رواية هاربة من الماضي الجزء الخامس 5 بقلم يمنى عبد المنعم
رواية هاربة من الماضي الجزء الخامس 5 بقلم يمنى عبد المنعم |
رواية هاربة من الماضي الجزء الخامس 5 بقلم يمنى عبد المنعم
فهمست بصوتٍ مرتجف متقطع:- أي…. أيوة… أيوة… عارفاه
اتسعت عيونه بغضب حاد قائلاً بلهجة حاسمة:- تعرفيه منين قوليلي بسرعة…. اصفر وجهها متذكرة كل ما مرت به الفترة الماضية.
قائله بصوتٍ مهزوز:- يكون…. يكون ابن… ابن عمتي…. بس مقتلتوش…. مقتلتوش… انا مظلومة.
تحجرت عيونه على محياها بصدمة كبيرة من اعترافها الأخير… حاول أن ضبط أعصابه بقوة أمامها هاتفاً بها بعدم تصديق:- هوا أنتِ اتقلتيه…؟
انهارت هنا في هذه اللحظة أكثر مما كانت عليه شاعرة أنها سيغشى عليها وهزت رأسها بالنفي قائلة بوهن:- صدقني مقتلتوش… أنا مكنتش في وعيي… أنا… أنا…
لم تستطع أن تتابع حديثها فصوتها اختنق من كثرة ما تعانيه في هذه اللحظة.
تخلى منير عن تساؤلاته الكثيرة بداخله… التي تزداد بداخله.
وأسرع وتناول كوب المياه المتواجد بجوار الفراش فارتعشت يديها وهي تتمسك بالكوب.
ساعدها منير في إمساك الكوب كي ترتشف الماء بقلق من شحوب وجهها قائلاً بهدوء مفتعل:- اهدي خلاص متقلقيش… بلاش تتكلمي دلوقتي.
حدقت به كأنها تراه لأول مرة قائلة بضعف:- من زمان محدش أهتم بيه كده.
تنهد منير متأملاً لها ببطء متسائلاً بحيرة لماذا تفوهت بذلك هامساً بصوتٍ متحشرج:- ليه بتقولي كده…. يا هنا…؟
أغمضت عيونها تتذكر ما عانته وقاسته خلال الثلاثة أشهر الأخيرة.
قائلة بنبرة مرتجفة:- لإن دي الحقيقة، كل اللي اهتموا بيه كانوا بيكدبوا وبس علشان مصلحتهم.
زفر منير من هذا الوجع التي تتفوه به قائلاً بهدوء ظاهري:- طيب لو عايزة متتكلميش دلوقتي كفاية كده ونبقى نتكلم بعدين…. وأسيبك ترتاحي.
هزت رأسها سريعاً باعتراض قائلة بذعر:- لا مش هنام، أرجوك متسبنيش أنا خايفة أوي….
تمعن منير بوجهها كثيراً قائلاً بسرعة:- مش هسيبك يا هنا أنا معاكِ يالا نامي دلوقتي لأنك تعبانة وأول ما تهدي هنتكلم.
رمقته بمزيج من الرهبة والقلق قائلة بتوتر ورجاء:- حتى لو نمت متسبنيش أنام لوحدي أقعد معايا هنا.
وضع الكوب بمكانه بجوار الفراش ثم مسح على وجهه بحيرة قائلاً بجدية:- طب نامي وانا هقعد جنبك لغاية ما تنامي وبعد كده هروح اتكلم مع الدكتور وأجيلك… تاني.
ابتلعت ريقها بصعوبة وتوتر قائلة بخوف:- حقيقي هتجيلي تاني ولا هتسيبني وتطلع زيهم.
هز رأسه بالموافقة قائلاً بلهجة مطمئنة:- قلتلك مش هسيبك وهرجعلك على طول…. يالا ارتاحي الأول… علشان نتكلم بهدوء بعدين.
اومأت برأسها باستسلام متمددة في الفراش من جديد على أمل أن يساعدها كما وعدها.
اختبأت هنا بالرغم من ذلك تحت الغطاء فقد جذبته فوق رأسها.
تحاول النوم بوجوده دون خوف… رغم توتر أعصابها المشدودة.
شرد منير في ما وجد نفسه فيه مع فتاةٍ غامضة ومثيرة للجدل… يريد معرفة الحقيقة كاملة وبسرعة دون أن يؤثر ذلك على حالتها.
هب من مقعده واقفاً، ولحق بمكتب الطبيب قبل أن ينشغل مع مرضاه… كما أخبرها.
تأملت صفاء إحدى الفتيات وجدتها شاردة وحزينة… تبتعد وتنزوي في ركن بمفردها بالحجرة عن باقي صديقاتها بالدار.
اقتربت منها بطيبة قائلة باهتمام:- مالك يا حلوة مش بترسمي مع صحباتك ليه…؟
حدقت بها الفتاة بأعين مكتئبة قائلة بنبرة خافتة:- هيه هنا مش هنشوفها تاني… سارعت صفاء إلى قولها:- مين قال كده… هيه بس تعبانة شوية وأول ما هتخف هتيجي على طول.
لمعت عيونها بالدموع فابتسمت لها تحاول التخفيف عنها وهي تربت على شعرها قائلة بحنان:- شكلك كده بتحبي هنا أوي.
اومأت الفتاة برأسها قائلة:- لأنها هيه الوحيدة اللي لقيتها حنت عليه… من ساعة ماسيبت بيت بابا.
عقدت صفاء حاجبيها بصدمة قائلة باهتمام:- وسيبتي بيت بابا ليه يا حبيبتي.
وضعت الطفلة البريئة يدها في جيب بنطالها المصنوع من الچينز… وأخرجت صورة صغيرة تحتفظ بها.
أمسكتها منها تأملها كثيراً فقالت الفتاة بحزن:- دي صورة ماما قبل ما تموت.
أحست صفاء بالإشفاق ناحيتها قائلة:- حبيبتي اعتبريني زي ماما تمام انتم كلكم هنا زي ولادي… طب قوليلي وليه سيبتي بابا وهربتي منه.
صمتت برهةً من الوقت قائلة بخفوت:- هربت بعد ما حسيت إن بابا مبقاش مهتم بيا ولا باختي زي الأول… ويسيبنا بالساعات مع الجيران… من غير ما يسأل علينا.
وبعد كده أختي الصغيرة مرضت أوي ومهتمش بابا بعلاجها ومع الوقت ضعفت جداً ولما جه يهتم شويه كانت أختي ماتت.
عند هذه النقطة لم تحتمل الصغيرة كل كلماتها مع المشرفة وبكت بشدة… فضمتها لصدرها برفق قائلة:- متقلقيش يا حبيبتي أنا وكل الناس اللي شغاله هنا هنهتم بيكِ وبباقي البنات متخافيش أبداً.
عاد منير إلى حجرة هنا فوجدها تتململ في الفراش دون أن تفتح عيونها.
جلس بالقرب منها منتظراً أن تستيقظ… شعرت هنا أنها ليست بمفردها.
فتحت عيناها ببطء ترمق ذلك الشخص بنظراتٍ مبهمة…. تتمعن بوجهه، عيونه وقسمات وجهه الجذابة، شعره البني الداكن فهو لا يبدو أنه شرير كما تخيلته بل على العكس فإن وسامته هذه جعلتها تطمئن إليه على رغم قلقها منه الآن.
ابتسم لها ليطمئنها قائلاً بلهجة ودية:- ها عامله إيه دلوقتي…؟ ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة وهي ترمقه بعيونها الواسعة قائلة بتوتر:- الحمد لله أفضل.
زفر بارتياح هذه المرة قائلاً:- طب كويس قادرة بقى نكمل كلامنا.
عادت بنفسها للوراء بمجرد أن أرجعها إلى واقعها… وحاولت أن تبدو طبيعية لكن رغماً عنها وجدت حروفها تخرج من بين شفتيها مرتجفة ومهزوزة.
قائلة بارتباك:- آه… آه… جا..جاهزة… بس… بس… قاطعها بتعجب قائلاً بهدوء:- بس إيه قولي ومتخافيش.
كسى الشحوب وجهها قائلة بتوتر:- بس الكلام ده… ده يفضل سر بينا محدش يعرفه غيرك.
اومأ برأسه ليشجعها على التحدث قائلاً برفق:- قولي يا هنا متخافيش كلامك سر أكيد … بس أول سؤال عايزك تجاوبيني عليه بصراحة.. ليه خوفتي مني أنا بالذات….!!!
جف حلقها وتوترت أعصابها أكثر قائلة بنبرة مرتعشة: لإنك… لإنك تشبهه أوي..!!!!
فهم منير مقصدها عاقداً لحاجبيه بحدة قائلاً بهدوء مفتعل:- قصدك أشبه صلاح صاحب الصورة مش كده.
هزت رأسها سريعاً مسترجعة كل ما حدث لها قبل ثلاثة أشهر الأخيرة قائلة بصوتٍ مخنوق:- أيوة… أيوة هوا أجابته بذلك فقط ولم تستطع أن تتفوه ببنت شفه.
زفر منير بقوة غاضبة وحاول ألا يفقد أعصابه كثيراً أمامها حتى لا يُخيفها وتتشنج أعصابها أكثر من ذلك.
قائلاً لنفسه بغضب:- الحيوان كنت عارف انه عامل بلوة كبيرة أكيد.
رقمها بطريقة مبهمة ثم حاول أن يتحدث إليها بلهجة أن تبدو طبيعية نوعاً ما.
قائلاً باهتمام:- طب احكيلي عملك إيه صلاح… ؟
أغمضت عيونها على الفور تحاول أن تتحدث إليه دون بكاء… قائلة بخفوت متردد:- من سنة ونص كده، بعد بابا ما مات بدأ صلاح ييجي عندنا البيت وكنت عايشه في الوقت ده في بيت جدتي أم بابا… وبدأ يتقربلي ويقولي كلام حلو وأنا صدقته لان معنديش خبرة وكنت في الوقت ده بالذات كنت محتاجه لأي حد يقف جنبي… وخصوصاً إن بابا الله يرحمه سابلي ميراث مكنتش عارفه اتعامل معاه إزاي ولا استثمره في إيه.
صمتت برهةً لتأخذ نفساً عميقاً مردفة بصوتٍ خفيض:- ولإن بنت وحيدة كل اللي حواليها كانوا طماعنين في ميراثي… وهوا بنفسه قالي كده… ففهمت أنه كده خايف عليه وعلى مصلحتي.
وبدأت أحبه زي ما موهمني بكده… ولما عرف أنه كده وصل للي هوا عايزه… طلب مني أعمله توكيل بإسمه على أساس يستثمر فلوسي.
فأنا وافقت معتقدة أنه بني آدم كويس… وعملته فعلاً وقتها وفوجئت بيطلب مني بعدها أقابله في مكان الشغل الجديد وحددنا ميعاد وعدى عليه وأخدني في عربيته وروحنا سوا… ووصلنا لعمارة جديدة محدش لسه سكن فيها.
فخفت جدا بس اطمأنيت شوية لما لقيت في بواب تحت وقالي تعالي متخافيش.
فطلعت معاه زي ما قالي الدور التاني وودخلنا شقة قالي دي هتبقى مقر للشغل… فقولتله وهيبدأ الشغل فيها من امتى قالي من بكرة ولقيته فعلاً مجهز إوضة المكتب وأوراق كتيرة مفهمتش منها أي حاجه.
وجيت أمشي قالي استنى هنا رايحه فين احنا لازم نحتفل بمناسبة الشغل… وأصر يجبلي عصير برتقال لقيته جايبه من البواب من تحت.
إلى هنا لم تقوى على متابعة حديثها إليه… وأختنقت العبرات داخل مقلتيها، تنهد منير بحدة فقد فهم بعدها ما تنوي قوله.
فقال لها بحزم:- هنا إنتِ مش لازم تقعدي هنا أكتر من كده…. ابتلعت ريقها بصعوبة وقلبها ينبض بقوة قائلة باضطراب:- طب…. طب هروح فين وانا بحالتي دي.
تمعن بعيونها الحزينة كثيراً قبل أن يجيبها قائلاً بلهجة حاسمة:- هتروحي عندي في البيت.
أتت ذكرياتها التي تمثل لها كابوساً رهيباً في حياتها في عقلها.
فهزت رأسها سريعاً باعتراض شديد…. قائلة بذعر:- لا.. لا مش هروح معاك مش بقولك انت زيه وشبهه.
لم يغضب منير من قولها وتفهم حالاتها كثيرا قائلاً بسرعة:- هنا… هنا… إهدي متخافيش هوا أنا صحيح شبهه لكن مش زيه خالص وكمان أختي غادة معايا في نفس البيت.. هيه وابنها يعني منيش عايش لوحدي.
ترقرقت عيونها بالعبرات الغزيرة قائلة له بخوف:- لأ إنت أكيد بتكذب وبتضحك عليه وممكن تسلمني للبوليس كمان.
هز رأسه بالنفي هاتفاً بها بصرامة:- هنا لازم تفهمي إني غيره عارفه يعني إيه غيره… وأنا هساعدك وهحميكِ وعمري ما هسلمك للبوليس أبداً زي ما بتقولي… متقلقيش.
صمتت من هذا التصميم الذي وجدته داخل عيونه قائلة بنبرة مرتعشة:- يعني… يعني…. مش هتضحك عليه زيه ولا هتبلغ عني.
نهض من مقعده وأقترب أكثر منها يحاول بث الطمأنينة داخل نفسها قائلاً بلهجة ودوده:- طمني قلبك يا هنا إنك هتكوني بأمان معايا…
طال صمتها لا تعرف هل تصدقه وتستجيب لطلبه… عندما لاح لها الصدق داخل عينيه ومن حديثه إليها أم العكس لا تنصت إليه.
أخرجها منير من هذا الصمت قاطعاً عليها أي سبيل للتفكير الكثير قائلاً بلهجة حاسمة:- جهزي نفسك حالاً لغاية ما آخد موافقة الدكتور ونمشي سوا.
جاءت لتجيبه تركها منصرفاً من الغرفة قاطعاً عليها أي إعتراض.
بالفعل وضع منير حداً لكل ترددها هذا… وضغط على طارق بالرغم من رفضه في البداية لهذا القرار… إلا أنه أخذ وعداً منه بضرورة متابعة لحالتها.
وافقه على رأيه هذا… وذهب بها إلى منزله… ظلت هنا صامته مأخوذه بكل ما يحدث معها منذ أن غادرت المشفى بصحبته في سيارته.
شاردة الذهن طوال الطريق… كان منير يلتفت إليها من حين لآخر.
متابعاً تفكيرها الشارد هذا، ومحياها الحائر هذا.
احترم هذا الصمت التي تبدو عليه… وصل بها أمام المنزل، توقف بعربته على الفور… نبض قلبها بقوة.
ابتسم لها ليشجعها على الهبوط من السيارة قائلاً بلهجة لطيفة:- انزلي متخافيش.
نزل هو قبلها وفتح لها الباب.. ترددت في الأرجل فقال لها:- انزلي يا هنا غادة مستنيانا جوه.
شحب وجهها خوفاً من أن لا تتقبلها فقالت له:- طب مش كنت خلتني بالدار أحسن.
زفر منير قائلاً بهدوء ظاهري:- مش هينفع تكوني هناك… هنا هتكوني بأمان أكتر.
ترجلت من العربة ببطء… وصحبها إلى داخل المنزل يتقدمها حتى لا تخشى من قربه.
تلفتت هنا حولها بقلق شديد عند دخولها للبيت واستقبلتها غادة والإبتسامة العريضة تكسو وجهها… فقال منير برفق:- غادة أقدملك هنا اللي كلمتك عنها…
فغمغمت هنا وهي تمد يدها للتسليم عليها قائلة بنبرة خافتة، مترددة:- اسمي… اسمي الحقيقي ليال… ليال شوقي..
تعالى رنين جرس الباب بإصرار… تأفف بضيق وهو ينظر بساعته بنعاس شديد قائلاً بحدة:- ده مين المزعج ده اللي جابني من الصبح.
فتح الباب بضيق… وما أن رأى وجه الشخص حتى كسى الإصفرار الشديد وجهه وتصبب جبينه بالعرق وطار النوم من عينيه… ولم يمهله منير للتفكير الكثير أو التحدث إليه، بل باغته بلكمةً قوية في فكه…
قائلاً بغضب:- أنا هخلص عليك يا كلب.
يتبع..
لقراءة الفصل السادس : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
اقرأ أيضاً رواية مصيبة اقتحمت حياتي للكاتبة سارة سمير