رواية وما ادراك بالعشق الفصل العشرون 20 بقلم مريم محمد غريب
رواية وما ادراك بالعشق الجزء العشرون
رواية وما ادراك بالعشق البارت العشرون
رواية وما ادراك بالعشق الحلقة العشرون
الفصل العشرون _ هذا خطأي _ :
قبل ثلاثة و عشرون عامًا …
لم تمكث طويلًا بالمشفى.. و لكنها حالما خرجت أقلّها مصطحبًا معهما طفلتهما التي لم يفارقها لحظة واحدة طوال مدة غياب أمها عن المنزل.. تبيّنت “رحمة” بأنه يأخذهم إلى المطار !
ألا و قد حرصت على عدم تبادل كلمة واحدة معه منذ خروجها برفقته.. لكنها لم تستطع إمساك لسانها أكثر خاصةً و هو يمر بها و بابنته عبر أكشاك التفتيش …
-انت واخدنا على فين ؟
إلتفت “يحيى” ناحيتها نصف إلتفاتة.. و جاوبها و هو يدفع بجوازات السفر إلى المفوّض :
-طالعين على لندن.
و انحنى ليحمل “شمس” و أمسك بيد “رحمة” مارًا بها إلى صالة الانتظار ..
مشت “رحمة” خلفه مشدوهة.. لبرهةٍ لم تجد الكلمات التي تخوّلها الرد عليه.. إلى أن جلسوا و قد غفت الصغيرة بحضن أبيها.. ضمّها “يحيى” إلى صدره بإحكامٍ متطلّعًا بهاتفه.. لم ترمش “رحمة” و هي تنظر إليه بصمتٍ.. ثم قالت عادت لتقول بلهجتها الجافة :
-واخدنا على لندن ليه يا يحيى ؟ قولّي ناوي على إيه تاني و واخدنا حتى منغير شنط هدومنا !!
عبس “يحيى” قبل أن يرفع بصره عن هاتفه لينظر إليها.. أقفل الهاتف تمامًا و وضعه بجيب سترته.. ثم قال محدقًا إلى عينيها مباشرةً :
-هاكون ناوي على إيه يا رحمة ؟ إيه إللي وصلك أول ما قلت إننا مسافرين ؟ احنا أول مرة نسافر !؟
رحمة بغضب : أنا بقيت أتوقع منك أي حاجة.. و ماعنديش ثقة فيك.. واخدني أنا و بنتي على فين يا يحيى ؟ أنا مش هاخطي معك خطوة واحدة قبل ما أفهم و أعرف كل حاجة !!!
رفع حاجبه مرددًا بحدة :
-أنا لحد اللحظة دي مقدّر وضعك.. لكن بحذرك يا رحمة.. إلزمي حدودك و انتي بتكلميني دي أول حاجة.. تاني حاجة أنا لو في دماغي شيء عايز أعمله مش هايفرق معايا المكان سواء هنا أو في لندن.. و انتي عارفاني كويس.
زمت شفتيها و قالت بصوتٍ مكتوم :
-فهمني يا يحيى.. حرام عليك إللي بتعمله فيا ده.. ريّحني و لو مرة واحدة !!
تنهد “يحيى” قائلًا :
-انتي إللي تاعبة نفسك يا رحمة.. و زي ما قواتي مابقاش عندك ثقة فيا.. بس حاضر.. هاريحك.. أنا قررت أخدك انتي و شمس و أنقل اقامتكوا في لندن.
حملقت فيه بصدمة و قالت :
-انت عايز تنفينا ؟
امتقع وجهه و هو يرد عليها باستنكارٍ :
-أنفيكوا إيه بس.. إيه إللي بتقوليه ده.. أنا بنيت ليكوا حياة تانية هناك.. حياة متكاملة.. بيت كبير كتبتوا باسم شمس.. و أحسن مدرسة اخترتها عشان بنتنا تدرس فيها و تعيش طفولتها زيها زي اخواتها و زي أي طفلة في سنها.
أذهلتها كلماته.. بينما تنظر إليه و لا تكف عن التفكير في ما قاله للتو.. لم تتمكن من الرد عليه بعد ذلك ..
ليمد يده و يقبض على يدها بقوة غير مؤلمة.. نظرت إلى قبضته على يدها.. ثم نظرت له و سمعته يخاطبها بهدوء :
-أنا هاديكي الحياة إللي طول عمرك بتحلمي بيها يا رحمة.. هاتعيشي على حريتك.. هناك هاتكوني مراتي في العلن.. هاتمشي جنبي و إيدك في إيدي و معانا بنتنا.. هاثبت لك أد إيه انتي غالية عندي مش زي ما انتي مفكرة إنك على الهامش في حياتي.. هاعوضك عن كل حاجة.. و أي حاجة !
____________________________________
الوقت الحاضر …
آثرت الهرب منه كعادتها مؤخرًا.. استشف شعورها بالتهديد أكثر بعد ذهاب والدته و خلو البيت عليهما كما في ظنّها.. ربما في ظروف أخرى كان ليتودد إليها و يحاول استمالتها منفذًا خطته الصبورة ..
لكنه لم يكن في وارد أيّ محاولات.. بل كان يتمنى لو كانت على سجيتها التي عهدها لكي تخفف عنه القليل من الأعباء.. إلا إن هذا لم يحدث للأسف.. و لا حتى في المدى المنظور ..
إلى متى تظل بعيدةً عنه ؟
فقط لو تعرف كم هو بحاجة إليها.. أكثر من أيّ وقت مضى منذ إلتقاها و حتى هذه اللحظة ..
كيف لا تشعر به ؟
لن يغفر لها هذا.. أبدًا …
-عثمان !
انتشله صوت “ملك” من مستنقع أفكاره.. أضاءت الفتاة مصابيح غرفة المكتب و دلفت على مهلٍ مغلقة الباب من خلفها.. بينما يعتدل “عثمان” من نومته فوق الأريكة الواسعة بصالون المكتب ..
رفع رأسه محدقًا بها بعينين نصف مغمضتين.. و قال بصوتٍ مشوّش :
-ملوكة.. تعالي يا حبيبتي.. خير في حاجة و لا إيه ؟
أقبلت “ملك” عليه متهادية و هي لا تكف عن الإجفال قائلة :
-مافيش حاجة.. أنا قلقت عليك بس.. من ساعة ما فريال هانم مشيت و انت قافل على نفسك هنا.. قلت أجي أطمن عليك.. انت كويس !؟
ابتسم لها بانهاكٍ واضح و قال :
-أنا كويس أوي.. ماتقلقيش.. كنت بشتغل و قلت أريح شوية ف شكلي نعست.. يا ترى الساعة كام دلوقتي !
و رفع معصمه ليلقي نظرة بساعته :
-يااه.. 6 إلا ربع.. أنا نمت هنا ساعتين بحالهم !!
جاءت “ملك” لتقف من خلفه بينما يفرك وجهه بكفّاه.. مدت يديها الرقيقتان لتمسك بكتفيه العريضين و تبدأ وصلة من التدليك و هي تقول بصوتٍ مختلج النبرة :
-لازم تريح نفسك !
تأوّه “عثمان” ما إن بدأت بالضغط اللطيف على عضلاته المتشنجة.. أغمض عيناه بتعبٍ مرددًا بامتنان :
-لوكا.. انتي حقيقي An Angel !
ابتسمت الآن و قد تبدد شيء من اضطرابها.. ردت عليه و الابتسامة تملأ صوتها :
-انا بطبّق عليك دروس اليوجا.. طالما انت رفضت تحضرها معايا.
إلتوى ثغره بابتسامةٍ تهكمية و هو يقول بصوته الأجش :
-يعني انتي متخيّلة عثمان البحيري بجلالة قدره قاعد وسط شلّة ستات و متنح زي الصنم.. ده يبقى شكلي أهبل أوي و عيب في حقي يا لوكا.
قهقت “ملك” بمرح كبير و هي تتخيّل الصورة التي وصفها.. ليستطرد هو مسرورًا لمحاولتها الناجحة بتعديل مزاجه :
-خلينا ماشيين على النظام ده أحسن.. انتي تحضري دروسك و تيجي تطبقيها عليا أنا.
قضت “ملك” بضعة دقائق أُخر تمارس عليه تجارب الاسترخاء هذه و هي لا تكف عن التحدث إليه.. حتى أحسّت بزوال كل طاقته السلبية.. رفعت يديها عنه و استدارت حول الأريكة لتقف أمامه الآن …
-هو إيه إللي بيحصلنا يا عثمان ؟
يفتح “عثمان” عينيه لينظر إليها.. مدركًا ما تقصده بالضبط.. شاهد الحزن عميقًا بعيناها الدامعتين.. مد لها يده و هو لا يزال مسترخيًا بمكانه ..
أودعت “ملك” كفها الصغير بيده على الفور.. و تركته يشدها صوبه حتى انتهى بها المطاف خلال لحظة جالسة فوق قدمه.. كدأبها دومًا منذ كانت طفلة ..
مد “عثمان” جسمه للأمام قليلًا ليكون أقرب إليها.. أحاط كتفيها بذراعٍ و أخذ يمسح على شعرها الذهبي بحنانٍ أبوي و هو يقول :
-إللي بيحصل إننا عيلة.. زينا زي كل الناس إللي حوالينا.. بنمر بفترة صعبة شوية.. بس الأكيد إنها هاتعدي و كل حاجة هاترجع أحسن من الأول.. أنا عارف و فاهم اللخبطة إللي انتي فيها.. مش انتي لوحدك يا ملك.. الصغير و الكبير في البيت ده.. كلنا بنعاني من مشاكل وقعت علينا فجأة و مكناش نتصور حتى إنها تحصل.. لكن أنا عايزك تطمّني.. طول ما أنا موجود مافيش حاجة وحشة ممكن تمس العيلة دي.. و انتي جزء من العيلة.. جزء مني أنا شخصيًا.. ماتفكريش يا ملك.. أنا هنا و كل حاجة تحت سيطرتي.. كل إللي مطلوب منك إنك تعيشي حياتك عادي.. و امسحي القلق باستيكة.
حدقت “ملك” طويلًا إلى عينيه الآسرتان و قالت :
-انت Legend.. عمرك ما خالفت ظنّي فيك.. انت بطلي يا عثمان.. و أهم حد في حياتي كلها !
رقت نظرته و هو يبتسم لها قائلًا :
-و انتي يا روحي أحلى حاجة حصلت لي.. من يوم ما ظهرتي في حياتي نوّرتيها.. و مليتي الدنيا عليا فرح.. انتي سبب سعادتي يا ملك عشان كده مش ممكن أتنازل عنك أبدًا.. و لا أسمح لأي مخلوق ياخدك مني.
كانت اشارته صريحة لموقف شقيقها.. و غمرتها السعادة و هي تسمع التأكيد منه على إنه لن يتخلّى عنها مطلقًا.. اطمأنت حيال رغباتها المكبوتة ..
ازدادت لصوقًا به.. و لا زال يُحسن الظن بها.. لا تمر على خاطره مجرد لمحة من أفكارها العبثية …
-أنا بحبك أوي ! .. اعترفت “ملك” بغتةً
لم تستطع تحجيم مشاعرها أكثر و جرى الاعتراف على لسانها ..
صدمتها جرأتها و بقيت ترمقه بترقبٍ.. لكنه لم يتغيّر.. بل تلقّى عبارتها بتعبيراتٍ هادئة.. و قال بلطفٍ :
-أنا أكتر يا حبيبتي.
كتمت شهقة بدفقة مفاجأة من الأدرنالين.. و ألقت بذراعيها حول عنقه ..
و هنا جمدت ملامح “عثمان”.. بدأ يشعر بخطبٍ ما.. لكنه لم يتخذ أيّ ردة فعل بعد و بقى ساكنًا ليتأكد من الشك الذي طرأ بباله فجأة.. لا يريد أن يصدقه.. هذا جنوني.. و لكن نظرة عينها.. لغة جسدها ..
لفحت أنفاسها الساخنة وجهه و عنقه و تتفرّس بملامحه الوسيمة متمتمة :
-صدقني مش أكتر مني.. و لا أي حد أكتر مني.. حتى سمر.. سمر مابقتش تحبك.. أنا… أنا بحبك !!
و دنت أكثر حتى كادت شفاهها أن تمس شفاهه.. لولا أن دفعها عنه بحركة واحدة بأخر لحظة …
أصدرت “ملك” آهة متألمة و قد صدمها ما قام به.. لقد طرحها أرضًا.. و فعليًا قد تأذت على إثر السقطة.. لكنها لم تشعر بالألم بقدر الخوف الذي غمرها من شكله عندما هب واقفًا و أشرف عليها من علوٍ ..
كيف لتعابير وجهه المسالمة أن تستحيل إلى الوحشية التامة بهذه السرعة !؟
-عـ.. عثـ..ـمـ.ـان أنا !! .. بالكاد نطقت باسمه
ليرد عليها بصوتٍ جمّد الدماء بعروقها :
-انتي أكيد اتجننتي عشان تفكري تعملي حاجة زي دي !!!
اسنتدت على مرفقيها و حاولت القيام عبثًا و هي تقول بتوترٍ بالغ :
-أنا آسفة.. ماكنتش آ ا ..
-بـرا !! .. هتف آمرًا و مقاطعًا أيّ حديث آخر بينهما
تطلّعت إليه و الخزي يحرقها داخليًا.. جرت الدموع على خدّيها بغزارةٍ.. و قامت بصعوبة متكئة على الأثاث ..
حاولت أن تبقى لبرهةٍ.. حاولت أن تستعطفه و تصلح ما فعلته بطيشها و سذاجتها :
-بليز ممكن تسمعني.. عايزة أقولك آ ..
-و لا كلمة ! .. قاطعها للمرة الثانية بصرامة أكبر
و قسا عليها لأول مرة بحياته :
-مش عايز اسمع منك و لا كلمة.. و من اللحظة دي ماتظهريش قدامي و لو صدفة.. انتي سامعة ؟ يلا برا !!
ابتعلت “ملك” غصّة مريرة و هي تنظر إليه غير مصدقة ما حدث.. لقد أفسدت كل شيء.. لقد خسرته على ما يبدو.. خسرت الشخص الوحيد الذي تشعر بالحب و الانتماء الخالص إليه ..
كتمت فمها بكفها باللحظة التالية و هي تجهش ببكاءٍ مرير.. لم تنتظر لحظة أخرى أمامه و ولّت مغادرة غرفة المكتب و هي تركض بعدم اتزانٍ ..
في جهة أخرى كان “عثمان” لا يزال واقفًا بمكانه.. يكاد يفقد صوابه جراء ما فعلته الفتاة التي ربّاها بنفسه.. ابنته التي تكفّل برعايتها منذ كانت رضيعة.. لا يصدق.. لا يريد أن يصدق ..
لماذا ؟
لماذا فعلت ذلك ؟ .. ما هي دوافعها و كيف فكرت به هكذا ؟ .. كيف !؟؟؟
إنها تناديه بكنية الأب كما يفعل ولديّه.. كيف بحق الله !!؟؟؟
لم يفكر “عثمان” مرتين.. بحث عن هاتفه إلى أن وجده خلال لحظاتٍ.. أجرى مكالمة لم يُخيّل إليه أن يجريها بنفسه على الإطلاق ..
ثوانٍ و أتاه صوت صهره الساخر على الدوام :
-مِسا.. أكيد وحشناك يا باشا.. سبحان الله كنا لسا في سيرتك.. القلوب عند بعضها.
تجاهل “عثمان” كلامه برمته و قال بصوتٍ حاد :
-أنا موافق على سفر ملك معاك.. من بكرة هاجهز ورقها.. و على أخر الأسبوع تقدر تاخدها و ترجع دبي تاني !
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)