رواية بنى سليمان الفصل الرابع 4 بقلم زينب سمير
رواية بنى سليمان الفصل الرابع 4 بقلم زينب سمير |
رواية بنى سليمان الفصل الرابع 4 بقلم زينب سمير
.. ! بداية حُـب ! ..
‘ حين تتلامس الأيادي فتندفي القلوب، اعرف ان هذا بداية حُب ‘
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_طيب وانا هكون مستنياك في المول .. متتأخرش
قالتها سلمي ثم اغلقت الهاتف، ثم تعالي صوتها وهي تخرج من غرفتها منادية لأبنها:-
_ادهم .. يلا ياأدهم علشان نمشي
جاء أدهم من غرفته سريعا، مرتديا ملابسه وجاهز علي أكمل وجه، قال وهو يقترب منها ويضع كفوف يده بين كفوفها:-
_هنروح الملاهي زي ما وعدتيني ؟
بدأت في هبوط درجات سلم القصر وهو بجوارها:-
_اها ، هخليك تلعب في ملاهي المول، بس لو متشقيتش وانا بشتري اللي عايزاه
اؤما بحسنا وهو يعطيها وعدا بألا يزعجها طوال فترة التسوق، عندما وصلا لأرضية البهو قابلوا منال في وطههم، كاد يقترب منها ليقبلها، إلا انها منعته و:-
_متقربش ياحبيبي علشان متتعبش، قولي رايحين فين بقي ؟
اجابها وهو يعود ليمسك بيد والدته من جديد:-
_رايحين المول
سلمي:-
_هشتري شوية حاجات وهخليه يلعب شوية
منال بنبرة هادئة:-
_طيب ياحبيبتي، اسيبكم بقي علشان متتأخروش
وفعلا صعدت نحو غرفتها، وتوجها الام والطفل نحو وجهتهم..
كانت سوزان في غرفتها تقف امام صورة لزوجها وتطالعه بحزن جَلي، كان السيد عبد الحميد شامخا دوما في وقفته، بطوله الفارع وجسده العريض، وقد اكتسب سليمان منه تلك الصفات، بالاضافة لبعض القسوة في بعض الأحيان، قالت بنبرة خافتة متألمة:-
_قولتلك الحرب هتقوم مصدقتنيش، اوعي تكون مقتنع بالسكون اللي في البيت دا ؟! دا السكون اللي بعده هتيجي عواصف ياعبد الحميد، واجد عينيه فيها نار مش قادر يخبيها، باللي انت عملته ولا حد هيقدر يطفيها، وسليمان مش هيقدر يقف في وشه علشان مش بنفس آذيته، سليمان ميقدرش يعور لحمه ياعبد الحميد، سليمان يعرف يحميه بس
أتنهدت وهي تتابع:-
_واجد مفكر انه لو قدر يثبت عدم جداره سليمان، وقتها الورثة هتتقسم بطريقة احسن، ميعرفش ان القسمة عمرها ما هتتغير، وان لو سليمان ماثبتش جدارته هو بس اللي هيتأذي
وضعت يدها علي قلبها:-
_قلبي وجعني اوي ياعبد الحميد، لسة الحقيقة المّرة واجعة قلبي، معرفاش كيف لدلوقتي سامحت منال علي عملتها ؟! معرفش كيف قادرة احس بنَفّسها معايا في البيت وهي سبب خراب حياتنا، معرفش اصلا اذا كانت فعلا ندمانة زي ما قالت ولا كدابة ؟ بس اللي اعرفه ان لو سليمان عرف اللي عملته هيقتلها ومش هيكتفي بكدة وبس
. . . * . . .
صـف سليمان سيارته أمام محل العطور الخاص بها، بعدما قد قرر بألا يفعل ويأتي، وجد نفسه يصف السيارة أمام المحل، لا يعلم سبب شعوره هذا، لكنه يريد ان يراها مرة أُخري، يطالع عينيها الفيروزتين بكل تروي وتمهل حتي يشبع من التطلع فيهما، ربما بعد دقيقة يشبع او بعد سنة ! فصدقاً التطلع لـ عيونها بلمعانهم الغريب يمنحك شعوراً بالزهول من جمال خلق الله
ترجل من السيارة وتوجه نحو باب الدخول، وقف أمامه بتردد، يسأل بداخل نفسه ‘ يدخل ام لا ؟! ‘
فكرة ان يأتي ويغادر دون ان يراها لم يستحسنها، فوجد نفسه يدفع باب الدخول الزجاجي ويدخل، فغمرته رائحة العطر النفاذة .. المعتادة
استنشق منها نفساً عميقاً واطلقه بتمهل، كانت هي في ذلك الحين بالمخزن، وهو عبارة عن غرفة صغيرة تصنع فيها عطورها وتحتفظ بالاخريات، بعيدا عن الغرفة الاساسية لـ العرض، عندما سمعت صوت دخول أحدهم تركت ما بيدها وتوجهت لـ الخارج، فتحت الباب وخرجت فأصطدمت نظراتها به، توسعت عيونها زهولا لمجيئه، رمقها بنظراته من رأسها الي أخمص قدميها كانت ترتدي كما الأمس فستان ربيع الألوان يلائم بشرتها البيضاء الناصعة، لكن غيرت تسريحة شعرها حيث جمعته ك ‘ كحكة ‘ كبيرة بمنتصف رأسها بطريقة عشوائية، يعمل علي ثبوتها قلم رصاص طويل، ابتسم بداخله لجمال طلتها البريئة الممزوجة بالتدلل
اقتربت منه وهي تهدف بمرح:-
_بالسرعة دي وحشتك عطوري ؟
أبتسم بدون شعور وهو يري بسمتها الناصعة أمامه، وأردف:-
_مقدرتش أنام من شوقي ليها
وكان يقصدها هي بعبارته، فلا يستطيع الكذب علي نفسه ويقول بأن تلك الفتاة لا تُؤثر به، حينها سيكون مخادعاً لنفسه وهو لم يعتاد ان يُخادع نفسه ابدا
مـدت يدها له:-
_كنت بعمل تركيبة جديدة، شـم كدا
مسك كف يدها ورفعه لـ أنفه، استنشق الرائحة، وجدها رقيقة ك رقتها، جميلة ك جمالها، مميزة ك تميزها، ورائعة بروعتها .. وجد نفسه يري جمال العطر بنظرته لها هي
اطلق زفره عالية وهو يقول ببسمة صدق:-
_مشفتش في رقتها
ابعدت كفها عن يده فوجد نفسه تضايق لأبتعدها عن كف يده وقالت بضحك:-
_تعرف انك رومانسي خالص !
عادت الجدية لملامحه و:-
_تعرفي ان الكلام اللي بقولهولك دا انا مستغرب منه اكتر منك ؟
بيسان بصدق:-
_مصدقاك
اقترب منها خطوة:-
_مصدقاني لية بقي ؟
اقتربت هي الأخري منه خطوة و:-
_زي ما قولت امبارح انت مبتتحنيش لـ الجمال، وخير دليل ملامح وشك القوية، دي ملامح فعلا متتهزش وتقول أي كلام علشان توقع غيرها، نظرات عينك صادقة مش خادعة
أبتسم لها، فعبارتها زلزلت كيانه أجمع، بعثرته بكل تهادي
لكي لا يزيد الأمر من خطورته، نفدت سريعا من امامه وهي تقول:-
_هروح أجبلك عطر، هيعجبك أوي
اختفت لحظات وعادت، بيدها قنينة عطر سوداء اللون، انيقة الشكل، منحتها له:-
_الازازة دي مميزة اوي، انا اللي عملاها، اتمني تعجبك
اخذها وفتح القنينة، قام بالرش منها علي يده، قربها لانفه ليستنشقها، فتغلغلت الرائحة لداخل ثنايا روحه بكل يُسـر، كانت قوية ك شخصيته، مميزة لـ الغاية، بها لمحة من الاثارة، فـلا شـك أن أي سيدة أذا اقتربت وقامت بشم ذلك العطر، ستسقط صريعة في حبه .. !
_تمنها كام ؟
قالها وهو ينوي ان يدفع فيها الكثير، فقد نالت علي اعجابه بشدة
_دي عربون صداقة
نطق بنصف عين:-
_صداقة !
صححت عبارتها:-
_صداقة بينك وبين المحل، بنربي زيون بعني
ضحك علي اخر جمله لها و:-
_طيب ياستي وانا قبلت الهدية
جاءه اتصال هام، فقال وهو يستعد ليرحل:-
_لازم امشي دلوقتي، بس اوعديني نتقابل
بيسان ببسمة خفيفة:-
_الوعود مش كلها بنقدر نوفي بيها، بس أديك عرفت العنوان، مش بغيب عنه في يوم
منحها بسمة بمعني ‘ الي اللقاء في موعد أخر ‘
فمنحته أُخري بمعني ‘ بانتظارك في اللقاء الاخر ‘
وبلا حديث تفهما الاثنان الرسالة الخافتة التي قالتها البسمة ونظرات العيون، لقد كانت زيارة تفتح معها ابواب كثيرة، لقد كانت تلك الزيارة ما هي ألا بوابة حُب جديد .. وبداية حُب جديد، نشأ وسيترعرع بذلك المحل عطري الرائحة..
. . . * . . .
جلست سلمي اخيرا علي مقعد في إحدي الكافيهات الموجودة بأحدي مراكز التسوق المشهورة، وضعت عدة حقائب علي مقعد أخر، وبالقرب منها كانت هناك لعبة يقوم ادهم باللعب عليها بنشاط ومرح، كادت ترن علي احدهم لكن وجدت صوته بالخلف يناديها وهو يقترب منها، التفتت له فوجدته زوجها واجد .. اخيرا قد أتي
وصل لها وحضنها حضن خفيف ثم أبتعد، جلسا علي مقعدين متجاورين وهو يسال:-
_اشتريتي كل اللي عايزاه ؟
أؤمات بنعم، فقال وهو يرفع يده ليطلب قدوم نادل لهم:-
_اكيد جعانة، استني اطلب غدا
قالت بصدق:-
_هموت من الجوع، من الصبح مأكلتش حاجة وحاسة اني هبطت
نظر لها بأشفاق لتعبها وارهاقها الواضح عليها، اقترب النادل فطلب لها ما تحب من طعام، ثم بدأ الأثنان في المسايرة بحديث ممتع خاص، فــ واجد رغم ما به من صفات سيئة إلا أنه بالفعل مُحـب لزوجته، عاشقا لها، متفهما لها، وهي تبادله تلك المشاعر بما هو أقوي، فقط لولا بعض الشرور التي بدواخلهم لكانوا عاشوا حياة في غاية السعادة أبـد الدهر
بعد تلك السهرة اللطيفة، عادا الزوجين الي القصر ومعهم ابنهم أدهم، وجدوا سليمان ينتظرهم في بهو المنزل وهو يقرأ في إحدي اوراق ملفاته، عندما لمحهم اغلق الملف ونظر لهم، نهض عن مقعده متوجها لهم
سليمان:-
_شرفتوا والله
واجد بنبرة ساخرة:-
_ياتري الباشا مستنينا لية ؟ مفكر نفسك بقيت كبيرنا فعلا ولازم تطمن علينا ولا اية !
نطق سليمان وهو يتجاهل النبرة الساخرة التي في حديث الاخر:-
_بعيدا عن اني فعلا كبيركم …
تطلت الي ما في يـد سلمي من حقائب عـدة:-
_انا عايز أسأل سلمي ازاي تسحب من حسابها سبع تلاف جنية من غير ما تقولي
حاوط واجد كتفي زوجته وهو يرد:-
_اديك قولت، حسابها يعني فلوسي وبالتالي فلوسها
سليمان بنبرة باردة وهو يشير براسه يمينا ويسارا:-
_تـوء، مش فلوسك، كلمة فلوسك دي كانت زمان، ايام ما مكنش في حساب، لكن دلوقتي كل قرش هيتصرف انا لازم اعرف راح فين وجبتوا بيه أية
واجد بنبرة بدأت في التعالي قليلا:-
_دا انت بتحلم ومصدق أحلامك بقي، اوعي تكون مفكر نفسك بما انك ليك النسبة الاكبر انك كبيرنا وليك حق تدخل في حساباتنا
سليمان بنبرة حادة:-
_ايوة ليا حق طول ما انا المسئول عن كل الفلوس والأملاك دي، وانا اللي هتأذي لو نقصت ومعرفتش اعوضها، ايوة ليا حق علشان الباشا حضرتك مبتعملش بتمن الفلوس حتي، انا لو قست مجهودك باللي مراتك مشترياه دا، فهقسط تمنه علي شهرين وأكتر، انت بتروح مكتبك تنام، مش هاين عليك تشتغل حتي، وفي الاخر عايز تقبض وتصرف براحتك ! يابجاحتك ياخي
انقض واجد علي سليمان يمسكه من ياقة قميصه البيتي وهو ينطق بعنفوان وغضب:-
_انا اللي بجح ولا انت اللي بجح ؟ انت اللي كوشت علي كله وبقيت مفكر نفسك سليمان باشا الاصلي، باصص في سبع تلاف جنية وفي جيبك بس مليارات !
تجمع الجميع علي صوتهم العادي، سلمي التي كانت ما زالت بجوار واجد، تدخلت لتفض بينهم، لكنها لم تستطيع، حيث نفض سليمان يـد زوجها بعيدا عنه، وقام هو بقلب الحال وامسكه من ياقته وهو يصرخ:-
_ما انت كمان في أيدك نفس المليارات دي، باصص في اللي في ايدي لية ؟ عينك مش شايفة غيرهم لية ؟ علشان زايد عنك شوية ! اشتغل معايا وهات زيهم واكتر مش تروح تنام علي مكتبك بـ هـم زي النسوان
لكمه واجد بقوة وهو يصرخ:-
_علشان كل اللي في ايدك دا كان لازم يبقي ملكي، انا الكبير مش أنت
سليمان وهو يلمس مكان اللكمة بسخرية:-
_الكبير كبير بمقامه مش بسنه
واجد بنبرة نارية:-
_عايزني اشتغل ؟ انا هشتغل ياسليمان ومش هسكت غير لما شغلي دا يوقعك ويجيب اخرك انت ومجموعة سليمان، ووريني هتقف بعدها ازاي ؟
تركه سليمان وتوجه لـ الدرج ليصعده وهو ينطق بسخرية:-
_أعلي ما في خيلك .. اعمله
اقتربت سلمي من واجد، كادت تلمس كتفه الا انه انتفض مبتعدا عنها، متوجها نحو باب القصر لـ الخروج وهو ينطق بنبرة فائرة:-
_ورحمة ابويا وابوك ياسليمان ما سايبك، وربي لاجيبك الارض
وبقيت الوجوه تنظر لبعضها بقلة حيلة وتمعض، والوجع علي أحوال الاحفاد بداخل قلب سوزان يزداد تدريجيا فـ تدريجيا
. . . * . . .
مـرت أيام الأسبوع حتي وصلت ليوم الخميس بسرعة لـ الغاية، لم يـري فيهم سليمان .. بيسان مرة أُخري لكن هذا لايمنع أنها لا تغيب عن باله قـط، كانت اعماله في تزايد، وانشغالاته تتكاثر، تدافعت عليه التعاقدات والصفقات حتي بلغت منتهاها، فلم يعـد في يومه وقتاً لـ المرح، ما زال واجد لا يعمل بشركات سليمان، لكن ما زال تفكيره وتخطيطه يعمل ولا يهدأ، يوم الخميس كان من المفترض أنه يوم حفل زفاف شقيقه ناني التي تُدعي ‘ أنجي ‘، لـذا في منزل بيسان بذلك الوقت الذي كان بالسادسة عصرا، كانت تقف أمام مرآتها تتزين بأدولت التجميل التي هي حقا في غني عنها، بينما هي تتكحل بالكحل الاسود، ارتفع رنين هاتفها.. تركت ما بيدها وتوجهت له، فوجدت المتصل هي ناني
بيسان بعدما اجابت عليها:-
_ايوة ياناني، انا قربت أخلص، هخلص وهطلع علطول، تمام نتقابل هناك
في مكان أخر، قال واجد لأحدهم بنبرة فحيح افعي:-
_انا فضتلك المكان، وانت عليك التنفيذ..
صمت لـ لحظة ثم تابع:-
_لازم تنفذ انهاردة، مش كل يوم المكان هيفضي.. سامع ؟
وبالأخير اغلق مع المتصل ورمق شرفة سليمان الساطع ضوءها من مقعد الحديقة الجالس عليه بتشفي وهو يهمس بداخل نفسه:-
_ولسـة ياسليمان، ولسـة
بغرفة سليمان، انتهي من تجهيز نفسه ليحضر نفس حفل الزفاف، بكونه من نفس وسـط العريس ‘ وسـط رجال اعمال ‘ ومعزوم علي زفافه بدعوة خاصة لا يستطيع رفضها، انتهي من تحضير نفسه، نظر لنفسه نظرة رضي أخيرة ثم توجه لـ الخارج، نحو الحفل
بتلك اللحظة كانت هناك أيادي تتجهز لتنفيذ أوامر واجد باشا، تُـري ما هي اوامره ؟
يتبع..
لقراءة الفصل الخامس : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية ابن الجيران للكاتبة سهيلة سعيد