحذير :
-بلاش ، نفذي كلام الباشا وروحي نامي ، خافي على أختك وجدتك أحنا هنا ما بنهزرش !
وقفت شمس مكبلة الأيدي وكاد قلبها أن ينفطر من قسوة العالم الذي وقعت فيها ، وفي الأعلى انكمشا الصغيرتان حول بعضهم واقتربا من حياة وهن يرتعشن من شدة الخوف حتى أردفت داليا متوسلة لحياة :
-طنت أحنا خايفين أوي !
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)