Uncategorized

رواية البوص الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

 الغموض الأسود
هامساً بصوتٍ كالفحيح: مسمعش منك ولا حرف واحد، تيبس جسدها بين ذراعه وجحظت عيونها بصدمةٍ ممزوجةً بهلع شديد جراء ما تلاقيه الآن.
فلم تعد تستطيع النطق أو الصراخ للدفاع عن نفسها حتى… فقد ألجمتها مباغتته لها، وشل ذهنها عن التفكير في أي رد فعل لديها، زادت كل مشاعرها تلك، عندما حملها بين ذراعيه فجأةً إلى سيارةٍ فخمة.
 لم يكن لدى ملك أي مقاومة ناحية هذا الشخص الذي يحملها بقوة هكذا… والتي لم تتعرف إلى وجهه إلى الآن في وسط هذا الظلام الدامس.
سار بها بخطواتٍ ثابتة نحو العربة دون أدنى اعتراض منها كأنها موافقة على ما يُفعل بها…. في هذه اللحظات الفارقة في حياتها… فقد شعرت بأنها خفيفة كالريشة وهي محمولة هكذا بين ذراعيه القويين يضمها ناحية صدره بشدة حتى لا تفر منه هاربة، إنها الآن منعدمة التفكير ومنحصر فقط في ما يحدث لها من مفارقاتٍ عجيبة.
وضعها هذا الشخص قوي البُنية فى السيارة من الخلف مسرعاً، ثم جلس بجوارها على الفور.
قائلاً لسائقه بنبره آمرة: إطلع بينا بسرعة من هنا قبل ما نلفت الانتباه، ثم حدجها بنظراتٍ قاتمة في وسط هذا الظلام الذي يلفُهما.
تحرك السائق فور ما أمره به دون أن يتحدث كأن كلمات هذا الشخص، ليس إلا أوامر فقط وعليه أن ينفذها دون أدنى مناقشة، سرت رجفةً عنيفة في جسدها وهو يتطلع إليها بنظراته المخيفة… ابتلعت ريقها بصعوبة وقلبها يئن من الرعب التي تحياه الآن.
حاولت أن تتبين ملامح وجهه لكن الغموض والظلام حول هذا الشخص جعلها تهابه أكثر…. فهي لم تدري ماهي ولا تريد أن تعرف فوراء غموضه الشديد هذا سر كبير تخشى كثيراً معرفته.
هامسةً لنفسها بحزن وذعر: الله يسامحك يا أبيه عاصي إنت السبب في اللى أنا فيه دلوقتي….  طريقتك الغلط معايا هيه اللي خلتني هربت منك، وسيبتك بدون تفكير.
وقفت العربة في مكان هادئ، فنفضت عن رأسها هذا الشرود فيما آل إليه حالها من غموض ومستقبل مجهول لديها.
استمعت إلى صوته المميز يقول لها بنبرة صارمة: إنزلى بسرعة، اضطربت أعصابها وتوترت أكثر لدى سماعها لكلماته…. لكن قبل أن تفكر في الهبوط منها….وجدت نفسها تُحمل من جديد بين ذراعيه.
انتفض قلبها بقوة فهذه أول مرة تجد أحداً بمثل هذا الغموض والقوة، فتجمدت بين يديه كأنها بعالم آخر…. وودت لو تقوى على الصراخ لينجدها أحداً ما منه.
لكن من سينجدها في مثل هذا التوقيت المتأخر من الليل….فهذا مكان من الواضح عليه أنه بعيد عن العُمران بكثير، وجدت هذا الشخص يسير بها نحو مبنى لا تعلم ما هو…
عند وقوفه أمام باب خشبي كبير، فُتح أمامه بواسطة أحد رجاله دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة… أغلقه بعد ولوجه إلى المكان على الفور، بيد كبيرة من الخلف مصنوعة من الحديد.
اتجه بها هذا الشخص الغاضب والغامض…. الذي يحملها إلى غرفةً ما جانبيه، فتح بابها بقدمه اليمنى بعنف كاد أن ينكسر، من قوة ارتطامه بشيء ما خلفه مُحدثاً ضجةً عالية في هذا الليل الدامس.
أدخلها إلى حجرة شديدة الظلام ووضعها بداخلها وأجلسها على مقعدٍ خشبي قديم لم تراه بعد لكن من ملمس جلدها عليه عرفت أنه قديم بالفعل.
منادياً بصوتٍ حاد: ابراهيم…. اتى راكضاً بسرعة على إثر صوته الغاضب.
قائلاً بصوتٍ مرتبك: نعم… نعم يا…. قاطعه بخشونةً قائلاً بلهجة آمرة: حبل شديد ومتين بسرعة… اومأ ابراهيم برأسه بالموافقة قائلاً بارتباك: حاضر ثواني بس.
هرع من أمامه لينفذ تعليماته… أما ملك فقد كانت في موقف لا تُحسد عليه ولا تدري ما هي نتائج ما فعلته بنفسها دون تفكير.
قاطع تفكيرها بنبرةً قوية قائلاً بتهديد: أما إنتِ بقى فاهتشوفي مني أيام عُمرك ما شوفتيها ولا هتشوفيها إلا معايا أنا…. البوص يا قطة.
دخل عاصي إلى حجرته شارد الذهن مندهشاً من تصرفات صغيرته الذي قام برعايتها منذ الصغر مع شقيقته ملك…. منذ وفاة والديها في حادثٍ أليم بطريق عام.
نجت منه بإعجوبة حينذاك عندما تمسكت بيده ببراءة، للاحتماء من والديها وراء ظهره وتمسكها الشديد به وبالبقاء معه في منزله ورفضها التام….الذهاب معهما إلى منزلهما… وهي طفلةً صغيرة ذات الثماني سنوات.
وقتها شعر عاصي بتعجبٍ شديد من أمرها فالأول مرة تفعل ذلك… وعندما لاح على وجهها ابتسامة آمان برفقته، عارض هو الآخر انصرافها مع عمه وزوجته….
متعللاً بأن الوقت قد تأخر و قد فات موعد نومها… وستمكث بصحبة شقيقته ملك لتلعب معها.
وأخبرهم أنه سيوصلها إليهم في صباح الغد…. عندها وافق والديها على رغبته في البقاء بصحبته هو وشقيقته وما هي إلا دقائق معدودة من انصرافهما حتى آتاهم الخبر المفجع بالهاتف.
عندها ألقت الطفلة الصغيرة والوحيدة بنفسها بين ذراعيه باكية فراق والديها وأحبتها، بكى عاصي من أجلها في هذه اللحظة قائلاً بحنان: متخافيش يا حبيبتي أنا معاكِ.
انتحبت بشدة وجسدها ينتفض بين ذراعيه، من هذا الفراق القاسي لديها بغمضة عين فها هم فارقوا الحياة وتركوها بمفردها في حياةٍ واسعة لا تعرف ما مصيرها الان.
قائلة ببراءة حزينة: ماما وبابا سابوني لوحدي يا عاصي.
أغمض عيونه بقوةً متحملاً آلام كلماتها ووقعها في نفسه وهو يضمها إليه بعطف وحنان رافعاً إياها بين ذراعيه متجهاً بها إلى غرفة شقيقته قائلاً بهدوء ظاهري: إوعي تقولي كده يا عمري ربنا موجود وأنا معاكِ أهوه وعُمري ما هسيبك ولا هتخلى عنك أبداً.
نامت فريدة على كتفه بعد أن طمئنها أنه لن يتركها بمفردها… تعاني مرارة اليتم والحرمان.
وضعها برفقة شقيقته على الفراش لتنام جيداً، ثم جلس بجوارها يتأملها وبتساؤلات عديدة تشغل تفكيره، مد يده يتحسس شعرها الناعم بحنان بالغ.
هامساً لنفسه بتأكيد:- عايزك متقلقيش من أي حاجه يا فريدة مادام أنا جنبك…. هتعيشي معانا هنا وهكون مسئول عنك انتِ وملك وهربيكم انتم الأتنين سوا… ومش هقبل في أي يوم من الأيام ان حد يزعلكم أبداً.
ومنذ هذه اللحظة صارعاصي بالنسبة لفريدة بمثابة… أباً وأخاً كبيراً لها بعد أخذه على عاتقة تولي رعايتها وربايتها في كل شيء، ورغم ذلك لم يعد يفهم تصرفاتها الأخيرة معه كلما تلاقت نظراتهم معاً.
فهو يلاحظ توترها وهروبها الدائم منه…. عندما يريد التحدث معها في أي شيء، حتى وهو يقوم بإيصالها لكليتها تتحلى بالصمت الدائم أو تنشغل بكتاب ما في يدها.
دون أن تتواصل معه كعادتها الملحة…. ورغبتها الدائمة في الوجود بصحبته والتحدث إليه منذ الصغر، حتى وهو مشغول بعمله.
تنهد عاصي وهو ينفض عن رأسه تلك الذكريات التي تظل حبيسةً داخل قلبه دون البوح بها حتى لنفسه، فهو يراها دائماً، كالزهرة التي تفتحت وترعرت من أجله فقط…. لا حتى من أجل نفسها….
تمدد على الفراش يحاول النوم بعد تذكر كلماتها الأخيرة لديه الليلة…. زافراً بحرارة قائلاً لنفسه بتوعد: ماشي يا فريدة إياك متكونيش بتكدبي عليه وأنا بقى ساعتها هعرف شغلي معاكِ.
أتى إبراهيم بالحبل المتين مثلما طلب منه البوص، وأمره الأخير بربط ملك من مرفقيها وقدميها وتكميم فمها، حتى لا تقوى على الفرار أو التحدث.
اتسعت عيونها بذعر هامسة لنفسها بهلع: شايفة هيعملوا فيكِ إيه…. لحظة غضب واحده من أخوكِ عاصي ضيعتك بدون تفكير… إنتِ الغلطانة يا ملك…. إنتِ اللي سيبتيه وهربتي بمزاجك…. وآدي نتيجة تسرعك وقعتي في إيد واحد مبيرحمش حد.
تيبست في مكانها بعد أن قيدها ابراهيم مثلما أمره البوص قائلاً: كل حاجه تمام يا بوص.
ضحك سليم ساخراً بقوله اللاذع: سيب بقى الحلوة ترتاح للصبح لوحدها في الضلمة كده…. وبعدها بقى…. بتر عبارته ليبث الرعب في قلبها.
فابتسم ابراهيم قائلاً: تمام يا بوص تصبح على خير، انتفض قلبها برعب قوي، بعد أن تركها الرجلان في هذه الغرفة المظلمة مقيدةً هكذا بدون شفقة أو رحمة من جانبهم، بعقاب جديد عليها…. فعاصي مهما كان لم يكون بمثل هذه القسوة أبداً في يوم من الأيام.
انهمرت عبراتها بغزارة كأن حياتها الماضية لم تكن تحياها يوماً من الأيام قائلة لنفسها بجزع: أنا آسفه يا أبيه عاصي…. فهمت حنيتك وخوفك عليه غلط من وأنا صغيرة… كنت دايماً بحس بالغيرة من تعاملك مع فريدة واهتمامك بيها أكتر مني.
صمت تفكيرها كثيراً عند هذه النقطة متذكرة أنه كان دائماً ما يعدل بينهما في كل شيء حتى عندما يجلب لهم الحلوى، كانت مناصفةً بينهما.
انتحبت ملك هذه اللحظة متابعة بعذاب مرير لنفسها: أنا آسفة يا أبيه عُمري ما فهمتك صح إلا قليل أوي… فريدة كانت بتصبر عليك وبتفهمك أحسن مني، وأنا لأ… هيه اتحملت معاملتك القاسية معاها وأنا لأ بردو… كانت بتصبرني عليك وتقولي ده مفيش أحسن من عاصي شايل همنا طول الوقت.
عادت برأسها إلى الوراء تحاول إغماض عيونها بإجهاد شديد…. تريد نسيان ما ستمر به غداً والأيام القادمة التي وضعتها في طريق من لا يُرحم.
استقل البوص سيارته للانصراف عائداً إلى فيلته… استوقفه ابراهيم بتردد وهو ينحني للتحدث إليه من نافذة العربة.
قائلاً بحذر: البنت اللي جوه دي هنتصرف معاها إزاي يا بوص بعد… قاطعه سليم بإشارةٍ آمره من يده ليكف عن التحدث بأمورلا تُعنيه، فصمت ابراهيم على الفور…. خشيةً منه.
ثم اعتدل الأول بجلسته داخل السيارة بكل ما يحمل بداخله من غرور قائلاً بغموض: سيب الموضوع ده عليه أنا…. ثم رفع زجاج النافذة الذي بجواره منهياً حوارهما.
صدح هاتفه قبل وصوله لفيلته، فحدق به بضيق قائلاً بجمود: مفيش حاجه اسمها مش قادرين تسيطروا عليها.
ارتبك الرجل للحظات قائلاً بتوتر: حاضر يا بوص هنفذ تعليماتك بس… بس دي بتصرخ وعايزة حضرتك.
تأفف بخشونة قائلاً بسخط: اتصرف انت معاها يا أخي لغاية ما أبقى آجي ليها وأنا لوحدي هشوفلها حل ينهي كل اللي بيحصل ده.
تنهد الرجل باستسلام قائلاً بهدوء: تمام يا بوص هنفذ كل اللي قولتلي عليه، زفر سليم بحرارة مغمض العينين بحدة وهو يستند برأسه للوراء على مقعد سيارته.
استيقظت ملك فزعة في صباح اليوم التالي على أحلام مزعجة رأتها في منامها… من أثر ما لاقته بالأمس.
فتحت عيونها ناسية تماماً أو متناسيه أين هي… ولماذا تتواجد في هذا المكان الفوضوي التي تراه لأول مرة منذ الأمس…. فعندما أتت ليلاً لم تتبين المكان أبداً.. فهذا الشخص المدعو البوص، لم ينير لها أي ضوء حتى لا ترى ملامحه ولا تشاهد أين هي بالضبط.
 هامسة لنفسها بقلق: يا ترى أنا فين دلوقتي، وإيه المكان اللي يخوف  ده…. ثم انتبهت لكفيها المقيدتين وقدميها أيضاً الذي ينعقد حولهما الحبل بقوة، حتى لا تفر هاربة من هذا المكان المخيف لديها.
فقد ظهرت بعض معالم الغرفة نوعاً ما، مع تسلل اشعة الشمس لديها من بين الحواجز الخشبية الموضوعة على النافذة والموصودة بها بقوة… حتى لا يفر من كان في موضعها بالهرب من المكان.
فإن الغرفة بها سرير مهترئ ، متهالك ومقعدٍ آخر لكن حالته جيدة نوعاً ما عن التي تجلس عليه، تلفتت إلى الناحية الأخرى بانزعاج، فرأت المكان حولها أكثر وضوحاً، فاتسعت عيونها بانزعاج شديد.
إن الغرفة متسخة تماماً ومليئةً بالأتربة الكثيرة والعناكب…. هزت رأسها غير مصدقة أنها موجودة في هذا المكان القذر.
الشبيه بمخزنٍ قديم، يقومون عن طريقه بعمليات اجرامية كالتي رأتها بالأمس، لكن الآن ليس عليها إلا أن تفكر جيداً ماذا ستفعل مع هؤلاء المجرمون…. ومن أين المخرج من هذه الورطة الكبيرة التي وجدت نفسها بها دون قصد.
انتبهت بغتةً من بين تأملها للمكان حولها وشرود الذهن هذا الذي أصابها منذ ان هربت من منزلهم بالأمس.
 إلى اصواتٍ عالية وضجةٌ بالخارج…..ثم هدأت فجأة كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة القوية التي تُطيح بكل شيء أمامها دون رحمة إذ فوجئت بمن يقتحم عليها الغرفة بكل قوته.
ارتعبت ملك من منظره…. واتسعت عينيها بقوة، متمنية انشقاق الأرض وابتلاعها من كثرة خوفها منه… وقلبها يخفق وتتعالى ضرباته بعنف.
تأملها الرجل من رأسها حتى أخمص قدميها دون أن ينبس ببنت شفه… تفحص عيناها المذعورتان، مبتسماً بسخرية قائلاً لها بغموض: ده جزاة اللي يقف ولا يقع…. في طريق ووش البوص…. 
ثم خلع عن كتفيه كنزته الذي يرتديها… فظهر سلاحه في غمده في حزام بنطاله…. ابتلعت ريقها بصعوبة أكثر عندما اقترب منها بخطواتٍ مهددة.
ارتجف قلبها كالطير الذبيح من كثرة تحديقه بها بمزيج من الغضب والسخرية…. رمقته بنظرات زائغة، فوجهه ينم على انه هو ذلك الشخص الذي أتى بها بالأمس.
الآن قد وضحت ملامح وجهه أكثر ثم سقط نظرها مرةً أخرى على سلاحه، كادت أن تصرخ لكن ذلك الشعور ظلت تحبسه رغماً عنها في داخلها خشيةً منه.
قائلة لنفسها بهلع: مسدس يا ملك مرة واحده مسدس…. هوه ناوي يموتني ولا إيه…!!!
قبل أن ينطق البوص مرةً أخرى، دخل إليه رجل يقول بقلق: عوض وصل يا بوص…. زفر بغضب قائلاً له بلهجة آمرة: خليه يدخل بسرعة.
دخل عوض مهتز الأطراف …. يتصبب العرق من جبينه بغزارة من شدة ذعره منه… قائلاً بصوتٍ مرتجف: نعم يا بوص… فقال له بغضب: ممكن أعرف اللي قلت عليه… ليه ما اتنفذش.
احتقن وجه عوض بقوة، وابتلع ريقه بصعوبة قائلاً بخفوت خائف: أنا…. أنا… كنت… ولم ينتظره البوص ليستكمل حديثه…. فقد أصمته سليم برصاصة أتت في ذراعه الأيسر، جعلته يصرخ متألماً…. ثم سقط أرضاً من شدة الألم… دون أدنى مقاومة من جانبه.
صرخت ملك هذه المرة بفزع شديد رغم تكميم فمها رغماً عنها… من بركة الدماء التي رأتها تسيل من ذراع الرجل…. وتعالت صياحتها عندما اقترب… منها أكثر بنفس خطواته المهددة.
واضعاً قبضته بعنف على فمها ليسكتها قائلاً بشراسة غاضبة: شايفة… ده بقى بيبقى جزاة اللي مش بيسمع كلامي… ويعصي أوامري فاهماني يا قطة.
استيقظ عاصي في الصباح بعد عدم نومه المنتظم بالأمس…. فقد اضطرب واعتراه القلق كثيراً متذكراً وجه فريدة الخائف والمضطرب بالأمس.
عقد حاجبيه… بضيق وغضب، ثم نهض من فراشه…. داخلاً إلى المرحاض….. ليذهب لمكتبه الهندسي.
على الجانب الآخر قد أخذت فريدة نفساً عميقاً تتجهز لرؤية عاصي لمواجهته…. لكن شيء ما بداخلها، جعلها تخشى مقابلته في الصباح لا تريد أن يكشف الحقيقة الآن.
فهي لابد أن تكون مُجهزة نفسياً لملاقاته لهذا عليها أن تفر من طريقه الآن قبل أن يطرق عليها باب غرفتها ليوصلها لكليتها كالعادة.
ارتديت ثيابها على عجل من أمرها…. ثم أسرعت بالخروج من حجرتها وركضت باتجاه الدرج.
اشتمت إلى رائحة طعام الإفطار آتيه من المطبخ فدخلته مسرعة هاربة منه قبل أن يراها…. رأتها مربيتها قائلة لها بحنان: صباح الخير يا حبيبتي، يعني صحيتي بدري النهاردة.
حاولت فريدة أن تبدو طبيعية أمامها قائلة بهدوء مفتعل: يعني بحاول يا داده أكون منتظمة شوية في نومي علشان الكلية.
ربتت زينب على ظهرها بحب قائلة: وماله حبيبتي براحتك…. امتحاناتك امتى…؟
تنهدت بتوتر رغماً عنها ثم أجبرت نفسها على الابتسام قائلة بهدوء: خلاص كلها شهر بس…. وامتحن…. ده غير الامتحانات العادية.
قبل أن ترد عليها مربيتها …. بوغتت بمن يقف عند باب المطبخ محدقاً بها بقوة…
جف حلقها من قسوة نظراته لها فأشاحت بعينيها بعيداً قائلاً لها بجمود: فطرتي ولا لسه…. لم تستطع الرد عليه كأنه يعلم جيداً حقيقة ما حدث بينها وبين ملك.
فلما طال صمتها…. ردت مربيتها قائلة بحنان: صباح الخير يا عاصي يابني.
زفر بضيق ثم رد باقتضاب: صباح الخير ياداده…. من فضلك اعمليلي فنجان قهوة قبل ما أمشي.
اندهشت زينب قائلةً له: طب مش هتفطر الأول قبل ما تمشي على شغلك…. 
هز رأسه بالنفي قائلاً لها باختصار: لا مش هفطر…. ثم نظر إلى فريدة الصامتة والتي تخشى مواجهته منذ الأمس.
مستطرداً بحده: وانتِ مش بتردي ليه… !!!
تلعثمت وتوترت أعصابها أكثر قائلة بقلق: نعم يا أبيه…. شعر بالغضب منها…. تاركاً المكان وهو يقول بحنق: جهزي نفسك هوصلك للكلية في طريقي.
شعرت أنه سيغشى عليها في الحال، فهي لا تريد الذهاب إلى كليتها… لكنها لا تقوى على إخباره بذلك.
هربت إلى حجرتها سريعاً ودون تفكير حتى يذهب لعمله دون أن يراها…. وقفت بالقرب من النافذة تراقبه… هل انصرف بعربته إلى عمله أم لا.
لكن تأتي دائماً الرياح بما لا تشتهيه السفن…. فوجئت بمن يفتح عليها الباب بغضب.
انزعجت فريدة بشدة وتراجعت عن النافذة بتلقائية قائلاً لها بعصبية: ملبستيش ليه… علشان أوصلك في طريقي.
ضمت قبضتيها بقوة حتى تشجع نفسها على الرد عليه قائلة له بتردد: أصل… أصل…. مش هروح النهاردة.
عقد حاجبيه بضيق قائلاً بتساؤل: ومش هتروحي ليه يا ست هانم، ممكن تفهميني.
ابتلعت ريقها بصعوبة…. متذكرة لو اكتشف حقيقة ما حدث بالأمس وأنها كذبت عليه… سيقتلها بالتأكيد.
قائلة له بتلعثم: علشان …. علشان… هذاكر أصل ورايا مواد كتيرة…. محتاجه مراجعة…. فيها حاجه يعني.
اقترب منها حتى كاد يلتصق بها متفحصاً وجهها، قائلاً لها بجمود: بقى كده يعني…. هوه ده السبب بس.
احتقن وجهها كثيراً من هذا القرب الشديد، فتراجعت خطوة أخرى بخوف ثم هزت رأسها بالموافقة…. دون أن ترد.
تنهد عاصي بحدة متابعاً حديثه لها بتهديد: طب ياريت بقى يكون ده السبب الحقيقي فعلاً… يا إما انتِ عارفه… هعمل إيه وقتها.
شعرت ملك في هذه اللحظة بأن الوقت توقف بها من إثر ما تلاقيه من عذاب جديد أضافته بإرادتها هذه المرة.
فها هي تجلس أمام ذلك الشخص الذي يطلقون عليه لقب البوص، مقيدةً من كفيها وقدميها، حتى تريد أن تصرخ لينجدها أحدهم…. لكن هذا الصراخ ظل حبيساً داخل قلبها.
من تهديداته الواضحة لها… امتقع وجهها عندما تناثر الدم على الأرض، من الرجل الملقي على الأرض، والذي حمله اثنان آخران من رجال البوص هذا إلى خارج الغرفة.
رمقها بمزيد من القسوة والتهديد قائلاً بغضب:- ها يا حلوة شايفه اللي بيقع في طريقي بعمل فيه إيه.
لم تستطع الرد عليه فهزت رأسها بالموافقة، سريعاً برعب، عقد حاجبيه بضيق وهو يشهر سلاحه إلى جانب رأسها، فتعالت ضربات قلبها وعيونها جاحظة بذعر على السلاح الذي يتمسك به بقبضته.
مردفاً بعصبية:- أنا هرفع إيدي من على بوقك وأي صوت هتعمليه  برصاصة واحدة وفي لسانك على طول… فاهمة.  
اومأت برأسها بسرعة لتدافع عن نفسها، فرفع يده من على فمها، ولم يصدر عنها أي ردت فعل سوى بصرها الذي يحدج بالسلاح الموجود بكفه.
ثم نزع بيده اللاصق الموضوع على فمها بعنف، منحنياً أمام وجهها بمكر شديد، متأملاً لعيونها بنظراتٍ طويلة غامضة قائلاً بعبث: أيوة كده واضح إنك بتتعلمي من الدرس على طول.
لم تستطع ملك النطق من كلماته فأطرقت برأسها أرضاً من شدة ذعرها منه، وقلبها ينبض بقوة.
فأمسكها من شعرها رافعاً وجهها إليه بعنف، حتى تأوهت من الألم التي شعرت به، مردفاً بنفس العبث الخبيث: ودلوقتي بقى يا قطة نقدر نتفاهم سوا.
عاد عاصي من مكتبه مبكراً على غيرعادته …. ترجل من سيارته ورفع بصره باتجاه نافذة حجرتها….فلمحها تركض عند رؤيته.
عندها تزايد الشك  بداخله فأسرع بالدخول إلى المنزل، منادياً المربية قائلاً بصوتٍ مرتفع: دادة زينب… دادة زينب.
ركضت زينب نحوه قائلة بفزع: نعم يابني… خير في حاجه، زفر بحدة قائلاً بتساؤل: فين ملك..؟
زاغ بصرها بحيرة قائلة بتردد: لغاية دلوقتي يابني مشفتهاش ولا نزلت من اوضتها.
لم يرد عليها عاصي، وأسرع على الدرج متجهاً إلى غرفتها، فتحها وهو ينادي عليها فلم يجدها.
اتسعت عيونه بغضب شديد ثم ركض كالثور الهائج… نحو حجرة فريدة والتي كانت تقف أمام المرآة… تحاول أن تشجع نفسها على ملاقاته بمنتهى الهدوء حتى لا يكتشف كذبها عليه… ممسكةً بفرشاة شعرها تمشطه وقلبها يرتعد. 
فهي تعلم جيداً أنه سيأتي إليها وهو على هذه الحالة المنفعلة من أجل شقيقته الوحيدة… فتح عاصي عليها باب حجرتها باندفاع.
فسقطت الفرشاة بتلقائية من يدها من شدة الفزع قائلاً بثورة: فييييين ملك…؟
تعالت صرخاتها بهم قائلة بحدة: سيبوني…. سيبوني عايزين مني إيه، أنا عايزة سليم.
تنهد الرجل قائلاً بسخط: انسي البوص دلوقتي وخليكي جدعة كده ونفذي كل اللي قولتلك عليه.
أمسكت السيدة الفاز الذي بجوارها وهشمت به منضدةٍ صغيرة قائلة بانفعال: قول للبوص بتاعك إنه عقابه المرادي شديد أوي وأنا مش هسكت فاهم.
اتسعت عيني الرجل بغضب صائحاً: فتحي…. فتحي تعالى هنا بسرعة….!!
جحظت عيونها بهلع شديد وهي تتر اجع للوراء قائلة برهبة وفزع: بلاش فتحي…. بلاش فتحي أبوس إيدك…. بلاش فتحي…!!!
يتبع..
لقراءة الفصل الثالث : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!