رواية خطايا بريئة الفصل الحادي عشر 11 بقلم ميرا كرم
رواية خطايا بريئة الجزء الحادي عشر
رواية خطايا بريئة البارت الحادي عشر
رواية خطايا بريئة الحلقة الحادية عشر
على قدر حب المرأة يكون انتقامها، وعلى قدر غباء المرأة يكون سقوطها.
(شكسبير)
——————–
اخبرني ما هي خطيئتي، التي تعاقبني عليها، بما قصرت، وكيف تمكنت بكل قسوة ان تختزل سنوات عمري، وآمالي التي تخليت عنها من أجلك، ماذا ينقصني كي لا استحق إخلاصك لي، أخبرني بربك لمَ، وأرح انين قلبي المدمي بطعنة خيانتك
ذلك ما كان يصرخ به عقلها وهي تقف تستند بثقل جسدها على باب المرحاض من الخارج وكأن ساقيها أصبحوا كالهلام ولم يعدوا يستطيعون حملها، فكانت عيناها جاحظة، ملامحها شاحبة، وأنفاسها كانت متلاحقة لا تستطيع التحكم بوتيرتها، وحتى جسدها يرتجف وأسنانها تصطك ببعضها وكأنها تعاني إحدى نوبات الفزع
ورغم انها كانت قاب قوسين أو أدنى من أن يغشي عليها إلا أنها تماسكت وكتمت صوت أنفاسها بيدها كي تحفز ذاتها للقادم فلابد أن تواجهه وتصرخ بأعلى صوتها لمَ أيها الخائن!
وما أن كادت تطرق باب المرحاض الذي يتوارى خلفه كي تعلن ثورتها تدخل عقلها صارخًا ماذا تتوقعين منه هل سيخضع تحت قدمك ويبرئ خطيئته أم سينكر الأمر ويختلق كذبة مناسبة يقنعك بها وإن عارضتِ وأصريتِ بناءً على ما سمعتيه بأُذنك؛ حينها سيتهمك بالجنون
ولذلك أنصتي إلي و تراجعي…
وبالفعل فعلت ذلك بأخر لحضة ملبية رغبة عقلها فهو محق؛ فلن تخوض حرب تعلم أن سر نجاحها الخُدعة وهو خير أهل لذلك، وإن لم تثبت بدليل ملموس ضده سيظل على نكرانه ولن يعترف بخطيئته.
وبعد تفكير طاحن دام لثوانٍ معدودة وجدت ذاتها
تجر قدميها و تتحامل على ذاتها متوجهة لغرفة أطفالها تدلف للداخل وتغلق الباب خلفها، وظلت كلماته التي كان يغدق بها الأخرى تتردد برأسها مرة بعد مرة فما كان منها غير تنفي برأسها بهستيرية وكأنها تود ان تنفض ما يتردد بها بعيدًا، ولكن الوضع ازداد سوء عليها عندما شعرت أن خافقها يعتصر بألم بين ضلوعها لتصدر من بين شفاهها المرتجفة آنة ممزقة بقهر لا مثيل له، وتخور بها قدميها بوهن شديد على أرضية الغرفة وهي تدعو الله أن يرأف بها من أجل أطفالها، ومع أبتهالها ودعواتها كانت تحرك جسدها للأمام والخلف بحركات غير متزنة ولكنها بطريقة ما وجدتها داعمة لها، كي تتماسك وتستطيع أن تلملم تلك الخيوط أكثر فأكثر داخل رأسها، وكم ارادت حينها ان تصرخ وتصرخ وتطلق العنان لـ عبراتها ان تنفث عن ما يختلج بأحشائها ولكنها جاهدت بقوة و أبت أن تدع دمعتها تفر تنعي حالها، وقد اقسمت أنها لن تتهاون بحق ذاتها بعد الأن ولن تكون مثيرة للشفقة كغيرها،
لدقائق معدودة كانت مازالت تحت وطأة صدمتها ساهمة في نقطة وهمية في الفراغ و لم يصدر منها أي ردة فعل تذكر إلا أن استمعت لصوته يصيح بأسمها، فقد انتفضت من جلستها ومسحت وجهها بيدها كي تستعيد ثباتها ثم نهضت وتوجهت لفراش طفلتها تضمها لصدرها وتدعي استغراقها في النوم، وما ان فتح هو باب الغرفة صدر من فمه صوت ساخر ألمها ودون اي اكتراث او أدنى شك منه كان يغلق الباب مرة آخرى ويتوجه لغرفة نومه بمزاج رائق للغاية وهو يمني نفسه أنه سيرى تلك الجميلة في الغد
أما هي فقد ضمت أطفالها لحضنها وظلت طوال الليل متشبثة بهم وكأنها تستمد منهم القوة لمواجهة القادم
——————–
أما عند تلك المتمردة فقد شعرت بلمسات ناعمة تدغدغ حواسها، وبأنفاس ساخنة تلفح وجهها، ولكن كان النعاس يسيطر عليهاوكأنها لم تنعم بذلك الدفء من قبل ومع صوت دقات قلبه وجدت ذاتها تفرج عن سوداويتها وتستوعب الأمر تدريجيًا فهي بفراشه وبجانبه وها هو يطالعها بنظرات حالمة تشتتها وتزعزع عزيمتها، حاولت أن لا تكترث ولكن كيف وهو يهمس بتلك البحة المميزة بصوته أمام وجهها:
– صباح الخير يا مغلباني و مطيرة النوم من عيني
ابتلعت رمقها ببطء ثم ابتسمت بسمة باهتة وهي تحاول أن تعتدل بنومتها وتخرج من حصار يده التي تطوقها بحميمية تكاد تودي بثباتها، ولكنه رفض ذلك بشدة وشدد عليها أكثر يرفض فك وثاقها ببسمة مشاكسة وترتها كثيرًا وخاصةً أن وجهه قريب للغاية من وجهها الذي تشعر به يشتعل لتوه ولا تعلم هل من شدة غضبها، أَم خجلها
اتسعت أبتسامته المشاكسة وهو يتمعن بها وكم راقه الأمر بشدة وحمسه لخطوة تالية فقام بدس أنفه داخل خصلاتها وتناول نفس عميق من اريجيها ثم تحرك ببطء مميت برأسه و وضع قبلة عميقة مفعمة بالحب على وجنتها مما جعلها تنتفض بين يديه وتدفعه برفق من منكبيه قائلة كي تراوغه وتفض ذلك القرب الخطير الذي يعبث بها:
-انت صاحي من بدري
نفى برأسه وهمس بعذوبة وهو يسبل اهدابه كي يزيدها عليها أكثر ويتمتع بردود افعالها:
– انا منمتش اصلًا، مكنش ينفع افوت ثانية واحدة في النوم وانتِ جنبي
رفعت نظراتها المشتتة إليه وتلك النبضة العاصية بقلبها تطعن بها، لتجد ذاتها تتمعن به بطريقة هي ذاتها لاتعلم المغزى منها وتقول متسرعة بأخر شيء توقعت ان يصدر من بين شفاهها:
-للدرجة دي بتحبني؟؟
تنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه وأجابها بصدق مشاعره وهو يتيه بليل عيناها ويغلغل أنامله بسلاسل شعرها بحركة حنونة بعثرتها:
-الحب كلمة تافهة، بسيطة، ملهاش أي معنى قصاد اللي بحسه نحيتك
ليحل وثاق خصرها بيده الأخرى ويسحب يدها ويضعها على خافقه ويقول بنبرة حالمة مفعمة بالمشاعر:
-حاسة بدقاته، بتصرخ باسمك
وبتعلن عصيانها عليا وبتنتمي ليكِ، انتِ الروح لروحي وكل دنيتي يا “نادين”
قال أخر جملة بهمس وهو يستند بِجبهته على خاصتها وناعستيه الثائرة تتركز على شفاهها وكم تشجع حين وجدها تغلق عيناها بتنهيدات أثلجت قلبه و جعلته يتأمل أن تدعه يتذوق رحيقها
أَما هي فقد انتابتها قشعريرة لذيذة بكافة حواسها وهي تشعر بأنفاسه الساخنة تلفحها وشفاهه تكاد تلامس شفاهها، لوهلة واحدة فقدت ارادتها و اغمضت عيناها وتمنت أن تتخلى عن ما برأسها وتشاركه تلك المشاعر الصادقة التي بعثرتها للتو ولكن تمردها سيطر عليها وخاطبت قلبها بأخر لحظة
أُصمد أيها القلب، إِياك أن تنخدع
وحينها أزاحت رأسها بعيدًا عنه تجاهد كي تتحكم بوتيرة انفاسها و تحرك رأسها دليل على رفضها، وكم أحزنه الأمر وجعله يطالعها بنظرة عميقة معاتبة بعد ان أبتعد بجسده عنها واستند بظهره على الفراش فما كان منها غير أن تنتفض وكأن اصابتها صاعقة من السماء وتقول بأنفاس مضطربة تذكره باقتراح أمس الذي بررت به استكانتها بين يديه:
-أظن سرقنا وقت كفاية من الزمن ولازم نرجع لأرض الواقع
تنهد بضيق شديد بعدما تمكنت ببراعة بوئد سعادته وحالة الهيمنة التي كان عليها، فحقًا سأم من عدم اكتراثها لمشاعره ولكن دائمًا يوجد داخله يقين خاص أن لا شيء يمنح بالقوة فحتى هو لن يرضى أن تسايره فقط، هو يريد إقرارها بانتمائها له نابع من قرارة نفسها، ولذلك لن يضغط اكثر عليها ولن يفرض عليها مشاعره مرة آخرى
نهض من الفراش مواجه لها وقال بخزي من نفسه و ببسمة باهتة بالكاد اغتصبها على فمه:
-عندك حق، انا مكنش لازم اتعشم في اكتر من كده انا يدوب جوزك على الورق بس
جعدت حاجبيها المنمقين من تلك النبرة التي استشفتها بصوته، ولا تعلم لمِ وجدت قلبها يرق له، ولكنها عاندت مشاعرها وتمردت بقولها تؤيد يقينه الدائم نحوها:
-انت صح…
تعلقت ناعستيه الثائرة بها وأضاف بمغزى وهو يربت على ذراعها:
-ياريت كان قرار قلبي بأيدي… صدقيني مكنتش هتردد ثانية
نفضت يده بعدما فهمت المغزى من قوله وقالت متأفأفة كي تفض ذلك الحوار الذي يزعزع ثباتها:
-يووه مش وقت كلامك ده، زمان خالي صحى ومستنينا علشان نفطر معاه
وانا كمان عندي محاضرات ومش عايزة اتأخر عليها
قالتها وهي تتناول ملابسها خاصًة الأمس من جانب الفراش وتتوجه بخطى واسعة نحو المرحاض تاركته يستشيط غضبًا من عنجهيتها و يلعن قلبه الذي يميل لها.
بينما هي ما أن أغلقت الباب جلست على طرف حوض الاستحمام بتشتت تجاهد تلك الحرب الضارية بين عقلها اللعين وتلك النبضة العاصية بقلبها
———————-
كانت بحالة يرثى لها منذ عودتها للمنزل بلأمس، فقد كانت مجهدة تجاهد إلحاح عقلها وحالة التعود التي تمكنت منها في الآونة الأخيرة، فمنذ ما دار بينهم لم تنم ولم يغمض لها جفن وظلت تلك اللحظات الحانية منه تترأى أمام عيناها وحديثه المشجع يتردد بعقلها يحثها على الأمتناع عن تلك الحبوب اللعينة التي تسلبها كافة إرادتها، لا تنكر انه تمكن من إقناعها وأثر عليها بمنطقه، ولكن دون إرادة تشعر أنها بأمس الحاجة لها الآن
انتشلها من حالتها دخول زوجة أبيها إليها قائلة بتهكم وهي تشعل الأضاءة كي تنير تلك العتمة التي تسيطر على الغرفة:
– هي الهانم معندهاش جامعة ولا ايه هتفضلي نايمة كده كتير
طالعتها “ميرال” دون اكتراث واستكانت من جديد تدثر جسدها بالفراش ولكن
“دعاء”استهجنت فعلتها وصرخت بها:
-انا بكلمك لازم تحترميني وتردي عليا
لم تجيبها ايضًا بل لم تعطيها اهمية من الأساس مما جعل “دعاء” تستشيط غضبًا وتهدر بتوعد مليء بالخبث:
-طيب انا لازم اخلي” فاضل” يشوف صرفة في قلة ادبك و استهتارك ده
– بنتي مش قليلة الأدب يا “دعاء”
قالها “فاضل” بحدة وهو يقف على أعتاب الغرفة و”مُحبة” تقف خلف ظهره
ارتبكت “دعاء” وقالت وهي ترشق
” مُحبة “شذرًا فهي تعلم انها هي من اتت به لهنا:
-انا مش قصدي وبعدين انا عايزاها تروح جامعتها وتبطل استهتار لكن يظهر كلامي معجبهاش بدليل انها منطقتش بكلمة من ساعة ما دخلت الأوضة ومقدرتنيش
تنهد “فاضل” بعمق وهو يدعوها للخروج بيده قائلًا:
– اتفضلي يا “دعاء” وياريت بعد كده متدخليش في حياة بنتي و متضغطيش عليها
ربعت “دعاء “يدها ورفعت حاجبيها تستشيط غضبًا من هجومه الغير معتاد عليها، لتقول بتهكم كي تذكره بِمعضلته:
-واللهي انا بحاول اساعدك علشان متخرجش من تحت طوعك زي امها وتدور على حل شعرها
لطمة قوية نزلت على وجنتها كالصاعقة جعلتها ترتد للخلف من شدتها تزامنًا مع شهقة “مُحبة “المتفاجئة و قوله بصوت جهوري منفعل:
-اخرسي و متفتحيش بؤك بكلمة تانية فاهمة
وضعت يدها على موضع صفعته غير مستوعبة ما حدث صارخة بوجهه:
-انت بتمد ايدك عليا يا “فاضل “!
-وبحذرك لو مخرجتيش دلوقتي مش هخليكِ على ذمتي يوم واحد
كانت تستمع لكل ما يدور وهي مغمضة العينين تدعو الله أن تفقد وعيها كي تهرب من ذلك الواقع المرير التي ترفضه ولكن عندما ذكرت ” دعاء “والدتها لم تشعر بذاتها إلا وهي تنتفض من الفراش متسألة بتوجس وبنبرة واهنة:
– انتِ قولتي ايه؟
أجابتها “دعاء” بغيظ كي تشعل فتيل الماضي وتحرق قلبه وقلبها كي تفض غليلها:
– اللي سمعتيه واللي ابوكِ عمره ما اقدر يعترف بيه امك هربت علشان راجل تاني ورمتك
جز “فاضل” على نواجذه وكادت عينه تطلق شرار ولكنها لم تتأثر فهي تعلم أن حالة الغضب التي هو عليها ستتلاشى نهائيًا عندما تستغل مدى تأثيرها عليه، ولذلك نظرت له نظرة طويلة معاتبة ثم أضافت قبل أن تخرج من الغرفة:
-انا هخرج بس اللي حصل ده مش هعديه يا “فاضل”
أطرق “فاضل” رأسه بينما هي التوي ثغرها وتحركت لخارج الغرفة وما أن وصلت لموقع “مُحبة” مالت برأسها عليها قائلة بنبرة كارهة متوعدة:
-إن شاء الله لسانك ده هقطعهولك قريب يا حيزبونة
صدر من فم “مُحبة” صوت ساخر ثم لوحت بيدها بلا مبالاه وتحركت من امامها كي لا تتمادى معها وتخسر عملها، لتضرب “دعاء” الأرض بحذائها وهي تستشيط غضبًا وتقسم انها ستجعلهم جميعًا يدفعون الثمن.
بينما هي كانت تحاول أن تستوعب ما تفوهت به تلك الصفراء لتوها فما كان منها غير أن تتساءل بعيون زائغة و بتوجس شديد:
-الكلام ده صح يا بابي
زفر “فاضل” انفاسه بحنق ثم هز رأسه يؤكد لها، لتشهق هي بعدم استيعاب وترتمي على أحد المقاعد بالزاوية قائلة:
-يعني امي اتخلت عني بسببه؟؟
جلس “فاضل” بالمقعد المواجه له يحتضن رأسه بين يده ويتنهد تنهيدات مثقلة بذكريات ماضي أليم يخجل من ذكرها ولكن لابد أن تخبرها الحقيقة الآن على أي حال، فبعد أن أخبرته
“مُحبة “بمحاولة انتحارها وحالات الهياج التي تنتابها قرر أن يزيح ذلك العبء الثقيل من فوق كاهله:
-حاولت كتير اخبي علشان صورتها في عينك متتهزش وقولت كفاية عليكِ تعرفي أنها انانية، وكنت بقول فكرتك عنها انها كده أحسن بكتير ما تكون خاينه
تهدلت دمعاتها بحزن يدمي القلب وصرخت مشككة وهي تنهض وتتحرك بعدم اتزان:
-انت اكيد غلطان انت بتقولي كده علشان اكرهها ومفكرش فيها اكيد داده قالتلك… صح
نفى برأسه وصرح لها:
-دي الحقيقة يا “ميرال” انا لما اكتشفت علاقتها بالتاني واجهتها وكنت فاكر انها هتنكر أو تترجاني وتطلب مني اسامحها بس هي كانت بجحة وبررت انها بتحبه وكمان طلبت الطلاق علشان تبقى معاه؛ كنت هقتلها بس خوفت اسيبك لوحدك بوصمة عار العمر كله وعلشان كده قررت اعاقبها بطريقة تانية، محستش بنفسي غير وانا بضربها وبكسر البيت كله وبعد كده طردتها وطلقتها ورفضت اخليها تاخدك معاها ورغم أنها حاولت كتير تأثر عليا أنها تاخدك بس انا رفضت، ولما فكرت فيكِ وشُفت أد ايه أنتِ محتجاها قُلت حرام احرمك منها؛ فخيرتها انها تبعد عنه وتعيش ليكِ وبس وكنت هتكفل بيها بس هي رفضت واخترته، وقتها كان غضبي عاميني وكبريائي بينقح عليا و مقدرتش امنع نفسي من اذية الراجل اللي فضلته عليا؛ خسرته شغله و لفقت له قضية وقبل ما يتم الحكم فيها هرب برة البلد و أخدها معاه
نفت برأسها بهستيرية وتسألت من جديد ولكن تلك المرة بنبرة مختنقة معاتبة من بين شهقاتها الحارقة:
-وانا كان ذنبي ايه في كل ده ليه كل واحد فيكم قرر يعند و ينتقم من التاني بيا
انت حرمتني منها وهي اثبتت لك انها محت الماضي ونست وجودي، واكتفت براجل تاني وبحياة تانية عن الدنيا كلها
نهض “فاضل” وحاول تهدئتها بعيون مثقلة بالحزن:
-ده كان اختيارها يا بنتي وانا عمري ما فكرت أأذيكِ انا عملت كل ده علشان احافظ عليكِ هي كانت عايزة تاخد من الدنيا كل حاجة بس انا مكنش هاممني غيرك
ارتمت على طرف الفراش و وضعت يدها على وجهها وظلت تنتحب بقوة وكانها فقدت عزيز لتوها، مما جعل دمعاته تشاركها بؤسها و يجاورها ويحتضنها قائلًا بحنو وبملامح متهدلة بحزن وحديث “محبة” يتردد بعقله يذكره بمحاولة انتحارها وكيف كان سيفقدها لولآ تدخلها في اللحظة الأخيرة:
-حقك عليا…انا عارف أن الشغل واخد كل وقتي وبعيد عنك بس كل ده علشانك وعلشان اضمن لك مستقبلك… اهدي يا بنتي علشان خاطري انتِ الحاجة الحلوة الوحيدة في حياتي وعايش علشانها بلاش تعملي في نفسك وفيا كده ليقبل رأسها بحنو ابوي ويستأنف بقلب أب يخشى فقدان فلذة كَبِده:
-سامحيني يا بنتي لو كنت بقسى عليكِ؛ بس ببقى خايف تسبيني وتبعدي عني زيها
نفت برأسها وهي بين احضانه واخبرته من بين شهقاتها الواهنة:
-انا عمري ما هسيبك يا بابي انا مش زيها…
ربت “فاضل” على ظهرها بحنان ودثرها أكثر بأحضانه وهو يشعر بالخزي من أفعاله السابقة التي كان يظنها بنوايا بريئة وخاصةً كونه أخفى الحقيقة عنها، غافل كون معرفتها للحقيقة بذلك التوقيت سيقلب كافة موازينها.
——————
أَما عن ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا
فقد استيقظ للتو من نومه وتمطأ وهو ينظر بساعة الحائط ليجدها لم تتعدى السابعة بعد لينفض نفسه كي يستعد للقاء جميلته كما خطط بلأمس ولكنه تفاجأ من السكون الذي يعم المكان على غير المعتاد، بحث بعينه عنها بالمطبخ وباقي الشقة فلم يجدها ليتوجه لغرفة أطفاله ليجدهم مازالوا نائمون ولم يستعدوا بعد لمدرستهم … لعن تحت أنفاسه الغاضبة فأين ذهبت يا ترى أتته الإجابة مخطوطة بخط يدها على ورقة علقتها على باب المبرد تخبره بها بكلمات مقتضبة للغاية أن يجهز أطفاله ويعد لهم الفطور
كور الورقة بين يده وألقاها على طول ذراعه وهو يلعنها بسره فهي حتمًا تريد أن تخرجه عن طوره فمنذ متى وهي تخرج دون علمه لا والأنكى ما الشيء الذي جعلها تتخلى عن التفاني في واجباتها على غير عادتها …زفر بغضب يمرر يده بخصلاته الفحمية وهو يحاول أن يهاتفها ولكن أتاه رنين الهاتف من داخل الغرفة ليتيقن أنها تركته بالمنزل ولم تأخذه معها وحينها جن جنونه منها، وبعد بعض الوقت يأس و لم يكن أمامه غير تنفيذ ما خطته له بسخط تام وهو يتوعد لها حين عودتها.
فقد انهكوه أطفاله بارتداء ملابسهم وتحضير حاجياتهم، حتى أنه وقف كالتائه يفتح المبرد ويغلقه لايعلم بما يبدأ او ماذا يعد لهم بينما أطفاله كانوا يتذمرون ويطالبون بالطعام مما جعله يأخذ القرار بأن يعد بعض الشطائر البسيطة لهم، فقط خبز وجِبن سيفي بالغرض … وإن انتهى من مشاحنات اطفاله وضجيجهم اليومي الذي جعل رأسه تدق ك الطبول اوصلهم لعربة المدرسة الذي كان سائقها مستاء من تأخيرهم الغير معتاد بالمرة ليضطر أن يعتذر منه و
يعود للبيت وهو يتوعد لها بأشد الوعيد.
—————-
تنهدت بأرتياح عند مغادرة خالها وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عنها، وبعد أن تحضرت اخبرته انها ستذهب لجامعتها فما كان منه غير الموافقة و أغدقها بتعليماته المعتادة التي تحفظها عن ظهر قلب، وحين غادرت المنزل واستقلت سيارتها مبتعدة مسافة كافية عن المنزل لفت انتباهها سيارة فارهة تعرف هوية مالكها تمام المعرفة تتبعها و تحاول أن تلحق بها وإن اقتربت بالفعل حثها سائقها على التوقف فما كان منها غير أن تنصاع لرغبته وتتوقف بجانب الطريق وهي تلعن تحت انفاسها،
ثوان معدودة وكان يفتح باب سيارتها و يجاورها قائلًا بغيظ:
– ما انتِ حلوة أهو وبتخرجي لوحدك … لأ وكمان البيه جايبلك عربية وفك حصاره عليكِ أمال منفضالي ليه؟؟؟
زفرت حانقة وأجابته بسأم:
– دي أول مرة أخرج بالعربية لوحدي و كنت هكلمك…
احتدت سوداويتاه بعدم تصديق وهدر مشككًا وحديث “ميرال” بشأنها يتردد برأسه:
-واللهي عليا برضه الكلام ده يا “نادو”
نفخت أوداجها وقالت متحججة:
-“طارق” انا كان عندي مشاكل الفترة اللي فاتت ومكنتش فايقة وبعدين انا نبهت عليك الف مرة متتصلش بيا بس أنت كنت بتتغابى وكنت هتودينا في داهية
زمجر غاضبًا وهو يضرب على تابلوه السيارة منفعل:
-انا كنت هتجن وانتِ ولا على بالك انا بقالي كذا يوم بحاول اكلمك واخر ما زهقت فضلت واقف تحت بيتك وشوفتك وأنت خارجة معاه وضحكتك من الودن للودن
اعتلى حاجبيها وتساءلت بغيظ:
– انت بتراقبني يا “طارق”
أجابها بنبرة مفعمة بإصرار مخيف:
-ايوة براقبك وعندي أستعداد اعمل أي حاجة علشان تكونِ معايا
ابتلعت رمقها بوجل من إصراره العجيب ذلك وقالت بدهاء طالما كانت تجيده كي تسايره:
-طب ممكن تهدى انا اهو معاك
وهانت يا “طارق” كلها ايام وهبقى ليك لوحدك
نظر لها نظرة عميقة يحاول ان يستشف صدق حديثها ولكن كيف وهي تبتسم تلك البسمة الآسرة التي جعلت كافة غضبه منها يتبخر ويذهب أدراج الرياح فما كان منه غير أن يهدأ ويسحب يدها بين يده قائلًا:
-انا بحبك يا” نادو”وبحس بنار بتاكل قلبي لما بتكوني معاه، وبجد مبقتش قادر أصبر لما يجي اليوم ده
رغم أن لهفته و حديثه ارضى غرورها ولكن لا تعلم لمَ شعرت بالنفور منه وحتى انها جذبت يدها التي يحتضنها لتوه مستنكرة فعلته بملامح مشتتة تفهمها هو انها خجل حين عقبت وهي تضع خصلاتها خلف اذنها بتوتر ظهر جليًا على وجهها:
-حاسة بيك بس أنت عارف ان كل حاجة مفروضة عليا ومش بإيدي
أومأ لها متفهمًا لتضيف هي ببهوت:
-طيب خلاص متزعلش
ابتسم بدوره لتشاركه هي ببسمة بالكاد اغتصبتها على ثغرها قائلة بحماس مصطنع:
-طب ممكن بقى تنزل تركب عربيتك وتخلينا نلحق المحاضرة
-ماشي يا “نادو” أنتِ تأمري وانا أنفذ لغاية لما أشوف أخرتها معاكِ
قالها بنبرة عابثة مصحوبة بغمزه من عينه قبل أن ينصاع لها بينما هي ما أن تدلى من السيارة اندثرت بسمتها و لعنته ولعنت ذاتها ربما للمرة الألف بعد المائة فكل شيء حولها يشتتها ويزعزع قناعاتها السابقة.
——————–
كان يدور حول نفسه كالثور الهائج عندما مرت عدة ساعات على غيابها ولا ينكر أن قلبه تأكله وشعر بالقلق عليها و أنقبض بشدة بعدما يأس من محاولات الاتصال بكل من خطر بباله أن يهاتفه ويسأل عنها ولكن لم يتوصل لشيء فالكل أخبره أنهم لم يروها ولا يعلمون شيئاً، مماجعل الظنون تغزو كيانه بالكامل ويقرر أن ينزل و يبحث عنها بنفسه ويدعو الله أن تكون بخير ولم يصيبها سوء ولكن تبدد ذلك الشعور بتاتًا وحل محله غضب عارم حينما وجدها تفتح باب الشقة، وعندها انقض عليها والشرار يتطاير من قاتمتيه يسألها:
– كنتِ فين يا هانم؟؟؟
أجابته بثبات أجادته وبنبرة هادئة تثير الريبة:
-مكنتش؟؟
-نعم…أنتِ بتستهبلي
قالها بنبرة قوية نفضتها وهو يقبض على رسغها مما جعلها تنفض يده بكل هدوء مُصرحة له بنصف الحقيقة:
-كنت مخنوقة شوية ومحتاجة افصل علشان اجدد طاقتي
ضرب كف على آخر ساخطًا وهدر من بين أسنانه بغيظ:
-يا برودك أنتِ سايباني هنا محتاس مع عيالك وبتروقي على نفسك ده ايه الاهمال بتاعك ده
احتل الحزن تقاسيم وجهها الذابل الذي لم يلحظه ولم يعطيه أي اهتمام وأجابته منفعلة على غير عادتها:
-انا عمري ما كنت مهملة… وبعدين فيها ايه لما خليتك تشاركني يوم واحد وتتحمل مسؤولية ولادك، ما انا عمري ما اشتكيت وشايلة كل حاجة على كتافي وياريت بشوف تقدير منك
عقب بكل تبجح وبتفكير رجل شرقي متمسك بعرفية أفكاره:
-تقدير ايه اللي انتِ مستنياه!
ده واجبك يا هانم وكل الستات بتعمل كده
حانت منها بسمة متخاذلة لابعد حد وقالت بعتاب لأول مرة يصدر منها تجاهه:
-وانت واجباتك ايه يا “حسن”؟؟
انك تعيش لنفسك وبس مش كده؟؟
ياريت قبل ما تتحامل عليا و تتهمني بالإهمال تفكر ألف مرة في اللي عليك
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تدلف لغرفتها وتغلق بابها
تاركته يزمجر غاضبًا ويحاول أن يستوعب ماذا حل بها وحين اسعفه عقله انها من الممكن أن تكون علمت بشأن الأخرى، تقلصت معالم وجهه و انتابته الرهبة مرة أخرى.
———————
بينما على الجانب الأخر كانت هي تستشيط غضبًا عندما لم يأتي للعمل ولم يحاكى والدتها كما وعدها و حتى كافة اتصالاتها يتجاهلها إلى ان اغلق هاتفه تمامًا، فكم متردد ذلك ال” حسن “واستنفذ وقتها فكلما ظنت انها أثرت عليه بطريقتها المتلاعبة واصبح كالخاتم بأصبعها يتهرب منها ويماطل ولذلك قررت انها لن تجلس مكتوفة الأيدي فلم تتعود على الخسارة بتاتًا ولذلك هدرت متوعدة بعدما يأست من مهاتفته:
-ماشي يا “حسن” وحياة أمي لخليك تبوس رجلي وتطلب الرضا
لتبتسم متشفية وهي تتخيل الأمر، وكم راقتها تلك الفكرة العابثة التي حاكتها برأسها
———————-
أما هناك بأحد قرى الصعيد فقد وصل “عبد الرحيم” حانقًا من تلك الزيارة التي لم تجدي نفعًا ولم تأتِ بثمارها وها هو يجلس على طاولة الطعام برفقة زوجته تلك المرأة ضخمة البِنية مخيفة الملامح التي تتلفح بالسواد و يجاورها ولدهم، أثناء تناول العشاء،ليشرع “حامد” في الحديث بملامح بشوشة وبود يخالف طباع أبيه الفظة:
-توحشناك جوي يا بوي
أومأ له “عبد الرحيم” وتسأل وهو يجول محيط داره:
-فين مرتك الپور؟؟
تحمحم “حامد” بعدم رضا من ذلك اللقب الذي يطلقه والده على زوجته نظرًا لعدم إنجابها وأخبره بضيق شديد:
-عند امها في سوهاج جالت هتوديها لحكيمة شاطرة
التوى فم “ونيسة “بينما لوح “عبد الرحيم “بسأم قائلًا:
-واه جولتلك ألف مرة طلجها واچوزك ست ستها تچبلك الواد بس انت لساتك مصمم عاد تزعج في أرض پور مفيش منيها صالح
لتعقب “ونيسة” مشككة:
-شكلها سحراله يا “عبد الرحيم ”
نفى “حامد “برأسه مستنكرًا وقال مدافعًا:
-دي غلبانة يا اما وهتحبني بلاش تظلميها
وبعدين هملوا الحديت ده دلوقت ممنوش فايدة عاد ده قضاء ربنا وانا راضي بيه
هزت “ونيسة “برأسها تنصاع لولدها ثم وجهت سؤالها لزوجها:
-جولي ايه اخبار زيارتك لبت غالية مفيش چديد
نفى “عبد الرحيم” برأسه وأخبرها بحنق:
-مفيش يا “ونيسة” وده اللي جاهرني ، الغريب وامه شايلينها على كفوف الراحة وحتى البت بذاتها جالت انها مرتاحة معاهم
لتعقب “ونيسة” بخبث يضاهي خبث زوجها:
-واه وانت هتهملها إكده وتسيب مال خيتك يا “عبد الرحيم” يروح للعجربة وابنها
(ميرا كريم)
تجشأ “عبد الرحيم” بصوت مقزز وأجابها بعدما سطع المكر بعينه:
-متجلجيش يا ام حامد انا بس مستني يرچعلها أملاكها و وجتها هيكون خرابها على يدي
ليربت على يد “حامد “ويخبره بنبرة تقطر بالخبث بذلك الحلم القديم الذي خربه “عادل” عليه قبل موته:
-بكرة هطلجها من الغريب غصب عنِها وهچوزهالك يا ولدي واهو زيتنا في دجيجنا
ليبتسم بسمة سامة تقطر بنواياه الخبيثة:
-و وجتها حج خيتي هيبجى تحت يدنا، احنا اولآ بيه من الغريب والعجربة أمه
غص “حامد “بطعامه وجحظت عينه من نوايا أبيه الغير بريئة بالمرة وكاد أن يعترض ويرفض المشاركة بلأمر ويبرر أنه يعشق زوجته ولا يريد أن يستبدلها بأخرى لولآ أن زغرته
“ونيسة “بنظرة قاسية جعلته يبتلع اعتراضه بجوفه وهو يلعن سطوتهم عليه وضعفه أمامهم.
فياترى ماذا تخبأ الأيام القادمة لكِ أيتها المتمردة الغبية، هل ستعدلِ عن افكارك البالية وتتركيه يفرض عليكِ حصون أمانه المشيدة أم ستنفذي ما برأسك وتقعي فريسة لأطماعهم.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)