Uncategorized

رواية أنا والمجنونة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

 رواية أنا والمجنونة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

وصلت نوال ومها إلى أحد بيوت التجميل، حدقت بها مها قائلة : ابتسمي بقى يا نوال إحنا من ساعة ما خرجنا من البيت وانتي حزينة وانا مش عايزة أشوفك كده.
حبست دموعها قائلة لها : غصب عني يا مها، وانتي عارفه كده كوي وعارفه كمان اني رافضة إني أروح معاكم من الأساس، فقالت لها بعطف : عارفه كل ده …. بس لازم تغيظيه وتغظيها، زي هوه ما بيغيظك.
عقدت نوال حاجبيها قائلة لها بدهشة : أغيظة …. أغيظه… إزاي إنتي بتهزري أكيد مش كده.
فقالت لها بسرعة : لا طبعاً مش بهزر ، انتي لازم توريه عكس ما عايز يشوفك ، سألتها بعدم فهم قائلة : ازاي بردو….!!! 
هزت مها كتفيها باللامبالاة قائلة لها : يعني توريه إنه مبقاش فارق معاكي وتبقى أجمل من نهى خطيبته ….. ها إيه رأيك.
ضمت نوال قبضتيها بقوة قائلة لها بهدوء ظاهري: هوه خلاص مبقاش فعلاً فارق معايا في أي حاجه وموضوعه مبقاش في دماغي أصلاً .
ضحكت مها قائلة : يبقى خلاص اسبيتيله ده عملي ووريني.
دخلت والدة مريم إلى حجرة ابنتها قائلة بحنان : ها يا بتي عامله إيه دلوك ، همست قائلة : بخير يا اماي .
ابتسمت لها بحب وهي تضع يدها على شعرها بحنان بالغ قائلة : تحمديه على خير يا بتي ، يالا جبتلك الوكل علشان تاكلي ، وتاخدي علاجك فقالت لها بضيق : لا يا اماي مليش نفس .
حدقت بها بقلق قائلة : لاه يابتي مش هينفع إكده ، إنتي لازم تاكلي كويس علشان صحتك وتجدري تجفي من جديد على رجليكي.
تنهدت قائلة لها : صدجيني يا اماي لما أجوع هاجولك ، تنهدت بحزن قائلة : ماشي يا بتي براحتك….. قاطعها صوتاً جهوراً قائلاً لها : لازم تاكلي مينفعش إكده علشان تجدري ترجعي كليتك من تاني،  ولا مش عايزة تروحيها.
ابتلعت ريقها بصعوبة من قسوة قول أخيها حسين قائلة له بارتباك : لا طبعاً يا أخوي عايزة أروح داني في آخر سنة ولازم أروح.
تنهد بضيق قائلاً لها : يبجى خلاص تسمع الحديت ده، وتاكلي بدل أطلعك من كليتك خالص ونجوزك ونرتاح منيكي.
شعرت مريم بالخوف من تهديده الواضح لها قائلة له بقلق: هاكل …. هاكل يا أخوي ولا تزعل نفسك واصل.
حدقت والدته به قائلة بحنان : بالراحة على خيتك يا ولدي دي لساتها مريضة، زفر بقوة قائلاً لها : ماهي تصرفاتها غلط يا أماي فابتسمت له قائلة: بس بردك لساتها صغيرة ومتعرفش حاجه.
تركهم وهو يقول لها: أيوة افضلي جولي عليها إكده لغاية ما تستجوى علينا كلاتنا.
لمعت الدموع في عيني مريم ، فأسرعت والدتها تقول : معلش يا بتي أخوكي خايف عليكي مش هتلاجي أحن منيه عليكي بردك .
تنهدت مريم بحزن قائلة : خلاص يا اماي معدتش فارجه ، فقالت لها بجزع : ليه يا بتي بتجولي إكده .
صمتت ولم تستطع الرد على والدتها ، فكل ما عانته الفترة الأخيرة ، جعلها كأنها ليست هي ، فقد تغيرت كثيراً شاعرة بعدم الثقة والأمان حتى يحيي قد هددها هو الآخر وتركها بمفردها تواجه مصيرها مع أباً طاغٍ وأخ لا يرحم وأمٍ ضعيفة لا يوجد لها كلمة في هذا الدار ومن غير حول لها ولا قوة.
تركتها والدتها بعد أن تناولت القليل من طعامها ودواءها، شاعرة بالحزن والجزع في عينيّ أمها.
تجسدت صورة يحيي أمامها وعدم تصديقه لها ، بسبب شخص فاسد تود الأنتقام منه من أجل صديقتها الوحيدة ومن أجل نفسها .
أغمضت عينيها وهي تتنهد بحزن عميق وصورة عادل يحاول أن يعتدي عليها، فضمت قبضة يدها إلى صدرها قائلة لنفسها بغضب : منيش هسيبك تفلت بعملتك ويانا.
دخل فهمي حجرة مكتب يحيي في المشفى بعد إنتها فترة عمله لهذا اليوم قائلاً له : ها …. مش هتمشي .
صمت يحيي قليلاً بشرود قائلاً له : لسه جدامي شوية ، فقال لها بتساؤل : إيـــه أخبار بنت الحاج عبدالرحيم .
حدق به بضيق قائلاً له : معرفش عنيها أي حاجه واصل ، ولا عايز تجيبلي سيرتها بعد إكده .
قطب فهمي حاجبيه قائلاً لها : ليه بتجول إكده ، ده انت المفروض اللي متابع حالتها لغاية ما تفك الجبس من رجليها التنين .
زفر بقوة قائلاً لها : تبجى تتابع حالتها مع غيري ، استغرب من رد فعله قائلاً : يحيي إنت فيه حاجه مخبيها عليه.
زفر بقوة رغم اضطرابه قائلاً له : وهيكون فيه إيه يعني أخبيه عنيك يا فهمي.
تفحص الأخير ملامح وجهه قائلاً له : مش عارف ليه ، بس آني خابرك زين يا يحيي إنت جواك حاجه معينة ومخلياك متغير اليومين دول.
تهرب يحيي منه قائلاً له : تعالى يالا نمشي سوا منيش جاعد أكتر من إكده.
دهش من ردة فعله قائلاً له باستسلام: طب ماشي يالا بينا .
دلف الحاج إسماعيل إلى حجرة المعيشة ففوجىء بوجود يحيي بصحبة والدته .
استغرب قائلاً : الدكتور يحيى إهنه وجاعد ويانا كمان .
ابتسمت زوجته قائلة : وماله يا حاج لما يجعد شوية ويايا ده حتى بجاله فترة كتيرة جوي معملهاش.
ضحك اسماعيل قائلاً له : آه … هتعاودي لطبعك الجديم يا حاجه، ودلعك للدكتور يحيي .
ابتسمت وهي تحدق بيحيى قائلة بفخر : طبعاً أدلع زينة الشباب وأحسن دكتور في البلد .
أمسك يحيي بيدها وقبلها قائلاً : تعيشي ليه يا أماي ، آني إكده ممكن أتغر بنفسي .
هزت رأسها بالرفض قائلة : زينة الدكاترة ما يتغر واصل ولا يتكبر أبداً على أهله وناسه .
تأملهم اسماعيل قائلاً : مش جولتلك يا ولدي لساتها فاكراك صغيروبدلعك .
وقبل أن يتحدث أحدهم دخل جلال عليهم قائلاً : السلام عليكم … كيفيكم النهاردة .
ابتسم يحيي قائلاً له: من كذا يوم ماشفتك جدامي والله اتوحشتك يا اخوي .
فابتسم له قاىلاً : وانت كمان يا يحيي ، حدقت به والدته تقول : ألف سلامة على جرح مرتك اني كنت هطلع واطمن عليها بنفسي بس الدكتور جه بجى ومعرفتش اطلع عنديها .
تنهد جلال قائلا لها : وعرفتي منين يا اماي فقالت له : شيعتلها سعاد تجيبها تجعد ويايه شوية لجيتها تعبانة بيدها .
فقال لها بضيق مكتوم : هيه بجت بخير ، عن إذنكم آني دلوك .
سأله والده قائلاً : مهملنا إكده ورايح فين عاد ، فقال له بشرود : خارج برة أتمشى بعنتر 
استغرب والده وقال : دلوك بالليل إكده ، تبسم بهدوء وقال : وماله يا ابوي ، ده حتى بتبجى البلد هادية عن إذنكم .
أشارت مها بيدها لنوال حتى تهبط من السيارة التي أتوا بها إلى مقر الحفل، فأفاقت نوال من شرودها وهي تتذكر الأحداث التي مرت بها إلى أن وصلت إلى هذه القاعة الجميلة المقام بها حفل الخِطبة بعد الانتهاء من تجميلهم ، وقفت كلاهما أمام القاعة متأملين المكان حولهم بعد مغادرتهم للعربة.
رمقتها مها بإعجاب واضح ، الواقفة بجوارها قائلة لها: مش قولتلك هتبقي أجمل منها، فابتسمت ابتسامة باهتة وقالت : عادي يا مها مش فارق معايا حاجه ربنا يسعدهم هما الأتنين هوه اختار اللي قلبه معاها وحبها.
تأملتها قائلة لها: يمكن يكون كلامك صح بس الآخر على الآخر، تعالي يالا ماما منتظرانا جوه هيه وبابا.
وقفت تتأملها أم ياسين من مكانها قائلة بحب : ربنا يحرسك من العين يا نوال يا بنتي .
شعرت بالخجل من تفحصها لها قائلة: أنا مجتش إلا علشان خاطرك.
ابتسمت لها بنفس الحب قائلة لها : عارفه يا حبيبتي كل ده وانا فرحانه انك معايا وزيك زيك مها بالظبط .
أومأت برأسها قائلة : ربنا يقدرني على رد جميلك عليه ، فقالت لها بجزع : لا يا بنتي اوعي اسمعك تقولي كده تاني مرة فاهمة ، مفيش جمايل بين الأم وبنتها تعالي إقعدي جنبي هنا إنتي ومها .
جلست بجوارها حول منضدة صغيرة ،وهي تتأمل المكان الأنيق حولها، فهي إلى الآن لم ترى ياسين ولا خطيبته نهى ومن الواضح أنهم لم يصلوا بعد.
جلست مها بجوارها تحدثها إلى أن لمحت العروسين يدخلون القاعة عند الباب ، ما أن لمحت وجهه ، حتى ارتجف قلبها بقوة مثل طائر أصابه سهم طائش على حين غرة منه من صياد ماهر ، أودته في الحال من أعلى عنان السماء إلى الأرض مرةٍ واحدة .
أغمضت عينيها بقوة وهي ترى ابتسامة سعادة ونصرعلى وجه كلاً من ياسين ونهى .
أمسكت والدته بيدها بحنان دافق، فهي قد شعرت بارتجافها وحزنها عندما دخل ياسين بعروسه إلى القاعة، فقالت لها بهدوء ظاهري: ها إيه رأيك بالمكان .
توترت أعصابها قائلة بخفوت : جميل أوي يا ماما عقبال مها.
حبست كلاهما دموعهما عن الانهمار حتى لا يلاحظ أي شخص عليهما الحزن وفي يوم كهذا .
كان والد نهى يستقبل ضيوفه الكُثر، وفعل أيضاً والد ياسين مثله مرحباً بضيوفه وأهالي شارعه، قامت مها هي الأخرى ، بالرغم منها من جوارها لتحية بعض ضيوف الحفل .
جلست نهى متأبطة ذراع خطيبها ياسين قائلة بسعادة : أنا فرحانة أوي يا ياسين أخيراً اليوم اللي كنت بتمناه حصل .
حدق بها قائلاً لها : طبعاً يا حبيبتي حصل وأدي كل أحلامك اتحققت، فقالت له : لأ لسه حاجه واحده بس لسه متحققتش ، فقال لها باستغراب : إيه هيه…!!! 
فقالت له بهدوء: الشقة بتاعتنا يا ياسين اللي بعيد عن أي حد ياخدك مني ولا يفكر بس يستولى عليك.
حدق بها بصمت طويل ثم تحدث قائلاً لها بحزم: شقتي موجوده يا نهى، واطمني مفيش حد هيقدر ياخدني منك ولا يشغلني عنك.
توجست منه قائلة له : بس يا ياسين أنا قصدي مش شقتك القديمة أنا عايزة شقة جديدة في مكان مفيش فيه غيرنا أنا وانت ولا حد يضايقنا.
تنهد قائلاً بضيق : نهى سبق واتكلمنا في الموضوع ده قبل كده وانتي عارفه رأيي كويس ، إنتي لو بتحبيني فعلاً زي ما انتي ما بتقولي يبقى هتعيشي معايا في أي مكان أنا موجود ومش هتهتمي كتير إنتي قاعدة فين فاهمة .
شعرت نهى يأن ياسين جاد هذه المرة فعلاً ولو زادت في كلماتها ستنقلب سعادتها الآن إلى النقيض.
مما جعلها تسارع إلى تغيير الموضوع، محدقة به قائلة : طب مقولتليش إيه رأيك فيه النهاردة، لم يجيبها ياسين على الفور كما كانت متوقعة ،إنما كانت نظراته هناك ، مصوب بصره إلى من أراد مجيئها بالرغم عنها وإلى حيث تجلس.
فها هي قد جاءت ونفذت كل أوامره بدون أن تستطيع أن تقف ضده وتعارضه على قراراته، مما جعله لم يكن منتبهاً لنهى للمرة الثانية وهي تسأله بدهشة: ياسين مش بترد عليه ليه …. وأمسكت بيده بسرعة لجعله ينتبه إلى حديثها.
فإلتفت إليها وهو شارد الذهن قائلاً لها : نعم يا نهى كنتي بتقولي حاجه ، استغربت نهى أكثر قائلة : أيوة كنت بسألك على منظري بالفستان إيه رأيك فيه النهاردة.
عاد ياسين ببصره إلى نوال من جديد متطلعاً باتجاهها قائلاً بهدوء ظاهري : طبعاً جميلة زي العادة ، ده انتي زدتي الفستان جمال يا نهى .
ابتسمت نهى قائلة بسعادة : أنا مبسوطة بكلامك أوي يا ياسين يا حبيبي .
لم تكن نوال منتبهة، بمن يتفحصها من بُعد من مقعده وتكاد نظراته تخترقها من الداخل ، انحنت نحوها مها قائلة : مش قولتلك هتكوني الأجمل .
تنهدت بسخرية قائلة بيأس : ما أنا قولتلك مش فارقه كتير معايا يا مها، ابتسمت لها متفهمة مشاعرها قائلة لها: إذا ما كنتيش مصدقاني إسألي الشاب اللي هناك ده من ساعة ما قعدتي هنا منزلش عينه من عليكي.
احمرت وجنتيها قائلة لها باعتراض وخجل: مها ايه كلامك ده فضحكت قائلة : لو مكسوفه تسأليه أنا هروح ليه وأسأله أنا ويقولنا على رأيه فيكي بصراحة ، وهددتها مها بالوقوف والذهاب إليه على الفور.
فأسرعت نوال بإمساك يدها قائلة باستنكار: إنتي رايحة فين انتي كمان، إنتي بتهزري إقعدي هنا ومتحرجنيش أكتر من كده .
حدقت بها ثم انفجرت في الضحك قائلة : أنا قلت بس أجيبه يشهد عليكي علشان تصدقي .
فأجابتها بسرعة قائلة بلهفة: يا ستي مصدقة ممكن تقعدي بقى وتبطلي هزارك ده .
وقبل أن تجيبها مها اتسعت عينيها بذهول صادم من تحديق نوال مصدومة هي الأخرى، ويرتعد جسدها من وقوف ياسين أمامهم وبصره يكاد أن يلتهمها بغضب تام.
جحظت عينيّ مهجة من محجريهما عندما استمعت لعبارة جلال وظنت أنها تحلم ، أو لم تستمع جيداً إلى جملته .
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة له بعدم تصديق: أبوية مين يا سعات الباشا …. ابتسم ساخراً وقال لها بتهكم: إيه أبويا مين ده …. أبوكي اللي سبب وجودك في الدنيا.
كاد أن يغشى عليها من هول الصدمة قائلة له بعدم تصديق مرةً ثانية: باشا…. إنت بتتحدت بجد .
زفر جلال قائلاً لها بضيق : طبعاً بتحدت بجد …. وآني من ميته وآني بهزر في شغلي .
كاد أن يغشى عليها هذه المرة بالفعل من كثرة الدهشة والذهول الذي يسيطر عليها الآن ، فقالت بصوت متحشرج : يعني آني هشوف أبويا بكرة ، تأفف جلال قائلاً لها بحنق : أيوة هتشوفيه بكرة .
فقالت له بتلقائية مضحكة : طب وسع كده يا سعات البيه خدلك ساتر…. وجهز النشادر فقال لها بتساؤل حاد: أوسع لإيه بالظبط ياهبلة إنتي، وإيه النشادر دي كمان…. فقالت له بعفوية: علشان …. علشان …. هيغمى عليه دلوك يا سعات البيه فا بسرعة هات النشادر.
قالتها وألقت بنفسها على الفراش أمامه مغشياً عليها من هول المفاجأة.
زفر جلال غاضباً وقال لنفسه : لساتك هترجعي تاني تعملي إكده، مش هتنسيه واصل.
لم تستطيع نوال النطق عندما وقف ياسين أمامها، متأملاً لها بغضب ، فأشاحت ببصرها بعيداً عنه بقلب ملتاع.
فقال لمها وعينيه على نوال : مجتيش باركتيلي ليه مها، مش كده غلط، اضطربت مها قائلة : معلش يا أبيه كنت لسه جايه أباركلك.
إلتفتت إليه والدته من مقعدها ثم ألقت نظرة خاطفة على وجه نوال الممتقع قائلة بهدوء مفتعل : سايب عروستك وجاي هنا ليه دلوقتي .
ابتسم بسخرية وبصره مازال على نوال قائلاً بتهكم : كنت جاي اشوف مها لتكون أثرت عليكي ومش هتخليكي تباركي لابنك الوحيد، امتعض وجه مها هي الأخرى قائلة بعدم فهم : وأنا إيه اللي هيخليني أعمل كده يا أبيه
هز رأسه بضيق قائلاً لها بحنق: معرفش بس إنتي أكيد عارفه السبب .
كادت أن ترد عليه لولا نظرات والدتها إليها والتي حذرتها بعينيها أن تصمت ولا تجادله من جديد، تركزت عينا والدته مرةً أخرى على نوال، التي هبت واقفة من مجلسها قائلة بتوتر :عن إذنكم….
تابعها ياسين ببصره إلى أن اختفت من أمامه وسط المدعوين، شاعراً بالضيق، الغاضب بداخله ، وعيناه على الشاب الذي ترك مقعده هو الآخر وذهب خلفها.
ضم ياسين قبضته بقوة تاركاً إياهم، عائداً إلى مكانه بجوار نهى التي كانت تحدق به بتساؤلات عديدة.
دلفت نوال إلى المرحاض الملحق بالقاعة مغلقة الباب على نفسها، فها هي أخيراً قد أصبحت بمفردها ، فتركت العنان لمشاعرها الحبيسة ، فأجهشت ببكاء حار، أذاب قلبها من الوجع ، فها هي لم تستطع الصمود أمامه من جديد، فقد إدعت لنفسها نسيانه لكنها كانت مخطئة، فعندما رأته بصحبتها شعرت بالعديد من المشاعر التي داهمتها وبقوة .
ولم تتحمل فكرة أن يشاركها به أحدٍ سواها، فقد ظنت أنها ستتمالك نفسها أمامه لكن الحقيقة الآن، فقد سارت مشاعرها ناحيته، هشة كالزجاج المكسور.
فقالت لنفسها بضعف : أنا استحالة أكمل الخطوبة للآخر، أنا لازم أمشي ضروري من هنا وبسرعة كمان ، ومن غير أي حد ما يحس بيه.
وبالفعل نفذت ما صممت عليه بداخلها وضبطت من فستانها الأنيق ومظهرها العام ، أمام المرآة التي توجد داخل المرحاض .
خرجت منه هادئة عكس ما دخلته، حانت إلتفاتة منها ناحيته هو وعروسه فوقفت بجسد متجمد أمام ، نظراتهم المحبة لبعضهم البعض وهو يضع خاتم الخِطبة في إصبعها.
شعرت بأن قلبها سيخنقها من تسارعه فلمعت الدموع بعينيها وهي تراه ممسكاً بيدها بين قبضتيه.
شعرت بأنها تريد الهرب والاحتماء منه في أي مكان بعيد لا يعرفه سواها ، فقالت لنفسها بقلب موجوع : إنتي فين يا مهجة …. محتاجة أرتمي في حضنك وأحس بالأمان من تاني.
انفجرت في البكاء وركضت هاربة من أمام الجميع، أسرعت تهرول في الشارع لا تعرف إلى أين تتجه.
شعرت كأنها تائهة بين ظلمات الحياة التي غدرت بها وألقتها رياحُهها، بطريق شخص قاسي لا يعرف أي شيء عن الرحمة أو كيف هو وجع القلب .
تلفتت والدة ام ياسين بقلق قائلة لمها : متعرفيش نوال راحت فين يا مها يا بنتي ، هزت رأسها بقوة بالرفض قائلة لها بدهشة: لا يا ماما معرفش .
فقالت لها بلهفة : طب قومي بسرعة دوري عليها يالا ، أسرعت مها بالبحث عنها في كل مكان بالقاعة وخارجها ولم تجدها .
ازداد القلق بداخلها قائلة لوالدتها : ملقتهاش يا ماما ، فقالت لها بتوتر : استر يارب لتكون عملت في نفسها حاجه .
أسرعت مها تقول لها : لا يا ماما متقوليش كده ان شاء الله خير، يمكن تكون روحت البيت .
فقالت لها بأمل : يمكن فعلاً طب أقولك اتصلي عليها وإدهيهاني أكلمها بسرعة.
قامت مها بالإتصال عليها ولم ترد فقد كان الهاتف مغلق ، مما أربك والدتها قائلة بقلق: يا ساتر استر يارب يا ترى يا بنتي رحتي فين .
جاء زوجها ملاحظاً انفعالات عديدة على وجه زوجته فقال لها : مالك يا أم ياسين فيه إيه ، فقالت له بسرعة : نوال …. مشيت ومعر فش راحت فين ، فقال لها يطمئنها : طب إهدي ممكن تكون روحت البيت ، فقالت له بسرعة: انا لازم أمشي دلوقتي حالاً فقال لها بهدوء مفتعل : طب اصبري دلوقتي شوية كده لغاية ما خطوبة ابنك تخلص ، فأمسكت بنفسها امام الضيوف قائلة بخفوت غاضب : إنت أصلاً عارف رأيي من البداية ولولاك مكنتش جيت النهاردة .
ضبط زوجها أعصابه قائلاً : بس اصبري زي ما قلتلك بقى وبعدها هنمشي كلنا .
أوصل ياسين أهله إلى البيت بسيارته وأخفوا امامه اختفاء نوال المفاجىء اليوم ، لكنه قد لاحظ من قبلهم اختفاءها ولهذا سيعاقبها على رواق عندما يراها .
لم يصعد ياسين لا إلى منزل والدته ولا إلى منزله بل صعد على الفور إلى غرفتها باحثاً عنها في السطوح، وخاب أمله كثيراً عندما وجد القفل على الباب ، حدق بساعته فوجدها قاربت الواحدة صباحاً .
فنزل مسرعاً واستقل سيارته باحثاً عنها في كل الشوارع القريبة من شارعهم ، لم يهدأ له بال بسببها إلى الآن ، وتوعد بداخله لها على ما تفعله به الآن .
بعد أن آلمتها قدماها من الركض في الشوارع بدون هدف ودموعها مازالت تنهمر على وجنتيها الشاحبتين .
جلست نوال على إحدى الأرائك الموجودة بجانب الطريق على أعلى الرصيف، لتستريح من عناء الجري ، ووضعت راحتيها على وجهها ، شاعرة بلوعة قلبها الملتاع ، لم ترغب بالعودة إلى ذلك المنزل مرة أخرى الذي أراها الذل والمهانة، لهذا لن تعود إليه وترحل بعيداً عنه للأبد فها هو يبدأ حياته الجديدة دون أن يتركها لحال سبيهلها ، متحكماً بها طوال الوقت،  فهي لن تعود…. لن تعود إلى العذاب مرةً أخرى.
كاد ياسين يُجن عندما لم يجدها في جميع الشوارع القريبة من شارعهم والشوارع القريبة من القاعة .
توقف ياسين بسيارته على قارعة الطريق مفكراً أين تكون قد ذهبت الآن وتذكر الشاب الذي كانت عيناه عليها.
فضرب بقبضته بقوة على المقود أمامه قائلاً بغضب : يا ويلك مني ليطلع تفكيري في محله يا نوال .
ثم أسرع بقيادة سيارته مرةً أخرى شارد الذهن ، لا يفكر إلا بوجهها الشاحب الباكي .
حانت التفاته خاطفة منه لزجاج سيارته الجانبية فلمح طيفها به ، فشعر أنه يتهيأ له ذلك من كثرة تفكيره بها.
لكن طيفها قد عاد من جديد وبقوة في المرآة مرةً ثانية، التي بجواره وأسرع ياسين في إيقاف سيارته مما جعلها تصدر صريراً عالياً.
فحدق بالمرآة الصغيرة بقوة وأمل هذه المرة فوجدها هي بالفعل بفستانها الجديد جالسة على أريكة على جانب الطريق .
أسرع ياسين إلى قيادة السيارة مرةً أخرى عائداً بها إلى الخلف، إلى حيث تجلس نوال .
عاد جلال من الخارج بعد أن نامت مهجة في غرفتها، مفكراً بمهمتها في الغد قائلاً لنفسه : ربنا يستر منيكي يا مصيبة حياتي .
دخل إلى الغرفة بمنتهى الهدوء، ثم تأملها في نومها وهو يتمدد بجوارها بعد أن استبدل ثيابه بأخرى، متفحصاً لوجهها الهادىء وهي نائمة فقط، قائلاً لنفسه بسخرية: ياريتك في الحجيجة هادية إكده ….كنت …. كنت….. توقفت باقي العبارة في حلقه غير مستكملاً لها.
ابتعد عنها قليلاً، مُولياً ظهره لها مُغمضاً عينيه هو الآخر، حتى لا تداهمه أفكاراً شتى يهرب بها أحياناً إلى مهمته، ولأسباب زواجه منها.
أغمض عينيه وغط في نومٍ عميق، استيقظ بعد ذلك في وقتٍ متأخر على صوت صرخاتها المتوالية وهي تقول بفزع: تِعبان ….. تعبان …. إلحجوني يا خلج هوهه …. إلحجوني هيموتني.
هب جلال من نومه مفزوع واعتدل بجلسته مقترباً منها بصدمة قائلاً لها بحدة : تعبان إيه ده يا هبلة إنتي … وإيــه اللي هيبجيبوا إهنه على السرير…. !!!
فأشارت بيدها بعيداً على الفراش وألصقت بنفسها بين ذراعيه بخوف تلقائي قائلة بدون وعي منها : موته ….موته بسرعة جبل ما يموتني .
حدق إلى حيث أشارت فاستغرب قائلاً لها بضيق: مفيش تعابين …. إهدي بجى .
ألصقت بنفسها أكثر بصدره مغمضة العينين، دافنة رأسها به، وهي ترتعد قائلة بصوتٍ مرتجف: لاه …. فيه هناك أهوه ….. موته بجى علشان خاطري…. آني خايفة ليجرصني ويموتني وآني لساتني شباب.
تأفف جلال من إلحاحها قائلاً لنفسه بضيق : وبعدهالك يا مصيبتي مرة ألاجي رجليكي في ضهري ومرة تانية رجليلي عل صدري ومرة تالته رأسك بردك على صدري وبعدهالك عاد، مش كفاياكِ إكده، كاد أن يصرخ بها لكنها أمسكته فجأة من مقدمة ثيابه بفزع وهي مازالت تغمض عينيها بذعر قائلة له بصوت مرتعش : ها موته ولا لسه .
فقال لها بعد تفكير : موته كفاية بجى… إرتجفت أكثر من ذي قبل قائلة بهلع : بجد موته…. طب إرميه بجى بعيد عني …. مش عايزة أشوفه واصل، آني خايفة جوي منيه. 
تنهد بضيقٍ من تصرفاتها المجنونة، فضمها إلى صدره أكثر واضعاً ذراعه حول خصرها قائلاً بجمود: وبعدهالك عاد يا مهجة آني خلاص رميته ومش هتشوفيه تاني … خلاص ارتاحي بجى.
رفعت رأسها إليه ببطء، فتلاقت أعينهما في تناغم وسحر لم تنتبه له مهجه من شدة هلعها، لكن جلال انتبه لهذا السحر الذي يلفهُما الآن في هذه اللحظة كأنهما منفصلان عن هذا العالم ، عالم مليء بالسحر والخيال ،كالخرافة الجميلة التي تروىَ في الكتب القديمة الخاصة بالأساطير والحكايات والتي تتحقق منها، بعض الوقت لمن يؤمنون بها مهما طال الزمن بهم.
تفحص وجهها الخائف، وشفتيها التي ترتعد من كثرة الذعر، تحتاج إلى من يطمئنها أنه موجود بجوارها ولا تخشى شيئاً أبداً.
طال الصمت بينهما وكل منهم يشرد بذهنه في عالمه الخاص به، فتركز بصر جلال على شفتيها فهمست هي بصوت مرتعش : كويس إنك رميته ، إنت مش خابر ، آني كنت خايفة جد إيه .
لم يجيبها جلال كأنه لم يستمع إلى كلماتها التي اخترقت أُذنيه، إنما هو كان شارداً في تحركات شفتيها البطيئة الهامسة له، منجذباً إليها دون إرادة منه، مقترباً منهما ببطء شديد.
كانت أنفاسه الحارة تلفح شفتيها وهو ينحني قليلاً نحوهما بقلب مرتجف، قبلها كأنه غائبً عن الوعي، وهو يضمها بقوة بين ذراعيه.
مغمضاً عينيه بقوة، تجتاحه مشاعر غريبة نحوها ، أما مهجة لم تكن مشاعرها واضحة في هذه اللحظة بالذات، حتى أنها تجمدت دون حراك.
توقف ياسين بسيارته أمام الأريكة التي تجلس عليها نوال، ترجل منها بسرعة وأسرع نحوها، فوجدها نائمة ودموعها كادت أن تجف على وجنتيها.
قطب حاجبيه بقوة وحملها بين ذراعيه قائلاً لنفسه : كده تنامي في الشارع … معقول تعملي كده.
شعرت نوال بهاتين الذراعين تحملنها، ففتحت عينيها قليلاً ببطء ورأته كالخيال قائلة بنعاس: إنت مين ….. سيبني …. ملكش دعوة بيه.
لم يجيبها على كلماتها تلك إنما أسرع بها صوب سيارته، حاولت هي أن تهبط من بين ذراعيه وتبتعد عنه لكنه تمسك بها بكل قوته.
فصاحت به بضيق : نزلني وابعد عني إنت …. قاطعها هذه المرة صائحاً بها بقوله : إخرسي بقى ….. إياك أسمع صوتك تاني.
لم تستطيع أن تتحدث إنما غلبها النعاس مرةً أخرى ، ونامت برأسها على كتفه .
وضعها في السيارة بسرعة مغلقاً الباب خلفها، وقاد سيارته بأقصى سرعة لديه .
طوال الطريق كانت نائمة ، وهو يراقبها بطرف خفي ، وصل بها إلى أسفل البناية ، صاعداً بها إلى غرفتها وهو يحملها مرةً أخرى بين ذراعيه فوق سطح منزلهم .
  وضعها على الفراش برفق ، مدثراً لها بغطاء موجود على السرير، جلس بجوارها متأملاً لها كادت أنامله تمتد إلى شعرها لكن صورة الشاب عادت إلى ذاكرته.
فأبعدها بقوة قائلاً لها بصوت مسموع حاد: بس لما تفوقي وتصحي يبقى لينا كلام تاني ثم حدق بساعته، فوجدها تعدت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، قائلاً لنفسه : بقى توصل بيكي الجراءة إنك تعملي إللي عملتيه ده .
رن هاتفه فكانت والدته التي بادرته بقولها بلهفة : ها يابني لقيت نوال ، زفر بقوة وعينيه عليها قائلاً بضيق : أيوة يا ماما اطمني وهيه في اوضتها دلوقتي،  تنهدت بارتياح قائلة له : طب الحمد لله طمنتني يابني، طب هات أكلمها… صمت قليلاً وقال لها بتردد: هيه بصراحة مش هينفع تكلمك دلوقتي لأنها نايمة.
استغربت والدته قائلة : نايمة ….. طب هيه كويسه يا ياسين ، حدق بوجهها الحزين حتى وهي نائمة وقال بهدوء مفتعل : أيوة يا ماما هيه بخير وابقي شوفيها الصبح واطمني عليها بنفسك.
وقف ياسين بجوار الفراش متردداً في تركها ، فحدق بالغرفة ثم بها ، فوجدها تنقلب على جانبها الأيمن مردده إسمه بصوت ضعيف قائلة دون وعي: ياسين متسبينيش ….!!!!
في اليوم التالي ذهبت مهجة بصحبة مجدي السائق الخاص بجلال ، ركبت السيارة تحاول أن تبدو كأنها على مايرام ، فهي خائفة لما هي مقبلةٍ عليه .
وصلت السيارة أسفل بناية، وفتح لها مجدي الباب الذي بجوارها، ترجلت بقدمين مرتجفتين .
فقال لها مجدي : أنا هنتظر حضرتك هنا ، هزت رأسها بالموافقة بصمت ، ثم صعدت بالأعلى إلى حيث تسكن سماح .
وقفت مترددة أمام باب منزل الأخيرة ، لكنها تذكرت كلمات زوجها التحذيرية .
فعادت إلى صوابها من جديد وقرعت الباب بسرعة ، استقبلتها سماح بوجه بشوش قائلة : ياسمين حبيبة ماما وحشانييا روحي … ثم أخذتها بين ذراعيها بحنان دافق.
حاولت مهجة أن تبدو طبيعية ، فقالت بثبات : وانتي أكتر يا ماما ، ابتعدت سماح عنها ببطء قائلة : تعالي حبيبتي إقعدي .
أدخلتها إلى غرفة الصالون ،وأجلست مهجة على إحدى مقاعده الأنيقة ، لم تتأمل المكان حولها مثل العادة ، إنما كان عقلها مشغول بحديث جلال إليها.
اقتربت منها سماح قائلة بود : ياسمين يا بنتي عايزة أقولك على حاجه مهمة جداً لازم تعرفيها ضروري .
حدقت بها بصمت وقلب مرتجف قائلة لها بتساؤل : إيه هيه الحاجه دي .
ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت لها : عايزة أعرفك على أبوكي الحقيقي واللي لازم تعرفيه وخصوصاً بعد ما كبرتي واتجوزتي.
جحظت عينيها بقوة قائلة لها بصدمة قوية: أبوية الحقيقي ، فقالت لها بلهفة : آه يا ياسمين باباكي عايش مش ميت زي ما إنتي عارفه .
ارتجف قلب مهجة بقوة قائلة لها بدهشة : معقول لسه عايش لدلوقتي فهزت رأسها بالموافقة قائلة : أيوة وطلب يشوفك ويتعرف عليكي أكتر .
ابتلعت مهجة ريقها بصعوبة قائلة بثبات مفتعل : طب هوه فين علشان يشوفني .
فقالت لها بلهفة : هوه موجود هنا دلوقتي بس مرديش يدخل هنا ويشوفك إلا لما يبقى عندك خبر، ها تسمحيله يدخل .
فقالت لها بلهفة : طبعاً ده أنا نفسي أشوفه أوي ، تركتها وغادرت الحجرة وهي تبتسم لها وعادت مرةً ثانية، ومعها مصطفى محرم الذي ما إن خط بقدميه داخل الغرفة، حتى هبت مهجة واقفة بصدمة وذهول من مقعدها.
قائلة بأعين متسعة: هوه إنت تبقى أبويه أنا…..!!!
يتبع..
لقراءة الفصل التاسع والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!