Uncategorized

رواية لمن القرار الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سهام صادق

  رواية لمن القرار الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سهام صادق

انتفضت من غفوتها تمسح حبات العرق المتناثرة على جبينها تحاول التقاط أنفاسها الهادرة، تنظر حولها كحال اليومين السابقين كلما استيقظت هكذا.
 انحدرت دموعها على خديها وشعور الوحدة والخواء يقتحمها
إنها وحيدة هنا بل في الحقيقة هي لقيطة لا تعرف لها عائلة .. لو كانت ناهد أخبرتها إنها يتيمة لكان الأمر أرحم عليها من تلك الكلمة التي لفظتها في وجهها دون رحمة.. وبعد أن توقفت عيناها عن ذرف الدموع عادت دموعها تسيل على خديها كشلال
” ناهد” رغم ما فعلته بها مازالت تراها والدتها لم تستطيع أن تراها إلا في صورة الأم.. خمسة وعشرون عامًا قضتهما وهي لا تعرف أمً غيرها مهما كانت درجة حبها إليها وتفرقتها في المعاملة بينها وبين مها وقد فهمت السبب أخيرًا ويا له من سبب قتلها.. ليت ناهد عاملتها بأنانية طيلة العمر .. ليتها حرمتها من عاطفتها ليتها فعلت ما أرادت بها و ليت الكثير فعلته دون أن تنكشف تلك الحقيقة البشعة
” منعرفش ليكِ أهل.. أهلك رموكي في الشارع.. لقيتك على الرصيف بتعيطي من الجوع والبرد صعبتي عليا اخدتك اربيكي.. بس في النهاية إيه اللي حصل سرقتي فرحة وسعادة بنتي حرمتيها من الإنسان اللي هي حبيته حرمتيني من إني أجوزها للراجل اللي عيشت عمري أتمناه ليها.. كان لازم تعرفي في يوم من الأيام إنك مش بنتنا وإن ليكي أهل يا عالم يا عايشين ولا ميتين..”
” كاميليا و عزالدين كانوا رفضينك لرسلان لأنهم عارفين الحقيقة.. محدش هيرضي يجوز أبنه من بنت ملهاش نسب ولا أصل “
توالت العبارات على عقلها وكأنها ترفض منحها السلام حتى في سكون الليل.. كتمت صرختها المؤلمة تعض على أناملها تتذكر اللحظة التي ذهبت بها للمشفى كالسارقة تتلفت حولها حتى لا يراها أحدًا ووقفت تنظر لذلك الراقد على سرير المشفى تتأمل ملامحه الطيبة تودعه بعينيها تُخبر حالها إنها ستظل دائمًا تحبه فلم تعرف أب غيره 
ودعت أحبابها قبل رحيلها.. عبدالله، رسلان الذي تمنت داخلها  أن ينعم بالسعادة فما ذنبه أن يتزوج فتاة مثلها. 
نهضت من على فراشها بعدما شعرت بحاجتها لأستنشاق الهواء.. ومن حسن حظها كانت شرفتها تتمتع بمنظر بديع يُريح النفس  وبساتين تنعم بالروائح الزكية المنبعثة من أشجار الليمون والياسمين 
أسندت ساعديها على حافة الشرفة تتأمل النجوم التي تلمع في عتمة الليل فتغمض عينيها وتهتف باسماء احبابها بشوق 
– مهما نديتي عليهم عمرهم ما هيسمعوكي.. 
فتحت عيناها بعدما ارتجف جسدها فزعة من ذلك الصوت القريب.. تنظر نحو صاحب الصوت تضع بيدها على قلبها لتُدرك كم هي حمقاء لعدم ملاحظتها بأن شرفتها ملتصقة بشرفته
– جسار بيه! 
– الظاهر عندك أسرار وحكايات كتير يا أستاذة 
لفظ عبارته وعاد بأدراجه نحو الداخل.. تعلقت بالمكان الذي كان يقف فيه للتو فأخذ جسدها يرتجف من تلك البرودة التي اِحتلته 
……… 
– عرفت حاجة عنها يا سليم 
اقترب منه سليم وقد ظهرت على ملامحه الإجابه فهوى بجسده على المقعد يسند رأسه بين كفيه 
– رسلان ملك بكره تظهر هي يمكن بس مصدومة من كل الحقايق اللي عرفتها فحبت تختفي لفترة 
– ملك مش هتظهر تاني يا رسلان.. ناهد هانم مرحمتهاش.. طردتها.. عارف يعني إيه.. ملك أضعف من إنها تتحمل الحقيقة.. ناهد هانم عيرتها بسنين تربيتها ليها..
اطرق سليم عينيه شفقة على حال تلك المسكينة وعلى حال صديقه ..لم يجد كلام يواسي به صديقه فقرر الصمت 
– تفتكر تكون راحت فين يا سليم..
واردف وقد أمتلك اليأس قلبه 
– أستخدمت نفوذ والدي وبرضوه معرفتش مكانها.. هتجنن خلاص.. 
– إحنا مش بندور غير ف حدود القاهره بس.. ما يمكن تكون راحت محافظة تانيه يا رسلان 
التمع الأمل في عينيه وهو ينظر نحو صديقه.. إنه استبعد رحيلها بعيدًا فهو يعرف ملك عالمها محدود بهم 
– تفتكر يا سليم.. 
– ملك مصدومة ومجروحه واللي عملته فيها مدام ناهد مش هين.. فأكيد هتدور على مكان بعيد تروحه تهرب فيه من كل  الناس اللي تعرفهم 
…….. 
– ها يا بنتي كلمتي أهلك 
هربت بعينيها بعيدًا عنه فعن ماذا ستخبره.. حدق بها الجد بعدما تناول كأس الشاي خاصته يرتشف منه القليل ينتظر جوابها الذي طال 
– وجودك في حياة حفيدي مينفعش يا بنتي.. لو كان ينفع الأول دلوقتي لاء.. هتكوني ست مطلقة ومش بس كده كنتي مرات السواق بتاعه.. الناس كلامها كتير .. لازم ترجعي قريتك وأهلك يعرفوا بدناءة حسن معاكي 
لمعت الدموع بعينيها إنها تفهم وتعي الكثير من تفكير المجتمع.. المجتمع الذي لم يرحمها وهي فتاة.. فما الذي يجعل الفتاة ترفض عريسً في نظرهم كامل مدام لديه شقة و وظيفة ومهما كان صغر سنها فالمقولات التي توارثت عبر الأجيال مهما كان التقدم مازالت مرسخة في بعض العقول
” الجواز ستر للبنت ومسيرها في يوم تتجوز ” 
” الأصغر منها بيتجوزوا..” 
اطرقت عينيها حتى لا تنال شفقة الجد فيكفي ترحيبه بها في بيته حتى اليوم 
– حاضر يا بيه..قولي أمتي أجمع حاجتي وأمشي من هنا 
شعر الجد بالشفقة عليها… شىء داخله يجعله يخشى على حفيده وشىء أخر يجعله مشفقًا عليها 
– خلي والدك يجي ياخدك بنفسه يا فتون.. وبعدين يا بنتي وعدي ووعد حفيدي ليكي زي ما هو.. هنتكفل بكل مصاريفك لحد ما تكملي تعليمك 
وكم كانت تفرحها تلك العبارة ولكن ما ينتظرها لن يجعل لها رفاهية نحو أي شىء.. حسن وضع عائلتها تحت رحمته.. عليها أن تجد حلًا سريعًا فالسيد سليم لن يأتي للمزرعة هذه الأيام كما علمت من الجد صباحًا
انصرفت من أمام الجد فأخذ يضرب الأرض بعصاه.. المخاوف تزداد داخل قلبه وسؤالها الدائم عن حفيده وتلك اللمعة التي يراها في عينيها كلما جاء ذكر اسمه وحديثه الصباحي مع خديجة عبر الهاتف ازاد الأمر فهم لديهم نفس الشكوك 
سليم متعاطف مع الخادمة بطريقة غريبة على رجل مثله 
– يا ترى يا سليم عطفك عليها شفقة زي ما قولتلي ولا عايز تورط نفسك في حاجة تانية 
……… 
وقف حازم يرمقه بنظرات فاحصة بعدما أعطاه تلك الأوراق التي أرادها لقد تم رفع قضية الخلع وكل شئ أصبح جاهز 
– مفضلش غير إمضتها والقضية بسهولة نقدر نكسبها.. علاقة حسن بالرقاصة وتعاطيه للمخدرات غير إنه بقى عاطل عن العمل واللي هيسهل الموضوع أكتر البنت لسا قاصر 
طالع الملف الذي يحتوي على جميع الإثباتات يهز رأسه وهو يسمعه 
– آيات هتمسك القضية ديه يا حازم.. خلينا نشوف قدرتها بتاعت الطبقات والوسايط 
أبتسم وهو يتذكر تلك المحامية الجديدة التي أنضمت إليهم مؤخرًا.. ورغمًا عنه تحولت ابتسامته لضحكة مجلّجلة صدحت في الأرجاء.. فشاركه سليم الضحك وهم يتذكرونها عندما أتت ضمن العديد من المرشحين وشجارها مع مدير الموارد البشرية 
انتهت وصلت الضحك التي اخرجتهم من جمودهم ولكن سرعان ما عادوا لجمودهم 
– سليم أنت متأكد من اللي بتعمله
رفع عيناه نحوه فتلك النظرة التي يراها في عينين حازم نفس النظرة التي رأها في عينين خديجة وجده 
– متأكد يا حازم 
– سليم أنا مقصدش أدخل في قرارك.. بس ديه مرات السواق بتاعك عارف يعني إيه.. يعني سهل جدًا حسن يتهمك إن كان بينك وبينها حاجة 
انتفض حازم في وقفته ينظر صوبه بعدما ضرب سطح مكتبه بكل قوته 
– ده أنا أوديه ورا الشمس لو قال حاجة في شرفها 
استجمع حازم أنفاسه التي هدرت ينظر نحو الذي تغيرت معالم ملامحه 
– سليم أنا بقول اللي ممكن يحصل ولازم تفكر فيه 
ولكن تلك النظرة التي رمقه بها جعلته يتراجع في حديثه ويصمت
– اللي يريحك يا سليم أعمله 
انصرف حازم لتتعلق عيناه بخطواته إلى أن أغلق باب الغرفة خلفه.. هوى بجسده على مقعده يرخي رابطة عنقه ليأخذه عقله إليها.. شرد في حلمه ليلة أمس بها.. تذكر كيف كانت بين ذراعيه يجمعهما شعورًا لم يشعر به من قبل.. القبلة كانت حانية ولمسته لها كانت مختلفة 
نفض رأسه وضحك على حاله 
– حالتك بقت خطيره يا سليم.. بتحلم بالخدامة لا وكمان حتت عيله عمرك ضعف عمرها 
……… 
– أنت متأكد من المعلومات ديه يا حسن
مدد حسن ساقيه على الطاولة ينظر نحو سهر وذلك الرجل الذي جاءت به.. إنه يشعر بالفخر بنفسه وذكاءه
– أنتِ ناسية أني كنت سواق البيه ومن قبله أبويا الله يرحمه كان سواق عند العيلة ديه 
والتقط كأس الماء يرتشف منه ثم مسح على فمه ينظر نحو ذلك الرجل الذي لا يعجبه ولكنه مضطر لتحمله 
– بكرة فلوس المحاصيل بتروح لعظيم بيه وتاني يوم بيوديها البنك مع المحامي 
واعتدل فى جلسته يفرد تلك المرة ذراعيه على ظهر الأريكة ويرتخي بظهره للخلف 
– يعني فرصتنا بكرة.. ومن حظنا إن المزرعة مش بيحرسها غير غفير سجارة حشيش تبسطه وتخليه ينسى شغله والعمال هناك بيناموا من بدري…
وضحك متهكمًا وهو يتذكر ذلك الجد الذي يشبهه حفيده 
– مرضاش يأمن المزرعة.. الباشا مطمن عشان وسط أهله وناسه.. يعني العملية ديه في جيبنا 
– حسن بلاش الثقة الزايده.. ديه عملية سرقة كبيره يعني فيها بوليس ودول مش أي ناس فكل حاجة لازم تكون مدروسة 
جذبها حسن نحوه يُسلط عيناه نحو شفتيها المطلية بذلك اللون الذي يثيره 
– بتشكي في سونه حياتك يا سهر.. مش عيب 
انتقلت يداه على جسدها.. فاشاح الجالس عينيه بعيدًا عنهما.. دفعته سهر على صدره تمسح فوق شفتيها حانقة وتعدل ثوبها 
– بعدين يا حسن.. خلينا دلوقتي في المهم.. العملية بكرة يعني مش قدامنا كتير 
……….
وقفت أمامه ترتجف من الخوف.. إن هذا الرجل يشعرها وكأنه أسد ينتظر سقوط الفريسة تحت قدميه ثم ينهشها بأسنانه
دار حولها فضمت سترتها حول جسدها ورغم عدم برودة الجو تلك الساعة إلا إنها شعرت بالبرودة تدب في أوصالها.. لقد فهمت لما من اتوا من قبلها لم يكملوا في رفقته إلا أسبوعًا واحدًا ورحلوا دون أن يلتفوا وراءهم
– بنت من عيلة كبيرة ليه تهرب من أهلها
تعلقت عيناها الجامدتين به كما وقف هو ثابت في مكانه يترقبها من صوت أنفاسها التي أخذت تتعالا
– تفتكري أنا ممكن أسيب حد في بيتي هربان من عيلته
خرج صوتها أخيرًا بعدما ابتلعت لعابها ورطبت حلقها
– ورقي فيه كل المعلومات.. مكنش ليه لازمة تعمل تحريات يا حضرت الظابط
صدحت ضحكته مبتعدًا عنها وقد أخذته قدماه نحو صورته المعلقة على الجدار وهو يُكرم من رؤساءه
– كويس إنك عارفه مهنتي قبل ما أكون عاجز.. عشان تعرفي إن جسار الجمال مش مغفل
– أنت تقصد إية
التف نحوها ومن تلك النظرة الساخرة التي أحتلت عينيه عرفت الإجابة التي تمنت ألا تسمعها
– بنت ربوها ناس أغنية وبعدين طردوها من بيتهم.. تفتكري ممكن أفكر ف أية
– انا مسمحش ليك تكلمني كده ولا تتهمني بالطريقة ديه
رمقها متهكمًا مُتلذذًا بسماع نبرة صوتها المرتعشة
– بقى واحده من الشارع تقولي أنا مسمحش.. بيتي مش لأمثالك والله أعلم مخبية وراكي إيه
– جسار
صرخت السيدة فاطمة تنظر نحوه وقد لمعت عيناه بالنصر فقد حقق ما أراد 
– أنا عارفة كل حكاية ملك يا جسار.. مش من طبعك تجرح الناس حتى لو عايزها تطفش قولها أمشي بالذوق بس ذنبها إيه تتهمها إتهام باطل 
احتدت عينيه ورغم علمه بقسوة حديثه إلا إنه رفض أن يعترف بفداحة حديثه 
– البنت ديه تمشي من هنا 
انصرف بخطوات يعرفها لتتعلق عينين ملك بتلك السيدة التي فتحت لها ذراعيها 
……….. 
عادت ناهد تجر أذيال الخيبة خلفها.. لقد تركها عبدالله وعاد لحارته وشقته القديمة.. عاد لذكرياته ورائحة أحبابه 
اقتربت من غرفة مها التي لم يعد يعجبها حالها منذ أن عادت من رحلتها 
توقف لسانها عن الهتاف باسمها كما تيبست قدماها أمام غرفتها تستمع لصوت شهقاتها وحديثها مع صديقتها 
– أنا ضيعت يا فريدة.. ماما لو عرفت ممكن تروح فيها.. أنا مش عارفه عملت كده أزاي كنت سكرانه ومش حاسة بنفسي.. عرفت من ريسيبشن الفندق إنه سائح إيطالي 
– اهدي يا مها وكفاية عياط.. اللي حصل حصل … قوليلي هنعمل إيه دلوقتي 
التقطت مها كفيها بعدما مسحت دموعها تستنجد بها
– مش أنتِ قولتيلي إن صديقة كريمان بنت خالك عملت علاقة مع واحد ضحك عليها وقبل ما تتجوز عملت عملية ترقيع غشاء البكارة
انتفضوا من مكانهم بعدما استمعوا لذلك الشىء الذي سقط خارجًا
–  شكل حد سمعنا يا مها
اسرعت فريدة نحو الغرفة لتقع عيناها على جسد ناهد المُلقى على الأرض شهقت مذعورة تصرخ باسمها
– طنط ناهد.. طنط ناهد ردي عليا
تجمدت عينين مها على جسد والدتها تصرخ هي الأخرى
– ماما.. ماما ردي عليا يا ماما
…..
– خالتك مالها يا رسلان.. خالتك كانت عندي النهاردة وكانت كويسة مكنش فيها حاجة.. رد عليا
احتضن والدته يُطمئنها
– ماما حاولي تتمسكي قبل ما تدخليلها هي عايزاكي.. هتكون كويسة متقلقيش
ابتعدت عنه تمسح دموعها
– مش حاسة يا رسلان.. الحلم اللي شوفته امبارح بيقولي إن فيه حاجة وحشة هتحصل
التفت حولها تبحث عن مها
– هي مها راحت فين يا بني.. البنت شكلها مش عجبني.. روح شوفها لتعمل في نفسها حاجة
دلفت الغرفة تشعر بثقل وهي تتحرك نحوها..تُجاهد في تمالك دموعها التي خانتها وأخذت تنهمر على خديها 
– ناهد قومي يا حببتي متزعليش مني..  أنا عارفه إن كلامي معاكي الصبح ضايقك وأنتِ فيكي اللي مكفيكي.. أنا أسفه
فتحت ناهد عينيها تُطالعها والدموع تتساقط منهما
– ملك يا ناهد.. أنا أزاي نسيت إن في يوم قررت أربيها و ربنا عوضني بحلم الأمومة واداني النعمه اللي فضلت أتمناها منه.. أنا بقيت وحشه
التقطت كاميليا كفها تمسح عليه برفق 
– ناهد بلاش تعيطي قومي بس بالسلامة يا حببتي وندور عليها
– لما ترجع اطلبي منها تسامحيني قوليلها إن كنت أنانية.. قوليها إني مكملتش معروفي للأخر وخسرت
– حببتي أقولها إيه أنتِ اللي هتقوليلها وهترجعوا عيلة واحدة من تاني
ومازحتها حتى تجعل ذلك الشعور يُطرد من داخلها
– ويا ستي لو على رسلان نرجعه تاني لندن يروح يشوفله خوجاية يتجوزها
– لا.. لا يا كاميليا
لفظتها بصعوبة تقبض على كف شقيقتها
– لو عايزة تريحيني خلى رسلان يتجوز مها.. هاتي المأذون يا كاميليا مافيش وقت.. مافيش وقت
ورفعت يدها حتى تقبلها.. تتوسلها وكأنه أخر رجاء لها في الدنيا
– اخر طلب هطلبه منك يا كاميليا.. لو عايزه تريحيني اعمليلي اخر حاجة نفسي فيها 
…….. 
تعلقت عينين الجالس جواره به ينتظر منه إشارة رأسه بأن اللحظة قد أتت.. ارتجفت يدين حسن وساقيه يُريد التراجع
– أنا بقول انتقم من الباشا في حاجة غير ديه
– إحنا هنهزر يا خويا
رفع الرجل سلاحه نحو صدره.. فازدرد حسن لعابه يُطالع الطريق أمامه بخوف
ترجل حسن من السيارة يُحاول أن يستجمع شجاعته يتذكر كرهه لتلك العائلة ولما لا يكون سيد مثلهم ولديه المال
لمعت عيناه وهو يتخيل حاله صاحب متجر كبير
تحرك أمام الرجل بثقة فهو يعلم طريقة من تلك الجهة التي تُسهل الدخول للمزرعة
والخطوات كانت تقترب..
تتقلب على الفراش يمينًا ويساراً تستجدي النوم ولكنه كان أبعد عنها تلك الليلة.. أبدلت وضيعة نومها حيث أصبح ظهرها مفرود بإستقامة على الفراش.. حاولت وحاولت ولكن في النهاية نهضت تزفر أنفاسها تُطالع الحقيبة الصغيرة التي وضعتها جانب الخزانة .. فغدًا سترحل من هنا.. الجد حسم قراره الليلة.. أغمضت عينيها تمنعهما من ذرف المزيد تتذكر قبل ساعات عندما وقفت أمام حجرة الجد كي تخبره بالحقيقة التي تمنعها من العودة لوالديها
والمشهد يعود بتفاصيله أمام عينيها والعبارة تتردد في أذنيها
” مساعدتي ليكِ يا فتون ولأهلك قدامها مقابل.. تبعدي عن حفيدي”
لم تفهم عبارة الجد ولكن الجد كان رجلًا صريحًا للغاية قد علمه الزمن الكثير 
” أنتِ صغيرة وحلوة يا بنتي وحفيدي راجل عازب .. إنخراطك وتجاوبك معاه في المشاعر مهما كانت براءة نيتك ناحيته فالشيطان أقوى منكم “
الجمتها عبارات الجد وقد شحبت ملامحها وسرعان ما أدركت مقصده.. خرج صوتها مهزوزًا
” هو أنا عملت حاجة غلط يا بيه .. سليم بيه بيعاملني كويس عشان يعني..
عضت فوق أناملها حتى تتحمل مرارة تلك الكلمات 
” سليم بيه بيعطف عليا.. شايفني حالة تستحق الشفقة زي ما بيعمل ما أي حد محتاج لعطفه “
رمقها الجد بنظراته العميقة يضرب بعصاه أرضًا كما اعتاد كلما أراد إتخاذ قرارًا
” بكره الصبح هديكي الفلوس اللي تسدي بيها وصل الأمانة.. وبكده عيلتك مش هتكون تحت رحمة حسن.. وهتكملي تعليمك .. هتبلغي سليم إنك مش عايزة تتعلمي ومش عايزه إحسانه وشفقته من تاني وكفاية عليه إنه خلصك من حسن وبكده انتهى دوره من حياتك..”
تعلقت عيناه بها يترصد خلجات نفسها الواضحة على ملامحها
” هتفضلي طول عمرك في نظر حفيدي حتت خدامة.. يوم ما هيفكر فيكي هتكوني مجرد متعة “
بهتت ملامحها وتسارعت أنفاسها… فكلمات الجد قاسية، بررت له صورته
” سليم بيه عمره ما هيأذيني.. سليم بيه طيب..أنا عارفه أني خدامة يا بيه والخدم مينفعش يبصوا على أسيادهم..” 
ولكن الجد لم يكن يُريد سماع المزيد نهض من مجلسه وسار بضعة خطوات.. توقف لثواني وإستدار على عقبيه يُطالعها  قبل أن يتجه نحو غرفته 
” عايز ردك عليا الصبح يا فتون.. والعرض مش بيتقدم غير مره واحده.. “
فاقت من شرودها على ذلك الألم الذي لم تستطيع تحمله مسحت على بطنها لعل الألم يهدء ولكن الألم كان يزداد. 
نهضت من على الفراش بصعوبة تضم بطنها بذراعيها تخرج من غرفتها وتسير عبر الردهة المظلمة.. تيبثت قدماها وتراجعت للخلف تكتم صوت شهقتها وتحملق بعينيها بالصورة المنعكسة نحو خيال أحدهم .. أرتعشت أطرافها وصوت شئ يسقط بقوة على الأرض.. أرتجف جسدها وعادت عيناها تتسلط نحو الجهة التي تقع بها حجرة الجد. 
استجمعت أنفاسها المتلاحقة من شدة الخوف تحسم قرارها..
تلتف حولها ذعرًا تحمل تلك الأنتيكة التي وجدتها في طريقها تخبر حالها كي لا تتراجع 
” ده جد سليم بيه يا فتون.. الناس ديه ساعدتك كتير.. لازم تردي ليهم معروفهم قبل ما تمشي” 
……. 
توقف عن الركض ينظر خلفه وقد سقطت الحقيبة من يده يُحاول إلتقاط أنفاسه المسلوبة.. توقفت تلك الدراجة النارية ورفع صاحبها تلك الخوذة عن رأسه.. ولم يكن قائدها إلا سهر 
– اركب بسرعة يا أشرف، البوليس زمانه على وصول 
استجاب لها وهو يلتقط أنفاسه يلتف حوله
– خد إلبس ديه 
وضع الخوذة على رأسه.. لتنطلق سهر بأقصي سرعة
– كويس أنك عرفت تخدعه وتسبقه.. خليه يشيل الليله
وصدحت صوت ضحكتها مع تزايد سرعة الدراجة.. فاخيراً تخلصت منه وكانت هي الرابحة
..*……*…
تسارعت دقات قلبها وهي ترى الجد منبطح على وجهه فاقد الوعي.. صرخت بفزع عندما شعرت بإحدهم يكبلها من الخلف
لم تستطيع الصراخ فقد كتم صرختها بكفه.. قاومت بضراوة إلى أن أستطاعت التحرر منه.. لينظر نحو كفه والدماء تسيل منه يسبها بإبشع الألفاظ بعدما قاوم آلمه يدفعها نحو الحائط ويضرب رأسها به
أغمضت عينيها وقد تشوشت الرؤية أمامها ولكن صوته كانت تعلمه إنه هو.. حسن زوجها 
– حسن! 
تجمدت عينيه .. لقد كشفته تلك اللعينة رغم إنه يخفى وجهه بذلك القناع الذي لا يظهر إلا عينيه ويجعل صوته مكتومًا 
تملكها الدوار بشدة فترنحت والدماء تسيل من جبهتها ومازالت تردد اسمه..
لم يعد لديه متسع لقد جمع تلك المجوهرات التي يحتفظ بها الجد اللعين الذي أعاق هروبه خلف شريكه 
استجمع شتاته يجثو قربها بعدما سقطت على الأرض 
– مدام عرفتيني يبقى أنتِ الجانية على نفسك يا فتون..
واردف متوعدًا
– مصير أبوكي السجن وأنتِ هتحصليه بعد ما البسك تهمة السرقة 
حاولت رفع رأسها ولكنها فقدت قدرتها من شدة الضربات 
كان يعرف طريقه تمامًا.. كان سعيد بتلك الغنيمة التي حصل عليها كلما اقترب من موقع السيارة وذلك الشريك الذي ينتظره 
ولكن كل شىء تحول في لحظة.. سيارات الشرطة تقترب وهو يقف يُطالع الطريق من كل الجهات
– اه يا بنت ال..  بعتيني يا سهر 
……… 
تهاوى حسن على المقعد وهو يلهث بأنفاس متقطعة ومسعد يقف أمامه يُحدق بتلك الحقيبة التي سقطت من يده عند دخوله
– ايه ده يا حسن؟ 
ثم تعالت الصدمة على ملامحه ينظر إليه 
– أوعى تقولي إنك سرقت سليم النجار زي ما قولتلي.. يا نهارك أسود
 وأخد يُولول كالنساء مُقتربًا منه 
– وجاي عندي عشان توديني في داهية معاك.. يا شيخ ملعون أبو صحبيتك اللي تودي في داهية 
ضجر حسن من عويله ونهض يدفعه على صدره نحو الجدار 
– ما تسكت شويه وخليني أفكر هخفي الحاجة فين.. مش كفايه سهر الكلب خانتني هي والراجل بتاعها.. أه يا بنت.. بقى تضحكي عليا أنا وتبلغي عني الحكومة 
– البوليس .. لا لا لا مش هروح في داهية أنا… خد حاجتك وأمشي من هنا 
التقط مسعد الحقيبة  يدفعها نحو باب الشقة كحال صاحبها لتسقط مرتطمة في الأرض يتناثر حولها تلك القطع التي جعلت عينين مسعد تتسع على وسعهما ويجثو على ركبتيه يلتقط إحدى القطع 
– العقد ده ألماظ مش كده 
التمعت عينين حسن بعدما رأي الإنبهار في عينين صديقه.. هندم ملابسه يُسرع نحو الحقيبة ينتشلها من أمامه 
– ما كنت من شوية خايف.. عمومًا يا صاحبي انا كنت جايلك عشان نتصرف في الحاجة ونخبيها لحد ما الدنيا تهدا ونقسم الحاجة سوا
وابتعد بالحقيبة يوهمه إنه سيغادر ولكن مسعد سرعان ما قبض على ذراعه يهتف به 
– أنا عندي مكان نخبي في الحاجة ولا اللهو الخفي يعرف طريقها 
……… 
تجمدت عينيه نحو جسد جده فاقترب منه الطبيب يربت على كتفه 
– أربعة وعشرون ساعة لو عدي مرحلة الحظر هيكون كويس.. للأسف الخبطة كانت قوية عليه 
إنصرف الطبيب نحو وجهته تاركًا إياه يُحدق في الراقد أمامه يقبض على كفيه بقوة يتوعد لمن الفعل الأمر 
أخذته قدماه إليها بعدما تمالك ذلك الإحساس الذي أحتلي قلبه منذ أن علم بخبر الحادث 
تأمل وجهها وتلك الضمادة البيضاء التي تلتف حول جبهتها.. تحركت أنامله نحو وجهها يلمسه وقد لمعت عينيه بوحشية ووعيده يزداد نحو الفاعل 
فتحت عينيها بصعوبة ومازالت الرؤية مشوشة أمام عينيها تهتف باسم الجد 
– عظيم بيه.. عظيم بيه 
– فتون متتحركيش عشان جرح راسك
تعلقت عيناها به فانحني هو صوبه 
– عظيم بيه.. ضربوه.. معرفتش اعمله حاجة
– اهدي يا فتون.. بلاش حركة قولتلك 
ابتلعت لعابها وبدء الصداع يداهمها بقوة لا تتحملها والتفاصيل تعود لتسير أمام عينيها 
غادر سليم حجرتها بخطوات سريعة كي يجلب الطبيب من أجل معاينتها.. فعادت لغفوتها هاربة من الحقيقة التي اقتحمت عقلها 
” حسن هو السارق ” 
…….. 
لم يستطيع سماع تلك المباركات التي تهاوت على مسمعه.. ولا بتردد تلك العبارة التي مازال صداها في أذنيه
” قبلت زواجها” 
لقد تزوج مها وضاعت ملك من يديها وأنفطر القلب على محبوبته وضاع الحلم 
مذاق العلقم كان في حلقه.. الدموع غشت عينيه وهو يهوى بجسده على المقعد الخشبي خارج المشفى 
لماذا أحب.. لماذا ذاق مرارة الحب.. إن مرارة مذاقه صعبة للغاية صعبة لدرجة مميتة
– كل الطرق كانت ضد حبكم يا رسلان من البداية.. محدش بيعاند قدره يا بني.. خالتك روحها متعلقة بجوازك من مها 
نكس رأسه فلم يعد لديه قدرة لسماع المزيد 
– الأعمار بيدي الله يا بابا.. خلاص أنا عملت اللي أنتوا عايزينه وماما عايزاه.. اظن إن مهمتي خلصت 
نهض من على المقعد يجر خطواته يزيل عنه معطفه الطبي يُلقيه خلفه..
وقف عزالدين يُطالعه مُتحسرًا لقد حاول مساندته في البداية ولكن كما نحن نؤمن ” كله مقدر ومكتوب ” 
…….. 
اغمضت ناهد عينيها تهرب من نظرات عبدالله اللائمة قبل أن يُغادر الغرفة ويبتلع غصته.. سالت دمعته من بين جفنيه ينظر نحو أبنته التي وقفت في الخارج باكية وصوت شهقاتها يتعالا 
اسرعت مها نحو غرفة والدتها تجثو على ركبتيها وتلتقط كفها 
– ليه عملتي كده يا ماما.. ليه ؟
اشاحت ناهد عينيها عنها بعدما رمقتها بنظرة قاسية 
– روحي أعملي العملية.. قبل ما تفضحينا مع ابن خالتك 
– رسلان لازم يعرف الحقيقة.. 
نفضت ناهد كفها تنظر إليها بوعيد
– رسلان لو عرف الحقيقة هيطلقك في ساعتها.. مش بعد ما أعمل كل ده عشانك تضيعه
وعادت تضع بيدها على قلبها متصنعة المرض كما تصنعت الموت الليلة الماضية ونالت خوف شقيقتها.. وكاميليا كانت أضعف من أن تتحمل أن ترى شقيقتها الوحيدة في تلك الصورة.. أجبرت رسلان وضعت أمومتها أمام زواجه من مها وقد تم كل شئ
– لو فضحتي نفسك يا مها مش هتكوني بنتي ولا أعرفك 
………..
تعلقت عينيه بالجِزْدان وتلك البطاقة التي ظهرت فيها صورة صاحبها .. قبض بيده على البطاقة بقوة وشعورًا واحدًا كان يمتلكه ” الغضب ” من كان يُعامله وكأنه ليس مجرد مستخدم لديه من كان يمد له يده بالمعروف عض يديه 
” حسابك تقل أوي يا حسن..” 
طالعه الحارس بنظرة فرحة فأخيرًا قد أكتشفوا من وراء جريمة السرقة .. صحيح أن الشرطة علمت بالسرقة وقد فر منهم السارق تلك الليلة ولكن من أتصل وأخبرهم بالجريمة لم يصرح باسم السارق وتخلص من خط هاتفه ولكن الحقيقة قد بانت ولكن الكابوس لم ينتهي فالجد حالته لا تبشر بالخير
– والله يا سليم بيه الكل زعلان على اللي حصل.. عمرها ما حصلت يا باشا.. الكل هنا بيحب الجد.. ربنا ينتقم منك يا حسن كنت هتضيع البيه الكبير 
ورفع الرجل يديه عاليًا يدعو للجد بالشفاء
– ربنا يشفيك يا عظيم بيه وترجع تنور المزرعة من تاني
انصرف الحارس بعدما شعر أنا وجوده وثرثرته قد طالت
اغمض عينيه يخفى خلف جفنيه المغلقين تلك النيران المشتعلة
…… 
– البنت ديه ليه لسا قاعده هنا.. ولا هي فاكره إن بيتي ملجأ ليها 
اقتربت منه السيدة فاطمة بعدما وقفت صامته للحظات تنتظره أن يفرغ غضبه 
– والناس ذنبهم إيه تطلع غضبك عليهم يا جسار
– قصدك إيه يا ماما.. أني بقيت إنسان معقد ومريض 
مسحت على ظهره بحنو وانسابت دموعها على خديها 
– الدكتور أتصل بيا قالي إن حالتك أتوافق عليها وبقي في أمل إنك ترجع تشوف من تاني 
تجمدت عينيه يتحرك بعشوائية حول نفسه.. فضمت كفيه بكفيها 
– قبل ما تقولي إنك تستحق تفضل أعمى طول عمرك.. لازم تعرف الحقيقة يا جسار 
حاولت الثبات قدر المستطاع حتى تظل صورتها الدائمة في عينيه.. إمرأة قوية لا يهزمها شئ ولكن المرض يهزم المرء دون إستطاعته 
– الأدوية مبقتش تعمل مفعول يا جسار.. حالتي بدأت تتأخر.. مش هفضل طول عمري جانبك 
– أدوية إيه؟ 
نطقها بلهفة يرفع كفيه يبحث عن وجهها.. فاندفعت لحضنه تضمه بكل قوتها وحنانها 
– بعد الحادثة بتاعتك أكتشفت إني مريضة كانسر.. حالتي بتتأخر ومافيش أمل 
دار حول نفسه لا يستوعب شئ.. إنه يحترق من الداخل.. صرخ بكل قوته.. هل سيفقد كل ماهو غالى عليه دائمًا 
– في أمل أكيد.. نسافر برة.. هنلف العالم كله..
عاد لثباته الواهي يبحث عن كفيها يلتقطهما باكيًا 
– ماما ردي عليا.. 
شاركته بكاءه لم ترغب في إخباره بتلك الحقيقة ولكن لم يعد لديها متسع.. لابد أن تجعله يعود كما كان.. لا أحد سيكون جوار صغيرها إذا رحلت 
– أتجوز يا جسار.. لازم تتجوز يا بني.. اتجوز عشان أرتاح 
……… 
دلفت إليه تحمل بين أيديها بعض الكتب التي كان يعشقها.. قد علمت ذلك من خادمه المخلص.. التقطت أنفاسها تستعد لتلك الحرب الطاحنة التي يشنها عليها ولكن مهلًا تلك السحابة من الدخان تكتم أنفاسها 
جالس هو على مقعده يُدخن بشراهة.. ولكن رائحة الدخان كانت غريبة عليها.. سعلت بشدة تقترب من مكان جلوسه 
– سيد جسار… 
لم تستطيع لفظ المزيد لتعود لسعالها 
– لو سامحت كفاية شرب سجاير 
التف جسار بمقعده يُحاول النهوض من عليه حتى استطاع تثبيت قدميه 
ترنحه جعلها تتراجع للخلف.. سقطت الكتب من  يديها وتعالت شهقتها تنظر نحوه ذعرًا بعدما أجتذبها من ذراعها 
– تاخدي تجربي.. يمكن تنسى إن أهلك مطلعوش أهلك 
– أبعد أيدك عني… أنت مش في وعيك.. 
دفعته بكل قوتها ولأول مرة تكون شجاعة بحياتها.. وقف مصعوقًا من صفعتها وقد تحجرت عينيه بوحشية 
– فوق بقى.. عندك أمل تخف لكن بترفضه.. عايز تفضل بين أطلالك عاجز وحيد….
واغمضت عينيها تتذكر حقيقتها التي بات يخبرها بها يوميًا حتى جعلها تحفظ من أين أتت 
– حقيقتي خلاص أنا عرفاها بنام وأصحى وأنا عارفه إني من الشارع لا أب ولا أم.. مبقتش محتاجة أسمعها منك…وليك الفضل طبعا خلتني أقتنع بالحقيقة اللى رفضتها 
صفقت بيديها له ومازالت عيناه جامده نحوها يضم عقب السيجارة بكفه ويضغط عليه 
جثت على ركبتيها تحمل الكتب التي سقطت منها 
– متخافش همشي من هنا قريب .. بس أعرف طريقي هبدءه أزاي ومن فين.. حاول تستحمل وجودي
ووضعت الكتب على سطح مكتبه وانصرفت بخطوات سريعة تمسح دموعها التي أغرقت خديها.. سترحل من هنا قريبًا.. فلا طاقة لديها لتحمل المزيد ولولا الحاجة التي تُجبر المرء ما كانت لتتحمل 
…….. 
– خلاص يا باشا.. أنا هقولك مكانه.. بس أبوس أيدك إرحمني 
لفظ بها مسعد بعدما سقط أرضًا يلتقط أنفاسه 
– حتى مكان المجوهرات هقولك عليها… بس أنت وعدتني يا باشا مش هلبسها معاه 
أخبره بمكان حسن وبكل شئ يهرب بعينيه من شدة الخوف..طالع سليم صديقه المقرب ورجاله 
– عمار ممكن تستناني برة 
أماء عمار برأسه يُشير لرجاله بالخروج 
– فتون كانت تعرف؟ 
سؤال كان واضح.. سؤال يُريد إجابته أكثر من أي شئ.. جده هذا الصباح عندما أفاق أخبره بما سمعه قبل أن يتلاشى كل شئ حوله 
” سمعت اسم حسن منها وبعدها محستش بحاجة يا سليم” 
الشك يتلاعب به… عقله يخبره لما لا تفعل هذا وقلبه يُطالبه بعدم التصديق 
اطرق مسعد عينيه 
– معرفش حاجة يا باشا.. بس حسن قالي إن فتون شافته 
اظلمت عينيه.. جده لم يُخطئ…فتون أنكرت أمام الشرطة رؤيتها لأحد 
قبض على كفيه بقوة.. لأول مره يُخدع من إمرأه وعن أي إمرأة يتحدث خادمته الصغيرة 
خرج من الغرفة التي أحتجز فيها الرجال مسعد.. يشير إلى صديقه أن يُكمل ما اتفقوا عليه 
……..
سقط كأس الماء من يدها بعدما التقطته من على الكومود.. ارتجفت يديها تنظر نحو الزجاج المنثور تشعر وكأن الهواء ينسحب من رئتيها.. خرجت راكضة من غرفتها لا ترى أمامها..تراطم عنيف حدث لتتتأوه من شدة الألم تسقط أرضًا كما سقط هو الأخر
– أنتِ كويسة
صوت تنفسها العالي ثم بكائها كان لا يُبشر بالخير.. ازداد قلقه فهو المخطئ.. فهو من كان يسير شاردًا يفكر في حقيقة مرض والدته
– أنتِ كويسة… ردي عليا 
هتف عبارته يتحرك على ركبتيه يُحاول أن يُحدد مكانها.. قبض فوق ذراعيها يتنفس براحة 
– في حاجة حصلتلك.. ردي عليا
ازداد نحيبها حتى فقدت القدرة على إلتقاط أنفاسها 
– كفاية عياط وردي..
– أنا كويسة…
لفظتها بصعوبة تُحاول النهوض والعودة لغرفتها 
– صوتك مش بيقول كدة… 
الشعور السئ كان ازداد ولم تشعر إلا وهي تمسك يديه الأثنين بقوة 
– فيه حاجة وحشة هتحصل… حاسة أني بتخنق 
– إهدي وأتنفسي براحة.. متخافيش مافيش حاجة وحشة
الشخص الذي كان جالس جواره لم يكن ذلك الرجل الذي عرفته في الأيام القليلة التي عملت لديه.. يُخاطبها برفق يُهدء من روعها..
……..
وقع الخبر على مسمعي الجميع صدمة… عبدالله رحل وفارقهم
سقطت الحقيبة التي تحملها كاميليا تنظر نحو حالة شقيقتها
– قوليلى إنهم بيكدبوا يا كاميليا… قوليلي إنه كدب… عبدالله مامتش… إنتوا كنتوا مستنين أنا أموت مش هو
سقطت دموع كاميليا ولم تكن تُصدق هي الأخرى الخبر
– عزالدين قالي إن المكوجي لقاه ميت في شقته في الحارة
– عبدالله مش ممكن يسبني…. عبدالله مش ممكن يسيب ناهد 
استندت مها على الجدار تكتم شهقتها.. تنظر نحوهم والدموع تغرق خديها 
………… 
– عملت كده عشان بكرهك.. أبويا طول عمره عايزني أكون زيك .. طب إزاي أكون زيك وأنت ابن الباشا وأنا ابن السواق 
لفظها بكل راحة يزفر أنفاسه يُطالع نظرات عينيه المصدومة يستطرد حديثه
– فتون طلعت أصيله ومبلغتش على جوزها 
مسح على شاربه ينظر لذلك الذي أظلمت عيناه.. وارتسمت على وجهه ابتسامة منتشية بعدما حقق مراده 
– سليم باشا عرفت تخدعه مرات السواق.. شوفت الزمن يا باشا 
لم يتحمل سليم سماع المزيد فنهض يقبض على طرفي قميصه يدفعه نحو الحائط في تلك الزنزانة الكريهة.. ولكن حسن وكأنه وجد فرصته
– لولا مسعد الخاين اللى باعني وعرفك طريقي كان زماني أنا وهي سوا بنتمتع من خيرك.. أومال يعني هشغل مراتي خدامة من غير هدف ياباشا 
سقط حسن على أثر تلك اللكمة القوية التي نالها للتو… وعاد يلتقطه مجدداً يُخرج فيه غضبه بأكمله 
– أخرس يا زبالة..هدفعك التمن أنت وهي 
تعالت ضحكات حسن.. ليدلف الضابط ينظر نحو سليم ويجذبه نحو الخارج 
– سليم كفاية كده… هينال عقابه
– نتفق يا باشا وأديهالك تعمل كل اللي نفسك فيه 
هتف بها حسن ينظر نحو سليم الذي عاد يلتف إليه… 
……..
سقطت دموعها وهي تستمع لعبارات المواساة من السيدة فاطمة.. اليوم علمت لما كان شعورها القاتل منذ يومين.. لقد مات الرجل الذي أحبته ورباها وكأنها أبنته 
– مكنتش عايزة أبلغك يا بنتي.. أنا أسفة
وصمتت السيدة فاطمة لثواني تستجمع باقية حديثها 
– أختك أتجوزت رسلان 
نار بل نيران كانت تنهش فؤادها نهضت عن مقعدها تقبض على قماش ثوبها تكتم صرختها..فالألم لم يعد يُحتمل
شعرت السيدة فاطمة بالأسى نحوها ولكن عليها أن تُكمل ما تبقى
– انا عارفة إنه مش وقته الكلام ده.. لكن يا ملك خديها نصيحة من ست عمرها ضعف عمرك و أكثر.. مش هتقدرى تكملي الحياة لواحدك.. الوحدة وحشة يا بنتي 
انهمرت دموعها على خديها… تغمض عينيها بقوة فهل أحدًا يختار وحدته 
– ملك أنا عايزاكي زوجة لجسار.. أنا مكنتش عايزة مرافقة عادية لجسار أنا كنت عايزه طبيبة نفسية.. تقدر تعالجه لكن حقيقي لما شوفتك مقدرتش أرفضك..
– بكرة الصبح هجمع حاجتي وأمشي من هنا 
تجمدت عينين السيدة فاطمة فلم تكن تتوقع تلك الإجابة منها 
اقتربت تقف قبالتها 
– الكل كمل حياته.. هتفضلي طول عمرك كده 
” الكل كمل حياته.. هتفضل طول عمرك كده” 
ترددت العبارة في أذنيها فهزت رأسها حتى تتخلص من تأثيرها فيكفيها عبارات ناهد التي ستظل طيلة عمرها تسمع صداها بأذنيها 
– وجودك مبقاش ينفع قرب العيلة اللي أقهرتك ولا هنا في مصر … جوازك من جسار مجرد منفعة متبادلة.. جسار محتاج حد جانبه لحد ما يعمل العملية يا ملك 
هزت رأسها رافضة..فقبضت السيدة فاطمة على ذراعيها برفق 
– اسم عيلة كبير… منصب عالي في شركة في إيطاليا.. حياة تانية هتثبتي للكل إنك مش مجرد بنت من الشارع.. والجواز مؤقت يعني مش هتكوني خسرانه 
……. 
المنزل كان فارغ إلا بها.. الكل غادر دون أن يجيبوا عليها.. دارت بجسدها داخل الغرفة التي تقيم بها 
– هما ليه سابوني لوحدي… أنتِ بتفكري في إيه يا فتون دلوقتي فكري أزاي تقولي لسليم بيه إن حسن هو اللي سرق 
تسارعت دقات قلبها دون أن تعرف السبب 
– أنا لازم أقوله النهاردة لو جيه المزرعة… لازم سليم بيه يعرف الحقيقة 
دب الرعب في قلبها وتيبثت قدماها وهي تستمع لصوت بوق السيارة… اسرعت نحو شرفتها لتتأكد من هوية القادم 
ركضت بكل سرعتها لأسفل تستقبله 
– عظيم بيه فاق يا بيه… طمني عليه ده بقاله أكتر من أسبوع في المستشفى 
تخطاها صاعدًا دون أن يُجيب عليها وكأنه لم يسمعه… فوقفت تفرك يديها تهتف لحالها 
” لازم اقوله الحقيقة.. لازم” 
انتفضت فزعًا على صوته وهو يأمرها بنبرة باردة كالصعيق 
– حضريلي العشا وهاتيه على أوضتي فوق
نفذت ما أمرها به.. وصعدت لأعلى تتقدم نحو غرفته.. إهتزت يديها وهي تقف أمام الغرفة تُحادث نفسها للمرة التي لا تعرف عددها 
– مالك يا فتون خايفة كده… لا لازم تقولي للبيه كل حاجة النهاردة 
استجمعت أنفاسها تتقدم نحو الداخل تبحث عنه بعينيه.. صوت المياة أجتذب إنتباهها .. وضعت صنية الطعام على الطاولة الصغيرة وقررت الخروج والعودة إليه بعدما ينهي طعامه 
– رايحة فين؟ 
جمدها صوته.. فالتفت إليه بعدما هربت الدماء من وجهها تنظر نحوه وسرعان ما وضعت كفيها على عينيها 
– نازله المطبخ يا بيه 
ارتفعت زاويتي شفتيه سخريةٍ ينظر إليها بإستخاف واقترب منها يجذب كفيها يضعهما على صدره العاري بعدما تخلي عن قميصه 
– مش قادره تشوفيني كده..
جذبت يديها من قبضتيه بعدما تعالت شهقتها 
– إبعد أيدك  يا بيه… أنت بتعمل كده ليه 
تجرأت يديه فلفهما حول خصرها يُقربها منه أكثر 
– مش الخدامة ليها مميزات تانية المفروض.. 
وباغتها بردة فعله التي لم تتوقعها من شدة صدمتها فاجتذب حجابها من فوق رأسها ينثر بيديه خصلاتها 
– مش خسارة الجمال ده ميقدمش خدمات تانية ويكون هو الكسبان 
لقد وصل لها المعنى بكل وضوح.. صرخت بعلو صوتها وهي تُحاول تخليص جسدها من آسر ذراعيه 
– إبعد عني.. أنت بتعمل إيه… لا لا أنت مش سليم بيه 
انسابت الدماء من شفتيها.. بعدما نال حرمة شفتيها.. دفعته بكل قوتها بعدما تمكنت تسرع نحو باب الغرفة ولكنه كان أسرع منها وهو يغلق الباب يُحاصرها بجسده
سالت دموعها على خديها تتوسل إليه وقد استوحشت عينيه
– سيبني أمشي يا بيه أبوس ايدك متأذنيش
ولكنه تلك اللحظة لم يكن يسمع إلا صوت حسن الذي يتردد  في أذنيه 
– بقى خدامة زيك تضحك عليا انا… بقى انا سليم النجار اتخدع في حته عيله لا وكمان خدامه… لعبتيها معاه صح وطلعتيني مغفل… سليم النجار يتلعب بي على إيد خدامة
تراجعت للخلف مذعورة من نظراته المتوحشة ومن تلك اللكمات التي يضرب بها على الجدار خلفها.. فاضت عيناها بالدموع  تنظر اليه تُبرر له صمتها 
– انا كنت هحكيلك كل حاجة … بس حسن.. 
لم يمنحها فرصة لتُخبره ولم يمنح نفسه فرصة بأن يسمعها للنهاية 
– حسن طلقك وقبض تمنك ..  لعبتكم أتكشفت وجيه وقت دفع التمن 
وابتعد عنها يدور حول نفسه لا يُصدق انه انخدع فيها.. من حماها من نفسه ورغباته من أراد أن يُخلصها من تلك الزيجة الفاشلة ويعطيها حياة كريمة عضت يديه
حاولت فتح الباب تطرق عليه بكل قوتها كي يسمعها أحدًا ولكن المنزل كان فارغًا إلا منهما… 
عاد يتفرسها بعينيه يُدقق النظر جيداً بمعالم جسدها الذي يغطيه فستانها الواسع
– محدش هيسمعك … 
واقترب منها بخطواته يهتف بها 
– محدش علمك إن اللعب مع الكبار نهايته وحشة 
–  هددني إنه هيحبس أبويا ليلتها .. كنت هقولك يا بيه كل حاجة بس خوفت 
وعادت تهتف برجاء وتنظر حولها لعلها تجد مخرجًا
– أرجوك يابيه سيبني اروح لحالي
– هووس 
انكمشت على حالها وازداد إرتجاف جسدها كلما اقترب منها بخطواته.. فرت من أمامه للجهة الأخرى ولكنه كان اسرع منها وهو يجذبها إليه يلصقها نحو الحائط 
عم السكون للحظات قبل أن تعلو شهقتها وهي تستمع لصوت تمزق فستانها 
– حسن باعك تمن حريته وقبض تمنك.. وصل الأمانة بتاع والدك اتدفع.. من حقي أخد التمن 
وتعلقت عيناه بها يرى الخوف في عينيها 
– والتمن جسمك يا فتون ..
يتبع..
لقراءة الفصل السادس والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً نوفيلا ورطة قلبي للكاتبة سارة فتحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!