روايات

رواية يناديها عائش الفصل السادس والستون 66 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل السادس والستون 66 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الجزء السادس والستون

رواية يناديها عائش البارت السادس والستون

يناديها عائش
يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة السادسة والستون

حين يهدأ الغضب، تُفتح عين ثالثة تسمى بالإدراك.
***********
لم تتردد عائشة حول مجيء بدر معها للمشفى، فالوقت لا يسمح بذلك.. لقد تعدت الساعة التاسعة ليلًا، وهي بالفعل بحاجة أحدًا معها في تلك المواقف التي تطلبت منها النضوج سريعًا، بالأمس كانت فتاة ساذجة كل ما يهمها هي أن تعيش الحياة بملذاتها كما يحلو لها، و الآن بات الأمر مختلفًا، فقد تغير كل شيء بعد موت والدها، ويجب عليها مواجهة الأمور بعقل أكثر حكمة و وعي أكثر نُضجًا.
استوقفها بدر قائلًا قبل أن تخرج من بوابة منزل عمهم..
” استني.. هاخد عربية أُبَيّ عشان صعب نلاقي حاجة توصلنا من الحارة دلوقت..”
توقفت باستسلام وهي تعاود النظر لهاتفها؛ تُفكر بمن تتصل عليه ليطمئنها على جدتها الآن.. تذكرت أنها لم تسجل رقم أم رحيم معها، و لكن رقم ابنها قد سجلته بإسم والدته آخر مرة، عندما تم الاعتداء على جدتها بالضرب، فبحثت سريعًا في هاتف جدتها على رقم شخص قريب منها يمكنها التواصل معه إذا حدث شيء ما، و وجدت رقم رحيم مُسجل بإسم والدته.. لم تُفكر كثيرًا و ضغطت على رمز الاتصال ليأتيها بأن الرقم خارج نطاق التغطية؛ و ذلك بسبب قرار اللواء “عزمي باشا” بأن يتم سحب هواتف الضباط أثناء وجودهم بالممر السري.. تأففت بضجر وهي تحدث نفسها
” طب اكلم مين دلوقت يطمني عليها ! ”
اتجه بدر لأبناء عمه بلهفة في صوته قائلًا
” أُبَيّ محتاج عربيتك ضروري ”
لم يسأله أُبَيّ عن السبب حتى، و أخرج مفاتيح سيارته وهو يقول بنقاء قلب كعادته
” تحت أمرك يا بدر.. اتفضل يا حبيبي المفاتيح ”
رغم أنّ أُبَيّ يكبر زياد و بدر بعامٍ واحد؛ إلا أنه يتصرف مع أي شخص يطلب منه شيء بعفوية شديدة، كأنه من فرط نقائه تحسبه يود أن يهديك قلبه وهو يبتسم !
تساءل زياد في غرابة
” خير في حاجة ؟ ”
“خير إن شاء الله.. جدة عائشة في المستشفى ولازم تروح عشان تطمن عليها.. و أنا مينفعش اسيبها تروح لوحدها.. و محبتش أخد عربيتك عشان لو حصل أي ظرف تكون العربية معاك”
أومأ زياد بتفهم و قال بتأثر و حزن
“خليك معاها يا بدر.. الفُراق غدار.. خليك جنبها لو احتاجت أي حاجة.. و لو فيه جديد هطمنك”
هزّ رأسه بتفهم هو الآخر ليقول
” عندك حق.. الُفراق ممكن ياخد مننا أعز ما نملك و احنا مش واخدين بالنا..
قاطعهم قُصي من بين اندماجه في تفحص الأوراق الكثيرة، التي تخص أسوأ المتهمين و عائلاتهم الذين عاملهم زياد بقسوة.. ليقول وهو ينظر لبدر بالتحديد بعين التلميح
“و ممكن نكون واخدين بالنا و نرجع نندم و نقول يا ريتنا.. أصل الفراق زي الموت.. لما بيزور حد مبيدقش بابه.. مبيسميش عليه.. بيخطفه في لمح البصر.. و مفيش حاجة توقفه غير إنك تكرسّ حياتك ليه.. عشان لما ياخده منك تكون على الأقل بنيت معاه ذكريات حلوة متتنسيش..”
قصد قُصي من كلامه ” بدر ” بالتحديد، ليجعله يندم على فراقه لعائشة و يسعى لبناء حياته معها من جديد، قبل أن يُبعدها شيء عنه للأبد.. بعد كلام قُصي، امتد التواصل البصري بينه و بين بدر للحظات، جعل الآخر ينسحب في صمت مُتفهمًا المغزىٰ من وراء حديثه العميق.
اتجه بدر ناحية عائشة، ليلاحظ ملامح التأفف و الضجر التي خيمت عليها، فتساءل بقلق
“في حاجة حصلت تاني ؟ ”
هزت رأسها بنفي وهي تنظر لهاتفها بيأس
” مش عارفة أوصل لحد يطمني عليها ”
” طيب اتصلتِ بالرقم اللي قالك إن جدتك فاقت ؟
نظرت له عائشة للحظات باستفهام دلّ على غبائها لتقول وهي تعبث في سجل المكالمات
“صدق فاتتني دي ! .. هتصل حالًا”
لحظات و جاءها أن الرقم مشغول الآن.. عاد اليأس يحتل وجهها.. فقال بدر وهو يتجه للسيارة وهي من وراءه تتبعه
” خلاص مش مشكلة.. العربية معانا و هنوصل بسرعة إن شاء الله ”
فتح لها باب السيارة لتركب في المقدمة بجانبه وهو يقول
” اتفضلي.. ”
تأملته للحظات بعيون لامعة مشتاقة و هي تتذكر ذلك اليوم الذي سافرا فيه للمدينة الساحرة بجمالها “مرسى مطروح”
***
ابتسم بدر بسعادة و فرح قلبه عندما نالت اعجابها، تلك السيارة التي استأجرها من صاحبها ليومين؛ لتكون رحلتهما مثالية.
تساءل ببريق حُب لمع بعيناه وهو يخرج مفاتيح السيارة ويفتح بابها لها
“عجبتـك ؟”
–أوي.. أوي.. جبتها امتى ؟
“أجرتها.. حبيت سفريتنا تكون مميزة..”
تابع كلامه وهو يتأمل فستانها الساحر كالأميرات
–تعرفي.. كُنت بفكر اعملك عربية شبه عربية سندريلا كده
ابتسمت متسائلة
— اشمعنا ؟
” لأنِك يا حبيبة بـدر ميلقش بكِ غير إنك تكوني أميرة ”
****
ابتسمت بعفوية و قد غاصت نظراتها لعينيه؛ حتى رأت انعكاس صورتها بهما، وهي تتذكر ذلك الموقف الرومانسي الذي جمعهما، فبادلها بدر الابتسامة بتلقائية و عينيه تلمع بالشوق أكثر منها..
أغمضت عينيها وهي تتنهد بحزن ثم ركبت السيارة، بينما هو أغلق الباب بعد أن اختفت ابتسامته العذبة و تحولت للانطفاء..انطلقت السيارة، و امتد بصر عائشة من النافذة في صمت خيم على الاثنين؛ حتى وصلا للمشفى..
تساءل بدر وهو يتأمل المشفى جيدًا
” هي دي المستشفى اللي جدتك فيها ؟! ”
هزت رأسها في صمت وهي تترجل من السيارة، أما هو تذكر اليوم الذي تم اسعافه على يد الطبيبة
” شمس ” بعد أن كاد يغرق في الماء.
أسرعت عائشة في الخطوات للغرفة التي بها جدتها، و بدر يلحق بها بعد أن اصطف السيارة بالجانب.. دخلت عائشة لتجد ضابط شُرطة يحقق مع جدتها حول ما حدث معها، و على اليمين تقف أم رحيم و رجل و إمرأة لأول مرة تراهم عائشة،
و بجانب الضابط يقف الطبيب الذي أجرى لها العملية و معه ممرضة و عسكري آخر..
حولت الجدة بصرها بتعب شديد عندما دخلت عائشة عليهم، لتبتسم لها بضعف و تعب اتضح على ملامحها المتهالكة، بادلتها عائشة الابتسامة ثم بكت و قالت وهي تهمّ باحتضانها
” وحشتيني أوي ”
مالت عائشة على صدر جدتها وهي تبكي و تتمسك بملابسها دلالة على حاجتها الشديدة إليها، ربتت الجدة على ظهر حفيدتها بحنان وهي تقول بوهن
“أنا جنبك يا حبيبتي”
حدث هذا الموقف أمام أعين بدر الذي ارتاح قلبه لتلك المرأة الضعيفة، و اطمئن على عائشة بوجودها معها..
قطع الضابط الموقف ليقول بضيق
” يعني مش فاكرة أي حاجة خالص ؟ ”
أعادت الجدة قولها بيأس تلك المرة
” أنا لو فاكرة هسكت ليه !.. يا باشا اللي ضربني و جرى ضربني وهو واقف ورايا.. يعني مكنتش واخدة بالي أصلًا.. و زي ما قلت لحضرتك أنا مليش عداوة مع أي حد.. أنا ست عايشة في حالي ”
أومأ الضابط وهو يبرم شفتيه بضجر، ثم نهض و خرج يصاحبه العسكري.. نظرت الجدة لبدر باستفسار ثم سألت عائشة وهي تشير بعينيها له
” مين ده يا عائشة ؟ ”
أرجع بدر خصلات شعره الطويلة للوراء باحراج، فهو لا يعرف أي أحد بالغرفة سوى عائشة
قالت عائشة بابتسامة صغيرة
” ده بدر.. ابني عمي محمد ”
لم تضيف عائشة أي كلمة أخرى حول علاقتها ببدر، في وجود غرباء لم تتعرف عليهم بعد، و لكن من نظراتها للرجل و المرأة، تحدث الرجل ببرود بدا عليه، ويبدو أنه يعرف عائشة
” أنا خالك عاطف.. و دي عمتك منال مرات خالك ”
أومأت عائشة بلا مبالاة، فهي لم تلتقي به سابقًا ولم تشعر تجاهه بأي أُلفة.. قالت محدثة جدتها بشك
” مش يمكن عصام هو اللي عمل كده عشان الفلوس ؟ ”
صاح بها خالها، فيبدو أن عائشة نست أن هذا والد عصام
” بت يا بنت ناهد أنتِ.. هقطعلك لسانك لو قُلتِ نص كلمة على ابني.. أنتِ اللي وشك شؤم من ساعة ما جيتي عند أمي ”
نظرت له والدته بتحذير، لتقول بتعب
“عاطف !.. هتستقوى على بنت أختك ؟!”
ردت زوجته منال بغيظ، فهي إمرأة غليظة مثل زوجها و ابنها..
“أخته اللي جابت العار لأهلها ! ”
هُنا تملك الغضب الشديد من بدر، و فلت منه الهدوء؛ ليحل محله الكُره لهذا الرجل و امرأته صاحبة اللسان السليط، فصاح بنظرات حادة
“أنتِ شكلك ست مش محترمة و كلمة كمان هقل منك.. و أنت راجل هُزق أصلًا أنك تتكلم مع بنت أختك بالشكل ده.. ده لو كُنت راجل من الأساس”
اتسعت أعين عاطف و منال بدهشة لهجوم ذلك الغريب عليهم، فأراد عاطف النيل منه.. صاح هو الآخر بأعصاب محترقة
” و أنت مال أهلك بتتحشر ليه.. غور امشي من هنا بدل ما اضربك بحاجة في دماغك..
“تضرب مين يا جوز الست يا خورنج..
قالها بدر بعصبية شديدة و قد تناسى أمر وجودهم بالمشفى، وهمّ بالتعدي على عاطف ذلك الذي يتعدى عمره الخامسة و الأربعون، ولكن لكثرة تناوله للسجائر و الحشيش بدا عمره أكبر من خمسون.. نهضت عائشة على الفور بخوف شديد وهي تقترب من بدر و تتمسك بيده قائلة بتوسل
” بدر لو سمحت اطلع برا..
شدها بدر من ذراعها بقوة جعلتها تتألم دون قصد منه، ثم أخفاها وراء ظهره ليتقدم نحو عاطف وقبل أن يضربه جاءه صوت سمعه من قبل و لكن تلك المرة أكثر صرامة و شدة.. يقول بانفعال
“ايه اللي بيحصل ده !! أنتم في مستشفى يا حضرات !! ”
رجع بدر لوعيه قبل أن يفتعل جريمة بالغرفة، و نظر لمصدر الصوت فلم يخيب ظنه، لقد كان ذلك الصوت الرقيق المفعم بالغضب للطبيبة
” شمس الانصاري ”
بتلقائية قال
” شمس ! ”
انتبهت حواس عائشة لمعرفة بدر بالطبيبة.. قالت شمس بدهشة لوجوده
” ضلفة الدولاب !.. أنت هنا ليه ؟ ”
ذلك اللقب الذي نادته به للتو، قد اخترعته خصيصًا له منذ أن رأته في ذلك اليوم الذي وقع في الماء من أعلى الكُبري، وجدت أن ذاك اللقب لائقًا عليه و متناسبًا مع مواصفات جسده التي تشبه خطيبها الراحل ” براء ”
تابعت بتعجب
” بتعمل ايه هنا يا بدر ؟ ”
رد ساخرًا من أسئلتها الساذجة
” جاي بعلم المرضى طريقة شُرب الشوربة بخرطوم الغسالة !.. هكون بعمل ايه يعني.. أسئلتك العجيبة دي.. المريضة تبقى جدة بنت عمي و جاي ازورها..
” أنت دايمًا ردودك فيها سخرية مني كده ؟ ”
قالتها بحزن بدا عليها لاحظه الجميع.. شعر بدر أنه قلل منها أمام الحضور.. رد معتذرًا
” آسف.. بس أنا متعصب دلوقت و الراجل ده و مراته يطلعوا من المستشفى حالًا يا إما هرتكب جناية هنا..
في الحال قامت باستدعاء أمن المشفى، و أمرتهم بخروج عاطف و منال، فخرج الاثنان وهما ينظران لبدر بحقد و غيظ، و الأخير ينظر لهم بتهديد.. لم تهتم عائشة بخروج خالها و زوجته بتلك الطريقة، بقدر اهتمامها بمعرفة الطبيبة ببدر و إلى أي مدى وصلت العلاقة بينهما ؟
“حمدالله على سلامتك يا ست اخلاص”
قالتها شمس بابتسامة جميلة، فبادلتها الجدة الابتسامة بوهن، ثم انتقل بصرها لتلك الواقفة تأكل شمس بنظراتها من الغيرة العمياء التي تملكت منها.. انتبهت شمس لنظرات عائشة فقالت بلُطف
” تيته تقدر تخرج في أي وقت انهارده.. أنا بس هكتبلها على شوية أدوية كده و تيجي تغير على الجرح بعد أربع أيام ”
لم تتفوه عائشة بكلمة، و نظرت لبدر ببرود متسائلة
” ايه اللي بينك و بينها ؟ ”
لاحظ بدر أن الغيرة تنضج من عينيها، و أنه بإستطاعتها قتله الآن إذا أرادت.. انتبهت شمس لسؤال عائشة فبادرتها هي السؤال قبل رد بدر
” أنتِ اللي ايه اللي بينك و بينه ؟ ”
رمقتها عائشة بدهشة و تعجب من ردها، فتدخل بدر سريعًا و قال موجهًا حديثه للاثنتان
” عائشة.. دي الدكتورة شمس اللي انقذتني لما عملت حادثة بعد أنتِ ما روحتِ عند جدتك بكام يوم..
دكتورة شمس.. دي عائشة بنت عمي.. و زي أختي الصغيرة.. ”
” أختك الصغيرة !! ”
قالتها عائشة بدهشة شديدة و عيونها لمعت بها الدموع، بينما بدر هزّ رأسه بتأكيد
” آه ”
شكت شمس بوجود علاقة بينهما، و لكن الأمر لا يعنيها فهي في النهاية معجبة ببدر فقط لوجود الشبه الكبير بينه وبين خطيبها، و لا تنوي الوقوع في حبه أو حُب أحد بتاتًا.
انسحبت شمس من الغرفة قائلة بهدوء
” عن اذنكم ”
كانت اخلاص جدة عائشة تتابع الموقف الدائر منذ لحظات بصمت، و أحست من تعابير وجه عائشة، أن حفيدتها تكن الحُب لذلك الأسمر الطويل.
لم تنطق عائشة بكلمة أخرى، بينما بدر ابتسم بخبث في الخفاء و أدرك أنها لا زالت تعشقه و تغار عليه، و لكنه أراد أن يجعلها تطلب منه بنفسها أن ترجع اليه كزوجة.
تحدثت أم رحيم بابتسامة مرحة لتلطيف الجو، و يبدو أنها لم تتوصل لفهم شيء حول علاقة بدر و عائشة بعد، رغم أنها شهدت مجيء بدر و زياد لبيت جدتها و طلب بدر من عائشة الرجوع اليه، و لكن يبدو أن المرأة كثيرة النسيان أو استيعابها بطيء.
“مش أنا لقيت عروسة زي الورد للواد رحيم ابني..
لم يتكلم أحد و اكتفوا بالاستماع لها، عائشة تفكر في شيء آخر و بدر كذلك، و اخلاص تستمع بتعب دون أن ترد..
تابعت أم رحيم بسعادة
” الواد هيكمل التلاتين سنة كمان أسبوع ومش عاوز يتجوز.. مش عاوزني افرح بيه و اشيل عياله ابن اللذين.. بس أنا قلت لأ.. لازم اشوفله عروسة تشكمه.. بنت حلال تملاله البيت عيال
كان بدر في تلك اللحظة، يصب الماء ليشربه.. أما هي قالت
“لما ستك كده تشد حيلها و تقوملنا بالسلامة يا عائشة.. أجيب رحيم و نيجي نتقدملك..
وقف الماء في حلق بدر، فأخذ يسعل بقوة وهو ينظر للمرأة بتوعد
” تتقدمي لمين يا ست أنتِ !! ”
ضحكت عائشة رغمًا عنها على منظر بدر و كذلك جدتها، بينما أكملت أم رحيم بعفوية
“حقك عليا يا أستاذ بدر.. أنت لسه قايل انها زي أختك الصغيرة يبقى لازم اطلب ايدها منك أنت..”
” ولا حتى شعرة منها.. أنتِ بتهزري ! ”
قالها بدر بعصبية و غيرة، فردت أم رحيم مبتسمة
“لا والله بتكلم بجد.. هو أنا هلاقي أحسن من عائشة تبقى مرات رحيم ابني”
تدخلت اخلاص سريعًا قبل أن يفقد بدر اعصابه، لتقول بهدوء
” معلش يابني.. أم رحيم بتحب تهزر بس.. متاخدش على كلامها ”
ثم نظرت لها لتتوقف عن الكلام، فقال بدر بضجر
“سبحان الله.. اسم رحيم ده مبحبوش من ساعة الواد الرزل اللي كان معايا في خمسة ابتدائي..”
خيم الصمت على ثلاثتهم للحظات، ليقطع هذا الصمت ” بدر” قائلًا
“يلا يا عائشة حاولي تسندي ستك عشان اخدكم اوصلكم”
هزت عائشة رأسها بموافقة دون رد، فهي لا زالت غاضبة منه..
ساعدت عائشة و أم رحيم الجدة اخلاص في النهوض، و بينما هم في طريقهم للسيارة..
هتفت عائشة متذكرة أمر ما
” مدفعناش مصاريف المستشفى ! ”
“رحيم دفعها أول يوم”
قالتها أم رحيم بوِد، فنظر لها بدر بازدراء و اكمل سيره للخارج قبل أن تستوقفه شمس قائلة
” يا ضلفة الدولاب..
التفت اليها بدر، فقالت بمرح
” اشوفك تاني على خير..
ابتسم بدر دون أن يعلق بشيء، بينما عائشة لم تستطيع الصمود أكثر من ذلك، فصرخت به
” رد عليها.. ساكت ليه ؟!!..
قال بهدوء يستفزها
” ارجعيلي و احكميني.. لكن مش هتحكمي عليا و أنتِ بعيدة عني.. ملكيش حق..
“أنت انسان مستفز”
قالتها بتعصب وهي تشيح بوجهها عنه، فقال ضاحكًا
“عيني فيه و اقول إخيه”
ساعدت عائشة جدتها في ركوب السيارة، و جلست بجانبها وعلى شمالها أم رحيم.. انطلق بدر بالسيارة ناحية قريتهم، فقد حفظ الطريق عن ظهر قلب..
بعد أن وصلوا للمنزل، و استقرت الجدة في فراشها، استأذن بدر للذهاب قائلًا لهن
” لو احتاجتوا أي حاجة كلموني و مش هتأخر..
ثم نظر لعائشة بابتسامة عاشقة لاحظتها الجدة و أم رحيم؛ ليقول
“أنا موجود دايمًا عشانك.. لو في أي حاجة كلميني”
لم تستطيع أن تمنع نفسها من مبادلته الابتسامة، ولكن سرعان ما تذكرت قوله بأنها مثل أخته، فقالت بسخرية
“أكيد لازم هكلمك.. أنت أخويا الكبير برضو”
رمقها ببرود قبل أن يخرج و همس لنفسه
“مبقاش بدر لو ما خليتك أنتِ اللي تطلبي مني ارجعك”
______________♡
الطريقة الوحيدة للتعامل مع الخوف
هي مواجهةُ وجهًا لوجه.
********
احتوت تلك المسكينة جنينها بخوف شديد، فور أن سمعتهم يقولان خطتهم القذرة تلك..
قال عادل محدثًا سعيد وهو يحك ذقنه بتفكير
” ازاي عاوزنا نغتصبها و نضربها و اللي في بطنها يفضل سليم !..
رد سعيد الذي يبدو عليه القلق من فكرة التقرب منها
“بقولك شكله مجنون.. تقريبًا كده عاوز ينتقم من جوز البت دي انتقام شراني.. عشان كده حب يرجعهالوا بطريقة تخليه يكره نفسه و يحسسه إنه مشلول مش قادر يعمل حاجة”
” ده بعينك أنت وهو ”
قالتها هاجر وهي تنظر لهما نظرات حادة و بشجاعة اصطنعتها، فضحك عادل وهو يقترب منها ويجلس القرفصاء أمامها، فرجعت هاجر للوراء بخوف شديد حتى التصق ظهرها بالحائط.. داعب الرجل أنفها بسخرية فدفعت بيده بكل قوتها.. ابتعد عنها وهو يقول هازئًا
“بلاش تتحديني عشان معملش معاكِ الغلط و بزيادة.. احنا سايبينك دلوقت بمزاجنا..”
تركها و همّ بالخروج وهو يصطحب سعيد معه ليقول بهمس
” كلامك صح عن البت دي.. لما قربت منها حسيت بحاجة غريبة.. كأن حاجة بتمنعني أقرب أكتر.. ”
“طب و العمل ؟ ”
تساءل سعيد حائرا فرد عادل
“نقتلها ونريح نفسنا.. بلا اغتصاب بلا بتاع.. احنا نقوله نفذنا زي ما طلبت وخلاص.. هو مش هيعرف يعني احنا عملنا ايه بالضبط”
” ما هو حذرنا منقتلهاش.. قالنا ارموها في الشارع عريانة ”
“تفتكر لما نرميها حية مش هتبلغ عننا ؟.. فكك من الريس ده.. احنا نكلم جوز البت دي و نطلب فدية يا إما نقتلها.. ايه رأيك ؟ ”
فكر سعيد للحظات ثم قال بقلق
” بس الريس لو عرف..
قاطعه عادل بضجر
“فكك منه.. أنا هعرف اتصرف معاه.. ها قلت إيه ؟
” قلت اللي تشوفه ”
“حلو يبقى ننفذ بكره على ما اوصل للي اسمه زياد الخياط ده”
….
ازداد بكاء هاجر، و بدأ التعب ينال منها و من جسدها الضعيف، فهي لم تذق طعم الزاد لثلاثة أيام ولا حتى الماء.. و ها هو اليوم الثالث يمرّ عليها بليلته كأنه عام.. وحيدة، ضعيفة، خائفة، في تلك الغرفة المخيفة، رغم أنّ ذكرها لله باستمرار يطمأنها؛ إلا أنها في حاجة ماسة لزوجها و عائلتها.. فكرت مرارًا كيف تتخلص من سجنها، فقررت أن تواجه خوفها و تستخدم مشبك الشعر المعدني خاصتها و تفقع به عين أحدهما و تجرح الآخر؛ حتى تستطيع الهرب منهم.
_______
الطيبون كلما أرادوا أن يصبحوا سيئين فشلوا؛ لأن بداخلهم بذرة تسمى الضمير”
*******
شخص مثل ” سيف الاسلام ” بعد أن هداه الله، و أصبح على وشك ختم القرآن حفظًا بعد أن كان قد نسي نصفه بانشغاله مع رفقاء السوء، أتظن أنه شخص مؤذي ؟ حتى ولو أراد أذية أحد حتمًا سيفشل؛ لأن ضميره أصبح يقظ عن ذي قبل..
شخص نقي بالفطرة مثل سيف لا يؤذي ولا يجرح أحد؛ إلا إذا سيطرت عليه نفسه الامارة بالسوء، و النفس الامارة بالسوء لا تسيطر على أحد ذو إيمانًا قوي، و سيف منذ أن صارا قعيدًا و علاقته بربه تصبح قوية يومًا بعد يوم، حتى أن شيطانه بات ضعيفًا في الوسوسة له.
تجمعت الدموع بعينيه الخضراء و انسابت على وجهه قائلًا لنفسه بندم
” غبي يا سيف.. غبي..
ما فعله سيف أمرًا طبيعيًا لأي شخص سيصبح خال لأول مرة، فعندما علم بحمل شقيقته؛ رقص قلبه فرحًا و كاد أن يذهب مع بدر و والدته لتهنئة أخته و ابن عمه، و لكن عندما نسي بدر و أمه أخذه معهم؛ حزن قلبه و مكث يعبث في صفحته على الفيسبوك، حتى كتب منشورًا يعبر فيه عن سعادته بأنه سيصبح خال قريبًا، و أن العائلة تنتظر مولودًا جديدًا لأول مرة من أحفاد الخياط وهو زياد ابن عمه.. شعر بالندم الشديد على نشره لهذا المنشور الذي بالكاد و صل للخاطف، و ربما يكون سببب في اجهاضها، و لكنه بالطبع لم يعرف بأن تلك الكارثة ستحل عليهم، و الآن هو يلوم نفسه ظنًا بأنه سيكون جزءًا مشاركًا في أذية شقيقته الصغرى و رفيقة طفولته.
ليس بيده حيلة غير الدعاء، ظل يدعو الله ألا يصيبها مكروه و تعود اليهم سليمة.
________♡
“أثر الكلمة ليس في رواجها وكمّ الإعجاب، ولكنه في قوتها ومضائها و رجّة وقعها في النفس”
*****
كان قُصي قد عاد لبيته مع أخيه و والده، ليكمل مراجعة جميع الأوراق، و بعد يوم كامل من البحث دون أن يغمض له جفن، نال منه التعب و شعر بالجوع، فنهض متجهًا للثلاجة ليجد ما يسد جوعه..
كان والده جالسًا بالصالة شريدًا يفكر حول الأمر الذي سيطلبه منه ” اللواء عزمي ” قريبًا.. انتبه لدخول قُصي للمطبخ.. نادى عليه بانزعاج
” يا زفت.. !
” خير يا بابا.. ؟
كان قُصي قد بدا عليه الارهاق و التعب بحق، فهو لم ينم منذ يومين ولم يأكل شيئًا منذ الصباح، فتح جفونه بصعوبة وهو يتثاءب؛ ليذهب لوالده يرى ماذا يريد..
تساءل مجاهد ببرود
” رايح فين ؟
“جعان يا بابا.. هشوف حاجة أكُلها..”
” أنت ليك نفس تاكل والدنيا مقلوبة ! بطل بجاحه بقى يا أخي ..
قالها مجاهد بغيظ منه، فهو لا يعلم بما يفعله قصي من بحثه وراء خاطف ابنة عمه، و لا يعرف عن ابنه شيء من الأساس غير الظاهر أمامه..
تأثر قُصي بكلام والده الذي أحزنه، فقال باستسلام وهو يدخل لغرفته
” مش طافح..
“عنك ما طفحت.. عيل بجح صحيح.. !
خرجت زوجته لتقول بغضب منه
” ده ينفع يعني يا مجاهد ! الواد باين عليه التعب.. من الصبح ما دقش الأكل.. هو العيل ده ذنبه ايه بس..
“ذنبه إنه طالع بارد معندوش دم يا هانم..”
قالها، ثم نهض و دخل غرفته صافعًا الباب خلفه، اتجهت والدة قُصي للمطبخ و أحضرت له و لـ أُبَيّ الطعام.. وضعته أمامهما قائلة وهي تربت على شعر قُصي بحنان
” قوم يا حبيبي كُل.. متنامش جعان.. بابا مكنش يقصد هو بس خايف و قلقان على بنت عمكم ”
تدخل أُبَيّ ليقول بغضب جعله يعود للتلعثم
” بس.. بس.. بس ده.. مـ.. مـ.. ميدهوش الحق.. يـ.. يـ.. يـتكلم مع قُصي كده.. الـ.. القسوة.. بتولد.. الـ.. الـ.. الكُره.. يا.. يا ماما.. ”
ابتسمت والدتهما بحُب، ثم جلست بجانب أُبَيّ و وضعت رأسه على صدرها قائلة
” أنا عارفة إنك بتزعل من بابا بسبب معاملته لقُصي.. أبوك هيفضل واخد فكرة عن قُصي إن مراهق طايش لحد ما يكبر و يأسس شغله لنفسه..
قاطعها أُبَيّ بحزن
“قصد حضرتك.. زي.. زي.. ما عمل معايا.. بس.. بس أنا.. أنا كنت ضعيف الشخصية.. لكن.. لكن قُصي شخصيته تختلف عني.. بابا واخد.. فكرة وحشة عن قُصي.. قُصي بكره يثبتلكم إنه مستقبله أحسن.. أحسن.. مننا كلنا..”
قبلته والدته من رأسه وهي تقول بسعادة منه؛ لحبه الشديد لأخوته و الايمان بقدرات شقيقه
“أنت مش ضعيف يا أُبَيّ.. أنت طيب و قلبك أبيض و اللي زيك يا ابني قليل في الزمن ده.. متزعلوش من أبوكم.. هو كبر برضو و السن ليه احكامه..”
ثم نظرت لقُصي فوجدته قد غطّ في النوم، تركته بعد أن وضعت قُبلة حنونة على جبهته هو الآخر، ثم اغلقت الباب وراءها.. أراد أُبَيّ أن يوقظ أخاه ليأكل، ولكنه لاحظ عليه الارهاق الشديد فتركه نائمًا و قبُله من جبينه قبل أن يذهب لغرفته هو الآخر..
نام قُصي تاركًا بينات هاتفه مفتوحة، فجاءته رسالة من رقم دولي مجهول تقول فيها
” سلم نفسك و إلا أخوك كبش الفدا ”
____________♡
‏لا تُناقشوا المفتون بِما هو مفتونٌ به. لقائلها..
*****
كان قد اتخذ “كريم” غرفة خاصة به، لا يدخلها أحدًا غيره في الممر السري، غرفة يُفتح بابها ببصمة يده.. جلس يشاهد رُميساء ” فراشته” كما يطلق عليها، من خلف شاشة البروجكتر، يبدو عليها الغضب و الاستياء، و الانزعاج، و الدهشة ..
ضرب من المشاعر المختلطة تعسف بها وهي تجلس على فراشها تفكر بعمق حول تلك القلادة الغريبة و التي لم يسبق لها رؤيتها أو حتى السماع عنها في الافلام الخيالية..
كان كريم يتأملها بحُب و اشتياق، رغم الخطأ الكبير الذي يرتكبه والذي لم تستوعبه هي بعد.. فقد سمح لنفسه بمحض إرادته؛ برؤيتها دون النقاب، دون غطاء الرأس حتى.. لقد انكشف شعرها الغجري أمامه و ذراعها البيضاء بسبب الرداء ذو النصف ذراع الذي ترتديه، لم يبالي لذلك بقدر ما يرمي إليه، فكل ما يهمه هو تعقب خطواتها و كل ما تفعل.. لقد اخترع تلك القلادة بواسطة أذكى المخترعين و المصممين في العالم ” مارك عيسى” والتي تعمل بتكنولوجيا عالية جدًا لم يتم استعمالها في البلدان بعد، اخترعها لسبب بسيط و تافه للبعض، و حُجة قوية و مهمة بالنسبة له، منذ أن وقع كريم بحبها.. خاف أن تبتعد عنه و تتركه لأي سبب كان مثلما فعلت حُبه الأول ” نِداء ” وهو إذا أحب شيء اعتبره مِلكًا له فقط، يخصه هو وحده.. و بما أنه مريض بحُب التملك، فاعتبر رُميساء من ممتلكاته الخاصة التي لا يحق لأحد غيره المساس بها، فهي حق من حقوقه لأبد الآبدين كما وسم على القلادة، و لم يكن ذلك السبب الوحيد، بل هناك سبب آخر ستعرفه رُميساء في الوقت المناسب كما أخبرها..
لاحظ أنها تقوم بأخذ ملابس لها؛ للاستحمام، فضغط على القلادة لتختفي شاشة العرض من أمامه، وهو يبتسم بسخرية من نفسه قائلًا
” لا محترم..
في الغرفة جاءه جهاز الانذار بأن ” اللواء عزمي” يريده.. خرج وهو لا زال يبتسم بغموض، فلا أحد من الضباط الذي عملوا معه لسنوات يستطيع فهم ما يدور برأس ” ثعبان المخابرات” كما لُقب بينهم.
دخل مكتب اللواء وهو يقول باستفسار
” خير يا باشا !
هتف اللواء بتعصب
” قُصي مش راضي يجي غير اما يلاقي بنت عمه
” حقه يا باشا.. مهو لو مكنش راح كنت هروح أنا.. دي أخت صاحبي و جوزها كمان صاحبي..
“كريم.. أنت عارف إن شغلنا مفيهوش عاطفة.. المهمة قربت ولازم تكونوا على أتم الاستعدادات
” يا باشا متقلقش.. قُصي لو ملقاش بنت عمه انهارده.. يبقى هيلاقيها بُكره بالكتير و بعدين هيرجع.. متنساش إن مخه يوزن بلد..
” ما هو ده اللي محببني فيه.. عنده الذكاء مكتمل لكن محتاج جسم رياضي.. جسمه ضعيف لسه عاوز امرنه كويس في خلال الشهرين دول.. المهمة دي من أصعب المهمات اللي مرت علينا.. و أنت سيد العارفين..
” متقلقش يا عزمي باشا.. قُصي لو مجاش لحد بكره هبعت اجيبه.. ”
” تمام يا كريم.. اتفضل أنت ”
أثناء خروج كريم، اوقفه سؤال اللواء
” هتتجوز امتى صحيح ؟ ”
التفت كريم إليه ليقول مبتسمًا
” كتب الكتاب الأسبوع الجاي إن شاء الله.. و الفرح لسه مش عارف ”
“ربنا يتمم لك على خير”
“يارب..”
خرج كريم وهو يفتح هاتفه ليتصل على والد رُميساء، فهو الوحيد المسموح له باستخدام الهاتف داخل الممر، لما له من مكانة كبيرة في المخابرات المصرية..
“السلام عليكم.. ازيك حضرتك يا عمي
” وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الحمدلله يا حبيبي.. أنت عامل ايه ؟
“بخير الحمدلله.. أنا بس في مهمة برا المنصورة فمش عارف اتواصل بحضرتك..
” لا يا حبيبي ولا يهمك.. المهم أنك بخير..
كان يتحدث والدها معه بابتسامة طيبة، بينما هي قبل أن تدلف للحمام، سمعت المكالمة و جاءت على الفور لتجلس بجانب والدها تنصت بتركيز..
قال كريم بنبرة متفائلة
“ايه رأي حضرتك نكتب الكتاب الجمعة الجاية ؟”
نظرت رُميساء لوالدها بأعين متسعة دلالة على التحذير، ثم هزت رأسها بنفي و بغضب لتقول بهمس
” لأ يا بابا.. مش موافقة..
أبعد والدها الهاتف عن وجهه ليتساءل بتعجب
” ايه المانع ؟
“مش عاوزه كريم”
وصل صوتها ل مسامع كريم، فضغط على الهاتف بشدة حتى كاد أن يتكسر في يده، و أظلمت عيناه بغضب شديد جعل شخصيته الصارمة و المخيفة تسيطر عليه..
___________♡
كانت روان تجلس في غرفتها تقرأ وردها اليومي، فدخل عليها والدها بعد أن طرق الباب..
قال مبتسمًا
“فاضية دلوقت ؟ ”
أغلقت المصحف قائلة بلُطف
” اتفضل يا بابا ”
“عندي لكِ مفاجأة بمناسبة نجاحك في الثانوية العامة.. مفاجأة كنت بحضر لك فيها من زمان..”
لمعت عيناها بفرحة لم تسع قلبها، و قفزت تحتضن والدها وهي تصيح
“بجد.. بجد عاملي مفاجأة.. أنا بحبك أوي يا بابا.. أنا عمر ما حد جابلي هدايا أو عملي مفاجآت..”
احتضنها والدها وهو يقول بسعادة مماثلة
” أنا عندي كام روان.. يلا غيري هدوم عشان هاخدك مشوار حلو زيك كده ”
“هي المفاجأة مش هنا ؟ ”
” لا.. بعيدة شوية عن البيت.. بس هنركب العربية عشان نوصلها بسرعة ”
تركها والدها تبدل ملابسها بسعادة طغت عليها، بعد أن كانت حزينة لعدة أمور، أولهما والدتها و تعلقها الشديد بذلك المختل زوجها الذي اراد قتلها، و الرؤى الكثيرة التي تأتيها على غفلة تنبئها بحدوث شيء و عليها ايقافه، و اشتياقها الشديد لسيف و كيف أن عليها ردع قلبها حتى لا تغضب الله.. و أخيرًا صديقتها و توأم روحها رُميساء، التي لم تعد تراسلها كالسابق منذ أن تمت خطبتها لذلك الضابط كريم.
بعد نصف ساعة، أوقف والدها السيارة أمام مبنى كبير، ما هي إلا لحظات و تعلقت أعين روان بلافتة ضخمة مضيئة في الطابق الثاني كُتب عليها بالخطوط العريضة و المزخرفة
” حضانة صُناع المستقبل ” و تحت اسم الحضانة كُتب اسم روان حافظ بالزخرفة الجميلة..
اتسعت أعين روان بدهشة و انبهار وهي تقول
” حلمي ! ده الحلم اللي كان نفسي احققه ”
” و حققتيه يا حبيبة بابا ”
نظرت لوالدها بدموع الفرحة و عانقته بشدة قائلة
“شكرًا يا بابا.. أنت أحسن أب في الدنيا”
” مش يلا بقى عشان نشوفها من جوا ؟
“متحمسة جدًا إن اشوفها..
صعدت روان لترى الحضانة التي فاجأها بها والدها، فكانت مع كل نظرة تلقيها تطلق شهقة انبهار و اعجاب، لقد استعان بأفضل المصممين من المنصورة لتصبح في غاية الجمال..
لقد وضعت قدمها على أول الطريق لمستقبلها، و ستكمله لتحقق غايتها الأسمى وهي أن تستطيع اخراج جيل من الأطفال يعلمون جيدًا ما يتوجب عليهم فعله ليصبحوا لامعين في وطنهم بعمل كل ما هو مفيد لهم، و لمجتمعهم دون الحاق الضرر بمصالح الآخرين، ستغرس فيهم قيم الاسلام و حُب الله و رسوله، ستعلمهم ما لم تستطيع تعلمه وهي صغيرة، سثبت لنفسها و لأي أحد أنها جديرة بالمسؤولية، و كل من قال لها أنها فاشلة و لن تنجح ستكسره بنجاحها و تجبره على احترامها.. لقد سعت جاهدة لتحقيق حلمها، و ها هي الآن تقف بسعادة أمامه.
___________♡
‏”وداد الأهل والأصدقاء، مظلّة يستظل بها المرء”.
******
في صباح يوم جديد، تطل الشمس على استحياء لتنشر أشعتها الذهبية على الملأ، و تعلن بداية يوم مليء بالتفاؤل و الأمل..
استيقظ قُصي وهو يحك عينيه الزرقاوتان ليستعد لفتحهما، ثم نهض و جلس للحظات على فراشه قبل أن يغادره، كعادته عندما يستيقظ من النوم، لا يغادر الفراش مسرعًا حتى ولو كان على عجلة من أمره..
حيث تعتبر الدقائق الأولى التي تعقب مرحلة استيقاظ الإنسان في الصباح من أكثر الأوقات خطورة خلال يومه، و يحذر الأطباء من نهوض الفرد مسرعًا من الفراش بمجرد استيقاظه، كون ذلك من شأنه أن يؤدي إلى حدوث اضطرابات عصبية و إدراكية، وقد يصل الأمر إلى حدوث جلطة في شرايين المخ أو القلب، نتيجة أيضًا للاستيقاظ المفاجئ على صوت الهاتف أو المنبه.
نظر في ساعة هاتفه فوجدها الثالثة عصرًا، لقد نام كثيرًا و لم يوقظه أحد !
نهض و استحم، ثم توضأ لتأدية الفروض الفائتة، ليجد أنه وحده بالمنزل.. هاتف شقيقه فأخبره أنهم بمنزل عمه مصطفى..
تناول طعامه و أخذ أوراق المتهمين معه، بعد أن أيقن أن الخاطف ليس له علاقة بزياد.. لقد كلف قُصي فريق بالبحث وراء كل المتهمين الذين تشابك زياد معهم، و اتضح أنهم جميعًا ليسوا لهم علاقة بالأمر.. إذا الخاطف لم يخطف هاجر لأجل للانتقام من زياد !
بل هو غرضه الحقيقي شيء آخر، و لم يتبقى أمامه سوا بدر و الاثنان اللذان تعدى عليهما بالضرب المبرح..
واحد منهما اسمه ” علي” وقد استطاع الوصول اليه عن طريق مصادره دون الحاجة للذهاب لبيته، و اتضح أيضًا أنه ليس له علاقة بالأمر، لأنه سافر خارج البلاد للعمل بإحدى الدول العربية الشهر الماضي.. أما الآخر لم يخبره بدر عن اسمه ولا عنوانه..
دخل قُصي منزل عمه، و قبل أن يتفوه بكلمة أو يفعل شيء جاءه اتصال من ذلك الرقم الدولي الذي أرسل له الرسالة و التي لم ينتبه لها بعد..
تعجب قُصي في بادئ الأمر من الرقم، ثم رد
بلا مبالاة
” الو !
جاءه صوت رجل يبدو من نبرته أنه كبير بالسن، يقول بتهديد
” يا أنت يا أُبَيّ.. اختار ”
ثم أغلق المكالمة في وجهه، عاود قُصي الاتصال وهو لا زال متعجبًا من الأمر، فوجد أن الرقم غير موجود بالخدمة..
تمتم بضيق
” أبو أمك ”
ثم اكمل سيره لمكان تواجد ابناء عمه دون الاهتمام للأمر، فهو بطبيعة عمله السرية معتاد على مثلك تلك الرسائل ولا يبالي لها، و لكن ما لم ينتبه اليه قُصي لأنه كان شاردًا في الشخص الذي اختطف ابنة عمه، أن المتصل يتحدث من بريطانيا و أنه استطاع معرفة اسم شقيقه !
وضع الأوراق أمام زياد و بدر قائلًا وهو ينظر للأخير بعمق
” أنا عايز اعرف اسم الواد اللي كان زميل عائشة في الجامعة و عنوان بيته..
تأفف بدر باختناق عندما ذكر قُصي ذلك الموضوع أمامه.. فقال بفتور
” اسمه زفت أمير.. بس الواد ده اتسجن أصلًا هو و الشلة البايظة اللي كانت معاه.. ابوه يبقى فايز المليطي.. أكبر رجل أعمال في المنصورة.. بس أبوه راجل محترم مش بتاع مشاكل..لكن نسى يربي ابنه..
“قوم معايا حالًا نروحله ”
قالها قُصي باستعجال.. رد بدر بتعجب
” يابني قلت لك مسجون ”
“مش هنخسر حاجة لو روحنا”
نهض معه بدر مستسلم لرغابته، لربما يكون على حق في النهاية..
وصلوا لفيلا “فايز المليطي “.. أخبرهم الحارس أنهم تركوها منذ ثلاثة أشهر و اشتراها رجل آخر، و أنه آخر ما يعلمه عن ابنه لا زال في السجن..
التفت بدر لقصي ليقول بسخرية منه
” عملتلي فيها المفتش كرومبو و خليتنا نيجي المشوار على الفاضي و في الآخر الناس مشيوا من هنا و الواد لسه في السجن و مش هيطلع دلوقت خالص أصلًا.. ”
” طيب تعالى نقعد على القهوة اللي هناك دي ”
صاح به بدر بحدة
” قُصي.. أنت هتستعبط ! ده وقته ؟.. يلا يا عم نروح.. ”
رد قُصي بهدوء
” اسمع مني و تعالى نقعد عالقهوة شوية.. هطلبلك نعناع يروق أعصابك.. في موضوع مهم عاوزك فيه”
لم يقصد قُصي بجملته الأخيرة أي شيء، عدا أنه أراد أن ينصاع بدر لطلبه..
جلس الاثنان على القهوة للحظات، جاء النادل و سألهم عن طلبهم، فطلب قُصي كوبان من الليمون بالنعناع وبعد دقائق من احتساء العصير.. نادى قُصي على النادل و سأله منذ متى وهو يعمل هنا.. أخبره أنه يعمل منذ ستة أشهر.. ابتسم قُصي بمكر و أخرج مائة جنيه من جيبه ليعطيها للنادل قائلًا
” عاوزك في خدمة بسيطة ”
أخذ النادل المال و قال بطمع
” بس ميه مش قليله يا باشا ؟ ”
اتسعت ابتسامة قُصي وهو يقول بدهاء
” ولاه.. أنا مش باشا.. أنا أصيع منك.. هتعمل اللي أنا عاوزه.. و لا أقول للمعلم بتاعك إنك بتقلب الزباين ؟ .. و عشان اثبتلك إني صايع.. بص في الميه اللي ادتهالك..
نظر النادل بالمائة جنيه، فوجدها مرسوم عليها قلب و شخابيط.. أعاد النظر لقُصي بعدم فهم فقال الأخير بسخرية
” الميه عليها علامة.. و أنا الوحيد في القهوة دي اللي عارفها يعني أنت قلبتني و أنا عندي امارة و اهي في ايدك اهيه.. تحب اقطع عيشك ولا تيجي معايا سكة ؟ ”
ابتلع النادل ريقه بتوتر و قال
” أنت عاوز ايه يا باشا..
أخرج قُصي صورة لأمير، استطاع التوصل اليها من كتابة اسم والده المشهور في محرك البحث على الفيس بوك.. ليقول وهو يظهرها أمام عينيه
” الواد ده جه هنا في خلال الست شهور اللي فاتوا ؟ ”
” ايوه يا باشا.. جه مرة واحدة بس.. لكن ده هربان من السجن و الحكومة بتدور عليه..
سأله بدر بغيظ منه
” ولما أنت عارف إن الحكومة بدور عليه.. مبلغتش عنه ليه لما شوفته ؟! ”
أجاب النادل بخوف منهما
” هددني يا بيه يإذي عيلتي.. و أنا بصراحة خفت.. أنت لو مكاني تعمل ايه يا بيه ؟ ”
” اعمل خط و امشي عليه ”
قالها قُصي باستهزاء وهو ينهض و يسحب بدر معه.. بعد أن خرجا من القهوة قال قُصي بلهفة
” كنت حاسس إن الواد ده وراه مصيبة، و دلوقت اتأكدت إنه خطف اختك عشان ينتقم منك يا بدر.. و زمانه في طريقه لقتل عائشة دلوقت.. ”
اتسعت عينين بدر بصدمة و دق الخوف قلبه، ليقول بخوف و توتر
” الاتنين هيروحوا مني !!
” إن شاء الله هنلحقهم في الوقت المناسب.. ”
انطلق قُصي بالسيارة التي تخص شقيقه بسرعة شديدة، يركب بجانبه بدر يدعو الله بقلب مضطرب أن يستطيع انقاذها قبل فوات الأوان..
_______
تمسكت هاجر بمشبك الشعر خاصتها بقوة، و أخفته عن أعينهم عندما سمعت صوت خطوات أقدامهم متجهة نحوها..
فُتح الباب، و تسلل ضوء الشمس للغرفة، فأخفت عيناها بحركة سريعة، ثم فتحتهما ثانيةً وهي تقبض على المشبك المعدني بقوة و تردد بعض الآيات بخفوت..
اقترب عادل منها وهو يلقي لها بهاتف قائلًا
” كلمي جوزك قولي له يجيب اتنين مليون و يجي ياخدك..
جلس بالقرب منها حتى لا تغفلهما و تفعل شيء آخر، انتهزت هاجر فرصة اقترابه الشديد و تشجعت وهي تذكر اسم الله ثم بكامل قوتها ضربته في عينه؛ ففقعتها.. أخذ يصرخ بألم وهو يتلوى على الأرض و الدماء تسيل من عينيه.. همت بالهروب و لكن سعيد أمسكها من وشاحها فأسقطها أرضًا.. تألمت لتلك الوقعة و حاولت النهوض بينما يصرخ عادل من فرط الألم؛ بسبب فقع عينيه..
كاد سعيد أن يخرج السلاح الأبيض خاصته و يطعنها به، و لكن تزامن ذلك مع هجوم رجال الشرطة على الشقة و اطلاق الرصاص على سعيد، فأصابت يده و سقط يتألم بشدة هو الآخر..
حاولت هاجر الاستنشاق من بين بكائها و خوفها، فغلبتها الدوخة و هزمها الضعف؛ لتغيب عن الوعي بعد ذلك..
*****
تدخل القدر و لاحظ أحد المارة ممن يتابعون القضية على السوشيال ميديا، أن هذين الرجلين وراءهم مصيبة من تصرفاتهم الغريبة، فراقبهما ليوم كامل؛ حتى توصل للمكان المهجور الذي يذهبان إليه آخر الليل، تساءل الرجل في عقله مالذي آتى بهولاء لمكان مهجور و عفن مثل هذا !
انتظر خروجهما و صعد ليبحث وراءهم، تفاجأ بأن هناك أحد مسجون بداخل الغرف، لم يستطيع تحديد إذا كان رجل أم أنثى ولم يستطيع تقديم المساعدة، فاتصل على الشرطة في الحال، و نزل سريعًا قبل قدوم الرجلين ثانيةً..
****
القت الشرطة القبض على عادل و سعيد، و حولت هاجر للمشفى، بعد اخبار زوجها بالأمر..
عندما سمع زياد الخبر، قفز من السعادة و الخوف في آن واحد.. طار قلبه فرحًا بأنه علم بمكانها، و خاف من أن يكون مسها سوء..
اتجه لمكان المشفى و التي كانت بكفر الشيخ.. رافقه والده و أُبَيّ و مجاهد..
*****
خرجت عائشة لتشتري الدواء لجدتها من الصيدلية التي تبعد اثنان كيلو متر من القرية مشيًا على الاقدام.. كان الليل على وشك الحلول، فقد قاربت الساعة السادسة مساءً..
الطريق الذي تذهب منه عائشة، عبارة عن أشجار على جانبي الطريق و مليء بالحصى الصغير، طريق وعر لا تفارقه الكلاب الضالة و القطط..
أخرجت هاتفها لتضيء كشافها، و قامت بتشغيل سورة البقرة لتقرأ معها و تعيد ما حفظته مؤخرًا.. على الجهة الأخرى، و صل بدر و قُصي لبيت جدة عائشة.. رن بدر الجرس أكثر من مرة فلم يأتيه رد، في المرة الأخيرة خرجت الجدة اخلاص بتعب لتقول وهي تفتح
” ميـن ؟ ”
تفاجئت بوجود بدر، و قبل أن تسأله عن سبب مجيئه، بادرها هو السؤال بخوف
” عائشة فين ؟ ”
” راحت تجيب لي العلاج من الصيدلية ”
” و الصيدلية دي فين ؟؟ ”
وصفت اخلاص لهما الطريق، وهي تتبعهما بدهشة و قلق..
في الطريق تصرف قُصي بذكاء، فقام بمحادثة الشرطة و أخبرهم بمكانهم؛ تحسبًا لحدوث أي شيء..
******
أثناء سير عائشة في الطريق المظلم وحدها، شعرت برعشة الخوف تسري في جسدها.. ظلت تذكر الله عندما شعرت بحركة وراءها، و قبل أن تتوقف و تلتفت للخلف.. انقض عليها شخص ملثم بقناع أسود.. أسقطها أرضًا وهو من فوقها يكتم فمها، أزاح القناع عن وجهه؛ فاتسعت عيناها بصدمة لم تكن في الحُسبان..
نزع الملثم القناع عن وجهه، لتظهر ملامحه التي تبدلت من الوسامة لملامح ذات اجرام و شر كبير..
نطقت عائشة بصدمة بعد أن ابعد يده عنها
” أميــــر !!!! ”
هز رأسه وهو ينهض و ينظر لها بسخرية و حقد قائلًا
” ايوه أمير.. أمير اللي أنتِ شوفتيه بينضرب و يتمسح بكرامته الأرض قدامك من ابن عمك ابن الـ*** ده و معملتيش حاجة.. وقفتي تتفرجي أكنك بتشوفي فيلم.. أمير اللي أنتِ كنتِ هتموتي عليه و نفسك تتجوزيه عشان فلوسه.. أمير اللي كان هيطلعك من الفقر و المستنقع اللي كُنتِ عايشة فيه.. مش كده يا بنت الـ*****..
انفجرت في البكاء وهي طريحة أرضًا و الخوف يرج كيانها.. قال بقسوة وهو يمسكها من ملابسها يحاول تمزيقها
” اللي معرفتش اخده منك المرة اللي فاتت.. هاخده دلوقت.. بس قبل كل حاجة عاوزك تعرفي إن أنا اللي ضربت ستك.. كان نفسي تموت عشان تفضلي لوحدك بس للأسف انكتب ليها عُمر جديد.. و أخت ابن الـ**** أنا اللي خطفتها و زمانها عملوا فيها اللي أنا هعملوا فيكِ دلوقت.. ابن عمك الميكانيكي ده زي ما ضيع لي مستقبلي أنا هضيع ليه حياته.. إن ما خليته يجي لي راكع و يبكي بدل الدموع دم مبقاش أنا..
حاولت النهوض والفرار من أمامه، و لكنه كان منتبهًا لحركتها فشدها تحته وقبل أن يفعل شيء، تلقى ضربة قاضية جعلته ينتفض بعيدًا عنها..
انقض عليه بدر يضربه في أماكن متفرقة في جسده بينما أمير يبكي و يضحك و يتألم في نفس الوقت.. صاح بدر وهو يكسر عظامه ضربًا
” أنا غلطان إن سيبتك عايش المرة اللي فاتت..
” مش هتقدر تموتني.. عشان أنا الوحيد اللي عارف مكان أختك..
توقف بدر عن ضربه، بينما هو امتلأ وجه بالدماء.. كان قُصي يساعد عائشة في النهوض، ثم خلع قميصه والبسها اياه؛ لأن أمير تمكن من تمزيق أجزاء من ملابسها.. أجلسها قُصي بالسيارة، ثم عاد لابن عمه ليبعده عنه قائلًا بتوسل
” بدر خلاص.. البوليس زمانه جاي.. خلاص متوديش نفسك في داهية عشان كلب زي ده ولا يسوى..
نظر قُصي لـ أمير قائلًا بجمود
” احنا عرفنا مكان هاجر وهي دلوقت في أيد أمينة.. و عائشة و لحقناها.. أنت بقى.. مين هيلحقك ؟
” منا مش هموت لوحدي ”
قالها ثم أخرج ” مطوى ” و طعن بها بدر، و عند الطعنة الثانية، تلقى رصاصة لقى مصرعه من خلالها على الفور..
فزع قُصي عندما وجد الدماء تسيل من بدر بغزارة، و عينيه تنغلق ببطء..
طلب أحد الضباط سيارة الاسعاف.. بعد دقائق.. تم نقل جثمان أمير بعد تغطيته، و اسعاف بدر للمشفى..
وُضع بدر على “الترولي” ليدخلوه سريعًا لغرفة العمليات، يبدو أن الطعنة قاتلة..
في ممر المشفى كان قُصي يجوب الممر ذهابًا و إيابًا بخوف و قلق، لا يقل عن خوف عائشة و بكائها الشديد حتى تورم جفن عيناها.. انهارت على أحد المقاعد باكية بصوت عالي وهي تردد
” يارب يبقى كويس.. يارب متحرمنيش منه.. أنا عاوزه بدر يا قُصي.. عاوزه بدر..
جلس قُصي بجانبها يهدئها وهو يبكي في صمت هو الآخر.. وضعت عائشة يدها على قلبها الذي يعتصر من الخوف و الألم لتقول
” قلبي بيوجعني يا قُصي.. قلبي هيقف من الخوف عليه… آه…
تحول بكاء قُصي لشهقات هو الآخر وهو يقول
“هيبقى كويس.. هيبقى كويس إن شاء الله.. أنا متأكد.. بدر قوي.. هيبقى كويس والله..
__________♡
أنا آسف إني مقدرتش أمنعهم.. آسف عشان معرفتش احافظ عليكِ.. آسف عشان سمحت لكِ تخرجي من غيري.. آسف عشان عدت عليكِ ٨٤ ساعة و ثلاثين دقيقة و سبعة و عشرون ثانية محستيش فيهم بالأمان.. آسف عشان مقدرتش أوفرلك الأمان ده..
سامحيني يا وردتي.. سامحيني يا حبيبتي.. ”
كان يحدثها جالسًا قبالتها وهي على فراش المشفى، يمسك يدها يضمها اليه، بينما تنحدر الدموع على وجهه ندمًا على ما حلّ بها، حتى ولو كان رغمًا عنه..
لقد عاهد ربه و عاهد نفسه منذ أن دق لها قلبه ألا يؤذيها أو يدع أي سوء يمسها، منذ أن كانت بجدائل سميكة تلعب بالدمى مع شقيقته في باحة منزله، وهو يراها مسؤولة منه مسؤولية تامة، مسؤول عن حمايتها، عن سعادتها، عن احتوائها، عن مشاركتها أحب الأشياء لقلبها، و ها هو بحادثة الاختطاف تلك يلوم نفسه على خيانة العهد، لا يكفْ عن تأنيب ضميره كأن الذنب ذنبه كله.
بعد أن أخبره الطبيب أن الجنين بخير و عندما سينتهي المحلول و تسترجع وعيها؛ سيستطيع أخذها للبيت، إلا أنه لا زال قلقًا عليها وهي في تلك الحالة، يريدها أن تفيق الآن لتعلم أنها بأمان معه،
و أن الخطر الذي أحاط بها قد زال بالقبض على هذين المجرمين ” عادل و سعيد” و تم قتل مُدبر الحادثة الذي بالتعرف عليه جعل الجميع في حالة صدمة تم استيعابها ببطء.
دخل حماها و والد زياد الغرفة؛ ليقول بهدوء بعد أن حول نظره بين تلك الغائبة في عالم آخر و ابنه
“الحمدلله إن الجنين بخير..”
نظر له زياد بجمود لثوانِ ثم تحولت نظراته للغضب ليقول بنبرة صوت مستاءة عالية
“الأهم عندي من الجنين هي مراتي يا بابا.. هاجر عندي أهم من أي حاجة في الدنيا.. لو مش هخلف منها خالص مش مشكلة.. المهم إنها تبقى معايا متفارقنيش لحظة”
تعجب والده من نبرة صوته العالية، فلأول مرة يتكلم زياد بهذا الأسلوب معه، و لكنه سرعان ما تفهم الأمر و هز رأسه بتفهم دون أن يرد بكلمة قبل أن يتركه و يخرج.
لحظات و جاءه اتصال هاتفي من قُصي..
رد زياد بحزن لم يفارق صوته منذ الحادثة
” ايوه يا قُصي..؟
على الطرف الآخر ينظر قُصي لابن عمه من خلف زجاج غرفة العمليات بفزع و اضطراب و الدموع تغرق وجهه قائلًا بصوت مرتجف
“بدر مات يا زياد…. !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى