رواية وسام الفؤاد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية السيد
رواية وسام الفؤاد الجزء السادس والعشرون
رواية وسام الفؤاد البارت السادس والعشرون
رواية وسام الفؤاد الحلقة السادسة والعشرون
الحلقة السادسة والعشرون
#رواية_وسام_الفؤاد
“دول كأنهم عاملين دماغ”
التفت آصف يُطالع هبه التي تضحك بهسترية واتسعت ابتسامته برضا وسعادة؛ فهو سعيد لرؤيتها تبتسم وتضحك من قلبها فكر بين نفسه لوهلة لمَ لا يرسلها كل فترة لتحضر حفل زفاف لتأتي بمثل تلك الحالة!! مسكين فلا يعرف ما سر حالتها تلك!! نظر لمحمود وقال:
-كويس إن أنا وافقت إنها تروح الخطوبة دي
محمود بزهو:
-جالك كلامي مش قولتلك إنها محتاجه تغير جو… أختي وأنا عارفاها!
اومأ آصف رأسه بتأيد وقال بثقة:
-دا أنا هسمع كلامك دايما يا حضرة الظابط
رمقه محمود بسرعة وعاد يتابع الطريق هادرًا به:
-إيه حضرة الظابط دي! عاوزين نشيل الألقاب بقا يا عم قولي يا محمود عادي… اتفقنا؟
آصف بابتسامة:
-اتفقنا يا حـ… يا محمود
ابتسم محمود وقال بمزاح:
-تمام يا أستاذ آصف
ضحكا الإثنان والتفتا يُطالعان الفتيات بتعجب فلم يفصلن عن الضحك، نظرا لبعضهما بذهول لا يعلمان ما الذي يضحكهن لتلك الدرجة!! أطرقا سمعهما منتبهين لما يتحدثن به..
“دا كويس اننا مشربناش الشاي بالنعناع!”
قالتها وسام ضاحكة حتى بدأت تسعل من شـ دة الضحكات..
لتعقب هبه بضحك هستيري:
-النعناع أصلًا شكله مش نعناع…
وضعت رحيل يدها على بطنها وقالت من خلف ضحكاتها:
-بجد معدتش قادره بطني وجعتني من الضحك
تدخل محمود في الحديث وقال بابتسامة وهو يُطالع رحيل بالمرآة:
-طيب ضحكونا معاكم بدل ما احنا بنضحك برده بس مش فاهمين حاجه كده!
اندفعت رحيل قائلة بتلقائية:
-أصل كنا في فرح وكانوا بيشربوا….
قاطعها كف هبه الذي وضع على فمها لتردعها عن التفوه بالمزيد خشية رد فعل أخيها وزوجها، طالعها هبه بأعين متسعة قائلة بهمس:
-اخرسي يا بت عاوزه تفضحينا
انحنت هبه ناحية الأمام وقالت هبه بضحك:
-كانوا بيشربوا شربات أحمر يا محمود بس مزودين السكر شويه
قالتها هبه وهي تضغط على حرف السين في كلمة “السكر” وانفجـ رن بالضحك مرة أخرى، لتقول رحيل من خلف ضحكاتها:
-ومالك يختي بتضغطي على السين كده
لكزتها وسام في كتفها وقالت بضحك:
-وإنتِ مالك هي السين كانت اشتكتلك في حاجه؟
هز محمود رأسه باستنكار وضحك بخفوت وشاركه آصف وظل يستمع لأصوات ضحكاتهن المكتومه حتى وصلوا للمطعم، ارتجلوا من السيارة وبدل محمود نظره بينهن بتبرم فقد زادت ضحكاتهن عن حدها وقال بضجر:
-بس بقا يا جماعه عيب كده!
ضـ ربت هبه كفها بكف رحيل وعقبت بضحك:
-العيب في الجيب
رفع محمود إحدى حاجبيه ولم يعقب، نظر آصف للشارع والمارة وقال بنزق:
-كده غلط بقا يا جماعه!
أطرقت هبه كفها الأخر بكف وسام التي تضحك هي الأخرى وقالت من خلف ضحكاتها:
-الغلط على الظلط
نظر كل من آصف ومحمود لبعضهما ورددوا بنفس اللحظة: هو فيه ايه!!!
وفي ناحية أخرى يُطالعهم شخص ملثم يركب سيارة نصف نقل يركنها ناحية الرصيف المقابل للمطعم ويبدو من خلال نظراته أنه لا ينوي على خير!
استغفروا🌹
________________________
كانت سديل تجلس على فراشها تُحدق بالفراغ كانت في حيرة من أمرها صلت الإستخارة اليوم ما يقرب من خمس مرات فقد تقدم لخطبتها اثنان بنفس اليوم! “آسر وجاسر” والإثنان مناسبان جدًا تذكرت ما قالته والدة جاسر قبل دقائق:
“جاسر إبني يا سديل خريج كلية تجاره وبيشتغل محاسب في قطر عنده ٢٧ سنه فوق ده كله يا بنتي احنا عارفين ظروفك ومش عاوزين غيرك يعني متشيليش هم الجهاز والكلام ده احنا شقتنا جاهزه”
نهضت ووقفت في الشرفة لترى جاسر يقف لحاله بعيد عن تجمع العائلة ويعبث بهاتفه رمقته سريعًا فهو يبدو وسيمًا لكن أحمد أكثر وسامة، نعم تقارن كل شخص بأحمد الذي تسلل وسكن أعماق قلبها لا تتخيل أي تُكمل حياتها مع شخص غيره، لكن الآن يجب أن تركن عاطفتها وتفكر بحكمة وعقل قد تكون مشاعرها نحو أحمد مجرد مراهقة عابرة، نعم يجب أن تفكر بحكمة ولكن!! ويا ويلها من لكن!! قلبها لا يقبل هي حقًا لا تستطيع! انهمرت دموعها وأخذت تدعو الله كما فعلت في كل سجدة في يومها هذا
“اللهم اجعله خيرًا لي وقربه مني”
تقصد أحمد فكانت تصلي استخارة وتدعو الله أن يرزقها بـ أحمد ويجعله زوج لها في العاجل غير الآجل!
أوقفت دموعها وفتحت هاتفها حين أُرسلت لها رسالة على تطبيق الواتساب:
«”قال صلي الله عليه وسلم: لم يُر للمتحابين مثل النكاح” صلي استخاره يلا أنا مستعجل»
نظرت لجاسر الذي يعبث بهاتفه وابتسمت بسخرية فحتمًا سيكون هو من يُراسلها، هكذا ظنت!، كتبت:
“حديث ضعيف”
أرسل هو:
“ولكن معناه صحيح وأنا أخشى عليكِ وعلى نفسي الفتنه”
نظرت نحو جاسر الذي مازال يعبث بهاتفه ونفخت بحنق ثم كتبت:
“أستاذ جاسر مينفعش كده أنا آسفه مش هينفع أنا مش موافقه!!”
كتب هو:
“مين جاسر؟ أنا مش جاسر”
تذكرت الصباح وكتبت بامتعاض:
“يبقا حضرتك أستاذ آسر وأنا آسفه مش هينفع لأني مبفكرش في الجواز دلوقتي”
كتب هو:
“أنا لا جاسر ولا آسر!!!”
كتبت سديل بضجر:
“أي كان إنت مين أنا مبفكرش في الجواز!!!”
ألقت الهاتف جانبًا ووضعت يدها على وجهها لتبكي بمراره فلن تتزوج لا تريد لن تظلم نفسها وغيرها هكذا اندفعت لوهلة لتحدث نفسها بتلك الطريقة، حتى صدع هاتفها برسالة أخرى حملته لتتفاجئ برسالته:
“أنا أحمد يا سديل وجايلك دلوقتي عشان نشوف موضوع أسر وجاسر دول!! وكمان عشان أخليكِ تعيدي تفكير في موضوع الجواز”
“أنا أحمد يا سديل وجايلك دلوقتي عشان نشوف موضوع أسر وجاسر دول وكمان عشان أخليكِ تعيدي تفكير في موضوع الجواز”
اتسعت حدقتيها وخرجت شهقة قـ وية من حلقها حاولت كتمها بوضع راحة يدها على فمها، ظلت هكذا للحظة تنظر للهاتف ثم الفراغ ثم للهاتف ثم الفراغ، سحقًا فماذا كتبت له جاسر وآسر!! كم هي حمقاء ومندفعة لأبعد حد، هكذا عنـ فت نفسها، أخذت تقرأ المحادثة للمرة الثانية وما أن تداركت طبيعة الوضع سالت دموعها بسعادة وأصبحت تبكي وهي مبتسمة، وكأنه رأها فأرسل لها:
“من غير دموع قومي صلي استخاره مش عاوزين نضيع وقت”
لا تعرف بمَ ترد فلم تعقب على رسالته، تركت هاتفها فلم تعد تشعر بأوصالها، احتقن وجهها بالد**ماء وشعرت بسخونة تخرج من أذنها فباتت ككتلة ملتهبة حمراء ابتسمت وهي تنظر لأعلى وتردد: “اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك”
انتبهت أثر صدوع جرس الباب وعندما سألت عن هوية الطارق سمعت صوت طفل صغير ففتحت على الفور قال الطفل:
-جدو بيقولك تعالي تحت شويه
-حاضر يا حبيبي جايه حالًا
قلبت بصرها في حيرة بالطبع يريدها لتجلس مع جاسر!! كيف وهي لم تخبر أختها به حتى الآن تنهدت بعمق تحاول تهدئة داخلها وقالت بخفوت: يارب يا أحمد تيجي بسرعه
********
استغفر الله وأتوب إليه 🌹
ابتسم أحمد وترك هاتفه وهو يتخيل هيئتها الأن هل ستبكي فرحًا؟ أم ستنهض واقفة وتقفز متهللة بسعادة! تمنى لو كان أمامها ليرى رد فعلها بنفسه، تنفس بعمق ونظر لإنعكاس صورته بالمرآة في رضًا وهو يرتدي قميصه الأبيض وبنطاله الأزرق، خرج من غرفته فوجد والدته تجلس مقابل أبيه ويتجلى الإمتعاض على صفحة وجهها فعلى ما يبدو أن أبيه يحاول إقناعها..
“ما إنت مكنتيش موافقه على آصف وبعدين لما عرفتيه حبيتيه”
قالها والده بنبرة هادئة وهو يمسك يد زوجته المتبرمة فقالت بضيق:
” إيه علاقة آصف دلوقتي! أحمد لسه صغير على الجواز أنا مش عارفه إنت إزاي موافق!!!”
تدخل أحمد في الحوار وانحنى أمام والدته قائلًا بمرح:
“إيه يا أم أحمد مش عايزه تفرحي بيا ولا إيه ولا إنتِ عاوزاني أستنى لما يبقا عندي ٣٠ سنه زي ابنك المعقد ده”
والدته: “على الأقل يا أحمد لما تخلص كليه ويبقا لك مصدر دخل”
قبل أحمد يد والدته وقال بابتسامة:
-“من الناحيه دي اطمني عشان ابنك بفضل الله ختم القرآن وخد الإيجازه وهشتغل في دار تحفيظ القرآن من العصر للمغرب… ومن الصبح للعصر هفتح المحل إلي تحت البيت ورشة ألمونتال إنتِ ناسيه إن ابنك صنايعي قديم ولا ايه!”
قال جملته الأخيرة ضاحكًا يطالعها برجاء محاولًا استجلاب رضاها، أما هي فتحب أولادها الرجال وتدللهم خلاف هبه التي تعاملها ببعض الحدة، حدقت به لبرهة تفكر بكلامه وأحذت قرارها ستتركه يفعل ما يشاء، يخوض التجربة يخطئ ويتعلم والحمد لله قد أُحل الطلاق فإذا لم يتفاهم معها سيتركها وحينها ستزوجه كيفما تشاء، والحق يقال فالفتاة جميلة لتتركه يتسلى هكذا أقنعت حالها فانفرجت شفتاها ببسمة واسعة وقالت:
-ماشي يا أحمد اعمل إلي إنت عايزه
نهض أحمد واقفًا وأخذ نفسًا عميقًا زافره بارتياح وكذالك والده الذي أسند ظهره للخلف متنفسًا بارتياح، فقال أحمد:
“طيب ملبستوش ليه هو أنا هروح لوحدي؟!”
حمل والده ريمود التلفاز ليفتحه وهو يقول:
-أيوه روح لوحدك المره وأخوك معاك والمره الجايه نبقا نروح معاك
ابتسم أحمد وانحنى ليقبل يد والدته مرة أخرى ثم يد والده ووقف أمامهما قائلًا بابتسامة:
-ادعولي بقا
عقب والده بحنو:
-ربنا يرزقك بالخير يا حبيبي
وابتسمت والدته بحب وهي تراه يخرج من البيت وتنهدت بعمق قائلة: ربنا يفرح قلبك يا أحمد إنت وأخوك مش مهم عندي أي حاجه غير سعادتهم
غمز الوالد لها وقال مداعبًا:
-أحبك وإنتِ عاقله كده يا عسل
أردف وهو يبدل نظره التلفاز:
-إنما أنا عايز أعرف إيه سر التغير المفاجئ إلي أنا ملاحظه مع آصف
ابتسمت قائلة: والله يا أبو محمود إنت مش غريب هحكيلك… في يوم يا سيدي في رمضان كنت قاعده في أمان الله لقيت الباب بيخبط فتحت لقيت آصف
“فلاش باك بمعنى رجوع للماضي”
فتحت الباب وتفاجئت بآصف الذي ألقى السلام عليها بابتسامة عذبة ودخل للبيت، كانت مندهشة من حضوره لحاله، جلست مقابله وقالت:
-كنت عايزه أقولك تشرب ايه بس احنا صايمن زي ما انت عارف
-أنا مش جاي أشرب يا أمي أنا عايز أتكلم معاكِ شويه
-أ… اتفضل
ارتكز بمرفقيه على فخذيه مائلًا بجزعه العلوي نحوها وقال:
-بصي يا أمي أنا مليش حد يعني زي ما بيقولوا مقطوع من شجره أنا أصغر إخواتي وكل واحد فيهم مسافر بلد شكل يمكن مشوفناش بعض بقالنا أكتر من عشر سنين
تنهد بأسى وأردف:
-مليش غير هبه وچوري وإنتوا عيلتي الحقيقيه حضرتك أمي وعمي في مقام أبويا ومحمود وأحمد ربنا يعلم معزتهم وهما زي أخواتي بالظبط
-ربنا يديك المحبه يا بني
-يارب… المهم أنا كنت جاي أفضفض معاكِ يا أمي
-خير هبه زعلتك في حاجه؟!
تنهد بعمق وقال بمكر:
-لا أبدًا بس لما رجعنا من عندكم قومت بالليل لقيتها بتعيط لوحدها قولت يمكن حكيتلك ولا حاجه!
تنحنحت بحرج فهي قد صفعتها كفًا فلم تشك بأنها تبكي أثر ذلك! رددت بخفوت وتوتر:
-كانت بتعيط لوحدها ليه!
-مش عارف بقا يمكن حد ضايقها تاني وخايفه تقولي أصلها كتومه قوي
قال أخر جملة وهو يرفع حاجبيه عاقدًا جبهته بخبث ومردفًا:
-يعني لما اتهـ جم عليها ستات في الشقه وضـ ربوها رفضت تقولك أنتِ وعمي عشان متخوفكمش مع انها كانت بتمـ وت… وكمان لما اتهجـ م عليها الراجل ده في الشارع عشان يضـ ربها بالسكـ ينه برده مردتش تخوفكم!! بس اوعي تقوليلها يا أمي إن أنا قولتلك أصل تزعل مني!
أنهى كلامه وهو يُطالع صفحة وجهها ويخفي ابتسامته الماكرة، فقد أصاب هدفه ورمى سهمه بمنتصف الجبهة.
ضـ ربت صدرها وقالت بلوعة: يا حبيبتي يا بنتي! يا قلب أمك!
فحتى وإن كانت جافية تقسو عليها وتفرق في المعاملة بينها وبين أخواتها إلا أنها أمها وهي ابنتها فلذة كبدها لا تتخيل فقدانها مهما حدث حتى وإن كانت تدعو عليها فمن وراء قلبها هي دعوات يرددها لسانها فحسب! كادت أن تبكي فلو كانت علاقتها بابنتها كأي أم وابنتها كانت ستحكي لها هبه ما يؤرقها ويتعبها لكنها قاسة ولابد أن تتغير لن تظل هكذا لابد أن تعتذر لابنتها وتحاول استدراجها لتعود لأحضانها، نهضت واقفة وقالت:
-طيب هي هبه فين أنا عايزه أشوفها خدني ليها
“عودة للحاضر”
-من يومها بقا والواد ده بقا واحد من عيالي
الأب بخوف وقلق:
-بس إنتِ كده قلقتيني على البت دي
ربتت الزوجه على فخذه وقالت:
-متقلقش بنتك متجوزه راجل هو طمني وقالي أنهم عملوا بلاغ ومحمود كمان عارف بالموضوع بس انت متقولش لهبه انت كمان!
أومأ الأب برأسه محدقًا بالفراغ وقائلًا بشرود: ماشي… ماشي
سبحان الله وبحمده 🌹
__________________________
في المطعم كان يوسف يتحدث عبر هاتفه ويقف على مقربة من فرح التي تجلس مقابل فؤاد الذي يحمل چوري على فخذيه ويتحدث معها مداعبًا خدودها بأنامله، نظر فؤاد لفرح الصامته التي تعبث بالكاميرا الخاصة بها وسألها بابتسامة:
-ايه يا ست فرح لسه مفتكرتيش الراجل ده؟
رفعت فرح رأسها ترمق فؤاد سريعًا ثم التفتت جهة اليمين تُطالع يوسف لبرهة وعادت تنظر للكاميرا وهي تقول:
-والله يا فؤش لسه مش فاكره غير إنه كان دكتوري في الجامعه!
نظر فؤاد نحو يوسف وابتسم قائلًا:
-يوسف شخص محترم جدًا يا فرح راجل بجد يُعتمد عليه… اوعي تزعليه يا بت دا بقى صاحبي
قال جملته الأخيرة رافعًا سبابته بوجهها بمرح وكأنه يحذرها، فابتسمت وقالت:
-متقلقش مش هزعله…
كانت جوري تنظر نحو الكاميرا مبتسمة وقالت بطفولية:
-فرح صوريني مع خالو فؤاد
اتسعت ابتسامة فرح ورفعت الكاميرا وهي تقول:
-من عيوني يلا يا نوتيلا
قبلت چوري فؤاد من خده والتقطت فرح الصورة ثم نظرت في الكاميرا قائلة:
-حلوه قوي…
قهقهت فرح ضاحكة وأردفت:
– بس كده وسام هتغير لما تشوف الصوره دي يا فؤش
عقب فؤاد من بين ضحكاته:
-لا يا فرح دا إنتِ أختي حبيبتي استري عليا يستر عليكِ ربنا
تعالت ضحكاتهما حتى لفتت نظر يوسف، فأغلق عينيه بضجر وهو يُطالعهما فقد نشبت الغيرة بقلبه حتى كادت تأكله أكلًا، أغلق المكالمة على الفور واتجه نحوهما وهو يرمق فؤاد بنظرات ساخطة حادة حتى شعر فؤاد بما حدث فتنحنح قائلًا بخفوت:
-صلاة النبي أحسن دا هيحـ رقني بنظراته
التفتت فرح محل ما ينظر فؤاد لترى يوسف الذي جلس جوارها بوجه مكفهر ونظر لفؤاد قائلًا بنبرة حادة:
-فيه إيه يا فؤاد صوتكم عالي؟!
ابتسم فؤاد مبررًا:
-استهدى بالله دي فرح أختي الصغيرة يا عم والله
يوسف باقتضاب:
-ميصحش كده الناس خدت بالها!
نهض فؤاد واقفًا وربت على كتف يوسف قائلًا:
-عندك حق أنا آسف والله…
تلعثم فؤاد وانسحب من المكان وهو يمسك يد جوري مردفًا:
-ألـ… الجماعه وصلوا بره هروح أشوفهم يلا يا چوري
نظرت فرح ليوسف وقالت بامتعاض:
-ليه كده أحرجته!! إحنا كنا بنتكلم عادي والله
رفع يوسف احدى حاجبيه ورماها بنظرات حادة قائلًا باقتضاب:
-دا أنا حسابي معاكِ بعدين ازاي تضحكي معاه كده!
أثار غضبها كادت أن تجادل أكثر هي تدرك أنها مخطئة فقد زادت ضحكاتهما عن حدها، لكنها تريد أن تظفر عليه لا تريده أن يتحكم بها!!!
-إنت…
قطعت كلامها حين حضر لمخيلتها شبح ذكريات لهما معًا وهو يضمها وأحيانًا نازقًا منها وأخرى مبتسمًا شعرت بدوار رأسها فمالت بجزعها العلوي للإمام وعقدت ذراعها على الطاولة واضعة رأسها عليها، ربت يوسف على ظهرها وقال بقلق:
-فرح إنتِ كويسه؟!
قالت بخفوت دون أن ترفع رأسها:
-دايخه… ساعات بيجيلي دوخه كده!
حاوط ظهرها بيديه وقال بحنو:
-معلش يا حبيبتي دا أكيد من الحمل
لم تسمع سوى صدى صوته حين جذبهتها ذاكرتها لتذكر مشهد واحد لهما حين ضمت وجهه بين كفيها قائلة له:
“بحبك يا يوسف”
أغلقت جفونها حتى استقر توازنها وعادت تستند بظهرها للخلف ثم نظرت ليوسف بابتسامة وقالت بفرحة:
-يوسف أنا بدأت أفتكرك
قبض على يدها قائلًا بابتسامة: أهم حاجه الدوخه إلي عندك عملت ايه؟
-الحمد لله خفت متقلقش
ظلا يُطالعان بعضهما بابتسامة حتى قاطعها دخول البقية وإلقاء السلامات…
_______________
وتحت المظلة بالحديقة جلست سديل مقابل الجد الذي يجلس بمجازاته من جهة اليمين جاسر ومن اليسار والدته، كانت سديل تنظر أرضًا وتفرك يدها بتوتر بالغ، بدل الجد نظره بينهم وقال:
-إلي يلاقي زوجة صالحة في الزمن ده بيمسك فيها بإيده وسنانه يا بنتي وإحنا مش هنلاقي زيك… وأنا عاوزك تقعدي مع جاسر وتتكلمي معاه شويه قبل ما تاخدي أي قرار
ابتلعت ريقها بتوتر، هي تريد الرفض لكن ما بال لسانها قد تلجم فجأة!!
تنحنح جاسر وقال برتابة:
-وياريت ترفعي النقاب دي رؤية شرعيه يا أنسة سديل يعني من حقي أشوفك
آحمق هو نقاب هل يريدها إزاحته عن وجهها؟ أثارتها كلماته فاستجمعت شتات نفسها وقالت بقـ وة:
-أنا آسفه مش هينفع… أنا اتقدملي عريس قبل حضرتك و…
قاطعتها والدته التي اتسعت حدقتيها بصدمة:
-يا حبيبتي الي اتقدملك ارفضيه هو إنتِ هتلاقي أحسن من جاسر!
عقب الجد:
-مين العريس إلي اتقدملك يا بنتي؟
كيف سترد الآن، هل تقول أحمد؟ أم تقول آسر! ران عليها الصمت تفكر وتفكر لينتشلها من أفكارها دخول أحمد وإلقاءه السلام ثم جلوسه جوارها على الأريكة تاركًا مسافة بينهما مما ضاعف ارتباكها، نظر جاسر لأحمد وقال بإعجاب:
-أنا عارفك على فكره.. إنت منشد صح؟
-صح…
مال جاسر بجزعه للأمام مرتكزًا بمرفقيه على فخذيه وتخطى جده ليُطالع والدته قائلًا:
-ماما فاكره المنشد إلي كان بيقول سبيل الدموع وإنتِ حبيتِ صوته هو ده
ابتسم أحمد وأخذ يلمس لحيته بارتباك حين ركزت عليه العيون وقالت والدة جاسر:
-ما شاء الله صوتك جميل جدًا إن شاء الله ليك مستقبل والله لو ليا بنت في سنك كنت طلبت إيدك إنت كمان
ضحك أحمد بخفوت وقال باحترام:
-شكرًا لحضرتك دا أنا يكون ليا الشرف
أخذ أحمد يبدل نظراته بينهم يحاول فهم ما يجري حتى أشار الجد نحو جاسر وقال:
-على العموم يا سديل فكري وجاسر لسه قاعد هنا يومين كمان
الآن قد فهم أحمد، جاسر إذًا!!! احتدت نظراته نحو جاسر الذي قال بابتسامة عذبة:
-فكري براحتك يا أنسه سديل أنا أصلًا مش مستعجل
تنحنح أحمد وهز عنقه متسائلًا:
-احم… نعم!… هو… عاوزينها تفكر في ايه؟
أشار الجد نحو جاسر وهو يقول:
-جاسر يا سيدي متقدم لسديل بس هي بتقول متقدملها عريس تاني!
صك أحمد أسنانه بغيظ، واومأ أحمد رأسه قائلًا بابتسامة صفراء:
– اه فعلًا سديل متقدملها عريس
ثم أشار لنفسه وقال باقتضاب: والعريس ده يبقا أنا
حدث به جاسر للحظة ثم نهض واقفًا ونظر لأحمد شزرًا وقال بملامح ممتعضة:
-مبروك ربنا يسعدكم
غادر جاسر وتبعته والدته التي ترمي أحمد بنظرات غاضبة، ووقف الجد هو الأخر وربت على كتف أحمد قائلًا بحنو:
-ربنا يسعدكم يا حبايب
ثم انصرف هو الأخر، فتنحنح أحمد ونظر لسديل قائلًا:
-واضح إنهم بقوا بيمـ وتوا فيا…
ضحك بخفوت وأردف:
-أصل يا سديل محبة الناس دي كنز لا تُقدر بثمن
حاولت كتم ضحكاتها لكنه شعر بابتسامتها، ران بينهما الصمت باتت لا تشعر بأوصالها تريد أن تنهض وتترك المكان ولكن لنقل أنها التصقت بالمقعد، حمل أحمد هاتفه طالبًا رقم أخيه الذي أخبره بأنه قادم بعد قليل، نظر أحمد لسديل المرتبكة، ثم التفت حوله فلم يجد أحد من أفراد العائلة، لا يريد أن يختلي بها لا يديد أن يغضب ربه فيكفي ما فعله، سيراعي الله فيها حتى تكون حلاله قال بمشاكسة:
-بقولك إيه قومي اعمليلي شاي أو شربات كده من ايدك على ما محمود ورحيل يجوا
نهضت واقفة دون أن تنبس ببنت شفه وسارت بحياء لتدلف للبيت ومنه إلى شقتها رفعت نقابها وحدثت نفسها قائلة بارتباك:
-طيب والله ما أنا نزلالك دلوقتي إلا لما رحيل تيجي
هاتفت رحيل وأخذت تحكي لها في عجالة ما يحدث وما حدث معها، ليأتيها صوت أختها بضيق زائف:
“ولسه فاكره تقوليلي!!! دائمًا تحبي تلعبي في الوقت البدل ضايع يا دودو”
تلعثمت سديل قائلة:
“أنا محبتش أشغلك وكنت هرفض أصلًا”
رحيل: “مش فاهمه يعني ناويه ترفضي أحمد!!”
صمتت سديل بإحراج، فأتاها صوت رحيل الضاحك:
“فهمت يعني قصدك كنتِ هترفضي جاسر وآسر بس لما أحمد اتقدم غيرتِ رأيك”
تنفست رحيل بعمق وأردفت بابتسامة: “على العموم أنا جايه دلوقتي يا عروسه”
أغلقت سديل الهاتف وألقته جانبًا وجسدها يشع بالحرارة من شدة الحياء والخجل، حملت هاتفها مجددًا لتخبر رضوى بكل شيء علها تهدأ وتستعيد رابطة جأشها.
_____________________
وفي المطعم ران عليهم الصمت تبدلت ضحكات البنات إلي توتر وارتباك بعد أن عرض عليهن محمود صورة الشاب الذي أطلق النـ ار على وسام، فقد فرغ الكاميرات بجميع المحلات المجاورة لمكان الحادث والتقط له صور عدة، وها قد تأكدوا بأن هبه هي المقصودة حين تعرفت على صورته، غهو بذاته الشخص الذي تهـ جم عليها! إنه لمجنون هل وصل الأمر بأن يفعل ذلك!! حاول محمود طمئنتها بأنه أوشك أن يصل لهذا الرجل لكنها خائفة قلقة، كانوا يتحاورون لكنها في عالم موازي تنظر لـ آصف فإذا مـ اتت الآن هل ستُحاسب على ما تفعله بزوجها حتمًا ستُحاسب، نهضت واقفة واستأذنت لتذهب للمرحاض وطلبت من وسام مرافقتها.
وفي المرحاض قالت هبه باقتضاب:
-وسام… هطلب منك طلب بس متسألينيش سببه
أومأت وسام رأسها ونظرت لها باستفهام فأردفت هبه بارتباك وتلعثم:
-ممكن تاخدي چوري معاكِ الليله… يعني عاوزاكِ تمسكي فيها جامد و… أنا هقولك لأ بس إنتِ متسكتيش إلا لما تاخديها
غمزت وسام مبتسمة بخبث وقالت:
-فهمتك عايزه تعملي ليله رومانسيه وحركات
لاح شبح ابتسامة على وجه هبه وأومأت رأسها بعدم حمـ اس قائلة:
-بالظبط كده… ها اتفقنا؟
-اتفقنا
فعلت وسام كمان طلبت هبه، وأصرت كامل الإصرار أن تأخذ چوري تلك التي رحبت بالفكرة حين أقنعتها وسام وعرضت عليها صور الألعاب والمرجيحة بالحديقة.
غمزت لها وسام بخبث وهي تغادر قاطعة الطريق جوار فؤاد وتتوسطهم چوري قابضة على أيدهما، فابتسمت هبه ابتسامة واهية وكادت أن تقطع الطريق هي الأخرى مبتسمة فستركب هي وزوجها مع فؤاد لأن محمود سيعود مع رحيل للبيت لأمر هام هكذا قال قبل دقائق! انشغل آصف بالكلام مع محمود فقام ذلك الرجل بتشغيل سيارتة النصف نقل وبسرعة بالغة اتجه نحو هبه، وهنا انتبه محمود وصاح:
“حاسبي يا هبه”
اتسعت حدقتيها بصدمة وهي تنظر للسيارة التي تُقبل نحوها وقبل أن تُحرك ساكنًا وبسرعة البرق ضمها آصف جاذبًا إياها بعيد عن السيارة ليقع الإثنان على الجانب الأخر للطريق، وفرت السيارة مسرعة، وقف محمود يُطالع السيارة الهاربة ويتفرس أركانها جيدًا، ثم ركض ليطمئن على أخته وزوجه.
وبعد أن اطمئن الجميع على هبه المشدوهة التي لا تعلم ماذا جرى وماذا حدث قبل قليل؟! لكنها مازالت على قيد الحياة، صرف محمود الجميع وهو ينظر حوله بتوجس قائلًا:
-يلا يا جماعه كل واحد على بيته مش عاوزين نقف في الشارع كده كتير!
أما عن فرح ويوسف فقد ركبا مع محمود ورحيل، وآصف وهبه مع وسام وفؤاد، جلس آصف جوارها بالمقعد الخلفي، ظلت صامتة لدقائق وفؤاد يُطالعها بالمرآة ووسام تنظر لها كل فترة وآصف لم يُخفض بصره عنها، وفجأة ارتفع صوت نحيبها وتعالت شهقاتها فضمها آصف بقـ وة يحاول تهدئتها، حتى استطاعت تمالك أعصابها ظل آصف قابضًا على يدها حتى وصلا للبيت ارتجلا من السيارة وقبض على يدها مجددًا، ثم نظر لچوري النائمة على فخذ وسام وقال:
-هتخلوا بالكم منها ولا أخدها معايا؟
عقب فؤاد وهو يُطالع ملامح هبه المصدومة الوجلة قائلًا:
-متقلقش يا آصف خلي بالك إنت من هبه… خليها تلعب مع الولاد هناك بالألعاب وتغير جو شويه
رمق آصف هبه ثم نظر نحوهم وأومأ راسه بالموافقة قبل أن يغادروا…
استغفروا🌹
_________________________
وتحت المظلة جلس نوح ومريم مع أحمد يتبادلون النكات وأطراف الحديث وبعد قليل اجتمعت العائلة عدا وهيبه وجاسر ووالدته، وصل رحيل ومحمود وتقدم أحمد رسمي لسديل أمام الجميع فقالت رحيل:
-ماشي بس أنا بقول نأجل كل حاجه لبعد الامتحانات إنت عارف سديل في تالته ثانوي
اومأ أحمد رأسه موافقًا وقال:
-ايوه أنا بقول كده برده
نهض أحمد واقفًا وأخرج من جيبه علبة صغيره ثم فتحها ووقف مقابل سديل قائلًا بابتسامة:
-ولحد ما الامتحانات تخلص وتوافقي عشان مفيش مجال للرفض دي دبله صيني… وبعد الامتحانات نجيب الذهب ان شاء الله
ارتبكت سديل ونظرت نحو أختها فابتسمت رحيل وعقدت جبينها بمكر، فأخذت سديل الدبله، تنحنح أحمد قائلًا:
-البسيها لو سمحتِ يا سديل
رفعت سديل كم عبائتها الطويل ووضعتها بإصبع يدها اليسرى فقالت مريم بضحك:
-اليمين يا حبيبتي الشمال يعني متجوزه
عقب أحمد بخفوت وبابتسامة:
-إن شاء الله أنا إلي هلبسهالك في الشمال وفي أقرب وقت
ابتسمت سديل أسفل نقابها ووضعتها في إصبع يدها اليمنى، وأخرج أحمد خاتم من جيبه ووضعه بإصبع يده ثم نظر للجميع وقال بمرح:
-ما تسمعونا زغروده يا جماعه ولا أزغرد أنا ولا إيه!
وقبل أن تفعل فرح وضع يوسف سبابته على فمه وقال بضحك:
-بلاش إنتِ يا فروحه أنا عايز أنام اللية
طالعته فرح بتعجب ولم تعقب وارتفعت الزغاريد من حولهم، وفجأة أقبلت وهيبة نحوهم بيدها منديل الجد القماشي تحركه يمينًا ويسارًا بخُيلاء وترتدي نظارة نوح السوداء تسير كالعمشه تتحسس الظلام أمامها حتى وقفت أمامهم وبيدها الأخرى مطرقة حديدية، تنحنحت بزهو أعطت چيهان المطرقة قائلة:
-قومي امسكيلي الميكرڤون ده عشان هغني الجمهور مستني
انفـ جر الجميع بالضحك، ونظر الجد لشاهيناز قائلًا:
-هو أنا مش منبه عليكم متفتحوش التلفزيون قدامها
شاهيناز بضجر:
-والله يا عمي ما بنفتحه معرفش إيه إلي حصلها تاني
تذكر الجد أنه كان يشاهد حفل أم كلثوم قبل قليل فحتمًا قد رأته فقال بقلة حيله:
-قوم يا نوح اقفل البوابه مش عارفين ستك ناويه على ايه؟!
وقبل أن يغلق نوح البوابه وصل وسام وفؤاد أدخل فؤاد چوري للفراش وعاد مسرعًا ليشاهد العرض، فوجد وهيبه مازالت واقفة والجميع يُطالعها منتظرين أن تتحدث بأي شيء، كانت تُحرك منديلها فقط وتهز رأسها يمينًا ويسارًا وكأنها تستمع لموسيقى ما وجيهان تقف جوارها ممسكة بالمطرقة أمام فمها، وتتثائب وكلما أنزلت يدها نظرت لها وهيبة بحدة فعادت ترفعها مجددًا.
قال الجد بنزق:
-ما تخلصينا يا ست أم كلثوم قولي الي عندك خلينا نقوم ننام
اومأت رأسها وهمست لچيهان بشيءٍ بأذنها وبدأت تغني بهدوء:
-الي شوفته
نظرت لچيهان فهتفت بضحك:
– تن تن تن
وهيبه:
-الي شوفته
عقب الجميع:
– تن تن تن
أغلقت وهيبه جفونها وغنت بتأثر بدأ بنبرة صوتها:
– قبل ما تشوفك عنيا عمري ضاع وحسبوه الناس عليا
مصمصت بشفتيها وكادت تبكي، والجميع منغمس بالضحك، قاطعت ضحكاتهم حين فتحت فمها بقـ وة ونظرت للأعلى رافعة كلتا يديها وصارخة:
-إنت عمـــــــــــري
ركضت شاهيناز ووضعت يدها على فم وهيبة وهي تقول:
-كفايه يا حجه… كفايه صوات أبوس ايدك
تجهم وجه وهيبه وقالت بجدية:
-طبعًا غيرانه يا صفره يا حقوده عشان صوتي أحسن من صوتك
ارتفعت الضحكات وقاطعهم نهوض محمود واقفًا وقال:
-طيب يا جماعه نسيبكم مع الست ام كلثوم ونتوكل احنا على الله… يلا يا أحمد
غادر محمود برفقة أحمد وهرولت رحيل خلفه لتستله بتلعثم:
-محمود هو… هو عمو وطنط عندهم خبر بالي أحمد عمله
-أيوه طبعًا متقلقيش يا حبيبتي
ابتسم لها ومد يده ليصافحها قبل أن يغادر فمدت يدها له بارتباك فلأول مرة تصافحه بعد كتب كتابهما! ركب محمود جوار أخيه وهو يُطالعها بحب حتى انطلق أحمد بالسيارة..
__________________________
ارتفعت رنات هاتف وسام برقم والدها، فنفخت بحنق وابتعدت عن تجمع العائلة لتج١يبه ليأتيها صوته:
وحيد:”إيه إلي إنتِ عملتيه ده يا بومه”
وسام بضجر: “عملت ايه يا بابا”
وحيد: “كاتبه كومنت على الفيس أن إنتِ عمرك ما حسيتِ بحنان الأب وكلام فارغ الكومنت طلع ترند يا هانم”
ارتفع صوت وسام وهتفت بحدة وحسرة: “أنا كتبت إلي جوايا يا بابا أيوه انا طول عمري يتيمة الأب والأم إنت عمرك طبطبت عليا أصلًا عمرك حضنتني… أنا عمري ما حسيت بوجودك”
وحيد بغضب وحده:
“تصدقي أنا غلطان إني بعاتبك… أنا بقا مليش بنات واعتبرتك مـ وتي يا وسام”
أغلق الهاتف بوجهها فالتفتت وسام للخلف ونظرت لتجمع العائلة ثم أطلقت خطاها نحو شقتها لتُكمل بكاء دون أن يراها أحد، وحين لاحظ فؤاد هرول بخطوات أشبه للركض ليلحق بها…
دخلت للغرفة تلهث وازداد نحيبها حملت الوسادة وقذفتها أرضًا بغضب وفي أذنها يتردد صوت والدها” اعتبرتك مـ وتتي يا وسام”
تذكرت كامل مواقفها البشعة من بداية أخذه لها عنـ وة من بيت خالتها إلى احتـ راقها وأخيرًا أصبحت مريضة نفسية، سالت د**ماء أنفها فلمستها وتركتها تهطل دون إن تتدخل فقط كانت تمسحها بأكمام فستانها.
من ناحية أخرى بحث عنها فؤاد حتى وجدها قابعة في ركن بالغرفة توليه ظهرها أقبل إليها وحين نظر لوجهها انحنى بسرعة هاتفًا بلهفة:
-ايه يا بابا حصل ايه؟
أخرج المناديل من جيبه وقال:
-اهدي يا حبيبتي… اهدي خلاص
كانت تنحب بصوت مرتفع فضمها وقال:
-لأ لا يا وسام حصل ايه بس!!… لا حول ولا قوة الا بالله
أردف بحزم: لا إجنا مش هنسكت أكتر من كده لازم تروحي للدكتور من بكره… مش هسيبك كده…
ظل يهدئها ويطمئنها أنه بجانبها حتى هدأت تمامًا…
_________________
وقفت هبه أمام خزانة ملابسها وأخرجت منامة خفيفة باللون الأصفر ثم ارتدت عليها سترة خفيفة من نفس اللون لتخفي ذراعيها، خرجت من الغرفة مرتبكة ومن الأساس هي في حالة يرثى عليها مما حدث قبل ساعة تنهدت بعمق وطرقت باب غرفته عدة مرات حتى سمعت صوته:
-ادخلي يا هبه
فتحت الباب ببطئ وعندما وجدته يجلس على الفراش كاشفًا جزعه العلوي استدارت للإتجاه الأخر متحاشية النظر إليه في حياء وقالت بتلعثم:
-بتقولي أدخل ليه لما إنت خالع كده!!!
تأوه ممسكًا كتفه وقال بأنين مكتوم:
-كتفي واجعني قوي يا هبه والوجع بيزيد
استدارت في سرعة وأقبلت نحوه متناسية حيائها وأخذت تتفحص كتفه وذراعه بلهفة وقلق وقالت:
-على فكره دي كدمه بس متقلقش هجيبلك دهان هيريحك
خرجت من الغرفة متعجله ثم جلست خلفه تدهن له كتفه وقالت:
-متقلقش هترتاح دلوقتي
نهض ليرتدي قميصه وهو يقول بابتسامة:
-شكرًا يا هبه
رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها ولم تعقب وظلت واقفة بمكانها تبتلع ريقها بتوتر حتى انتهى واستلقى على الفراش وهو يردد بابتسامة:
-تصبحي على خير
-وإنت من أهله
ولاها ظهره لينام على جانبه، واستلقت هي جواره على ظهرها كانت متوترة مرتبكة استدارت على جانبها الأيسر لتوليه ظهرها هي الأخرى تنفست بعمق وزفرت بقـ وة فلمَ ابتعد عنها هكذا ألم يكن يضمها دائمًا!! لكنها دائمًا ما كانت تدفعه وتعنـ فه لكنها تنظره اليوم ولكنه ابتعد! أما هو فكان يفتح جفونه يفكر فيما حدث لا يتخيل مجرد تخيل أن يفقدها فقد أحبها وأدمن وجودها بحياته، لم يضمها ولم يقترب منها لأنه لا يُرد ازعاجها يكفيها ما حدث اليوم لا يريد أن يضغط عليها هو الأخر!
وهي لا تعلم هل أحبته أم لأ؟! لكنها لن تتركه مهما حدث ستُكمل حياتها جواره تحت أي ظرف، إن أراد أن يستمر زواجهما بصورة طبيعية فلن تمنعه حقه، وإن كان قد سئم من المحاولات معها وابتعد فلمَ لا تقترب هي! أخذت قرارها استدارت مستلقية على ظهرها لوهلة ثم على جانبها الأيمن ومدت يدها نحوه بتردد بالغ وقبل أن تلمسه أعادتها قابضة أناملها وواضعة إياها على فمها ثم عادت ومدت يدها مرة أخرى وحاوطت ظهره، ابتسم آصف بعذوبة وقبض على يدها لوهلة ثم استدار لها ليضمها مقبلًا رأسها بحنو فقد ظنها خائفة مما حدث اليوم ولم يفهم أنها تتقرب منه فقال بحنو:
-نامي يا حبيبتي متقلقيش من حاجه أبدًا طول ما أنت جنبك
لامست كلماته قلبها وأخذت تبكي وظل يُهدئها ويرتل آيات من القرآن حتى هدأت كُليًا حاولت أن تعبر له عن حبها لكن تلك الكلمة ثقيلة ولا تستطيع التفوه بها، فدائمّا ما يسيطر عليها خوفها ويتلجم لسانها عن النطق، ظلت تفكر حتى جذبها النوم العميق وهي مستكينة بين ذراعيه.
ردد👇
استغفر الله العظيم الذي لا اله الا هو الحي القيوم وأتوب إليه 🌹
___________________
مرت الأيام بروتينية وسام ذهبت للدكتور النفسي مع فؤاد وهبه تحاول جاهدة أن تتقرب من آصف.
بدأت الإمتحانات وانشغلوا بالمزاكرة ولكن فرح انشغلت بشيء أخر….
*******
“لم يكن الأمر صعبًا لكنني سئمت! ونفدت قدرتي على المثابرة! زُهقت طاقتي وفي النهاية ها أنا استسلم لأوهامي وأسقط بقـ وةٍ لأرتطم بقاع بحر اليأس”
وقفت فرح في مكتبة الكليه تبحث عن كتابٍ ما، فوقف أسامه جوارها وأخذ يُطالعها بابتسامة عريضة وخبيثة، نفخت بحنق فكيف تُصدق ما قاله لها هذا المعتوه! أيُعقل أنها كانت تخون زوجها معه وهي الآن حامل منه هو وليس من زوجها؟! كيف أحبت هذا الأحمق!! كيف فعلت!! إنه لسمج لزج حقًا لا يُطاق، لكنه يقول بأنه يمتلك صورًا وأدلة عده على كلامه وإن لم تنصاع لما يبغي سيخبر زوجها بل سينشر صورها بكل مكان ويفضـ حها، هي لم تكن لتصدقه بكل تأكيد لولا أن أرسل لها صورة وهي مبتسمة متهللة لاصقة خده بخدها.
“فكرتِ يا قمر؟!”
قالها أسامه بمكر، فعقبت فرح بتلعثم:
-سيبني يومين كمان!
أطلق ضحكة كالزفرة وقال:
-يومين!! إحنا دخلنا في شهر وكل يوم تقوليلي سيبني يومين
فهي تُحاول جاهدة أن تطيل المدة علها تذكر أي شيء لا تعلم لمَ طالت مدة فقدانها للذاكرة بتلك الطريقه!! برقتا عيناها بالدموع وطالعته بانكسار قائلة بنبرة راجية ومتلعثمة:
-أ… أرجوك أنا تعبانه والله سيبني فتره يمكن أفتكرك
أطلق ضحكة ساخرة وقال:
-وأنا مستنيكِ النهارده في العنوان الي هبعتهولك على الواتس وإلا… إنتِ عارفه أنا ممكن أعمل ايه!!
تركها وانصرف وهو يضع نظارته الشمسية مبتسمًا بخبث، نظر أحمد نحو أسانة الذي حمل هاتفه ليتحدث به وهناك ابتسامة خبيثة على شفتيه ثم نظر نحو فرح التي وضعت يدها على فمها لتبكي وهي تكتم شهقاتها، مسح على ذقنه وقال:
-يا ترى بتعمل ايه يا أسامه؟!!
تنفس بعمق وهرول ليلحق بسديل فقد أوشكت أن تخرج من امتحانها، وفي وقت لاحق سيعرف بما يحيكه أسامه!! لن يهدأ حتى يعرف!
أما فرح فسرعان ما تجمد وجهها ومسحت عبراتها الحارقة لتسير نحو مكتب يوسف بملامح جليدية، وما أن رآها يوسف نهض واقفًا وأقبل نحوها مبتسمًا لينصرفا، قطب جبينه وسألها بقلق ولهفة:
-مالك يا حبيبتي؟
هزت رأسها نافية بدون تعقيب، فقال بحمـ اس:
-ماما شاهيناز كلمتني ومُصره إننا نروح نتغدى معاها إيه رأيك؟
أومات فرح رأسها بالموافقة بلامبالاة، كيف استطاعت أن تخون رجل مثل هذا! فلم يكن من شيمتها الخيانة يومًا ماذا حدث لها وكيف ضعفت بتلك الطريقه هي حقًا لا تذكر أي شيء، كانت تسير جواره ترمقه بين حين وأخر وتخفض بصرها مجددًا وإذ فجأة لم تشعر بأوصالها ولم تحملها قدماها من كثرة الأفكار التي تمور بجعبتها فاستسلمت وارتطمت بالأرض غائبة عن الوعي..
__________________________
“وأنا مالي يا أيمن أنا حاولت معاه بكل الطرق وهو إلي راجل صعب مجاش معايا سكه!”
– يبقا تغوري من وشي وتبطلي تنطيلي في كل مكان
-ماسي بس لما أخد باقي حسابي!
-حساب ايه يا مو حساب هو إنتِ عملتِ حاجه أصلًا!
-وصوري إلي كنت ببعتهاله دي ايه ان شاء الله!!
دار الحوار بينهما في شارع جانبي يكاد يخلو من المارة، أخرج أيمن من حاويته ورقة فئة المائة جنيه وقال بضجر:
-امسكي ومشوفش وشك تاني
تفحصت الورقة وقالت بامتعاض:
-مية جنيه ليه! هو أنا بشحت منك؟
قال بنبرة مرتفعة وحادة:
-أومال عايزه كام!!
-أنا مش هقبل أقل من ألفين جنيه
قهقه ضاحكًا باستهزاء ونظر لها من منبت شعرها لأخمص قدميها بتقزز قائلًا:
-دا إنتِ متساويش اتنين جنيه تقولي ألفين حته واحده
رفعت حاجبيها عاقدة جبينها وقالت بتهـ ديد:
-لم لسانك يا أيمن… ولو موصلنيش الألفين جنيه في خلال يومين هروح أحكي للراجل كل حاجه وإنت بقا حر
ضحك أيمن بصخب ثم قال بسخرية:
-أنا مبتهددش يا قطه
أخرج من حاويته ورقة أخرى فئة المائة جنيه وقال:
-متستاهليش أكتر من كده ومشوفش خلقتك الحلوه دي في مكان تاني
لم ينتظر ردها تركها وغادر ووقفت هي تنظر لأثره بتوعد ووعيد حقيقي….
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🌹
______________________
خرجت سديل ما امتحانها الأول ووقفت تبكي فلم تجيب بصورة جيدة وإذ فجأة يقطع طريقها ابن عمها “عامر” الذي تمنى أن يتزوجها فهو يعرفها جيدًا ولو وقفت بين آلاف المنتقبات سيتعرف عليها، ارتجل من التوكتوك ووقف قبالتها وأشار للتوكتوك آمرًا بصرامة لا تقبل النقاش:
“اركبي يا سديل”
اتسعت حدقتيها بصدمة وعادت للخلف بجزع فمد يده يقبض على يده وجذبها قائلًا بحزم:
-ما أنا مش هسيبك تروحي من إيدي زي ما رحيل راحت من ايد أخويا!!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)