روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الثاني عشر 12 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الثاني عشر 12 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الثاني عشر

رواية خطايا بريئة البارت الثاني عشر

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الثانية عشر

القـوة ليست دائماً فيما نقول ونفعل ..

أحياناً تكون فيما نصمت عنه ، فيما نتركه بإرادتنا ، وفيما نتجاهله ..”

➖ نيلسون مانديلا

———————-

اطمأنت على أطفالها و أطعمتهم وقامت بكل الأمور الروتينية ككل يوم ولكن دون أن تعطيه أي أهمية فكانت تكتفي فقط بإيماءات رأسها وبسمات باهتة دون حديث مما أثار ريبته وجعله يتوجس خِيفة من حالتها تلك فهي دائمًا لا تكف عن الثرثرة حتى تصرع رأسه، لا ينكر أنه كاد يفقد أخر ذرة تعقل به من شدة قلقه عليها أثناء غيابها فلأول مرة تكون هي موضعه وحينها عذرها حين يتغيب ولم يطمئنها، تنهد تنهيدة مضطربة وهو ينظر لها أثناء تسطحه بجانبها داخل الفراش، فكان يسند ظهره على جذعه ويدعم رأسه بأحد كفوف يده، والأخرى ينفث بها دخان سيجارته حانقًا وهو يستغرب كونها تغط في نوم عميق قبله فهي على غير طبيعتها بتاتًا اليوم ولذلك السبب تحديدًا داهمته الشكوك بشأن علمها بأمر الآخرى، ولكن وجد ذاته يستبعد الأمر ويرفض عقله حتى التفكير في احتمالات حدوثه، ليطفئ سيجارته داخل المنفضة أعلى الكومود ويميل بجزعه عليها ويضع قبلة حانية اعلى رأسها هامسًا بأخر شيء توقع أن يصدر منه:

-كنت هتجنن النهاردة من غيرك

اوعي تسيبيني يا “رهف”

لايعلم لمَ تفوه بذلك، ولكن شيء ما كامن بداخله يخبره أنه يكن الكثير لها، ربت على خصلاتها وطالعها بنظرة نادمة مغلفة بشيء من تأنيب الضمير ثم وجد ذاته يجذبها إليه ويحتضنها بقوة وكأنه يكتمل بها كي ينفض شيطانه و يعاند هواجسه وينقم عليها.

أما هي كانت تدعي النوم وتشعر بكل ما يصدر منه ولكنها كانت منهكة في التفكير تسترجع احداث الصباح فمع اول خيوط النهار وجدت ذاتها تود ان تفر تُروح عن ذاتها ورغم أنها لا تحبذ أن تطلع أحد على اسرار بيتها كي تحافظ على صورته ولكن تثاقل العبء عليها وشعرت انها بأمس الحاجة أن تبوح ويشاركها أحد ويقوم بنصحها ولطالما كانت تثق في “سعاد” وبحكمتها ولذلك توجهت لها دون أن تدع مجال للتراجع، فقد قصت عليها ما حدث و استمعت “سعاد” لها بكل اهتمام إلى النهاية ولكن بالطبع حيائها منعها من ذكر الكثير و”سعاد” لم تضغط عليها بل تفهمتها وهدأت من روعها حتى انها انصاعت لرغبتها وانكرت وجودها حين هاتفها يسأل عنها، ونصحتها بالأخير أن تتروى في الحكم عليه فهي للآن تجهل هوية الأخرى وتجهل نواياه بشأن أخبارها، وكم اراحها الأمر حين واستها بقولها انها من الممكن ان تكون نزوة عابرة لاتستحق هدم بيتها من أجلها، ورغم كافة نصائحها إلا أن جملة واحدة هي ما كانت تتردد بذهنها(دوري وراه، واوعي تستسلمي وتسبيه لغيرك)

ولذلك وجدت ذاتها

تستغل أنه استغرق في النوم، وتنهض بحذر شديد من الفراش وتتناول هاتفه المغلق و تتوجه به لخارج الغرفة وهي تقسم أن قلبها سيسقط بين قدميها من شدة توترها، اتخذت أحد الأركان المظلمة بزاوية ردهاتها مخبأ لها وكم كانت أناملها ترتجف وهي تضغط على زر تشغيله، ثوان معدودة وصدق حدثها حين وجدته يؤمن شاشته برقم سري، لتترقب بذعر حقيقي وهي تلعن تحت انفاسها فلم تتوقع كونه حويط لذلك الحد؛ وكيف تفعل وهي لم تبحث خلفه قط وتثق به ثقة عمياء.

أطلقت زفيرمتقطع من فمها وحاولت السيطرة على رجفة يدها المتعرقة من شدة توترها ونقرت على شاشته بعض الأرقام التي تتوقع أنه استخدمها ولكن مرة وأخرى بلا جدوى، لوهلة اتتها فكرة عابرة لتجرب تاريخ إنشاء شركته ولسوء حظه وحُسن حظها استجاب الهاتف لها، ارتمت على أقرب مقعد وهي تشعر أن ساقيها كالهلام ولم يعدو يحملوها عندما تفقدت أحد مواقع التواصل الاجتماعي لديه(whatsapp)، ورغم حيطته الشديدة التي تفاجأت بها فقد غامت عيناها وعلت وتيرة أنفاسها وكادت تفقد السيطرة على رجفتها حين وجدت عدة محادثات من رقم يسجله هو بأسم “يامن” كي يضلل فعلته ولا يثير شكوكها عندما تهاتفه، فكان يغازلها وتتدلل عليه، يغدقها بتلك المشاعر والأقاويل المعسولة التي يبخل عليها بها ويمنحها ببذخ لأخرى، وعندما تابعت و سقطت عيناها على تلك الكلمات التي تخبره بها أن والدتها هي من منعتها عنه الفترة السابقة حتى يتخذ قرار قطعي بعلاقتهم، حانت منها بسمة متألمة غير متزنة بالمرة وهي تتأكد من تاريخ المحادثة الذي يطابق تاريخ تلك الأيام التي انقلب حاله بها رأسًا على عقب، ولكن لم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل كانت مشدوهة واضعة يدها المرتجفة على فمها تحاول عدم افلات تلك الشهقة الخافتة التي صدرت من بين شفاهها عندما وجدت رسالة آخرى تؤكد ما سمعته فكم تخبره تلك المدعوة انها تعشقه ولا تطيق صبرًا حتى يعقد قرانهم وكم هي ممنونة له كونه سيلبي كافة شروط والدتها، تجمدت نظراتها على شاشة الهاتف لثوان وهي تشعر بتوقف العالم من حولها فكيف، ومتى، ولمَ!

أهذا ما تستحقه هي…هاجمتها أفكارها وتصارع قلبها مع عقلها كي يجعله يتوارى قليلًا لكي يستوعب الأمر ولكن الأمر فاق استيعابها لتعاندها دمعاتها تلك المرة وتفر من عيناها ولكن ليس لتنعي حالها بل حاله هو وبما سيحل به منها إن لم يعدل عن نواياه.

– بتعملي ايه عندك يا “رهف” ؟؟

صوته أوقف قلبها وجعل الدماء تهرب من اطرافها ولكنها لملمت شتات نفسها ودست بحركة بديهية هاتفه بجيب منامتها وقالت بثبات بالكاد اجادته وهي تضع يدها تجفف دمعاتها متظاهرة انها تتفادى الأضاءة القوية التي اشعلها لتوه:

– مش جايلي نوم ….هو انت صحيت ليه؟؟

كان يفرك عينه بنعاس ولم يلحظ هيئتها ولذلك أجابها:

-رايح الحمام

اومأت له بهدوء عكس انتفاضة دواخلها وحزن عيناها مما جعله يقترب منها كي يستشف ما بها وهو ينحني بجذعه عليها و يكوب وجنتها بين يديه:

– انتِ كويسة ….تعبانة او حاسة بحاجة

أيهمك أمري الآن تبًا لتبجحك ….كيف استطعت خداعي لذلك الحد وكيف كُنت غافلة انا عن خطيئتك بحقي…ذلك ما كانت تفكر به ولكن ما نطقت به كان:

– بتحبني يا “حسن”

صدر سؤالها بنبرة مهزوزة ضائعة وهي تبحث داخل بُنيتاه عن شيء يخصها… أو ربما شيء يخفف ذلك الألم اللعين التي تشعر به الآن ينخر قلبها.

يعلم ان سؤلها متكرر ولكن لا يعلم لمَ شعر بالريبة الشديدة منه تلك المرة، ولذلك قرر أن يطمأنها بتلك الكلمات التي لم تخمد ألمها بل ألهبتها أكثر:

– أنتِ أم ولادي وعِشرة عمري يا “رهف” ازاي مش بحبك ….اكيد طبعًا مش محتاجة سؤال يعني

لمَ بربك لم تنطق بها دون تلك المبررات الاعتيادية خاصتك…لمَ لم تخبرني إياها مفعمة بالحب مع نظرة حانية من عينك انا بأشد الأحتياج لها الآن.

استراب من شرودها وانقبض قلبه حين راودته تلك الأفكار مرة آخرى ولذلك توتر و سألها بعيون زائغة مترقبة:

-“رهف” ….مالك النهاردة مش طبيعية ليه؟

فاقت من ذلك الصراع بداخلها على سؤاله من جديد لتتدارك الأمر وتهز رأسها بأن كل شيء على ما يرام

يعلم انها لطالما كانت صادقة معه واضعف بكثير أن تخفي اي شيء عنه ولذلك وجد نفسه يبتسم ويجذبها لمستواه ويحتضنها بلطف قائلًا ببعض من تأنيب الضمير:

-أنا عارف إني كُنت عصبي اوي الفترة اللي فاتت وضغطت على أعصابك سامحيني و حقك عليا… كان غصب عني…اناااا…

انحصر الحديث بحلقه ولا يعلم بما يبرر لتربت هي على ظهره بتفهم وبِملامح شاحبة تحاكي الموتى قائلة بثبات بالكاد اجادته:

– متحاولش تبرر …انا فاهمة كل حاجة

أخرجها من بين يده ببسمة واسعة وقال وكأنه يَمنٌ عليها بِمشاعره:

– بحبك…

ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وكأنها فقدت شغفها بمشاعره، ليهمس هو بعبث ليس بمحله ابدًا قبل أن ينهض و يتوجه للمرحاض:

– استنيني في اوضتنا عشر دقايق مش هتأخر عليكِ

أومأت له وعادت لغرفة نومهم بخطوات وئيدة متعثرة، وقبل أن تغلق هاتفه من جديد لتعيده لموضعه كانت تسجل الرقم على هاتفها، وما أن انتهت وضعته كما كان، و تمددت على الفراش وهي تحمد ربها انه لم ينتبه لفعلتها، لتحتضن جسدها بذراعيها وتهمس لذاتها كي تحفزها على ما هو قادم بعيون تفيض ألم وبقلب مدمي دمٍ:

– انا قوية…قوية…مش هنهار… أكيد نزوة …..اكيد مش هيعمل فيا كده… مش هسيبها تاخده مني …اهدي يا “رهف” وافتكري ولادك لازم تبقي قوية علشانهم …كانت تجاهد ذاتها كي تظل على ثباتها و لا تشعره بشيء حين عودته ورغم هشيم دواخلها إلا أنها بالفعل تمكنت من ذلك ببراعة

——————

أما في صباح يومٍ جديد داخل الحرم الجامعي

فقد كانت نظراته وبسماته العابثة تصدر كل حين وأخر لها اثناء يومهم الدراسي، مما جعلها تشعر بالحنق منه وكم أرادت أن توبخه على غبائه فهو يكاد يفضح أمرهم بحركاته الصبيانية تلك،

زفرت وهي تهبد كتبها اعلى الطاولة داخل كافتيريا الجامعة وجلست تنفخ أوداجها بقوة بمزاج عكر للغاية بفضل ذلك الغبي الذي يجلس على بعد منها وعينه لا تفارق موضعها وكم اغضبها ذلك وجعلها حقًا تسأم منه

-مالك يا “نادين” سرحانة في ايه؟؟

قالتها “نغم ” باهتمام صادق وهي تجاورها وتتبع مرمى بصرها، مما جعل “نادين” تجيبها بتوتر:

-مفيش موضوع تافه متشغليش بالك

لاحظت “نغم” ما بها وألتقطت نظرات الآخر التي تظهر بوضوح أمام الجميع مما جعلها تقول بانفعال:

-الحيوان اللي هناك ده هو السبب مش كده

نفت “نادين “برأسها ونظرت إلى ما تشير إليه “نغم” بعينها وثأثأت بتوتر:

-هاااا قصدك “طارق”… لأ

زفرت “نغم” وأخبرتها بِفطنة:

-اصله بجح وعينه متشالتش من عليكِ، وبرغم انه عارف انك مكتوب كتابك وفي عصمة راجل لكن معندوش ذرة نخوة ولا رجولة

ابتلعت “نادين” رمقها بوجل وأجابتها تدعي عدم الاكتراث:

-وانا مالي هو ميشغلنيش اصلًا

تنهدت “نغم” وربتت على يدها المسنودة على الطاولة قائلة بثقة ليست ابدًا بِمحلها:

-انا بثق فيكِ وعارفة انك ذكية ومش هتغلطي ابدًا، انا بس واجبي إني أنبهك الولد ده سمعته وحشة وكل الجامعة بتتكلم عن مغامراته وكفاية اللي عمله في صحبتك

ثقتها التي تفوح من حديثها جعلت “نادين” تشعر بالخزي من نفسها حتى أن ملامحها قد تهدلت بحزن بَين ذكر “نغم”بتلك الطفلة البائسة ذات الضفائر الطويلة التي فقدت والدتها مما جعلها تنتشلها بقولها المتلهف:

-“نادين” مالك انتِ كويسة

أومأت لها “نادين” ببسمة باهتة تقاوم ذلك الشعور الذي داهمها متسائلة:

-صحبتي مين؟؟

-“ميرال” نسيتيها ولا ايه؟ والله البت دي صعبانة عليا جدًا ولما بشوفها قلبي بيوجعني

شيء ما هناك بأحشائها حثها على التساؤل مرة أخرى:

-ليه مالها “ميرال”؟

تنهدت “نغم”واسترسلت بكل عفوية:

-البنت علطول قاعدة لوحدها وكتير بنات بيشفوها في الحمام بتعيط ده غير أن محدش سيبها في حالها وأولهم سي زفت ده من يومين كان بيرخم عليها وفرج عليها كافتريا الجامعة كلها وكل واحد ترجم الحكاية على مزاجه وطبعًا هو مش خسران حاجة بس البنت المسكينة دي من ساعتها مظهرتش واكيد علشان عارفة ان سيرتها بقت على كل لسان

زاغت نظراتها تجاهد بقايا ضميرها وتساءلت مستغربة بنبرة مهزوزة بعض الشيء:

-ليه متعاطفة معاها مش يمكن زي ما بيقولوا عليها؟

نفت “نغم” برأسها وقالت بِفطنة وصلاح نية:

– معتقدش، وحتى لو؛ ربنا يهديها، بس عارفة رغم أنها من الشلة اياها إلا أن احساسي بيقولي أن جواها كويس ومحتاجة بس حد ياخد بأيدها وبعدين ربنا ما بيفوتش و كل اللي بيتكلموا عنها ممكن يبقوا مكانها في يوم من الأيام

كانت مع كل كلمة تطعن بها دون قصد حتى أنها أيقظت بحديثها ضميرها الكامن بعيد يتوارى خلف تمردها وعنجهيتها، مما جعلها تشعر بالحنق من ذاتها فماذا لو كانت هي بموضعها؟ طال تفكيرها في حديث صديقتها التي تجهل تمامًا أنها هي الرأس المدبر لكل ما يقال

ولا تعلم حينها لم شعرت بالخزي من ذاتها فحقًا لا تعلم لمَ كل شيء حولها يتكاتف كي يزعزع قناعتها

غيرت “نغم “سير الحديث وهي تناولها دفتر من حوزتها:

-سيبك بقى من الكلام ده، خلينا في المهم انا نقلتلك كل المحاضرات اللي فاتتك هنا ولو مش فاهمة حاجة ابقي كلميني اشرحها لك

حاولت “نادين” قدر المستطاع الثبات والتخلي عن تلك الحالة الغريبة التي تتملك منها وقالت بود و ببسمة صادقة:

-هو أنتِ علطول جدعة كده…

أبتسمت “نغم” وأجابتها بمحبة خالصة لها:

-احنا مش اصحاب يا “نادين” احنا اخوات ولازم نخاف على مصلحة بعض

اومات “نادين” بامتنان وقبل أن تتفوه بأي شيء آخر كانت “منه” تجلس على طاولتهم قائلة بعتاب:

-اهلًا يا بنتي فينك مختفية ليه ده الشلة هتتجنن من غيرك

كادت “نادين” تجيبها لولآ “نغم” سبقتها بهجوم:

-ويتجننوا ليه إن شاء الله من غيرها

اجابتها “منه” بنبرة مستخفة:

-براحة عليا يا شيخة “نغم” أنا مش قدك

تأففت “نغم” وصاحت بها:

-اتكلمي كويس ولازم تعرفي أن “نادين” مش شبهكم انتوا شلة منفلتة والجامعة كلها ملهاش غير سيرتكم

تدخلت “نادين” كي تلاحق الموقف:

-“نغم” اهدي ومتكبريش الموضوع مش مستاهل

زفرت “نغم” بغيظ من ردها فكم أرادت أن تؤيدها ولكنها كعادتها أثبت لها انها لن تتخلى عن تسليط الأضواء الخادعة عليها لتنهض وتجيبها وهي تلملم كُتبها:

-هو فعلًا مش مستاهل انا ماشية قبل ما تفقعي مرارتي اكتر من كده… سلام

حاولت “نادين” منعها ولكن “نغم” لم تستمع لها مما جعل “نادين” تستاء مما حدث فطالما كانت “نغم” مميزة بالنسبة وكم تعشق حين تكون معها على سجيتها بعيدًا عن كل شيء.

-غريبة اوي “نغم” دي معرفش انتِ مصحباها ازاي!!

قالتها”منه”مستغربة بنبرة تحمل السخرية بطياتها مما جعل “نادين” تقول بدفاع قوي وكأنها عادت لسابق عهدها:

-ملكيش دعوة بيها و متجبيش سيرتها “نغم” طريقة تفكيرها مختلفة عنكم وملهاش في حوارتكم

-خلاص مش هفتح بؤي بس بجد يا بختها “نادين الراوي” بذات نفسها بتدافع عنها

قلبت عيناها بسأم وزفرت حانقة:

-سيبك بقى من كل ده وقوليلي ايه الأخبار؟

اشرأبت” منه” برأسها وكأنها ستخبرها سر من أسرار الحرب وتابعت:

– هقولك اصل الجديد كله عندي يا “نادو”

———————

-خلاص بقى يا “دعاء”انتِ اللي استفزتيني وقولتي كلام مايتقلش

قالها “فاضل” بعدما مل من مراضتها كثيرًا ولكنها لم تقبل بعد ان تغفر له حتى أنها هتفت بغيظ:

-كان لازم بنتك تعرف حقيقة أمها وبعدين انا مغلطتش و مهما عملت يا “فاضل” مستهلش انك تمد ايدك عليا قدام بنتك والحيزبونة اللي اسمها “مُحبة”

زفر “فاضل” في ضيق واسترسل كي يبرر لها:

-حقك عليا اتعصبت وكمان كنت زعلان على البنت تخيلي “محبة” قالتلي انها كانت عايزة تموت نفسها لولآ لحقتها في أخر لحظة

شهقت “دعاء” متفاجأة:

-هي حصلت تموت نفسها بنتك اتجننت

زفر بضيق وأضاف:

-انا مش متخيل إني كنت هخسرها يا “دعاء”علشان كده طلبت منك متضغطيش عليها، البنت نفسيتها متدمرة حاولي تقربي منها وتصحبيها

مطت “دعاء” فمها بحركة مدللة وعاتبته:

– بعد ايه بقى ما انت ضربتني وكسفتني قدامهم يعني ده جزاتي إني كنت خايفة على مصلحتها

ربت “فاضل”على خصلاتها بحنان وطلب منها راجيًا:

-لأ… بس انا مش عايز نضغط عليها بعد كده سبيها براحتها يا “دعاء” انا معنديش استعداد اخسرها، ده انا كمان بفكر اعرضها على دكتور نفسي

أومأت له بنعومة تعرف تأثيرها عليه وهمست بدلال وهي تستند على صدره و تعبث بأزرار قميصه:

-حاضر بس ده ميمنعش اني لسة مخصماك

ابتسم هو وسايرها بكل طواعية:

-قوليلي ايه يراضيكِ؟

طلبت بعدما التمعت عيناها بوميض يعلمه جيدًا ويعلم ما سيأتي بعده:

-تشتريلي البيوتي سنتر اللي كان نفسي فيه وتكتبه بأسمي

تنهد هو وأومأ برأسه يوافق على مطلبها ولكنها لم تكتفي كعادتها وتابعت:

-ومش بس كده عايزة أغير العربية

تنهد “فاضل” بقلة حيلة وعقب:

– ماشي كل طلباتك مجابة

لتتهلل أساريرها وتحتضنه وهي تشعر بسعادة عارمة كونه سيحقق لها أحلامها التي كانت تظنها بعيدة كنجوم السماء لولاه

بينما هو لم يكن حانقًا بسبب تطلُبها بل يتفهم تمامًا أن تلك المعادلة الصعبة بينهم وتلك الفجوة بين اعمارهم لم تكن تندثر لولآ المال ولذلك لديه يقين دائم انه كفيل ان يعوض به كل شيء

——————-

لم يعد يحتمل ان يراها امامه دون ان يحدثها او يتمتع بقربها فهو يقسم انه طوال اليوم كان يود أن يجذبها من بين الجميع ويصرخ بأعلى صوته انها حبيبته، ولكن مجبور هو على الصمود من أجلها ورغم أنها صعبة المراس وإلى الآن لم تريح قلبه بكلمة واحد، إلا أنه لن ييأس فلم يتبقى شيء على تحقيق غايتها، ورغم تفهمه وتشديدها عليه إلا أنه وجد ذاته ينتظرها خارج الحرم الجامعي يود أن ينعم ولو دقائق بقربها، فكان يستند على مقدمة سيارتها ينتظرها بكل حماس دون أن يحسب حساب ذلك الذي كان يقترب من موضعه تزامنًا مع خروجها واقترابها من السيارة

فقد تخشبت قدميها وهي ترى ذلك الغبي ينتظرها

وعلى فمه بسمة عابثة تكاد تصيبها بالغثيان

وإن كادت تسير نحوه كي تنهره اتسعت عيناها حين لمحته من بعيد و كرد فعل سريع منها لوحت له ببسمة واسعة كي تنبه ذلك الغبي أمامها وتحثه على الابتعاد وبالفعل تفهم حانقًا وانسحب بخفة وهو يشعر أن الغيرة تفتك به.

لتسرع هي بخطواتها نحو “يامن” كي تلهيه وتسأله بعيون زائغة:

-ايه المفاجأة دي

أبتسم هو وأجابها:

-كنت في مشوار قريب من هنا و قولت اشوفك قبل ما تروحي

هزت رأسها وهي تجول بعينها تتأكد أن ذلك الغبي تفهم الوضع وإن لم تجد أثر له تنفست بأرتياح، استراب من ردة فعلها وسألها:

-مالك بتدوري على حد

نفت برأسها وحاولت أن تستعيد ثباتها قائلة:

-لأ ابدًا حبيت المفاجأة

تنهد يحاول أن يتغاضى عن توترها المبالغ به واقترح:

-طيب تحبي نشرب قهوة في اي كافيه

-هااااا اه قهوة…

قالتها قبل أن تزفر وتطلب راجية:

– بس نشربها واحنا بنتمشى على الكورنيش

هز رأسه موافقًا وسار نحو سيارتها قائلًا:

-معنديش مانع بس خلينا نروح بعربيتك علشان عربيتي ركنتها بعيد عن الزحمة

أومأت له ببسمة ماكرة وقالت مشككة:

-والله تلاقيك لا كنت في مشوار ولا حاجة وبتشتغلني

قهقه هو وأجابها بمشاكسة:

– على طول قفشاني كده

لتتسع ابتسامتها الآسرة وتسأله بكل غرور:

-تنكر إني وحشتك

تنهد تنهيدة عميقة وأجابها وهو يشرع بالركوب بفتح الباب الذي يوازي بابها:

-مقدرش أنكر يا مغلباني

لتلتلمع عيناها بزهو لا مثيل له و تجلس خلف الموقد وتنطلق به، غافلة عن عيون الآخر التي تتربص بها وتتوعد بأشد الوعيد إن كانت تتلاعب به

————————

-أنتِ كويسة؟؟

سؤال لعين كاد يفتك برأسه ليعرف أجابته وقد كتبه برسالة نصية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي(whatsapp) لأكثر من مرة وقام بحذفه، فمنذ ما حدث في أخر مرة اوصلها بها وهو لا يعلم شيء عنها وقد أخبرته مربيتها انها لن تغادر المنزل ولن تذهب لجامعتهامما جعله يكاد يجن ويطمئن عليها، حقًا لا يعلم ما حل به ولا يريد تفسير الآن كل ما يعلمه أنه قطع وعد لها ولابد أن يفي به

ولذلك تشجع وضغط على شاشة هاتفه ليتم الأرسال وعندها وجد نفسه يتلهف لردها بشدة ولكن بلا جدوى لم تجيبه حتى شعر باليأس وفكر جديًا أن يهاتفها مباشرتًا وفي خضم أفكاره وجد الهاتف يُأخذ عنوة من يده بواسطة يد صغيرة سارقة يعرف صاحبتها فمن غيرها “فاطمة” ابنة شقيقته المشاكسة التي لا يتجاوز عمرها الست سنوات، رفع حاجبيه بغيظ من فعلتها ولكنها رمقته بطرف عيناها قائلة بتذمر طفولي:

-زهقانة و عايزة العب يا خالو

هز “محمد” رأسه وضرب كف على آخر بقلة حيلة عندما وجدها بالفعل تقوم بتشغيل احد الالعاب التي ترغمه أن يحتفظ بها على هاتفه، لينقض عليها مشاكسًا يقبض على مقدمة ملابسها من الخلف:

– بت انتِ رخمة ليه كده مش تستأذنيني الأول قبل ما تاخدي التليفون من ايدي مش يمكن موافقش

رفعت عيناها الشقية له وثأثأت:

– انت خالو… و مش تقولي لأ

-واللهي ده أيه العشم ده يا اوزعه!

شهقت واستنكرت قوله:

-انا مش اوزعه… يا ابو رجلين طويلة

هز رأسه بلا فائدة و ضربها بخفة على جبهتها قائلًا:

-بَطلي لماضة احسن هعلقك في النجفة

نفت برأسها قائلة وهي تمط فمها وتنظر له نظرة جرو وديع:

-مش ههون عليك يا حمود

قهقه “محمد” على شقاوتها وتلك الطريقة التي تحدثت بها ليوافقهاقائلًا:

-ماشي يا اوزعه بس جيم واحد بس علشان تروحي تكتبي الواجب

قهقهت هي بحماس وجرت نحو الفراش تتوسطه تدعوه بمشاكسة:

-ماشي تعال بقى ألعب معايا

فما كان منه غير ان ينصاع لها ربما يلهي ذاته ويكف عن التفكير في صاحبة الفيروزتان البائسة

———————

أما هي فقد قررت أن تتم ما برأسها بعد أن علمت هوية صاحبة الرقم التي سجلته وجعلت أحد أصدقاء “سعاد” أن يساعدها و يأتيها بكافة المعلومات عنها فقد اكتشفت أن غريمتها صائدة رجال و تعمل لديه بشركته ولذلك لم تتردد وخاصةً انه اخبرها في الصباح انه سيذهب ليعاين أحد المواقع التي يشرف على تنفيذها و وها هي

تقف امامها بكل ثبات وثقة تتأمل هيئتها بتدني تعمدته، تحاول ان تجد ما يميزها عنها، ولكنها واقفة الآن أمام امرأة تناقضها بكل شيء، فهي ذات خصلات شقراء مموجة وعيون حادة ماكرة تلمع بالثقة وانف شامخ وشفاه منتفخة قامت بطلائها بلون قاني لم تجرؤ هي حتى أن تضعه لزوجها، أما هيئتها فكانت ترتدي جيب قصير للغاية يظهر ساقيها ببذخ وبلوزة بيضاء تلتصق عليها

عكس هيئتها تمامًا فهي بسيطة الملامح وملابسها محتشمة لحد كبير ولكن ذلك لا يمنع جاذبيتها وجمالها الألهي فهي تتمتع ببشرة خمرية وعيون رمادية وخصلات بُنية متوسطة الطول تناسبها كثيرًا، قد تكون لا تتمتع بذلك الجسد الصارخ بالأنوثة كالذي لدى الآخرى ولكن لنقول أن جسدها متناسق بفِتنة خاصة بها، قطعت “منار” وصلة تأملها قائلة:

-افندم مين حضرتك…؟؟

تنهدت “رهف”وظلت تتمعن بها بشعور لا يضاهيه شيء قط، فأسوء شيء من الممكن أن يحبط المرأة ويهدم كبريائها انها تضع ذاتها مقارنتًا بأنثى أخرى لا تمت لطبيعتها بشيء و الأنكى أن زوجها مال لها رغم كم التناقض بينهم، طال صمتها مما جعل “منار” تزفر حانقة من نظراتها الغير مبررة:

-في حاجة حضرتك؟

أجابتها “رهف” بنبرة واثقة وهي تجلس مقابل لها :

– فيه حاجات …….وعلشان كده جيت يا أنسة ……مش انسة برضو ولا انا غلطانة ؟!!

رفعت “منار” نظراتها لها وأخبرتها ببسمة خبيثة:

– غلطانة…

-أممم اكيد مُطلقة ….. مش كده ……او ممكن عانس ياحرااااام

قالت أخر كلمة بأسف مصطنع وهي تمط فمها مما جعل الآخرى ترشقها بنظرات حاقدة مشتعلة، لتسترسل “رهف” وهي تنظر لها بتدني واضح:

– على العموم في الحالتين حقك !!

لم تفهم “منار” إلى ماذا ترمي وسألتها بغيظ:

– حق ايه مش فاهمة وانتِ مين اساسًا علشان تتكلمي معايا كده؟

احتدت نظرات “رهف” بشراسة قتالية هي ذاتها استغربت أنها تكمن داخلها واستطردت قائلة وهي تشرأب برأسها نحوها تتعمد أن ترهبها:

-حقك تستغلي أي فرصة و تكشفي جسمك وتعملي في نفسك البِدع علشان تعوضي حظك براجل زي جوزي

مهلًا الأن تفهمت كل شيء فتلك هي زوجته الساذجة وقد تفهمت لمَ يتهرب منها ولذلك

أطلقت ضحكة صاخبة ثم أجابتها بكيد وهي تضع ساق على آخر:

– مش محتاجة استغل الفرص يا مدام …..وبعدين جوزك هو اللي هيتجنن عليا ومش ذنبي أنك مش مالية عينه

نخرت الغيرة قلبها ولكنها تمالكت ذاتها وردت بتدني أغاظ الأخرى وجعلها تطلق شرار من عيناها:

– لو مال ليكِ فهو معذور أصل الحاجة الرخيصة بتبهر و بتزغلل العين لترفع سبابتها أمام نظراتها وتحذرها بجدية شديدة جعلت الآخرى تريد الفتك بها:

– القرار راجع ليكِ…ابعدي عنه أحسنلك، علشان اللي بتخططيله ده مش هيحصل… خليكِ عاقلة ووفري على نفسك الفضايح والجُرص

فااااااهمة ولا اعيد تاني….. قالت تحذيرها الأخير وهي تعتدل في وقفتها وترشقها بنظرة قاتلة متوعدة من عيناها حتى انها غادرت دون ان تعطي فرصة للآخرى أن ترد

لتصرخ “منار” بغيظ وتتوعد لها:

-يا أنا يا أنتِ يا “رهف” هانم

أما هي فبعد أن خرجت من مكتبها كادت تخور قدمها من شدة توترها ولذلك احتمت بأحد الأركان وأخذت تحاول أن تطلق زفرات متتالية كي تهدأ من روعها فيبدو أن قناع الشجاعة والقوة التي كانت تتقمصه سقط عنها وإن استعادت شيء من ثباتها هرولت للخارج وهي تحمد ربها أنها استطاعت أن تتخطى تلك اللحظة الحاسمة بحياتها

————————-

-بحاول ابقى كويسة

كلمة مقتضبة ظهرت على شاشة هاتفه كإشعار مما جعله ينتفض مرة واحدة ويجذب الهاتف من يد الصغيرة متحججًا:

-يلا يا طمطم كفاية لعب انت وعدتيني تكتبي الواجب

نفت “فاطمة” برأسها واجابته بِلماضة:

-عايزة ألعب شوية كمان وبعدين عادي ما انت وعدتني من شهر توديني الملاهي ومودتنيش

زفر “محمد” بنفاذ صبر و وعدها من جديد كي يتخلص منها ويتفرغ لمحادثة تلك التي تحتل كافة تفكيره:

-حقك عليا، و وعد لو كتبتي الواجب؛ هوديكِ بكرة

صفقت في حماس وقفزت على الفراش بسعادة عارمة ثم انصاعت له، ليزفر هو براحة ويتطلع لهاتفه ليجدها مازالت متصلة ليراسلها على النحو التالي قائلًا:

-قلقت عليكِ وكنت متردد أكلمك

غاب ردها مما جعله يلعن تسرعه ولكن أتاه اخيرًا مطمئننًا:

-ياريتك ما ترددت انا بجد محتاجة اتكلم مع حد

زفر براحة وباشر محادثتها بواسطة الكتابة:

-وانا معاكِ وهسمعك للأخر و تأكدي أن وقت ما تحتاجيني هتلاقيني

-انت جدع اوي يا “محمد “وبجد شكرًا على كل حاجة

ابتسم بحبور من مدحها وكم شجعه ذلك أن يطالب بـ إجابات صريحة لتلك التساؤلات برأسه ولكنه كعادته لم يشأ أن يضغط عليها خوفًا أن تتخذ موضع هجوم ضده ولذلك لعن فضوله اللعين نحوها وقرر أن يتركها تخبره ماتوده هي، وبالفعل ذلك ما حدث و استرسلت بالحديث معه لساعات عدة دون أي شعور بالوقت وكم كان هو متفهم يستمع لها دون كلل يحاورها بعقلانية شديدة ويحفزها ان تتخطى كل شيء وتبدأ من جديد وهو يشعر أن نخوته و وعده لها بالمساعدة هم الدافع وراء اهتمامه لا يعلم أن بمكان هناك بصدره يتورط بها رويدًا رويدًا،

بينما هي كانت تشعر بأمتنان عظيم له كونه أَنس وحدتها وكان وجوده يشبه لهيب شمعة انارت عتمتها، غافلة أنها لن تدوم طويلًا وستذوب قهرًا من أجلها

————————
عاد لشركته وهو يتعمد أن يلهي ذاته عنها ويتهرب من مواجهتها متحجج بإنشغاله ولكنها دخلت بثورتها قائلة:

– اتفضل دي استقالتي أنا لا يمكن استنى في الشركة دي دقيقة واحدة بعد اللي حصل

أغمض عينه بقوة كي يهيأ ذاته كي يواجهها ولكن كيف الخلاص وهي تقف الآن أمامه بكامل اناقتها و تتخصر مما جعله يبتلع ريقه ويسألها بثبات بالكاد تمكن منه:

– إيه اللي حصل؟

ألتقطت نظراته التي ارضتها وتقصعت أكثر بوقفتها قائلة بإنفعال:

– انا عرفت ليه بتتهرب مني… يا سيدي لو عايز ترجع في كلامك مكنش ليه لازمة تبعتلي مراتك تبهدلني وتتهمني بالرخص

أندثرت نظراته وشحب وجهه وبرقت عينيه وهب واقفًا يهمس بعدم استيعاب:

– “رهف”…مستحيل!!

-مستحيل ليه مش انت اللي باعتها

حل رابطة عنقه وهو يشعر أن الارض تميد به وقال بنظرات مهتزة بعدما تأكد أن شكوكه بِمحلها :

– ابعتها فين انتِ مجنونة انا معرفش انها عارفة اصلًا، ورغم إني شكيت بس عمري ما اتوقعت انها تجيلك هنا

ادعت الوداعة واسبلت عيناها بعتاب وقالت بنبرة متألمة اجادتها:

– ده كل اللي يهمك ….ومش هامك انها بهدلتني وسمعتني كلام زي الزفت بسببك لأ وكمان هددتني وعينها بعيني من غير ما تعمل اعتبار ليك

لتجهش بالبكاء وتقول وهي تنظر له نظرات تعرف تأثيرها عليه:

-ترددك هو السبب لو كنت صارحتها من الأول مكنتش حطيتني في موقف زي ده

لتمسد جبهتها وتترنح وكأنها ستفقد وعيها مما جعله يهم إليها يدعمها بذراعيه فما كان منها غير أن تستند على صدره وتسبل عيناها أكثر تدعي الوهن:

-انا همشي من شركتك وهخرج من حياتك كلها وهدوس على قلبي…وياريت تنساني زي ما هحاول أنساك يا سُونة

إلى هنا وقد ذهبت مقاومته أدراج الرياح، فكيف لذكر مثله أن يصمد أمام أنثى منكسرة تحبه مثلها، ليجد ذاته يضرب بكل شيء عرض الحائط ويقول وهو يتأكلها بعينه:

– لا مش هقدر… صدقيني حاولت كتير أنساكِ وابعد عنك معرفتش …

مرغت وجهها بصدره كالقطط وقالت تدعي الوداعة وهي تشهق ودموع التماسيح خاصتها تتراقص على وجنتها:

-بس هي مش هتسبني في حالي دي هددتني

نفى مستنكر قولها واجابها بفكر عقيم وهو يمرر يده بين خصلاتها الشقراء:

-متقدرش تعمل حاجة “رهف”أضعف من كده بكتير، وطالما عرفت خلاص يبقى مبقاش في حاجة أخاف منها وغصب عنها لازم تقبل

-يبقى لو بتحبني تستعجل وتكتب عليا

اومأ لها كالمغيب تحت وطأة رغبته، مما جعلها تبتسم وتصرح له بهمس مغري للغاية وهي تقترب بشدة من وجهه:

-بحبك يا “سُونة” ومقدرش اعيش من غيرك

لم يمهلها لقول المزيد فقد جذبها من مؤخرة رأسها وأنقض بشراسة على ثغرها وكأنه يود أن ينفث عن تلك الرغبة المُلحة التي تكاد تقضي عليه، ولكنها لم تكن به رحيمة ابدًا، فقد بادلته بجرأة غير عادية فما كان منه الا أن يتحرك من تلقاء نفسه و يستبيح جسدها؛ وهي بالطبع لم تمنعه تلك المرة بل كانت تتعمد أن تجننه أكثر وملامسته بخبرة مسبقة حتى جعلته يجن لا يقوى على التحمل أكثر وبالطبع ذلك ما كانت تخطط له عندما كان يتهرب منها؛ فتعمدت هي أن تفعل به ذلك ثم تتركه يتوسل قطرة غيث منها وبالفعل تمكن شيطانه أن يسيطر عليه واستغل لحظة ضعفه وبرأ تلك الخطيئة التي مهما ادعى أنها بريئة لم تكن أبدًا؛ إلا آثمة بحق زوجته

——————–

كم كان الوقت يمر سريعًا وهو برفقتها فقد احتسوا القهوة ثم سارو معًا للكثير من الوقت حتى ألمتهم اقدامهم وقررو يستريحون على أحد المقاعد الرخامية على ضفاف النيل، ورغم انه كان يأمل أن تتجاذب معه أطراف الحديث ولكنها لم تنبس ببنت شفة فقد كانت فقط شاردة وكأنها تفكر في معضلة عويصة تؤرقها، وهو لم يريد أن يفرض حصاره عليها بالحديث بل فضل أن يمنحها مساحتها الخاصة ويكتفي كونه برفقتها دون جدل

أما هي كانت بعالم موازي مليء

بالتخبطات لا تعلم ما يحل بها فقط كل تعلمه أن بداخلها صخب يؤرقها وكم تتمنى أن تتخلص منه و تنعم بشيء من السَكينة والأطمئنان، لوهلة شعرت بفراغ بجانبها، وإن كادت تبحث بعيناها عنه وجدته يقف على مقربة يبتاع تلك الحلوى التي تعشقها، حانت منها بسمة حنين تحمل بين طياتها الكثير فكم ذكرها ذلك المشهد بطفولتها حين كانت تركض على البائع وتجبر والدتها ان تبتاعها لها وحين تنفذ رغبتها بالحصول على أكثر واحدة كانت تحتضنها تنعمها بدفئها وتخبرها بحنو أنها ستؤذي اسنانها، لكنها لم تقنع قط إلا أن خربت اسنانها بالفعل ولكن ليس بفضل دلال والدتها فقد كانت رحلت حين ذاك، بل بفضله هو فكلما كان يغضبها ويريد مراضاتها يجلبها لها

انتشلها هو من دوامة ذكرياتها قائلًا وهو يمد يده بلفافة وردية كبيرة هشة من الحلوى:

-عارف انك بتحبي غزل البنات

تناوبت نظراتها المشتتة بين الحلوى وبينه وتناولتها من يده واخذت تنظر لها بعيون مسبلة تغيم بالذكريات، تفهم هو ما أصابها ولكونه يعرفها عن ظهر قلب قال مواسيًا وهو يربت على ظهرها:

-عارف أنها وحشتك بس مفيش حاجة بأيدنا غير ندعيلها

كانت تقرص على شفاهها وتطرق رأسها دون أن تعقب حتى أنه ظن انها لن تفعل ابدًا وندم حين جلب لها تلك الحلوى التي يعلم بما ذكرتها لذلك وجد ذاته يعتذر وهو يرفع بأنامله خصلاتها التي تعيق رؤيته لوجهها بحركة حانية للغاية:

-اسف مكنش قصدي أفكرك

نفت برأسها وهمست بنبرة تحمل بطياتها الكثير من الألم:

-عمري ما نسيت علشان تفكرني

تنهد بعمق وهو يلعن ذاته بسره وصمت كي لا يزيدها عليها بحديثه، وبعد عدة ثوانٍ همست هي:

-فاكر زمان كنت لما بزعل وتحب تصالحني؛ تجبهالي لغاية ما سناني كلها سوست بسببك

أبتسم بحنين لتلك الأيام وقال مشاكسًا كي يستغل الأمر ويخفف عنها:

-فاكر يا مغلباني، كنتِ مطلعة عيني بتتلككي ليا دايمًا ولو قولتلك صباح الخير من غير قصد كنتِ بتمسكِ فيا وانا كنت كل مرة أجري اجبهالك من مصروفي علشان تصلحيني

استعادت رباط جأشها وحانت منها بسمة صادقة نابعة من قلب تلك الطفل ذاتها حين أخبرته:

-أنت كنت رخم وبتاخد حاجتي

فاكر يوم عيد ميلادي و العروسة بتاعتى اللي “حسن”جبهالي عملت فيها ايه

ابتسم حين تذكر حنقه من أبن خالته المتلاعب حينها، وتذكر فعلته الشنعاء بتلك الدمية المسكينة ولكنه أنكر قائلًا ببراءة:

-مش فاكر؟

وكزته هي بكتفه قائلة في غيظ:

-لأ فاكر …يومها صحيت من النوم لقيت العروسة مقصوص شعرها ومتشخبط على وشها وفستانها مقطع ومربوطة بحبل من رقبتها فوق سريري وانت قولتلي انها روح شريرة

أنفجر هو ضاحكًا عندما تذكر كيف كانت مذعورة حينهاوظلت لأيام تجبر ابيها أن ينام برفقتها وهي مقتنعة تمامًا بحيلته
(ميراكريم)
وكزته مرة أخرى بكتفه ولم تستطيع منع نفسها من مشاركته ضحكاته قائلة بلا فائدة:

-طول عمرك رخم

أجابها مشاكسًا:

-أنتِ اللي كنتِ مبتسمعيش الكلام اعملك ايه قولتلك بلاش تاخديها منه وإني جايبلك واحدة أحلى منها بس انت عاندتي ورمتي عروستي واخدتي بتاعته وطلعتيلي لسانك

كان يتحدث بعفوية تامة وحركات جسده متناغمة تمامًا مع بسمته البشوشة الهادئة التي تزين وجهه مما جعلها دون أي تعمد وجدت ذاتها تهيم به وتلك النبضة العاصية بقلبها يزداد وجيبها، استكانت ملامحه حين ألتقط نظراتها ووجد ذاته يغوص بدفء عيناه بليل عيناها المشتتة وكم تمنى أن يرى بصيص أمل بداخلها ولكنه كان كالغريق الذي يظن أن نجاته تعتمد على المعافرة و قدرة تحمله على الصمود

دام ذلك التواصل البصري لعدة ثوان كانت كفيلة أن تجعل ذلك الصخب الذي يعتمرها يسَكن ويهدأ تمامًا، حتى انها وجدت ذاتها تصرح له دون أي تفكير مسبق:

-تعرف إني مبقتش أخاف منك

حانت منه بسمة حالمة تجيش بما يختلج بصدره وأجابها بنبرة صادقة للغاية وهو يرفع يدها ويلثمها ببطء أمام نظراتها المشتتة:

– آسف لو اتعمدت اخوفك قبل كده، كان غرضي أخليكِ تتمسكِ بوجودي جنبك وتحسسيني إني الوحيد القادر على حمايتك

ليتنهد تنهيدة حارة مثقلة وهو يحتضن كفها البارد بين راحتيه ويستأنف بنبرة تدل على قلة حيلته في عشقها:

-صدقيني غصب عني ببقى عايز أطمنك بعديها وأخبيكِ بين طيات روحي جنب قلبي وأحميكِ حتى من نسمات الهوا اللي بتعدي جنبك، أنت الروح لروحي يا “نادين “و وجودك جنبي دليل على حياتي

كانت تستمع له بعيون لامعة وقد لامست كلماته الصادقة شغاف قلبها وزعزعزت قناعتها بكل براعة وحينها دق ناقوس الخطر وأعلن عن بدء تلك الحرب الضارية بين قلبها وعقلها ولكنه لم يمهلها الوقت لذلك فقد جذبها بقوة إليه ودفنها بين جنبات صدره واضعًا قبلة حانية على قمة رأسها وكأنه يود أن يكلل تلك اللحظات بقربها، بينما هي كانت تنوي أن تدفعه عنها وتحجج كون ذلك غير لائق بالطريق ولكن لحسن الحظ كان المكان معزول خالي من أي مارة، مما جعلها تستكين وتشعر بطمأنينة غير عادية وكأن صدره هو المأوى والمأمن الوحيد لها

انتظر أن تتفوه بأي شيء من أجل أن تخلد تلك اللحظات بذاكرته ولكن طال صمتها مما جعله يهدر بمشاكسة وهو يأخذ قطعة كبيرة من الحلوى ويدسها بفمها:

-مش هتنطقي ولا ايه؟ فين لسانك السبعة متر دلوقتي يا مغلباني؟

لملمت شتاتها وتناولت نفس عميق كي تحفز ذاتها ثم خرجت من بين يده مبتسمة بمكر وهي تستمتع بذوبان السكر بفمها قائلة وهي تتناول قطعة أخرى بتلذذ غير عادي:

-كَلته القطة يا رخم و قوم بقى جبلي واحد تاني

قهقه من جديد وقال وهو يمط فمه:

– طِفسة

-رخم

قالتها ببسمة مشاكسة وهي تخرج لسانها له و تدفعه كي ينهض عن المقعد و يمتثل لرغبتها، ليضرب هو كف على آخر وتتعالى صوت ضحكاته، فرغم أنها ستتم الواحد وعشرون بعد أيام معدودة إلا أنها مازالت بمشاكسة تلك الطفلة ذات الضفائر الطويلة التي أحبها منذ أن سقطت عينه عليها.

بينما هي أخذت تتناول الحلوى بتلذذ لا مثيل له مستمتعة بتلك اللحظات التي تظنها لم تؤثر بها ولن تجعلها تحيد عن ما برأسها

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى