روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السادس والخمسون 56 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السادس والخمسون 56 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء السادس والخمسون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت السادس والخمسون

غوى بعصيانه قلبي 2
غوى بعصيانه قلبي 2

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السادسة والخمسون

✨الفصل السادس والخمسون ✨
(26) ج 2
هناك عداء كبير بين الطب والحب …
الطبيب الذي نجح في إجراءِ أخطر العمليات الجراحية بمهارة فائقة ، حتى الآن لم ينجح في مداواة قلب عاشق بعد …
-لا ينبض القلب إلا لعاصٍ 💥
•••••••
( الجزء الأول من الفصـل )
••••••
~في الفنـدق .
-عاصي بيـه ، وصلنـا ..
رد عاصي بصـوت مُفعـم بالنـوم ، منخفض كألا يزعج حوريتـه النائمـة على كتفـه .. فأكتفى بكلمة واحدة :
-نازلك ..
ترك هاتفـه على الكومود بجواره .. وسحب ذراعه بحذرٍ وهو يشد الغطاء فوقها .. فتمسـكت بيده بدون وعي ولكن قلبها المتيقظ له دائمًا وسألته :
-عاصي ، رايـح فين ؟!
مسح على شعرها برفق وقال بخفوت :
-شـويـة وراجع لك .. نامي .
تسلل من جوارها وأخذ يقفل في أزرار قميصـه بهدوء حتى انتهى من ارتداء ملابسـه الموضوعة على مسند الأريكة .. قفل نور ” الأباجورة ” وأخذ هاتفـه ومفاتيحـه ونزل لاستقبال الفندق ..
“ما تَعلمته من أيامي الصعبة هو أنها سَتمضي مهما وقفت أمامها بقلة حيلة وعجزٍ .. و أن القوة وحدها هي رَد الفعل الذي لا نَدم بعده مهما كانت عاقبته …
وأن الأيام المُعتمه مهما طالت فلابد من شروق الشمس عليها ..
وإلى أن يأتي ذلك اليوم ، فلم أعد أنا تلك الفتاة اللينة الرخوة التي تنحني أمام رياح الصعاب ، أن حلت فلن تَجدني أحتضن نفسي خائفة قرب سريري في الظلام بل سأكون في استقبالها بكامل حُلتي وأحسن ضيافتها وأقفل الباب خلفها بصمت .. أصبحت لست بشبح يهابه قلبي ، لقد أعتدتها وأعتدت قسوتها .. ”
تجلس عاليـة على طرف المقعد تفرك كفيها وقدميها ببعضهم حتى رفعت عينيها لنجيب وقال بتردد :
-ممكن الموبايل !! عايزة أعمل مكالمة ..
نجيب الواقف بمسافة كبيرة جوارها ، رد برسميـة :
-آسف ، معنديش أوامر أن حضرتك تكلمي حد ..
تأففت عالية بضيق وغمغمت باعتراض :
-ماله ده كمان !!
فُتح باب المصعد فظهر منه عاصي ، فاندفعت نحوه كاندفاع عطشان على بحيرة الماء حتى ارتمت بين ذراعيـه كمن وجد مأواه .. استقبل أختـه بلهفـة وقبل رأسها وأخذ يربت على ظهرها بحنان :
-عاليـة أنتِ كويسـة؟!
دفنت رأسها بصدره ، وحركتها يمينًا ويسارًا ، وكسا البكاء نبرتها :
-كنت خايفة أوي يا عاصي ..
أخذ يمسح على رأسها بشفقـة حتى قال :
-حقك هيرجع من ولاد ***** دول .
ابتعدت برأسها عنه وسألته :
-مين دول يا عاصي ؟!
ربت على كتفيها وقال :
-متشغليش بالك .. اطلعي ارتاحي دلوقتِ ..
فأردفت بتوجس :
-عاصي .. مراد فين ، عايزة أكلمه اطمنه ، آكيد بيدور عليا ..
رد بنبرة انتقام :
-منا عايـزة يدور .. ولا هو فالح في الخطف وبس !
تبدلت نظراتها المرتجفـة إلى نظرات إعتذار حتى قالت باستحياء:
-متزعلش مني ، أنا آسف .. بس .
-مش وقته الكلام ده يا عاليـة .. البيبي بخير تحبي نروح لدكتور !
تجمدت الدماء بعروقهـا وصمتت طويلًا لتبتلع عواقب كذبتها ، فاكتفت بأصدار إيماءة خافتـة وقالت :
-مفيش داعي ..
-طيب يا حبيبتي ..
ثم أشار لأحد عاملي الفندق وبأشارة منه فهم الرجل مهمته بتوصيلها لغرفتهـا .. أما عن عاصي فأشار لنجيب أن يتبعه لأحد مقاعد الفندق .. جلس الاثنان يتبادلان الأحاديث المتوارية بينهم حتى حسـم عاصي الحوار الطويل بينهم قائلًا :
-عرفت هتعمل أيه !!
رد بطاعة :
-تمام معاليـك ..
فوثب عاصي قائمًا وقال :
-كل الفلوس اللي هتحتاجها هتكون في حسابك الصبح ، المهم يا نجيب مش عايز دليل واحد علينا ، مفهوم ؟!
وقف نجيب هو الآخر وسأله :
-بس هاشم مدكور من أمتى بيتحالف مع ممدوح علم !! وهيستفيدوا أيه من خطف الهانم ، أنا مش مرتاح للموضوع ده كله ..
أجابه عاصي بثبات :
-واضح أنه تحالف أعداء .. نفذ أنت بس وبلغني أول بأول .. اطلع ارتاح والصبح هنفوق لولاد الـ*** دول .
-تمام معاليك ..
تحرك ” نجيب ” إلى استقبال الفندق .. واتجه عاصي إلى المصعد ، وهو يرد على هاتفه الذي لم يتوقف رنينه ، فأجاب متأففًا :
-أيوة !!
-آسف معاليك إني بتكلم في وقت زي ده ، بس ياباشـا في اتنين هنا وبيقولوا أن ده بيت أبوهم قنديل المصـري ..
جاءه صوت الحارس محملًا بالإعتذار ، فاستقبل عاصي رسالتـه بحماس :
-متأكد !! مش اتنين بيشتغلوكم !!
-نتصرف معاهم ازاي معاليك ؟!
فُتح باب المصعد الكهربي أمام الطابق المقصود ، فجهر عاصي قائلًا :
-خليهم يدخلو البيت .. وعاملوهم كويس .. وعايزك تتأكد من الصور المتعلقة إنهم نفس الاتنين اللي معاك .. والصبح هقول لك تعمل معاهم أيه ..
-اللي تأمر بيه يا باشا ..
تحرك عاصي ناحية غُرفـة عاليـة أولًا ولكنه تردد في إزعاجهـا وتراجع في آخر لحظة عائدًا إلى غُرفته .. دلف بداخلها ونزع حذائه وتجرد من ملابسه بهدوء كي لا يزعجها .. فاقترب منها ووجد الغطاء بالأرض وباتت تتوسط فراشهم كطفلة شقيـة تمرح في نومها .. اشعل النور الخافت وتناول اللحاف المتكوم أرضًا ولكنـه توقف إثر انعكاس الأضواء الصفراء على تفاصيلها العاريـة .. وشعرها المتدلي المُحدث أكبر فتنـة بقلبـه ..
مدد بجوارها وأخذ يداعب شعرها بشـوق يملأه ولهيب من المشاعر المتوقـة إليهـا .. هي أعمق من أن يستحقها شخصٌ سطحي، أكثر حنيّةً من أن يعرف أهميتها شخصٌ قاسٍ، تشبه الكم الهائل من الأحلام التي لا تتحقق في حياة المرء إلا مرةً واحدة…
تدلى ليشفى عليـل روحه منها ، نثر عطر قُبلاته فوقها بحنان زاخر .. تململت في فراشها بخمول متمتمة باسمه :
-عاصي !!
-قومي ..
-في حاجة ؟!
غمغم بلهفة :
-وحشتيني ..
ابتسمت بحب وهي تنهض مرغمة من نومهـا واستندت على كتفه .. وسألته :
-عالية وصلت ؟!
-ااه جات ، وسبتها عشان تنام ..
تمتمت بصوت مفعم بالنوم :
-الحمد لله أنها جات بالسلامـة ..
كاد أن يبدأ جولة جديدة من احتياجات قلبـه لتروي مرارة يومه .. فباغتته بسبابتها ترسو على شفتيه وتقول بدلال :
-هاخد شاور وأجيلك ..
-متتأخريش ..
أجابته بدلالٍ :
-مش هتأخر .
نهضت من جواره واتجهت إلى المرحاض لتنهي مهمتها .. أما عنه فنهض وأخذ يتجول بالغُرفة وينثر على جسده الكيثـر من العطر ويعد تصفيف شعره .. فالتفت إلى هاتفه المُضيء .. فـ رد على المتصل قائلًا :
-عملت ايه ؟!
رد الحارس قائلًا :
-عاصي بيـه ، نفادي مصمم يقابلك ..
-عايز أيه ده كمان !’
-بيقول كلام مهم مش هيقولوا غير لمعاليك .. اعمل أيه ؟! اسلمهم للشرطة ولا تسمعه الأول ..
فكر للحظة ثم قال :
-طيب ، الصبح هاته على القصـر .. نشوف وراه أيه ده كمان ..
-أوامرك يا باشا ..
جلس عاصي على المقعد الخشبي وظل يتابع بعض الأخبار ويرسـل العديد من الأوامر والتعلميات لـ رجاله .. وأخذ يفكر طويلًا فيما سيفعله وكيف سيتخلص من أعدائه في ضـربة واحدة .. مرت قرابة النصف ساعة فقفله هاتفـه ورماه بملل واتجه ناحية الثلاجة وأخرج منها زجاجة عصيـر وشرع في ارتشافها .. في تلك اللحظة خرجت ” حياة ” من المرحاض تلف المنشفة البيضاء حول جسدها الممتلىء قليلًا .. وبروز بطنها الأشبه بانتفاخ بسيط .. أخذت تصفف شعرها الجاف من المياه وهي تراقب نظراته وتحركاته بالمـرآة .. حتى تقابلت أعينهم فقالت بإعجاب وهي تتأمل تفاصيل جسده الرياضي :
-أيه الحلاوة دي !!
ألقى الزجاجة الفارغة بالسلة .. واقترب منها وضمها من الخلف وأخذ يدس قُبلاته المتلهبة بكتفها وجدار عنقها بهيام سلب عقله .. ظلت تراوغ تحت يده بآهات الشـوق والحب ثم قالت بشجن :
-لما فتحت عيني .. فضلت ابص في الوشوش حوليا بدور عليك فيهم ، لأول مـرة أعرف يعني أي خوف من وقت ما قابلتك .. أنا آسفة كان لازم اسمع كلامك ومخرجش من البيت ..
ثم دارت تحته يده وأكملت بكلمات محشوة بأنين اللوعـة وهي تعانقـه :
-عمري ما اتخليت إن ممكن يجي اليوم اللي أكون ملهوفـة فيه على حد ، زي ما أنا هتجنن عليك كده .. أنت متعرفش وأنا بين أيديك ببقا طايرة أزاي ..
‏رغم برودة الشتاء بالخارج إلا أن الاثنين تحولا لجمرتين في موقد الحب نشيعُ دفء هذه الحكاية على الساهرين .. ظل يتراجع الثنائي بخطوات متناسقة ومازال صامتًا يذوب في بحر حبها العميق لم يُجب على شهد كلماتها الأ بالقُبل .. ثم ترجته بقلبها الملتاع بأن يكف عن تلك المشاعر الجنونية التي عصفت بكيانهـا هامسـه باسمه بنبرة يعلمها جيدًا :
-عاصي .. !!
حملها في تلك اللحظة بخفـة كي ينال من حبها مثلما يروق له ولكنه في تلك اللحظة تأوه متوجعًا :
-اااه ..
فاقت من غيبوبة عشقها وسألته بقلق :
-مالك ..؟! ايه بيوجعك ..
تغلفت نظراته بالمكر وهو يمسك بكتفه :
-شد عضل في كتفي يا حياة ..
-طيب اقعد ارتاح .. ده بيجي لك كتير ؟!
جز على فكيه :
-لا دي أول مرة ..
-طيب اجيب لك فوطة سخنة .. ممكن اخدت برد ولا حاجة .. طيب هو في الفندق آكيد في دكتور ..
مدد جسده على الفراش مستندًا على الوسادة خلفه بآهات مزيفـة :
-هبقى كويس دلوقتِ ، غطيني بس لما أنام وادفى هيفك ..
شدت اللحاف فوقـه بقلق ورفعت الوسادة من خلفـه وقالت :
-نام كويس طيب ، بلاش النومة دي ..
-هنام أهو … غطيني بس ..
حُقن وجهها بدماء الغضب :
-عاصي ، أنت هتنام وتسيبني !
أحتج قائلًا :
-ااه يا حبيبتي مش قادر .. كتفي قافش أوي .
زفرت بامتعاض ينبعث من بين فكيها المنطبقة بغلٍ :
-طيب ، نام يا عاصي .. نام .
-متزعليش .. غصب عني الوجع صعب أوي ..
أحكمت قفل المنشفة حول جسدها ولبت طلبه ثم قفلت الأنوار وقبلت رأسه قائلة بغضبٍ دفين “لا سلامتك يا حبيبي ” ثم عادت مرة آخرى لتأخذ حمامًا باردًا ربما ينجح في إخماد تلك النيران التي أشعلها رجل الحب بجسدهـا …
••••••••
~فجـرًا ..
‏”كنت أحزن فحسب، الآن أحزن وأخاف، وليس هنالك أرعب من أن تواجه شعورين ليس بمقدور أي منهما إزالة الآخر.”
تحاول شمس مرارًا وتكرارًا الاتصال بتميم ولكن دون جدوى .. وكذلك كريم لم يتوقف عن البحث و مهاتفة أخيه ، أقبل نحو مجلسهم بآسف :
-مفيش خبـر ، كأنهم اتبخروا .. أنا بدأت أقلق ..
قفلت نوران كتاب الفيزياء بيدها وقالت بحيرة :
-مش طبيعي كلهم يختفـوا كده ..
أمسكت شمس برأسهـا من شدة الصداع :
-أنا مابقتش عارفة أفكر .. ولا اتصرف ، في عالية ولا تميم ومراد .. ولا حياة وعاصي ، هما لو عايزين يجننوني مش هيعملوا كل ده ..
تنهد كريم محاولًا تهدئتها :
-إن شاء الله خير .. اهدوا بس ..
ختم صوت رنين الجرس جملة كريم الأخيـرة .. فركضوا جميعهم ناحية الباب الذي فتحه كريم فوجد أمامه مراد وتميم وهم في حالة لا توصف .. حيث ذراع مراد الملتف بالشاش والمعلق برقبته .. وعين تميم المتورمة .. وساقه التي تؤلمه كثيـرًا أثناء الحركة .. فشهقت شمس مفزوعة وهي تندفع نحوهم وتفحص عين تميم :
-مين عمل فيكم كده ؟!!!
استند تميم على يد شمس وقال متأوهًا :
-شوية بلطجية خدونا على خوانة .. بس أسالي مراد أحنا علمنا عليهم كلهم.
ردت شمس بنبرة مبطنة بالسخرية :
-ااه ماهو باين أهو ..
ضحك مراد متأوهًا من ألم ذراعه :
-طبعا علمنا عليهم .. هو جوزك بس اللي بيحب يدخل الخناقات بوشـه ..
نوران بتلقائية :
-ما تقولوا أنكم اضربتوا !! أيه الافلام دي كلها !
حدجها تميـم :
-أنتِ منمتيش ليـه لحد دلوقتِ !! روحي نامي..
تدخل مراد وهو ينزع رابطة ذراعه ويحركه ببطء :
-مفيش أخبار عن عالية ؟!
تدخلت نوران باندفاع :
-يووه دا أنت متأخر أوي حصلت كوارث وأنتوا ببتروقوا .. بص هو بنسبة كبيرة عاصي وصل لعالية بس مش عايز يقولنا ..
مراد بلهفة :
-عرفتي منين ؟!
ردت بثقة :
-لا دا استنتاج عادي .. أصلـووو ..
فقاطعتها شمس بحدة :
-خلاص يا نوران ..
كادت نوران أن تجادلها ولكن صوت رنين الهاتف المنزلي جمع الحشد حوله .. رد كريم بلهفة :
-الو ..
حتى صاح فارحًا :
-عاليـة .. أنتِ كويسـة ؟!!
مجرد أن سمع اسمها خفق قلبه بلهفـة وهو يشد السماعة من يد أخيه :
-عالية .. انت فين ، طمنيني .. انت كويسة !!
انبثقت الدمـوع من طرف عينيهـا وهي تضغط على الهاتف الخاص بالفندق بقـوة :
-مراد .. كلمتك كتيـر مش بترد ..
رد مشغوفًا :
-عالية ، أنتِ فين هجيلك .. انا هتجنن عليكي من الصبح .. فيكي حاجة طمنيني ..
مسحت عبراتها المتساقطة :
-انا مع عاصي متقلقش ..
احتدت نبرته بإصرار :
-فين يا عالية !!
توسلت إليه :
-عاصي رافض أعرف حد مكاننا .. مراد متزعلش مني ..
تدخل تميم متسائلًا :
-في ايه يامراد .. طمني عليهـا هات أكلمها ..
تجاهل مراد طلب تميم وقال بحدة :
-أنتِ فاكرة مش هعرف أوصل لك !! بس اشتري خاطري يا عالية وقولي أنت فين ..
سالت الدموع من عينيها وهي تتفوه بنبرة متحشرجة :
-أنا محتاجة لك أوي يا مراد ..
حن قلبه لأجلها وقال متوسلًا :
-عالية ، أنا هتجنن عليكِ .. قوليلي أنت فين ..،
فكرت لبرهة لم يتوقف فيها مراد عن التوسل إليها حتى طاوعته قائلة :
-أحنا في فندق ” __” في زايد .
رمى الهاتف في يد تميم وهرول مسرعًا ليُغادر القصـر حاول ان يلحق به كريم ولكن بدون فائدة .. تنهدت نوران بارتياح :
-ااه لو تسمعوا لنوران بس .. مش أنا قلت عاصي ده هو رأس الأفعى الكبيرة..ومش مرتحاله !
نهرتها شمس بحدة :
-نوران .. عيب كده !
شوحت بيدها وهي تغادر و تجمجم سرًا :
-أنا هيجي لي الضغط من ورا حوارات البيت ده ..
ثم جهرت :
-سلامتك يا تيمو ، تعيش وتاكل غيرها ..
زفرت شمس بضيق :
-شايف !!
تميم بهدوء :
-خلاص يا شمس ، يالا عشان أنا كمان محتاج ارتاح ..
•••••••••
‏أبحثُ عنّي، ولا أجدني. لقد أدركتُ، في إلهامٍ خاطفٍ، أنّني لا اتوهج إلا معك ولأجلك ”
وصل مُراد الفندق في تمام السـاعة السادسـة والنصف صباحًا .. كانت عالية قد غفت على مسند الأريكة من شدة التعب .. فتحت عينيها على صوت رنين جرس الباب الواقف خلفه مراد والذي اضطر إلى حجز غرفة إضافية كي يُتاح له دخوله للفندق .. وثبت عالية بتكاسل متناسيـة أمر مراد تمامًا وخمنت بقدوم عاصي للاطمئنان عليها .. فتحت الباب وما أن وجدته أمامها صرخت متعلقـة بعنقه وهي تهتف باسمه باكيـة :
-مرااد !!
انزاح شعورها الحارق بتنهيدة قـوية رُدت في صدره وهو يحملها قليلًا لترتفع قدميها عن الأرض متشبثة ملابسـه .. غرزت أصابعها العشرة بجاكته وقالت باكية :
-كان كابوس .. كابوس صعب أوي يا مراد ..
‏في لحظةٍ ما، لابدّ للتعب أن ينجلي وأن يستريح القلب وينعم في شعور آمن ومطمئن .. دلف إلى الغرفة ببطء ولازالت معلقـه بحضنه كالطفلة التي عثرت على والدها للتـو .. ركل الباب بقدمه وطوق خصرها بقوة وهو يملأ صدره من رائحتها :
-كنت هتجنن عليكِ .. كنت ماشي من غير عقل ، تايه محتاج حد يقول لي أعمل أيـه وأروح فين ..
أمطرت سُحب حزنها على كتفـه :
-كنت أكتر حد بفكر فيـه .. ومحتاجة اطمنه عليـا .. كنت حاسـة أن جوايا فاضي وروحي خايفـة محدش هيطمنها غيرك ، مراد متبعدنيش عنك .
جلس مراد على الأريكة واتخذت عالية من رجليـه مقعدًا ، تراقصت النظرات والتنهيدات بينهم حتى استسلمت واسترخت على كتفـه نائمة .. أخذ يغازل خصلات شعرها بحب ثم قال :
-عالية احكي لي كل ده حصـل ازاي ..
استقر كفها الأيمن فوق قلبه النابض بحبها وأجابته :
-صدقني مش فاكرة أي حاجة غير إني فتحت عيني على مكان كله ضلمة واصوات رجالة مرعبة .. وكلاب .. بس كان عندي إيمان ويقين أن ربنا معايا وعمره ما هيسيبني ..
طبع قبلة طويلة على جبينها :
-طيب قوليلي عرفتي مين دول !
-لا .. بس عاصي عرف ..
كان كل شيء به يبض حتى حنجرته التي تخاطبها لم تخلُ من نبرة اللهفة .. أخذ يضرب الأرض بقدمه بثبات تحت سطو تفكيـر ، فتمتمت :
-عاصي قال هيتصرف .. متشغلش بالك .
-مشغلش بالي ازاي يا عالية ؟! أنتِ مراتي وفي حمايتي وأنا مسئول عنك وعن أي حد يفكر يتعرض لك ..
-أنا فاهمة والله .. بس ممكن نأجل كلام في الموضوع ده .. خليك معايا وبس ..
ضمها إليه أكثر وقال :
-أنا معاكي وعمري ما هسيبك يا عالية .. لازم تعرفي كده كويس ، أنتِ ليـه مكنتيش عايـزة تعرفيني مكانك !
-عاصي عايـز كده ولو جيه هنا ولقاك هتحصل مصيبة ، بس مهنتش عليا وكنت هتجنن عشان أوصلك ..
‏يحدث أن يخرج شعورك ‏من عينيك ‏لأن داخلك لم يعد
‏يتّسع حمله .. انخفضت نبرتها وهي تسأله :
-وحشتك !!
تنهد بصوت مسموع وهو يمسك بذقنها ويرفع وجهها إليه :
-أنا كنت ضايع من غيرك ..
ثم فرغ العديد من القبلات بداخل كفهـا وبيده الأخرى التي تناسى وجعها لملم شعرها جنبًا ليملأ بأنفاسه الجانب الأخر ، فانخفضت جفونهـا بخجـل وهي يستشعر ضربات قلبها المتسارعة ويعترف :
-عاليـة أنا ما صدقت لقيتك ، ومش هسمح لمخلوق يبعدني عنك ..
تقلصت المسافة بينهم وهي تخبره بنبرة خافته ولكنها كانت كافيـة لاشعال النيران بصدره :
-وأنا كمان ما صدقت لقيتك ..
رد على جملتها بقُبلتين متتاليتين حتى طرق باب قلبها مستأذنًا :
-آسف معرفتش احميكي .. بس سيبيلي نفسك وهنسيكي كل اللي حصلك النهاردة
غمغمت بتمنع :
-مراد لازم تمشي .. وجودك هيعمل مشكلة ..
كان لسانها يحمل الرفض وعينيها تترجاه أن يعانقنها كي يُمارسا الحُب كله في ليلةٍ واحِدة ، أن يسدل سِتار القُبلاتِ على روحها المرتعدة للأبد .. لبى نداء عينيها وحملها بين يديـه واتجه إلى فراشها الذي لم تجلس عليـه قط .. فتوسلت إليـه :
-طيب حبة صُغيرين وتمشي ..
رد تحت مُخدر سُكرها :
-حاضـر .. لما تقوليلي أمشي همشي ..
استسلمت السمكة لصيادها بكامل إرادتها .. تحول حبـه لأول مرة كسائل على جسدها كمن اعتصـر الورد فوقـه .. تتلوى السمكة على شط الهوى محاولة بائسـة منها في البحث عن الماء التي تروي روحها .. فصرحت بأهات ملتاعـة وهي تدفعه للوراء بترجي :
-مراد امشي عشان خاطري ..
رفع رأسه الغارقة في شعرها وملامحها ولكنها اندفعت وهي تعانقـه بلهفة يملأها الحنين على الإستحياء كغصن فـ الحديقة يحاول أن يُثمر عن جميع الأغصان حتى يدنو من الكرسي الخشبي أمامه .. بأنين العشق :
-لا متبعدش ، خليك ..
وقع بغرام تلك اللحظـة وفزّة العين ولهفة القلب اللي سيطـرت على رُوحها جعلته يحبها أكثر مواصلًا الطريق لامتلاكها وإطفاء لهيب النار التي ظلت تأكل في قلبه لساعات طويلة .. شكل من أشكال مكاسب الحياة أن تعيش الحب مع من يشبهك …
••••••••
” التاسعة صباحًا ”
“لم تكن أنت الغاية في البدء.. لكني وجدتُ فيك ما جعلني أتخلّى عمّا كنت اكتب عنه .. ”
انتهت حياة من إعادة إرتداء ملابسهـا ورفع شعرها على هيئة ذيـل حصان بعد قضائها بقية الليلة بمفردهـا .. ثم عادت إليـه لتوقظه بهدوء ، بدأت أن تمرر أناملها بين جدائل شعره بدلالٍ منادية باسمه :
-عاصي .. ممكن تصحى بقى وكفايـة نوم ..
شد كفها الذي يعزف على أجراس شعره إلى ثغره وطبع بداخله قُبلة طويلة فتبسمت :
-صباح الخير .. قوم بقا عايز اطمن على عاليـة ومش عارفـة رقم أوضتهـا ..
اعتدل من نومتها بتكاسـل :
-هي الساعة كام دلوقتِ ؟!
-الساعة ٩ .. قولي كتفك عامل أيه أحسن ؟!
طافت عينيـه بمكر وهو يتصنع الألم :
-ااه كتفي !! لسه بيوجعني يا حياة .. معرفش أي حصل فجأة .
-تحب نروح لدكتور ..
-لا هو هياخد وقته ويفك لوحده ..
ثم رفس الغطاء بقدمه ونهض من مكانه متجهًا إلى الطاولة الموضوع فوقها أبريق الماء .. ارتشف القليل منه ثم عاد إليها :
-هاخد شاور وهننزل ..
-ماشي ، تحب اساعدك ..
-لا خليكِ ، عشان هدومك والميـة ..
أخذت تتأمل تفاصيل المنحوتة على يد رسام وهو يتحرك أمامها متجاهلًا النظر إليها ولكنه قرر أن ينتقم لرجولته من تدللها الذي يعيث فسادًا بقلبه النابض بالشوق لها دومًا .. أخذت تفرك كفيها باضطراب واضحٍ وتقلصات ببطنها تعلن شوقها إليها الذي بات لا يُحتمـل .. أحست بالدوار فجأة وانقباض معدتها ، فركضت بسرعة مقتحمـة الحمام للتتقيء .. أخذت تسعل بقوة بالمرحاض وهي تتأوه بألم ظل رفيقًا لها كل صباح ..
قفل صنبور المياه … وشد المنشفة التي حاوط بها خصـره ومال إليها :
-اطلب لك دكتور !
شدت القليل من المناديـل الورقيـة وجففت ثغرها ، وتلقى عبراتها بابهامه وهي تميل برأسها على صدره :
-لا ده طبيعي .. متقلقش .
-طيب تعالى ..
حملها بين يديـه وعاد إلى الغرفـة .. أخذت تلتقط أنفاسها بصعوبـه حتى هدأت تدريجيًا .. تحركت أناملها الرفيعـة فوق صدره القوي وهي ترمقه بعيني تتلهفه .. كمن يراقب قمر السماء في ليلة باردة والشَوق يلَفَحها ، حتى دق قلبهـا مشتهيًا متى تَنقَضِي المَسافات ويَلِف الحُبُ ثَغرِي فَوق ثَغرِك !!
وضعها برفق في منتصف فراشـه وسالها باستغراب :
-بتبص لي كده ليـه !
لم تكن امرأةً هشة، ولن تظن يومًا بأن الحب سيهزمها ، انها لستُ من النوع الذي يغلبهُ هواه ولكن الأمر كلهُ أنه هو أمامه تُكسر كل قواعد تمردها .. رفعت حاجبه مستغربة :
-أنت مش كان كتفتك واجعك ؟!!
اتسعت ابتسامته الماكرة وقال محتجًا :
-تلاقيـه فك من الميـه .. !! أنت كويسة ؟!
يبدو أنها هضمت أكذوبته بمزاجها وأدركت أنه أراد رد الصاع صاعين متعمدًا اللعب بمشاعرها .. كاد أن يفارقها ولكنها أوقفته قائلة :
-عاصي .. أنتَ زعلان مني !
-ليه بتقولي كده ؟!
-شوف أنت ؟!
تحمحم بخفوت :
-اطلب لك حاجة دافية ؟!
-لا هابقى أخلى سيدة تعملي وصفـه من بتوعها ..
شرع في ارتداء ملابسـه متعمدًا إظهار تفاصيله المغرية لأي فتاة ، فما ستفعله بقلب فتاة تحمل بين أحشائها قطعة منه .. وضعت كفيها على بطنها وهي تفكر في سبب انعدام اللهفة إليها .. وتعمده بتجاهل مشاعرها الفائضة من عينيه ، حتى زفرت متأففة بكللٍ ، فنظر إليها وهو يطالع طفلته التي غلبتها الحيرة وقال :
-مالك ؟!
انفعلت بنفاذ صبر :
-مفيش ، ويالا عشان نروح لعالية ..
لف الحزام الجلدي حول خصـره وقال :
-الأوضة اللي قُدامك على طول ، روحي وأنا هحصل لك ..
ثم توقف وسألته :
-أنت هتعمل أيه معاها هي ومراد !!
رد متوعدًا :
-هطلع عينه ابن جيهان ، بس افوقله ، وحياة أمه ما هخليـه يلمس منها شعرة .
-ليه بس ، عاصي اختك بتحبه !
رد باعتراض :
-لو فتحت بؤها هديها على دماغها هي كمان ..
-ده بجد !! انت هتعمل كده ؟!
أخذ يقفل أزرار أكمامه وهو يقول بحدة :
-عشان يخطفها تاني من ورايا ولا كأن ليها أهل .. ده أنا ناوي له .
ضربت كف على الآخر قبل أن ترحل :
-حرام عليك بجد !! ايه ده ؟!
سارت على مضض وتركت الباب مفتوحًا خلفـها .. قفزت عالية من نومها بين ذراعي حبيبها صارخة وهي ترجـه بخوف :
-يا خبر أسود ومنيل … مراد مراد قوم بسرعة ..
فتح عينه مصروعًا :
-ايه في ايه ؟!
نهضت بسرعة جنونية وأخذت تلملم ملابسه المبعثرة وأشيائه وتثرثر :
-البس بسرعه .. عاصي ، عاصي بيخبط !!
نفذ أوامرها بعجـل بدون وعي أو إدراك لما يفعله :
-وعاصي جاي هنا يعمل ايه ؟!
أخذت ترتدي ملابسها بسرعة فائقة :
-مراد اصحى ، وركز .. عاصي واحنا في الفندق ..
ثم أخذت تهذي وتلوم نفسها :
-أحنا أزاي نمنا كده !!
ما فرغت من ارتداء ملابسها لملمت مفاتيحـه وهاتفه :
-خد دول بسرعة .. والجزمة الجزمة ..
ثم صرخت مفزوعة وهي تنحني تلملم بقية أشياءه :
-مراد ، الشراب .. المحفظة .. اي تاني ..
أتاها صوت حياة من الخارج :
-عالية أنت لسه نايمة يا حبيبتي !!
اتسع بؤبؤ عينيها بقلق يتقاذف منهما :
-دي حياة !!!
ثم أخذت تدفعه للداخل :
-مراد ، استخبي في الحمام يالا ..
عاد مراد لوعيه :
-عالية ايه الهبل ده !! أحنا ممسوكين فـ شقة !!
-اشش صوتك صوتك ، مراد عشان خاطري ادخل جوه ومتعملش صوت يالا ..
ثم صاحت بصوت مرتفع :
-أيوة يا حياة .. جاية أهو .
تأكدت من اختباء مراد بالحمام ثم اتجهت والخوف يتقاذف بين ثنايا ملامحهـا وفتحت الباب .. حضنتها حياة بحب :
-كده بردو تقلقينـا عليكي ؟!
غمغمت عالية بشرود :
-حيـاة ..!!
-الحمدلله أنك بخير يالولي ..
ثم جذبتها بعنفوان للداخل حتى نسيت عالية الباب مفتوحًا من إثر الصدمات المتراكمة على رأسها .. جلس الفتاتان على السرير وشرعت حياة في مواساتها ، ولكن مازالت عالية تحت غيمـة شرودها وحالة من التوهان لا توصف .. فمسحت حياة على شعرها :
-مالك يا حبيبتي ..؟!
في تلك اللحظـة انقبضت معدة حياة فوضعت يدها على فمها واندفعت نحو الحمام لتتقيأ وهنا كانت الصدمة الكبرى ، أن فرغت ماء جوفها كانت عالية كتجمدة هلى أعتاب الباب ، ومراد جالسًا فوق المرحاض .. وتيرة من النظرات التي تحمل العديد من الأسئلة ، والصمت القاتل الغير مبرر حتى جاء صوت عاصي من الخارج مناديًا :
-عاليـة !
انخلع قلب عالية وسقط بين قدميها ، أما عن مراد فوقف لاستقبال عاصي بجراءة فتدخلت حياة راجية :
-مراد بلاش .. عاصي مش هيعديها ..
ثم ركضت للخارج وجذبت عالية المتسمرة مكانها وقفلت الباب خلفها وهي توبخها :
-مش تقولي يا عالية ..
حتى اصطدمت بعاصي أمامهم قائلًا :
-يالا ..
تدخلت حياة وهي تجذبه من يده :
-عاصي لحد عالية ما تجهز .. تعالى عايزاك ..
عاصي باستغراب :
-عايزة أيه يا حياة ؟!
جذبته باصرارٍ :
-تعالى بس ، موضوع مهم ، سيب عالية تخلص لبسها .
نجحت حياة في إخراج عاصي من الغرفة والاشارة لعاليـة بتخفي أن تُخرج مراد فور ذهابهم .. عاد عاصي وحياة إلى غُرفتهم .. حيث تنفست عالية الصعداء وهي تفتح الباب لمراد وتتوسل إليه :
-مراد ، يالا .. اخرج بسرعة ..
عارضها قائلًا :
-والله بتهرجوا يا عالية !! فيها أيه لو عرف إني هنا ..
-أديك شوفت حياة قالت ايه ، يالا بقا قبل ما يخرج .. استعجل يا مراد ..
ذهب على مضض وهو يقول :
-هستناكي في القصر ، لحد ما اشوف أخرتها مع اخوكي ده كمان ..
~بغُرفة ” عاصي ”
نفذ صبره من تحججها بمصطلحات غير مفهومة حتى قال :
-حياة ، بتلفي وتدوري على أيه ؟! قولي موضوع أيـه !
كأن عقلها شُل في تلك اللحظة فتعمدت إطالة الحديث قدر المستطاع :
-بص ، همـا كذا موضوع مش موضوع واحد ..
عاصي بجزع :
-أيوة قولي واحد منهم بدل ماانت تايهة كده !!
-أنت مشربتش قهوتك ، تيجي نشربها سوا ؟!
رد باختصار :
-مش عايز ..
فركت كفيها بحيرة :
-طيب أنا عايزة اشتغل واثبت ذاتي وأحس أن ليا كيان كده في المجتمع ..
رد مسايسًا :
-قومي بالسلامة بس أنتِ واللي في بطنك ونشوف موضوع الكيان ده ..
قضمت على اصبعها بحيرة وقالت مقترحة :
-طيب أنا عايزاك تعملي فرح كبير ، الدنيا كلها تتحاكي عنه !!
تأفف بضيق :
-حياة ، يعني أنتِ مجرجراني وراكي عشان احلام اليقظة دي !!
هتفت معارضة :
-مالها أحلامي ان شاء الله !!
-اهدي ، اهدي .. يعني بالعقل كده نعمل فرح وتنزلي للمعازيم ببطنك دي ؟! يقولوا علينـا أيه ؟! مضحكيش علينا الناس ..
يبدو أنها اقتنعت برأيه :
-اممم معاك حق … مينفعش
دنى منها متحديًا :
-حياة، ماتقولي عايزة أيه من الآخر عشان واضح أنك بتتلككي !!
ضحكت كالعادة بضحكتها الساحرة وعانقته بدلالٍ :
-بصراحة ..
-هاه بصراحة .. قولي قولي .
أخذت تداعب أزرار قميصـه متغنجة بين ذراعيـه .. وهي ترمقه بحب فأصبح منتظرًا رد فعلها وما سيأتي بعد تلك النظرات .. حتى بادرت بتقبيله بقوة لهفتها عليـه ونيرانها الخامدة بأحشائها ناحيته .. نجحت في إغراقه ببحرها حتى تبدلت الأدوار .. وأفشلت خطتـه .. طوق خصرها وسألها :
-هيجرى حاجة لو اتأخرنا على عالية شوية ..
ابتعدت عنه بدلالٍ :
-ده ابنك اللي حب يصبح عليك بس ، لأنك زعلته ..
تأهب لنيل منها ولكنها أوقفته بمكر انثوي :
-عندك شد عضل ماينفعش .. صحتك عندي أهم ..
زفر متجاهلًا تمردها عليه مواصلًا رحلته لمدينة حبها فتملصت من يده هاربة وكأنها ترد له ما فعله بهـا :
-عاصي بس بقا .. عالية مستنيـة ..
ثم خرجت قبله متجهـة إلى غرفة عالية التي تجلس منتظرة عودتهم .. همست لها بحذرٍ :
-مشي !!
أومأت عاليـة بالإيجاب ثم شكرتها :
-شكرا يا حياة .. بجد مش عارفة من غيرك كنت هعمل أيه !!
بالخارج التقى عاصي بـ نجيب ، وقف الاثنان يتحدثان طويلًا حتى ختم عاصي الحوار بينهم :
-عايزها نار جهنم عليـهم يا نجيب ……
فقط في لغة القلوب :
يحتاجُ كل شخصٍ منا
شخصاً واحداً على الأقل
أن يخطي معهُ جميع طرقاتهِ ،وإن يمسكَ يدهُ في كل الطقوس .. وكل فصول السنـة ….
••••••••
-خيـر يا نفادي ، قولولي إنك عايـزني ؟!
قال جملتـه وهو ينزع سترته السوداء ويعلقها على الشماعة الخشبيـة .. عرج نفادي وهو يقترب من مكتبه متألمًا من قدمه :
-تسمح لي أقعد يا بيـه ؟!
رد عاصي بجحود :
-لا .. قول اللي عندك في السريع عشـان مش فاضي ..
هرش نفادي برأسه وهو يستند على ظهر المقعد وقال :
-بصراحة كده أنا كُنت بحور عليك لما قولت لك أننا عايزين قرشين والسلام !!
رفع عاصي حاجبـه باستهزاء:
-ها .. وايه كمان يا نفادي ..
-عدم المؤاخذة يا بيـه ، يعني سيادتك مقامك كبير.. بس التعليمات كانت جايـة من فوق ..
أخذ يلاعب عاصي القلم بيده وقال بهدوء :
-والتعليمات دي بتقول أي ومن مين ؟!
-كانوا عايـزين نبعدوا جنابك عن المكان .. وندخلـوا ناخدوا الهانم بدون شوشرة .. بس هي سهلت علينـا كتيـر بخروجها بره القصـر ..
مط شفتـه بتفكير :
-وتأخدوا الهانم تودوها فين ؟!
-كان في واحد هيستلمها مني في مكان في المقطم وبعدها لا من شاف ولا من دري ..
فسأله عاصي :
-وبعت ليـه اللي مشغلينك يا نفادي وغيرت كلامهم ؟!
عرج نفادي متألمًا :
-يابيـه ده لعب كبار مع بعضيهم ، أما أنا واللي معايا غلابـة .. قلت اطلع بقرشين من سيادتك .. على قرشين منهم وقُضيت المصلحة من غير دم ..
وثب عاصي فجأة فتراجع نفادي بخوف للوراء :
-قلت لي مين هما الكُبار دول يا نفادي ..
-معرفش يابيـه .. اللي كان بيتواصل معانا اسمه حماد ، بس اختفى ومش عارف أوصله تاني ..
كرر عاصي سؤاله بنبرة أشد :
-مين اللي له مصلحة في خطف مراتي يا نفادي !!
-ورحمة أمي يابيه مااعرف .. أنا عبد المأمور ، ولو كنت هعرف كنت هبلغك على طول ..
-طيب يا نفادي وأنا هصدقك .. المطلوب مني أيه !
توسل إليه نفادي بعينيه :
-بلاش موضوع الحكومة ده ، ولو كان على الهانم انا مستعد ابوس راسها ورجليها عشان تسامحني ..
-اتظبط يالا ..
بصرخة قويـة اندلعت من جوفـه ليضع حدًا لتوسلات نفادي الذي انتفض مذعورًا من نبرة صوته التي تنافس صوت الرعـد .. صمت عاصي للحظـة ثم قال :
-وأنا مش هسلمك يا نفادي ، عشان باين عليك إنك جدع .. بس ده ما يمنعش إنك هتكون تحت عيني لحد ما تسلمني اللي اسمه حماد ..
تلهف نفادي لطلب العفو منه :
-وانا خدامك يا بيـه .. كل اوامرك مُجابة ، المهم رضاك .
فتح عاصي خزنتـه وأخرج سلاحه وتعمد أن يشد أجزاءه أمام عيني نفادي ليرعبه :
-بس أنا يا نفادي ما ينفعش كلامي مايتسمعش ولا يتلعب عليا من ورا ضهري ؟!
-لا يا بيـه .. ماعاش ولا كان اللي يلعب من ورا ضهرك ، أنا رقبتي فداك ..
-هنشـوف .. هنشوف يا نفادي، ومتقلقش فلوسك موجودة أول ما تسلمني حماد هسلمك فلوسك ..
هتف نفادي بفرحة :
-ده كتير والله ياباشا … يومين ويكون حماد واقف مكاني ..
اجرى عاصي مكالمة هاتفيـة بالرجل المختص بملازمة نفادي أن يأتي ثم ألقى عليـه جُملة أوامره قائلًا :
-تاخد نفادي ورجالته مزرعة الفيوم .. هيشتغلوا هناك ، وحقهم يوصل يوم بيوم .. فاهم !!
رحل الرجل بصحبة نفادي الذي لم يكف عن الهتاف والسلامات ..أمسك عاصي هاتفه واجرى مكالمة هاتفية وقال باختصار :
-بكرة الضهر تجيب أخوات رسيـل هنا على القصـر .. وخليهم يعيشـوا عادي ، يعني ينزلوا المرسى ويباشروا شغل أبوهم .. مش عايزهم يحسوا انهم محبوسين ..
ثم وثب عاصي خارجًا من مكتبـه على صـوت مراد المرتفع :
-في البيت ده محدش صوتي يعلي علي صوتي ..
دار مراد إليه :
-كـويس أنك هنا ، يعني أيـه ممنوع أشوف مراتي ..
تدخل تميـم :
-ممكن تهدأ يا مراد .. هنتفاهم ونوصل لحل ..
عاصي بحزم :
-هنا مفيش تفاهم .. اللي أقوله هو وبس اللي يمشي ..
خرج مراد عن صمته منفعلًا :
-انت بتعمل كده ليـه ؟! وبتدخل في حياتها ليه ؟! ما تشوفها هي عايزة ايه واعمله .. ليه تقرر بلسانها ..
-عشان هنا وبس أنا اللي بحدد كل واحد يعمل أيه وميعملش أيه .. وطالما سمحت لك تدخل البيت ده يبقى تحترم كلامي وتنفذه ..
وقف تميم بينهم كالسـد ليثبط من شحنات غضبهم المتفجرة :
-والله ما هينفع الجنان اللي أنتـوا فيه ده ؟!!
احتشد الجميـع على صوتهم الجمهوري وتفتحت أبواب الغرف الموصدة .. تكونت حولهم دائرة من اهل القصر ليشاهدوا شجارهم المتصاعد.. حسم عاصي الأمر قائلًا :
-وريني هتاخد مراتك أزاي من غير موافقتي يا مراد ..
-زي ما أخدتها أول مرة يا عاصي ..
رد عاصي ساخرًا :
-ااه عشان تتخطف تاني ، أنت مش مكسوف من نفسك ، مادام معرفتش تحميها خدتها ليـه .. ؟!
عارضه مراد :
-وأنت لما مراتك اتاخدت من قُدام بيتك عرفت تحميها ؟!!
تدخلت عالية بينهم صارخة :
-بس يا عاصي ، بس يا مراد … بس بقا حرام عليكم .
شد عاصي أخته بقوة لتقف خلفه :
-اطلعي فوق يا عالية ..
أرسلت لحياة نظرات التوسل أن تتدخل وتهدأ عاصي .. فاندفعت حياة قائلة :
-عاصي .. خلاص بقا ، دي مراته في الأول والأخر وأنت ما ينفعش تمنعها عنه ..
حدجها بنظرة حادة ثم قال بعنف :
-اطلعي فوق أنتِ ومتدخليش في اللي ميخصكيش ..
عارضته :
-هي كلمة الحق بتزعل !!
احتدت نبرته ليعنفها :
-قلت اطلعي فوق يا حياة …
تدخلت شمس وأخذتها بهدوء وهي تهمس لها :
-حياة أنت حامل تعالى معايا ..
ثم أكمل بحزم :
-خدي عاليـة كمان يا شمس ..
لعنته نوران في سـرها :
-ماشي ينطح في البني آدمين !! أنا عارفة ده جنسه ايه !!
قرصتها شمس بذراعها :
-اطلعي فوق ..
ضربت الأرض بقدميها :
-منا ساكته اهو بتفرج .. !!
رمقتها شمس بحدة فذهبت على مضض منفذة تعليمات أختها .. فأكمل عاصي :
-أنا خلصت كلامي يا مراد .. وده عشان تلوي دراعي وتاخذ أختي من ورانا تاني .. أنا بقا هوريك لوي الدراع الحقيقي …
كاد مراد أن يعنفه فتدخل تميم قائلًا بشدة :
-مراد خلاص .. امشي أنت دلوقتِ ..
-أنت مش سامع يا تميم ، أخوك شكله اتجنن ..
عاصي بتهديد :
-ألزم حدك يا مراد ..
فاض صبر تميم فنهره :
-ما خلاص يا عاصي أنت كمان .. وأنت يا مراد امشي دلوقتِ وأنا هتكلم معاه ..
كاد أن يعارضـه ولكن قاطعه تميـم بحزم :
-قلت خلاص يا مراد .. أمشي دلوقتي …
••••••••
معظم حياتي، أبدو امرأة مرهقة، وقلبي بائس، وعيناي تتوق للدمع وروحي غريبة، لكني كنت أرجو المستقبل الذي أود الان التخلص منه.. جففت عبراتها بحزن يفيض منهما :
-اعمل أي يا نوران!! اختار قلبي وابقى انانيـة وأخسر أخويا، ولا اخسر نفسي ..
كانت نوران تجوب الأرض ذهاباً وإياباً حتى انفجرت معبرة عن حالتها :
-انا لو مكانك هنزل اكسر دماغ اللي اسمه عاصي ، اناني ومش شايف غيـر نفسه .. وفي نفس الوقت مش طايقة اللي اسمه مراد ده .. اسفة ياعاليـة ، بس هو كمان أناني ومش بيفكر غير في نفسه .. وميصحش ياخدك كده كأنك ملكيش أهل …
نهضت عالية من فوق الاريكة الجالسة عليها :
-مراد حد طيب وحنين يا نوران .. أنا عشت معاه تفاصيل كتير كنت محرومة منها …. تعرفي أول ما بشوفه ببقى عايزة أجري عليه واحضنه زي الطفلة الصغيرة ، انا معرفش حبيته كده أمتى وأزاي .. بس اللي أعرفه بجد إني مش هقدر أعيش منه غيره ..
التوى ثغر نوران معترضًا :
-وهو طول ما عفريت علي بابا ده قاعد عندك أمل ترجعي لمراد ..
ثم بررت قائلة :
-مش قصدي أحبطك بس هو شكله مفتري ومش هيعديها ..
-أنا هقوم اتوضى واصلي وربنا يحلها من عنده بقا ..
تحمست نوران :
-اسلـم حل .. وأنا هقعد أمخمخ لك كده يمكن اعتر في حل ..
ثم زفرت بضيق :
-الحب وسنينه مش بيجي من وراه غير وجع القلب والدماغ !!
•••••••
~مساءً
– يُرعبني أنني حتى الآن
لازلتُ أشعرُ بعدم الانتماء
لأي مكانٍ
أو أي شخصٍ .. أو أي عيونٍ .. أو أي كتفٍ
لازالت الوحشة تُلازمني حتى أحياناً على وسادتي..؟
حملت ” شمس ” صندوق الإسعافات الأوليـة واقاتربت من تميم الجالس ممسكًا بسلة الثلج ووضعه على عينه المتورمـة .. جلست أمامه وشرعت في ترطيب المكان برفقٍ ثم قالت :
-أنتَ كل يوم هترجع لي مضروب كده !! انا مبقتش ملاحقـة أداوي أيه ولا أيـه !!
ضحك تميـم قائلًا :
-يكون في علمك أنا الـ بقولهم يضربوني ، تلكيك يعني عشان محدش يعالجني غيـرك ….
‏فـ لمع شعوره من عينيك لأنّ دآخِله لم يعُد يتّسع الكتمان اقترب منها قليلًا وهو يطالع ملامحها بجراءة وأكمل :
-أصلـي مابعرفش أشوف الشمس من قريب غير لما تحصل لي مصيبة .. اتشل ، اضرب بالنار ، أخد علقة سخنة .. يلا كله فدا قُربك ..
ثقلت يديهـا المتحركة دائريًا حول عينه فصرخ متأوهًا :
-ما براحة يا ستي ..
ابتسمت بشموخ وقالت :
-أنت اللي بتتحرك كتير ، اثبت بقا وخاف على عينك ..
رد مرغمًا :
-أهو يا ستي ..
فرغت القليل من المرهم على سبابتها ثم رفعت نفسها قليلًا لتصبح بمستواه وأخذت تغلف الجرح بحرص حول عينه المصابـة .. حتى قطع تميم تركيزها قائلًا :
-حلو البرفيـوم اللي حطاه ، ده جديد ؟!
أحس بانتفاضة يدها على جرحه وهي تقول بارتباك :
-أنا مش حاطة حاجـة …
ثم تذكرت قائلة :
-ااه ، افتكرت .. البرفيوم بتاع حياة لما اتكسـر ، ريحته طبعت فيا ولا حاجة ..
استنشق رائحته بإنتشـاء :
-بصراحة يدوخ ..
احتدت نبرتها :
-هو ايه ؟!
تحمحم مبررًا :
-المرهم اللي بتحطيه .. دوخني و زغلل عيني ..
ردت ساخرة محاولة تصديق أكذوبته :
-امم ، سلامتـك ..
ثم أخذت تمسك بقايا الدواء من يديها بالمنديل الورقي وتقول :
-المفروض تنام بقا عشان عينك ترتاح ..
-طيب وجرح كتفي ..!!
-ماله ده كمان ؟!
-بيوجعني ..
راق له الدلال ليسلك به دربًا لقُربهـا ثم لقلبها ، شرعت بفك ازاز قميصـه على مضضٍ وهي تتحاشى النظر إليـه وتقول :
-لو مكنتش موجودة ، كان مين هيعملك كل ده ؟!
-ولو أنت مش موجودة أنا هضرب ليه ؟! منا قلت لك بتلكك ..
ابتسمت بجمود وهي تنتقل خلفه جالسة على ركبتيها وشرعت في تعريـة جرحه الدامي ثم قالت :
-عملونا فـ الكلية المريض اللي بيتلكك بناخده على أد عقلـه لحد ما نجيب أخره ..
-وهما كُل المرضى مُتعبين كده زيي !
-زيك !! مظنش ؟!
ثم طلبت منه أن يعطيها ضمادًا من الصندوق وأتبعت :
-جرحك لازم يشوفه دكتور مختص ..
-وأنتِ أيه ؟!
-أنا مش متخصصة يا تميـم ..
-مش مهم ، أهو اتعلمي فيـا ..
وضعت شمس الشريط اللاصق على جرحه بعد ما فرغت من تعقيمـه .. ثم لمست أقدامها الحافية الأرض وذهبت لتجلب له ملابس ينام بهـا .. وضعت ما أحضرته على طرف السرير ثـم شرعت في لملمة الأدوات الطبية .. فباغتها بنبرة مترددة :
-شمس … !!
نظرة له باستغراب :
-نعم ؟!
-أنا آسف …
تبادلت النظرات بينهم حائرة حتى أكمل موضحًا سبب إعتذاره :
-آسف لأني سمحت لنفسي بحاجة من غيـر رضاكي .. أممم حاجة زي دي لازم تكون بموافقتك ، وأنا مشاعري خانتني واتصرفت بناءً …..
فقاطعته بحزم رغم السعادة التي قفزت بقلبها من كلامه :
-حصل خيـر يا تميـم ..
-يعني مش زعلانـة ؟!
انشغلت بالأدوية في يدها وقالت هاربة :
-الكبسولة دي تاخدها قبل النـوم ..
فوثب مصرًا على سؤاله وهو يقترب منها متجاوزًا قانون المسافات :
-سؤالي واضح ، مش زعلانة ؟!
رفعت جفونهـا بخجل :
-هتفرق معاك ؟!
أخذ يداعب خصلة من شعرها وهو يقف بقُربها بقامته الشامخة مقارنة بطولهـا وقال :
-طبعًا ..
سالته بنبرة خافتة:
-يعني لـو قلت لا .. يعني لا مش زعلانـة ..؟
رد هائمًا :
-يبقى ما يمنعش أكررها تاني !!
بدأ الخوف بعينيها وهي تبتعد عنه :
-لا انا أصلًا لسه زعلانة …
كادت أن تفارقه ولكنه جذبها من ذراعها إليـه حتى اصطدمت بسياج صدره العارٍ شاهقـة حتى أردف مُعلنًا بجُرأة :
-يبقى سيبيني أصالحك بقا ..
أخذ يدنو تدريجيًا ليحتضن تلك الشفاه المرتعشـة ويطمئنها .. تسمرت في مكانها كمن تعب مِن كثرة الحُروب التي خاضتها ، مُحاولاتها التي تَبوء بالإحباط والفشـل المُتكرر ، مجرد أن ألتف ذراعه حول خصـرها شعرت كأنها سَقطت في حُفرة لا مَخرج مِنها ، رفعت جفونها لتُطالع ملامحه المائلة إليها كميول الورد وضعت كفها فوق كفه الراسي على وجنتها حتى غمغمت بنبرة يملأها الوجع :
-تمـيم أنا تايهة ومتلخبطة .. وجوايا ألف حاجة وعكسها ..
-أشششش …
تجاهل الرد على اعترافها الحزين ، ولكنه لجأ لمداواته بنثـر قُبلاته ببطء على شفتيها المنتفضة ‏كليلة شتاء والرياح خلف النوافذ ‏ ​​​​​​تعزف صمّت الشوارع حنينها .. رضخت لشـوقه ولقُربه ليُرصع جروحها بنجوم الحب ربما تشفيـه ..
فارق شفتيها وانتقل إلى أذنها هامسًا بنبرة ملتهبـة :
-مش عارف أشيلك من قلبي ولا من عقلي .. بقيت بحلم باليـوم اللي هتكوني لي فيه بدون حواجز ..
ثم أخذت فوهة حبه تلتهم ملامحها بلهفـة اغتالت كل أشباح تمردها حتى أكمل متنهدًا :
-تتجوزيني ؟!
غربت شمسها وحل ليلها الهاديء والحالم بمشاعرٍ تعمدت دفنها .. فجأته بعناق خفيفٍ وهي تتحدث بنبرة خفيضة :
-تميم .. وجرحك ، أنت لسه تعبان ..
رد بلهفة :
-أنت دوايا .. تتجوزيني !!
غمغمت وهي تحت سُكر خمر الحب :
-لا ..
طاحت العين بالعين .. والقبلة منها كانت تُرد إليها قُبلتين .. واحترقت المسافات بينهما وارتفعت راية الحُب التي لفحت قلوب كانت مقبرة للهوى .. فـلا يؤنس الرًُوح إلا روحًا تألفُها .. في تلك اللحظة ارتفع صوت رنين هاتفـه وبرغم محاولة الثنائي في تجاهله إلا أنه لم يكف عن الرنين .. ابتعدت شمس عنه بصعوبـة وهي تركض لتحضر له هاتفـه فسقطت عينيها على اسم المتصل :
-سُهيـر ؟!!! وهي بتكلمك في وقت زي ده ليـه ؟!
برر موقفه قائلًا :
-يمكن شغل يا شمس .. هاتي الموبايل.
انفعلت بغضبٍ مُغلف بالغيرة:
-لا والله ؟!! بقا كده .. اتفضل موبايلك كلم الست سهير براحتك ، وأنا هسيب لك الأوضة خالص عشان تاخد راحتك !!
تناولت حجابها من فوق الأريكة ورمتها على رأسها وهي تغمغم بكلماتٍ غير مفهومة حتى أوقفها :
-خدي هنا ، رايحة فين .
شدت ذراعها بقوة :
-هسيب لك الأوضة .. عشان الجو يخلا لك مع ست سهير ..
-شمس ؟!
كاد أن يلحق بها ولكنه توقف ليرتدي ملابسـه .. ركضت شمس متجهة إلى غرفة تاليا وداليـا لتحتمي من مكر قلبها الذي خانها وساقها إليه بدون وعي .. أما عنه أخذ يلعن الحظ الذي يفرق بينهم في كل مرة يحاول امتلاكها .. ويقول لنفسه :
-مرة سيدة ومرة سهير .. !! دي مش عيشة دي !! أنا مين بص لي في الجوازة دي ؟!!
•••••••
“دومـًا ما أخشى أن تأتي تلك اللحظة‏ التي أرغب فيها بالمجيء إليك ويقف كبريائي كالسـد المنيع بيننـا .. ”
تتوسط فراشهـا وتعض على أصابعهـا غضبًا ومحبـةً منتظـرة مجيئـه بعـد مرور ساعـات طويـلة بدون رسالة واحدة منه كعادته يطمئن عليها .. تسارعت ضربات قلبهـا بمجرد رؤية الباب يُفتح فتحاشت النظـر إليـه وولت وجهها الجهة الأخرى..
دخل عاصي الغـرفة تاركًا باب الغُرفـة مفتوحًا على عكس عادتـه وتقدم ناحيـة خزانة نقوده وفتحها وأخرج منها ورقـة تهمـه ، تجاهله لوجودها أشعل نوعًا آخرًا من الجنون برأسها .. فاندفعت إليه لتخلق معه لغـة حوار حتى ولو كانت شجارًا .. بخطواتها المتسعة وقفت خلفه واضعة ذراعيها بخصرها وقالت معاتبـة :
-أنت أزاي تكلمني بالطريقـة دي قُدامهم !!
أخذ يقفل باب خزانته وقال ببرود :
-أي طريقة !!
تأففت بضيق :
-عاصي لو سمحت بلاش الطريقة دي ، وبص لي كده وكلمني زي ما بكلمك .
دار إليها على مضض :
-حيـاة أنا ما بحبش حد يجادلني ولا يخالف أوامري .
-حتى ولو كانت غلط وكلها أنانية ؟!
ترك الورقـة على التسريحة وأخذ يفك أزرار قميصه الأبيض :
-حتى ولو غلط .. متعودتش حد يكسـر كلمتي ..
-وده من أمتى ؟!! ما أنت طول عمرك بتسمع لي وبنتتاقش ، أيه اللي جد ؟!
رد بحدة :
-طول ما الموضوع مش متعلق بيكي مش مسموح لك تناقشيني فيه !
يبدو أنها تسرعت في الحكـم بمعرفتـه وأن هناك تفاصيل كثيرة لم تكتشفها بهويته بعد .. طافت عينيها بحيرة وقالت بعناد :
-لا مش صح ، أنا مراتك وواجب عليا أول ما اشوفك بتغلط انبهك وواجب عليك تقنعني بوجهة نظـرك ياما تقتنع بكلامي، ده اللي أعرفه ، لكن اللي أنت بتقوله ده كله ميلزمنيش ..
نزع قميصـه ورماه بالأرض وقال بنبرة مبطنة بالغضب :
-وأنا مفيش ست اتخلقت تقولي أعمل أيه ومعملش أيـه !!
رمقته بنظرة ساخطة :
-ده لما تكون متجوز واحدة من الأوباش اللي عرفتهم مش أنا يا عاصي بيـه !
ثم دنت منه متحديـة :
-وحط في دماغك أنا هنا زيي زيك بالظبط ، وكلمتي محدش هيقدر يتجاهلها حتى ولو كنت أنت ..
رفع حاجبه معجبًا بشجاعتها :
-بأي حق ؟!
رفعت رأسها بشمـوخٍ :
-مراتك .. يعني كلمتي في البيت ده متقلش عن كلمتك ..
أخرج شحنات غضبه في زفيرًا قويا وهو يحتوى كتفيها ثم قال :
-حياة ممكن تخلي بالك من نفسك ومن اللي في بطنك ومتشغليش نفسك بأي حاجة تاني !
ردت ساخرة :
-أنت شايفني بقرة تأكل وتشرب وتخلف بس !! ولما تيجي تتكلم مش مسموح لها !!
ثم رفعت يديه من فوقها وقالت بحنق :
-مش أنا اللي ترضي بالوضع ده ..
-حياة بلاش تكبري الموضوع .. أنا في دماغي ألف حاجة أهم من الجنان ده ..
-جنان ؟!!
ثم بدأ صوتها يعلـو تدريجيـًا وهي ترتدي روبًا طويلًا فوق منامتها القصيرة :
-أنا هوريك الجنان بقا ..
-خدي هنا رايحة فين !!
أوقفها قليلًا بسؤاله التعجبي من تصرفاتها ، فأجابتـه بعناد :
-أنا مستحيـل أقعد معاك في مكان واحد بعد النهاردة .. حد أناني مش بيفكر غير في برستيجه والإيجو بتاعه وبس ..
-حياة استني هنـا ..
حاول أن يوقفهـا ولكن بدون جدوى فتحت الباب وفرت هاربة من غُرفتها تحمل إهانته واستهزاءه بمشاعرها … ضرب كف على الأخر وأخذ يجمع ملابسه بملل كي يذوب ملوحة يومـه بحمامٍ دافئ ينسيـه ما مر بيومه …
•••••••••
حتى لو إقتضى الأمر أن تخلع قلبك وتمضي من دونه، المهم ألا تبقى مرهونًا بالمشاعر التي تمرر لجوفك القلق والأذى وتبقيك بائسًا ومحبطًا …
وصلت ” حياة ” إلى غُرفة البنات اللاتي يحتفلن بميجيء شمس إليهم حتى انضمت لهم حياة فأصبح الأحتفال احتفالين .. هللت تاليا فارحة :
-الله وكمـان حياة هتبات معانا .. ده أيه اليوم الحلو ده !!
فاقترحت داليـا :
-كده هنلعب للصبح ..
جلست حياة بجوار شمس وهمست لها :
-انتِ كمان متخانقـة مع تميـم !!
غمغمت شمس بغيرة واضحة :
-خلي ست سهيـر تنفعه ..
-مين دي ؟!
-دي واحدة كده بنت مش مظبوطة كانت بتحبه زمان ودلوقتِ ماسكه لة الشغل .. وهو شكل الموضوع عاجبه أوي ..
ثم شرعت بفك حجابها وسألتها :
-وأنتوا اتخانقتوا ليـه ..
-كل يوم بكتشف فيه حاجة جديدة .. مش عارفة اتأقلم على التحول اللي في شخصيته ، وبسبب عاليـة .. من ده على ده ..
زفرت شمس بضيق :
-كل يوم بسأل نفسي سؤال واحد ؛ أنا أيه جابني هنا ؟! واحد دلوقتِ مالقتش الجواب .. تعرفي أول مرة جيت فيها هنا عالية حذرتني وقالت لي القصر ده كله أسرار .. عالم جوه العالم ، وطلع عنـدها حق ..
أيدت حياة كلامها :
-فعلًا .. العيون كلها أسرار وكل ما افتكر إني فهمتهم بطلع مفهمتش حاجة ..
جاءت تاليا حاملة الألعاب بيدها :
-هنلعب أيه بقا ؟!
اعترضت حياة بلطف :
-مش في مدرسة بكرة يا توتي ، والمفروض نكون نايمين من ساعة !!
-بس أنا عايزه ألعب معاكم ..
مسحت حياة على شعرها :
-في الويك آند هنلعب كلنـا .. دلوقت وقت نوم ، أي رايك تنامي في حضني النهاردة !!
رمت الألعاب من يدها بحماس وارتمت بحضنها بفرحة :
-موافقة …
حملتها حياة كعادتها ووضعتها على فراشها فنهرتها شمس محذرة :
-حياة ماينفعش تشيلي حاجة تقيلة ..
ردت بفتور :
-بنسى والله يا شمس ..
ثم اقتربت من المرآة وكشفت بطنها البارزة بفرحة لاتوصف :
-كل يوم بطني بتكبر وبيكبر جوايا شعور جميل أوي يا شمس ، تعرفي أن أحلى شعور بعد الحب هو أنك تبقى حامل ..
ثم غمزت لها بطرف عينها :
-بكرة لما ربنا يرزقك هتعرفي معنى كلامي ..
نهضت داليـا بفرحة :
-حياة ، أنتِ هنا في بيبي .. يعني هيجي ويلعب معانا !
جلست حياة على ركبتيها وحضنتها :
-أيوة يا روحي .. جوه هنا في بيبي وهيبقى أخوكم او اختكم .. مش أنتوا كان نفسكم في نونو صغنن نلعب بيه ..
اومأت الصغيرة بسعادة تلمع بعيونها وعانقت حياة:
-انا مبسوطة أوي .. امتى بقا هيجي !!
قبلتها حياة بحب :
-بعد كام شهر هيجي ومحدش هيختار اسمه غيركم ، اتفقنا ..
-طبعا اتفقنا ..
ثم اشارت لشمس :
-يالا يا شموسة .. خدي دودو في حضنك عشان تنام هي كمان ..
حملتها شمس بحماس وهي تداعبها بخفة :
-يلا نستخبى من البرد تحت البطانيـة ..
-يالا ..
في الخارج هبط عاصي من غُرفتـه فتعثر بتميم الذي يطوف ذهابًا وأيابًا بالطابق ، فطالعه عاصي باستغراب :
-انت بتلف كده ليه !!
اندفع تميم نحوه :
-ابن حلال .. كويس إنك جيت ، اصل شمس نايمة جوه ، ومراتك كمان جوه ، وانا خايف ادخل نشد سوا ويبقى شكلي وحش ..
هز عاصي رأسه مفكرًا :
-وانت كمان مراتك جوه ؟! ده أيه الحظ ده !
-بص أنت تدخل تسيطر كده وتاخد مراتك ، وانا بعدك .. ولا نعدي الليلة ونروح ننام بسكات !!
حك عاصي ذقنـه بتفكيـر :
-منا لو عرفت أنام من غيرها مكنتش نزلت ؟!
ربت تميم على كتف أخيه بحسرة :
-طيب والعمل ..
تحمحم عاصي بثقة :
-اتعلم من أخوك المدرسـة وشوف هيعمل أيه … تعالى ورايـا ..
••••••
-جايـة الساعة دي ليـه يا سوزان ؟!
أردفت عبلة سؤالها وهي تستقبـل سوزان بساحة الفندق ، فسألتها الأخيرة بقوة :
-تفتكري كذبتك هتفضل مداريـة لحد أمتى ؟! متعرفيش أن الحقيقة مسيرها تتكشف !!
-كذبة اي وكلام فاضي ؟! سوزان انا مش فاضيـة للف والدوران ؟! وأي حقيقـة !!
تقدمت سوزان إليها بقوة :
-حقيقة أن عاليـة بنتي ، مش بنتك يا عبلة ….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى