روايات

رواية وهام بها عشقا الفصل الثلاثون 30 بقلم رانيا الخولي

رواية وهام بها عشقا الفصل الثلاثون 30 بقلم رانيا الخولي

رواية وهام بها عشقا الجزء الثلاثون

رواية وهام بها عشقا البارت الثلاثون

وهام بها عشقا
وهام بها عشقا

رواية وهام بها عشقا الحلقة الثلاثون

وقفت أمام غرفة العناية المركزة تنظر من خلف الزجاج الذي يفصله عنها
ساعدتها الممرضة في ارتداء الملابس الخاصة بالعناية ودلفت بخطوات ثقيلة تنظر إليه بعتاب
أخلف وعده وتركها لتذرف الدموع أنهارًا منذ ذلك الحادث
ويرفض هو العودة إليها
تأتي كل يوم لتناجية ترجوه أن يقاوم لكنه يأبى الرضوخ لمناجاتها
تقدمت منه لتجلس على المقعد بجواره وتمسك يده لتخبره بوجودها
ها قد جئت أرجوك أشكو إليك منك فمن لغيرك أشكو عذاب قلب أرهقه الاشتياق.
رفعت يده تقبلها بشوق وحنين فتتساقط دموعها لتبلل يده وتتمت بوله
_ مهران أرجع بقا محتجالك، الحياة من غيرك صعبة أوي، أنا محتجالك وولادك كمان محتاجينلك
أرجوك إرجع عشان خاطري، انا بموت كل دقيقة وانا شيفاك قدامي بالحالة دي
ربنا انتقملنا منهم كلهم وأخد حقنا من كل اللي ظلمونا
ودلوقت احنا محتاجينك
وضعت يده على بطنها عندما شعرت بحركتهم وتمتمت بخفوت
_ بناتك محتاجين ليك أوعى تسيبهم يتربوا من غيرك
خلينا نعوض حرمنا معاهم ونعيشهم كل اللي اتحرمنا منه
بلاش تسيبنا من غير سند لإن الدنيا مش هترحمنا من غيرك.
لم يجيبها غير صوت الأجهزة التي تحيطه من كل جانب.
دلف الطبيب الذي يتابع حالته ويبدأ معاينته فسألته بتوجس
_ وبعدين يادكتور الغيبوبة دي هتستمر لأمتى؟
أجابها الطبيب بعملية
_ والله الغيبوبة دي تبقى صعب أوي التنبأ بمدتها
بمعنى إن في مريض بيفوق بعد اسبوع وفيه بعد شهر وممكن توصل لسنة
وبعدين القلب وقف لمدة عشر ثواني ونجى بأعجوبة فنحمد ربنا إنه لسة عايش وندعي أنه يفوق منها.
كعادته لا يبشرها مطلقًا نفس الحديث ونفس الشرح حتى تعب قلبها من اليأس الذي بدأ يكتنفها
_ خلي كلامك معاه يكون دافع كلميه عن لحظات حلوة مرت بينكم عن أي حاجة تخليه يقاوم عشانها.
أمر الممرضة بتبديل المحاليل ثم خرج تاركًا إياها معه لربما تنجح يومًا في عودته.
عادت إلى القصر الذي أصبح موحشًا بدونه فتجد مرح في انتظارها
لم تحدثها بل أخذت بيدها وصعدت بها إلى غرفتها وساعدتها على الاستلقاء لتبدأ في البكاء وهي تقول بألم
_ مفيش جديد يامرح انا خايفة يروح مني.
ربتت مرح على كتفها وقالت بتعاطف
_ تفائلي بالله خير إن شاء الله هيفوق ويبقى أحسن من الأول بس انتي خلي أملك في ربنا كبير.
مسحت دموعها بظهر يدها وتمتمت بخفوت
_ ونعم بالله بس انا خلاص مبقتش قادرة اتحمل اكثر من كدة محتجاله في كل دقيقية وهو رافض يقاوم ومستسلم لحالته.
_ هو برضه نجى بمعجزة الرصاصة كانت بينها وبين القلب حاجة بسيطة نحمد ربنا أنه لسة عايش وبكرة يفوق ويرجعلك.
اجهشت بالبكاء وهي تقول بألم
_ أنا السبب لو مكنش اخد الرصاصة بدلي..
قاطعتها مرح بجدية
_ كانت هتيجي فيكي وكان زمانك انتي مكانه بس انتي بحالتك دي مكنتيش هتتحملي وكان ممكن تروحي فيها
احمدي ربنا إن ليكي ذكرى منه وهتكون دافع لأنه يتمسك بالحياة، وبالنسبة للي عملوا كدة ربنا ريحنا منهم.
لا تعرف لما تشعر بالتأثر لما حدث مع والدها وسألتها
_ هي جلست الحكم هتبقى أمتى؟
_ للأسف المحاكمة كانت النهاردة مردتش اقولك عشان متروحيش وتعبي نفسك
أخفضت عينيها بحزن وتابعت
_ عمي اتحكم عليها هو ومراته بالمؤبد.
اغمضت مهرة عينيها بألم شديد على حاله، فقد ترك بداخلها جرح لن تشفيه السنين ليس لقسوة منه بل لضعفه أمام جبروت تلك المرأة التي دفعته في النهاية للهلاك.
ربتت مرح على كتفها وقالت بتعاطف
_ متفكريش في حاجة، نامي شوية وارتاحي عشان تقدري تقفي جانب جوزك.
أومأت لها بحزن فجذبت مرح عليها الغطاء وأغلقت الضوء وخرجت من الغرفة.
عادت مرح إلى غرفتها تنظر للهاتف بين الحين والآخر يأخذها الشوق إليه لكن عنادها يأبى ذلك
لا تنكر وقفته بجوارهم منذ ذلك الحادث ولم يتخلى عنهم مطلقًا
لكن تجاهله لها وحديثه الموجه دائمًا لمهرة دون التفوه بكلمة معها جعلها تشعر بالضيق منه
نعم هي أخطأت لكن ماذا ينتظر منه بعد تلك المآسي التي عاشتها، هي فقط تود الابتعاد كي تلملم شتاتها وحينها هي من ستعود إليه
…….
لم تيأس وظلت كل يوم تدلف إليه وتحاكيه عن يومها وكيف أخبرتها الطبيبة برغبتها في سماع صوت دقات قلب طفلتيهم لكنها أبت ذلك وتنتظر عودته حتى يسمعاها معًا
انتبهت مهرة لحركة واهنه من أصبعه فنظرت إلى يده لتتأكد فأعاده مرة أخرى
تراقص الأمل بداخلها واسرعت بالضغط على الزر فتدلف الممرضة تسألها
_ خير يامدام؟
نظرت إليها بفرحة
_ اتحرك دلوقت.
خرجت الممرضة مسرعة وعادت ومعها أحد الأطباء ليبدأ معاينته ثم حدثه
_ مهران لو سامعنا ادينا أي إشارة
ازدادت وتيرة دقاتها عندما لم يجدوا رد فعل منه فنظر الطبيب إليها وقال بأمر
_ أمسكي ايده يامدام وشوفي هيكررها تاني ولا لأ
امسكت مهرة يده بين يديها وعاد الطبيب يسأله وهو يوغزه بالإبر وقلبها يضخ دماءه بترقب
_ مهران لو سامعنا ايدينا إشارة
نظر إليها يسألها بعينيه لكنها هزت رأسها بنفي
فيستسلم الطبيب في النهاية ويخرج من الغرفة.
..
مستلقيًا دون حراك لكن عقله يراجع تلك الرسالة التي حطمت كل شئ
” ابني العزيز مهران
عارفة إنك وقت ما تلاقي الرسالة دي هتكون كبرت وتقدر تفهم اللي هقوله، عارفة ومقدرة مدى قسوته بس دي حقيقة لازم تعرفها ولازم اعترف باللي جوايا عشان أموت وانا مرتاحة لإن الناس دي ممكن أتوقع منها أي حاجة.
انا عشت حياتي كلها وانا بحلم باليوم اللي اقابل فيه الانسان اللي قلبي أختاره لحد ما في يوم شوفته وعرفته وعلقني به بجنون ورسملي طريق مليان ورود كنت بخطي عليه وانا في قمة سعادتي، مكنتش اعرف إن السعادة دي لها وجود من أساسه، وعشان كدة اندفعت وجريت ومكنتش اعرف إن آخره اشواك ودمار
في يوم وانا راجعة من المدرسة لقيته مستنيني بالعربية وقالي انه هييجي يطلبني من بابا
مصدقتش نفسي وفرحت جدًا
وقتها اطمنت له وأخدني بالعربية
كنت بثق فيه بجنون ومكنتش اعرف أنه أخدني لطريق مسدود أخرته معروفة
مرحمنيش وانا كنت بترجاه أنه يسبني
كان عامل زي الذئب بينهش في لحمي وصرخاتي مفرقتش معاه
وبعدها سابني ومشي ولا كأنه دبح روح وثقت فيه وآمنته.
مكنش ينفع أرجع روحت له واترجيت يتجوزني بس رفض وقالي ميشرفنيش إنك تكوني مراتي انا صعيدي ومقبلش إني اتجوز واحدة خانت أهلها معايا
هربت لعند واحدة صاحبتي كانت عايشة هي وأمها لوحدهم حكتلهم ظروفي وهما رأفوا بحالي لحد ما اكتشفت اني حامل
مكنتش عارفة اعمل ايه عرفت انه ساب القاهرة ورجع الصعيد وأخوه اللي مسك مكانه
روحتله وحكتله على اللي حصل
استغربت من تعاطفه وأحساسه بيا ولقيته بعدها بيطلب يتجوزني، ولما سألته ليه
قالي انه مستحيل يتخلي عن ابن أخوه اللي في بطني بس الموضوع ده يفضل سر بينا حتى اخوه ميعرفش بحملي.
ضحكت تاني على نفسي وقلت اكيد بيحميني وبيحمي ابني منه
واتجوزته وروحت معاه الصعيد
عادا ابوه لما رفض ووقف معايا وأصر أني افضل معاه رغم تهديد أبوه
والآخر أكتشفت إني اتخدعت للمرة التانية لإنه طلع عاجز وانا كنت فرصته إنه يثبت قدام الكل انه راجل طبيعي وخلف
واهو بيربي ابن أخوه يعني من دمه
عشت معاه أسود أيام حياتي شك وإهانة وضرب
ولما انت اتولدت هونت عليا كتير وعرفت إن حياتي بقى ليها أهمية، واتحملت عشانك
ولما صاحبتي راحت لأخويا بعد موت بابا وحكتله على كل حاجة قرر انه ينقذني وطبعاً انت عارف الباقي
انا عارفة إني قسيت عليك برسالتي دي بس لازم تكون عارف الحقيقة، انا حطتها في صورتي اللي انت محتفظ بيها وعارفة إنك هتحافظ عليها، وقت ما تلاقيها أدعيلي بالرحمة.”
..
الرحمة؟!
وأين هي؟!
❈-❈-❈
عاد سليم إلى منزله وهو يشعر بالارهاق
وجد والدته جالسة على المقعد في انتظاره فتقدم منها ليقبل رأسها وسألها
_ أيه ياأمي صاحية لدلوقت ليه؟
جلس بجوارها فتنظر هي إليه بحزن وغمغمت بتأثر
_ مش عاجبني حالك ياابني بقالك شهور بتعذب في نفسك وفيا، والآخر يعني؟
ابتسم مرغمًا وقال بثبوت
_ صدقني انا كويس بس كل الحكاية إنه ضغط شغل مش أكتر انتي عارفة إني لوحدي وكل حاجة بقيت على كتفي ولما بفضى بروح اقف مع مرات مهران انتي عارفة إنها ملهاش حد.
تأثرت آمال بحديثه
_ اه طبعاً ده واجب ولازم تكون جانبهم في الظروف دي، انا نفسي كنت بفكر اروح لها تاني.
_ اللي تشوفيه ياأمي يبقى عرفيني وهوصلك.
المهم شمس كلمتك النهاردة؟
يغير مجرى الحديث كعادته فلم تريد الضغط عليه وهو بتلك الحالة فردت باستسلام
_ كويسة الحمد لله وماجد بدأ يمشي من غير عكاز.
_ برضه مش ناوي يرجع؟
_ خليهم مادام مرتاحين هناك وأديها بتكمل تعليمها وهو اشتغل بشهادته يبقى خلاص نسيبهم براحتهم.
اومأ لها بتفاهم ونهض ليصعد إلى غرفته لكنه تسمر مكانه عندما تحدثت بجدية
_ سمعت إن مرح هنا في البلد مش هتمشي
ازدادت وتيرة دقاته من سماع اسمها الذي وحدة كفيل بأن يمنعه من التنفس
لكنه تظاهر بالجمود وقال بثبات
_ طبيعي انها تقف جانب بنت عمها بس هترجع تاني.
نهضت لتقف أمامه وتحدثت بتعاطف
_ ياابني انا مش قادرة اشوفك بتتعذب كدة واقف اتفرج قلتلك خليني اروح اتكلم معها…
قاطعها سليم ببعض من الحدة
_ لو سمحتي ياأمي مش عايز كلام في الموضوع ده نهائي هي اختارت تبعد وقطعت اي أمل بينا خلاص هي حرة.
ارادت سكب الوقود على النار كي تشعلها اكثر فقالت باستسلام
_ خلاص براحتك بس انا برضه مش هفضل في البيت كدة لوحدي من حقي إنك تتجوز وتجيب واحدة تقعد معايا.
تنهد بيأس من التطرق في هذا الأمر وغمغم باستياء
_ خلاص يا أمي اللي تشوفيه.
عقدت حاجبيها بدهشة وسألته
_ انت بتتكلم جد؟
أومأ لها ثم تركها وعاد إلى غرفته ليتركها في صدمة
على حقاً وافقها على الارتباط بأخرى
لقد طلبت ذلك كي تضغط عليه بالذهاب إليها وإقناعها
هي تعلم جيداً بأن زواجه من غيرها هي تعاسة سيظل بها مدى الحياة ولن تسمح بذلك..
عاد إلى غرفته وزكرياته لا ترحمه
تهرب منها كعادته بدلوفه للمرحاض وأخذ حمامًا باردًا كي يساعده على الانشغال عنها ولو قليلاً لكن هيهات
فهي لا تترك مخيلته حتى في أحلامه
خرج من المرحاض واستلقى على فراشه ليمد يده دون إرادة منه ليخرج صورتها من تحت الوسادة وينظر إليها باشتياق
ملس بأنامله على محياها وكأنها أمامه يحكي لها عن مدى تأثره بفراقها
يعاتبها على تركها وجرحها له
لم يتخلى عنها لكنه يعلم جيدًا بأن عمه لن يتراجع عن شئ انتواه وإذا علم بعلاقتهم لن يغير شئ من رأيه بل سيزرع الشك في قلبه تجاههم وسيعيش كلاهما في جحيمه.
………..
مر أكثر من شهر ونصف على ذلك الحادث ولم يستطع أحد أخبار حلم بشئ
رفضت سارة قرارهم وأخبرت مصطفى بأن عليه إخبارها لكنها رفض بإصرار
اغلقت الهاتف باستياء تحت نظرات جاسر الممتعضة لها وتحدث برفض لتدخلها
_ سارة ياريت تخرجي نفسك برة الموضوع
اعتدلت في جلستها على الفراش وتمتمت بانفعال
_ اخرج نفسي إزاي وانا شايفة أخويا بالأنانية دي، مهما كان ده ابن عمها وعشان نكون صرحة أكتر هما الاتنين ملهمش غير بعض ولازم تكون جانب مراته في الظروف دي
مصطفى نفسه المفروض يكون جانبه الماضي ده عدى وانتهى هي اتجوزت وبقيت في حما راجل وعيلة وهو اتجوز وبقى ليه أسرة وانتو كلكم عارفين إن مهران حقيقي اتغير وبقى انسان تاني ليه بقا يكون بالأنانية دي ويحرمهم من بعض.
يؤيدها في رأيها لكن الأمر في يد مصطفى ولن يستطيع أحد التدخل في هذا الشأن إذا رفض هو ذلك
_ أنا معاكي في كل كلمة بس مادام جوزها رافض يبقى احنا مندخلش بينهم.
تذكرت سارة زوجته وهي في المشفى وهي تقف وحيدة أمام غرفته تبكي بصمت
تأثرت كثيرًا بحالتها وعلمت وقتها أهمية السند
كانت تود أن تذهب إليها وتواسيها لكن بأي صفة، هي حتى لا تعرفها.
نظرت الى جاسر وتمتمت بتأثر
_ بس دي صعبانة عليا أوي، مشفتش حالتها في المستشفي وهي حامل وواقفة قدام اوضته بتعيط من وقتها وقلبي بيوجعني أوي عليها
المفروض في الوقت ده حلم على الاقل تكون معها تكون معها
بدأت دموعها في التجمع بعينيها تأثر بما رأته وتابعت بحزن
_ لو كان ينفع كنت رحتلها بس للأسف هقولها ايه وانا مين واعرفك إزاي.
جذبها جاسر لحضنه فهو يعلم مدى تأثرها بأحزان الآخرين
_ خلاص أهدي وانا هتكلم معاه وأحاول أقنعه
لكن مصطفى آبى أن يستمع لأحد حتى جده
لأول مرة يتصرف بأنانية لكنه حقًا يغار
يغار منه حتى وهو بتلك الحالة ولا يعي بشئ من حوله
لن يخبرها ولن يوافق على ذهابها له وانتهى الأمر.
كعادته تذهب إليه وتحاكيه بكل شئ مر بيومها
لكن تلك المرة كانت تحكي بدموعها لم يعد لسانها يطاوعها على التفوه بكلمة واحدة حتى استطاعت أخيرًا النطق وهي تميل على يده تستند عليها بجبينها
_ أرجع بقا يامهران خلاص مبقتش قادرة أكمل من غيرك
وأجهشت في البكاء
همهمات خافته وصلت لأذنها لكنها لم تستوعبها
من صوت نحيبها
توقفت عن التنفس عندما لحظات عندما شعرت بأنامله تتحرك أسفل جبينها لكنها ظنتها مثل كل مرة
..
كان يستمع لـ نحيبها لكنه كان خافتًا وكأن مسافات طويلة تفصلهم عن بعضهم
حاول التحدث لكنه شعر بعائق يمنعه من ذلك
حاول تحريك يده لكن شئ ما يجثم عليها
كانت جفناه ثقيلة لم يستطيع فتحها بسهولة وشعور مميت بالظمأ وكأنه لم يرتوي منذ أعوام.
عاد يشعر بذلك الثقل لكن على جبينه وصوتها أصبح أقرب وأوضح وهي تناجيه بالعودة
دموعها التي بللت وجهه جعله يعافر كي يخبرها بعودته فحاول نطق اسمها رغم صعوبته
_ مـ..ـهـ..ـرة.
شعر بابتعادها وأصوات كثيرة من حولها ووغز خفيف بالإبر وسمع أصوات تطالبه برد فعل فلم يجد سوى إسمها يردده بصعوبة قبل أن يعاد للظلام.
بقلب ملتاع نظرت إلى الطبيب فيبتسم تلك المرة وهو يبشرها
_ الحمد لله فاق من الغيبوبة وعدت على خير
كانت فرحتها لا توصف وعينيها تنظر إليه بسعادة وخاصة عندما بدأو بنزع الأجهزة من عليه
ظلت تحمد ربها دون إنقطاع وقد اصر الطبيب على إبقاءه في غرفة العناية تحسباً لأي ظرف
ظلت بجواره لا تفارقه حتى إنها ترجع للمنزل لتبدل ملابسها وتعود إليه مسرعة
مر يومان ولم يحرك ساكنًا مما جعل الخوف يعود إليها لكن الطبيب طمئنها بثقة
رفعوا عنه الأجهزة وبقيت المحاليل فقط
وأمر الطبيب بإخراجه من غرفة العناية ووضعه بغرفة عادية
كانت تقرأ وردها من القرآن الذي خصصته له وظلت تردد تلك الآية “وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ”
ظلت تردد تلك الآية حتى سمعت همهمة أخرى جعلتها تقبل المصحف وتضعه على الطاولة وتسرع إليه
_ مهران انت سامعني
كان يجاهد كي يرفع جفنيه لكن الإضاءة لم تسمح له بذلك
أمسكت يده لتقبلها بشوق وتمتمت برجاء
_ ارجوك رد عليا وطمني.
ضغط على يدها بوهن وكانت حركته كفيلة بجعل السعادة تعرف طريقها إلى قلبها
فأخذت تطبع قبله طويلة على جبينه وتمتمت بخفوت
_ الحمد لله الحمد لله
استطاع بعد محاولات عدة فتح عينيه وأول ما تقع عليه عيناه هي شموسها المضيئة بسعادة يغلفها حزن ورجاء
ظل يجاهد كي يبقيا مفتوحتين وينعم ولو قليلاً بدفأهما
فابتسامتها ووجها المضئ هما من عاد لأجلهما
وقد كان له ما أراد وعادت روحه تدق بقلبه من جديد
أخفض عينيه لينظر إلى جوفها الذي أمتلئ ثم عاد ينظر إليها وكأنه يسألها عن حالهما.
زادت ابتسامتها وأجابت بفرحة
_ الحمد له كلنا كويسين، بنتين.
ابتسم برحابة صدر وبدأ يرفع يده بوهن ليضعها على بطنها يتحسسه بشوق.
فتزداد ابتسامته عندما شعر بحركتهما فوضعت يدها على يده وتحدثت بوله
_ الحياة من غيرك صعبة أوي.
اسبل جفنيه ثم نظر إليها علامة على اعتذاره
تمتمت بحنق مصطنع
_ طبعًا عايز تقولي قلبظتي واوحشيتي وتبدأ عينيك تزوغ على الممرضات
أومأ لها وتمتم بصوت مبحوح
_ فعلاً تخنتي واحلويتي أكتر.
عادت ابتسامة قلبها قبل عينيها وسألته
_ بجد لسة حلوة في عينيك زي الأول
هز رأسه بتأييد وتمتم بوله
_ وأكتر بكتير.
شعرت به يغمض عينيه بنعاس فقالت
_ نام وانا هفضل جانبك ومش هسيبك.
مضى اليوم وهو في سبات وكأنه مازال يهرب من مواجهة الحياة
فقد تركت تلك الصدمات آثار لن تمحيها السنين.
لقد ظهرت حقيقته أمام نفسه بأنه ضعيف لأقصى درجة
لم يستطيع حتى حماية عائلته
ولولا تدخل رجاله لكانوا في عداد الأموات
والأدهى من ذلك هي الحقيقة المُرة بأنه كاد أن يتزوج أخته.
أخته التي عيشها في جحيمه ولم يرحمها حتى دفعها للانتحار.
اشتدت قسوة الزمن عليه وطعنته بخنجر حاد دون شفقة
لم تتركه لحظة واحدة
لكنه لم يعد مهران حبيبها بل شخص آخر غيره
إما نائمًا أو مستيقظًا لكن يظل شاردًا
أمسكت يده تخبره بوجودها لكنه يظل على حاله
طرق الباب ودلف الطبيب المتابع لحالته
_ عامل ايه دلوقت يامهران؟
تمتمت بهدوء
_ الحمد لله بخير.
بدأ الطبيب بمعاينته ثم قال بجدية
_ بقينا احسن بكتير.
اومأ له وتحدث بجدية
_ انا عايز اخرج النهاردة
_ زهقت مننا ولا أيه؟
_ لا بس انا مش برتاح لجو المستشفيات ده، في البيت هرتاح أكتر
_ تمام اللي تشوفه
عاد إلى منزله وعواصف الماضي تهب برياحها على قلب ظن لوهلة أن الدنيا تبسمت في وجهه ولم يكن يدري بأنه السكون الذي يسبق العاصفة
استلقى على فراشه ومقتطفات من الماضي تحيي ندوبه وهو ينظر إلى صورتها بمشاعر مشتتة
خرجت مهرة من غرفته بعد أن يأست من إخراجه من تلك الحالة التي لازمته منذ عودته من الغيبوبة
خرجت مرح من غرفتها فتجد مهرة واقفة تبكي أمام غرفته
تألمت لبكاءها وتقدمت منها لتربت على كتفها وتقول بتعاطف
_ وبعدين يامهرة العياط ده غلط عليكي.
مسحت مهرة دموعها وتمتمت بألم
_ مش قادرة اتحمل اكتر من كدة وانا شيفاه بيضيع مني ومش عارفة اعمله حاجة.
_ معلش كله هيعدي وهيرجع احسن من الاول بس انتي طول الوقت حسسيه بوجودك.
تطلعت إليها برجاء
_ مرح خليكي معايا انا محتجالك.
اخفضت عينيها بأسف
_ مش هقدر افضل اكتر من كدة وخصوصاً بعد جوزك ما رجع وبعدين عمر لازم يرجع للجلسات بتاعته عشان منضيعش اللي عملناه بس هكلمك كل يوم اطمن عليكي.
أومأت لها بتفاهم ونزلت إلى الاسفل كي تعد له الطعام
ظلت تفكر في سبب حالته لقد اخبرها الطبيب بأن ما يمر به ليس شئ عضوي بل صدمة نفسة تعرض لها
تذكرت ذلك اليوم في المزرعة وكيف تبدل عندما فتح تلك الورقة وعلم محتواها
دفعها فضولها لمعرفة ما تحتوية ربما حينها تستطيع مساعدته
نظرت لسامية وقالت بأمر
_ سامية سيبي اللي في ايدك وخلي حد من الرجالة يوصلك للمزرعة وادخلي المكتب هتلاقي صندوق صغير تجيبيه وتيجي على طول بس من غير ما حد ياخد باله.
اومأت لها وقالت بثقة
_ متقلقيش محدش هياخد باله.
_ تمام روحي بسرعة
اسرعت سامية بالخروج وحلم تدعوا ربها ان تمر تلك المحنة باسرع وقت ويعود إليها زوجها
انتهت من إعداد وجبته وصعدت إليه كي تقنعه بتناول طعامه
دلفت الغرفة لتجده شاردًا كعادته فدنت منه لتجلس بجواره ووضعت الطعام على ساقيها ورفعت الملعقة إلى فمه لكنه آبى وتمتم بهدوء
_ مليش نفس.
_ بس انت مأكتلش حاجة من الصبح.
لم يرد وظل على وجومه
وضعت الطعام على الطاولة ثم عادت إليه فتمسك يده وتقول بروية
_ هتفضل كدة كتير؟
لم يجيبها سوى الصمت وعينيه التي ظلت ثابتة على الفراغ أمامها لا تحرك ساكنًا
مر الوقت وهي بجواره تحدثه في اشياء كثيرة وهو وإن أجاب فيجيب باقتضاب
طرق الباب وعلمت حينها بأنها عادت
خرجت إليها وجذبتها لأحدى الغرف واغلقت الباب بإحكام وسألتها بلهفة
_ عملتي ايه؟
اخرجت سامية الصندوق من أسفل شالها وقالت
_ عملت زي ما قلتي وجبته من غير ما حد يلاحظ
اخذت الصندوق من يدها وأشارت لها بالخروج
ثم قامت بفتحه ووجدت الرسالة ففتحتها بوجل لتتفاجئ بتلك الأسطر التي كتبت بدموع تروي قصة ألم وعذاب عاشتهم تلك المرأة
شهقت بصدمة عندما وصلت لتلك الكلمات مما جعلها تضع يدها على فمها تمنع شهقتها وأخذ قلبها ينتفض بريبة
الآن فقط شعرت بما يمر به وما يشعر به من آلام
فقد مرت به لواحد وعشرون عامًا، ولهذا هي أكثر من يعلم بحالته الآن.
لكن مهلًا؛ متى علم جده بأمر الرسالة؟
وكيف عثر عليها وهي تخبره بأنها وضعتها في إطار صورتها التي يحتفظ بها داخل غرفته.
ليتها لم تطلب منه الذهاب إلى ذلك المكان
ليتها لم تلفت نظره إلى ذلك الصندوق
لكن قضي الأمر ولن ينفع الندم
طوت الورقة واعادتها لذلك الصندوق وقررت إعادته في أقرب فرصة الأهم الآن أن تظل بجواره وتحاول بقدر الإمكان إخراجه من حالة الحزن التي لازمته.
مرت الأيام وهو على نفس الحالة من الصمت
وأصبحت عاجزة أمامه لا تستطيع فعل شئ له
قررت الذهاب إلى منزل عمران المنياوي وأن ترجوهم أن يخبروها الحقيقة
هي تعلم جيدًا بأنها مازالت على قيد الحياة وأنها تعيش في كنف تلك العائلة.
هي الوحيدة التي باستطاعتها إعادته للحياة فهي عذابه الأكبر الآن
فما يعانيه ليس سوى شعور مقيت بالذنب تجاهها.
خرجت من غرفته وهي تمسح دموعها بظهر يدها
لم تعد تتحمل حالته تلك ولم يفلح أي شئ في إخراجه من تلك الحالة
وضعت يدها على جوفها الممتلئ وهي تشعر بانقباضات من شدة تأثرها بما يحدث.
فقط لو تجدها هي الوحيدة التي تستطيع اخراجه من آلامه
تحاملت على نفسها ونزلت الدرج وهي تنادي سامية كي تعد لها مشروب دافئ كي يهدئ ذلك الألم لكنها لم تجيب
دلفت المطبخ لتسمع صوتها وهي تتحدث في الهاتف فينقبض قلبها عندما سمعتها تقول
_ مفيش جديد والله ياست حلم حالته زي ما هي مفيش تحسن
_………
_ الست مهرة معاه ومش بتفارقه لحظة واحدة.
رددت مهرة اسمها من بين شفتيها بصدمة لا تصدق بأنها مازالت حقًا على قيد الحياة فدنت منها لتنتبه لها سامية وتهم بغلق الهاتف لولا تحذيرها
_ أياكي..
أشارت لها على الهاتف
_ هاتي الفون
ارتبكت سامية وتمتمت برهبة
_ دي..دي..واحدة قريبتي و…
قاطعتها مهرة بكل قوتها رغم وهنها
_ قلتلك هاتي.
بيد مرتعشه ناولتها الهاتف فتأخذه مهرة بارتعاشة مماثلة وتضعه على أذنها لتسمع صوت حلم وهي تناديها
_ سامية انتي روحتي فين
بشفاه مرتجفة نطقت مهرة اسمها
_ حلم!
شعرت حلم بالخطر وهمت بغلق الهاتف لولا رجاء مهرة الذي اوقفها
_ أبوس ايدك أوعى تقفلي مهران محتاجلك أوي.
زادت وتيرة دقاتها واهتزت نظراتها بخوف عليه وخاصة عندما تابعت ببكاء يمزق القلوب
_ ارجوكي ياحلم عشان خاطري تعالي انتي اكتر واحدة هو محتاجلها دلوقت محدش هيقدر يخرجه غيرك أرجوكي ياحلم أرجوكي.
هي لا تعرف حقيقة ما حدث له مجرد أنه يمر بحالة نفسية ولا يعرف احد سببها
عاد الحنين إليها بكل قوته وشعرت بحاجتها هي إليه كما يحتاجها هو
هو الوحيد المتبقي لها من عائلتها بعد امها
وخاصة عندما تابعت مهرة
_ مهران اتغير ومحتاجك جانبه ارجوكي ارجعي

يتبع….

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وهام بها عشقا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى