رواية لا تعشقني كثيراً الفصل الثامن عشر 18 بقلم بتول علي
رواية لا تعشقني كثيراً الفصل الثامن عشر 18 بقلم بتول علي |
رواية لا تعشقني كثيراً الفصل الثامن عشر 18 بقلم بتول علي
أوقف فارس سيارته أمام المستشفى وركض بسرعة في الرواق حتى وصل إلى غرفة الطبيب المسؤول عن حالة كاميليا والذي اتصل به وأخبره بأنها قد استيقظت من غيبوبتها.
أشار له الطبيب ناحية المقعد قائلاً بلهجة عملية:
-“اجلس من فضلك سيد فارس …. يوجد تفاصيل مهمة يجب أن أطلعك عليها”.
صمت فارس وظل ينظر إلى الطبيب مُنتظر بقية حديثه … تنهد الطبيب وتابع بهدوء:
-“زوجتك لا تتذكر ما جرى معها في هذا اليوم ولا كيف تعرضت لهذا الحادث”.
نظر له فارس بترقب وسأله بتوجس:
-“هل تريد القول بأنه تم محو أحداث هذا اليوم المشؤوم من ذاكرتها؟”
أجابه الطبيب بتأكيد:
-“أجل هذا ما أقصده بالضبط … يبدو أن زوجتك تعرضت لصدمة قوية في ذلك اليوم ولم تستطع تحملها ولذلك قام عقلها الباطني بمحو كل تلك الأحداث التي جرت معها في يوم الحادث”.
لمعت عينا فارس بوميض غاضب فقد أصبح الآن على يقين بأن ياسمين مسؤولة بشكل رئيسي عما حدث لزوجته.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
صدع أذان الفجر وانتشر في الأرجاء فاستيقظت مهجة من نومها وأدت فرضها ثم جلست تقرأ الأذكار وهي تتابع شروق الشمس من نافذة غرفتها.
سمعت طرقات خافتة على الباب فعدلت من وضع حجابها قبل أن تسمح للطارق بالدخول لتدلف رانيا إلى الغرفة قائلة بابتسامة مشرقة:
-“صباح الخير”.
ردت “مهجة” بهدوء:
-“صباح النور”.
ولجت “رانيا” إلى الداخل بخطوات مترددة ثم قامت بإغلاق الباب خلفها وجلست على السرير مقابل مهجة وسألتها مباشرة ودون أي مقدمات:
-“هل أنتِ بخير؟ ماذا حدث معكِ؟ وما سبب تلك الكدمات على جبهتك؟”
حمحمت “مهجة” بخجل قبل أن ترفع عيناها التي أصبحت حمراء من كثرة البكاء نحو شقيقتها ثم هتفت بخفوت:
-“هذه الكدمات ليست سوى نقطة في بحر الكثير من الألم الذي عشته في بيت هذا الوغد المدعو بزوجي”.
اقتربت منها رانيا وأخذت تواسيها وتأكدت في تلك اللحظة بأن شقيقتها تعرضت لكثير من الظلم والتعنيف على يد زوجها الحقير .
-“ليتني أرى أمامي الآن والدنا الوغد حتى أجعله يدفع ثمن كل ما فعله بنا”.
نطقتها “رانيا” بغيظ لتزجرها مهجة قائلة بتأنيب:
-“والدنا بالفعل شخص سيء ولكن لا يجوز أن تنعتيه بالوغد فهو يظل والدنا في النهاية ويجب علينا أن نحترمه”.
زفرت رانيا بغضب وأخبرت مهجة بما فعله والدهما بالأمس وكيف كان يريد استغلالها ليحصل على المال لتردف مهجة بحزن:
-“لن يتغير أبدا … صدق من قال الطبع يغلب التطبع”.
لم تعلق رانيا على حديث شقيقتها وقامت بتغيير مجرى الحوار قائلة:
-“دعك من كل ذلك وأخبريني كيف هربتِ من منزل زوجك؟”
أخذت مهجة تسرد لشقيقتها تفاصيل هروبها من المنزل وأخبرتها بأن الفضل كله يعود إلى ضرتها حسناء فلولاها لظلت محبوسة في ذلك المخزن القذر.
صفقت “رانيا” بيدها وهتفت بحماس:
-“يبدو أن ضرتك ستقضي قريبا على زوجك وستجعله يدفع ثمن ما فعله بكِ”.
ارتجف جسد مهجة بالكامل إثر تذكرها لما كان جابر يفعله بها … لاحظت رانيا شحوب وجهها وارتعاشة يدها فهمست تطمئنها ببضع كلمات حتى تهدأ:
-“لا تقلقي مهجة … أنا لن أتركك أبدا وسأظل بجوارك حتى تحصلي على طلاقك من هذا الحقير”.
ابتسمت مهجة وتمنت أن يأتي سريعا اليوم الذي سينتهي به جابر من حياتها وإلى الأبد.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
دلف “فارس” إلى غرفة كاميليا وجلس بجانب سريرها ثم أمسك يدها وقبلها قائلاً:
-“كيف تشعرين الآن؟”
قبضت على كفه وأجابته بوهن:
-“بخير ولكن أشعر بألم فظيع في رأسي ولا أعرف كيف وصل بي الحال إلى هنا ولا كيف تعرضت إلى ذلك الحادث”.
أشاح فارس ببصره بعيدا عنها حتى لا تلاحظ ضيقه وغضبه فهو يريد بشدة أن يدق عنق ياسمين ولكنه قرر أن يصبر ويتماسك حتى لا تسوء حالة زوجته فهي لا تزال في فترة النقاهة وليس من الصواب أن تتعرض إلى تلك الضغوطات.
ملس على شعرها وهتف بلطف:
-“لا تقلقي حبيبتي ، أنا معك ولن أتركك”.
-“أنا خائفة فارس … خائفة جدا … أنا متأكدة بأن هناك شيء ما حدث معي في ذلك اليوم ويجب أن أتذكره ولكنني لا أستطيع … أشعر أني ضائعة ومشوشة … أنا لم أستوعب حتى الآن أنه مر ثمانية أشهر وأنا كنت راقدة في تلك الغيبوبة!!”
قست عيناه بشدة وشعر باحتراق في قلبه فكل ما حدث لها كان بسبب صديقتها … مسح على وجهه بقوة وهو يقول:
-“تحدثت مع الطبيب قبل أن آتي إليك وأخبرني بأن كل تلك الأعراض طبيعية جدا لأنك استيقظت للتو من غيبوبة طويلة وقال أنك ومع مرور الوقت ستتذكرين ما حدث لكِ في يوم الحادث”.
تمتم بصوتٍ عنيف لم يصل إلى مسامعها:
-“ستدفعين الثمن ياسمين وسأجعلك عبرة لكل من يفكر أن يمس ولو بشعرة واحدة من زوجة فارس نصار”.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
توقفت “فريدة” عن الركض لبضع ثوان تلتقط بها أنفاسها ثم واصلت مرة أخرى … نظرت بجانبها عندما لاحظت بأن هناك من يركض بجوارها وابتسمت بشدة عندما رأت أن هذا الرجل هو نفسه خالد.
جلست تستريح وجلس خالد بجانبها وهو يلهث ويلتقط أنفاسه هو الأخر لتباغته فريدة قائلة:
-“تأخرت كثيرا اليوم”.
أجابها بعدما ارتشف القليل من المياه:
-“أعلم ، وهذا لأنني استيقظت متأخرا وسبب ذلك أنني نسيت أن أضبط المنبه”.
-“واو!! هذا رائع … ما رأيكما بأن أحضر لكما كأسين فراولة حتى يتثنى لكما الحديث برومانسية أكثر؟!”
نطقها هشام الذي اقتحم جلستهما بتهكم واستهزاء وهذا ما دفع خالد ليرد عليه ولكن منعته فريدة وهي تقف أمام هشام قائلة بجفاء:
-“اللعنة عليك هشام!! ماذا تريد منِّي؟! لماذا لا تتركني وشأني؟! ما الذي ستستفيده عندما تدمر حياتي وتجعلها جحيما؟!”
-“أنتِ زوجتي التي أحبها ولن أدع أي رجل يقترب منكِ”.
اتسعت عيناها ورددت باستنكار:
-“زوجتك!!”
استأنفت وهي تصرخ بألم حاد … ألم تشعر به يمزق قلبها الذي ظل يعشق هشام لسنوات ويغفر له أخطاءه:
-“اتركني وشأني هشام … أنت لا تحبني ولم تحبني أبدا … الأمر لا يتعلق بالحب بل بكرامتك التي تشعر بأنها أهدرت لأنني أرفض أن أعود لك”.
أخذت تتذكر كيف خانها عدة مرات وكيف كانت تشعر بالتعاسة وكيف كانت تدَّعي السعادة حتى سأمت من كل شيء … ملت من التمثيل والكذب.
هتفت بنفاذ صبر بينما دموعها تهطل بغزارة من عينيها … دموع حارقة تضاهي حرقة قلبها:
-“اخرج من حياتي … أنا لا أريد أن أراك مرة أخرى”.
تدخل خالد في الحديث قائلاً بصوت أجش:
-“أظنك سمعت بوضوح ما قالته لك … ابتعد عنها واحفظ ماء وجهك”.
دفعه هشام بقوة صائحا بغضب:
-“لا تتدخل أنت … هذا الأمر بيني وبين زوجتي ولا يعنيك في شيء”.
صرخت بقوة اكتسبتها بفضل ما مرت به على يديه:
-“لا تقل زوجتك وبالنسبة له فهو يحق له أن يتدخل لأنه خطيبي”.
بهتت ملامح هشام وهو يحدجها ببلاهة قائلاً:
-“ماذا قلتِ؟! خطيبك!!”
أجابته وهي تنظر له بتحدي:
-“أجل خطيبي وسنتزوج بعدما تتحسن حالة زوجة أخي”.
وقف خالد أمام فريدة ليحجب رؤية هشام لها وقال:
-“أظنك سمعت ما قالته لك”.
لمعت عيناه بغضب وهو يستكمل:
-“اذهب الآن وإلا سأتصرف معك بشكل لن يعجبك أبدا”.
نظر هشام إليه بحقد وغادر وهو يتوعد له.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
-“هل علمت أين ذهبت زوجتي؟”
نطقها “جابر” موجها حديثه إلى كبير الغفر الذي كان يقف أمامه باحترام ويحني رأسه إلى الأرض ليجيبه الغفير بخفوت:
-“أجل سيدي … بحثت كثيرا وتمكنت في النهاية من معرفة المكان الذي ذهبت إليه زوجتك”.
-“إذا كنت تعلم بالمكان الذي ذهبت إليه فلماذا لم تحضرها إلى هنا؟”
قالها جابر بتساؤل غاضب ليجيب الغفير بتوجس فهو يخشى من ردة فعل جابر بعدما يعلم بمكان زوجته:
-“لأنها ذهبت إلى منزل شقيقتها والتي تكون بالمناسبة الممثلة المشهورة رانيا الألفي ومنزلها ملئ بالحراس ويقع في منطقة يسكن فيها الكثير من قادة الجيش وأصحاب النفوذ والسلطة”.
تأفف جابر بغضب وصاح بنبرة قاسية:
-“فهمت الآن … الحقيرة ذهبت إلى شقيقتها لأنها تعلم جيدا أنكم لن تستطيعوا أن تقتحموا ذلك المنزل وتخرجوها من هناك بالقوة ولكنني لن أتركها وشأنها وسأعيدها إلى هنا رغم أنف الجميع وستكون واهمة إذا ظنت أنني سأستسلم للأمر الواقع”.
انسحب الغفير بهدوء وترك جابر يتوعد لمهجة ويقسم بأنه سيجعلها تندم أشد الندم على فعلتها.
مر بضع دقائق قبل أن يصدع رنين هاتفه فنظر إلى شاشته وأجاب على الفور عندما وجد أن المتصل هو نفسه الرجل الذي كلفه بأن يتابع حالة كاميليا ويوافيه بكل جديد:
-“هل هناك أخبار جديدة؟”
قالها جابر بريبة فليس من عادة هذا الرجل أن يتصل به في الصباح الباكر … تحدث الرجل بصوت مرتعش من هول الكارثة التي حلت على رأس سيده:
-“كاميليا استيقظت وحالتها مستقرة وزوجها يجلس برفقتها الآن في الغرفة”.
لطم جابر رأسه بكفيه هاتفا بهلع:
-“استيقظت!! هل أنت متأكد؟”
أجابه الرجل بانزعاج مؤكدا كل كلمة قالها … زفر جابر بتوتر وأنهى المكالمة ثم قام بالاتصال بياسمين التي أجابت على الفور عندما رأت اسمه:
-“ما الأمر جابر؟”
ضرب سطح مكتبه بعصبية وهدر بغضب شديد:
-“لا يوجد أمامك الكثير من الوقت … اجمعي بسرعة كل الأغراض التي تهمك واهربي قبل أن يصل إليكِ فارس”.
لم يتطلب منها الأمر الكثير من الذكاء حتى تدرك بأن كاميليا استيقظت وستخبر زوجها بكل ما حدث معها.
أنهت “ياسمين” المكالمة وتوجهت إلى غرفتها وأخرجت حقيبتها ووضعت بها ملابسها ومشغولاتها الذهبية ثم قامت بإغلاقها وخرجت من المنزل.
أشارت إلى سيارة أجرة قادمة نحوها ثم صعدت إليها وطلبت من السائق أن يتوجه إلى محطة القطار.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
تطلع “وليد” إلى الحائط أمامه بوجوم … لا يصدق أن ابنته كادت تغتصب لولا تدخل فارس ورجاله … عند هذه النقطة تنفس “وليد” الصعداء وتنهد براحة كأن صخرة ضخمة كانت تُخيم فوق صدره وقد انزاحت أخيرا فهو لم يكن ليحتمل أن تتعرض ابنته لشيء كهذا … صحيح أنها أخطأت عندما صدقت هذا القذر وذهبت إلى منزله وتستحق أن تُضرب بالحذاء على رأسها ولكن هذا لا يجعلها تستحق ما كان سيحدث لها على يد مهاب.
يعترف بأنه كان يعلم أن مهاب لا ينوي خيرا ولهذا السبب طلب من فارس أن يجعل رجاله يراقبون أمنية ولكنه لم يكن يتخيل ولو في أحلامه بأن هذا ما كان يريد أن يفعله مهاب.
رباه!! هو لم يكن يريد اغتصابها فقط بل كان يريد أيضا أن يصورها ثم يبتزها بتلك الصور حتى تعمل في شبكة الدعارة التي اتضح من خلال التحقيقات أنه يعمل بها ويجني أموال كثيرة من وراءها.
نهض وليد وتوجه نحو غرفة أمنية حتى يتفقدها فهي لا تزال تحت تأثير الصدمة التي تلقتها بالأمس.
وصل إلى غرفتها ووجد بابها مفتوحا على مصراعيه فنظر لها ووجدها تتمدد على سريرها وتتظاهر بالنوم.
كانت عيناها تدمع ، وهى تجلد ذاتها .. وتلتحف برداء الثبات حتى لا يعلم والدها بأنها مستيقظة وليست نائمة كما تدَّعي ولكن بدأ هذا الرداء يتزعزع وخاصة بعدما تذكرت لمسات ذلك الحقير المقززة والتي أشعرتها بالرخص.
تقدم وليد من فراشها عندما لاحظ تبدد قناع هدوئها وبأنها تجاهد حتى تسيطر على دموعها ثم
جلس بجوارها على السرير وضمها إلى صدره بحنان ويديه الاثنتين تلتفان حولها قائلاً بحزن:
-“يمكنك البكاء إذا كان ذلك سيريحك”.
أنهى عبارته لتنفجر ببكاء حاد مزق قلبه وجعله يرغب في قتل مهاب وإطعام أحشائه للكلاب الضالة حتى تمزقه بأسنانها.
دلفت “إيمان” إلى الغرفة وشاهدت انهيار شقيقتها فتقدمت منها واحتضنتها هي الأخرى قائلة والدموع تتلألأ داخل عينيها:
-“لن نتركك أمنية … سنظل بجوارك وسنجعل هذا الوغد يدفع ثمن ما فعله بكِ”.
اندست أمنية داخل أحضانها أكثر لتربت إيمان على ظهرها بخفة حتى هدأت … نظر لهما وليد بحب واحتضنهما معا لتبتسم الجدة التي كانت تقف أمام الغرفة وتتابع ما يحدث وتأكدت بأن تلك الفاجعة التي حلت بهم ستجبر شروحا وكسورا ظلت موجودة لسنوات في علاقة حفيدتيها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
وصل فارس إلى منزل “ياسمين” وطرق الباب بقوة كادت تخلعه ولكن لم يجبه أحد فلم يجد أمامه سوى أن يكسر الباب.
أخذ يبحث عنها في كل الغرف ولكنه لم يجدها ليصيح هادراً بعلو صوته:
-“هربت إذن أيتها الحقيرة”.
شد على خصلات شعره بعصبية شديدة فهو يكاد يجن … كيف علمت ياسمين بأنه سيأتي إلى منزلها؟!
هذا يعني بأنه هناك شريك لها يساعدها وهو من قام بتحذيرها ويبدو أنه هو العقل المدبر لكل شيء … رفع حاجبيه وأردف بحسم:
-“إذا كان الأمر كذلك فيجب أن أبحث عن أي دليل يمكنه أن يقودني إليه”.
قلب فارش الشقة رأسا على عقب حتى وجد حقيبة نسيت ياسمين بسبب ارتباكها وخوفها أن تأخذها معها فهي كانت تفكر في النجاة والخروج من تلك اللعبة بأقل خسائر ممكنة.
فتح فارس الحقيبة ووجد بها حفنة من الأوراق والعديد من الأسطوانات التي يبدو أنها ستفيده كثيرا.
أغلق فارس الحقيبة وأخذها ثم خرج من منزل ياسمين وهو لا يستوعب بأن حشرة مثلها كانت سببا في كل المتاعب التي واجهت زوجته.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
كان “عمر” يجلس ويشاهد إحدى المباريات لفريقه المفضل “برشلونة” … مد يده والتقط زجاجة المياه الموضوعة على الطاولة ولكنه وجدها فارغة فزفر بسأم ونهض حتى يحضر غيرها من الثلاجة.
استند على عصاه وتحرك بضع خطوات ولكنه قرر أن يجرب ويسير من دونها فقام بإلقائها بعيدا وحاول أن يتحرك من دونها ولكن خانته قدماه وتعثر في طريقه … نهض مجددا وحاول أن يسير لمسافة أطول دون أن يعتمد على عصاه ونجح في ذلك بالفعل واستطاع أن يصل إلى المطبخ دون أن يستند على أي شيء فابتسم برضا مردداً بسعادة:
-“أخيرا”.
دلفت “هنا” إلى المطبخ وتفاجأت بوجود عمر يقف أمامها دون أن يستند على عصاه فركضت نحوه واحتضنته بشدة قائلة بفرحة والدموع تسيل من عينيها:
-“يا إلهي!! لا أصدق أنك نجحت عمر!! أنا فخورة جدا بك”.
ابتسم عمر قائلاً وهو يقرص وجنتيها:
-“وأنا فخور جدا لأنني لدي شقيقة مثلك ساندتني في محنتي”.
-“بما أنك أصبحت بخير متى سنعود إلى وطننا؟”
سألته بحماس لتنقبض ملامحه فهو يخشى كثيرا من تلك اللحظة التي سيواجه بها عائلته وغضبهم بسبب سفره دون علمهم.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
أمسكت “إيمان” هاتفها وقررت أن تتصل بأسر فهي قد حسمت أمرها وقررت ألا تستمر في هذه الخطبة.
أجاب أسر على اتصالها لتردف بجدية:
-“يجب أن نلتقي الآن … هناك شيء مهم يجب أن أخبرك به”.
سألها أسر وهو يتحدث بجدية ورسمية في آنٍ واحد:
-“ما هو هذا الأمر الذي يجب أن نلتقي الآن من أجله؟”
زفرت إيمان قائلة بجدية:
-“ستعرف عندما نتقابل بعد نصف ساعة في ذلك المطعم الذي يطل على النيل”.
أنهت المكالمة دون أن تستمع لرده ثم فتحت خزانتها وأخرجت منها العلبة التي تحتوي على شبكتها ووضعتها في حقيبتها ثم خرجت من المنزل واستقلت السيارة قاصدة المطعم الذي أخبرته بأن يقابلها به.
وصلت إيمان إلى المطعم الذي ستقابل به أسر وجلست تنتظره … فتحت حقيبتها ونظرت إلى العلبة المخملية التي تحوي المجوهرات التي أحضرها لها أسر كشبكة … انتشلها من شرودها صوته وهو يسألها عن حالها ثم جلوسه أمامها وهو يقول:
-“قلت بأنه هناك أمر مهم تريدين أن تتحدثي معي بشأنه؟”
هزت رأسها وقالت:
-“صحيح … يجب أن نتكلم ونضع النقاط على الأحرف”.
نظر لها أسر باستفسار لتستطرد بتوضيح:
-“لا يجب أن نستمر معا … أنا لا أريد ذلك وأظن أنك أيضا لا تريد أن تستمر”.
صمتت ترى تأثير كلامها ولكنها تعجبت عندما وجدته هادئ ومسترخي وهذا يؤكد بأنه هو الأخر يريد الانفصال.
سألها بهدوء عكس ما كانت تتوقعه:
-“أنتِ تحبين عمر صحيح؟”
شعرت بالاختناق وهى تجيب بقلة حيلة:
-“أجل ولكنه لا يهتم ولا يكترث لأمري”.
نظر لها بذهول مرددا بتعجب:
-“لا يكترث!! هل أنتِ عمياء يا فتاة؟! افتحي عينيكِ جيدا وانظري حولك وستتأكدين بأنه لا يهتم سوى بأمرك … الأمر لا يحتاج إلى كثير من التفكير … عمر يحبك كثيرا والدليل على ذلك هو ابتعاده عني وتجاهله لي بعدما قمت بخطبتك”.
نظرت له ببلاهة لا تستوعب حقيقة ما تسمعه فتنهد أسر قائلاً:
-“لا أفهم ما السبب الذي يجعلكما تفعلان ذلك بأنفسكما؟! لماذا لا تصارحان بعضكما بمشاعركما وخاصة أن الجميع سيرحب بارتباطكما؟! أنتما تعذبان بعضكما وتصعبان الأمر رغم أنه لا يوجد أمامكما عوائق تمنعكما من أن تكونا سويا”.
هتف أسر بغصة ومرارة:
-“يمكنكما وبسهولة أن تصبحا معا فعمر لا يقف أمامه أب جشع يهتم بالمال أكثر من سعادة ابنته وأنتِ لا يتصدى لكِ والدك ويمنعك من الزواج من حب عمرك”.
استشعرت إيمان المرارة في حديثه ففهمت بأنه مر بكل ذلك ويبدو أنه لا يزال يحب تلك الفتاة التي لم يتمكن من الزواج بها.
أخذت تفكر كثيرا في حديثه لماذا تصعب الأمر على نفسها؟ لماذا لم تنتظر عمر حتى يعترف بمشاعره؟ كيف كانت حمقاء إلى تلك الدرجة التي جعلتها تصدق تلك الكلمات التي سمعتها منه وهو يتحدث مع والدها دون أن تشعر بالألم الذي كان يلازمه وهو يتفوه بتلك الحماقات؟
دمعت عيناها وشعرت بالاختناق ، لماذا لم يعد حتى الآن؟ لماذا لم يتصل بها؟ ألا يعلم بأنها اشتاقت له كثيرا؟ ألا يعلم بأنها لا تستطيع أن تعيش من دونه؟!
يتبع..