روايات

رواية وسام الفؤاد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الجزء الثالث والعشرون

رواية وسام الفؤاد البارت الثالث والعشرون

رواية وسام الفؤاد الحلقة الثالثة والعشرون

خرجت وهيبة ووقفت أمامهن تطالعهن بشموخ وعظمة، ترتدي الملابس الداخليه للجد، شورت أبيض قصير فوق بنطالها الذي يلتصق بجسدها وفانله ذات حملات بيضاء على تيشرت اسود بأكمام طويلة، ارتفعت شهقاتهن على منظرها الصادم، فيبدو أنه قد حان الوقت لتمثل أحد المشاهد التي شاهدتها في التلفاز! صرخت شاهيناز:
-إيه إلي إنتِ عملاه ده يا حجه وهيبه؟
وهنا دخل الجد يتبعه الرجال وخلفهم أحمد ومحمود.
اتسعت أعين النساء وهن يبدلن أنظارهن بين الرجال المقبلين نحوهن ووهيبة تلك العجوز التي تلف يدها خلف ظهرها كأنها تخفي شيئًا وتبتسم بزهو، كان الرجال يُطالعونها بأعين متسعة وهم ويتفحصون ما ترتديه فقد كان الشورت واسعًا على خصرها فاضطرت لربطه بقماشة حمراء على شكل فيونكة أسفل ظهرها فبدت مثل “بطوط”! هتف الجد بضجر:
-إيه المنظر ده… دخلوها جوه!
حاولت شاهيناز جذبها للداخل لكنها أبت وصرخت بصخب فتركتها على مضض.
أخذ الجميع ينظرون إليها البعض يضحك والبعض الأخر يمقت ما تفعله.
أخرجت وهيبة كرة مطاطية من خلف ظهرها ونظرت للشباب قائلة بابتسامة حـ ماسية:
-يلا عشان عندنا دوري… ولازم نرفع راية بلدنا!
شوحت شاهيناز بيدها في وجه وهيبة قائلة بعصبية:
-إنتِ مش هترفعي راية بلدنا دا إنتِ هترفعي ضغطنا كلنا.
وفي جهة أخرى خرجت سديل لتوها من البيت متجهة نحوهم تحاول إلتقاط ما يحدث، تصنمت مكانها واقفة حين سمعت ضحكات أحمد الذي أدمعت عيناه على مظهر وهيبه الهزلي، وحين رأى سديل اعتدل في وقفته وأخذ يشير لها لتواري مقلتيها الظاهرتين! لم تفهم ما يريد وأخذت تحدق به وتهز عنقها بجهل فحرك شفتيه دون إصدار صوت وهو يضغط على حروف الكلمة: البيشه..
وأخيرًا أدركت ما يريد فأومأت رأسها وأسدلت النقاب على عينيها، تنفس أحمد بارتياح وابتسم رافعًا إبهاميه بإعجاب تايدًا لما فعلت، تلاشت ابتسامته حين التفت جواره ورأى أخيه الذي يُطالعه بنظرة جانبية رافعًا إحدى حاجبيه ثم مضيقًا جفنيه بمكر، مسح احمد على شعره بتوتر وطالع الإتجاه الأخر مدلكًا جانب عنقه بارتباك تنحنح هامسًا لنفسه:
-دا إيه البصه دي!
نظر نحو أخيه مجددًا والذي كان عاقدًا ذراعيه أمام صدره ويطالعه بنظرات مدلهمة، فضحك أحمد قائلًا:
-بتبصلي كده ليه يا عم؟!!
فك محمود عقدة يديه وربت على ظهر أحمد بقـ وة قائلًا بابتسامةٍ ماكرةٍ وهو يضغط على كل كلمة: منور يا حبيب أخوك
عقب أحمد متلعثمًا:
-و.. وهو فيه نور بعد نورك يا عريس
قال أحمد جملته ونظر لمحمود عدة مرات في سرعة بطرف عينيه فوجده يرميه بسهام متفهمة فهرول أحمد ليقف جوار فؤاد ويهرب من نظراته تلك!
لم يكن محمود وحده من يراقب حركات أخيه بل كانت رحيل هي الأخرى تبدل نظرها بين أحمد وسديل وتراقب لغة الإشارة بينهما لكنها لم تعقب قررت أن تُمرر الموقف وكأنها لم ترى شيئًا.
**********
وقفت والدة فؤاد على يمين وهيبه وربتت على كتفها قائلة بهدوء:
-تعالي بس معايا يا عمتي وهنتفاهم جوه
عقدت وهيبه بين حاجبيها وهي تبتعد عنها قائلة بنزق:
-أجي فين!! وإيه عمتي دي!!
رفعت وهيبة ذقنها عاليًا وأردفت بخُيلاء: أنا أبوتريكه
وقفت شاهيناز يسارها وصاحت:
-تعالي يا حجه البسي هدومك واستري نفسك… ارحميني
صرخت وهيبة بصخب:
-سيبــــــوني
تنفس الجد الصعداء وضـ رب على فخذيه بقلة حيلة قائلًا:
-سيبوها أما نشوف أخرتها بس اقفل يا نوح بوابة البيت
لبى نوح أمر جده وابتسمت وهيبه بحـ ماس وقسمت الشباب لفرقتين نظرت لأحمد وابتسمت قائله:
-إنت في فرقتي يا عسل إنت يا حليوه
قهقه فؤاد ضاحكًا ونظر لأحمد قائلًا بمزاح: صلاة النبي أحسن
نظرت وهيبه للجد وقالت: وإنت هتكون الحكم
أشارت للنساء مردفة بابتسامة:
-إنتوا بقا الجمهور
أصبح الفرقتان كالتالي “يوسف وفؤاد ومحمود” مقابل “أحمد وهيبه ونوح”
نظرت وهيبه للجد وقالت بأمر: يلا صفر
وبقلة حيلة صفر الجد بفمه ليبدأ الماتش، أخذت وهيبة تعرج بينهم وهم يتبادلون الكره ونوح ومحمود يقفان لصد المرمى، هجـ مت وهيبة بعنـ ف على أحمد لتأخذ الكرة منه فصاح بحدة:
– إنتِ بتهجمي عليا أنا ليه!! يا ستي أنا معاكِ في الفريق يا ستي
ترك لها الكره فحملتها بيدها وضعتها أمام قدمها ثم ركلتها لتمر من بين أقدام نوح الذي تفاجئ من فعلتها تلك! رفعت وهيبه يدها عاليًا لتقول بسعادة: جــــــون
نوح بتبرم:
-يا تيته أنا في فريقك!!!
وهيبه بنزق:
-أنا مليش دعوه أنا دخلت جون وخلاص فريقي مش فريقي مليش فيه
هز نوح رأسه باستنكار وركل الكره لأحمد وبعد دقيقة من تبادل الكرة بين أقدامهم ركضت وهيبه نحو احمد مجددًا لتأخذ منه الكرة لكن كانت هجـ متها شديدة فوقع أحمد أرضًا ووقعت هي فوقه فصرخ:
-آه… حد يشيل كائن الباندا ده عني همــــــوت
ارتفعت الضحكات، وازداد صخبها حين نهضت وهيبه واقفة ففُكت الرابطة الحمراء ووقع الشورط من خصرها ليقبع فوق قدميها، حاولت وهيبه الإنحناء لرفعه لكن مسكت ظهرها قائلًة: آه يا ظهري ياني…
***********
وبعد نصف ساعه كانت وهيبة تجلس على أرضية الردهه تمدد أرجلها وتصيح بتأوه:
-الحقـــوني… رُكبي ادهنولي ركابي
جلست شاهيناز جوارها وأخذت تضع لها دهان المفاصل وهي تضحك قائلة بسخرية:
-ايه يابو تريكه عجزت ولا إيه؟
وهيبه بحسرة:
-كل إلي بيحصلي ده من قرك عليا روحي يا شيخه منك لله!
استغفر الله وأتوب إليه 🌹
___________________________
وقفت سديل بالشرفة تمسك هاتفها وتُراسل رضوى ابتسمت وهي تراقب أختها التي تجلس مقابل محمود وتظهر عليها ملامح الخجل والحياء، نظرت لهاتفها الذي صدع برسالة رضوى: “كملي حصل إيه بعد ما خلصتوا الماتش”
سديل: “ولا حاجه أنا طلعت الشقه عشان أحترم نفسي ومقعدش أبص على الكابتن ده”
رضوى: “وهو فين دلوقتي؟!”
سارت لنهاية الشرفة ونظرت له وهو يجلس لحاله على المقعد بين الورود يمسك هاتفه بيد وكوب العصير باليد الأخرى، وكتبت:
“إنتِ عارفه طبعًا إني مش مركزه معاه خالص”
ارسلت سديل رموز مضحكة ثم رسالة أخرى:
“قاعد في الجنينه ماسك الموبايل وقدامه كوباية عصير”
رضوى: “طبعًا مش مركزه خالص… وإنتِ شايفاه منين بقا؟”
سديل: “ببص عليه من البلكونه أصل أنا مهزأه ومني لله، عمري ما كنت كده أبدًا والله ولا عمري بصيت على ولد بس نقول إيه لكل قاعده شواذ!!!”
ارسلت الرساله وسندت مرفقيها على سور الشرفة تمسك الهاتف بيد وتضع الأخرى على خدها مبتسمة، وعلى حين غرة رفع رأسه لأعلى وابتسم لها، فارتبكت ووقع الهاتف من يدها فصرخت بخفوت، أخذت تطالعه بتوتر ممزوج بالخوف، فقد وقع الهاتف بين يديه، لو نظر بشاشته التي مازالت على إضاءتها سيقرأ محادثتها مع رضوى ويعرف كل شيء، صاحت بنبرة مرتعشة:
-لو سمحت متبصش في الموبايل
رفع شاشة الموبايل لها وأغلقها من الزر الجانبي قائلًا:
-قفلته… انزلي بقا تعالي خديه
وعاد يجلس على مقعده مجددًا وهو يتنفس بارتياح ويبتسم، وقطعت هي درجات السلم في سرعة وارتباك وهي تلعن حالها!
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 🌷
__________________________
وتحت المظلة كانت رحيل تجلس مقابله وتفصل بينهما طاولة صغيرة ومستديرة أخذت تفرك يدها بارتباك، كان يتحدث وهي تستمع وتعقب بإماءة رأسها أو هزها دون أن تنبس ببنت شفه، تنفس محمود الصعداء ومال نحوها بجزعه العلوي قائلًا:
-احنا هنكتب الكتاب بكره في المحكمه… ويوم العيد بالليل هنعمل حفله صغيره كده في مركب في النيل نجمع فيها أهلنا إيه رأيك؟
وأخيرًا تحدثت بنبرة خافتة دون أن ترفع عينها إليه، قالت:
-إلي تشوفه… بس يعني خلينا نتفق الأول أنا حاسه ان كل حاجه بتحصل بسرعه إحنا متفقناش على اي حاجه!
قال بابتسامة:
-عايزانا نتفق على ايه؟!
شبكت أصابع يديها معًا ورمقته في سرعة ثم أخفضت بصرها حين رأته يُحدق بها، تنحنحت بخفوت قائلة بصوت قريب من الهمس:
-يعني مثلًا الجهاز أنا عليا إيه وكده!
أطلق ضحكة كالزفرة وسند ظهره للمقعد قائلًا:
-متشغليش بالك بالجهاز والكلام ده أنا عليا أجهز شقتي من الألف للياء
هزت عنقها نافية وقالت:
-بس كده كتير عليك… لا مينفعش
سند بمرفقيه على الطاولة ومال للأمام فعادت هي تستند لظهر لمقعد، قال بصوت رخيم:
-رحيل… سيبك من العادات والتقاليد والعرف التعبان ده… العريس المفروض عليه كل حاجه والعروسه تيجي بشنطة هدومها… ويا ستي إحنا هنجيب على قدنا يعني الحاجات الأساسيه وبعد ما نتجوز ان احتاجنا حاجه هنجيبها
ترغرغت مقلتيها بارقة بالدموع وقالت بامتنان:
-إنت بجد بتحرجني بأخلاقك وتفهمك… شكرًا بجد أنا مش عارفه أقولك إيه!
طرق على الطاولة بأنامله وقال بابتسامة ماكرة:
-هقولك تقوليلي إيه بس بعد كتب الكتاب
فركت عينيها بأصبعي يديها السبابة لتخفي دموعها لم تعلم بأنه استطاع رؤية بريقهما قبل أن تفعل، تنفست بعمق ونظرت نحوه وهو يتأملها بابتسامة محبه ونظراته تلك التي ينبعث منهما مشاعر لم تخرج إلا لها، حاولت تغير مجرى الحديث قائلة:
-هو… هو مفيش أخبار عن الي ضـ رب نار على وسام!
-لسه والله يا رحيل بس أنا شاكك في حاجه كده لكن مش متأكد
-طيب ممكن تقولي شاكك في إيه!
-إن مش إنتِ إلي كنتِ مقصوده!… وإن هبه أختى هي إلي كانت مقصوده
-الدكتوره هبه!! بس مين هيعمل فيها كده؟! هي ليها أعداء؟
-فيه مشكله حصلت معاها كده المهم متشغليش بالك ركزي إنتِ مع كتب كتابنا… وجاري التحقيق يعني ان شاء الله هنوصل للي عمل كده
ساد الصمت قليلًا مع نظرات رحيل الخجله ونظرات محمود الشغوفة، وابتسامتهما لبعضضهما حين تلتقي أعينهما، قطعت رحيل الصمت حين قالت متلعثمة:
-كـ.. كنت عايزه أطلب منك حاجه كده بخصوص كتب كتابنا!
قطب محمود جبينه واعتدل في جلسته قائلًا باستفهام:
-محتاجه حاجه أجيبهالك؟
هزت رأسها نافية، فضيق جفونه منتظرًا تعقيبها، ران عليها الصمت وأخذت تزدرد لعابها بتوتر، فقال:
-اطلبي يا رحيل من غير تردد
أطرقت رأسها لأسفل وقالت بنبرة خافتة:
-أنا بس محرجه أوي أقول كده..
قطب جبينه وسألها:
-عايزه فلوس؟
هزت عنقها في سرعة معقبة:
-لأ لا لا فلوس إيه؟!
صمتت مجددًا وازدادت خفقات قلبها، قبضت يدها ووضعتها على شفتيها ثم استجمعت شجاعتها لتقول:
-يعني حضن كتب الكتاب الي طالع موضه ده!
ضحك وهو يميل للأمام قائلًا بهمس وبنبرة أحرجتها حتى التهب وجهها فبات كحبة من الطماطم:
-طيب محتاجه حضن يعني!
قالت بنبرة مرتفعة يتجلى بها رجفة مرتبكه:
-لأ طبعًا… كنت عاوز أقول بعد إذنك بلاش متعملش كده لو سمحت
أومأ رأسه قائلًا بجدية مصطنعة:
-حاضر إنتِ تأمري اي أوامر تانيه؟
عقبت بثبات:
-كنت عايزه أقولك كمان يعني متفكرش إن طلما كتبنا الكتاب يبقا هتمسك ايدي والكلام ده… إحنا هنتصرف كأننا مخطوبين متفكرش يعني عشان البيت مفهوش راجل هتاخد راحتك لأن أنا بمئة راجل
تنفس بارتياح وانفجرت شفتيه بابتسامة متهللة، نعم! فقد أحسن الإختيار، ستصون بيته وتحفظه في غيابه وحضوره، أراد مشاكستها فقال متخابثًا:
-يا جامد إنت… لا حقيقي الجملتين دول عجبوني بس أنا آسف موعدكيش
تجهمت ملامحها وطالعته بحيرة أصبحت تزفر خوفًا وقلقًا، لاحظ ارتباكها وضياع نظراتها فابتسم وأردف بجدية: اطمني يا رحيل… أنا أصريت أكتب الكتاب مش عشان تعرفي تتعاملي معايا من غير حدود يعني لو قعدنا لوحدنا أو لو احتاجتيني أقدر أقف جنبك من غير حواجز… وصدقيتي كل حاجه عايزاها هنفذهالك متقلقيش
دومًا يخطفها بفرط احتوائه وحنانه المنبثق من مقلتيه، هربت الكلمات من رأسها لم تقدر على الرد سوى بـ: تمام
نهض واقفًا وقال متخابثًا:
-طيب هقوم بقا ألحق أجهز نفسي عشان حضن كتب الكتاب.
نهضت هي الأخرى مرددة بتعجب:
-نعم!!!!!!!!
حدجها بنظرة عابرة قائلًا بابتسامة:
-في حفظ الله يا زوجتي المصون باعتبار ما سيكون بكره ان شاء الله
سار عدة خطوات نحو مكان أخيه، ابتسمت وهي تنظر لأثره وتلاشت ابتسامتها حين رأت سديل تقف مقابل أحمد وهرولت نحوهم..
******
وقفت سديل قبالة أحمد وقالت بخجل:
-ممكن الموبايل؟
مد يده بالهاتف وقال بابتسامة:
-اتفضلي
أراد مشاكستها فرفع الهاتف لأعلى حين مدت يدها لتأخذه فأغلقت جفونها نازقة فأعطاها إياه وهو يطلق ضحكة مع زفرته الخفيفه، قاطعهما محمود الذي وقف جواره وربت على كتفه قائلًا:
-بتعملوا إيه
أحمد بتوتر:
– دا… دا موبايلها وقع وكنت بديهولها
نظر محمود لسديل وقال:
-الواد ده ضايقك ولا حاجه يا سديل؟
وقفت رحيل جوار أختها تبدل النظر بينهم، فردت سظيل بخفوت وبنبرة مرتجفة:
-لأ والله دا هو لحق الموبايل… وأنا نزلت أخده
بدل محمود نظره بينهم وتأبط ذراع أخيه قائلًا:
-طيب نستأذن إحنا
غادرا دون التفات فنظرت رحيل لأختها وقالت مستفهمة:
-ايه إلي بينك وبينه؟
سديل مبررة:
-والله ما فيه حاجه
ضيقت رحيل جفونها وقالت بقلة حيلة:
-هحاول أصدقك….
أردفت بثقة وبابتسامة: بس أنا واثقه فيكِ وعارفه إن عمرك ما تعملي حاجه غلط
_________________________
كان يوسف جالسًا بغرفة الضيوف مع نوح وهشام يتبادلون أطراف الحديث، وفي ناحية أخرى تقف فرح بغرفتها سابقًا وتجلس على فراشها مجعدة ملامح وجهها بلوعة، فكررت شاهيناز طلبها للمرة العاشرة:
-يبنتي خلصي البسي عشان تمشي مع جوزك!
دبدبت فرح قدميها بالأرض وقالت:
-لأ يا ماما مش هروح معاه! انسي
-وحياة أمك لتروحي معاه
-وحياة أمك إنتِ ما أنا رايحه معاه إنتِ عايزه تخلصي مني وخلاص!
-هتروحي ورجعك فوق رقبتك
جلست فرح تقضم أظافرها بارتباك وصاحت بحدة:
-لا إنتِ لا يمكن تكوني أمي… جرى إيه يا شاهيناز جرى إيه يا مرات أبويا
نفخت شاهيناز بحنق وقالت:
-دقيقه واحده تكوني جاهزه جوزك مستنيك بره
زمت فرح شفتيها وقالت بتبرم:
-هي بقت كده يا شاهيناز بتطرديني… طيب والله لأوريكِ
وكأن شاهيناز علمت بخطوتها التالية التي تأتي بعد جملتها تلك، فمسكتها من ذراعها وقالت بنبرة هادئة وابتسامة صفراء:
-فرح يا حبيبتي أنا لسه مرتبه المطبخ الصبح يعني يرضيكِ تبهدلي أمك حبيبتك
افلتت فرح يدها من والدتها واومأت رأسها قائلة بابتسامة سمجة: اه يرضيني
فتحت فرح باب الغرفة وأخذت تعدو متجهة للمطبخ، وشاهيناز خلفها تحاول جذبها من ملابسها لتردعها عما تنوي، أخذت فرح تخرج الأواني واحدة تلو الأخرى وهي تقول:
-اهوه يا شاهيناز يا مرات أبويا أهوه
كانت تلقي الأواني أرضًا وتستمتع بصوت ضجيجها وكبكبتها، وشاهيناز تصرخ:
-يا بت ارحميني…
أخرجت فرح إناء أخر وهي تقول:
-وإنتِ كنتِ رحمتيني إمته عشان ارحمك!
جذبتها شاهيناز من يدها ونظرت لعينيها قائلة برجاء:
-طيب نفكر بعقل المواعين ذنبها إيه؟
صفقت فرح بيدها وشوحت كأنها تردح قائلة:
-ذنبها إنها مواعينك يا حبيبيتي
علمت شاهيناز أن ما باليد حيله وابنتها العنيده التي حين تضع برأسها أمرًا تفعله رغم أنفهم! ظلت تتابعها وهي تُخرج الأواني كم تشبه جدتها وهيبة فتقريبًا قد توارثت منها عقلها، انتبهت شاهيناز لاوانيها التي ملئت أرضية المطبخ، وفرح التي اتجهت نحو خزانة الأطباق والأكواب لتضعهما بالحوض فصرخت شاهيناز قائلة:
-والله ما إنتِ بايته هنا يا بنت جوزي
عادت فرح بجزعها العلوي للخلف وأخذت تصفق بيدها ثم لوحت باتجاهها هادرةً:
-مش همشي يا مرات أبويا أنا بايته هنا وإلي عايز يخرجني يفرجني
وفجأة انسلت الكوب من يد فرح ووقع منكـ سرًا فاتسعت حدقتي شاهيناز نظرت فرح لوالدتها بطرف عينها وقالت بابتسامة بلهاء:
-والمصحف ما كان قصدي أكـ سر حاجه
حاوطت شاهيناز رأسها بكلتا يديها وصاحت:
-يـــــــــوسف… تعالى خد مراتك بدل ما أرتكب جريـــــ مة
جلست فرح أرضًا بين الأواني ومسكت بباب المطبخ وهي تقول:
-مش همشي من بيت أبويا… إلي عايز يخرجني يفرجني… مش همشــــــي… مش همشــــي
وقف والدها ويوسف ونوح ينظرون إليها ضاحكين، وشاهيناز تكاد تبكي من منظر مطبخها!!
وبعد نصف ساعة
دخلت فرح للشقة التي من المفترض أنها كانت تحفظ أركانها وزواياها لكنها لا تتذكر أي شيء، وكأن قدماها تطأها لأول مرة، دلفت تلتفت يمينًا ويسارًا وتدور بالردهة العريضة التي يزين أخرها باب الشرفة المغلق وعليه ستار باللون الأزرق الذي يشبه لون مقاعد طاولة السفرة القابعة بالمنتصف، وعلى يسار الطاولة باب غرفة النوم يجاورها باب غرفة الأطفال أما يمينها فهناك غرفة الجلوس وجوارها فتحة أمامها ستار باللون الرصاصي الامع يشبه لون الأبواب والأثاث وبعد الستار هناك باب المرحاض وعلى يسارها باب المطبخ، ظلت تنظر للألوان المتناغمة والشقة الهادئة حتى سمعت صوته الرخيم:
“نورتِ شقتك يا فرولتي”
التفتت له وقالت بخجل: شكرًا
استغفر الله وأتوب إليه
_______________________
وفي ظهر اليوم التالي
“بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير”
رددها والده الذي ضم رحيل قبل ابنه وحاوطها بءراعيه قائلًا بحنو:
-دلوقتي بقيتِ بنتي يعني زيك زي هبه لو الواد ده زعلك هفرمه
أخرجها من بين ذراعيه، ابتسمت رحيل بخجل لكنها شعرت بالدفئ الآن أصبح لها عائلة من الآن فصاعدًا لن تخشى السقوط فخلفها حصن تستند عليه، ضمتها سديل بفرحة مرددة: مبارك يا قلبي
عقبت رحيل بابتسامة: عقبالك يا سديل
قاطع محمود تلك اللحظة قائلًا بابتسامة: يلا بقا نكمل احضان في البيت
وخارج المحكمة
لم يُحدثها محمود ولم يبارك لها بعد، ابتعدت سديل قليلًا حين دنا محمود من رحيل فمال نحو أذنها هامسًا: مبارك عليا إنتِ من غير حضن أهوه عشان تعرفي إن أنا أد كلامي
ابتسمت رحيل ولم تعقب.
وبعد دقيقة استقلوا السيارة متجهين للبيت!
وفي البيت
استقبلتهم العائلة بالزغاريد والمباركات فقال محمود بابتسامة:
-نوفر شوية زغاريد وأحضان بقا ليوم الحفلة إن شاء الله
غادر محمود بعد أن غمز لها خلسة دون أن يراه أحد وابتسم لها فابتسمت بحياء.
____________________________
غربت شمس اليوم معلنةً عن انتهاء الشهر المبارك وفي إحدى المطاعم
بعد أن تناولا الإفطار قالت حبيبة بنبرة مترددة:
-بقولك إيه يا أوسؤس… كنت عايزه مساعدتك في حاجه!
-خير… قولي يا بيبه
– فيه بنت عندك في الكليه مضيقاني وعايزه أجيب حقي منها
قطب أسامه جبينه وهو يُحدق بوجهها قائلًا بابتسامة:
-مين دي إلي مضايقه بيبه؟
ابتسمت حبيبة بمكر وقالت:
-اسمها فرح هشام… متجوزه دكتور عندكم اسمه يوسف النجار
مال أسامه نحوها وحدق بمقلتيها لبرهة ثم نظر لشفتيها ليركز بكل كلمة تدفعها خارجهما، فقد أتت الفرصة ووضعت أسفل قدميه والآن دوره ليركلها كهدافٍ بارع ويسدد هدفًا لصالحه! حاول التظاهر بالجهل قائلًا بتلعثم:
-لا.. لا ماخدش بالي منها بس مضيقاكِ ليه؟
هزت حبيبه رأسها يمينًا ويسارًا وقالت:
-مش مهم ليه المهم هتساعدني ولا لا؟
مط شفتيه لأسفل وهو يعود لبستند بظهره للخلف قائلًا:
-على حسب نوع المساعده يعني قوليلي ناويه على إيه وأشوف هيناسبني ولا لأ
-بص هي أصلًا فقدت الذاكره فاحنا بقا هنخليها تشك في يوسف ويا سلام لو هو كمان يشك فيها!!
ابتسم بخبث إذًا فقدت ذاكرتها، يكفيه تلك المعلومة لتلمع برأسه فكرة شيطانية، قال بابتسامة:
-تمام وأنا قررت أساعدك… اعتبري الخطه جاهزه
ابتسمت حبيبة بانتصار فقد خطت تلك الخطوة التي أرهقتها وأثارت حيرتها لأيام طول، سيساعدها لتأخذ ثأرها مما يغيظها ويشعل لهيب الحقد بقلبها وعقلها!!
___________________________
“يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا يا ليلة العيد، هلالك هل لعينينا فرحنا له وغنينا، وقلنا السعد حيجينا على قدومك يا ليلة العيد، يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا يا ليلة العيد”
كان صوت فؤاد الصخب يدوي بأرجاء الشقة، كان جالسًا على المقعد ويفرد رجله مستندًا بقدمه على مقعد أخر مقابله، يغني مبتسمًا فغدًا أول أيام عيد الفطر المبارك.
على جانب أخر سمعت والدته صوته وهي تطهو الدجاج بالمطبخ، نظرت لوسام التي تقف جوارها وقالت بسخرية وهي تضحك:
-فاكر نفسه أم كلثوم وهو صوته ملى الشقه دبان
وبتجهم مصطنع قالت وسام:
-لأ يا خالتو متقوليش كده دا صوته جميل
مصمصت خالتها بشفتيها قائلة بسخرية:
-أيوه ومين يشهد للعريس؟
قهقهت وسام ضاحكة وقالت:
-مراته
لم تُعقب خالتها وأخءت تقلب الصاج بالفرج، تفحصت وسام ملامح خالتها الواجمة وقالت:
-حاسه إن إنتِ متغيره يا خالتو! هو فيه حاجه؟
اعتدلت خالتها وقفة ورفعت إحدى حاجبيها قائلة بخبث:
-هتغير ليه يا عين خالتك… هو انت عملتِ حاجه!!
رفعت وسام كتفها لأعلى ومطت فمها لأسفل قائلة ضبثقة:
-لأ معملتش حاجه…عشان كده مستغربه
اقتربت منها خالتها وجذبتها من ملابسها قائلة بحدة:
-إنتِ عبيطه ولا بتستعبطي يا بت!
وبأعين متسعة وغضب أردفت:
-اعترفي فيه ايه بينك إنتِ وفؤاد دا مش بعيد أتفاجئ انك حامل ما أنا معدش ليا لزمه في البيت ده!!
شهقت وسام ووضعت يدها على فمها قائلة:
-حامل إيه يا خالتو وربنا ما فيه حاجه من إلي في دماغك خالص!
عقبت خالتها وهي ترجها يمينًا ويسارًا:
-اومال فيه إيه! مبتغيريش هدومك إلا لما يغيرلك… مبتناميش إلا في حضنه افهم إيه أنا كده بقا!!!!!
ضمت وسام أناملها وحركتها لأعلى وأسفل وهي تقول:
-يا خالتو اهدي بس هفهمك
ابتسمت خالتها بسماجة وقالت بسخرية:
-هتفهميني إيه يا عين خالتك هو فيه واحده بتعمل كده إلا لما يكون…
قاطعتها وسام في سرعة:
-استني بس والله هشرحلك… بصي يا خالتو كل الحكايه إني مبتكسفش منه والله بس مفيش حاجه تاني
تركت خالتها ملابسها ورفعت سباتها في وجهها قائلة بنبرة خافتة ومحذرة:
-اسمعي يا بت اخر مره الاقيكِ نايمه عنده تتلمي وتحترمي نفسك لحد ما تتنيلي تروحي بيته
أومأت وسام بقلة حيلة:
-حاضر…
ثم أقبلت وسام وقبلتها من إحدى وجنتيها مردفةً بابتسامة:
-بس أهم حاجه عندي متزعليش يا حلوه يا بلحه يا مأمعه انتِ
تنهدت خالتها بارتياح وقبضت على يدها قائلة:
-يلا بقا قدامي عشان ننام
أفلتت وسام يدها من قبضتها وقالت:
-ننام إيه دا لسه بدري أوي… وبعدين أنا مش هبات هنا… أنا رايحه لرحيل عشان هنجهز حاجات لحفلة بكره
تخصرت خالتها ونظرت لها بملامح ممتعضة ظانة أنها تتهرب لتنام جوار فؤاد ككل ليلة، طالعتها وسام لبرهة ثم ضمتها قائلة:
-وكمان بكره العيد يا عسل كل عام وإنتِ بخير هنجهزلكم مفاجأة بقا وحركات
تبادلت ملامح خالتها وانفرجت شفتيها بابتسامة وهي تملس على شعرها بحنان قائلة:
-أخيرًا هتقضي معانا العيد زي زمان… متعرفيش لما مكنتيش معانا كنت بتعذب إزاي
لاحظت وسام بريق الدموع في مقلتي خالتها فقالت بابتسامة مرحة:
-ما خلاص يا حماتي العزيزة متقلبيهاش دراما…
تنهدت خالتها بارتياح وربتت على كتفها قائلة:
-طيب يلا هروح أنام… عشان هصحى مع الفجر أجهز الأكل… تصبحي على خير
ردت وسام بابتسامة:
-وإنت من أهله يا خالتو
خرجت من المطبخ ووقفت وسام تنظر لأثرها للحظات وهي تستند بمرفقها على طاولة المطبخ وتتذكر الأعياد التي قضتها ببيت والدها، لكم حاولت إقناعه أن يتركها لتقضي العيد ببيت جدها لكنها كان يضـ ربها ويعنـ فها، وكزخات المطر سالت الدموع على وجنيتها، ومن خلف دموعها ابتسمت حين تذكرت فؤاد وكأنها رأت شغاع مضيئ في ظل تلك الظلمات! حتمًا ستكون أيامها القادمة رخاء وألوانها وردية وأضوائها مشرقة برفقته وجواره.
“الله! بتعيطي ليه يا بابا”
قالها فؤاد بلهفة حين دخل المطبخ على حين غرة ورأى دموعها تنهمر بلا توقف، مسحت دموعها في سرعة وطالعته بابتسامة ضائعة قائلة بتلعثم:
-أ… لا دي دموع فرحه عشان هقضي العيد معاكم وكده
ضمها وقال بابتسامة: كل عيد وإنتِ معايا وجوه قلبي… دا أحلى عيد في حياتي
حاوطت ظهره بيدها السليمة وقالت: كل عام وإنت بخير يا فؤاد
قبل رأسها وقبل أن يتحدث فاجئه صوت والدته التي وقفت خلفهما واضعة يدها حول خصرها وقالت بسخرية:
-أيوه ما إن غاب القط إلعب يا فار
اتسعت حدقتي فؤاد وابتعد عن وسام لينظر لوالدته النازقة مبتسمًا ببلاهة ومرددًا:
-ازيك يا ماما يا حبيبتي
عقبت والدته بسخرية:
-منورين يا عصافير الحب… طيب ادخلوا الأوضه مش في المطبخ كده
تنحنح فؤاد وفرك أذنه قائلًا بتوتر:
-يا ماما دي كانت بتعيط وبطبطب عليها… صح يا وسام؟
اومأت وسام رأسها مؤيدة وقالت:
-حصل كنت بعيط فعلًا وهو طبطب عليا يا خالتو
انحنت والدته وحملت حذائها ثم أشارت به في وجهها قائلة:
-أنا حاسه كده إن ده وحشكوا
كرمش فؤاد ملامحه واخذ يتحدث محركًا يده بتبرم مصطنع:
-يا ماما مينفعش كده نزلي شبشبك إحنا خلاص كبرنا على معاملة الصراصير دي… وبعدين دي مراتي هو إنتِ قفشتيني مع واحده من الشارع لا سمح الله
وكان والدته اقتنعت بما قاله فألقت حذائها أرضًا لترتديه ثم أطلقت ضحكات خافتة وهي تربت على كتفه قائلة: ماشي يا فؤش
تخطته واتجهت نحو الفرن لتطفئ ناره وسط نظراتهما وابتسامتهما وقالت:
-أنا داخله أنام تصبحوا على خير يا صراصير الحب
تركتهما وغادرت وانفـ جرا وسام وفؤاد ضاحكين، ثم قال فؤاد:
-يلا ننام؟
-لأ دا أنا هبات عند رحيل النهارده
-إيه ده! يعني أنا هحضن الوساده الخاليه النهارده؟
رفعت كتفها لأعلى وقالت بابتسامة واسعة:
-بكل أسف… يلا تصبح على خير
لوحت له بيدها وهي تخرج من المطبخ ثم من الشقة بأكملها، ووقف هو يبتسم وينظر لطيفها مرددًا بابتسامة: أحلى حاجه في حياتي
__________________________
في المطعم كان آصف يجلس على المقعد ويستند بمرفقيه على الطاولة محدقًا أمامه بشرود يفكر في وضعه مع هبه إلى متى سينتظرها هل ستحبه كما سيحبها أم أنه يعدو نحو سراب! جذبه من خضم أفكاره فتاة تقف مقابله تُطالعه بابتسامة خبيثة وتتشدق بالعلكه، فقد ظنته يحدق بها لم تكن تعلم بأن عقله مع زوجته، غمزت له بجراءة كانت فتاة عشرينية تضع مكياج صارخ وترتدي ثيابًا ضيقة “بنطال جينز وتيشرت قصير بحملات” وشعرها ينساب إلي أسفل ظهرها، هز رأسه مستنكرًا ونظر للإتحاه الأخر، ليتفاجئ حين سحبت المقعد وجلست مقابله مباشرةً حتى أنه استنشق شذى عبيرها النفاذ، جلست جواره وبدون مقدمات مالت بجزعها العلوي نحوه ولمست يده ثم غمزت له بجراءة قائلة بهمس:
-أنا عارفه إني عجبتك والصراحه إنت كمان عجبتني…
سحب يده منها وانتفض واقفًا فوقفت هي الأخرى تنظر له بابتسامة ماكرة، فهدر بها:
-فبه إيه يا…. إيه عجبتني وعجبتك!!! إيه قلة أدب دي!!
ابتسمت بخبث وقالت وهي تتامله بجراءة:
-مش مهم… بس إنت عجبتني وأنا عايزاك
مسكت ذراعه غير مبالية بمن حولهما من الناس وقالت بجراءة وهي تملس على ذراعه بشغف:
-إيه رأيك تقضي ليلة العيد معايا
أفلت ذراعه منها فأمسكت الذراع الأخر فهي تبدو كالاصقة التي تحاول نزعها من حذائك فأمسكت بالحذاء الأخر، أفلت ذراعه منها وقال بضجر:
-ابعدي إيدك يا بت وألا هتصرف تصرف مش هيعجبك
ابتسمت وصفقت بيدها قائلة بحمـ اس:
-الله!! بعشق الراجل الحمش
ربتت على كتفه وسحبت يده لتضع بها ورقة قائلة بغمزة:
-رقمي وعنواني هستناك لما تخلص شغلك
مزق الورقة دون أن ينظر لما خُط بها وترك المكان برمته فخرجت الفتاه من المطعم تجر أذيال خيبتها وطلبت رقم أحدهم لتقول نازقة:
-الراجل إلي بعتني ليه طلع تقيل أوي وهيتعبني
ليأتيها صوته الرجولي الخشن:
-خليكِ وراه… هبعتلك رقمه يا سوزي حاولي معاه مش أنا إلي هقولك تعملي إيه!
تشدقت بالعلكة وهي تداعب خصلات شعرها قائلة:
-ماشي بس كله بحسابه يعني هتزود الفلوس شويه
-خلصي بس المهمه وأنا هظبطك
أغلقت الهاتف والتفتت تنظر نحو آصف الذي خرج لتوه من المطعم، ابتسمت بخبث قائلة بهمس:
-ماشي يا عم التقيل لما أشوف هتفضل كده لأمته…
وبعد فترة دخل آصف شقته بمزاج متعكر على غير عادته فرأى هبه تقف أمامه ترتدي فستان أسود لامع وتُطالع نفسها أمام المرآة، وقف أمامها يتفحصها بعينه قائلًا:
-لابسة كده ليه؟
هبه: بجرب الفستان عشان حفلة كتب كتاب محمود بكره
دارت أمامه بالفستان قائلة: إيه رأيك؟
دنا منها ليستنشق رائحة شعرها المشذب هامسًا جوار أذنها: حلو أوي وإنتِ أحلى
حين شعرت بأنفاسه جوار أذنها عادت خطوتين للخلف في سرعة فشعر بمدى خوفها منه لذا استدار هو الأخر، فأشارت هبه للغرفة قائلة بتلعثم:
-هروح اغير هدومي وأجهزلك العشا
دخلت للغرفة مسرعة لتهرب من نظراته، لم يرد عليها وسار نحو الأريكة ليجلس فوقها واضعًا مفاتيحه فوق الطاولة بتعب، مسح وجهه بحنق حين تعالت رنات هاتفه برقم غير مُسجل ليأتيه صوتها متحدثة بدلع وإغراء:
-مجتش ليه! بعتلك العنوان تاني على الواتس ومستنياك يا حمش
لم تعطه فرصة للرد وأغلقت، ألقى هاتفه جانبًا وهو ينفث الهواء من فمه بضيق عله يُهدئ داخله العاصف، هب واقفًا وأقبل نحو غرفة هبه مد يده نحو المقبض ثم سحبها مرة أخرى وظل يكرر تلك الخطوة مرارًا حتى خرجت هبه من الغرفة ترتدي منامة خفيفة باللون الأصفر، شعرت بتغيره فلم يكن على طبيعته، وجهه المتجهم وملامحه الممتعضة دفعها لتسأله بلهفة:
-إنت كويس يا أحمر؟
أطلق تنهيدة طويلة وحرك رأسه نافيًا وهو يحدق بالفراغ قائلًا:
-لأ… مش كويس
مسكت يده بقلق قائلة بلهفة:
-مالك؟ حصل حاجه طمني؟!!
أومأ رأسه بالإيجاب قائلًا:
-أيوه حصل أ… أ
وعندما نظر لوجهها تلعثم ووقفت الكلمات على طرف لسانه، فإن كانت تلك الفتاة مغرية ومثيرة فزوجته تبدو أكثر إثارة، أفلت يده منها ومسح وجهه الذي احتقن بالدماء، وأخذ يلهث وكأن هناك من يركض خلفه وقال بعصبيه:
-متشغليش بالك… أنا داخل أنام
صاحت مستفهمة: مش هتاكل؟
لم يعطها اي رد سوى صفعة باب غرفته، فرفعت كتفيها لأعلى ومطت شفتيها لأسفل متعجبه وقائلة:
-دا إنت غريب كل ساعه في حال!
لم يُصر عليها ككل ليلة لتنام جواره، زفرت بقـ وة وولجت للغرفة الأخرى، جافها النوم وظلت تتقلب بفراشها لفترة تخطت الساعتين حتى شعرت به يفتح الباب بخفوت ويلج للغرفة بهدوء، وقف أمامها لفترة يُطالعها بارتباك ويبلل شفتيه بتوتر ثم تسطح جوارها، ظلت تتابعه خلسة وهو يقترب منها ثم يبتعد ثم يقترب ويمد يده نحوها وقبل أن يلمسها يبتعد مرة أخرى ظل يكرر هذا لفترة ثم اعتدل جالسًا، سمعت صوت أنفاسه المرتفعة ورأته يمسح وجهه قائلًا بهمس سمعته: استغفر الله العظيم يارب
كادت أن تفتح جفونها وتسأله ما به لكن قلقت من أفعاله تلك ففضلت التظاهر بالنوم حتى دنا منها وأخذ يداعب خصلات شعرها بأنامله ثم يتحسس رقبتها، خفق قلبها بعنـ ف حتى كاد صوت دقاته أن يصل إليه، فتحت عينيها وقالت بزعر:
-إنت بتعمل إيه؟
أخذ يتأملها بجراءة ودنا منها قائلًا بعاطفة:
-بحبك
انتفضت واقفة وقالت:
-إنت اتجننت ولا إيه إزاي تقرب مني كده؟
وقف هو الأخر وقال بابتسامة مراوغة:
-لا غلط ولا حرام مراتي وأقرب زي ما أنا عايز
هدرت به:
-لأ… إحنا اتفقنا إن…
صمتت بماذا اتفقا هكذا ستدين حالها، اقترب منها وهو يقول:
-اتفقنا إن بعد رمضان ورمضان خلص
-بس… بس أنا لسه بفكر و….
أشارت بسبابتها للباب مردفة بحدة:
-اطلع بره
نفذ صبره دنا منها وجذبها بعـ نف فدفعته بحدة وظل يحاول وهي تصده وتدفعه بكل عزمها وقوتها، صرخت بوجهه:
-إبعد عني كده أنا مش طيقاك… بكرهك
دوى صدى تلك الكلمة بأذنه “بكرهك” تركها وأخذ يُطالعها بنظراتٍ مدلهمة لاحظة، ثم استدار متجهًا نحو باب الغرفة التفت لها مرة أخرى وبوجهٍ مكفهر ونبرة مرتفعة حادة قال لاهثًا:
-مش عايز منك حاجه نهائي… لا عايز حب ولا عايز جواز ولا عايزك أصلًا
فتح الباب وصكه خلفه بعنـ ف وجلست هي على الأرض تسند ظهرها على مخدع الملابس وتبكي.
حمل آصف هاتفه فتح تطبيق الواتساب ليرى ما ارسلته تلك الفتاه صورتها بملابس تبدي أكثر ما تستر وعنوانها، ارتدى ثيابه وخرج من البيت بلا اكتراث لتلك القابعة بغرفتها تبكي لوعة وألمًا…
استغفر الله وأتوب إليه ♥️
__________________________
“بتعملي إيه عندك”
انتفضت فرح أثر صوته وصرخت، اختل توازنها واستندت بيدها على رخام المطبخ فترنح الكوب الخاص بيوسف لوهلة ثم دوى صوت انكـ ساره عاليًا ظلت فرح تُطالع فتاته واضعة يدها على أذنيها ثم رفعت رأسها ببطئ لتطالعه وهو يزم شفتيه بضجر، تلعثمت معتذرة:
-يا دكتور… حضرتك.. أنا… أنا.. أنا متأسفه والله اتخضيت و…
-يا دكتور!!! وحضرتك!
تنهد بعمق ودار حول نفسه قائلًا بتبرم:
-تصدقي أنا متضايقتش من المج الي اتكـ سر زي كلمة يا دكتور وحضرتك دي! هو احنا هنبدأ من الأول ولا ايه يا فرح!
نفذ صبره فهو يحاول تذكيرها به ويحاول التعامل معها لكنها تبتعد عنه، فقد أضحى كل جهده معها غورًا تجلس في غرفتها معظم الوقت وإذا خرجت ترتدي أمامه كامل ثيابها بداية من الحجاب إلى جوربها كما لم تفعل مسبقًا، أشار بسبابته نحو ثيابها وقال بنزق:
-دا إنتِ عملتِ إلي معملتهوش ليلة دخلتنا
نفخ بحنق ومسح وجهه عله يكظم غيظه من ذلك الموقف الذي يكبله عنها، كانت تُطالعه بتوجس انتفضت حين دنا منها ومسك كتفيها بكفيه بحنو قائلًا بنبرة هادئة:
-فرح يا حبيبتي أنا يوسف مش دكتور ومش حضرتك.. أنا بجد معنديش طاقه أبدأ من الأول
رفعت كتفيها لأعلى لتزيح يده عنها وقالت بارتباك:
-طيب… بس يعني أنا آسفه… يعني أنا مش فاكره حاجه..
-ثقي فيا يا فرولتي… يا ستي مش مهم تفتكري بس اعتبري نفسك اتجوزتيني امبارح واتعاملي على الأساس ده… تمام؟
قال أخر كلمة وهو يحدق بوجهها المرتعب وخلجاته الوجله، عقبت بنبرة مرتعشة:
-طيب هو أنا… ممكن بعد اذنك أفضل أنام في الأوضه التانيه على ما أتعود
رسم ابتسامة صفراء على شفتيه وقال بسماجه:
-لأ مش ممكن يلا بقا قدامي على أوضتنا
أدمعت عيناها وقالت بنبرة خافتة:
– إنت بتعاملني كده ليه؟
أغلق جفونه بنزق ثم دنا منها ومسح دموعها بأنامله وهو يقول بصوتٍ رخيم:
-دموع لأ يا فرح عشان خاطري
-أنا عايزه أنام في الأوضه التانيه
تنهد بعمق قائلًا:
-خلاص هنقسم البلد نصين
وافق أن تظل بالغرفة الأخرى لكنه سيشاركها الغرفة وينام على الفراش المقابل لها، وأصرت هي أن تنام بكامل ثيابها وحجابها، ظلت تُطالعه بين حين وأخر وهو مغمض جفونه إلى أن ذهبت في سبات عميق.
وبعد منتصف الليل نهضت عن فراشها ودلفت للمرحاض كانت ناعسة للغاية تفتح عينًا وتغلق الأخرى مر عليها ما يقرب من نصف ساعة وهي نائمة بالمرحاض، وحين انتبهت نهضت لتدخل المطبخ ظلت تدور بأرجائه حائرة تائهة تقريبًا هي تبحث عن سريرها! فتحت الثلاجة يا الله أتبحث عن الفراش داخل ثلاجة الطعام! كانت تسير وهي نائمة تفتح عينها لكنها لا ترى أمامها، أغلقت الثلاجة ثم فتحت خزانة الأواني لتأخذ غطاء الإناء! وقفت لوهلة أمام رخامة المطبخ المرتفعة تُطالعها وهي مضيقة جفونها أثر النُعاس، نعم، نعم وجدت سريرها وها قد أخذت تحاول الصعود، عرقلها إسدالها فنزعته ولم تيأس بل أخذت تحاول وتحاول حتى استطاعت تسلقه، واستلقت على جانبها الأيسر واضعةً غطاء الإناء على رأسها فتقريبًا تظن رأسها إناء للطهي! لم تلبث لحظات وانتظمت أنفاسها غارقةً في سباتٍ عميق.
أذن الفجر استيقظ يوسف واعتدل جالسًا نظر للفراش الأخر فلم يجدها، مسح وجهه أثر النوم وخرج من الغرفة يبحث عنها بين أرجاء الشقة بدأ بغرفة النوم خاصتهما ثم المرحاض، ثم غرفة الضيوف فلم يجدها، حك رأسه وقال بتعجب: راحت فين دي؟!!!!
بحث في الشرفة ولم يجدها، اتسعت حدقتيه بوجل حين تخيل أنها قد تكون خرجت من باب الشقة أيعقل أن تهرب منه أو سارت وهي نائمة كما فعلت مسبقًا، وضع يده على فمه والأفكار تلفح رأسه يمينًا ويسارًا، وأخذ يبحث مجددًا بأركان الشقة فلم يجدها دخل للمطبخ ليرتشف الماء قبل أن يخرج من البيت فقد قرر الخروج للبحث عنها، وبينما يرتشف قطرات المياه وقعت عينه على تلك القابعة أعلى رخام طاولة المطبخ فبصق الماء خارج فمه ووقف أمامها يُطالعها بذهول ثم انفـ جر ضاحكًا وقال بخفوت:
-آه يا قرده… ياربي متجوز قرده!! مش معقول طلعتِ هنا إزاي!!
أزاح غطاء الإناء عن وجهها مردفًا من خلف ضحكاته:
-بيعمل إيه على وشها ده تكونش مفكره نفسها حله!
انتهى من نوبة الضحك وبدأ يهزها ليوقظها لصلاة الفجر ويجعلها ترى نفسها وحالتها تلك!
-فرولتي… قردتي… اصحي يا حبيبي عشان الفجر
أخذ يلمس وجنتيها بخفة وهو يغني بضحك: يلا نهاره أبيض يلا نهاره فل… لا قرده ولا فاره فروحه أحسن من الكل
تمللت في نومها وفتحت جفونها ببطئ لتراه يقف أمامها حاولت أن تعتدل جالسة لكن ضُـ رب رأسها بخزانة المطبخ فوقها، قهقه ضاحكًا، انتبهت لمكانها وقالت بتعجب:
-إنت مطلعني هنا ليه؟
أشار لنفسه قائلًا بضحك:
-أنا!!! والله ما حصل
كادت أن تقفز فأمسكها قائلًا بجدية:
-براحه متنسيش إنك حامل
ساعدها لتنزل عن الطاولة فقالت:
-عايز تفهمني إن أنا طلعت هنا لوحدي!!!
تعالت ضحكاته قائلًا:
-للأسف هو ده إلي حصل… إنتِ من هنا ورايح هتنامي جنبي أنا بدأت أخاف يعني بعد كده ممكن ألاقيكِ نايمه على السلم أو في الشارع!
ابتسمت بسخرية وانتبهت لما ترتديه حين نظرت لمنامتها القصيرة فصرخت وهي تضع إسدالها عليها بإحراج، فسحب الإسدال من يدها وقال بنزق:
-أنا بجد مش عارف أقنعك إزاي إن أنا جوزك وإنتِ حامل وكده!
هز رأسه مستنكرًا ودخل للمرحاض ليتوضئ ويخرج لصلاة الفجر، ووقفت هي تنظر لأثره قائله بهيام:
-أنا إلي مش قادره أصدق إن إنت بقيت جوزي وكده!
استغفر الله وأتوب إليه 🌹
______________________________
أبق إليك قلبي هاربًا من ظُلمات الحياة يبغى النجاة، كيف لي أن أعلم أنك لن تكون سوى عبئ جديد أُضيف إلى رحلتي ليُثقل روحي ويؤرقها!
وبعد صلاة الفجر دخل آصف للبيت بعد أن قضى ليلته بالخارج، أخذ ينظر لجدران البيت بملامح بنظرات ينبعث منها شعاع الندم، هوى جالسًا على أقرب مقعد، أطرق رأسه لأسفل وحاوطها بكلتا يديه ثم أجهش بالبكاء.
اطمئنت هبه حين ولج للبيت فقد باتت الليلة في أرق لم تغفل عينها لوهلة كان بالها منشغلًا لغيابه تؤنب نفسها وتبكي، انتبهت على صوت شهقاته وكلماته وكأنه يعاتب نفسه:
-إيه إلي عملته ده!!!
نهض واقفًا وضـ رب قبضة يده بالجدار باكيًا وقال بحسرة:
-ليه عملت كده ليــــــه!!!
قال أخر كلمة صارخًا وجلس أرضًا يستند للحائط أخذ ينحب ويتأوه متألمًا، أمطرت مقلتاه بوابل من الدموع وهو يصدر من بين شفتيه أنينًا مكتوم مع كل زفرة يُخرجها، وضع يده على رأسه وعاد يبكي مجددًا، فبكت هي الأخرى وهي تطالعه من بعيد، همست لنفسها بنبرة متحشرجة: أنا عمري ما شوفتك كده! أنا آسفه والله آسفه
أغلق هو جفونه وحملته الأفكار إلي ما قبل ساعات
“رجوع لما قبل ساعات”
خرج من البيت مغيبًا وكأن قدمه تجره جرًا نحو عنوان تلك الفتاه وقف أسفل البناية فأوقفه شاب لا يعرفه، قال الشاب:
-أستاذ آصف… إيه الصدفه دي!
آصف بابتسامة وتعجب:
-حضرتك تعرفني؟
-أيوه أنا اعرفك كويس لكن عمري ما اتكلمت معاك… أنا بشتغل في المحل إلي قصاد المطعم بتاعك أنا كنت ناوي أجيلك بكره والله..
أشار آصف لنفسه وقال مترجرجًا:
-تـ… تجيلي ليه!
أومأ الشاب رأسه وقال بابتسامة:
-كنت دائمًا أشوفك قاعد وماسك المصحف وقت فراغك قولت وليه معملش شكلك بدل ما بقعد أسمع أغاني وبقيت أقلدك لحد ما بقت عادتي وبعدت عن الأغاني… وكنت أشوفك مع كل أذان بتجري على المسجد فأغير منك وأجري أنا كمان وراك… كنت جاي أشكرك عشان اتغيرت بسبب أفعالك حضرتك شخص محترم وأحسبك على خير
استحلب آصف ريقه بارتباك و قف مشدوه للحظات يقلب كلام الشاب في رأسه وفجأة ضم آصف الشاب بقـ وة وأخذ يبكي بين ذراعيه وهو يردد بهسترية: إنت ربنا بعتلك ليا… والله ربنا بعتك ليا
ربت الشاب على ظهره وقال بتعجب:
-إيه بس!!! هو حضرتك كويس!!
خرج آصف من بين ذراعيه وربت على كتفيه قائلًا:
-أنا كويس بس إتأثرت شويه بكلامك
ولى آصف مدبرًا وترك الشاب يعقد بين حاجبيه متعجبًا من رد فعله المريب، عاد آصف أدراجه ماذا كان ينوي أن يفعل؟! كيف يضعف لتلك الدرجه!! هل كان سيُضيع صيامه وقيامه وذكره وينهي الشهر الفضيل باقترافه ذنب كهذا، هل لقضاء شهوة لا تتجاوز لذتها دقائق معدودة يرتكب إثمًا يندم عليه الباقي من عمره! كان يحدث نفسه وهو يسير مغيبًا حتى ظهر أمامه مسجد فولج إليه توضأ وأخذ يصلي يريد أن يناجي ربه، يريد أن يذرف دموع الندم يريد أن يغسل قلبه بماء عبراته الساخنه سجد وتلجم لسانه عن الكلام حياء من الله وترك صوت نحيبه يتحدث عن حسرته لعل الله يغفر ذلته ويعفو عنه، لا يدري كم ركعة صلى لكنه ظل هكذا طوال الليل حتى رُفع أذان الفجر.
“عودة”
لا يعرف كيف سينظر في عينيها مجددًا، يخشى أن ترى أثر ما كان ينوي على فعله داخل بحور عينيه، هو أخطأ حين فاجئها بتلك الطريقة وهي أخطأت بكلماتها تلك، رباه سلم قلبه وضميره من ذاك العذاب المهلك!!
وقفت هبه تُطالعه وهو يمسح عينيه وينهض واقفًا ثم يلج للمرحاض، تمنعها كرامتها أن تذهب إليه وتتحدث معه ويدفعها قلبه لتركض إليه وتضمه غير آبهة بكل ما حدث! لكن صوت كرامتها وعقلها انتصر في نهاية الأمر وأوصدت غرفتها من الداخل دون أن تخرج له..
__________________________
“الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد”
تعالت أصوات التكبيرات والتهليلات بمكبرات المساجد لتغمر القلوب فرحة وسعادة إنه يوم العيد الذي يرفرف القلب فرحًا في سماءه رغم قسوة الحياة ورغم الحزن وبرغم الآلم يبقى هذا اليوم هو يوم السعادة، فتجد القلب يتراقص فرحًا على أصوات التكبيرات، حينها تشعر وكأنك عدت طفلًا ينتظر ارتداء حُلته الجديدة ويتلهف لأخذ مصروفه من والديه وأعمامه وعائلته.
“كده بقا كل حاجه خلصت… الواحد نفسه اتقطع من نفخ البلالين”
قالتها وسام وهي تفرد ظهرها على الفراش، فعقبت رحيل:
-أنا منمتش إلا ساعتين وحاسه دماغي هينفـ جر
قالت سديل بضحكه:
-لأ اجمدي كده يا عروسه ساعتين كمان وهننام شويه قبل الحفله
اعتدلت وسام وطالعت رحيل قائلة:
-صحيح هتلبسي ايه يا رحيل؟
ابتسمت رحيل حين تذكرت مكالمته في الصباح الباكر ليهنئها باول عيد لها برفقته، تنفست بارتياح قائلة:
-محمود قالي هيبعتلي فستان
غمزت وسام متخابثة وقالت:
-طيب وإنتِ يا سديل محدش قالك هيبعتلك فستان
تلعثمت سديل وهي تنهض واقفة وتوليهم ظهرها قائلة:
-حـ حد مين؟ أ.. أنا عندي ادناء بترولي كده ملبستهوش خالص هلبسه بقا النهارده
غيرت وسام مجرى الحديث حين قالت:
-وأنا عندي فستان سهره فؤاد كان جايبهولي هلبسه
حاولت سديل اخفاء ارتباكها فقالت:
-يلا بقا نعلق البلالين قبل ما يخرجوا من الصلاه
بدأن بتعليق البلالين على أسوار الشرفات وعلقن شبكة تضم الكثير من الزينه وبها رسائل فرحة خُطت بأيديهن لتتناثر على الناس عند مرورهم من الطريق خارجين من الصلاة، وشبكة أخرى تضم الكثير من البلالين بأشكال متنوعة وألوان مختلفة.
وعند مرور جموع الناس الخارجين من الصلاة ابتسمت وسام وهي تطلق أطراف الشبكة لتتناثر الزينة فوق رؤسهم واقبل الأطفال راكضين للبيت يضحكون ويلهون ففتحت رحيل الشبكة الأخرى الممتلئة بالبلالين فتساقط البعض فوق رؤوس الأطفال وأخذوا يهللون بحمـ اس راكضين خلفهم والبعض ارتفع لأعلى وطار في السماء في منظر جميل وبديع، أطلقت سديل صواريخ عالية لتزين السماء بأضواء لم يظهر بريقها بسبب ضوء الشمس المشرقة فهدرت بها وسام: يا بنتي دي مش دلوقتي دي كنا هنعملها بالليل
سديل: اه.. نسيت والله
دلف الرجال للبيت كل منهم يحمل بيده ورقة بها رسالة، نظر فؤاد لوسام التي مازالت تقف بالشرفة تُطالعه بإعجاب وهو يرتدي جلبابه الأبيض، ابتسم لها غامزًا بمشاكسة فقالت بمرح: نازلالك عشان أخد العيديه
قهقه ضاحكًا وهو يقول بمراوغة: معرفكيش
تبادلت العائلة القبلات والأحضان تهنئة بالعيد.
التفت العائلة حول مائدة الإفطار فخرجت وهيبة وأخذت تبدل نظرها بينهم قائلة:
-إنتوا عندكم فرح ولا إيه؟
جذبها نوح من يدها لتجلس جواره وقال:
-أيوه يا تيته عندنا فرح وعندنا عيد وهيصه تعالي افطري بس وهفهمك
تعالت الضحكات والمزحات أثناء الإفطار وبعده، عم الهدوء حيث دخل كل شخص لبيته ليُكمل نومه، فكما عهدنا اليوم عيد فنهاره للنوم وليله… للمرح!!
_______________________________
وفي المساء وقفت هبه تُطالع چوري بابتسامة وبنظرة راضية وهي ترتدي فستان أسود يشبه فستانها وحذاء باللون الأحمر ورابطة شعر حمراء، قالت:
-قمر يا بنوتي
وبضحكة طفولية قالت چوري:
-إنتِ القمر يا ماما
قبلتها هبه من خدها وقالت بابتسامة:
-حبيب ماما… يلا هلبس جزمتي وننزل
ارتدت هبه حذئها الأحمر ذا الكعب المرتفع وحملت حقيبتها الحمراء، وبعد أن دوى صوت هاتفها معلنًا عن وصول الأتوبيس أسفل البيت، نظرت لچوري قائله:
-روحي شوفي بابا جاهز ولا ايه! قوليله خالو تحت
خرجت جوري راكضة لأبيها الذي ارتدى حُلته السوداء ووضع عطره المميز وطالع نفسه بالمرآة بتيه، لتقاطعه ابنته:
-الله شكلك عريس يا بابا
انحنى آصف لمستواه وداعب خدودها قائلًا:
-وإنتِ شكلك أميره صغننه لما تكبر هتبقى أجمل ملكة
ضمته وقبلت خده قائلة: بحبك
اتسعت حدقتيها وكأنها تذكرت ما أتت لتخبره به وقالت: يلا ماما بتقول خالو تحت
نهض آصف وقال: طيب يلا عشان منتأخرش عليه
كانت هبه تقف في الردهة تنظر أمامها وتنتظره، رمقته سريعًا وارتسمت على شفتيها ابتسامة إعجاب لكن أخفتها سريعًا حين نظر لها وفتحت الباب فركضت جوري ومسكت يدها ونزلوا دون أن يُحدث أحدهما الأخر، كانت چوري هي حلقة الوصل بينهما تقبض على يد والدها ويد هبه وتسير بحـ ماس قطعت صمتهما قائلة:
-هنركب مركب في البحر يا ماما
هبه: -أيوه يا حبيبتي
چوري: -بابا أنا عايزه أيس كريم
آصف: -حاضر يا قلبي هجيبلك أحلى أيس كريم
أقبل أتوبيس كبير نحوهم وأمامه سيارة أخيها محمود الذي أشار لهم ليركبوا، وبعد صعودهم الأتوبيس أخذوا يتبادلون السلامات مع أخوالها وخالاتها وأعمامها واولادهم، ليأتي صوت رجولي من المقعد المجاور لهما:
-كل عام وإنتِ بخير يا دكتوره هبه
تنحنحت هبه وحاولت رسم ابتسامة وهي ترد عليه: وحضرتك بخير يا أستاذ عاصم
حين ذكرت اسمه نظر له آصف بتجهم فهو يعلم أنه كان يريد الزواج منها جلس جوار زوجته ونظر له قائلًا بابتسامة صفراء وهو يضغط على كلماته:
-كل عام وإنت بخير
اومأ عاصم رأسه قائلًا بابتسامة: وإنت بخير يا أستاذ
ظل آصف يُطالعه بنظرات جانبية من حين لأخر ويميل بجزعه العلوي للأمام ليخفي زوجته عن الأنظار بغيرة..
__________________________
وفي بيت الجد استعد الجميع ووقفوا بالحديقة ينتظرون قدوم السيارات.
كانت رحيل تقف جوار أختها ترتدي فستان بترولي تشابه مع لون إدناء أختها، وحجابها من نفس اللون يعلوه تاج فضي يزينها كان فستانًا واسع من بعد خصرها فبدأت كأميرة استعدت للتتويج، كانت تفرك يدها بتوتر، وخفقات قلبها في تسارع ورهبة، وقفت أختها أمامها وقالت بحيرة:
-رحيل!!! عيني ظاهره ولا إيه من البيشه؟
ابتسمت رحيل بخبث وقالت:
-خايفه ليزعل ولا إيه؟!
نظرت لها رحيل بنزق قائلة:
-مين ده إلي يزعل؟
رحيل بمكر:
-لا متاخديش في بالك
أردفت موضحة:
-أصلًا المركب دورين والرجاله في مكان والستات في مكان متقلقيش
وبعد فترة شهقت سديل وهي تبحث عن هاتفها وقالت:
-رحيل أنا نسيت الموبايل فوق
-طيب روحي هاتيه بسرعه لأن هما وصلوا
ركضت سديل لأعلى ووقفت رحيل تهدئ خفقات قلبها من أثر الإرتباك..
كانت وسام تتأبط ذراع فؤاد الذي يرتدي حُلته السوداء، وهي ترتدي فستانها الفضي المرصع بخرزات فضية لامعة وحجابها الفضي الرقيق، يجاورهما يوسف ببظلته السوداء الأنيقة وفرح التي ترتدي فستان سهرة أزرق لامح ويقبض يوسف على يدها وكأنها يتهرب منه، نظرت له فرح وقالت بذهول:
“تعرفوا إن أنا أول مره أعرف إن فيه فرع نيل عندنا في كفر الشيخ”
فؤاد:
-كفر الشيخ فيها أماكن كتير حلوه بس إحنا إلي مبنفكرش نشوف جمال بلدنا
وسام:
– أنا نفسي ألف مصر وأشوف الأهرامات والمتاحف وكل حاجه أصل مش معقول نعيش ونموت من غير ما نشوف بلدنا نفسها
ابتسم فؤاد قائلًا:
-قولي يارب بس وان شاء الله ألففك الدنيا يا روحي
ضحكت وسام قائلة:
-لما نشوف
وصل الأتوبيس يتبعه سيارة محمود التي يقودها أحمد، وبحركة تلقائية أطرقت رحيل رأسها لأسفل بخجل ودنا منها محمود ليقوس ذراعه لتتأبطه رحيل، قائلًا بابتسامة:
-يلا يا عروستي
تعالت الزغاريد وركب الجميع للأتوبيس، واستقل فؤاد سيارته مع وسام ويوسف وفرح
ركبت رحيل جوار محمود بالمقعد الخلفي فقال أحمد:
-هي… هي فين أختك؟
رحيل بخفوت:
-كانت بتجيب الموبايل من فوق وجايه
خرجت سديل من البيت ابتسم أحمد حينما رأها، نظر لها محمود من النافذه وقال:
-معلش يا سديل اركبي قدام
اومأت رأسها دون كلمة وركبت جوار أحمد الذي فاجئها بسؤاله:
-ازيك يا سديل
أجابت بخفوت: الحمد لله
بلل أحمد شفتيه واستجمع كلماته ليقول:
– كل عام وإنتِ بخير
ابتسمت أسفل نقابه وردت بسرعة:
-وإنت بخير
_______________________
وأمام المركب وقف سالم جوار زوجته مقابل عمه وزوجته وأولاده وبناته، فقال سالم بنزق:
-مش عارف والله أزمتها إيه نحضر كلنا
عمه بنفاذ صبر من تكرار سؤاله بين وهلة وأخرى:
-قولت لازم نحضر يا سالم الراجل عزمنا ومأكد علينا واحد واحد
قالت إحدى بنات عمهم بسخرية: لما نشوف عريس الغفلة شكله ايه!!
لترد امها وهي تنظر لولدها: يعني مهما كان حلو هيكون أحسن من ابن عمها!
لترد أختها الأخرى وهي تضحك وتنظر لأخيها: أكيد مهما كان هيكون أحسن من الخلقيه دي
ضـ ربها أخيها على ظهرها لخفة وقال:
-متستخفيش دمك ما إنتِ نسخه منهم جتكم القرف
وبعد دقيقة وصل الأتوبيس وارتجل منه الجميع، كان المركب مكون من طابقين وكل طابق يضم مجموعة من الطاولات يشبه الكافيه، تفاجئتا رحيل وسديل لرؤية عمهم وأولاده وبناته وسالم وزوجته يصعدون للمركب
سديل بصدمة: بيعملوا إيه هنا دول؟! مين عزمهم؟
محمود برتابه:
-أنا إلي عزمتهم يا سديل متقلقوش من حاجه
رحيل بصدمة:
-ليه عملت كده؟
-أنا مش عايزك تقلقي يا رحيل… اتعاملي عادي
تنفست رحيل الصعداء وركبت وتبعتها أختها..
صعد محمود للطابق الثاني مع الرجال وجلست رحيل مع السيدات في جو هادئ دون موسيقى أو اغاني وبعد تبادل السلامات مع بنات عمها وزوجته بكثير من الجمود والوجوم قامت رحيل ووقفت جوار أختها على حافة المركب، كانت سديل تقف على حافة المركب تنظر للمياه تارة ولأختها التي وقفت جوارها تارة أخرى، قالت رحيل بأمر:
-روحي سلمي على بنات عمك
سديل بتبرم:
-مش قادره يا رحيل مبعرفش أعمل زيك أنا بجد مش طيقاهم
أطلقت رحيل زفرة قـ وية وعقبت وهي تتأمل مياه النيل:
-ولا أنا طيقاهم بس مضطره أتعامل
نظرت سديل للإتجاه الأخر مطولًا ثم أغلقت جفونها لتتنفس الهواء العليل، فارتفعت أصوات الأغاني، فتحت جفونها ونظرت لأختها ثم التفتت تنظر للداخل للتصفيق والزغاريد وابتسمت ثم عادت تُطالع الإتجاه الأخر أغلقت جفونها وجذبتها أفكارها لمنطقة تهواها تتخيل رفقته كم بدأ وسيمًا اليوم بحُلته البيضاء لم تلحظ مغادرة أختها حين أشار لها الفتيات وظلت واقفة تُطالع المياه بشرود.
أخذ الشباب يرقصون أيضًا على أصوات الأغاني، وحين نظر من الأعلى وجدها تقف لحالها على حافة السفينة فنزل مسرعًا ووقف جوارها مباشرة واضعًا كلتا يديه بجيبي بنطاله.
أخذت رحيل تستنشق الهواء العليل وتحدثت وكان أختها مازالت جوارها قائلة:
-البحر حلو أوي يا رحيل وكل حاجه فيه تتحب بس برده هيفضل مخيف ومرعب…
أرسلت تنهيدة طويلة وقالت:
-نفسي أتعلم أعوم عشان اتعودت أواجه كل حاجه بخاف منها
أغلقت جفونها مرة أخرى ودون أن تنظر إليه دنت منه لتستند برأسها على كتفه ثم أمسكت ذراعه، تفاجأ هو لفعلتها لكنه لم يحرك ساكنًا فقد صُدم! لم يتوقع أن تفعل ذلك! أخذت تتحسس ذراعه وتحدث حالها ألم تسمن ذراع رحيل قليلًا! بل كثيرًا! أخذت تتحسس أصابعه الرجولية بأناملها الناعمة لمَ انتفخت أصابع رحيل فجأة أيعقل أن تكون قد أكلت الكثير من المانجا فأصابتها تلك الحالة مجددًا! نعم زيادة الأملاح تنفخ جسدها بالكامل ولكن!!! هل تطيل الأنامل أيضًا وتجعلها خشنة الملمس هكذا!!! فتحت جفونها ببطئ وهي تتحسس بدلته وأزرار قميصه، بالطبع لم تبدل رحيل فستانها! أيعقل أنه… فالصبر الصبر لن تصرخ الآن، وبصوت خافت ونبرة مرتعشة استطاع سماعها قالت:
-لا لا المانجا مبتعملش كده وأكيد رحيل مش هتلبس كده!
أما هو فكان بحالة يرثى عليها لمسات أناملها تلك التي شعر أنها اخترقته لتلمس قلبه وليس يديه فبات فؤاده منفعلًا توهجت مشاعرة وارتفعت دقات قلبه لو ظلت هكذا للحظة أخرى سيعترف لها بحبه، ازدرد ريقه بارتباك توقف عقله عن التفكير، لابد وأن يبتعد عنها يجب أن ينزع يده من بين كفوفها، كم يشفق عليها فماذا ستفعل حين تراه! وقبل أن يفعل شيئًا كانت هي قد تركت أنامله وتحركت مبتعد عدة خطوات، شعرت أن الد**ماء هربت من أوصالها بات صدرها يعلو ويهبط بصدمة لا تستطيع رفع عينها لمعرفة هويته، فمن سيكون غيره بالطبع هو هكذا حدثها عقلها ظلت مطرقة رأسها وهي تعود للخلف بصدمة، خطوة أخرى ومن المحتمل أن تسقط بالمياه فجذبها من يدها هاتفًا:
-إنتِ رايحه فين؟ حاسبي هتقعي
علمت هويته من صوته ورفعت رأسها تُطالعه وهو يمسك ذراعها….
وفي ناحية أخرى نظرت ابنة عمها الكبيرة لامها قائلة بسخرية:
-شايفه المنتقبه الي عامله فيها محترمه بتعمل إيه!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى