رواية أنا والمجنونة الفصل الثلاثون 30 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم
رواية أنا والمجنونة الفصل الثلاثون 30 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم |
رواية أنا والمجنونة الفصل الثلاثون 30 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم
جن جنونه أكثر من ذي قبل من أثر كلماتها الحمقاء التي وصفته بالجنان، محدقاً بها بشراسة ارعبتها، جعلها تندم على ما قالته للتو وقد تهاوى قلبها بين قدميها، وهو يجز على أسنانه منفعلاً، مقرباً وجهه من وجهها قائلاً لها بعصبية جنونية: طب طالما أنا مجنون كده أوي، أنا بقى هوريكي الجنان على أصوله.
اتسعت عينيّ نوال بانزعاج شديد من تهديده المباشر لها وبدون أن تعي ماذا يحدث لها، جذبها ياسين بعنف بقبضته القوية من معصمها وأزاحها داخل عربته.
مغلقاً بابها بقوة خلفها واتجه بعدها إلى الناحية الأخرى وقاد سيارته بنفس السرعة الجنونية لكن هذه المرة لم يجعلها تضع حزام الأمان بل تركها خائفة متعمداً ذلك من جانبه.
أغمضت نوال عينيها من الخوف قائلة له بصوت مرتجف : إنت فعلاً مجنون نزلني هنا بسرعة، لم يرد عليها ياسين وتجاهلها تماًماً وكأنها ليست موجوده بجانبه.
كانت ملامحه جامدة قاسية لا تنبؤ بالخير أبداً، وهو عاقداً لحاجبيه بغضب وسخطٍ شديدين بداخله.
ودت نوال لو فتحت باب السيارة الذي بجوارها ونزلت هاربةً منها لكنها بهذا الشكل هذا يسمى انتحار، وهي لا تريد ذلك خوفاً من ربها.
حاولت تهدأت أعصابها قائلة بهدوء ظاهري : بقولك نزلني هنا ، انت مين انت…. علشان تتحكم وتحكم فيه طول الوقت كده.
حدجها بنظرةٍ جانبية قاسية وزاد من سرعة سيارته أكثر من ذي قبل كأنه في سباق للسيارات، فصرخت من شدة السرعة هذه، وتهيأ لها من شدة رعبها أنه ستأتي سيارة مقابلة لهم وتصطدم بهم في أي وقت.
فأمسكت بذراعه القريب منها تترجاه أن يتركها لحال سبيلها قائلة له بصوت مرتجف: نزلني هنا أرجوك وأنا أوعدك مش هتشوف وشي تاني أبداً وهمشي من المنطقة كلها، مادام بتكرهني أوي كده، ومش طايقني ولا طايق سيرتي حتى.
رمقها بنفس نظرته القاسية الساخطة قائلاً بصوتٍ هادر: علشان تروحي تقابليه صح، وتشوفيه براحتك مش كده، بس ده في بُعدك اني أنفذلك حاجه من اللي قولتيها.
اتسعت مقلتيها بانزعاج شديد قائلة بصدمة كبيرة: إنت فعلاً واحد مجنون ولا يمكن تكون بني آدم علشان تقول كده عليه أنا، أنا اللي طول عمري في حالي وبعيدة عن كل الناس ومعروفة بأخلاقي الحلوة، فامش هسمحلك تغلط فيه أكتر من كده فاهم.
وضعت مهجة بعض الثياب في حقيبة متوسطة الحجم ، قائلة لنفسها بحزن : يعني لازم اسيب العمدة وابعدعنه كام يوم ، أنا مش هقدر على نفسي أبعد عنه ولو ليوم واحد بس.. أم ابعد عنه كذا يوم.
دخل عليها زوجها قائلاً لها باختصار : ها جهزتي يا مهجة، ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة له بحزن : أيوة جهزت يا سعات البيه .
فقال لها بهدوء ظاهري: السواق مستنيكي تحت بس واحد غير مجدي، وهيوصلك ومتتحدتيش ولا كلمة وياه فاهمة.
أومأت برأسها سريعاً بالموافقة دون أن تتحدث، سحبت حقيبتها وراءها بقلب موجوع لتركها له مجبره ، وتساءلت بدهشة عن مدى تعلق قلبها بقلبه هو وودت لو احتضنته قبل أن تنصرف وتضع رأسها على صدره بالشوق والحب الذي يعتريها حياله، لتقول له بنفسها: هتوحشني كتيير يا باشا يا جمر، لكن ملامحه الجامدة ، جعلتها تصمت وتمط شفتيها بضيق ،وتمشي سريعاً من أمامه.
وصلت إلى الباب ولكنها توقفت بجواره دون أن تفتحه وهي تلتفت إليه تحدق به باشتياق محب إلى معشوقه، كأنها لن تراه مرةً أخرى.
وقف جلال جامداً، شامخاً رافعاً رأسه بعلو وهو يضع يديه في جيب بنطاله وعينيه مسلطةٍ عليها بشيء ما لا تدري كنهه، بهما فوقفت ثابتة لا تريد الحراك، وتلاقت نظراتهم معاً.
طال الصمت الشديد بينهما، تركت مهجة حقيبتها من يدها مترددة في الأرض، فعقد حاجبيه بضيق كعادته فسألها بصوتٍ مقتضب : سيبتي شنطتك ليــه؟
اقتربت منه بخطوات بطيئة مضطربة ، مسلوبة الإرادة منجذبة إلى عينيه اللتان تحدقان بها بجمود الآن، وقفت أمامه تكاد تلتصق به، تطلع إليه بخوفٍ شديد مصحوب بالخجل.
نظر إليها بتساؤل فقالت له بصوتٍ مهزوز: عايزة … عايزة…. أعمل حاجه إكده جبل ما مشي …. بس … بس…. خايفة منيك.
زفر بقوة قائلاً باختصار حازم : جولي بسرعة عايزة إيه الوجت إتأخر إخلصي.
ارتجف قلبها بقوة بين جنبات صدرها من كثرة خفقاته التي تنطق بإسمه مع كل خفقه قائلةً له بعفوية مرتبكة: يعني مش هتتعصب عليه يا بيه.
تأفف منها قائلاً بحدة ونفاذ صبر: ما تنطجي جولتلك منيش هاكلك… شعرت بالخوف أكثر من حدته هذه معها، فتراجعت عن قرارها وعادت أدراجها إلى الوراء بظهرها سريعاً ، وعينيها مسلطةٍ عليه بهلع.
اقترب منها جلال فجأة بخطوة واحدة واسعة جاذباً إياها من ذراعها بقوة قائلاً لها بغضب : تعالي إهنه إنتي رايحة فين جبل ما تتحدتي امعاي وتجولي انتي عايزة إيه، إلتفتت إليه بعينيها حابسةً لدموعها ملقية بنفسها بين ذراعيه، وهي تنتفض بينهما، بجسدها النحيل بالنسبةٍ لطول قامته وجسده الرياضي.
تفاجأ جلال بفعلتها تلك وصُدم أكثر عندما ابتعدت عنه قليلاً ووقت على أطراف أصابع قدميها وقبلته على وجنته بنعومة شديدة جعلت أنفاسه تضطرب رغماً عنه.
تأمل عينيها الممتلئة بالدموع قائلاً لها بخفوت شديد : ليــه عملت إكده، هزت كتفيها بحيرة وأنفاسها غير منتظمة على صدره خشيةٍ منه قائلة بهدوء ظاهري: مخبراش يا سعات البيه…. آني …. آني آسفه ….. بس ….. حسيت إني عايزة أعمل إكده، قالتها ثم سارعت إلى الرحيل من أمامه هاربة خشيةً من ردة فعله.
كاد ياسين أن يصطدم بشاحنة قادمةٍ أمامه بالفعل بعد كلماتها الأخيرة له ، فقد شعر أنه لا يرى بسبب غضبه الشديد منها ، فصرخت هي به بكل قوتها قائلة له بفزع: حــااااااسسب …. قطعت صرخاتها عندما تفاداها ياسين بمهارة في اللحظة الأخيرة.
كانت أنفاسها تلهث من الذعر التي شعرت به حياله قائلة بحزن وذعر: نزلني بقى حرام عليك، أنا عملت إيه لكل ده.
لم يعيرها مرةً أخرى أي اهتمام وذم شفتيه غاضباً ولم يقلل من سرعته كما توقعت بل استمر بها إلى أن وصل أسفل البناية.
تنهدت نوال بيأس مختلطاً بارتياح عندما رأت المنزل، وكادت أن تفتح الباب هاربة منه، لكنه أمسك ذراعها بقسوة الأيسر قائلاً لها بتهديد: تعالي هنا إنتي مفكرة نفسك هتهربي مني ، ده بُعدك.
تجمدت في مكانها من الخوف، وفتح لها هو الباب قابضاً على يدها في قبضته، قائلاً بحدة: تعالي معايا.
صعدت معه إلى الأعلى وما أن وصل أمام باب منزل والدته حتى توقف طارقاً الباب بقوة، ففهمت نوال ماذا سيفعل.
فانتزعت يدها من قبضته بقوة وهربت منه إلى الأعلى إلى غرفتها، حدجها بقسوة وهي تصعد قبله هاربة، لحق بها قبل أن تفتح باب غرفتها.
ملصقاً ظهرها بالباب المغلق بقوة وقسوة حتى تألمت بشدة قائلاً لها بانفعال: إنتي مفكرة نفسك هتهربي مني تروحي فين.
حملقت به بصمتٍ لم تستطع النطق خشيةً من نظرات عينيه التي تطلقان الكثير من الشرر، حتى هو لم يعطيها الفرصة للتحدث ، أمسكها من قبضتها بكل قوته المسيطرة عليه في هذه اللحظة.
سحبها خلفه بقسوة حتى أنها تعثرت وسقطت منه على الأرض، تأوهت بشدة من الألم التي شعرت به من آثار سقطتها.
لكنه انحنى نحوها وجذبها بقسوة أكثر غير مبالياً بها ولا بألمها مستكملاً سحبها على الدرج، لم يطرق باب المنزل بل فتح الباب بمفتاحه هوعلى الفور، حتى لا تهرب منه مجدداً.
فتح الباب ، فوجد والدته تخرج من المطبخ على صوته الغاضب يقول لنوال بانفعال: مفيش بعد كده خروج من هنا إلا لما أنا اللي أسمحلك فاهمة.
ما أن رأت نوال والدته حتى جذبت يدها من قبضته، مهروله ناحيتها، ملقيه بنفسها بين ذراعيها باكية بألم وعذاب.
ضمتها بحنان إليها قائلة له بصدمة وقلق : في إيه يا ياسين لكل ده، لم يجيب والدته، إنما فقط انتزعها بالقوة من بين ذراعيها واتجه بها صوب غرفته وفتح بابها بعنف.
ثم أزاحها وألقى بها بقسوة على الفراش قائلاً بغضب : بعد كده مفيش خروج بره إلا بإذني، حتى المحل بتاعك مش هتروحيه بردو إلا بإذني، وده آخر كلام عندي وابقي عارضيني وشوفي هيحصلك إيه تاني.
تجاهل ياسين صوت بكاؤها الشديد، وحدجها بنظرات نارية قبل مغادرته مغلقاً الباب خلفه بقوة.
صُعقت والدته من أفعال ولدها الوحيد مع نوال وبدون سبب يذكر، قائلة بذهول : إيه يا بني اللي بتعمله في البنت ده، كانت عملتلك إيه علشان تعاملها بالطريقة القاسية دي، ضم قبضتية غاضباً ثم اشاح بوجهه بعيداعنها قائلاً لها بسخط: محدش له دخل في اللي بعمله فيها أنا بربيها من جديد فاهمين، وزي ما قلت إياك تخرج من إوضتي، وأنا وعدتها إني هوريها أيام عمرها ما شافتها.
اتسعت عينيها بغضب عارم وصاحت به بغيظ قائلة : ياسين …. إنت نسيت نفسك…. إنت بتتكلم مع مين، لم يرد عليها شاعراً بالغضب يتزايد بداخله متجهاً صوب الباب، لحقت به والدته قائلة بعصبية: ياسين …. رد عليه بسرعة.
وقف مكانه والتفت إليها ببطء قائلاً بغضب مكتوم: آسف يا ماما على اسلوبي معاكي ، بس بردو مش هسمح لحد انه يدخل في اللي بعمله معاها حتى لو كنتي إنتي.
هزت رأسها بعدم تصديق قائلة بذهولٍ عارم : لا… ده إنت شكلك اتجننت فعلاً، رمقها بضيقٍ مكبوت قائلاً لها بنرفزة: هوه في إيه النهاردة إنتي تقوليلي اتجنتت وهيه تقولي إنت مجنون ، انتم متفقين عليه النهاردة إنتم الأتنين ولا إيه.
حدقت به كأنها أول مرة تراه في حياتها قائلة له بانزعاج : والله يابني عندها حق ، انت مش ياسين اللي اعرفه واللي مخلفاه ومربياه على إيدي، تأملها بضيق حزين قائلاً لها باختصار: عن إذنك يا ماما دلوقتي.
قبل أن تتفوه بأي كلمة أخرى سارع بالخروج من باب المنزل والذي ما أن فتحه حتى وجد شاباً طويلاً، أنيقاً بمواجهته قائلاً بابتسامة عذبة: ده بيت الآنسه نوال.
بعد انصراف مهجة من أمامه على الفور بعد ما فعلته، وقف جلال متيبساً في مكانه بدون حراك، لا يدري ما الذي ما يحدث له ، فقد وضع يده متسللةٍ ببطء على وجنته التي قبلتها عليها بذهولٍ تام، من فعلتها متسائلاَ بصدمةٍ كبيرة لماذا فعلت ذلك.
قاطعه رنين هاتفه ، فحاول رجوع شخصيته إلى طبيعتها قائلاً بجمود: أيوة يا شريف ، فقال له بضيق لأول مرة : بصراحة عندي ليك خبر مش عارف أبلغهولك إزاي .
فقال له بقلق : فيه إيه إنطج جلجتني، زفر بقوة قائلاً له بتردد: الولد اللي اسمه حوده ده… عمل ….عمل … قاطعه بحدة قائلاً له بنرفزة: عمل إيه ما تتحدت طوالي فقال له بقلق: طلع كان محتفظ برقم العربية بتاعتك من الفيديو اللي صادرناه منه هوه والكاميرا وجاتني اخباريه بتقول انه أخد الرقم بتاعك ده وراح قسم المرور يسأل مين صاحب العربية السودة اللي كانت ظاهرة في الفيديو.
ما أن استمع جلال إلى ما يقوله حتى كاد يكسر هاتفه بقوة، بأعين متسعة على آخرهما، شاعراً بأن دماءه تغلي من الغضب قائلاً له بانفعال: وانت سايبه إكده يتصرف بمزاجه يا شريف ، فقال له بسرعة نافياً: لا يا جلال مش سايبه ، أنا اتصرفت ورحت بسرعة لقسم المرور ومسحت بياناتك من هناك بأمر مني ونبهت عليهم اذا جه تاني هناك، يبلغوني بأي خبر.
تساءل بدهشة قائلاً له : والمرور إكده هتدي معلومات عني وخلاص فقال له بتفهم : لا يا جلال ده رايح وحجته معاه وبيقولهم ان حبيبته وخطيبته مهجة اتخطفت وبقاله فترة كبيرة بيدور عليها ومش لاقيها.
ضم شفتيه غاضباً، قائلاً له بانفعال: آني لولا مهمتي كنت خليته ميعرفش حتى اسمه من اللي كنت هعمله وياه.
زفر جلال بقوة بعدما أغلق معه الهاتف ، قائلاً بتوعد : إن ما وريتك يا مصيبة.
استقبلها مصطفى محرم بنفسه قائلاً بارتباك : اتفضلي ادخلي يا ياسمين يا بنتي.
تأملت المكان حولها وكأنها أول مرة تراه، نادى مصطفى على الخادمة لتأخذ حقيبتها وتصعد بها إلى غرفتها المخصصة لها.
ابتسم لها باضطراب قائلاً لها : تعالي معايا يا ياسمين .
انصرفت مهجة خلفه وأدخلها من باب داخلى للفيلا إلى حديقة بها حمام سباحة ، أجلسها على مقعدٍ حول منضدة صغيرة وجلس أمامها هو الآخر، ووجدت الطاولة الصغيرة مملؤة بشتى أنواع الفاكهة الباهظة الثمن، التي لم تكن تحلم بأن تراها يوماً ما.
جلست تحدق به بثبات انفعالي فبادرها هو قائلاً بتوتر : أنا فرحت جداً لما عرفت من مامتك إنك وافقتي انك تقعدي عندي هنا كام يوم لغاية ما تاخدي عليه شوية.
تنهدت قائلة بهدوء : بصراحة كنت هرفض علشان جوزي ، بس بردو إنت أبوية اللي جيت بسببه للدنيا اللي ظالمتني كتير وجات عليه أوي بسببك.
شعر بحرجٍ كبير قائلاً لها بارتباك: ياسمين من دلوقتي مش عايزك تفتكري انتي كنتي إيه ، أنا عايزك، تفرحي وتبقي سعيدة وتنسي الحزن تماماً.
أخذت مهجة نفساً عميقاً قائلةً له : هحاول يا مصطفى بيه أتأقلم مع…. قاطعها بسرعة قائلاً لها : لأ مش عايز كده ، أنا عايزك تناديني ببابا على طول انسي كلمة مصطفى بيه دي.
ابتسمت قائلة له : حاضر يا بابا.
بادلها ابتسامتها قائلاً لها: صح كده هوه ده الكلام ، بعد قليل تناولت من الفاكهة الموضوعة أمامها.
وأتت الخادمة بالطعام الشهي المجهز خصيصاً من أجلها، بعد أن انتهت من تناول الطعام تركها مصطفى تصعد إلى غرفتها بالطابق الثاني.
تأملت الغرفة حولها وجدتها أنيقة وراقية وأثاثُها كما من الواضح عليه أنه باهظ الثمن، وقفت أمام المرآه متذكرة زوجها التي تركته اليوم بعد أن فعلت ما كانت تتمناه اليوم، تمنت أن تظل بين هاتين الذراعين للأبد لكن رغماً عنها وخوفاً منه تركته وحيداٍ من دونها.
و تساءلت قائلة لنفسها: يا ترى بتفكر فيه يا جلال ولا خلاص نسيتني يا عمدة، وماصدجت خُلصت مني.
كان يحيي مازال بغرفته وحيداً في المشفى، متمدداً في فراشه شارداً بعد أن جعل والده ينصرف إلى أعماله اليوم وطمئنه على نفسه حتى يوافق على تركه له.
تراخت جفونه شاعراً بالنعاس ، فغط في ثُباتٍ عميق ، لم يستمع إلى صوت الطرقات الهادئة على الباب، بسبب نومه هذا.
أثناء نومه هذا تسلل شخص ما ببطءٍ وهدوءٍ شديدين إلى غرفته، بعدما لم يجيبه أحداً بالداخل، بالرغم من وجود حارس بخارج الغرفة.
أغلق الباب بنفس الهدوء الذي دخل به، تقدم منه الشخص بتردد وخوف، من استيقاظه فجأة، وقف بالقرب منه، يتأمله بكل لهفة قلبه عليه وهو نائم متعب بهذا الشكل.
أتى هذا الشخص بمقعدٍ وقربه من فراشه وجلس يحدق به بحنان ورقة بالغين، ودمعت عيناه من الحزن لأجله قائلاً لنفسه : ياريتني كنت أني مكانك يا يحيي.
بعد قليل قرر ذلك الشخص تركه لينصرف مغادراً الغرفة ، هب من مقعده، متجهه صوب الباب وما أن أمسكت يده بمقبض الباب ، حتى صرخ يحيى هاتفاً بقوله: مررريم.
انتفض قلبها بين جنبات صدرها، في الحال مغمضة عينيها فهذا ما كانت تخشاه، وحاولت التماسك لكن قلبها رفض، ولم تستطع الرد عليه.
هتف بإسمها بنبرةٍ مختلفة هذه المرة إستمعها قلبها قبل أن تصتنت إليه أذنيها، إلتفتت إليه بارتباك وتوتر، مستندة إلى عكازين.
تلاقت الأعين هذه المرة ولكن بعتاب وعذاب كلا منهما للآخر، لكن هناك لمحةً قوية ظاهرةٍ بجلاء من عينيها له، بها شوقٍ عميقٍ من جانبها.
أشار بيده قائلاً لها بحزم : جربي وإجعدي إهنه واجفه ليــه ، عادت وجلس على نفس المقعد ، تأملها بصمت برهةً قائلاً : ممكن أعرف إيه اللي جابك إهنه بحالتك دي.
توترت أعصابها وخفق قلبها باختناق قوي قائلة له بتردد : جيت… جيت…. اطمن عليك يا يحيى …. جصدي يا دكتور يحيى.
تنهد قائلاً لها بعتاب وضيق: مكنش فيه داعي تيجي وانتي تعبانة إكده، هزت رأسها ببطء قائلة بخفوت : مكنش ينفع مجيش اطمن عليك بذات نفسي.
خفق قلبه في هذه اللحظة بالرغم عنه لكنه بالرغم من ذلك قال لها ببرود: آني مش بحب أتعب أي حد وياي.
ارتجف قلبها وضطربت أنفاسها من احراجه لها بهذا الشكل فقالت له بهمس : بس آني مش أي حد يا دكتور يحيى.
تفحص عينيها التي تخبره بالكثير وتخجل من ذكره على لسانها قائلاً لها : وعرفتي تيجي كيف إهنه، ارتبكت قائلة بارتباك: ولاء ساعدتني وجابتني لغاية إهنه.
هز رأسها بضيق قائلاً لها : طب والحارس اللي بره دخلتي منيه كيــف ، ترددت قائلة : بصراحة الدكتور فهمي الله يكرمه كلمه ودخلني.
زفر بعمق شاعراً بمشاعر مختلطة بداخله تجعله حائراً لا يعرف كيف السبيل من التخلص من هذه المشاعر.
تنهد بضيقٍ شاعراً بأنه يريد أن يشرب ماءً ويعتدل في نومه فجاء يضغط على زر بجوار الفراش ، فأسرعت مريم بقولها : كنت عايز حاجه اجيبها.
قطب حاجبيه قائلاً لها بجمود : كنت عايز الممرضة تيجي تسجيني ، فقالت له بلهفة : آني أهوه هعملك إللي انت عايزة، وبسرعة وبدون أن تعطيه فرصة للجواب، قدمت له كوب الماء الذي كان بجوار الفراش.
لكنه كان يحتاج ليعدل من جسده ليشرب ، ففهمت نظراته لها، فساعدته من ذراعه على ذلك، لكن هذا القرب الشديد بينهما ترك بهم أثراً ما بينهما هما الأتنين.
تناول منها الكوب فلامست أنامله يدها فارتعش قلبها بعنف وارتشف القليل منه ثم ناولها إياه وأخذته منه بيدٍ واليد الأخرى تستند إلى عكازها.
تأملها بصمت طويل قائلاً بهدوء ظاهري : شكراً تعبتك ويايا، هزت رأسها قائلة برقة : مفيهاش تعب ولا حاجه ، ألف سلامة عليك، يا دكتور يحيى.
كانت تود أن تعرف من فعل ذلك لكنه استبقها بتفكيره قائلاً لها بتردد : ها عرفتي مين اللي عمل فيه إكده.
كاد قلبها ينخلع من مكانه قائلة بتوتر وقلق: لاه مخبراش، فقال لها بضيق غاضب: الحيوان اللي كنتي عنديه بالشجه في مصر.
ابتلعت ريقها بصعوبة ولمعت عيناها بالدموع واشاحت بوجهها بعيداً عنه، حتى لا يرى هذه الدموع قائلة له : آني آسفه …. حججك عليه يا دكتور، آني لو كنت خابرة من البداية انك هتعاني بسببي مكنتش استنجدت بيك وجتها ، وكان عندي أموت ولا أشوف نظرات الأتهام في عينيك.
ضم قبضته بقوة قائلاً لها بغيظ : إنتي السبب في كل ده علشان تبجى تنجذي صاحبتك حلو تجومي تجعي وياها إنتي كمان ، إلتفتت إليه بقوة لم تكن تشعر بها قائلة : آني كان لازم ادخل ، ظروفها أصعب مني بكتير فاهم.
هز رأسه بغضب قائلاً لها بحدة: تدخلي وتوجعي نفسيكي انتي في مصيبة مش إكده، اطرقت برأسها للأسفل قائلة له بتهرب: خلاص اللي حُصل حُصل واتعاجبنا عليه آني وهيه ولسه كمان….. بترت باقي عبارتها فجأة عندما تفاجأت انها أخطأت وكادت تصرح عن ما بداخلها من أسرار تخفيها عنه.
لاحظ يحيى عليها ذلك فقطب حاجبيه بتساؤل غريب وقال لها بحدة : ولسه إيـــه جولي…
ارتجف قلبها بعنف من الرعب التي شعرت به الآن، قائلة بصوتٍ مرتجف : عن إذنك دلوك ، الحمد لله إنك بخير.
هبت من مقعدها بسرعة واقفة لتنصرف وجاءت لتضع يدها على مقبض الباب وجدت ذراعاً تمتد أمام عينيها، تمنعها عن فتح الباب فقد وضع قبضته عليه ، محاصراً إياها خلفه بذراعه الأخرى.
صُدمت من فعلته هذه، وبُهت وجهها متطلعة إليه بحلقٍ جاف قائلاً لها بقسوة : ناوية تهربي مش إكده، حاولت النطق لكن دموعها قد سبقتها بالهطول على وجنتيها دون أن تدري، كاد أن يرق لحالها لكن شبح عادل عاد إليه من جديد.
مقرباً إياها من صدره قائلاً لها بسخط غاضب: انتي فاكرة دموع الأفاعي دي هتأثر فيه، لاه فوجي إنتي بتتحدتي مع يحيى المنياوي فاهمة .
ارتجفت شفتاها بذعر من تطلعه إليها بهذا الشكل قائلة له برجاء : طب خليني امشي أرجوك دلوك، أخوي زمانه جاي من الشغل، وعايزة أعاود جبليه.
صاح بها قائلاً بقسوة : مريم انطجي وجولي كنتي تجصدي إيه من حديتك دلوك، شكل إكده فيه حاجه مخبراش عنيها حاجه.
عادت مريم إلى المنزل فوجدت والدها وشقيقها بانتظارها ، محدقين إليها بنظرات نارية، تهاوى قلبها وكادت أن يغشى عليها في الحال خشيةً من نظراتهم المهددة .
اقترب منها شقيقها حسين ناظراً إليها قائلاً لها بغموض غاضب: كنتي فين يا عروسة لدلوك ؟
وقبل أن يعطيها فرصة للصدمة من سؤاله الصادم هذا، باغتها بجملةٍ صدمتها أكبر وكاد أن يغشى عليها بالفعل قائلاً لها بتهديد: حمدان ولد عمك عتمان هيجرى فاتحتك كمان اسبوع مبروك يا عروستنا.
ذهب جلال إلى شقيقه في المشفى قائلاً بحده : إنت لازم تجول الحجيجة علشان أجدر أتصرف وآخد حجك يا اخوي.
تطلع إليه يحيي بشرود قائلاً له بهدوء ظاهري : لاه منيش عايزه يا اخوي، متنازل عنيه.
بُهت جلال قائلاً بغضب : يحيي شكلك إكده مش خابر أخوك زين، فقال له بتردد : يا اخوي افهمني آني مش عايز مشاكل أكتر من إكده.
هتف بصوتٍ هادر : واحنا من ميته واحنا بنخاف من المشاكل ، احنا مش بنخاف إلا من ربنا وبس.
زفر بقوة قائلاً برجاء : خابر يا عمدة بس آني آسف يا أخوي مش جادر أجولك.
أطبق على ذراع شقيقه بقسوة قائلاً له بنرفزة : إنت إذا مكنتش هتنطج وتجر وتعترف بكل حاجه دلوك ، مش خابر ممكن إيـــه يحصل مني.
ابتلع ريقه بصعوبة فهو يعلم شقيقه جيداً فقال له بتردد : يا أخوي ما تكبرش الموضوع أكبر من إكده، ده ممكن يطير فيه ارجاب بنات كمان.
قطب حاجبيه باستفهام قائلاً له بتساؤل حاد: بنات مين انطج؟
زفر بقوة قائلاً له بتوتر : مريم وولاء يا عمدة.
في المساء شعرت مهجة بحنين شديد إليه فهي ستنام بدونه الليلة ولأول مرة منذ أن ناما سوياً في غرفتها، ولم يرفق النُعاس بحالها بل شوقها إليه يجعله يهرب من عينيها ولا يجعل جفونها تثقل بسببه من النعاس، فوقفت في النافذة تطلع إلى القمر تناديه قائلة بهيام : روح يا قمر سلملي عليه واقوله مهجة بتحبك قوي قوي وبتسلم عليك وبتقولك كمان انت وحشتها كتير كأنك غايب عنها بقالك سنة، متنسهاش علشان هيه مش نسياك.
ثم اشارت إلى القمر بإصبعها كأنها تتحدث إلى أحداً ما، لتنبهه قائلة له مبتسمة: إوعاك تنسى لحسن أزعل منك…. وقبل أن تستكمل جملتها فُتح عليها باب غرفتها بقوة قائلاً صاحبه بغضب: انتي مين إنتي وبتعملي إيه هنا…!!!
يتبع..
لقراءة الفصل الحادي والثلاثون : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي