رواية غمرة عشقك الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم دهب عطية
رواية غمرة عشقك الجزء الخامس والأربعون
رواية غمرة عشقك البارت الخامس والأربعون
رواية غمرة عشقك الحلقة الخامسة والأربعون
مسكت آية كوب من مثلجات الفانيلا وبدأت باكله وهي تنظر لسمر الشاردة بعيداً عنهم…..ثم لحنين التي تجلس واجمة الملامح…. مما جعلها تقطع الصمت بين ثلاثتهما……قائلة بحنق منهن….
“جرالكم إيه انتوا الاتنين قلبين بوزكم كدا ليه…..”
زفرة سمر قائلة باختناق…..
“مافيش……”وكذلك حنين قالت….
“ولا حاجة…….”
وضعت آية معلقة من المثلجات بفمها وهي
تتحدث بمكر…….
“تصوراو انا بقالي فتره مش طايقه خالد……”
هتفت حنين بقرف…..
“مين سمعك…… انا امبارح قلبت على أخوكي….”
قالت سمر بتنهيدة متعبة من كثرة الهجر
بينهما….
“انا بقا بقالي اربعة ايام معرفش عن ابراهيم حاجة……..”
سألتهم آية بمكر خفي….
“ولي دا كله……..”
قالت حنين بحنق شديد والغيرة تنهش قلبها….
“ولا حاجة صوره بس كترت مع الستات الأجانب فاقفشت عليه…. يقوم هو يقولي إيه…..والله دا
شغل ياعيوني……..”
لوت سمر شفتيها قائلة بضجر…..
“هو بيقولك ياعيوني…. دا اي الدلع الماسخ ده…..”
قالت حنين بصوتٍ ملتاع بالحب……
“لا ياسمر…. دا الكلمه دي بتخطف قلبي….. بس برضو
قلبت عليه ونكدت فـ راح هو سبني وبات في أوضة تانيه قال يعني انا اللي غلطانه……”
قالت سمر بحدة…
“هو اللي غلطان سبيه لحد ما يجيلك راكع…..”
لكزتها اية في كتفها قائلة بدفاع جاد……
“بس ياحريقه انتي….. لا ياحنين انا من رأيي انتي
اللي غلطي لان دا شغله ياحبيبتي ولازم تكوني واثقه في اكتر من كده…. وبعدين الراجل مبيحبش الست اللي تضيقها عليه بيحب الست المتفهمه العاقلة اللي تقدر تحتوي الموقف وتحتويه
معاه…..”
لوت سمر شفتيها معقبه بتهكم……
“أيوا احتويه واحتوي الموقف وولعي انتي عادي….
انتي بتاخدي رأي اخته على فكره… مش هتقف غير في صفه……”
صاحت آية بانكار….
“والله أبداً انا بكلمك لمصلحتك ياحنين…” ثم
نظرت لسمر وقالت منزعجة…..
“وبعدين انتي مالك داخله حاميه كدا ليه…. انتي متخنقه مع جوزك انتي كمان…..”
زفرة سمر وهي تقول سريعاً…..
“آآه تقريباً شكيت فيه… او فهمت غلط مش عارفه… المهم يعني اننا بقالنا كام يوم بُعاد عن بعض ومنعرفش حاجة عن بعض….. هو انتي صحيح
مش طايقه جوزك ليه……”
توترت حدقتي آية فحركت كتفيها قائلة
ببراءة…..
“انا…. أبداً نسي يطفي نور الأوضة عليا وانا
نايمه… ”
التوى ثغر سمر وقالت…..
“دا اي المشاكل التافهة دي…”
ضحكت حنين وهو ترتشف من كوب العصير قائلة بخبث……
“بس انا واثقه ان عز هيصلحني والنهاردة كمان…”
قالت سمر ساخرة…. “ياااه على الثقه…. وفي الآخر انتي اللي بتروحي تصلحيه…….”
زحفت حمرة الحرج لوجنتي حنين فقالت
بتلعثم…. “يعني مش بظبط……انا… ”
قاطعتها سمر هازئة…..
“مش بقولك هي اللي بتصلحه……”
قالت حنين بحنق شديد منها….
“بطلي رخامه ياسمر…… وفكري في مشاكلك على جمب…….”
قالت سمر بصلف……
“انا معنديش مشاكل الحمدلله انا زي الفل….”
ضيقت آية ما بين حاجبيها قائلة….
“ممم واضح أوي…. “ثم انتبهت لمن قادم
عليهم…
“الحقي عز جه…….”
ابتسمت حنين وهي ترجع شعرها للخلف قائلة ببلاهة……”مش قولتلكوا حبيبي ده…….”
تقدم منهم عز الدين بطلته الجذابة التي تخلق هالة رجولية فجه في المكان من حوله…كان يرتدي ملابس كاجول بنطال اسود وقميص أبيض يليق بجسده الرياضي وطوله الفارع ويضع نظارة شمس فوق عيناه تخفي عسليتاه الضارية……عندما وقف امام الطاولة تحدث إليهم…..
“سلام عليكم….ازيك يا آية….أهلا يام مكه..
اتكأ على اسمها بصعوبة فهو للأسف مزال يشعر
بالحنق كلما وقعت عيناه على تلك المرأة يافعة الانوثة والشراسة الغير مستحبه داخله…..ولكن
عنوة عنها يتقبل وجودها لأجل حنين ويبدوا انها أيضاً تتقبل وجوده لأجل صداقتها بحنين
تستمر……..
مالى على حنين وقبلها من وجنتها وهو يهمس
في اذنيها قائلاً…….
“تعالي ياعيوني عايزك………”
ادعت حنين الدلال وهي تهمس له
بحنق….”عايز إيه……”
لفح جيدها بانفاسه الساخنة وهو يقول
بتوعد….
“هتيجي ولا اشيلك قدامهم وقدام النادي كله…”
بلعت ريقها واحمرت وجنتيها وهي تنهض خاضعه لرغبته فمسك يدها هو برفق ثم سالها عن
آدم فقالت بهدوء….
“في المسبح مع المدرب بتاعه هو وعلي…..”
ثم نظر عز الدين لاخته سائلاً……
“هما فين بناتك يا آية……”
قالت آية بهدوء….. “مع الدادة هما ومكه بتمشيهم شويه……”
قالت حنين لهم بحرج……
“طب عن اذنكم……. شويه ورجعه…..”
كبحت سمر ضحكةٍ لعوبه وهي تقول
بخبث…..
“براحتك يانونا….. احنا مورناش حاجة…..”
نظر عز الدين لسمر من اسفل نظارته وسالها بهدوء…….
“صحيح يام مكه……انا عايز رقم ابراهيم جوزك….”
عقدت حاجبيها سائلة…. “عايزه ليه……”
تحدث بصعوبة فهو يكره الفضول الانثوي التي
تتمتع به كله الزوجات…..
“شغل…. عايز اعمل معاه شغل……. عرفت من حنين انه عنده مصنع (…..)….. ومحتاج شحنه من عنده……..”
اومات سمر قائلة وهي تعطيه الرقم التي
تحفظه على ظهر قلبها….
“تمام اكتب عندك ٠١……..”
……………………………………………………………..
وقفت معه في أرض واسعه خضراء مخصصة للعب (الجولف)…..
نظرت حنين إليه بطرف عينيها سائلة…..
“جيبني هنا ليه…….”
اعطاها عصا الجولف قائلاً بهدوء…..
“هنلعب سوا….. انا بحب اللعبه دي أوي……تعرفي بتعتمد على إيه اكتر…..”
وضع الكرة البيضاء الصغيرة أرضا ثم مسك عصا الجولف وركز بعيناه الضارية على الثقب الذي
يجب وضع الكره داخله….
“بتعتمد على تحديد الهدف بذكاء… وتحريك المضرب بصبر وحرص وهوب……. تكسبي…..” دفع الكره بالعصا فتدحرجت في خطٍ مستقيم ودخلت
من الحفرة الصغيرة مسجله بعدها الهدف
ببساطه ويسر…
نظر لها بعسليتاه القوية وهو يسالها بخشونة….
“تعرفي……تلعبيها……..”
هزت راسها بنفي وهي تشعر بقلبها يخفق بجنون
آثار نظراته القوية والجريئة التي تحمل بين طياتها عتاب عن شجارها معه أمس…….وتحطيم الامسية بنوم كل واحد منهم بعيد عن الآخر……
“بسيطه ياعيوني….أعلمك……”قالها وهو يتقدم
منها فزادادت رجفة جسدها بعدما شعرت به يحتوي خصرها من الخلف بذراعيه ممسك يداها المتعلقه بعصا الجولف……ثم همس وانفاسه الساخنة تلفح
جيدها وصفحة وجهها فتزيد ضعفها وشوقها لهذا العابث الوسيم محطم قلوب العذارى…..وقلبها
قبلهم…….
“بصي قدامك ياحنين….عينك على الحفرة الصغيرة
دي……..وبعدين….”حرك العصا برفق بكفيه الممسكه بيداها برفق فشعرت بشفتيه تلامس بشرة عنقها فهمست بضعف وهي تحاول التملص من بين يداه……..
“عز……..قولتلك مش هعرف……”
قال وهو يعانق لوزتي عينيها
بحب….
“ركزي بس وانتي هتعرفي…..”
حاولت الابتعاد عنه قائلة بخجل….
“طب أبعد شويه…..”
التصق بها أكثر قائلاً بوقاحة….
“مش هينفع…..كده هتكسبي اسرع……”
اغمضت عينيها بقلبٍ يخفق بجنون…..
هامسة “عـــز……”
“هشش بصي قدامك…….”شعرت بقبله دافئة تطبع على بشرة عنقها ثم تحركت العصا فجاة بين يداها التي كان يتحكم بها بكفيه……
فتحت عينيها وهي تنظر للكرة التي تدحرجت بخطٍ مستقيم داخله الحفرة الصغيرة….توسعت ضحكاتها وهي تنظر لعز الدين الذي ابتسم لها بجمالاً خطف قلبها…….وانصهر خجلها ونسيت وقاحته معها وقفزة
في احضانه قائلة ببراءة…..
“كسبت…… كسبت ياعز…….”
ضمها لأحضانه بقوة ويده تتحسس ظهرها
بوقاحة قائلاً بعذاب……
“كده تبوظي الليله إمبارح…وتخليني اتعصب عليكي
واخد بعضي وبات في اوضة تانيه….”
ابتعدت عنه بصعوبة وهي تعاتبه بغيرة…..
“يسلام…. وانت بقا ازاي عايزني اعدي صورك مع الأجانب اللي مغرقه الميديا كلها….. والكلام اللي
كتر عنك…. انك اتجوزت تاني عليا……”
اتسعت عيناه قائلاً بتهكم…..
“وانتي هبله بتصدقيهم……”
عقدت ساعديها امامها وقالت بغيرة….
“مش بصدقهم بس ليه تتصور أصلا معاهم وتخلق اشاعات من الهوا……”
استهان بالأمر قائلاً….
“دول شركا معايا في الشغل ياحنين وبينا
صفقات…..”
صاحت بوجهاً مكفهر…. “يسلام وهو كل تعاملاتك
مع الستات…”
رد ببساطه…..
“رجاله وستات….. وبعدين دا بزنس مجاملة يعني..”
قالت بحزن…..
“مجاملة على حسابي ياعز……”
رق قلبه لعيناها الحزينتان فقال وهو يقترب منها معانق وجهها بكفيه……
“مش على حسابك ياعيون عز….بس انا نفسي
تفهمي وتقدري شغلي….. ومش كل حاجة تمعنيها على مزاجك وتقلبي عليا….. وتفضلي تعيطي مش كده ياحنين……”ثم ارجع خصلة من شعرها
للخلف قائلاً بنبرة عاطفية……
“انتي عارفه اني مش بحب اشوف دموعك…
وبزعل أوي لم بتبعدي عني…..”
اشاحت بعينيها بعيداً عنه قائلة…..
“انت اللي سبتني و رحت تنام في اوضة تانيه….”
قال مبرراً بضيق…..
“مانتي خنقتيني ياحنين…..قعد ازاي معاكي وانتي قلبه عليا كده…..”
قالت ذاهله….. “يعني انا اللي في الآخر غلطانه…..”
“مفيش حد فينا غلطان دا سوء تفاهم مش اكتر…
مش كده…. “نظر لها بعسليتاه الحانية فقالت كالمسحورة امام عيناه…..
“انا آسفة….حقك عليا….بس كنت هموت من الغيرة عليك الصور مستفزة أوي ياعز….بذات والبت
الصفرة المسلوعه دي لزقه في كتفك….وبتبصلك وهي بتضحك….”
ضحك قائلاً بمراوغه وهو يقرص وجنتيها اللينه
الناعمة…….
“اديكي قولتي صفرة ومسلوعه…انا محبش غير القشطة الطريه الناعمة دي…….”عضت على شفتيها امام عيناه فقال وهو ينظر لعمق عيناها…..
“بقولك ايه……”
“ممم…..”
قال وهو يمرر اصابعه على شعرها…
“استاذني من صحابك وتعالي نروح…..خليني اصلحك على روقان…….”
ضحكت بخجل وهي تبعد يده عنها
قائلة….”طب و آدم…….”
اجابها بصوتٍ أجش يخفق قلبها مع صدى
كلماته
“آدم قدامه ساعتين على ما يخلص وبعدين خايفه من إيه علي وآية معاه….على ماهو يخلص نكون احنا روحنا ورجعنا ليه……..عشان نطلع نتغدى برا ونقضي
باقية أليوم في مكان على ذوقك…”
سالتها بعيون عابثة…. “اعتبرها مكافأة…….”
اجابها وهو يميل عليها قليلاً….
“أيوا مكافاة……بس بعد ماخد انا مكافاتي الأول……”
دفعته وهي تبتعد عنه
بدلال…. “بطل بقا الله…….”
سألها بدهشة وهي تسرع الخطى مبتعده عنه…
“راحه فين…..”
استدارت له قائلة ببساطه….
“هقولهم اني مروحه معاك……”
قال بزهوٍ….. “دا واضح اني وحشك أوي……”
هزت راسها بنفي وهي تخفي ضحكتها الخجولة ولكن حمرة وجنتيها كشفت عن مشاعرها
المتلهفة لقربه…..
بعد ان اختفت عن مرمى ابصاره زفر عز الدين
بلوعة الحب وهو يعود لعصا الجولف ضارب الكرة الصغيرة التي للمرة الأولى تنحدر بعيداً عن الهدف
فنظر للاتجاه التي ابتعدت منه حنين ذاهلاً…..
وكان الحظ الجيد كان فقط بقربها……..
………………………………………………………………
عندما وصلت حنين الى مكانهم وجدتهما في ركن
هادئ جالسين على الحشائش الخضراء حولهم الاشجار….كانت آية وسمر يجلسوا جوار بعضهن
مربعين الساقين ظهرهم مستقيم يمدوا ذراعيهم
للامام ساندين بها على ركبتهم…… وفي الأخير
جفونهم مغلقة….. خمنت سريعاً انها أحد جلسات اليوجا…. والتي تساعد على الاسترخاء وتصفيت الذهن…… مارستها كثيراً مع آية حينما كانت تتوتر
او ينتابها الحزن…… كانت طريقة آية للمساعدة
ويبدو انها تحاول تجربتها على سمر….
كتمت حنين الضحكة وهي تقف تراقبهن بتسلية…
لتجد سمر تهتف في آية بتذمر وهي تفتح
نصف عين….
“يا آية انا كده بتوتر اكتر…. انا كل الافكار
السودة فكرت فيها في الشوية اللي قعدتهم
دول……على فكرة بقا اللي اخترع اليوجا ده
حد فاضي للعبط……”
“هشش….بطل رغي غمضي عينك واسترخي…”
ثم اخذت نفساً عالياً واخرجته ببطء قائلة….
“شهيق….. زفير…….شهيق…. زفير وانتي
هترتاحي…”
قلدتها سمر ممتعضه وعند التكرار شعرت بوجع
في صدرها فصاحت بحنق……
“لا انا كده نفسي بيروح…….انا حامل ياست…..”
عضت حنين على شفتيها وهي تكتم ضحكاتها بصعوبة لتجد آية تخبرها وهي مغمضت العين باسترخاء عالٍ واندماج غريب…….
“دا مفيد جداً للبيبي على فكرة وليكي كمان…
اليوجا بيخفف القلق التوتر عندك وبيساعد كمان
على النوم وبيخلصك من الصداع…… وبيخفف
وجع الضهر وبيقوي عضلاتك وبيخليها مرينه…..”
قلبت سمر شفتيها قائلة بسخرية….
“ماشاء آلله…… القعده دي بتعمل دا كله……”
قالت آية بنفي ومزالت مغمضة الجفن…..
“لا طبعاً في وضعيات تانيه كتير بس هناخدها
واحده واحده……..”
“ولا وحده وحده ولا براحه القعده دي وجعت
ضهري أصلا….اقولك انا هقوم اشرب العصير ده
على ماتخلصي اليوجا بتاعتك…….”نهضت سمر
من مكانها وبدأت بشرب كوب العصير وهي
تقول بتافف……
“ريقي نشف اقسم بالله…..دي يوجا دي ولا احنا
علينا ذنب……..”
فتحت آية عيناها قائلة
بضجر…….”جاهله…..”
لوت سمر شفتيها وهي ترتشف من الكوب باستمتاع……
“خليناك انتي العلم يامثقفه يابتاعت اليوجا…..”
اغمضت آية عيناها مجدداً قائلة بانزعاج….
“بس بقا خليني اركز……..”
تدخلت حنين وهي تقترب
منهن….
“ما تسبيها تركز ياسمر……..”
قالت سمر سريعاً لحنين….
“كويس انك جيتي عشان انا ماشيه…..”
فتحت آية عيناها مجدداً وسألتها
باهتمام….”راحه فين ياسمر….ما تخليكي شوية”
قالت سمر وهي ترفع الحقيبة على كتفها….
“لا لا كده تمام…… انا هاخد مكه وطلع على السنتر……هباشر الشغل بدل مانا سايبه الدنيا
كلها على عفاف…..”
قالت حنين بتلعثم….
“تمام انا……انا مكان ماشيه مع عز…….”
نظرت لها سمر بخبث وقالت بلؤم…. “والله…مم…..طيب…..”
صاحت حنين بحرج…….. “سمر…….”
ادعت سمر البراءة قائلة….
“بتبصيلي كدا ليه…….انا مقولتش حاجة أصلا…..”
ضحكت آية وهي تنهض من مكانها
قائلة…..
“واضح ان اخويا سره باتع…….”
قالت حنين بخجل وهي تهرب من مزاحهم
الثقيل….
“والله هي الحفلة بدأت بيا….طب سلام بقا…..”
قالت سمر من خلف ظهرها ضاحكة….
“ايوا سلام……… الحقي وقتك يابيبي…….”
استدارت اليها حنين وبمنتهى الطفولة المتأخرة اخرجت لسانها لها…..فضحكت سمر وآية عليها………لتغادر سمر بعد مدة قصيرة ذاهبه
الى عملها وابنتها الصغيرة معها…….
……………………………………………………………..
كانت متسطحة على بطنها بعرض السرير بداخل غرفتها الانيقة والتي تحمل طابع طفولي اكثر من انثوي تتمتع به شابة جميلة مثلها……
كانت ترتدي شورت قصير أبيض عليه كنزة قصيرة زرقاء تصل لمنتصف خصرها…..وكان شعرها الأسود الناعم الطويل يرتاح جانبها على الفراش يتخطى طوله حافة الفراش بقليل…. كانت تستمع لاغنية شبابية تردد كلماتها وهي تمضغ علكه وردية
بفمها……
تلعكها بدلال وهي تدندن مع الاغنية بينما اصابعها تبعث في هاتفها غالي الماركة…….لتفتح احد صور كرم وتظل تتأملها وهي تدندن مع الأغنية بشقاوة
الحب………
(انت عارف ليه بحبك ليه و حبك ليه بيحلالي
ليه بسهر ليه ودوب في عنيك.. وحبك تبقى طوالي حيران على طول اه كده و مشغول و حالك يبقا من حالي علشان بتكون عاشق مجنون و حبك ليا مالي الكون و بتبقى بريء ساعات و جريء ولا قلبي
عليك بيهون يا حبيب قلبي يا غالي على عيني و قلبي و مالي غنى عن حبك يوم يا سيدي انا
بناديك تعالى هنا…..)
اغمضت عينيها وهي تبتسم وتحركت نائمة على ظهرها ورفعت عيناها البراقة لسقف الغرفة ثم حانت منها التفاته على احد الرفوف الخشبية الانيقة والتي تحتوي على بعض الروايات الرومانسية والرف العلوي يوضع عليه علب وردية اللون تحتوي على دمى بلاستيكيه صغيرة جميلة الشكل يطلق عليها (باربي…)
ابتسمت وهي تقفز من مكانها بسعادة مجنونة وهي تخطف معظمهم وتضعهم امامها على الفراش وظلت تتأملهم بتأني دون فتحهم وافساد شكلهم المرتب
كانت فقط غارقة في ذكرى كلاً منهم…لم تحمل اياً منهم ذكرى رومانسية او ذكرى دافئة بينهما على العكس كانت كل هدية منه تقدم بشفتي مقلوبه
بسخرية ولسان لا يعرف إلا الاستهزاء منها……
كيف كانت تقبلها بعد كل هذا لا تعرف…. لكن داخلها شعور غريب في اخذ دميتها منه كل سنة رغم انها كانت دوماً وقتها تسعى ان تلفت نظره انها كبرت على الدمى وتود هدية تليق بمراهقة مثلها….
وكان رده ساخراً مؤكد بعناد انها مزالت صغيرة
وتحتاج لهدايا كدمى وردية شقراء….. تليق
ببراءتها التي يعلم انها تلاشت بعدما وقعت
في حبه…….
عادت والقت نفسها على الفراش بالعرض فتطاير شعرها للخلف واقع أرضاً وحولها العلب الوردية
المغلقة……..بينما الهاتف موضوع جوار راسها
مضيء على صورة كرم كما تركته…….اما عينيها
فكانت معلقة على السقف شاردة بتوله في اخر مقابلة بينهما……..وحتى تستجمع أجمل هدية
حصلت عليها منه أخيراً وضعت يدها في منتصف الترقوة ثم تحسست هذا القلب الأحمر الصغير
المعلق في سلسال ذهبي يحيط عنقها برقة….
والذي اهداه لها كرم في المول…….
عندما كان في المول وبعد ان انتهى الاثنين من جولة التسوق وقد انتقى كرم كمية لا بأس بها من الملابس التي ستوفي بالغرض عندما يذهب للتصوير امام زملاءه…..وقد نجحت نور في انتقاء الافضل وتغيير قليلاً من نظام لبسه المعتاد….واضافت روحها وذوقها كذلك وهو لم يمانع بل كان راضي تماماً عن كل
شيءٍ فقط لانه اكتشف ان اذواقهما متقاربة وافكارهم كذلك سواء في نقاش على شيءٍ معين يفضله او الاختلاف على شيءٍ لا يريده….كانت متفهمه حانية حنونه….وكانها تراضي طفلها وتريد
ان تصل معه لحل وسط يرضيه ثم يرضيها……
كانت منشغلة في انتقاء اخر طاقم له واثناء انشغالها
وجدته ياتي من خلفها قائلاً وهو يجذبها من يدها برفق…….
(نور…..)
سارت معه وهي تساله بتعجب…
(اي ياكرم…….بتشدني كدا ليه…….)
اوقفها امام مرآة طويلة بقلب محل الملابس
الواقفين فيه……كان يقف خلفها وهو ينظر اليها
عبر المرآة قائلاً…….
(غمضي عينك……..)
قالت باستياء….
(اوعى تكون جيبلي باربي……هزعل بجد…..)
تعلقت عيناها به في صورة المرآة والتي كانت تشكل هالة من التناغم حينما وقف امامها هذا الثنائي وان
كانت المرآى تتحدث لقالت انها تعكس صوره لأمير
وسيم شقي واميرة جميلة بريئة خرجت للتو من أسطورة خيالية ولحق بها الأمير لهنا كي يعيدها
لبيتها…..وتكن تحت صك ملكيته…….
قال كرم مبتسماً وهو يتأملها معه عبر المرآة….
(لا مش باربي……. حاجة تانيه….. كنت متردد ادهلك
مع انها معاكي طول الوقت……)
(مش فاهمه اي هي اللي معايا طول الوقت..
وقررت تدهالي…. دا لغز ياكرم……) نظرت الى
عيناه وهو كذلك فعل وتعلق بها للحظات سابح
في عتمة لامعه دافئة تجذبه وتغوي قلبه
القديس في حبها…….همس باللهجة
متعذب مسحور……
(قلبي يانور……… قلبي…….)
عقدت حاجبيها بغباء…. بينما هو قد اخرج
السلسال الذهبي المعلق به قلبٍ صغير أحمر
براق….. يخطف القلب والعين من شدة رقية
وعمق معانيه……والبسهُ لها وهي تسأله
بحيرة…..
(مالو قلبك ياكرم……..)
(انتي عارفه……….) قالها وهو يترك عينيها ويتأملها عبر المرآة مع السلسال الذهبي والقلب المتدلي
منه يصل لمنتصف الترقوة بقليل……
انتبهت نور أيضاً لما بين عنقها فبدات تتلامسه
بتأني وهي تشهق ذاهله…..
(كرم……)
ابتسم كرم وهو يحدث صورتها عبر المرآة….
(احلى من باربي مش كده……)
قالت وهي تنظر للسلسال بانبهار……
(بكتير…..بس برضو الهدايا بتاعتك لسه محتفظه
بيها بعلبتها…….)
هتف بدهشة…..(يااه لدرجادي…….)
(واكتر لما بتوحشني بقعد اجبهم واتفرج عليهم و……….) توقفت عن الحديث وهي تعض على
لسانها بخجل…….
فقال كرم بلهفة واضحة……
(كملي يانور……..انا عايز اسمعك……)
(عايز تسمع إيه……..هو مش كان كلامي دا بيضايقك……)قالتها بحزن وهي تبتعد عنه…..
عقد حاجبيه بتعجب وهو يمسك ذراعها ويديرها
إليه…..
(بيضايقني…..هي السلسلة دي مش بتلفت نظرك لحاجة………)
نظرت اليه وقالت بلؤم…(حاجة زي إي يعني……)
بلع ريقه بتردد وقال
بحزم….
(نور انا مش هقولها……)
اغتاظت منه فقالت بحنق شديد….
(يسلام…..واشمعنا بقا عايزني انا اللي أقولها……..)
زفر وهو يضع يده بخصره قائلاً بتوضيح….
(افهمي انا مش هينفع اقولك اللي جوايا
دلوقتي……الكلمة دي بيتبني عليها حاجات كتير يانور….. وانا قبل اي حاجة لازم افاتح ابوكي في الموضوع واعرف رده…..)
سالته ذاهله…..
(موضوع اي اللي تفاتح بابي فيه……)
تحدث بخشونة جادة…..
(اني اتجوزك….ولا انتي عايزه حب وخلاص..مش
لازم اتجوزك انا……..)
توسعت عينيها فجأه وهي تنظر اليه بقوة ولم
تلبث إلا وصاحت بتهليل جعل الزبائن في
المتجر تركز معها بدهشة…..
(كرم انت بتكلم بجد….هتجوزني….هتجوزني انا….)
أحمر وجه كرم وهو ينتبه لنظرات الجميع فاسرع
واغلق فمها بكف يده وهو يحاول السيطرة على فرط حركاتها وفرحتها في ان واحد…..
(بس هشش……هتفضحينا يامجنونة…..اصبري لما افاتح ابوكي في الموضوع وشوف رده…..)
ابعدت يده وهي تقول بخفوت شقي……
(مش مهم….المهم ان انا موفقه….ماتيجي نتجوز دلوقتي……)
رفع حاجبه ذاهلاً وهو يضحك…..
(لا دانتي لسعه بقا…….)
صاحت بجنون…..(بس بحبك……..بحبك أوي……)
خفق قلبه بقوة موجعه فاخرج انفاسه بصعوبة وهو يرى تاثيرها عليه كلما صارحت بحبها بهذا الشكل اللذيذ…..انها لطيفه بريئة مجنونة حنونه….مزيج
شهي مغري تحمله أنثى تحمل مقاومات الانوثة الفتاكه والجمال الفاتن…..فكيف يصمد امام كل
هذا السحر…..وكيف لا يخفق قلبه بلهفة لسماع
المزيد منها كيف وهو غارق في حبها…….منذ أول
يوم وقعت عيناه عليها……وهو يعلم ان تلك
الاميرة الصغيرة اتت فقط لترهق قلبه عشقاً…..ويصاب قلبه عند رؤيتها بغمرة
العشق !…….
قال كرم بغيظٍ منها بعد ان أخرج تنهيدة
حارة متعبه……
(ارحميني يانور…..انا بنادم من لحم ودم برضو……)
سالته ببراءة…وعيناها تشع براءة…
(الله وانا عملت إيه……..)
هز راسه قائلاً باستياء…..
(ماهو اللي مصبرني عليكي انك مش عارفه انتي بتعملي إيه فيا…….)
سالته بعدم تصديق….
(كرم…. انت بجد هتجوزني……)
هتف باللهجة تمني المحب…….
(انا نفسي…..بس لو ابوكي ليه رأي تاني…يبقا لازم نحترم ده…….)
عبس وجهها وهي تقول بتسرع…
(نحترم……نحترم إزاي يعني….لازم ببابي يوفق…اقولك انا ممكن اعمل عليهم فيلم واقولهم…….اني لو متجوزتكش هموت نفسي……)
عقد كرم حاجبيه وهو يحدثها بجدية…….
(بعد الشر عليكي…..اي الهبل اللي بتقولي ده…مش كل حاجة ينفع تيجي بالعافية……مش لوي دراع
هو يامجنونة……)
هتفت نور بتهور……..
(اسمع مني…ماهو انا مقدرش اعيش من غيرك…واكيد انت كمان…ودا اتاكدت منه لما شوفت صورتي تحت مخدتك….فـ ليه بقا نقاوح….احنا نحطهم قدام الأمر الواقع……ونتجوز…….)
رفع حاجبه وهو يسالها بمنتهى الهدوء….
(ويترى بقا هنتجوز في السر ولا عند
مأذون شرعي…..)
(اا…..)
رمقها بقوة هادراً…..
(اخرسي انتي لسه عندك اقترحات….)ثم ضيق
عيناه ومسك ذراعها وهو يقربها منه سائلاً…
(وبعدين تعالي هنا….انتي خدتي بالك من الصورة اهوه….امال عماله فيها من بنها ليه……)
سالتها بدهشة…..(يعني اي من بنها……)
(متغيريش الموضوع……….بتحبيني……)
اومات براسها سريعاً وهي تبتسم فقال بخشونة وبحاجبين منعقدين بجدية…….
(تبقي تسبيني اتصرف….وانا هعمل كل اللي اقدر عليها عشان اوصلك…….)
سالته ببراءة…..(وانا اعمل إيه……)
(انتي تستني……تستني وبس…..وتحفظي على السلسلة اوعي توقع منك…….)نظرت للقلب المعلق في السلسال ففهمت سريعاً ماذا يقصد فقالت
بوله…..
(انت هتفضل جوا قلبي وعيني مهما حصل……)
اخرج كرم تنهيدة حانقه وهو يقول
بعذاب….
(يانور ارحميني مش كده…….)
نظرت له نور تلك النظرة التي تخبره دوماً انه
محور الكون بنسبة لها………مما جعله يهرب من عينيها….قائلاً بحنق شديد…….
(نور متبصليش كده ….)
قالت بحيرة وهي تحرك كتفيها….
(طب اعمل اي طيب……..)
تحدث بجدية وهو يبتعد عنها……
(لازم نروح يانور…..انتي بقيتي خطر على قلبي….)
لحقت بها ركضاً وهو تضحك بسعادة وقلبها يشاركها الفرح بجنون……
عادت من ذكرياتها على صوت رسالة نصية……فتحتها سريعاً لتجدها من رقمه القديم الذي تسجله منذ سنوات على هاتفها وترفض بكبرياء ان تبادر بالاتصال به طالما هو رفض هذا منذ البداية….
(بكره يانور…… هكلم ابوكي بكره…….ولو وافق هجيلك بنفسي وبلغك…ولو موفقش…يبقا تصبري
عليا كام سنه لحد ما حسن دخلي…وتقدملك من تاني……..هتصبري وتستنيني يانور صح ؟؟…..)
ارسلت له سريعاً دون تردد
(مستعده استناك عمري كله……)
اغلقت الهاتف بعدها وهي تخرج من غرفتها متجهه
لمكتب والدها بالاسفل وصلت اليه ثم اطرقت
على الباب و دخلت فوجدت والدها منشغل كالعادة بالعمل وبين يداه ملفات لا تنتهي…..لكن حينما رآها ابتسم وهو يدعوها ان تتقدم ففعلت وحينما
وصلت اليه وقفت خلفه متعلقه في عنقه من
الخلف قائلة بدلال الابنه……
“امتى هتخلص شغل وتفضيلي نفسك شويه يابابي……نفسي مره القيكي فاضي…….”
ترك الملف وربت على ظهر يدها قائلاً بابتسامه حنونه…….
“اعتبريني فاضي يانور……..وقوليلي عامله اي
في دراستك……….”
قالت وهي تطبع قبلة على وجنته…..
“كل تمام…….وقريب اوي هتحضر حفل تخرجي…”
قال مبتسماً بمحبة…..
“دي اكتر حاجة مستنيها الفترة دي نجاحك ياستاذة…….”
ابتعدت عنه وهي تدور حول المكتب جالسة على المقعد المقابل له… “بابي…….ممكن اتكلم معاك
في حاجه مهمه….”
سالها بنظرة ثاقبة وكانه يقرأ حيرة خيفة في
عينيها ووجهها….
“اتكلمي ياحبيبة بابي…….انا عايز اسمعك…. ”
توترت لبرهة قبل ان تساله…..
“بابي هو انت…… ممكن تقف قصاد سعادتي في
يوم من الأيام……”
سالها توفيق بجدية وعيناه تحاول ترجمة توترها
الملحوظ……
“وضحي يانور….انا مش فاهم حاجة……سعادتك بنسبة لايه…..خليكي صريحه معايا……انتي طول عمرك صريحه…….ومبتعرفيش تذوقي الكلام…. ”
لم تجد مفر من الصراحة فقالت بهدوء
صريح…….
“بصراحة يابابي….انا بحب…….والشاب اللي بحبه ده….مستواه اقل مننا بكتير……هو بيحبني وانا
كمان بحبه….ومش فارق معايا خالص الفلوس او المستوى…….كل اللي فارق معايا قرار حضرتك….لو الشاب ده جه اتقدملي….حضرتك ممكن ترفضه
عشان مستواه…….”
عقد توفيق حاجبه قائلاً بوقار….
“بس انا معرفش مين هو يانور…. عشان احكم
عليه من كلامك……..”
بلعت ريقها قائلة بتوجس……
“كرم يابابي….كرم صلاح صاحب يوسف وجار احمد في الحي (…)اكيد عرفه…….هو بيشتغل في شركة بتاعت حضرتك……..”
زاد اندهاش توفيق فسالها بصلابة……
“بتكلمه من امتى يانور…….صرحيني متخفيش….”
قالت نور بتردد…….
“مش بنتكلم…….اتقبلنا بس مرتين من قريب في أماكن عامه….وفي المرة التانيه قالي انه
هيتقدملي…..”
اوما توفيق براسه بنظرة غامضة وهو يقول……
“تمام يانور…..لم يتقدملك هيوصله ردي….بس انا مش عايز يكون في اختلاط بينك وبينه…لحد ما اعرف نيته من ناحيتك…….”
انتفض قلب نور بهلع فقالت بدفاع وهي تنهض
عن مقعدها….
“بابي…….صدقني كرم جدع جداً وراجل بجد
ومش طمعان فيا…..ولو حضرتك هترفضه عشان
الفلوس….والمستوى……فانا مستعده اتجوزه
وخرج معاه بشنطة هدومي…….”
صاح توفيق بحزم…… ” على اوضتك يانور……..”
ترقرقت الدموع في عينيها وهي لا تشعر بتفائل
أبداً بعد أسلوب والدها ورده الغير مطمئن
بالمرة….
“يابابي…..اسمعني….انا جيت اصارحك…..”
قال توفيق بجدية ونفس اللهجة مبهمة
المعاني….
“وانا احترمت ده…….سبيني اتصرف…وطلعي
على اوضتك…….”
نزلت دموع نور وهي تترجاه بانكسار حزين….
“ارجوك يابابي متكسرش قلبي وقلبه….سعادتي معها
مش هتتعوض بفلوس الدنيا…….فكر فده كويس لو بتحبني يابابي…… فكر أرجوك…… ”
حينما لم تجد منه رداً ومزال يجلس بوقار ونظراته
رغم الهدوء تشع غموض يخيف قلبها بقوة……زفرة
بغضب وهي تخرج من المكتب جري الى غرفتها ودموع تنهمر من عينيها الحزيتان……..
بعد خروجها رفع توفيق سماعة هاتفه الارضي
بانزعاج وانتظر المتصل لدقائق وحينما فتح
الخط قال توفيق بقوة تهز جبل شامخ…..
“انا عايز اشوفك بكره الساعة ثمانية الصبح
تكون على مكتبي سامع………..”
اتى صوت كرم القلق…..
(تحت امرك ياتوفيق بيه….بس افهم ليه…..)
“لم تيجي هتفهم……..واسمع ابعد عن نور واياك
ترن عليها سامع…..لحد ما شوف انت بتهبب اي
من ورايا……..”لم يترك له حرية الرد بل اغلق
الهاتف في وجهه بحزم…….ليعود سريعاً لعمله
بوجهاً عابس…….ومزاج سيىء…..سيىء جداً…….
…………………………………………………………….
كانت ممده على الفراش وابنتها تريح راسها على ساقيها ذاهبه في ثبات عميق…. بينما القطه الصغيرة ترتاح جوارها وتداعبها سمر باصابعها بحنان…….
اما عن ذهنها فكان غارق في التفكير به… وعينيها
تأبى الخضوع لرغبتها بنوم…. كقلبها وعقلها……
آآه من عذاب الحب….. انها اشتاقت اليه بشدة…
ويحترق قلبها بلوعة كلما تذكرت المكالمة وصراخه في وجهها…….. مزال كما هو لن يتغير أبداً فمهما
ابتعدت عنه بالاشهر او السنين سيظل هكذا
كصخرة الصلبه التي لا تتزحزح من مكانها…..
هل ينتظر ان تاتي اليه بعد كل ما حدث…… آآه
من كبريائك يابن راضي وااهات من عذاب قلبي
معك…….كيف لك ان تصمد امام شوق ينهش في القلب والجسد…… كيف لا تروي عيناك برؤيتي
بالله عليك كيف عرفت النوم دون احضاني
انت قاسي ياحبيبي وانا امام قسوتك انهار
ضعفاً وحباً وانت تزداد قسوة وتجبر….
تنهدت وهي ترفع يدها عن راس القطة النائمة
جوارها ثم عدلت رأس ابنتها على الوسادة
وتحركت واقفه امام المرآة بمنامتها الحريرة
الانيقة……..مسكت الفرشاة وبدأت بتمشيط
شعرها المموج ثم رفعته على شكل كعكه
مرتبه…….ثم بدأت تنظر لملامحها عبر المرآة
ثم لبطنها المسطحة….اصبحت في الشهر
الثاني من حملها…….مزال الوقت مبكراً
لبروز بطنها ولكنها كالعادة بدأت تتحسس
بطنها محدثه الصغير بحزن……
“شايف أبوك وعميله…..هونت عليه يبعد عني
كل ده….هو انا مش بوحشه…..انا خايفه يكون”
هزت راسها سريعاً قائلة بيقين…..
“بس هو مستحيل يعمل كده…..انا ايوا قفشت عليه يومها…بس كانت ساعة شيطان المكالمة فورت دمي غصب عني…….بس انا والله واثقه فيه……”مررت يدها على بطنها وهي تهمس للجنين بحزن…..
“تعرف اني كنت بس مستنياه ياخدني في حضنه وقتها…يطمني…..بس دي عادته….. ساعة الغضب
مش بيشوف قدامه………انا تعبت من عصيبته
اوي….. طبعه خشن وساعات بيخوفني…مش بخاف
على نفسي قد ما بخاف على اللي بينا لا يضيع
في لحظة غضب منه…… وعند مني…..”
نزلت دموعها عنوة عنها وهي تتحدث شاردة
بوله…..
“انا بحبه اوي وبخاف على اللي بينا اوي…لانه غالي اوي بنسبالي وميتعوضش بكنوز الدنيا……انا
مقدرش ابعد عنه بس اللي وجعني انه بيقدر
وكاني عادي بنسباله…. ”
مسحت دموعها وهي تفيق من حالة الضعف على صوت رنين هاتفها اخذته بقلب يرجف لهفة بعد رؤية
اسمه ينير الشاشه….نظرت لساعة بيدها فوجدتها
تشير الى منتصف الليل……..
بللت شفتيها وبلعت ريقها وهي تفتح الخط بعد ان طال الانتظار قليلاً…….لم تتحدث بل وضعت الهاتف على اذنها وسمعت صوته الخشن ياتي بخفوت
أذأب قلبها عشقاً……
(سمر……صحيتك من النوم……..)
قالت بهدوء…. “كنت هنام……”
(كدابه…….) لم ترد عليه بل أسبلت عينيها بحنق
منه لتجده يهمس بصوتٍ أجش…..
(وحشتيني يابت……هتفضلي بعيد عني كده كتير….
هو هيما مش بيوحشك ياشبح………جايبه القسوة
دي كلها منين……)
عندما قال مشتاق….. تكاد تقسم ان قلبها تأوه داخلها بعذاب طالب الرحمة منه ومن عقلها المتصلب……
وعندما طالت الكلمات معبر عن عذابه من قسوة قلبها هي في البعد !!…عقدت حاجبيها بضيق قائلة بتبرم
مرير……..
“انا اللي جايبه القسوة دي منين…تقريباً منك…..متعلماها منك……”
اتى صوته الغاضب….(انتي بتكلمي كد ليه……)
على صوتها من شدة الغضب المكبوت
داخلها….
“بتكلم كدا ليه !!…..يعني مش عارف…..”
هتف محذراً….(وطي صوتك وانتي بتكلميني……..)
قالت باللهجة منفعله….
“حتى تعليت الصوت اتعلمتها منك…..”
انفجر غضبه كالعادة في لحظة صارخاً……
(لا اله إلا الله….انتي معوجه ليه…..افهم
بتتعوجي عليا ليه……)
هتفت بضجر…”صوت مين اللي عالي دلوقتي……”
استشاط غضباً وهو يصرخ…..
(اعلي صوتي زي مانا عايز……هتحسبيني….)
قالت بنبرة باكية….
“لا مش هحسبك……..اعمل اللي يعجبك…..”
زفر من الناحية الاخرى وهو يمرر يده على
وجهه بتشنج…….
(اقفلي يابنت الناس انا غلطان اني رنيت عليكي…..واضح ان القعده في بيت اهلك
جايه على هواكي……سلام…….)
لم تغلق الهاتف وهو كذلك لم ينزل الهاتف على اذنه وقد سمع سريعاً شهقة بكاء مكتومه منها…….مما جعله يخرج تنهيدة متعبه وهو يرجع راسه
للخلف قائلاً عبر الهاتف……..
(بطلي عياط ياسمر……..عشان اللي في بطنك….)
اردفت بسخرية مريرة…..
“حاضر هبطل عشان اللي في بطني…..”
أوضح ابراهيم بضيق…..
(انا خايف عليكي وعليه على فكرة……)
قالت هازئة بشجن….
“باين انك خايف عليه هو و بس……”
أردف ابراهيم بانزعاج…..
(يابت كفايه عناد…انا تعبت من دماغك الناشفة….)
قالت سمر بعتاب وهي تمسح دموعها….
“قول الكلام ده لنفسك…خمس ايام معرفش عنك حاجة…….”
قال هو الآخر بعتاب ساخر…..
(على اساس انك بتقدري او بتعبري……)
اردفت سمر ذاهله….
“مين اللي المفروض يسال على مين….لا بتطمن عليا ولا على بنتك ولا على اللي في بطني……”
اجاب بفتور….
(انا بطمن عليكم كل يوم وبكلم مكه كل يوم…من على تلفون أمك…..)
لوت شفتيها قائلة…
“امي !!…. لا بجد كتر خيرك…….”
(آه…..)سمعت تأوه مكتوم من الناحية الاخرى مما جعلها تهتف بلوعة…….
“مالك يابراهيم انت كويس……”
اجابها هاكماً….(متشغليش بالك…..لسه فكره تسألي….)
همست بلهفة أكبر وقلقها يزداد….
“ابراهيم انت كويس ياحبيبي……”
تحدث بمسكنه حطمت قلبها…..
(حبيبك تعبان….ورقد في سرير بقاله يومين… ومش لاقي حد ينوله بوء مايه…….)
هتفت مندهشة…… “إيه تعبان…تعبان عندك إيه……”
اجابها بفتور…..(شوية برد وراحه لحالهم……)
“و إزاي متكلمنيش….”قالتها وهي تبحث عن عباءتها
السوداء…..فوجدته يرد مستنكراً……
(وانتي ليه متسأليش عني…افرضي موت….)
عندما ابصرت العباءة التقطت اياها سريعاً
وهي تقول بلوعة…..
“بعد الشر عليك….ممكن تبطل كلامك ده……انا
هلبس العبايه وجيالك…….”
تحدث بهدوء….
(خليكي مكانك ياسمر……..الوقت اتأخر…..)
قالت بتصميم وهي تغلق ازرار العباءة المفتوحه
كالمعطف……..
“هو اي اللي الوقت اتاخر هو انت عايش في اخر الدنيا…….دا البيت في وش البيت انا جايه…..”
حاول معها مرة اخرى ولكنها هزت راسها قائلة بتصميم قبل ان تغلق الإتصال معه….
“لا…..هنقل مكه بس في حضن امي على سريرها عشان متقومش مخضوضه……وجايه……”
………………………………………………………………
وقفت امام باب الشقة تاخذ انفاسها بصعوبة فكانت تصعد على إدراج السلم جري وقلبها يخفق بلوعة وعتاب لتركه وحيد في مرضه……..
قبل ان تطرق على الباب وجدته يفتح الباب ويجذبها في لحظة من خصرها مغلق الباب خلفهما…….
اغمضت عينيها وهي ترتاح على صدره وهو ضمها الى احضانه باشتياق فهمست هي باعتذار يلين
قلبه وجسده معها……
“انت كويس ياحبيبي……..انا هموت من القلق عليك….”ثم خرجت من احضانه ورفعت عينيها الباكيه تتفحصه قائلة بلوعة عليه وهي تلامس
وجهه باصابعها المرتجفه……
“قولي……..كان اي اللي عندك…….”
تحسس خصرها وهو ينظر للؤلؤتيها السوداء
بشوق…. “شوية برد ياسمر……مفيش حاجة….”
نظرت الى ما يرتديه بدهشة…….والذي لم يكن إلا
بنطال بيتي فقط……
“شوية برد ووقف عريان كده…..انا هدخل اجبلك فانله من جو…..هتبرد تاني…….”تحركت خطوتين
فمسكها من ذراعها قائلا….
“مش عايز انا كويس……..”قربها منه مجدداً فعادت ووقفت امامه فقالت وهي تجري على ملامحه بشوق…….
“بجد انت كويس يابراهيم……..”
قال بنظرات حانيه…….
“لو خايفه عليا اوي كده…كنتي سألتي…مش
تبعدي عني…..”
صمتت واشاحت بعينيها بعيداً عنه فقال معاتباً
وهو يمسك فكها مجبرها على النظر إليه….
“سمر انتي بجد مصدقه اني ممكن اتجوز عليكي…
مصدقه اني ممكن المس واحده غيرك…..انتي حتى
صدقتي كلامها…….صدقتي اني بقرب منك غصب عني………إزاي بس وانا بدوب فيكي مسافة بس مبقرب منك…..سمر……..انتي عارفه انا بحبك قد
إيه عارفه ولا لا……..”
تحسس وجنتها بظهر اصبعه فاغمضت عينيها وارتجف جسدها وهي تهمس بترجي ضعيف…..
“ابراهيم…….”
“وحشتيني…….”قالها وهو يضمها اليه ويلصق جسدها به اكتر بينما شفتيه بدات تخطف القبل
من وجنتها الناعمة……..
حاولت ابعاده عنها وهي تهمس بغيرة بينما هو
مزال مندمج في سرقة القبل من شهد وجنتها
وعسل شفتيها……….
“مش هتلمسني غير لم اعرف مين دي يابراهيم…
وعايزه منك اي بظبط……”
فتح العباءة باصابعه العابثة……
“مش وقته ياسمر……….مش وقته…..”
ابعدت يده وهي تقول بشجن…..
“لا وقته…….ريح قلبي يابن راضي……”
اردف عابساً وهو يرفع عيناه على وجهها الاحمر خجلاً وتاثيراً من قربه…
“يعني بعد كل اللي قولته لسه قلبك مرتحش….”
قالت بصوتٍ ضعيف متاثر من حميمية
الموقف….
“مرتحش ومش هيرتاح غير لما اعرف كل حاجة..”
قال وهو يقطف من شفتيها قبله قوية انهارت اعصابها معها……
“وانا قولتلك مش وقته…….التفاصيل دي نحكيها
بس بعد ما شبع منك……وحشتيني……”
قالت بعناد….. “برضو لازم أعرف ودلوقتي…….”
قال مصمماً وهو يحملها على ذراعيه داخلا بها
غرفة النوم…. “لا دلوقتي دا بتاعي انا……..”
بلعت ريقها وهي تقول بقلب يرتجف عشقاً…..
“ابراهيم نزلني…..مش هيحصل بينا حاجة غير لما أعرف كل حاجه……..”
وضعها على الفراش بعد ان جعلها تتخلص من عباءتها……..
“يعني انتي مش عايزاني زي مانا عايزك…..”
تنهدت وهي تقول بتوله…..
“بطل تلعب بقلبي يابن راضي…..قلبي وجعني منك……”
انضم اليها على الفراش وبدا يقبل شفتيها
نزولاً لجيدها وهو يهمس بحرارة….
“سلامت قلبك ياروح قلبي……”
حاولت ابعاده بدلال وهي تغمض عيناها
بضعف…. “ابراهيم……..قولتلك لا……..”
رفع راسه عنها قائلاً تلك المرة بجدية…..
“بصي في عيني…….مش عايزاني اقرب منك…..”
فتحت عينيها بخجل فوجدته ينظر اليها بجدية
فحرك قلبها عواطفها ورفعت يدها تلامس قسمات وجهه وشفتيه ببطء شديد حميمي أذأب قلبه
في الحظة التي همست بها بضعف……
“آآه منك ياهيما……..”
ابتسم وهو يمسك يدها التي كانت تسير على
وجهه ثم طبع عدت قبلات داخل كفها هامساً
بعيون تشع عشق……
“اه منك انتي…….ومن حبك ياسمر………”عاد ودلل شفتيها بقبلاته مجبرها على التوحد معه حسياً…
لتجد دوامه دافئه عذبه مريحه سحبت جسدها معه….وارتوت داخلها من قربه وتذوقت معه
للذة الانتشاء في الحب……….بعد ان التحمت اجسادهما سوياً وتوحدت مشاعرهما معاً
على اطفئ رغبة واشواق تعبث في
قلوبهم قبل اجسادهم……
بعد مده قالت بحنق شديد وهي تنام على صدره العاري ملتفه بالملاءة معه……..
“يعني اي سبتها تمشي…..بعد كل اللي عملته…..”
اردف ابراهيم بصدمة….
“كنتي عيزاني اعمل إيه….البت شكلها هبله..وكانت بتجرب حظها……”
سندت معصمها على الفراش وهي ترفع
راسها إليه…قائلة بضجر…..
“ويوم ما تجرب حظها تحط عنيها عليك…..”
قال بهدوء وهو ينظر لعيناها بحب….
“عدى وفات ياسمر…..اهي راحت لحالها…..وبعدين
انا لسه قايلك عيله صغيره….لو كنت اتجوزت من
عشرين سنه كنت جبت قدها……”
عقدت سمر حاجبيها قائلة…..
“يسلام على اساس انك عندك خمسين سنه
يعني….”
اردف مبتسماً….. “لا بس داخل في الاربعين…….”
لمعة عينيها بالحب قائلة…..
“ولا باين عليك…. لسه زي القمر……. ولا شاب
في العشرين…….”
قال بمراوغة….. “يعني انتي شايفه كده……”
اومات براسها قائلة بتهكم…..
“طبعاً هو في حد يقدر يقول غير كده……. بامارة
انهم بيحاولوا ياخدوك مني……”
عقد حاجبيه وهو يقول بشقاوة…..
“مين دا اللي يقدر ياخدني منك….. دا انا اخد
امهم من على وش الأرض……..”
ضحكت سمر وهي تجاري الحديث
بمناغشة…
“يسلام وتطلع مين انت بقا….. ياعم الجامد….”
لامس انفها بسبابة اصبعه قائلاً
بشقاوة…
“ابراهيم راضي…. ياجميل انت ياطعم……”
“انت بتعاكسني…..” اطلقت ضحكة أنثوية فتنة
قلبه وطار عقله بها….
فرد عليها بوقاحة وهو يعبث بيده اسفل
الغطاء…
“اي رايك مش حرمك من حاجة… ماتيجي نجرب حوار التحرش ده بالمرة…..”
ابعدت يده وهي تقول بدلال
“اتلم…..”
ادعى البراءة قائلاً…..
“ليه بس دا انا جوزك حتى… يعني حلال اكتشف املاكي….حاجه…. حاجة…. ”
ضحكت وهي تتدلل عليه بحب فقال وهو يطل
عليها في نومتها…..
“وحشتني شقاوتك يابنت الآيه……”ضاعت مجدداً
معه ضياع مقبول له للذة تخدر قلبها وجسدها باحضانه…….
المشاعر التكامل الحب انت وأنا………كيف كنا واين كنا ياحبيبي….فقد كان قلبي في حرب طاحنة مع الحياة وانتهى يوماً عندما التقيت بك ، وصدقاً ياسيد قلبي كان أفضل لقاء اكتشفت روعته مع مرور الايام في حبك…….فانت العوض الذي آتى بعد معافرة عظيمة مع الأيام ؟!………
في الصباح شعرت بشفتيه المتسلطه الدافئة تسير على وجنتيها وشفتيها بسماجة وتصميم…..فقالت
وهي تبعده عنها بتزمر……
” سبني انام بقا يابراهيم…. حرام عليك…… ”
ابتسم وهو يقول…….
“الضهر آذن ياكسلانه….. يلا قومي عشان نفطر سوا…..”
هتفت بكسل…….
“مش قادرة اعمل حاجة سبني انام……”
“قومي بقا ياسمر…. انا حضرتلك الفطار …”
فتحت عينيها وهي تقول ناعسة….
“بجد اي الشاطره دي ياحبيبي…..”
قال بغلاظة……
“مدلعك اهوه بس متخديش على كده…..”
استوت جالسه وهي تقول بتزمر…..
“الله اي فيها يعني…. مانا مدلعاك بقالي خمس سنين وبحضرلك الفطار والغدى والعشا كل يوم……”
سالها بشك….. “أيوا يعني بترسمي على إيه……”
لمعة عينيها بطمع قائلة…..
“نقضي اليوم برا بما انك اجازة… ونتغدى في
مكان شيك قرب النيل….. عشان وحشني
وصوت عبدالحليم كمان وحشني…….. هيما
ما تغنيلي….. خليك رومانسيه كده وغنيلي….”
لوى شفتيه وهو يقول مستنكراً…..
“انتي متجوزه مغني…. قومي يابت يلا عشان جعان….”
نظرت اليه برجاء وهي تقول بحزن…
“مش قايمه غير لما تغنيلي….وحياتي عندك ياهيما”
تافف وهو ينظر لعينيها الجميلة وشفتيها الشهية
ثم لشعرها الغجري المتطاير حولها بتمرد يشبهها كثيراً…….فلم يغني بل قال امام عينيها بصوتٍ مسحورٍ وكانه يلقي قصيدة غزل وهي في
الأصل احد اغاني عبد الحليم حافظ…..
“بحياتك يا ولدي إمرأةٍ عيناها سبحان المعبود
فمها مرسوم كالعنقود….. ضحكتها أنغام و ورود
والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا
قد تغدو إمرأة يا ولدي….. يهواها القلب هي الدنيا…”
بلعت ريقها بدهشة وترقرقت الدموع بعينيها
وهي تنظر اليه بصدمة هاتفه…..
“ابراهيم…..”
قاطعه سريعاً وهو يشعر بعدم الارتياح من الرومانسيه المبالغ بها معها…..
“ممكن تبطلي رغي وتقومي تاخدي دش خلينا ناكل……..”نهض سريعاً هارباً من عيناها المصدومة والتي تعصف بعاطفة جياشة له وحده……
ولم تجد نفسها الا وهي تضحك عليه بقوة قافزة من مكانها فهو يبدو كطفل خجول حينما يكشف عن مشاعره بشكلاً عاطفي كنجوم السينما…….
بعد مده طُرق على باب الشقة ففتح ابراهيم الباب ليجد أحمد امامه بحلة العمل الرسمية وبين يداه
مكه التي حينما ابصرت والدها قفزة عليه باكيه…
“بابا……..”
ساله ابراهيم بهلع وهو يربت على ظهر
ابنته…
“مالها يا أحمد…….”
قال أحمد بسخط شديد……
“والله السؤال ده تساله ليك ولامها……بتعيط من بدري…….”
شعر ابراهيم ببعض الحرج لكنه حدثه
بخشونة…”طب ماجبتهاش ليه علطول…..”
قال أحمد بعدائية غريبة…..
“على مالبست هدومي……..وبعدين كان المفروص انت اللي تنزل تجبها……انت او امها……”
بلع ابراهيم الهجوم الخفي في حديثه وجز على اسنانه قائلاً…….
“معلش يابشمهندس عطلناك…..ادخل افطر معانا…”
“لا شكراً عندي شغل……..”ثم تحسس ظهر
مكه بحنان و التي كانت ترتاح على كتف
والدها……..
“كوكي انا ماشي دلوقتي…..لما ارجع من الشغل هجبلك الشوكلاته بالحليب ماشي……”
نظرت اليه الصغيرة قائلة بوجها عابس
وعيون باكيه…..
“وبسبوسه………..شوكلاته……”
ابتسم أحمد قائلاً بحب…..
“حاضر هجبلها هي كمان شوكلاته…..بوسه
لخاله بقا…….”
“قولتلك الاولاد لا……..”قالتها الصغيرة بحنق شديد وهي تدفن وجهها في عنق ابيها الذي ابتسم بشماته……
قال أحمد بلؤم……
” انا كده مش هاجيب شوكلاته……. ”
رفعت الصغيرة راسها اليه كي تتأكد من تهديده وعندما وجدت الجدية مرسومه على محياه مالت عليه فخطف هو قبله من وجنتها وهو
يودعها…… وعندما أبتعد وهبط على السلالم كاد
ابراهيم ان يغلق الباب لكنه وجد القطه واقفه
امامه تصدر مواءها المعتاد وهي تقف حاجز
منيع لغلق الباب………
صاحت مكه على ذراع ابيها تناديها بكف
يدها الصغير…..
“ادخلي ياقطتي….. ادخلي……”
ضحك ابراهيم على ابنته فقال بمزاح وهو
يخطف من وجنتيها الممتلئه القبل…….
“بس انا مش هدخلها ياكوكي…….”
قالت الصغيرة ببراءة….
“ليه يابابا…….. دي جميلة……”
هتف ابراهيم….. “لا لا…. دي حشة…..”
قالت الصغيرة بمنتهى اللطف…. “بسبوسه حلوة…..”
ضحك إبراهيم قائلاً بمناكفه…
“قولتلك وحشة…….”
صاحت الصغيرة بحنق يقطر عسل….
“حلوة….. جميلة………”ثم نادتها بكفها الصغير…
” ادخلي يابنتي……”
ضحك إبراهيم ذاهلاً وهو يقبلها بقوة… “بنتك !!…….وحشتيني ياعفريتا…. ”
سالته الصغيرة….. “ماما فين……”
“في الحمام….. هتفطري مع بابا……”
اتجه بها ابراهيم للسفرة واجلسها عليها وهو اتخذ المقعد امامها وبدأ باطعامها…
قالت بامتناع…. “للبن لا…….”
أشار لها على الاطباق بحنان قائلاً….
“خلاص شوفي انتي هتاكلي ايه عندك بيض جبنة… لانشون…. مربى…..كلي اللي يعجبك…..” ثم بدأ باطعامها فاكلت من يده وهي تنظر للقطه التي
قفزت جالسه على ساق ابراهيم بمنتهى الالفه
والحب…..
“بسبوسة جعانه يابابا….”
نظر ابراهيم بأستغراب للقطه الجالسة على ساقة فقال باللهجة صبورة…
“هحطلها دلوقتي تاكل….. بس كلي انتي الأول.. ”
ضحكت مكه وهي تنظر للقطة الجالسة على
ساق ابيها بمنتهى الرضا….. “بتحبك……”
ابتسم ابراهيم وهو يقرص وجنة ابنته
قائلاً بمحبة….. “وانتي بتحبي بابا……”
اومات الصغيرة براسها فداعب شعرها الأسود القصير وهو يقدم لها لقمة أخرى بحنان…..
“طب يلا كلي من ايد بابا حبيبك……”
خرجت سمر في تلك الأوقات وهي تجفف شعرها بالمنشفة وقد ارتدت منامة أنيقة……حينما ابصرتها مكه نادتها فاقتربت منها سمر وعانقتها ووزعت القبلات على وجنتيها وشفتيها بلهفة وهي
تقول معتذرة بوله…..
“انا اسفه…. آسفه والله……عيطي صح… ”
اومات الصغيرة وهي تلقي نفسها في أحضان
امها بينما ضمتها سمر وهي تسأل ابراهيم…..
“هو أحمد مدخلش لي يابراهيم….ليه ممسكتش فيه…….”
قال ابراهيم وهو يضع القمه بفمه…
“مرضاش…….”
انعقد حاجبيها بتساؤل….
“مالك يابراهيم….. هو قالك حاجة ضايقتك……”
مضغ إبراهيم اللقمة بعصبية قائلاً… “كالعادة………بيكلمني من تحت ضرسه…..”
عضت سمر على باطن شفتيها وهي تقول
بتبرير…. “اكيد ميقصدش…..”
ادعى عدم الاهتمام وهو يقول…..
“ولا يقصد…..يلا عشان تفطري.. ..وتاخدي علاجك…”
على الناحية الاخرى….. نزل على سلالم البيت
فوجد الباب يفتح وسمع صوتها الرقيق الذي
حتى في صراخه يظل ذات طابع راقي يليق
بها وبحسن جمالها…….
“ياشذى افهمي بقا…… هو اي حد وخلاص…..”
بلعت حبيبة كلماتها حينما ابصرته….وهو كذلك بعدما ابصرها بصورة أوضح…. فكانت تقف امام باب الشقة من الداخل ممسكه مكنسة بين يدها وفي اذنيها سماعة بلوتوث تتحدث من خلالها …. وكانت ترتدي منامة بيتي محتشمة وشعرها البني الفاتح يرتاح على كتفها بدلال كستار حريري…..
مزالت كما هي منذ المراهقة لم تتغير كثيراً…
لكن شعرها استطال قليلاً وازداد جمالاً وعينيها
الزيتونية ازداد سحر بريقها على قلبه…..مزالت شاهقة البياض تثير غيظه وتثير عواطفه
المكبوته……مزالت تحمل البراءة والحياء
وروح المراهقة المنطلقة أحياناً………
لحظات من التأمل أصابت قلبه بخفقات غريبة الإيقاع بينما جسده تصلب مكانه وظل واقفاً
يتأملها كالمغيب…. فقط عيناه تجري عليها ام
عن ملامحه فجامدة متصلبه لا تتوهج وتتلوى
شوقاً كعيناه وقلبه بعد رؤيتها هكذآ…..حبها
صدقاً كالوشم يأبى تركه ويصعب محوه ؟!…
حينما ذأبت صدمة الموقف من عليها اتجهت سريعاً الى الباب واغلقته في وجهه وهي تقف خلفه تاخذ انفاسها بصعوبة بينما قلبها يصارع انفاسها نبضٍ
فسمعت صوت صديقتها القلق على الطرف الآخر فردت عليها حبيبة بصوتٍ متهدج…
“هكلمك تاني ياشذى سلام…..”
اغلقت الهاتف ونظرت سريعاً من العين السحرية فلم تجده وكانه تبخر في لحظة…. عقدت حاجبيها وهي تضع يدها على قلبها الخافق بجنون…..
“أحمد كان هنا… شافني…… يالهووي……” احمرت وجنتيها بحرج من حماقة الموقف…….
…………………………………………………………….
أجواء الليل في الساحة خضراء كنز يفضله محبي العزلة ، او ربما شخصاً فضل الجُوء اليها بعد
الفشل في حل معضلة مصيرية ؟!…..
رغم رغبته القوية في الانفراد بنفسه بعيداً عن موقع
الاحتفال إلا انه ضغط على نفسه كي يقترب من التجمع ويهنىء ماهي بمناسبة عيد ميلادها مقدم
لها هدية تقليدية اشتراها لها في وقت قياسي…
دون الاهتمام بتفاصيل كما كان يفعل سابقاً…
يبدوا انه لم يفقد فقط بريق الحياة بل فقد
المشاعر الإنسانيّة أيضاً…. كاللهفة… الفرحه…… الحماس…التجديد….. الحب…..الصداقة…. العطاء….أصبح كالآلة لا يعرف إلا العمل وتصلب العقل !!……
حتى الغضب أحياناً يخفيه بمعجزة عن الأعين
ويبقى وجهه واجهة للصلابة والهدوء..
شعور مؤلم ان تتظاهر انك بخير مع انك في الواقع تحترق ببطئ……..
انه يفقد صبره….ويشعر ان قشرة الهدوء وتحضر قاربت على الانفجار…. وكل المشاعر التي كبح اياها
دوماً ستنكشف في لحظة مسببه دمار
للجميع !!……
إبتسمت ماهي وهي تتأمله بحب فكان مرتدي طاقم كلاسيكي بنطال أسود وقميص يماثله اللون….. مصفف شعره الأسود الغزير للخلف وقد ازال لحيته فأصبحت ملامحه أجمل وازداد وسامة…..خصوصاً
بملابسه الانيقة التي ازداد بها جاذبية بطوله الفارع
وجسده الرجولي الصلب…..حتى عطرة لهو الافضل
بنسبة لها مميز ككل شيءٍ في أحمد…..
اخذت العلبة منه بقلب سعيد يخفق بجنون بينما هو يهنئها بالباقة وهي تنظر اليه بهيام واهتمام شديد
“كل سنة وانتي طيبه ياماهي……”
ردت وهي تبتسم برقة…..
“وانت طيب يا احمد….. مرسي على الهدية…..”
قال احمد بهدوء…. “دي حاجة بسيطه…..”
قالت ماهي بحماس…..
“آآه صحيح…… مامي وبابي حبين اوي يتعرفه عليك…….هتيجي معايا تسلم عليهم….”
شعر بالحرج فقال بالباقة….
“مفيش مشكلة….. انا كمان نفسي اتعرف عليهم…”
وامام التجمع الواقفين به والذي معظمهم زملاء العمل واصدقاء مقربين لهم مسكت يده وقالت
بسعادة وهي تسحبه خلفها…..
“طب يلا بينا…. قبل ما نطفي الشمع……”
ثم نظرت بعدها للجميع قائلة باعتذار…..
“شويه وجايه ياجماعه…….”
قال مجدي وهو ياكل قطعه من( الجاتوه)…
“براحتك ياماهي….. الحفله حفلتك برضو…..وادينا بنتسلى على ما البوفيه يتفتح….. ”
ضحك الجميع عليه وبدأت الهمسات بعدها عن العلاقة العاطفيه التي تجمع ماهي وأحمد…….
أثناء سيرهما في حديقة النادي المقام بها حفلة عيد الميلاد……انتبهت ماهي لشيءٍ ما فاشارة بدهشة..
“اي ده هي مش دي حبيبة……ويوسف جمبها تقريباً
شكلهم جايين سوا…….”
رفع أحمد عيناه بالاتجاه التي تشير عليه ماهي.. ليجد حبيبة تسير جوار يوسف باتجاه الحديقة
المقام بها الحفل كانا يتحدثا سوياً ويبتسما لبعضهما….
ضاق صدر أحمد وازداد سعير غضبه ونظراته باتت
قاتمه بشكلاً مخيف وقد توهجت اكثر حينما وجدها
تسند على ذراع يوسف بهلع عندما تعثرت في شيءٍ ما….
عقدت ماهي حاجبيها حينما وجدته متسمر مكانه ينظر اليهما بعدائية غريبة… اثارت فضولها تلك النظرة وشعرت بنغزة في صدرها حينما ترجمة
السبب المقنع خلفها…….
لامست كتفه وهي تسأله بقلق…..
“أحمد انت كويس……”اندهشت اكثر وبهت
لون وجهها وهي تراه شارد بهما والغضب يكاد
يقتله من شدة عنفه رغم الصمت والهدوء البادي
على وجهه…..لكن عيناه النافذتين وشفتيه
المستقيمة بحدة تحكي كل شيء…….
الكتمان صعب وكبح المشاعر امر يتطلب قوة
في صد كل ماهو قابل للانهيار…..الغريب ان كل
شيءٍ يعيشه قابل للانهيار…….
شعرت انها على وشك السقوط لذا سريعاً دون تفكير سندت على ذراع يوسف الذي قبض على كفها بخوف قائلا…..
“حسبي ياحبيبة هتقعي…..”
احمرت وجنتي حبيبة بحرج وهي تنتصب واقفه وتسحب يدها منه في لحظة قائلة….
“انا اسفه اني مسكت فيك كده….. بس كنت هقع…”
قال يوسف بابتسامة جذابة وعيون تلمع
باعجاب….
“ولا يهمك……. حظي حلو اني قبلتك على باب النادي…….تقريباً كل اللي جو هيحسدوني لما
يلقوني داخل مع القمر……..”
شعرت حبيبة بعدما الارتياح فقالت بحزم….
“لو سمحت يابشمهندس انا مبحبش الطريقة
دي الكلام……….”
تحدث يوسف موضحاً بهدوء…….
“مش طريقه على فكرة…..دا اللي انا شايفه…..انتي بجد زي القمر ياحبيبة… انسانه جميله من جوا
ومن برا…….وملتزمه ومحترمه….واي حد
يتمنى يرتبط بوحده في أخلاقك….هتكوني
نعمه الزوجه ونعمه الام…. ”
توترت كثيراً من حديثه فهو مقدمة لشيءٍ معروف…
معروف جداً…..يوسف رغم روعة شخصيتة وحسن خلقه إلا انه شخصاً تقليدي ولا يسير إلا على نهج
مرسوم بخطٍ مستقيم امامه…….
لماذا تنفر من شخصية مثالية…..ولما الان أصبحت هذه السمات غير مستحبه داخلها !…..كانت تبحث
عن شخصاً مثله يوماً…..مثالي…..سوي الشخصية والتفكير قنوع إذا أحب….وربما سيكون مخلص
مع حبيبته……..
ومع ذلك لا تريد غير واحداً فقط….قلبها يبحث
عنه بين الوجوه….انها تقارن طباعه السيئة مع
أخرى صالحة…وكأنها أحبت كل ماهو سيئ به
قبل ان تغرم بالميزات القليلة بشخصيته
القليلة فقط…..كيف وصلت لهذا معه وكيف
سمحت لقلبها بالوقوع في غمرة العشق……..
رفعت عينيها بفتور وتابعت سيرها……ثم عند
التجمع بدأت تسلم على زملاء العمل وتتشارك
معهم الأحاديث العامة…….وعندما لم تجد ماهي وسط التجمع سألت مجدي هامسه…..
“مجدي مشفتش ماهي……عايزه اديها هديتها
وسلم عليها عشان شويه وماشيه…..”
تحدث مجدي ذاهلاً… “انتي لحقتي يابنتي…..”
قالت بأسى مرح…..
“قدامي ساعة بس….. دي اوامر عُليه….”
قال مجدي ضاحكا……
“فهمت… على العموم هي كانت هنا بس خدت أحمد عشان يسلم على اهلها……”
تساءلت حبيبة بصوتٍ شاجن
منزعج… “احمد……. احمد جمال…..”
اوما ببساطه…… “هو في غيره……”
أخذت انفاسها بسرعة مؤلمة وبدا شعور الغيرة
يموج بحقلها…..فاتى يوسف من خلفها وهو
يتنحنح قائلاً….
“حبيبة…… ينفع نتكلم شويه…..”
نظرت اليه حبيبة لبرهة ثم فاقت من شرودها
قائلة بامتناع…..
“معلش يايوسف…. مش هينفع انا لسه مسلمتش
على ماهي…….” ابتعدت عنه هاربه لأحد
الزوايا……
فشعر يوسف ببعضٍ من الحنق والحرج من تجاهلها وهروبها المستمر منه…… أحيانا يصنف هذا خجلاً
او انها لا تحب الاحتكاك بالجنس الآخر… لكن تعاملها مع زملاءه يختلف…… إلا هو تهرب منه وتتجاهله
بنفور….. وكانه لا يؤثر بها باي شكل كما تفعل هي
به……..
اثناء سيرها خبطت في جسداً صلب فشهقة الفتاة الواقفه بصحبته وقالت…..
“حبيبة….حسبي يابنتي مالك….واخده في وشك كدا ليه……”
رفعت حبيبة عينيها الزيتونية بدهشة عليهما لتجد
أحمد يمسك كتفيها ساندها وهو ينظر إليها بهدوء
بارد…..بينما ماهي تنظر اليها بقلق……
“انتي كويسه ياحبيبة…..”
اومات حبيبة برأسها لتجد احمد يبعد كفيه عنها بعدما انتصبت في وقفتها أكثر……ثم مررت يدها
على حجابها وعلى فستانها الستان ذات اللون
الأسود المحتشم الطويل….والذي كان يرسم قدّها الجميل دون ان يبرز مفاتنها…….بينما حجابها كان هالة اخرى من الجمال الراقي……… بشرتها ناصعة البياض وقسمات وجهها أنثوية صغيرةٍ ورقيقة وعينيها الزيتونيتين كحيلتين بجمالاً….. مع لمعة وردية توضع على شفتيها الصغيرة بحياء…..اكملت بهاء حسنها مقاماً……..فكانت أمرأه شديدة الجمال بروح طفله تحمل براءة خام هي سر للانجذاب لها…..
اغتصبت حبيبة الابتسامة بصعوبة قائلة وهي تقدم حقيبة الهدايا الصغيرة لماهي…..
“كل سنة وانتي طيبه ياماهي……..”
اخذت ماهي منها الهدية قائلة بلطف….
“وانتي طيبة ياحبيبة مرسي…..”
تبادلات حبيبة واحمد النظرات لبرهة بينما كانت ماهي لأول مرة تركز معهما بصورة أدق وكلما زاد الصمت بين ثلاثتهم وزدادت النظرات قوة فهمت
سريعاً كل ما مرت به الفترة السابقة بداية من عدائية حبيبة الغريبة معها لمحاولتها الفاشلة في لفت انتباه أحمد لها……. فقد فهمت الان انها غرقت في حب رجلاً غارق في حب أخرى لكن يترى هل تحبه كما
يحبها هذا الذي تحاول ان تكتشفه….. ومع ذلك
هي أكثر قوة ونضج وتفهم للأمر……
فالحب حباً ولن ينجح يوماً بالحيل….. فانا كان
هناك من يسكن القلب فستكون حمقاء ان حاولت الاستبدال او حتى شرف المحاولة فالخسارة اتيه
لا محال !……
ناداها أحد اصدقاءها كي تتطفئ الشمع ويبدأ الاحتفال بيوم مولدها…..فتقدمت منهم قائلة بهدوء…..
“حاضر جايه……”ثم نظرت الى حبيبة قائلة
“يلا بينا ياحبيبة…..احمد جاي…”
اوما أحمد براسه بهدوء بينما ذهبت حبيبة معها ووقفت بالقرب من اصدقاءها وكذلك فعل أحمد
وبدا البعض بالغناء لها وماهي واقفه في الوسط والكاميرا مثبته عليها توثق اليوم المميز بنسبة
لوالديها والأصدقاء المقربة……اما هي فلن تنسى
أبداً انها خسرت حبها في هذا أليوم……
بعد مدة فضل الانفراد بنفسه قليلاً فوقف أسفل شجرة وسند ظهره عليها ثم أخرج علبة السجائر من جيبه وبدأ باشعال واحده منهم……نفث دخانها ببطئ كئيب بينما عيناه معلقه على موقع الاحتفال البعيد عنه نسبياً……..
تنتهي سجارة يشعل أخرى بمنتهى القرف وكأنه ينتقم من نفسه بشرب هذا السم وظل هكذا
لمدة نصف ساعة تقريباً حتى أنتبه لماهي تتقدم
منه وبيدها طبق به عدت اصناف من الحلوى
ومعه قطعة من قالب حلوى ميلادها…….
قدمته له وهي تقول بابتسامة لطيفه….
“اتفضل يا أحمد…. خد ده مني انت مكلتش حاجة من ساعة ماجيت…. والشباب هناك قيمين بالواجب بذات مجدي……” قالتها بمرح زائف….
فنفث الدخان بعيداً عنها وهو يقول بهدوء…
“خليهم ياكلوا بالف هنا….. انا شبعان الحمدلله لو عايز كنت كلت…….”
ساندت ماهي على الشجرة هي الأخرى جواره وقالت
بنبرة حزينة بينما عيناها مثله معلقه على موقع الاحتفال البعيد……
“بتحبها اوي كده……..”
لم يبدي رد فعل انسانياً من الدهشة او الصدمة من معرفتها بحبه خصوصاً انه يعلم انها مغرمه به…
لم يبدي اي شيء بل قال معترفاً بنبرة غريبة…
“فوق ما تتخيلي…….”
ابتسمت ماهي بحزن ولمعة عيناها بدموع غادرة ولكنها كبحتها بقوة وهي تساله بصوتٍ مرير…
“وطالما هو كده…..لي مش مع بعض…”
قال بصوتٍ باهت….. “عشان هي عايزه كده…….”
سالته بحيرة….. “مش فاهمه……”
سالها بسخرية مريرة….
“انتي عايزه تسمعي حكايتنا ولا ايه…..”
حاولت التغاضي عن المرارة في سؤاله وقالت بمرح طفيف…… “عندي فضول….. لو مش عايز تحكي خلاص….”
نظر امامه واخذ نفساً من سجارته قائلاً بشرود
وعيناه تبحر في اللا شيء….
“عارفه الحب الأول ياماهي….. هو بيبقا أول حاجه وكل حاجة……. أول حب… أول جرح….. أول وجع
أول خسارة…….أول ندم…….هو بيبقا أول كل حاجة…….سواء حلوة او وحشة…. ”
زاد فضولها فبلعت غصة مؤلمه
وسألته….
“احمد هو انت حبيتها امتى……..”
غامت عينيه في ذكريات لم تمحى يوماً
داخله……
“امتى……فاكر اليوم دا انا كويس… كنت وقتها قلبي خالي من اي حاجة مفيش في حياتي غير المذكرة والشهادة والبنات…….كانت الحاجة الوحيدة اللي بتفصلني من الضغط والحياة اني اصاحب واكلم واخرج مع بنات زي اي شاب في سني يعني……
كنت ماشيها بطول وبالعرض….لحد ماشوفتها….”
لمعة عيناه البنية بتوهج غريب واثناء شروده ابتسمت ماهي بحزن فذكرى حبها تضيء
عيناه بومض غريب عليه…….
“جميلة هي…….جميلة لدرجة خلتني اسرح فيها شوية لحد ما لقيت نفسي بجري وراها وعايز
اوصلها اكلمها اخرج معها اقرب منها…. بس هي
كانت غيرهم…… تعبتني وخلتني اللف وراها
كتير……”القى السجارة أرضا ودهس عليها
بحذاءه متابعاً بنبرة غريبة عليها….
” ومن حظي الحلو ان ابن عمها خطب اختي وقتها…. ساعتها المسافات بينا قربت…. وقربت منها وعرفتها اكتر وهي كمان….حبيتها… حبيتها أوي… وحاولت اتغير كتير عشانها ساعات كنت بنجح وساعات غصب
عني بغلط في حقها……..وكان سن طيش…. وهي كانت بتحاول معايا…… كانت جد….. وانا كنت لعبي…
كانت صح….. وانا كنت غلط……كانت نقطه بيضه
في حياتي وانا بنسبالها كنت حاجة متشرفش….
زفر وهو يتابع بصوتٍ متحشرج قليلاً……
“غلطه قديمه ضيعت كل حاجة بينا…. سواء تفاهم
مقدرتش تسامح فيه….. فقررت تبعد رغم اني حاولت
كتير معاها اترجاها متسبنيش…… بس هي كانت شايفه ان وجودي في حياتها شيء ميشرفش……. وكان عندها حق انا برضو جيت في لحظة وضعفت ومشيت في سكه ملهاش ملامح……ومع ذلك
محدش فوقني ورجعني غير أهلي……..وقتها
حلفت اني هكمل بيها او من غيرها هكمل…هشتغل
وهنجح وهوصل……لان مفيش حد يستاهل ان
أضيع نفسي عشانه…….”
قالت ماهي معقبة بتعجب…..
“غريبه انك في كل ده مذكرتش انها حبيتك…..”
تحدث بوجوم وعيناه تأبى النظر اليها…..
“يمكن تكون حبتني….. ويمكن لا….. مش كلنا بنحب بنفس الطريقة…ولا كلنا بنتعلم الوفى في الحب….”
قالت ماهي بصوتٍ متهدج….
“بس انت لسه بتحبها…..”
صارح أحمد بصوتٍ هادئ…..
“وهفضل أحبها….الموضوع مش بأيدي…بس يمكن يجي وقت ونساها…لي لأ……مش شرط يكون
أول حب من نصيبنا….. ”
نزلت دموع ماهي فمسحتها سريعاً…..فقال معتذراً
دون ان ينظر إليها……
“انا آسف……”
قالت ماهي مبتسمة من بين رماديتاها الامعة بدموع……..
“على إيه……..حبيت صراحتك…. حتى حبك ليها حبيته….. ”
نظر اليها وقرر المواجهة بصدق قائلاً بصوتٍ
مترفق بها ومقدر مشاعرها الجميلة نحوه….
“ماهي انتي تستاهلي حد احسن مني…..انا مش هقدر أسعدك…….وانتي تستاهلي تتحبي وتعيشي
مبسوطه مع الإنسان اللي بتحبيه……”
امتلأت حدقتيها بدموع مجدداً مع تذكر جملته
التي اصابتها في الصميم……
“عندك حق……. مش شرط يكون أول حب من نصيبنا….”
أخذ نفساً عميقاً شاعراً بالحرج منها والغضب
من نفسه…..
“ماهي صدقيني….. انتي إنسانه جدعه وطيبه وجميلة والله تستاهلي كل خير… وانا حبيتك
كاخت وصديقه…….وبتمنالك كل خير……”
نزلت دموعها امام عيناه فمسحتها سريعاً
وهي تقول بإبتسامة باهته…..
“بلاش الكلام ده عشان بيخليني اعيط…”
ثم قالت ناصحه إياه بقلبٍ نقي……وعينيها مزالت تذرف الدمع عنوة عنها……..
“عايز نصحتي… حبيبة بتحبك… والله بتحبك.. وبتغير عليك جداً كمان…… بلاش تضيعها من إيدك
ولو في اي خلاف متخلهوش يدمر اللي بينكم حاولوا تحلوا سوا……… هو ايوا مش شرط يكون أول حب من نصيبنا…. لكن كمان يا أحمد مش صح خالص ان احنا نستهتر بمشاعرنا وندوس عليها طالما بايدينا
نحافظ على حبنا… وفي فرصة لرجوع… بلاش تقفل الباب وتقول دا نصيب…….لانها هي كمان بتحبك…. اقسم بالله بتحبك….. وغيرتها عليك مني كانت اكبر دليل إنك لسه فارق معاها….”
حل الصمت بينهما وكانت ملامح احمد جامده كالصخر بينما عيناه حائرة حزينة………قالت
ماهي له بنفاذ صبر من صمته….
“حبيبة بتحبك وانت بتحبها فا ليه العند….وتضييع وقت على الفاضي….. ”
تحدث أحمد واجماً…..
“ماهي انتي مش فاهمه حاجة…..”
هزت ماهي راسها مؤكده بهدوء……
“فعلاً انا معرفش تفاصيل حكايتكم… لكن شايفه
ان الحب اللي بينكم كبير… وان فكرة النسيان مفيش حد فيكم قدر ينجح فيها……. فليه
كل ده……..”
ابتسم احمد وهو ينظر اليها باعجاب معقباً
بود……
“ماهي انتي انسانه جميلة….. وبجد تستاهلي
احسن حاجه في دنيا…….’
انتصبت في وقفتها اكثر وهي تشعر انها وصلت لنهاية المطاف معه…فقالت بإبتسامة رائعة
تحمل أجمل سمات الحب…..
“مبسوطه اني كسبت صديق واخ زيك……ربنا
يوفقك في حياتك…….عن إذنك هشوف ضيوفي… ”
راقبها أحمد وهي تبتعد بينما لم يلاحظ وقوف حبيبة على الناحية الأخرى والتي استمعت الى الحديث منذ بدايته….ورغم شعور الالم من حديث أحمد إلا انها لامت نفسها بانها كانت سبب في اتعاس
قلب اخرى مثلها…… ويبدو ان ضحايا الحب كثيرون في قصتهما العطبه……
جرت قدميها بصعوبة للخارج متجاهله أمر توديع ماهي من باب الذوق….. لكن حتى هذا لم يعد مهماً بنسبة لها…..
عندما خرجت من باب النادي سمعت صوت يوسف خلفها والذي كان يحاول اسرع الخطى خلفها….
“حبيبة….. استني……”
مسحت دموعها سريعاً ونظرت اليه وهي تبلع
ريقها بتوتر…..
“خير يابشمهندس……”
سالها باهتمام… “انتي راحه فين……”
قالت بهدوء….. “مروحه……. في حاجة…..”
قال يوسف بحرج……
“لا يعني… اوصلك مش هتلاقي موصلات دلوقتي…”
نظرت لساعة معصمها قائلة…..
“لا هلاقي الوقت مش متاخر يعني… لسه الساعة سبعه…..”
قال مصراً بشهامه…..
“برضو متاخر ودنيا ضلمة…ومش هينفع تروحي لوحدك……..”
أسبلت عينيها وهي ترتب امتناعها عن عرضه البق دون ان تحرجه…. وقبل ان تتفوه بحرف عصف صوتٍ رخيم من خلفها تحفظه على ظهر قلبها
بل ان جسدها ارتجف اثار توجده وقلبها
خفق بلوعة محب يتعذب بأمر الهوى….
“خليك انت يايوسف انا هوصل حبيبة….بنفسي..
احنا سكتنا واحده……ولا ايه ياحبيبة..”
تقدم منها وهو ينظر الى عينيها الحزينة بقوة فلم تجبه بل هربت من نظراته مفضلة الصمت…..
تحدث يوسف تلك المرة بغيرة والغضب توهج بعيناه…….
“يعني اي هتاخدها وتروح….انا هوصلها…عشان محتاج اتكلم معاها في موضوع مهم……يلا
ياحبيبة…. ”
مسك احمد ذراع يوسف قائلاً بنبرة
مبهمة…
“قولتلك هتروح معايا…….خلصنا……”
لمعة عينا يوسف بعدائية وهدر
بغضب…….
“مخلصناش يا أحمد…….انا هروحه….”
تحدث أحمد بهدوء امام نظرات حبيبة
الباردة عليهم…….وكانها تشاهد شيءٍ سخيف
غير مستحب…..
“باي حق تروحها ابن عمها اللي هو جوز اختي وصاني في التلفون اني اروحها بنفسي انت بقا باي حق هتروحها وتدخل بيها الحارة كده……قدام
الناس…….بصفتك إيه……”أشار الى حبيبة
بتملك….
“يلا ياحبيبة……”
مسكه يوسف وسحبه من ذراعه للخلف وانفرد به
في احد الزوايا قائلاً بحنق شديد…..
“اي لازمتها الحركة دي يا احمد…..انت حاطت عينك عليها وانت عارف اني بحبها وعايز اتجوزها….”
نظر له احمد وقال ببرود……
“انسى الحوار دا يايوسف…..حبيبة متخصكش…”
أحمر وجه يوسف غضباً وهو يقول…..
“امال تخصك انت….اي هي احلوت في عينك
ولا إيه…….”
ربت احمد على كتف يوسف قائلاً بهدوء
مغيظ….
“نتكلم بكره…وانا هحكيلك على كل حاجة….بس دلوقتي لا…… ”
وامام عينا يوسف لحقى بحبيبة ركضاً والتي عند ابتعادهما سارت في الشارع دون الالتفات لاين منهم…….
شعر بالغيظ وهو يراها تسرع الخطى الاقرب للركض
فعاد وركب سيارته ولحق بها………وهو يشتم بصوتٍ
حانق…..
في لحظة خاطفة اوقف السيارة أمامها وخرج منها وهو يصيح بغضب……
“مش بنادي عليكي…بتجري ليه……ها….مش معبراني ليه…….”
قالت بغل وهي تضربه في صدره كي يبتعد
عنها…
“ولا هعبرك بعد كده…..ابعد عن طريقي احسلك….”
مسك يدها التي تطاول عليه بها وقال
بحدة….
“انتي اللي جيتي على طريقي…تبقي تستحملي
بقا اللي يجرالك ……”
صاحت بغضب…..
“ما تقدرش تعمل معايا حاجة…..”
اشار على السيارة وهو يقول
بوجوم….
“طب اركبي العربية…..”
“مش ركبه……..وعديني…..”ضربته في صدره
وهي تحاول المرور مما جعله يمسك ذراعها
قائلاً بغضب……
“اسمعي كلامي ياحبيبة…….انتي عرفاني بايعها….وصايع ومعنديش مشكله خالص اشيلك
على كتفي ورميكي في العربية….”لم ترد عليه بل عقدة ذراعيها امام صدرها ونظرت له شزراً…..
فقال بوقاحة وهو ينظر الى جسدها…..
“والله انا نفسي اشيلك تعالي نجرب……”
ابتعدت عنه خطوتين وهي ترفع سبابتها
بتحذير….. “لو قربتلي هصوت……”
هدر بتوعد وهو يشير على السيارة مجدداً….
“شاطره صوتي ولمي علينا الناس….اركبي
ومطلعيش عغريتي عليكي…..”
صاحت بتشنج……
“مش ركبه يا أحمد….ليك عين تأمرني…بعد
كل اللي عملته……”
نظر للشارع المظلم الواقفين فيه وقال
بحنق….”مش هنتكلم في الشارع……”
صاحت بجنون ولمعة عيناها بدموع….
“لا هنتكلم………هنتكلم……”
اوما براسه مؤكداً…….
“فعلاً هنتكلم ولازم نوصل لحل….بس مش هنا……اركبي ياحبيبة……”
صاحت بامتناع بغيض…
“مش هركب ومش عايزة اتكلم……”
“لا دانتي لاسعه بقا……”مالى عليها في لحظة
وحملها فصرخت بغضب……
“نزلني يا احمد……..نزلني بقولك……”القاها في السيارة جوار مقعد القيادة واحتل هو المقعد
واغلق الباب وهو يهدر………
“هششش……ولا كلمة………سامعه… ”
لكزته في كتفه بقوة وهي تسبه
بغضب….
“انت ندل…… وجبان….. وغبي…….”
ادار محرك السيارة وهو ينظر اليها
بقرف….قائلاً……
“وانتي واطيه…………. ”
فغرت شفتيها بغضب قائلة…..
“انا واطيه…….اه ياقليل الأدب…..”
لكزته مجدداً في كتفه فابتسم بسخرية
قائلاً….
“يعني تشتميني وتبقي مؤدبه اشتمك انا ابقى
قليل الأدب……”
هدرت بتصميم مجنون…… “نزلني………. نزلني….”
اغاظها برده الهادئ…. “مفيش نزول اخرسي…..”
توسعت عينيها وهي تهدر بتمرد…
“متقوليش اخرسي انا مش شغاله عندك…..”
ركز على القيادة وهو يقول بحنق…
“طب اسكتي…..”
“مش هسكت……”تمردت مجدداً مما جعله
يردف بقرف…….
“طب ابلعي لسان امك لحد ما نوصل……”
صرخت بجنون في وجهه…
“اقسم بالله كلمه كمان وهكسر الازاز ونط منه…”
ثم تذكرت ما قاله فكورة يدها ولكمة في صدغه
بقوة قائلة……..
“وبعدين احترم نفسك…. و متجبش سيرة امي
على لسانك….”
“انتي بتمدي ايدك عليا…..طب اهوه ياحبيبة…”
قرصها من كتفها بخفة وهو يتبسم مشاكساً إياها
فلم تجاري نظراته الشقية بل قالت بتبرم وهي
تشيح عينيها عنه…..
“والله العظيم لما أروح اقسم بالله لقول
لابراهيم على كل حاجة…..”
“قوليله البعبع بتاعكم ده مابيخوفنيش….”
مط شفتيه ممتعضاً من هذا التهديد المكرر
سواء على لسانها هي او لسان مكه
الصغيرة….
حل الصمت بينهما وكلا منهما يرتب افكاره وكلماته في مواجهة تأخرت كثيراً بينهما…ربما كانت تحتاج شجاعه او دفعه قوية للأمام…….ربما الدفعه كانت
مصارحته لماهي بحبه القديم لها…وربما الدفعه القوية هي رغبة يوسف بالارتباط بها…لا يعرف
لكن كل ما يشعر به انه يحتاج لوضع نهاية بينهما شيءٍ محدد يكشف عن مشاعرهما ورغبتهما في
تلك القصة…..
اوقفف السيارة في مكان شبه مقطوع……..فوقع قلب حبيبة وبلعت ريقها بخوف وهي تنظرت على المكان
من خلال نافذة السيارة……
“انت جايبنا هنا ليه……..روحني البيت يا أحمد….”
فك حزام الأمام وهو ينظر اليها بدهشة
ممزوجه بالاحباط…….
“انتي مش واثقه فيه لدرجادي……”
قالت بصوتٍ يقطر وجع…..
“وانت عملت إيه يخليني اثق فيك….لا زمان ولا دلوقتي…….عملت اي عشاني يا أحمد ولا اي حاجة……علطول بتهرب…….وبتخلق عذر وحجج
لهروبك……..”
فتح الباب جواره قائلاً بهدوء….
“خلينا نتكلم برا……انزلي…..”
سحبت نفساً عميقاً وهي تترجل من السيارة لاحقه به
لكنها وقفت على بعد مسافة منه وهو امامها يوليها ظهره بينما السيارة البيضاء تنير لهم عتمة المكان الواقفين به……..
اخترق الصمت خبره الهادئ هدوء ما قبل العاصفة………
“يوسف عايز يتجوزك….. وكلمني عشان امهدلك الموضوع قبل ما يفتحك فيه…..”
بلعت ريقها وتوترت حدقتيها واعتصر قلبها الألم لوضعها في موقف صعب بين صديقين أحبت
احدهم وتبادلا الحب والأخر وقع في حبها لمجرد
تبادل أحاديث عادية جداً…..
والحق كله على من يقف امامها الآن فلو كان أخبار
صديقه منذ البداية بعلاقتهما ماكانت وصلت لهنا
في هذا الموقف المحرج……
دون الالتفات حرك راسه ناحية اليمين وهو
يسألها بتجهم…
“مسمعتش ردك……. انتي بتفكري ولا إيه…….”
لمعة عينيها بدموع قائلة بمرارة تموج
بحلقها……
“مش موافقه بس عشان هو صاحبك……. لكن لو حد تاني كنت وفقت عارف ليه…. لاني ببساطه اقتنعت ان الحب الحقيقي هو اللي بيجي بعد الجواز مش قبله…. وان كل اللي فات ده كان لعب عيال……
ممكن بقا تروحني……..”
استدار اليها ونظر لعينيها بقوة…..
“يعني انتي شايفه ان كل اللي بينا دا كان لعب عيال……..”
عقدت ذراعيها امام صدرها مؤكده…
“ملوش تفسير غير كده……انت معملتش اي حاجة تثبت انك حبتني……”
صرخ في وجهها بقوة افجعتها…..
“لا عملت….. عملت………لما قولتلك اني بحبك وعايز اتجوزك عملت…. لم اترجيتك متسبنيش وحلفتلك اني هتغير… هتغير بجد عشانك يبقى عملت… لما وقفت قدام ابن عمك وقولتله اني بحبك وعايز اتجوزك يبقا عملت…….. كل حاجة عملتها مكنش حد فيكم قادر يقبلها…. وكاني مليش حق في فرصة تانيه منك او من ابن عمك…… اللي قالي انت متنفعهاش…
انت حشاش……. ولو اخر واحد في الدنيا مش هجوزهالك…..انتي كمان اتحججتي بمستقبلك
اللي هيضيع لو فضلتي معايا…….” جز على أسنانه
وهو يقول بكبرياء مجروح…..
“انا طول عمري ببيع وانا اللي بسيب وبرمي… لكن أول مره انا اللي اتباع وترمي وكاني مكنتش في حياتك……..”
انفجرت مشاعرها دفعه واحده فصاحت هي
أيضاً قائلة بغضب…….
“لا كنت فيها…… كنت فيها يا أحمد… بس انت كنت عايزني اعمل إيه… افضل معاك… تبص لدي وتمشي مع دي وفضل معاك…….. بحجة إيه… ها بحجة اي قولي…. الحب…… حب إيه….حب إيه اللي يخليك تبص لغيري…… حب إيه اللي يخليني اسمع فويس
منيل زي ده…. كله كلام زبالة….. مش بيتقال غير بين اتنين متجوزين…. ياخي حتى المتجوزين مستحيل
يقوله لبعض كده…… حب إيه اللي يخليني أقبل على نفسي أشوفها بترقص قدامك في الفرح والباشا مبسوط وسيبها لا وبيروش عليها هو وصحابه….
حب إيه…. اللي يخليني أكمل….. يوم ما إبراهيم شافنا… فاكر…….. فاكر اليوم ده انت اتحطيت في موقف زبالة كنت اتمنى الأرض تتشق وتبلعني……”
نزلت دموعها وهي تتابع بمنتهى التشنج……
“عشان حبك ده نزلت لاوسخ مستوى…عشان حبك ده…….قرفت من نفسي…….عشان حبك ده قعدت فترة بتحرج ارفع عيني في عين أبويا وخوف من
انه يعرف اللي عملته من وراه…….هتقولي متكبريش الموضوع دي كانت مجرد مكالمات هقولك انا متربتش على كده……ولي انت شايفه سهله
كان عندي انا ميصحش ومقتنعه انه صح….
ولكن خلفته………وغيرت مبادئي عشانك…..”
اشارت على نفسها وهي تقول بعذاب….
“انت غيرتني……..بس للاوحش…..حبك اللي بتتباهى بيه ده….كان اكتر حاجة مؤذيه في حياتي…ولسه لحد دلوقتي بيأذيني……حتى السنين مغيرتكش….
لسه زي مانت……..بتيجي عندي انا وبتتغابى لا
بتقدر ولا بتحس…..دايما انا المذنبة وانت ملاك
بريء وحبيبة وحشة قاسيه جايه عليك… ليه
وانت بتحبني…..بتحبني…. طب مانا كمان بحبك….بس معتقدش اني وصلتك لنفس المرحلة اللي وصلتني ليها…..انت كل اللي وجعك…..اني بعدت…أزاي ابعد ازاي اقلبك…..غرورك عميك
يا أحمد….”
تحدث بحنق شديد وعيناه تذرف المًا……
“لا وصلتيني ياحبيبة…….ووجعتيني ببعدك….ايوا غلط زمان….بس كانت فترة مراهقة وراحت لحالها
لو انا البنات بتجري في دمي اوي كده…وانتي مش فرقه معايا….كان زماني دلوقتي لسه مكمل….مع اي حد مش هتفرق بقا بحبها ولا بتسلى المهم تكون معايا واحده ولا اتنين ولا حتى عشرة مانا مقدرش استغنى عنهم بقا…..مش انتي شايفه كده…. ”
صمتت ولم ترد عليه بل ظلت تبكي هاربة بعينيها بعيداً عنه…..فقال بعد لحظة صمت بصوت متهدج وكأنه اوشك على البكاء من شدة اوجاعه………
“طلع حبي مؤذي اوي كده ياحبيبه…..مش فاكره اي حاجة حلوة بينا……اي حاجة تشفعلي عند قلبك…”
نظرت اليه بعيون غارقة في الدموع فوجدته يمسك يدها ويقبض على كفها معترفاً بصوتٍ صادق وعيون تشع حب رغم تألم قلبه من حديثها القاسي…..
“حبيبة انا بحبك…..والله بحبك….وتغيرت عشانك…..ومستعد اتغير مرة واتنين وتلاته وألف
بس عشان تبقي مبسوطه وراضيه معايا…….انا
عايزك……. عايز اتجوزك ياحبيبة….. ”
نظرت اليه بدهشة وقد انعقد لسانها ولم تجد
رداً………فسالها بقلق……
“سكته ليه……… مش موافقة…….”
قالت بعد لحظة صمت….
“خايفه……… خايفه يا أحمد……..”
مسك يدها واتكأ عليها قائلة بنبرة تقطر صدقاً
ووعود…….
“خايفه……. اقسم بالله ما شايف واحده غيرك في حياتي….. اقسم بالله مابقيت زي الاول اعمل اي عشان تصدقيني…..”
اسبلت جفنيها وهي توضح الأمر بحرج….
“وجود ماهي خلاني واثقه من حاجة زي دي..
بس صاحبك….. انا خايفه تخسر شغلك وصاحبك بسببي………”
اردف بحزم……
“واخسر الدنيا كلها طالما هكسبك……”
هزت راسها قائلة بعدم تصديق….
“بلاش الكلام المتذوق ده… انا عارفه انك بتحب يوسف وان صاحبك من زمان……”
قال احمد بهدوء وهو يترك يدها وينظر
أمامه في عتمة الليل المتوحشة…..
“دا مش مبرر اني اخسر حبي….. خصوصاً ان انا وانتي بنحب بعض…… وانا أصلا ناوي بكرة احكيله على كل حاجة….. وإن شاء الله يقدر ويفهم اللي كان بينا زمان……وبنسبة لشغلي…..فسهله كده كدا….. انا هدور على مكان تاني اشتغل فيه…. سواء يوسف اتقبل كلامي او لا…… لازم أبعد عنه…….مستحيل نرجع زي الأول مع بعض……. ”
هزت راسها وقالت بعذاب الضمير….
“مش بقولك خايفه……..انا دمرت كل حاجة بينكم……”
نظر لها أحمد بهدوء وحاول بث الطمأنينة
بقلبها قائلاً…..
“خايفه من اي ياحبيبة……لو احنا صحاب بجد مهما طالت الايام او قصرت هنرجع من تاني……”
مجدداً قالت بتأنيب…….
“أحمد احنا عشان نبقا مع بعض….اذينا اتنين
ملهمش ذنب…….”
نظر لها بقوة مبرراً بخشونة….
“بس احنا ملناش ذنب….لا انا وعدت ماهي بحاجة
ولا انتي وعدتي يوسف بحاجة…..”
انتبهت لنظراته فقالت سريعاً ببراءة…..
“اقسم بالله كنت بتعامل معاه في حدود الشغل..حتى كلامنا كان في حدود الشغل….محصلش بينا اي تجاوزات….انت مصدقني مش كده…….”
اوما براسه قائلاً “مصدقك…. دلوقتي بقيت مصدقك……”
عقدت حاجبيها بتعجب….. “ولي دلوقتي……..”
“لما اتكلمنا مش شويه اتكدت انك لسه بتحبيني…..”
لاحت عليها الدهشة قائلة….
“وانت كان عندك شك……”
شعر بالحرج منها فحاول تبرير مشاعره
كرجل….
“غصب عني… كل ما كنت بشوفكم سوا بتجن…. وشيطان كـ……. انسي ياحبيبة…….انسي… ”
رفعت حاجبها وقالت بحدة….
“انسى ازاي انت طلعت مش بتثق فيا……”
هز راسه بنفي قائلاً…..
“والله أبداً بس كنت بموت من الغيرة عليكي…. وشيطاني عماني……”
اشاحت بعينيها بعيداً عنه وهي تقول بحرقة….
“وانا كمان كنت هجنن لما بشوفك معاها…..”
“مين…….”
قالت بحنق…… “ماهي…..”
هز احمد راسه قائلاً بجدية…..
“انسيها بقا راحت لحالها….خلينا نركز في الجاي…
انا بعد ما خلص حوار يوسف وقدم استقلتي هفاتح ابن عمك في الموضوع…..عشان يمهدلي حوار
الزيارة عندكم…….عشان نتفق ونقرا الفاتحه….”
سالته بحيرة….. “طب وشغلك……”
وضح لها خطوته القادمه بمنتهى الاريحية….
وصراحة وكانه وجد أخيراً ملاذه الضائع بها…
“متشغليش بالك…حبايبي كتير…السنه ونص اللي اشتغلتهم في شركة توفيق الشامي بقا في تعاملات كتير بيني وبين العملا ومهندسين صحابي شاغلين في شركات تانيه بتنافس شركة الشامي وكلموني كذا مرة اجي اشتغل معاهم……وبمرتب اعلى كمان…بس انا مكنتش برضا…..يعني مش حابب اعض الايد اللي اتمدتلي…..وبعدين انا اتعلمت في شركة الشامي حاجات كتير ممكن يتعلمها مهندس زيي في
سنين…..فكنت برفض….بس دلوقتي مضطر…
مش هينفع افضل في شركة اكتر من كده…..”
عضت حبيبة على باطن شفتيها قائلة بعذاب
ضمير…….
“انا بوظت كل حاجة…….يارتني ماوفقت على عرض نور…… وجيت اشتغلت معاكم….. ”
تحدث أحمد مبتسماً بحب وبدأت لمعة عيناه
العابثة تتوهج مجدداً وكانه عاد للحياة أخيراً برجوعها له…….
“تقريباً لو مكنتيش جيتي مكناش خدنا الخطوة دي……. رغم الكوارس اللي هتحصل… لكن الخطوة
دي في صالحنا ولا إيه……”
رغم الحزن والارهاق البادي على وجوههم واعينهما من شدة حديثهما العنيف معاً والذي تسبب بوجع قلوبهما إلا ان المصارحة اراحت النفوس وشعروا
بعدها انهما مزقوا جميع الصفحات السوداء
القديمة بينهما وبدأوا من جديد بنفوس راضية
رضا تام عن علاقتهما القادمة التي ستاخذ منحنى آخر في حياتهما لقادمة معاً…….. لذا ابتسمت حبيبة
هي أيضاً لعيناه وبادلته البسمة بمنتهى الحب
وهي تقول مؤكدة على رأيه….
“عندك حق…..”
صمت قليلاً ثم قال بهدوء……
“يلا بقا عشان اروحك……..الوقت اتأخر…. “قالها
وهو يبتعد خطوة عنها………
“أحمد…….” وقف عندما مسكت ذراعه وظل يتأملها بحيرة وتساؤل فابتسمت بتردد وفي اللحظة التالية
قفزت في احضانه بمنتهى الجراءة الغريبة عليها كلياًّ…. هامسه وهي تتعلق في عنقه بينما
ساقيها محلقه فوق الأرض بقليل…..
“وحشتني……. وحشتني اوي يا أحمد…..”
ارتجف جسده وخفق قلبه بجنون وهو يضمها الى صدره وعطرها يغزو انفه بسحرٍ خالص…….فتأوه داخله بعذاب مغمض عيناه متاثراً من شدة جمال وللذة هذا الشعور…….. عليه ان يعترف انه أول مرة يحتضن أنثى ولم تكن اي أنثى بل كانت حبيبة قلبه أول حبيبة وأخر حبيبة دخلت هذا القلب البائس… طبع قبله على كتفها من فوق ملابسها وهو
يهمس بصوتٍ متهدج من شدة العواطف…..
“وانتي وحشتيني اكتر….وحشتيني اوي يابيبه…..
بحبك يصغنن….ياقلب احمد…. وروح احمد…
وحتة من أحمد……..بحبك أوي…… ”
ذأبت في احضانه ضائعة مع كلماته ولم تكن يوماً
تتوقع ان تبادر بهذا القرب بينهما….لكنها لبت نداء
قلبها المتيم به والمتلهف لشيءٍ يشبع شوق سنوات في بعده……..
كانوا الأثنين غافلين عن السيارة التي مرت من جوارهما ببطئ والتي كان سائقها ينظر اليهما بشراسة خطرة…. تكاد تحرق الأخضر واليابس
معهم……..
ولسوء الحظ ان هذا السائق لم يرى إلا مشهد
العناق فقط وعلى أساسه أصدر الحكم عليهما……..وقد انكسر قلبه ظناً منه ان
صديقه خانه مع فتاة كان ينوي الارتباط بها
بشكلاً رسمي والتي كانت ترسم عليه الأخلاق الحميدة والخطوط الحمراء في التعامل وهي في الواقع متساهله جداً مع صديقه وبينهما تجاوزات لا يعلم تفاصيلها غيرهما…….
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)