روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وعشرين 120 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وعشرين 120 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وعشرين

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وعشرين

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وعشرون

“زوجتي العزيزة؛ أهلًا وسهلًا”
____________________________________
أرخت جسدها المُتعب على الفراش، فـ بدأ شعور الراحة يتخلل عضلاتها المنهكة رويدًا رويدًا، وقد بعث عليها تواجدها بالمنزل شعورًا أفضل من المشفى. سحب “عِبيد” الغطاء عليها ليُدثرها به، ثم سألها بإهتمام شديد :
– مرتاحة كده ولا أجيبلك مخدة زيادة؟
– لأ كويس.
اقترب منها “مصطفى” وقد أشرق وجهه بعودتها سالمة للمنزل، وأردف قائلًا :
– حمدالله على سلامتك ياحبيبة عمك.
ثم ربت على كفها السليم مؤكدًا مدى سعادتهِ :
– البيت من غيرك كان زي سواد الليل.
ابتسمت في عذوبةٍ محببة وهي تضم أصابعها على يدهِ :
– ربنا يخليك ليا ياعمي.. الحمد لله عدت على خير.
تحرك “عِبيد” نحو الباب وهو يهتف بـ :
– حالًا هجيبلك الغدا، أنا طلبت أكلة سمك من المطعم اللي عجبك قبل كده ولسه واصل من شويه.
تآوهت “سُلاف” بصوتٍ متحشرج قبل أن تمنعه :
– آه… مش قادرة آكل أي حاجه، أنا عايزة أنام.
أومأ “مصطفى” رأسهِ في موافقة وهو يشير نحو مشروبها العزيز :
– خلاص بلاش أكل.. الميا الساقعة بالليمون بتاعتك أهي لو عايزة تشربيها، واحنا هسيبك ترتاحي دلوقتي.
أراحت “سُلاف” رأسها على الوسادة وهى ترى إنصرافهم، ثم أغمضت عيناها متوهمة إنها ستنام؛ لكن الحقيقة إنها أطبقت جفونها لترى “زين”، كي تعانقه في حلمها وتحمله بين ذراعيها وتضمهُ إلى نهديها، فـ يخمد ذلك الضجيج المزعج بداخلها ولو قليلًا.
************************************
علميًا هو مستقر منذ الأمس في الفندق الذي تم حجز غرفة بأسمهِ فيه، عمليًا هو لم يستقر بأي شكل من الأشكال، لم ينم، لم يتناول الطعام، لم يهنأ حتى على ذلك المنظر الطبيعي الساحر الخلّاب الذي تطل عليه غرفتهِ، فـ جزيرة سانتوريني أحد أجمل الوجهات السياحية التي قد تزورها على الإطلاق.
كل ما في ذهنه هو التفكير في كيفية تسديد العقاب المناسب لها، كيف يجلدها بسياط الكلمات على الأشهر الثلاث السابقة التي عاش فيهم أسوأ المشاعر على الإطلاق، وكيف يوجه لها تهمة الغدر به وبالطفل الذي أدّعت يومًا إنها أم له!. حينًا يأكله الحنين حتى ينهكهُ؛ وحينًا آخر يحس بنفسه طاقة هائلة من الجمر الحارق سيشتعل في وجهها أينما رآها.. والسيطرة على مشاعرهِ المتضاربة تلك كان من أصعب الأشياء.
كشف “حمزة” عن السِتار، ونظر للمنظر بالخارج وعقلهِ گالترس الذي يعمل دون توقف، تُرى كيف سيكون لقاءهم؟.. وما هي الخطوة التالية بعدما دعته إلى مكانها؟، هل هذه مبادرة سلام؟.. هلّ تمدّ له أغصان الزيتون؟.. أم تُراها فخٍ جديد أرادت أن تراه صريعًا فيه؟.
ظل متأرجحًا بين أفكارهِ تعصف به ويعصف بها، متخيلًا إنها لا تدري بوصولهِ حتى الآن، وربما لم يأتيها خبر حضورهِ في موعد آخر غير هذا الذي حددتهُ بنفسها!. وهذه هي الفكرة التي أرقتهُ كثيرًا ولم يجد لها حلّ منطقى غير فكرة التواصل مع إدارة الفندق بشأن من قام بالحجز له. استمر وضعهِ هكذا بعض الوقت؛ إلى أن استمع لصوت رنّات هاتف الغرفة، فـ رنىَ إليه مُجيبًا عليه بالإنجليزية :
– Hello…
– hello sir, There’s someone waiting for you.
– Who is he?
– It is preferable that you come by yourself to receive him.
– Okey.
السؤال الوحيد الذي حطّ على رأسه هو هوية الزائر المفاجئ، قد تكون هي.. هي التي أحضرته إلى هنا وها هي تأتي إليه في الوقت الذي رأته مناسبًا. لم يقوَ على ترك نفسه تأكل بعضها بعضًا، فـ قادته سيقانهِ للخروج العاجل من هنا والتحق بمطعم الفندق المُطل على أجمل المناظر الطبيعية، حيث زُرقة البحر وسط احتضان خطوط الرمال الصفراء، لمواجهة الزائر الذي ترك له الخبر واستبقه إلى هناك. كانت صدمة جديدة كُليًا، رؤيته من ظهرهِ جالسًا على مقعدهِ المتحرك ليكن مشهد متوقع بالمرة، تعرف عليه من شعيراتهِ البيضاء الخفيفة التي غطت بعضًا من صلعهِ، وهو يجلس على كرسيهِ في مواجهة البحر، فتقدم منه ببطءٍ وفي رأسه الكثير من علامات الإستفهام، حتى رآه “مصطفى” واقفًا أمامه وعيناه مملؤة بالحيرة. أشار إليه “مصطفى” ليشاركه جلستهِ مشيرًا نحو المقعد :
– أقعد يا حمزة.
وبعدما جلس بدأ “مصطفى” يسترسل في الحديث :
– أنا عارف إنك كنت مستني حد تاني.. بس هي متعرفش من الأساس إنك في اليونان.
بدا الأمر غريبًا غير منطقي؛ لكنه لم يعقّب على أي شئ سامحًا له بتفسير ما يحدث :
– سُلاف بقالها أكتر من شهر محجوزة في المستشفى.. مكنتش حاسه بالدنيا من حواليها خالص.
انقبض قلبه وكأنه يُعتصر بقوةٍ غير مسبوقة، يذكر أن المرة الوحيدة التي أحس فيها نفس ذلك الشعور حينما علم موت شقيقتهِ “يسرا”، وها هو نفس الشعور يداهمه مرة أخرى. قاطع حديثه في منتصفه، وقد تجلّت تعابير القلق المفرط على وجهه :
– هي فين؟ إيه اللي حصل وعامله إيه دلوقتي؟.
كان ملحوظًا له التغيير المفاجئ في كل ردود فعلهِ، تعابيرهِ وإيماءات جسدهِ، وذلك القلق الشديد الذي تراقص في لمعان عينيهِ المفاجئ، فـ أشار له كي يهدأ وهو يعطيهِ مسكن لآلامهِ :
– متقلقش ياحمزة هي اتحسنت، بس مش بالمعدل اللي كنا مستنينه.. الدكتور بتاعها بيقول إن سبب تأخر الإستجابة في العلاج سبب نفسي، بس احنا مكملين وربنا يكرمنا.. أنا جايبك هنا عشان حاجه تانيه.
استرعت الجملة الأخيرة تحفّظهِ، فسأله ليتأكد :
– يعني مش هي اللي بعتت الـ…..
– لأ مش هي.. أنا اللي بعتلك.
أحبط توقعاتهِ، وقضى على أملهِ الأخير بأنها هي التي أرسلت إليه بعدما هُزمت أمام قلبها، وها هو يعود لنقطة البداية مرة أخرى. اكتسب صوت “حمزة” جديّتهِ مجددًا، وبدا صلبًا حازمًا وهو يسأله :
– وانت عملت كده ليه!.. مش معقول أكتر إنسان بيكرهني وعمل كل حاجه عشان ياخدها مني هو هو الإنسان اللي عايز يجمع شملنا دلوقتي!.
كانت خطوة من أصعب الخطوات التي خطاها بحياتهِ؛ لكن الظروف هي التي دفعته للجوء إلى ابن عدوهِ الحقيقي، محاولًا إقناع حاله بأن الأبناء -أحيانًا- لا يستحقون دفع ضريبة الآباء، وأن حالتهم لابد وأن تجد روح الإستثناء من أجل كليهما، من أجلها هي بالأكثر، التي تعلقت روحها بطفلٍ في حجم اليد عوضّها فقدان أمومتها، وبدون وعيٍ وجدت نفسها تميل للإنسان الذي كرهتهُ طيلة حياتها دون دافع حقيقي سوى إنه يحمل أسم تلك السلالة النجسة. تنهد “مصطفى” مُلقيًا كاهليهِ للأمام، ثم اعترف أخيرًا :
– يمكن كان عندك حق.. انت كمان اتاخدت بذنب أبوك، حتى لو كنت كبرت وانت شايل كل صفاته، مكنش ليك ذنب في اللي حصل زمان، عشان كده عايز أديك فرصة مع بنتي، ترمموا فيها بعض.. مش عايز الوقت يفوت وأرجع أندم إني حرمت بنتي تعيش حياة طبيعية بعد كل اللي شافته، وانها حقها تختار زيها زي أي واحدة في سنها.
لم يتخلّى “حمزة” عن جمودهِ، وحتى “مصطفى” لاحظ حالته تلك والتي أصابتهُ ببعض القلق بشأن ما ينتويه :
– ياريتك كنت خدت بالك من زمان.. بدل كل اللي حصل وكل اللي راحوا في الرجلين.
بدأ “مصطفى” يعيد التوازن مرة أخرى، بعدما رأى ذلك الفتور على وجهه بعدما ظنه سيطير عن الأرض فرحًا، فـ أمسك الدفة ليعيدها إليه مرة أخرى :
– أسمع يا حمزة.. انت صحيح خسرت، بس مخسرتش قدي، أنا خسرت أخويا ومراته، خسرت شغلي ومصنعي، حتى صحتي وعافيتي خسرتهم، وفى الأخر ابني كمان راح مني.. اوعى تتكلم عن الخسارة مع واحد عاش حياته يتفرج بس على الفايزين من بعيد.
احتدت نبرتهِ قليلًا، وهو يتابع :
– أوعي تكون فاكرني برمي بنتي عليك.. أبدًا، لولا إني كنت واثق إنك بتحبها بجد مكنتش هقبل أجيبك هنا وأسلمهالك بنفسي.
تراجع مقعده للخلف خطوة وهو يتراجع عن موقفهِ :
– بس واضح إني كنت غلطان في تصوري عنك.
وقف “حمزة” عن جلستهِ فجأة، وأوقفه عن الذهاب بقوله :
– هي فين ياعم مصطفى، عايز أشوفها دلوقتي.
بدأت الدماء تُضخ في أوردته بنفس قوة الحماس الأول، بعدما ركدت في عروقهِ گالمياة المتعكرة، فـ أجابه بدون مماطلة :
– في البيت، احنا هننظم اللقاء الأول بينكم عشان وقع المفاجأة عليها.
عاد “حمزة” يجلس في مكانه وهو يعرض عليه طلبه الجاد :
– أنا عايز جواز السفر بتاعها.
تغضن جبين “مصطفى”، ولم يطرح عليه السؤال وإذ بالجواب يأتيه في لحظتها :
– مراتي مكانها في بلدها جمبي وجمب زين، مش محتاجة تهرب من حد.
ابتسم “مصطفى” بشئ من السخرية وهو يُذكّره بخطأه الفادح :
– مراتك اللي طلقتها من شهرين؟.
لم تهتز ثقة “حمزة” شعرة واحدة وأجابه مبررًا :
– أنا رديتها غيابي، ومعايا إعلان المحكمة.
شعر “مصطفى” بشئ من الأريحية، وأرخى ظهرهِ للخلف وهو يقول :
– كده نقدر نتكلم.. عايز الجواز امتى ؟.
*************************************
صبيحة اليوم التالي في وقت الظهيرة، كانت تنتظر تسليم الغرفة الخاصة بها في هذا الفندق الفاره المُطل على البحر مباشرة، لا تنكر إنها انبهرت بجمال الطبيعة هناك، لا سيما رائحة البحر التي دخلت لصدرها وكأنها سحر برّد آلامها كافة، وحتى ذراعها المجبورة كأنها تطير في الهواء من فرط الراحة التي أحستها هنا. تبسمت وهي ترى “نضال” مُقبلًا عليها بعدما تمم إجراءات الدخول، ثم سألته بفضول :
– ليه محجزتوش ليكو انتو كمان بدل ما أقعد لوحدي.. المكان حلو أوي هنا.
كأنها ابتسامة رغمًا عنه، ابتسمها وهو يجيب :
– أكيد مش هنلزق فيكي، احنا جيبناكي تغيري جو بعيد عننا.. يلا عشان تطلعي أوضتك في حد جاي يطلعك.
أومأت برأسها وهي ترى بوضوح ذلك الغموض المريب في عينيه، فسألته بتوجسٍ :
– مفيش حاجه عايز تقولهالي يانضال؟.
لم يترك الفرصة لنفسه أن يثير ارتيابها أكثر من ذلك، وسرعان ما أجابها :
– لأ خالص، عايزك تستمتعي بالجو ده وانسى أي حاجه تانية، تمام.
– تمام.
بالفعل صعدت لأستلام غرفتها وكلها حماسة لرؤية الغرفة التي ستسكنها، حتى تمكنت من دخولها بالفعل، فـ تسلطت الشمس المتسللة عبر الشرفة على وجهها، لتغمض عيناها بإستمتاعٍ مبتهج. غادر موظف الفندق وبقيت بمفردها أخيرًا، وأول ما فعلتهُ هو الوقوف قليلًا في شرفتها الرقيقة، حتى داهمتها الرغبة في النعاس على صوت تدافع الأمواج الذي اخترق آذانها مُطربًا إياها. عاودت الدخول واستلقت على الفراش بحرصٍ لئلا تؤذي ذراعها، ثم وجهت رأسها نحو الشرفة لترى البحر متخيلة الوقوف أمامه، حتى زارها النعاس الطويل المريح، لبضعة ساعات متتالية ظلت نائمة دون شعور بمرور الوقت، كأنها وجدت المكان الوحيد الذي احتواها منذ أن غادرت أرض الوطن لتأتي إلى هنا غريبة.
ذلك الثِقل الطفيف على صدرها جعلها تبدأ في الشعور بما حولها، فـ فتحت عيناها لترى الظلام قد حلّ والغرفة مظلمة إلى حدٍ ما، فـ تحركت قليلًا لتحس بذلك الثقل الفعلي على صدرها، لتصحو في فجأة وتنظر جوارها، فـ تلبّستها الصدمة التي ألجمت كافة حواسها، حتى أنفاسها تهدجت وباتت متقطعة حينما صادفت عيناه التي ترنو إليها بحنوٍ شديد. أصيبت بالخرس، فلم تقوَ على فتح فمها بكلمة واحدة، في حين إنه حسس أصابعهِ على ذراعها المصاب وهمس بنعومةٍ حانية :
– ألف سلامة عليكي.
لم تنطق، فقط عيناها المحدقتين ترمقه في ذهولٍ، تظن إنها تحلم أو تراه في منامها گحالتها عشرات المرات، بينما تابع هو همسهِ بالقرب من أذنها، قبيل أن يطبع شفتاه على نحرها :
– آه لو تعرفي وحـشـتينـي قد إيــه!…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى