روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس والثمانون 85 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس والثمانون 85 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الخامس والثمانون

رواية أغصان الزيتون البارت الخامس والثمانون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الخامسة والثمانون

||^ أغـصان الـزيتـون ^||

الفصل الخامس والثمانون :-
الجُـزء الثـاني.

“سيكون من نصيبنا أيضًا.. أن نهرب معًا.”
____________________________________
لم يكن لها نصيبًا من الطعام الجاهز الذي طلبته بنفسها، بعدما انغلقت شهيتها بالكامل بعد حديثهِ المقلق الخطير. أحست “سُلاف” بأن عليها اتخاذ كافة التدابير التي تضمن لها بقاء “زين” في أحضانها وتحت رعايتها، دون تنفيذ شروطه المستحيلة، ومع كل حل تفكر فيه گمخرج تجد أن ثغراتهِ ستحطم كل شئ، وبناء عليه ستظهر ردة فعله الغير متوقعة حينها. كل تفكيرها وعقلها وعيناها عالقة بطفلها الذي نامت جوارهِ، تراقبه بتأملٍ ومشاعر الخوف طافية على سطح معالمها، إنقباضة صدرها وتلك الغُصة الموجعة أشعرتها بضعفٍ لا تُطيقه، وهي التي اعتادت إظهار جرأتها وجسارتها، وبعدما أكثرت من التفوق عليه ظنت إنها لن تُهزم أمامه أبدًا، دون أن تفكر بالثغرات التي أهلكت ما عملوا عليه لسنواتٍ.
—جانب آخر—
كانت تلك لحظة وصول “نضال” لبابهِ، في تلك الساعة الليلية، بينما الهدوء يُخيم على المنطقة كلها. فتح له “حمزة” بنفسهِ، واستقبله بفتورٍ غير متحمس :
– تعالى يا نضال.. اتفضل.
أشار إليه نحو جهة غرفة الإستقبال، فـ مشى “نضال” نحوها دون أن يثير انتباهه لأي تغير فيه، فهو الأمل الوحيد الباقي لآل “زيّان” وعليه الحفاظ على ذلك الخيط الرفيع الباقي لهم. جلس مع أول مقعد صادفه، تاركًا الحقيبة الجلدية السوداء على الطاولة المستطيلة أمامه، فرآه يتحرك متعرجًا حتى بلغ الأريكة واعتلاها، ليدفعه الفضول إلى النظر حيث أقدامه ويسأل :
– رابط رجلك كده ليه إيه اللي حصل؟.
نظر “حمزة” نحو قدميه وهو يجيب :
– دوست على أزاز مكسور، بسيطة يعني.. المهم طمني المكتب ماشي إزاي وآخر الأوضاع إيه.
فتح “نضال” الحقيبة الموضوعة أمامه ليخرج منها بضعة ملفات وهو يردف بـ :
– متقلقش كله طبيعي، جيبتلك القضايا اللي انت شغال عليها عشان تشوف بنفسك هتسيبلنا إيه وتتولى انت إيه.
وضع الملفات على الطاولة وهو يهتف :
– أنا قلبت عليك الدنيا، إيه اللي جابك هنا؟.
أطال “حمزة” النظر إليه، مترددًا بين الإعتراف بخيبة الأمل التي تعرض لها، أو إخفاء الأمر وألا ينبش في جراحه التي يحاول ردمها. صمته ذلك جعل “نضال” يتراجع عن طرح سؤاله، مُبديًا عدم اهتمامه بالموضوع :
– خلاص مش عايز أعرف، المهم إنك بخير.
لم يجد “حمزة” داعيًا من التستر على الأمر، في كل الأحوال يجب على “نضال” أن يتعرف على الوجه التخفي لصديقهم الذي عاش معهم لسنوات خافيًا حقيقة هويتهِ، دون أن يتنبأ “حمزة” بأذن وجه الخفاء ذلك لك يكن لـ “راغب” فقط :
– راغب مطلعش راغب اللي نعرفه يا نضال.. أنا خدت أسوأ مقلب ممكن إنسان ياخده في حياته.
كافح “نضال” بأقصى ما لديه، لئلا يثير ذرة شك واحدة حيالهِ، فـ أتقن تجسيد دور المفاجأة وعدم الفهم إتقانًا جيدًا. قطب جبينهِ، وسأل في فضول :
– مقلب إيه؟؟ مش فاهم حاجه؟.
رغم صعوبة النطق بذلك، إلا إنه قالها في النهاية، مواجهًا شعور الخيبة بمفرده:
– سُلاف وراغب.. ولاد عم.
حدق فيه للحظات، وقد انفتحت شفتيه گالأبله، معبرًا وكأنه أُصيب بالصدمة، فـ ضحك “حمزة” متهكمًا وهو يعيد التأكيد على الخبر اليقين :
– زي ما سمعت بالظبط، كل ده وهو مستغفلني.. سنين وانا باخد على قفايا من أقرب واحد ليا.. انت متخيل!.
حاول “نضال” تكذيب الخبر، وأن يُبعد عن ذهنه أي احتمال أو شك حول هوية نفسه أيضًا :
– مستحيل، اللي بتقوله ده مش صح.
تحشرجت نبرته المقهورة وهو يؤكد :
– كان نفسي أبقى كذاب، بس دي الحقيقة اللي واجهته بيها وهو مأنكرهاش.
نهض “حمزة” واقفًا عن جلسته وهو يقول :
– أنا خلاص هتجنن، لو ليهم طار مع صلاح ياخدوه مني أنا لـيه؟.. هموت من كتر التفكير.
نهض “نضال” هو الآخر وكاد يسير من خلفه :
– استنى رايح فين.
– خليك هجيب حاجه من المطبخ.
خرج “نضال” في أعقابهِ، وهو ينظر من حوله بتفحصٍ دقيق، حتى أحس بباب الغرفة ينفتح، فوقف عن السير وهو ينظر من حوله بتوترٍ، حتى رآها ورأته.. ارتبكت مع رؤيته خشية انكشاف أمره هو الآخر، وقبل أن تشير له بأي إشارة كي يبتعد عنها نهائيًا، كانت تراه يترك شيئًا بداخل المزهرية الموضوعة على المنضدة، ثم سار بإتجاه المطبخ كي يلحق بـ “حمزة” ويلهيه قليلًا، حينها هرعت “سُلاف” بالخروج، ومدّت يدها داخل المزهرية وأخرجت الهاتف الذي تركه لها “نضال”، ثم عادت إدراجها ركضًا، وأغلقت الباب على نفسها من جديد، كي تفتح الهاتف، وأول ما فعلته هو ربط نفسها بخيط الأمل الذي سينقذها من هنا، السبيل الوحيد الذي سيمكنها من الهروب برفقة طفلها دون أن تُحرم منه، قبل أن يحدث ما تخشاه گخشية الموت. تواصلت “سُلاف” مع “عِبيد” من أجل تخليصها من هنا، وقد أرسلت له موقعها المباشر وأوصته ببعض التعليمات التي عليه تنفيذها، لم يستغرق الأمر منها سوى بضعة دقائق حتى انتهت منه، فـ ضبطت الهاتف على وضعية الطيران قبل أن تخفيه تمامًا بين حوائج “زين”، وجلست قليلًا مستشعرة بتأهب حواسها تأهبًا متحفزًا، في انتظار أن يمر الوقت گالضيف الخفيف، حتى تنتهي من تواجدها هنا في أسرع وقت.
***************************************
سحب الرجل رشفة الشاي الساخن بصوت مسموع، ثم ترك الكوب على الطاولة وعاد يسحب نفس عميق من سيجارتهِ المحشوة بنبات الحشيش، ثم طرد زفيرًا ذا رائحة نفّاذة وهو يردف :
– أنا متأخرش عنك ياعم صلاح، انت عارفني انا رقبتي سدادة ليك.. بس لا مؤاخذة يعني مش هينفع النهاردة.. أنا رجالتي كلهم برا في الميادين.
قطب “صلاح” جبينه بعدم فهم معقبًا :
– ميادين إيه!؟
– أقصد يعني كل واحد معاه شغلانه بيخلصها، اديني يومين كده و….
نهض “صلاح” عن جلستهِ مندفعًا، ليقطع الحديث بينهما في منتصفه :
– ولا يومين ولا تلاته، أنا هشوف غيرك يستفيد باللقمة الحلوة دي.
نهض “عباس” عن جلسته كي يستوقفه قبيل أن ينصرف :
– استنى بس ياعم صلاح انت خلقك بقى ضيق كده ليه!.
زجره “صلاح” بنظرةٍ محتقرة شأنه وهو يهتف :
– بقولك دم بنتي على الأرض وانت تقولي يومين!.. شكلك نسيت نفسك ونسيت انت بتكلم مين!.
ربت “عباس” على كتفهِ يسترضيه، ثم برر موقفه قائلًا :
– يابيه عليا النعمة احنا عنينا ليك، كل الحكاية كنت عايز ادبرلك اللي هيجبولك الواد لحدك.. خلاص ولا تزعل نفسك.. سيبلي العنوان وانا هخلصلك الموضوع.
حذّره “صلاح” تحذيرًا جادًا وهو يقول :
– أنا عايز الواد ده سليم قدامي، من غير حتى خربوش واحد.
– عنينا.. بس خلينا نتفق على المطلوب الأول.
أغراه “صلاح” بمقابل لم يكن يتخيله، جراء خدمته الغير قانونية له :
– متقلقش، أنا هنغنغك يا عباس انت واللي معاك.
ابتسم “عباس” بسعادةٍ و :
– خيرك مغرقنا يا عم صلاح، بس في حاجه تانية.. في واد من العيال عندي اتعكش (أتمسك) بكيسة بيضا كان رايح يسلمها (مخدرات).. شوفلنا الحوار ده الله يخليك.
فسأله “صلاح” متحريًا عن تفاصيل الموضوع :
– العينة اتاخدت واتحللت ولا لسه؟.
– لسه.. الواد اتاخد النهاردة الفجر.
نظر “صلاح” في ساعة يده قبل أن يردف :
– ابعتلي التفاصيل كلها وانا هتصرف.. بس المهم ميكونش عك الدنيا في التحقيق.
انفرجت أسارير “عباس” وهو يُمجّده :
– ده انت صحيح ألماظ يا عم صلاح، حالًا هخلي العيال يبعتولك كل حاجه عشان نخلص من الحوار ده.. و موضوعك خلصان خلصان ولا تحمل همه.
أومأ “صلاح” رأسه قبل أن يسحب نفسه للإنصراف من هنا، وعقله مترددًا ما بين إخبار “حمزة” أو عدم إخباره!.. هل يُشركه فيما يقوم به من مسيرة ثأرٍ أم يخفي الأمر عنه حالما يرى أن التوقيت مناسب لإعلامهِ؟.. لم يستغرق التفكير حيّزًا كبيرًا من وقته، حيث قرر في سرعةٍ أن يتجاهل “حمزة” الآن، خاصة بعد كارثة اكتشاف هوية “راغب”، هو على علم حقيقي أن ولدهِ لن يمرر الأمر مرورًا كريمًا، لذلك حبّذ أن كل منهم يسلك مسلكًا مختلفًا للإنتقام من أعدائهم واحدًا يليه الآخر، وفي النهاية يُفاجئه إنه قد ثأر لابنته ضحية الغدر.
**************************************
بعد ساعات قضاها وسط ملفات قضاياه، أحس برغبتهِ في مشروب ساخن يبعث عليه قليلًا من الدفئ، وبالفعل دخل المطبخ بنفسهِ لإعداد أي شئ ينفعه، فلم يجد سوى مشروب القهوة بالحليب على الطريقة الفرنسية، ليبدأ في صنعهِ، ومن ثم عاد لغرفة المعيشة ليستكمل عمله. دخل “حمزة” فرآها جالسة أمام الطاولة، ممسكة بأوراقهِ المتناثرة يمينًا ويسارًا، فـ تخضب وجههِ بحُمرةٍ منفعلة، وترك قهوتهِ جانبًا وهو يصيح فيها :
– انتي بتعملي إيه!.
التفت إليها ليُجردها من كل ما تمسك به، ناظرًا إليها بإمتعاضٍ شديد :
– مالك انتي ومال شغلي.
وقفت أمامه وعيناها تتحدثٍ عن انفعالٍ متأثر، وسألته بحزمٍ حاد :
– انت هتترافع في القضية دي؟؟.
ألقى بالأوراق جميعها على الأريكة، وسدد إليها نظرة مستنكرة فظّة، ليقول بعدها :
– وانتي مالك؟.. حاجه متخصكيش.
لم تكبت ذلك الإنحياز بداخلها، وأفضت بعصبيةٍ هما يجول في نفسها :
– البنت اتقتلت عشان اتجوزت!.. أمال لو مشيت على حلّ شعرها كانوا هيعملوا إيه؟.
– غُــرفـي.. اتـجـوزت من ورا أهـلها عرفي يا هـانـم.
انفعلت بتأثرٍ وهي تدافع عن موقف القتيلة :
– هي حرة وبالغة كفاية عشان تاخد قرار زي ده، مش من حق أي حد حتى لو كان أخوها إنه يقتلها لمجرد إنها اختارت الإنسان اللي يناسبها واتجوزته، إحنا مش في غابة.
كان فاترًا حين الرد عليها مبررًا :
– والله دي عوايدهم وانا شايف إن ده الصح.. طالما خرجت عن طوع أهلها ملهاش غير القتل.
– انت جاحد ومعندكش دم.
ابتسم ساخرًا وهو يرد عليها :
– كفاية انتي عندك بزيادة.. ولا انتي عايزة كل واحدة تروح تضرب ورقة عرفي وترمي شرفها وشرف عيلتها في الأرض وهما يتفرجوا!!
جابت نظراتها أعلاه وأسفله في تهكمٍ صريح، وهتفت بتذمرٍ :
– مين اللي بيتكلم؟!.. أمال لو مكنتش أول واحد بيعمل كده كنت قلت إيه!.
فلم يترك كلماتها السامّة دونما يرد عليها بحِدةٍ وفيرة :
– أنا راجل حر ملكيش تحاسبيني، وبعدين ماانتي واحدة منهم، ولا شكلك نسيتي؟.
– أنا وضعي معاك مختلف.
– مش كتير!.. زيك زيها بالظبط.. عشان كده محموقة عليها وبتدافعي بقلب أوي كده.
گأنه يخدشها بأظافر من حديد، فأصابها بجروحٍ بالغة؛ ومع ذلك لم تترك نزيفها لها وحدها، بل لطختهُ هو أيضًا كي ينزفان معًا :
– أنا افتكرتك هتتعدل وتمشي على الصراط بعد اللي حصل لأختك، بس الظاهر إني كنت غلطانة، أنت هتفضل زي ماانت.
لم يتحمل كلماتٍ گهذه، أصابت مقتلهِ تمامًا، فأطبقت أصابعه على رسغها بقوةٍ موجعة وهو يرد بعصبيةٍ انفرطت منه :
– قصدك اللي عمله الـ ×××× ابن عمك فيها.. وحياة ربي ما هعديها، لو فاكرة سكوتي استسلام تبقي غبية.. أنا بس بطبخله طبخة على مقاسه.
دفعتهُ عنها وهي ترمقهُ بعيونٍ غضبانة، ثم ضربت صدره بكلا يديها وهي تصيح :
– أعلى ما في خيلك اركبه يا حمزة.
تركها مرّت من أمامه، بعدما أصابت جبهتهِ بندبةٍ بارزةٍ بازغة، وأعاد تدوير كلماتها في رأسه، جلس جوار أوراق القضية ناظرًا إليها بتحسرٍ، بعدما ترنحت صورة “يسرا” أمام عينيهِ، وكيف أن الوضع مقارب جدًا لتلك القضية، بل أن الفتاة القتيلة كانت أكثر عِفةٍ من شقيقتهِ التي ارتكبت الخيانة وهي امرأة متزوجة، وذلك ما أشعل نيران الحزن في جوفهِ، وملأ عيناه بدموع القهر، لا يدري أيحزن على فقدانها، أم لإنها خذلتهُ وكسرت ظهرهِ. أطاح “حمزة” بكوب القهوة الذي اشتهاه فـ صنعه، وقد فقد الرغبة في أي شئ بالكامل، وبقيت لديه رغبة وحيدة يتماسك لئلا ينصاع لها فـ ينهار، وهي البُـكاء.
**************************************
مع أول خيط للنهار، وبعد تخطي مراحل الشروق، ذهب لقبرها بعدما استوحشها، وقد جرفه الحنين حتى بابها، كي يشعر بوجودها على الأقل، وبعد أكثر من ساعة ونصف قرر المغادرة أخيرًا. خرج “راغب” بسيارتهِ من ممرات المقابر الضيقة، وسلك طريقهِ للعودة وهو يفكر فيها، في لياليهم، في حلمهِ بالإجتماع بها والذي لم يكتمل، في نهايتها المأساوية التي لم تكن تستحقها. كل ذلك وسط شرودهِ، فلم ينتبه كثيرًا للطريق المحفوف بالكمائن التفتيشية، وحينما وقف ينتظر دوره لم يهتم كثيرًا بمتابعة ما يحدث، حتى وجد نفسه قد أتى له دورًا، فوقف أمام ضابط الكمين، وأخرج له رخصة السيارة ورخصته الشخصية، ليتفاجأ يطلب الضابط بفتح حقيبة الشنطة الخلفية، فـ فتحها له مرتابًا، كأن حدسهِ أخبره بثمة وضع غير طبيعي؛ لكنه حاول إخفاء شعورهِ ذلك، وترقب تفتيش سيارته حتى أمرهُ الضابط :
– أنزل من العربية.
ترجل “راغب” عن سيارته ووقف جانبها متسائلًا :
– في حاجه يافندم؟.
ناوله العسكري حقيبة من الجلد البني، فـ فتحها وهو يقول :
– هنعرف دلوقتي.
كانت صدمة قوية، مفاجأة غير متوقعة، حينما أخرج الضابط باقة النقود الأجنبية ذات عملة الدولار، ورفعها أمام عيني “راغب” وهو يسأله :
– إيه ده ياأستاذ؟؟؟.. ده بقى تهريب ولا ده مزور ولا إيه بالظبط؟؟.
شحب “راغب” على الفور، وسرعان ما ترجم عقله ذلك الفخّ الذي وقع ضحيتهِ، فأجاب مبرئًا نفسه :
– معرفش يا فندم، مش بتوعي.
صفق الضابط حقيبة النقود وناولها للعسكري وهو يقول :
– نبقى نعرف في المديرية بقى.. سيادتك مقبوض عليك.
ها قد وجد جواب لسؤاله، وعرف أخيرًا أين “حمزة” من كل ما حدث وماذا يُدبر له؟.. وأن طاقة الإنتقام بداخله لم تخمد بل إنه كثّف جهوده من أجل تلك اللحظة، والآن لا يعلم عن مخططاتهِ القادمة شيئًا، وما خفي كان أعظم؛ الشئ الوحيد المعروف أن الحرب الباردة أصبحت أشرس من ذي قبل، وكل منهما يعرف أن له عدو يتربص له، عدو أخطر من أي عدو آخر، عدو يعرف جيدًا نقاط ضعف وقوة الآخر، وسيضرب من حيث أضعف نقطة.
**************************************
أصرّ بنفسهِ على إعداد وجبة من الجزر المهروس من أجل “زين”، گنوع من التنوع لطعامهِ ليضيف قيمة غذائية يستفاد بها. جهز كمية قليلة في طبق صغير واتجه به نحو غرفتهم، ومع اقترابهِ من الباب بدأ يستمع لصوت بكاءهِ المنزعج، فـ فتح الباب دون يطرقهُ، ليراها تقف به وسط الغرفة وتحاول تهدئتهِ. تأففت بإنزعاج لدى رؤيته و :
– من فضلك مش وقت احتكاك، الولد عمال يعيط واتا مش عارفه أسكته.. ممكن تخرج برا.
ترك طبق الجزر المهروس جانبًا، ودنى منها وهو يقول :
– شكلك عمرك ما اتعاملتي مع أطفال قبل كده.
بسط ذراعيه لكي يحمله عنها، فـ ابتعدت للخلف وأبعدت ذراعيها عنه وهي تقول :
– أنا هسكته.
زجرها بنظراتٍ حانقة، وأصرّ على أخذه منها مشيرًا لضرورة التوقف عن العِناد في أمور الصغير :
– مش وقته عنادك ده.. انتي مش هتعرفي تسكتيه.
وحملهُ عنها، فتزايد بكاءهِ دون أن يتوقف. مسح “حمزة” على ظهرهِ وظل يكرر ذلك، ثم جلس به على طرف الفراش وتركهُ ينام على ظهرهِ، وبدأ يمسح بضغطٍ خفيف على بطنهِ، متعمدًا إخراج غازاتهِ التي تسببت في بكاءه الشديد. راقبته “سُلاف” دون أن تفهم ماذا يفعل الظبط، حتى أحست بـ “زين” بدأ يهدأ رويدًا رويدًا، وعرف السكون طريقه إليه أخيرًا، بعدما ارتاحت معدته بنسبة كبيرة، فـ حمله “حمزة” من جديد ووضعه على صدرهِ كي يضمهُ، فوجد رائحتهِ التي يحبها تفوح منه. رفع “حمزة” أنظاره نحو “سُلاف” دون أن ينطق كلمة واحدة، بينما سألته الأخيرة الفضول متملكًا منها :
– انت عملتله إيه؟.
استمع “حمزة” لصوت رنين هاتفهِ، فـ هبّ واقفًا ومازال طفله بين أحضانهِ، خرج به متتبعًا صوت الهاتف حتى وجده على المنضدة، فـ انحنى ليأخذه وأجاب عليه على الفور :
– ألو.. طمني عملت إيه؟؟.
فآتاه صوت “زيدان” المتوتر، وهو يحذره على عجالة :
– كله حصل ياأبو البشوات بس خلينا في المهم.. انت لازم تسيب المكان اللي انت فيه دلوقتي.. الجماعة إياهم حراس الست الأستاذة داخلين من بوابة السخنة.
تلقّى المعلومة دون أن يسمح لنفسه بالمكوث تحت تأثير الصدمة، أغلق هاتفه في عجالة والتفت ليجد “سُلاف” واقفة خلفه مباشرة، فـ حدقها بعينين شرستين ليزأر بعدها بـ :
– هتيجي معانا ولا تفضلي هنا لوحدك مستنية الكلاب بتوعك؟
توترت فور مفاجئتها بسؤالهِ المباغت، ولم تتمكن من التفكير للحظةٍ واحدة، حيث صمتت ثانيتين فكان “حمزة” قد أخذ القرار نيابة عنها :
– يبقى هتيجي معانا.
وأمسك برسغها ليسحبها معه حيثُ يسير، دون أن ينتظر منها جوابًا أو تصديقًا على القرار الذي اتخذه في لحظةٍ واحدة و……….
****************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى