رواية ومقبل على الصعيد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم رانيا الخولي
رواية ومقبل على الصعيد الجزء السادس والعشرون
رواية ومقبل على الصعيد البارت السادس والعشرون
رواية ومقبل على الصعيد الحلقة السادسة والعشرون
مرت أيام على أبطالنا كلًا في واديه
جاسر الذي يحارب شوقه ويظل مستيقظًا طوال الليل ما بين قلبه الذي يطالبه بطوي صفحات الماضي السوداء وبدأ صفحة جديدة
وبين عقله الذي يذكره دائمًا بتلك الفاجعة التي ستظل حائلًا بينهما
لم يستطيع النوم تلك الليلة وهى لا ترحمه بتلك البراءة المرتسمة على وجهها وهى نائمة
أنسحب بهدوء وقرر النوم في شرفة غرفتهم ربما يستطيع حينها النوم
لكن هيهات، وكيف يأتي النوم والمعشوق المتجبر نسائمه تحيطه من كل جانب
أما هى فقد كانت تشعر بتقلبه طوال الليل ولم يكن حاله بأفضل من حالها وهي تتقلب على جمر من نار بذلك العشق الذي ادمى قلبها
قلبها الخائن الذي يطالب بعشق من لا يرى منه سوى كل تجبر
شعرت به يخرج إلى الشرفة ويستلقى على الأريكة لينام عليها بعيدًا عنها
ورغم حزنها منه إلا إنها شعرت بالقلق عليه
فقد أصبح الجو تشتد برودته ليلًا
ظلت تراقبه من الباب الزجاجي حتى تأكدت من نومه
أخذت غطاء وذهبت إليه كي تغطيه به فطمأنت عندنا وجدت أنفاسه منتظمه وقامت بفرده عليه
همت بالعودة إلى الداخل لكن شيئًا بداخلها دفعها بالبقاء معه ولو قليلًا تروي عطشها له
جلست أمامه تنظر إلى محياه الذي نحت وكأنه لوحة فنية رسمت بإتقان
ودون إرادة منها وجدت يدها تتسلل إلى خصلاته الفاحمة كي تتلمس نعومتها
وياليتها لم تفعل إذا سقط قلبها عندما وجدته يفتح عينيه ويده امتدت لتمسك برسغها تمنعها من الوصول إليه
تقابلت الأعين في نظرات مبهمة لا يعرف أحدهم ما يدور في خلد الآخر
ظلوا على هذا الحال ثواني معدودة ينظر إلى ملامحها التي حُفرت بداخله منذ أن وقعت عيناه عليها وظل يجوب بعينيه على محياها كأنه يستكشف تفاصيله حتى استقرت أخيرًا على ثغرها الذي أصبحت مشاعره تحثه على تذوقه
رفع عينيه إلى عينيها التي لم تمانع ولم تحتج مما جعل عناده يتلاشى ويجذبها من رسغها الذي مازال يملكه بيده قرب وجهها من وجهه وعينيه لا تنزاح من على شفتيها لكن دق نقوس الخطر عندما تذكر أنها لن تكن قبلتها الأولى ازدرد ريقه بصعوبة وكلما قادته مشاعره إليها يبعده عقله الذي مازال يرفض تقبله للأمر
أبعدها عنه بحدة ونحاها من أمامه وهو ينهض من مرقده جعلت عينيها تتسع من تلك الإهانة التي تلقتها لتوها
وخاصةً عندما وجدته ينظر لها بازدراء ويقول بحنق
_ ادخلي چوة مينفعش تجفي بلبسك ده
نهضت وهي تشعر بانكسار لرفضه لها
وقد ظنت لوهلة أنه سينحي كل ماضيهم جانبًا وينعم بتلك اللحظة معها
لكن يبدوا أن الماضي سيظل سدًا مانعًا في طريقهم ولن يقابل أحدهم الآخر.
دلفت للغرفة وقامت بجذب الستار كي لا يراها وهي تنتحب.
طفح بها الكيل ولم تعد تستطيع التحمل أكثر من ذلك
لكن ليس بوسعها فعل شئ، كما أنه محق في ردات فعله
ماذا تنتظر منه؟ يكفى أنه سترها ولم يخبر أحد بتلك الفاجعة.
❈-❈-❈
في المشفى
بدأت صحة أمجد بالتدهور فأصبح قلبه لا يستطيع المقاومة أكثر من ذلك، و حالات الإغماض التي يتعرض لها تزداد كثيرًا تلك الفترة
أما ليلى فقد تركت كل شئ وكذلك دراستها وظلت بجواره لا تستطيع مفارقته لحظة واحدة
لم يمانع أمجد عندما تركته لتحضر إحدى العمليات الهامة وظل ينتظرها بشوقٍ حتى عادت إليه
دلفت الغرفة وقد بدا عليها الإجهاد
وعندما رأته مستيقظًا تحدثت بابتسامة مشرقة
_ انا قلت هلاقيك نايم
تقدمت منه لتجلس بجواره وقالت بتعب
_ العملية النهاردة كانت متعبه أوي
لم يجيبها وظل ناظرًا إليها مما جعلها تندهش من ذلك وسألته
_ مالك بتبصلي كدة ليه؟
رفع حاجبيه مجيبًا
_ لا أبدًا انا بس مستغرب إزاي بنت رقيقة وكيوت زيك تدخل مجال جراحة القلب ده.
هزت كتفيها بحيرة
_ هتصدقني لو قلتلك مش عارفه؟!
بس انا طول عمري بحب اختار الصعب، وبالأخص في دراستي.
بابا كان معارض دخولي كلية الطب وكان عايزني ادخل كلية غيرها بس أنا أصريت
اخترت جراحة القلب لأنه أهم جزء في الإنسان، يعني عندك مثلًا المخ لما بيقف، ممكن الإنسان يعيش على الأجهزة سنين، صحيح بيبقى ميت إكلنيكيًا بس القلب بيقوم بدوره، حتى المشاعر صحيح بتبقى من خلايا المخ بس اللي بيعبر عنها القلب.
تحدث بمكر
_ يعني انا لو غيرت قلبي هفضل احبك بردو
_ القلب بيدي رد فعل بس ملوش دعوة بالمشاعر، صحيح ليه دور مهم بس مش أساسي
التزم الصمت قليلًا جعلها تشعر بالقلق عليه وقبل أن تتحدث سبقها هو
_ تعرفي انا كتير اوي بفكر في الشخص اللي هيتبرعلي ده، هو مين؟ وياترى هو عايش دلوقت وسعيد بأيامه؟ ياترى عارف انه هيموت وقلبه ده هيكون من نصيب حد تاني.
ليه حبيبة قلبه بيدق ليها؟
ديمًا الأفكار دي ملزماني ومش بعرف اهرب منها.
رغم الألم الذي يأرق قلبها إلا إنها تحدثت بابتسامة
_ أولًا التبرع مش بيكون بالشكل اللي انت بتفكر فيه، بمعنى إن واحد عنده سكتة دماغية ده ميت بالفعل بس كل أعضائه شغالة وبتقوم بدورها، فـ بالتالي مش هيفضل عايش تحت الاجهزة كدة، أحيانًا الأهل بيطلبوا رفع الأجهزة عنه وهنا المستشفى بتسألهم لو يوافقوا على التبرع وبيبقى الشخص ده عايش جوة كتير أوي اللي محتاج زرع كبد او كليه أو قلب او قرنية.
وفي تاني اللي بيتبرع بأعضائه لو اتعرض لحادث هنا مش بناخد براي الأهل لأنه هو بنفسه إللي ماضي على إقرار بده.
سأله بدهشة
_ والإقرار ده بيبقى مع مين؟
_ يبقى معاه هو، كارت صغير وبيكون معاه
_ عندي إحساس إني مش هلاقيه.
أجابت بتفاؤل
_ وانا عندي احساس إننا هنلاقيه وفي اسرع وقت
وضع يده على قلبه وقد ازدادت وغزاته
_ بس انا فعلًا مبقتش قادر اقاوم أكتر من كدة، الألم أصبح غير محتمل
ضغطت على شفتيها كي تتحكم في عبراتها التي تحاول التحرر من أسرها وقالت
_ كل ده هيعدي ونفتكرها انا وانت ونضحك عليها.
هز راسه بنفي
_ مظنش، انا فعليلًا بدأت استسلم للموت…..
قاطعته برجاء
_ ارجوك بلاش الكلام ده
اقولك انا….
قاطعها تلك المرة
_ عارفك هتقولي إيه؟ جعانه وايه رأيك لو نتعشا مع بعض.
ضحكت ليلى وضحك هو ايضًا وقال
_ عايز اقولك انك أغلب الوقت يابتاكلي يا إما بتقولي جعانه.
ضيقت عينيها بغضب مصطنع
_ انت بتعد عليا؟! ايه رأيك بقى إني كنت بسيب المذاكرة الساعة اتنين بالليل وانزل المطبخ اعملي أكل مش سندوتشات واطلع اكمل مذاكرة.
أيدها أمجد
_ واضح طبعًا مفيش كلام.
نهضت من مقعدها
_ طيب انا هقول لسهى لتجبلنا عشا خفيف كدة
لم يجادله رغم انه لا يريد ذلك
عادت بعد قليل وهي تحمل الطعام ووضعته على الطاولة وقربتها منه
_ يالا بقى هى حاجة خفيفة كدة بس مش مشكلة انا نبطشية النهاردة ويبقى اتعشا تاني، يلا بقى
هز راسه برفض
_ مش قادر.
ردت بإصرار
_ لازم تاكل عشان العلاج.
قال بوهن
_ انا فعلًا مش قادر أرفع إيدي
تحدثت بمزاح رغم الألم الذي تشعر به
_ يبقى حضرتك داخل على طمع وعايزني أجيبلك ممرضة تأكلك.
ابتسم بوهن
_ وتجيبي ممرضة وانتي موجودة
اهتزت نظراتها بخجل وهمت بالرفض لكنها أكثر من يعلم بحالته لن يقوى بعد الان على التحرك مطلقًا
وبدن نقاش اخذت المعلقة بيدها ثم قربتها من فمه بخجل فاخفض عينيه كي لا يحرجها
لكنه لم يستطيع تكملت طعامه
_ كفاية كدة
همت بالمعارضة لكنه منعها
_ بجد مش قادر بلاش تضغطي عليا المهم كملي اكلك
اومأت بصمت وبدات هى بتناول طعامها في صمت..
❈-❈-❈
بدأ منصور يشعر بالوحدة بعد أن تركه أولاده، أصبح المنزل فارغًا خاليًا من أى روح
رغم انشغاله والشركة التي أصبحت على عاتقه لا تعطيه الوقت ليفكر بشئ إلا إنه يشعر بحنين جارف إليهم
لقد كان معتاد منهم على ذلك، لكن أيضًا كان يعلم بأنهم داخل دائرته.
فرغ المنزل وشعر بحنين جارف إليهم
وقسوة الاشتياق لا ترحمه
لقد تجرع من نفس الكأس الذي تجرعه والداه
لكن عقله آبى أن يعترف بذلك، لم يخطئ؛ هذه حياته وكان عليه النظر لمستقلبه حتى يصل إلى مبتغاه.
وها قد اهداهم ابنته بديلًا له ولن يضطر إلى ان يطالب بحقه فـ ابنته الآن ستنعم به
نعم عليه الصمت إزاء هذا الأمر
ثم سيذهب إلى سمر ومصطفى يجبرهم على العودة
في منزل سمر
كانت تتناول طعامها مع مصطفى الذي استقر معها ورفض العودة إلى والده وعندما سمعوا طرقات حادة على باب المنزل نظرت إلى مصطفى بقلق وسألته
_ مين اللي بيخبط كدة
هز مصطفى كتفه بحيره
_ مش عارف
ذهبت الخادمة لتفتح لكنه منعها وتوجه هو ناحية الباب ليفتحه فتفاجئ بمنصور يقف أمامه
الأعين في نظرات جمود تحولت بعد.ذلك لعتاب
قاطع منصور تلك النظرات قائلًا
_ هنفضل واقفين كدة كتير؟
تراجع مصطفى للوراء كي يفسح له المكان
_ اتفضل.
دلف منصور ليجدها جالسة تنظر إليه ببرود استغربه في البداية، لكن ما يدهشه اكثر صمتها وكأن شيئًا لم يكن
تحدث بحدة
_ هتفضلي هنا كتير؟
لم تجيبه بل نظرت في طبقها وتكمل طعامها بهدوء جعله يهدر بها
_ انا مش بكلمك
عند تلك النقطة وانتهى ثباتها فـ وقفت امامها لتهدر هي ايضًا
_ انت مش موجد أصلًا عشان اسمعك، ازاي جاي تقف ادامي وبكل بساطة تقولي الكلام ده وكأن اللي مات حد غريب موقفش جانبك ولا ساندك لحد مـ وقفت على رجليك، والاخر حرمته من حقوقه.
ضرب منصور بيده على الطاولة جعل كل ما عليها يهتز حتى سقط على الأرض وهو يقول باحتدام
_ واللي كنتوا ناويين تعملوه ده كان ايه؟
فلوسي وشقى عمري اللي كنتوا هتمضوني على تنازل عنه اسميه ايه؟
مين اللي خاين انا ولا انتو
شعر مصطفى ان الوضع سيشتعل بينهم فتقدم منه قائلًا
_ ياربت نهدى شوية مينفعش كدة
نظر إلى منصور وتابع بمغزى
_ وانت يابابا لو كنت جاي عشان ترجعنا فـ انا بقولك لأ مش هرجع
قطب منصور جبينه بعدم فهم وسأله
_ يعني ايه مش فاهم؟
رد بجمود
_ يعني كل ساقٍ سيروى، ماما رافضة انها ترجع وانا مقدرش اتخلى عنها واسيبها لوحدها
اشتد غضبه منها ونظر إليها بقوة
_ عرفتي تقوي ابني عليا…..
قاطعه مصطفى
_ محدش قواني عليك بس يظهر ان القدر بيعيد نفسه، حرمت جدي وجدتي منك ودلوقت اتحرمت من ولادك.
ضيق منصور عينيه يستفهم معنى حديثه ليتابع مصطفى
_متستغربش من اللي بقوله لإني عرفت كل حاجة، وعشان متتهمش حد انا عرفت من سارة اللي سمعت الكلام بالصدفه ومحدش هناك يعرف اننا عرفنا ولا حاولوا يفتحوا الموضوع معانا
اهتزت نظراته أمام ابنه وقال بتسويف وهو يدير الدفة ناحيتها
_ انا معملتش كدة برضايا الهانم هى اللي قواني عليهم
همت سمر بالمعارضة لكن مصطفى منعها
_ بس دول مش أهلها، بمعني انا لو حبيت واحدة ولقيتها بتحرضني على اهلي مش هسمعلها من الأساس، انا اه بغلطها فـ اللي عملته بس برجع اقول اخدت عقابها وندمت انما انت لسة زي مـ انت
سوري يابابا بس انا مش هرجع معاك واسيبها لوحدها
لم يجد منصور شيئًا يخرج به غضبه سوى تلك الطاولة التي أمامه ليقلبها رأسًا على عقب ثم يخرج صافقًا الباب خلفه بعنف
❈-❈-❈
في الجامعة
جلست حلم في كافتيريا الجامعة تتناول مشروبها عندما سمعت صوته يقول
_ مش غريبة شوية إننا نكون بلديات وفي جامعة واحدة ومنعرفش بعض
انتفضت بخوف عندما تأكدت منه ثم تلفتت حولها وهي تقول بخوف
_ انت بتعمل ايه هتوديني في داهية
جلس مصطفى على المقعد بكل هدوء قائلًا
_ ولا داهية ولا حاجة متخافيش كل اللي موجودين دول اعرفهم محدش منهم من الصعيد
اندهشت من الهدوء الذي يتحدث به وقال بحدة
_ انت عايز مني ايه؟
اشار لها بالجلوس
_ اقعدي الاول عشان نتكلم.
اخذت حقيبتها وردت بامتعاض
_ مفيش كلام بينا نتحددوا فيه.
همت بالذهاب لكنه اوقفها قائلاً
_ حلم استني.
استدارت إليه لتقول بحنق
_ وبعدهالك عاد؟ سيبني لحالي الله يرضى عليك وابعد عني، انا واحدة ميتة والموت أجربلك منيها، لو خايف على عمرك بلاش تقف في وشي تاني لإنك مش هتشوف من ورايا غير الخراب
_ بس انا عايزك
هزت راسها برفض
_ مينفعش لو في ظروف تانيه كان ممكن بس صدجني مينفعش واصل.
تركته وغادرت رغم قلبها الذي يحثها على البقاء، لكن عليها البعد إذا أرادت له النجاة.
كان حازم ومعتز يشاهدون من بعيد وعند ذهابها أسرعوا إليه ليقول حازم بحدة
_ انت بردك مش ناوي ترچع عن اللي في دماغك، جلتلك الناس دي مبترحمش واسهل حاچة عندهم الجتل.
كان مصطفى مازال ينظر في أثرها
_ مش قادر
تحدث معتز بجدية
_ انت اكدة بتلعب بالنار والنار دي لما تطولك مش هنجف نتفرجوا عليك.
أكد حازم
_ صح كلامك
ثم نظر إلى مصطفى وتابع
_ فإهدي اكدة وشيل الموضوع من دماغك.
التزم مصطفى الصمت كي لا يخوض جدال عقيم معهم وقرر المضي قدمًا فيما ينتوى فعله.
❈-❈-❈
خرجت سارة من المرحاض وعيناها تجوب الغرفة تبحث عنه
سمعت صوته في شرفة الغرفة فدفعها فضولها لمعرفة ما يحدث.
وقفت خلف الباب الزجاجي الذي تركه مواربًا مما جعلها تستمع له جيدًا
_ زين جوي ابعتلي العنوان في رسالة
_…….
_ التنين، عنوان شغله وبيته لإن في بينا تار ولازم انهيه.
_…..
تحدث بحدة
_ جلتلك متسألش كتير ومش عايز حد يعرف بالموضوع ده
أغلق هاتفه واستدار ليعود للداخل لكنه تفاجئ بها تقف أمامه
هم بتخطيها لكنها منعته وسألته بريية
_ انت رايح فين؟
نحاها من أمامه كي يدلف ويتركها
_ ملكيش صالح.
أسرعت خلفه لتقف أمامه تسأله بجدية
_ مش هسيبك الا لما تقولي ناوي على أيه
لم يهتم لها وأخرج ملابس له من الخزانة مما أكد شكها
_ انت مسافر القاهرة
رد بحدة وهو يهم بالولوج إلى المرحاض
_ قلتلك ملكيش صالح وابعدي من جدامي.
هزت راسها برفض ووقفت حائلًا بينه وبين الباب وهي تقول بإصرار
_ مش هسيبك تسافر
تحولت نظراته إلى نذير غضب وهدر بها
_ احذري غضبي واوعي من جدامي
تحدثت بإصرار
_ مستحيل أسيبك تضيع نفسك
ظن لوهلة أن تمنعه خوفًا عليه لكن شكه آبى تصديق ذلك وتحول ظنه إلى الشك وهو يسأله بغضب هادر
_ خايفة عليه؟!
هزت راسها بنفي وهي تقول برجاء
_ خايفة عليك انت، بلاش تضيع نفسك مع واحد زي ده
جذبها ليبعدها عنه حتى كادت تسقط على الفراش ودلف المرحاض صافقًا الباب خلفه بعنف
لم تستسلم ولن تستسلم لن تتركه يضيع مستقبله لأجل ذلك الحقير.
لقد فوضت أمرها إلى الله وتعلم يقينًا بأنه لن يخذلها.
ظلت واقفة أمام المرحاض تنتظر خروجه حتى خرج بعد قليل وعينيه كجذوتين نار
حاولت التحدث معه لكنه تقدم من الخزانة وأخرج سلاحة ووضعه في بنطاله لتتسع عينيها خوفًا عليه
_ انت هتعمل ايه.
لم يجيبها وهم بالخروج لكنها وقفت أمام الباب تمنعه من الذهاب فصاح بها والغضب يعميه
_ أوعى من جدامي.
تحدثت بإصرار
_ مش هتخرج ولو وصلت هصرخ واخلي عمي يلحقك.
رفع حاجبيه متسائلًا بحدة
_ هتجوليلهم إيه؟ هتجوليلهم حجيجتك؟!
هزت رأسها بتأكيد
_ عندي اعرفهم الحقيقة ولا انى أسيبك تدمر نفسك، انا فوضت امري لله وانا واثقة انه هينتقملي منه
تساقطت دموعها كنهرٍ جارف وهى تتابع برجاء
_ أرجوك ياجاسر بلاش تضيع نفسك مع واحد ميستهلش
كان لدموعها ونطقها باسمه مفعول السحر على قلبه مما جعل غضبه يتلاشى تدريجيًا فقال بجمود
_ انت فكرك لو أبوي وچدي عرفوا اللي حصل حد هيجدر يمنعني؟
هز راسه بنفي
_ يبجى متعرفيش مين هو جمال المنياوي
أبوي على جد طيبته وحكمته بس إن حد يتعدى على شرفه يطير فيها رجاب.
اتسعت عينيها بخوف وتابع هو
_ هو الصعيدي إكدة دمه حامي واللي يرشه بالمايه يرشه بالدم
أمسكت يده برجاء وهي تقول
_ أرجوك بلاش، لو حصلك حاجة مش هقدر اسامح نفسي
فكر في عمي وجدي اللي لو جرالك حاجة ممكن يروح فيها، فكر في الفضيحة اللي هنتعرض ليها كلنا لو اذيت نفسك بيه، صدقني انا امنية حياتي اني اشوف مذلول مكسور زي ما كسرني؛ إنما الموت هيبقى رحمة ليه، اصبر وخلينا نشوف عدل ربنا لإن ربنا مش هيخذل دعوة مظلوم
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين
خلينا نصبر ونشوف عدل ربنا.
لو تدري ما فعلته بلمستها تلك التي جعلت جبل الجليد يذوب بين يديها ونثر سحرها الاخذ على مشاعره التي استكانت بهدوء وتحولت نظراته إلى رئفةً بدموعها.
فسألها بغصة
_ خايفة على مين بالظبط؟
أخطأ بسؤاله لكنه يريد به الوصول لمبتغاه فردت بأسى
_ مبقاش عندي غيرك أخاف عليه
انتفض قلبه بولة وقد اهتزت نظراته وهو يرى مدى صدقها
نظرتها التي غلفها الحزن ورموشها الرطبة من أثر البكاء جعلت مشاعر الغضب تتحول لرغبة ملحة في إزالة تلك العبرات التي تسقط على وجنتها فتكوي قلبه بنيرانها
رفع يده ليسمح دمعة اخذت طريقها حتى وصلت إلى جانب ثغرها فلمست انامله شفتيها الرخوة مما جعله يستسلم تلك المرة لمشاعره ويمرر ابهامه عليهم برغبة وكانت ضربات قلبه بداخله تهدر بقوة وهو يتطلع في سكون إلى ملامحها التي لم تخفي شتات مشاعرها أيضًا
كانت المسافة قريبه لدرجة انها شعرت بأنفاسه المتلاحقة على وجهها مما جعلها تغمض عينيها كي لا يرى مشاعر الحب فيهما
جرحته بأهدابها التي صفت باتقان كـ حد السيف جعلته يزدرد لعابه برغبة وقبل ان يستمع لاعتراض عقله كان يميل عليها ليقرب فمه المتعطش لشهدها رويدًا رويدًا حتى تلامست الشفاة لينتفض كلاهما من تلك الأحاسيس والمشاعر التي غلفت كلاهما داخل فقاعة وردية أخذتهم لعالم آخر يعيش كلاهما بداخلها لأول مرة.
كانت قبلته هادئة كأنه يخشى عليه من قسوة شفتاه
تسللت يده إلى خصرها جعلها تتصلب بوجل شعر بها هو لكنه لم يبالي وظل غارقًا في بحور شهدها يقاوم ذلك الناقوس الذي الذي عاد يدق لينتشله من الغرق
عاند وأصبحت قبلاته أكثر ضراوة كي يتخلص من ذلك الصوت الذي يذكره بما حدث معها
تحولت قبلاته لعنف جعلها تشعر بالخوف منه مما جعلها تضع يدها على صدره تبعدها عنها لكنه امسك يديها وثبتها على صدره وواصل عنفه وذلك الصوت لا يرحمه
وكلما ازداد الصوت كلما ازدادت ضراوة قبلاته حتى استطاع التحكم في مشاعره وأبعدها عنه قليلًا كي ينظر إليها، فوجد الخوف والذعر مرتسم على وجهها
فتحدث بتحشرج
_ اطلعي برة
لم تفكر او تترد وأسرعت بالخروج من الغرفة وجسدها ينتفض بخوف.
دلفت غرفة ليلى وقلبها تزداد وتيرته بحدة وضعت يدها على دقاته تحاول تهدئته لكنه توقف فعليًا عندما سمعت صوت سيارته في الخارج
أسرعت بالنظر من النافذة لتجده ينطلق بها
أسندت جبينها على العارضة وهي تهز رأسها بخوفٍ عليه من تهوره.
❈-❈-❈
انقلبت المشفى رأسًا على عقب عندما تعرض أمجد لأزمة أخرى جعلت قلبه يتوقف للحظات
ولم يعد إلا بعد محاولات عديدة من إنعاشه حتى عاد ينبض من جديد
وها هو ذا مستلقي على الفراش تحيطة الأجهزة من كل جانب لا يدري شيئًا عن الذي القلب الذي يبكي ألمًا عليه.
لم يعد باستطاعتهم شيئًا سوى التضرع لرب العالمين
تركت كل شئ وظلت بجوارة ما بين صلاة وقرآن والاهتمام بأدويته
دلفت سهى الغرفة وهى تحمل الطعام إليها
_ دكتورة ليلى انا جبلتلك حاجة تاكليها…
قاطعتها ليلى الذي أصبحت كوردة ذابلة من شدة الحزن
_ رجعي الأكل ياسهى مليش نفس.
تعاطفت معها اكثر وتقدمت منها لتقول برجاء
_ بس انتي لازم تاكلي انتي مـ اكلتيش حاجة من امبارح، وبعدين لازم تاكلي عشان تقدري تكملي معاه
تدحرجت دمعه حاره على وجنتها وهى تراه مستسلمًا ينتظر الموت في أي لحظة وقالت بألم
_ مش قادرة ياسهى، انا بموت كل لحظة وانا شيفاه كدة ادامي ومش قادرة اعمله حاجة
ربتت سهى على كتفها بحزن
_ مـ هو للاسف مفيش في ايدينا حاجة نعملها، بس مين عالم يمكن ييجى الفرج من عند ربنا
لم تنهي سهى حديثها حتى وجدوا الباب يفتح وتندفع الممرضة وهي تقول بلهفة
_ دكتورة ليلى الدكتور عصام عايزك ضروري في مكتبه.
انقبض قلبها أكثر ونظرت لسهى بوجل وسألت الممرضة بتوجس
_ ليه؟
_ مش عارفة بس الموضوع شكله كبير وعايزك ضروري
رغم الخوف الذي يعتريها إلا إنها تحلت بالثبات ونظرت لسهى
_ خليكي ياسهى معاه لحد مـ ارجع
اسرعت بالذهاب إلى مكتب المدير فوجدت الدكتور عصام واضعًا التقارير الخاصة بـ أمجد وعند رؤيتها تحدث بجدية
_ الدكتور ليون لسة مكلمني حالاً وقالي انه لقى المتبرع ولازم نسافر اليونان حالًا
لم تصدق اذنها من شدة السعادة وقالت بعدما استيعاب
_ بجد؟ يعني ….
قاطعها عصام
_ مش وقته ياليلى ويلا بسرعة جهزي الباسبور بتاعك عشان الطيارة هتكون جاهزة بعد نص ساعة
أومأت بفرحة وأسرعت بالخروج من المكتب وعادت لغرفتها كي تحدث أخويها وتخبرهم بسفرها
اجابها حازم
_ ايوة ياليلى اخرتي ليه
صمتت ليلى قليلاً كي تستجمع شتات امرها وقالت
_ حازم انا لازم اسافر اليونان دلوقت
لم يستوعب حديثها وعاد يسألها
_ تسافري فين مش فاهم
اغمضت عينيها قليلًا ثم قالت برجاء
_ حازم أرجوك أنا لازم أسافر معاه مينفعش اسيبه دلوقت وانا اوعدك اني اول ما يفوق من العملية هرجع على طول.
رد بإصرار
_ جلتلك لا، وان اصريتي اني هخبر جاسر وهو يتصرف معاكي.
انهمرت دموعها بألم وقالت برجاء
_ حازم عشان خاطري سيبني اسافر هما يومين بالظبط وهرجع على طول، بلاش تبصلها من جهة سيئة، بصلها إني طبيبة وبقوم بواجبي، انا حاسة اني لو مرحتش معاه هيروح مني أرجوك ياحازم
أخذ معتز الذي استمع لكل شئ الهاتف من يده وتحدث بتعاطف
_ سافري ياليلى واني مسؤول عن إكدة
حاول حازم أخذ الهاتف وهو يمانع
_ انت بتجول ايه يامخبول انت
رد معتز بحزم
_ مليكش صالح انت ده واچبها ولازمن تعمله، اني عارف اختي زين وواثق فيها
عاد يوجه حديثه لها
_ سافري ياليلى واطمني محدش هيعرف حاچة
اغلق معتز الهاتف مما جعل حازم يجذبه من تلابيبه ويهدر به
_ انت مش راچل يالا ولا إيه؟ ازاي توافجها عـ اللي بتعمله ده.
جذب ملابسه من يد حازم وتحدث بثبات رغم الإهانة التي تلقاها منه
_ اني راچل وانت خابر اكدة زين، بس كل الحكاية إني مش عايز اكسر بخاطرها ولا اضيع فرصة زي دي من بين ايديها
لم يقتنع حازم بحديثه فقال بعناد
_ كل ده كلام فارغ واني لازم اتصل على جاسر وخبره بكل شئ.
_ هتخبر جاسر بإيه
تسمر الاثنين في أماكنهم عندما سمعوا صوته وهو يدلف من باب الشقة قاطبًا جبينه بعدم فهم.
تقدم منهم وهو يسألهم
_ في أيه؟
نظر معتز إلى حازم يمنعه من التحدث لكنه قال بعناد
_ انا هجولك على كل شئ.
❈-❈-❈
توقفت سيارة الإسعاف أمام المطار وقاموا بإنزال الحامل الذي يحمل جسده ومعه ليلى التي أصرت على البقاء معه داخل السيارة
اسرعوا بالحامل إلى الداخل وليلى تسير خلفه لكنها توقفت عندما سمعت صوت يناديها
_ ليلى
استدارت ليلى بتوجس وهى تزدرد ريقها بخوف عندما علمت بهويته لتجد عينيه تحمل غضب عارم وقالت بخوف وهي تراه يقترب منها و……..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ومقبل على الصعيد)