روايات

رواية وسام الفؤاد الفصل السادس عشر 16 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الفصل السادس عشر 16 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الجزء السادس عشر

رواية وسام الفؤاد البارت السادس عشر

رواية وسام الفؤاد الحلقة السادسة عشر

لم تستطع صد اللكمات الموجهه لمعدتها والضـ ربات المصوبة لوجهها، إحدهن تحجب حركتها وتكتم صرخها وأنينها والأخرى تضـ. ربها بلا شفقةٍ ولا رحمة، ظلت تُصدر همهمات مكتومه حتى خارت قواتها وتهدل جسدها بيد إحداهن غائبة عن وعيها، لم تتوقف الأخرى عن تسديد اللكمات غير مبالية بحالة هبه، تركت الأخرى جسد هبه ليرتطم بالأخر وهي تهتف بفزع:
-كفايه البت هتمـ. وت في إيدك
لتعقب السيدة بقـ. سوة:
-ما تمـ. وت! الي زي دي يستاهل المـ. وت
ركلت جسد هبه بقدمها ركلاتٍ قاسية، فسحبتها الأخرى وهدرت بها:
-يخربيتك كفايه هتلبسينا مصيبه… كفايه هي كده اتعلمت الأدب خلاص
سحبتها وفتحتا الباب ثم خرجتا يتحسسان الطريق بحذر …
وبعد ما يقرب من النصف ساعه فتحت هبه جفونها وهي تأن بألم، الرؤية مشوشة أمامها لا تستطيع سماع شيء لا تكاد ترى أمامها سوى منظر هاتان السيدتان، كانت تفترش الأرض وتأن من ألمٍ بسائر جسدها وهناك سائل أحمر يهطل من فمها وأنفها بلا توقف، حاولت النهوض مرتكزة على الحائط لكنها شعرت بدوار يلفح رأسها ووقعت مجددًا، قاومت مرة أخرى وتحاملت على نفسها لتقف تريد هاتفها لتتصل على أحد لنجدتها، سرعان ما تذكرت أن هاتفها بحوزته، فأجهشت بالبكاء بقلة حيلة وهي تهوى مجددًا بقلة حيلة، صرخت بأنين وأخذت تزحف على ركبتها لتدخل للمرحاض، فتحت صنبور المياه وخلعت اسدالها بوهنٍ وأخذت تكتم سيلان الد**ماء بطرف إسدالها للحظات، ثم ألقت بكامل جسدها أسفل المياه علها تُسكن آلامه، صرخت بالأنين ثم أغلقت عينيها واستسلمت…..
_______________
ومن جهة أخرى ضـ. رب آصف الطاولة بقبضته بغضب فقد انتابه الشك وتسلل إلى قلبه من ناحيتها فتح هاتفها بكلمة السر التي حفظها من أول مرةٍ وقعت على مسمعه، وبدأ يتفحص محادثاتها ودليل هاتفها بعصبية، لكن لم يلفت نظره أي شيء مريب، كل شيء بدا طبيعي، نهض واقفًا واستقل دراجة نارية تخص المطعم وقبل انطلاقه سأله أحد العمال:
-حضرتك ماشي ولا إيه؟
عقب بجمود:
-لأ ساعه وراجع
قطع الطريق صافلّا يفكر بها، الآن يود معرفة حقيقة طلاقها! أصبح لا يحتمل، سيواجهها ليعرف فلا يعقل أن تكون زوجته التي يقترن اسمها باسمه ولا يعرف عنها أي شيء سوى اسمها ووظيفتها! أي مهزلة هذه؟ صعد درجات السلم بوجه محتقن غاضب، حاول الهدوء فتنفس الصعداء وهو يفتح باب شقته، دخل ووضع مفاتيحه جانبًا، نظر لباب غرفتها المفتوح، واستمع إلى صوت خرير المياه الصادر من المرحاض فنادى:
-دكتوره هبه… يا برتقالي… دكتوره
لم ترد عليه بل لم تسمعه من الأساس، سار ببطئ نحو المرحاض فلفت نظره بقع من الد**ماء تلون أرضية الشقه، وقف أمام باب المرحاض لبرهة، لا يفهم ما يجري، ركض نحوها صائحًا بلهفة:
-هبه فيه إيه؟
اقترب منها يتحسس كدمات وجهها وهو يقول بصدمة:
-إيه إلي عمل فيكِ كده؟!
بدأ يهزها بعـ. نف وهو يتحسس جسدها المرتخي هاتفًا بلوعة:
-يا هبه ردي عليا بالله عليك… بالله عليكِ فتحي عينك وكلميني
لا يعرف كيف يتصرف توقف عقله عن التفكير، أخرج هاتفه في سرعة وطلب رقم صديقه “عاطف” وبعد أن أجابه قال باندفاع:
-الحقني يا عاطف!
_____________________
“إنت نزلت من نظري قوي”
كان فؤاد ممسكًا بمقبض الباب، استدار يطالعها في حسرة وهي تُعدل من شعرها المبعثر وملابسها المتهدلة، كانت تتحدث بجمود دون بكاء.
أغلق عينيه بألم فلم يكن ينوي فعل ذلك هو فقط أراد أن يكشف عن أجزاء جسدها ليخبرها أنه يتقبلها على أي صورة كانت، يريدها ويحبها كما هي! لا يدري كيف ضعف أمامها هكذا وفعل ما فعله! طأطأ رأسه بخجل وتنحنح ليقول بصوت خافت جاهد لإخراجه من حلقه:
-أنا آسف يا وسام آسف
أشاحت وجهها بعيدًا عنه، فأنهي جملته وخرج من الغرفة بأكملها ليفتح باب الشقه الذي يُطرق بعـ. نف مع صيحات باسمه، ليجد نوح الذي هتف بتبرم:
-ايه يا فؤاد ساعه على ما تفتح… مريم تعبانه قوي وعاوزك توصلنا للمستشفى
هتف فؤاد بلهفه:
-مريم! مالها مريم؟
صفع الباب خلف ظهره وخرج، لتخرج هي من غرفتها بحذر لتتأكد أنه غادر، تنهدت بارتياح لانصرافه، أقبلت نحو باب الشقة لتوصده من الداخل ثم هوت على أقرب مقعد تتذكر اللحظات التي مرت عليها قبل قليل، توسلاتها وهلعها واستجدائها كيف تجاهل كل ذاك لينفذ رغبته! فقد ظنته مصدر أمانها الآن أصبح هناك مصدرًا جيدًا لخوفها، مسحت دموعها التي تساقطت على وجنتيها، وتردد في عقلها جملته الأخيرة: “أنا آسف”
كيف تتقبلها! كيف تثق به بعد الآن، كيف سيرأب ذلك الصدع بينهما!
__________________________
وفي عصر اليوم جلست رحيل جوار أختها وهي تقول بتبرم:
-إنتِ واعيه للي بتقوليه يا سديل! الراجل كتر خيره وقف جنبنا وجابلنا مكان نقعد فيه وكمان هيساعدنا في مشكلة بيتنا عاوزاني أروح أقوله شوفلي شغلانه كمان.. ليه معنديش د**م!
-يا رحيل أنا بفكر معاكِ بصوت عالي مقولتلكيش روحي قوليله
زمت رحيل شفتيها وقالت بقلة حيلة:
-مش عارفه هنعمل إيه! الفلوس دي مش هتكفينا يومين كمان!
بللت سديل شفتيها وقالت:
-هتفرج والله وزي ما ربنا كرمنا بالظابط ده في طريقنا قادر يفرجها
أردفت سديل بتسائل:
-هي وسام لسه موبايلها مغلق؟
اومأت رحيل رأسها قائلة:
-أيوه مش عارفه راحت فين والله قلقت عليها!
صدع هاتفها بالرنين فنظرت لشاشته ثم لوجه أختها قائلة:
-رقم مش متسجل!
سديل: طيب ردي بسرعه ممكن يكون الظابط
نظرت رحيل للهاتف هنيهه، كانت مرتبكه، فأشارت لها سديل لتفعل، فتحت الخط ثم مكبر الصوت وازدردت ريقها بتوتر وهي تقول:
-السلام عليكم
لياتيها أخر صوت توقعته:
-عليكو السلام… إنتِ يا بت مش هتبطلي حركاتك دي!
أغلقت سديل عينها بتبرم ونفخت بحنق فما كان ينقصهما غير عمها، هتفت رحيل بتلعثم:
-ح… حركات إيه؟
عقب بسخرية:
-حضرة الظابط إلي جيباه يتوسطلك!
-هُـ….. هو كلمك؟
-كلمني وخد ميعاد يقابلني…
أردف عمها بحدة: اسمعي يا بت إنتِ أنا جبت أخري منك إنتِ وأختك وأعلى ما خيلكم إركبوه… الأراضي كلها باسمي والدار كمان باسمي
عقبت رحيل بنبرة حزينه:
-يعني ده ذنب بابا إنه وثق فيك… حرام عليك هتروح من ربنا فين
عمها بصرامه:
-أنا مش عايز مواعظ أنا مكلمك أقولك كلمتين احترمتوا نفسكم ووافقتوا تتجوزوا عيال عمكم أنا عنيا ليكم غير كده متدخلوش بيتي ولا تبعتولي حد عشان مش هتاخدوا قشايه واحده!
أغلقت جفونها بألم وهي تقول:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك إنت ظالم… ظالم
-خلص الكلام
قال جملته الأخيرة وأغلق الخط، فأجهشت رحيل بالبكاء، ربتت أختها على ظهرها وقالت بتماسك وبحنو:
-متعيطيش يا رحيل… هو قبل على نفسه حق اليتامى… واحنا مش أي يتامى دا إحنا ولايا…
حدقت سديل بالفراغ وقالت بأسى:
– يعني لا قد عمك… ولا عياله.. ولا سالم ومش هينفع ندخل حـ رب نهايتها محسومه وخسارتها من نصيبنا
ضـ. ربت رحيل فخذيها بيديها وقالت بحسرة:
-حسبنا الله ونعم الوكيل… دا مش عمي دا غمي… هنعمل إيه ياربي؟
تنهدت سديل وقالت:
-متخليش الظابط ده يروحله يا رحيل… لأن مفيش فايده منه مش هيدينا حاجه..
نظرت لرحيل وأردفت بحـ. ماس:
-إحنا هنشوف أي شغلانه نعيش منها ونأجر شقه على قدنا ونكمل تعليمنا وأكيد ربنا هيقف معانا إنتِ مش واثقه في ربك ولا إيه؟
مسحت رحيل دموعها وقالت:
-طبعًا كلي ثقه في الله
قامت سديل لترتدي ثيابها وهي تقول:
-أنا هروح ل مي صاحبتي أجيب منها أي كتب أزاكر فيها لحد ما نجيب حاجتنا من عند المدرس ده!
نهضت رحيل قائلة:
-طيب استني أجي معاكي
عقبت سديل:
-يبنتي دي هنا في البلد مش مستاهله نخرج إحنا الإتنين..
أخرجت رحيل ورقات نقدية من حقيبتها وقالت:
-طيب خدي هاتيلنا معاكِ أي أكل
______________________
خرجت فرح من غرفة الطبيبة النسائية تمسك بيد يوسف، مازالت تشعر بالإرهاق، طمئنتها الطبيبه بأنه اضطراب لهرموناتها نتيجة الضغط النفسي لا أكثر ونصحتها بالإسترخاء، قبض يوسف على يدها بحنو وقال:
-سمعتِ الدكتوره قالت إيه يارب تنفذي بقا
أومأت رأسها وقالت بتفهم:
-حاضر يا حبيبي… مـ ممكن توديني عند جدو وماما عشان وحشتوني
أشار بسبابته لعينيه قائلًا بحب:
-دا إنتِ تأمري وأنا أنفذ يا فراولتي
ابتسمت قائلة بخفوت:
-والله بحبك
حاوطت كتفيها بذراعه وقال:
-ربنا ميحرمنيش منك أبدًا
__________________________
وأمام البوابه الحديديه للبيت جلست وهيبة على حصيرة معلله أنها تستمتع بالهواء النقي لكنها تتابع الطريق وتستمتع بمشاكسة كل من يمر أمامها…
“ستات أخر زمن.. زمان يختي الست من دول مكناش نحس أنها حامل إلا وهي بتولد”
قالتها خيريه بعد أن مصمصت بشفتيها “امرأه من القرية تحب التدخل في شؤون غيرها” كانت تجلس جوار وهيبه التي تحكي لها ما تتذكره مع إضافة أحداث من خيالها لما لا تتذكره، قالت:
-عندك حق يختي
سألتها خيريه بمكر:
-طيب البت الي كانت مكبوسه دي حملت ولا لسه؟
جحظت عيني وهيبه وقالت بدهشه:
-هاه هو كان فيه حد مكبوس عندنا!
-أيوه بنت هشام دا البلد كلها بتحكي عنها ومستنين يسمعوا خبر حملها
أشارت وهيبه لنفسها قائلة بحسرة:
-البلد كلها عارفه ومحدش يقولي؟ ايوه ما أنا معدش ليا لزمه في البيت… شكرًا يختي إنك عرفتيني
مصمصت خيريه بشفتيها وقالت بتبرم:
-أخر مره سألتها قالتلي متتدخليش في خصوصياتي وأحرجتني وأنا والله يا حجه عايزه أطمن عليها!
عقبت وهيبه باستنكار:
-خصوصيه! الخصوصيه دي هناك في الحمام إنما باقي حياتها من حقنا كلنا..
مصمصت خيرية بشفتيها وقالت:
-طبعًا إحنا بس عايزين نطمن أومال إيه!
قاطعتهما شاهيناز النازقه التي تفاجئت بتلك السيدة التي يسمونها حشرية وليست خيريه، وبعد أن ألقت السلام هتفت متبرمه:
-يلا يا حجه عشان تتغدي
انحنت وهيبه على أذن خيريه وقالت بهمس:
-هي مين الوليه دي؟
اجابتها خيرية بنفس الهمس:
-دي أم البت المكبوسه
ابتسمت وهيبه وقالت:
-ايوه ما أنا عارفه بس كنت بختبرك
نهضت خيرية وقالت:
-طيب بالأذن أنا
ابتسمت شاهيناز بتصنع وقالت:
-استني نغديك يا حبيبتي
عقبت خيريه:
-لأ شكرًا سلامو عليكو
غادرت ورددت شاهيناز بنزق:
-عليكم السلام
نظرت لوهيبه بغضب ومسكتها من ملابسها قائلة بنزق:
-فضحتينا طبعًا… يا ترى قولتلها إيه يا وهيبه؟
تلعثمت وهيبه وقالت:
-أ.. أنا مقولتلهاش حاجه
جلست شاهيناز جوارها وقالت بتبرم:
-سيرتنا هتلف على كل لسان منك لله يا حجه
__________________________
بدل لها آصف ثيابها المبتله وطمئنه الطبيب على حالتها، نظر لها ومسح وجهه بكلتا يديه بغضب فكلما تذكر حالتها تلك اشتـ. علت نار الغضب تأج بقلبه…
“نفسي أعرف مين إلي اتهـ. جم على بيتي وضـ. رب مراتي بالشكل ده! بس أكيد هعرف… لازم أعرف”
كان آصف يحدث نفسه بغضب عارم ممسكًا بإحدى ساعديها ومحدقًا بتلك التي تسكن الفراش بوهن شديد.
-آه… آه… آه
صدر صوت أنينها فوضع راحة إحدى يديه لتلتصق براحة كفها، وربت بالأخرى على ظهر يدها بحنو وهو يقول بلهفه:
-هبه… إنتِ سمعاني؟
أصدرت أنينًا أخر فأردف بلهفة أشد:
– إنتِ كويسه طمنيني عليكِ! مين إلي عمل فيكِ كده؟
فتحت جفونها وتعالى صوت بكائها ممزوجًا بأنات متقطعه، فتنهد بقـ. وة ورتب على يدها مرة أخرى قائلًا باقتضاب:
-بتعيطي ليه بس!؟
كبحت شهقاتها وردت بوهن وبنبرة متحشرجة:
-أنا عاوزه أقولك حاجه معرفش تهمك ولا لأ؟
زم شفتيه بحسرة وهو يحدق بوجهها الواهن وقال بنبرة هادئة:
-قولي أنا سامعك
التوت شفتيها لأسفل كطفلة تكبح بكائها وقالت بتلعثم وبتردد شديد:
-أنا… أنا مـ. ريضه… يعني عندي السكر من وأنا صغيره…
قطب جبينه وأطلق تنهيدة طويلة ثم حاول كبح جماحها قائلًا:
-ارتاحي يا دكتوره مش وقت الكلام ده!
ابتلعت غصة تتلوى بحلقها وقالت بنبرة خافتة وواهنه:
-أنا اطلقت عشان مقولتش لأيمن على مـ. رضي…
انفـ. جرت بالبكاء وإزدادت شهقاتها، فنفث الهواء من فمه عله يُهدئ ما يجيش بداخل صدره، ونهض واقفًا جوارها ليمسح على شعرها بحنان تعهده للمرة الأولى فقد ظنت أن شخصيته قاسية اعتقدت أنه بلا رأفة وبلا قلب!
تشجعت أكثر ونظرت لها بانكسار قائلة:
– ماما هي السبب… أقنعتني إنه لما يحبني مش هيسيبني… بس… كمان صاحبتي خانت سري وراحت قالتله يوم الفرح… عارف عمل إيه؟
نظر لدموعها التي تهطل من مقلتيها لتغرق الوسادة أسفل رأسها وسألها عاقدًا حاجبيها بأسى:
-عمل إيه؟
شهقت وقالت:
-ضـ. ربني وشتمني… بهدلني قوي
ضغط على أسنانه قائلًا بحنق:
-الحيوان!
هزت عنقها محدقة بملامحه تحاول افتـ راس ملامحه لمعرفة ما بقلبه وقالت بتفهم:
-بس أنا معترفه إني غلطانه… مكنش ينفع أخبي عليه… كنت عيله صغيرة والله وكان المفروض يفهم كده.. أنا مشيت ورا ماما من غير تفكير… بس هو أكيد قال وأنا إيه يجبرني أعيش مع واحده مريـ. ضة سكر!
حاول تغير مجرى الحديث ومشاكستها بلطف فابتسم وهو يقول:
-يبنتي ما هو طبيعي قمر زيك لازم يكون عنده السكر أنا كده عرفت سر جمالك مسكره بزياده
ابتسمت لمداعبته وعبس وجهها
مجددًا وهي تقول بحسرة:
-يمكن حظي وحش جدًا في الدنيا… بس أنا حاسه إن ربنا عنده أحسن من هنا… يمكن مش مكتوبلي السعاده في الدنيا وربنا شايلي نصيبي في الأخره!
عاد يمسك يدها مجددًا وهو يقول بحنو:
-متقوليش كده تفائلي إنتِ بس وسيبي الباقي على رب العالمين
الآن فهم ما يقصده أيمن ذلك الغبي! نظرت هبه ليدها التي يقبض عليها بحنو، شجعها فرط حنانه ورأفته فأغلقت عينيها ثم فتحتها سريعًا عازمة أن تخبره بأخر سر تخفيه لتكشف كل أوراقها أمامه، نادته بوهن:
-آصف
حدق بها فلأول مره تنطق اسمه مجردًا بدون إضافة أستاذ أو تناديه باسم عائلته كما تفعل بمشاكسة، ابتسم قائلًا بحب:
-نعم!
بللت شفتيها بتوتر وابتلعت العلقم الذي طغى على جوفها لتقول بفراسة وبنبرة مرتعشه، متحاشية النظر لوجهه:
-ربنا سبحانه وتعالى بيقول بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾
التفتت إليه لتحدق بوجهه مردفة:
-فاهم معنى الآيه دي؟!
اومأ رأسه بتفهم وهو يقول بثقة:
-أيوه طبعًا يعني لو واحد تزوج واحده وطلقها قبل ما يدخل بيها فملهاش عده و….
اتسعت حدقتيه فجأة حين أخطأ في فهم المغزى مما تقصد وقال بصدمة:
-هبه هو إنتِ عايزه تطلقي ولا إيه؟
انفرجت شفتيها ببسمة وقالت ساخرة:
-دا إلي فهمته إني عايزه أطلق؟!
عقد جبينه متعجبًا يحدق بها متفحصًا مغزاها دون أن ينبس بكلمة، فتنهدت بعمق مردفة:
-يعني أنا مكنش ليا عدة من أيمن…
تحجرت عيناه بصدمة وهو يطالعها مرددًا بشرود:
-يعني إنتِ….
قاطعته وهي تغلق جفونها:
-لو سمحت طفي النور أنا عايزه أنام شويه…
نظر لها وهي ترقد على ظهرها تغلق جفونها بقـ. وة وتزدرد ريقها بارتباك، فارتسمت البسمة على شفتيه حين تردد في عقله جملتها “أنا مكنش ليا عدة من أيمن”
ولى ظهره وخرج دون أن ينبس بكلمة، وقف أمام باب الغرفة واتسعت ابتسامته وهو يردد: مكنش ليها عده!!
__________________________
خرجت سديل من البيت ترتدي الإدناء الأسود، ولا يظهر لها طرف حتى يدها اخفتها أسفل الجوانتي الأسود، سارت مسافة ليست بقليله كانت تسمع همهمات متسائله: “مين دي” “بنت مين دي”
” أنا أول مره أشوفها” “مش من بلدنا دي”
كانت تنظر أمامها مباشرة ولا تلتفت كان الطريق ترابيًا، فاختلط التراب مع اطراف إدنائها الطويل.
وصلت بيت صديقتها ووقفت أمامه حائرة هل هو أم لأ! التفتت حولها فوجدت شابان ينظران إليها، غضت بصرها وأخرجت هاتفها لتطلب رقم صديقتها بارتباك..
على جانب أخر كان يتابعها ليس اعجابًا وإنما بُغضًا واستنكارًا، هتف بغيظ:
“تقولي بتكره إيه في حياتك أقولك البيبسي والمنتقبات”
قال أحمد جملته وهو يجلس على إحدى درجات السلم أمام بوابة بيته الحديدية يرمقها بفظاظه وهي تقف أمام بيت صديقتها ناظرة للأرض وحائرة، ليرد صديقه بمزاح:
-طيب البيبسي وعارفينه… إيه المنتقبات دا مشروب جديد ولا إيه؟
-ظريف قوي… يعني الواحده من دول تلاقيها مش حلوه وفيها كل الطباع السيئة ولابسه النقاب وتقولك عشان الفتنه
قال أخر كلمتين متحدثًا بصوت أنثوي ساخر فضحك صديقه قائلًا بتعجب:
-طيب وإنت زعلان ليه يا عم ما يلبسوا ولا يخلعوا احنا مالنا!
قاطع حديثهما وصول محمود للبيت كانت ملامحه ممتعضه، ألقى السلام ودخل للبيت فاستأذن أحمد صديقه وهرول خلف أخيه، جلس محمود على المقعد بوجه ممتقع فسأله أحمد بفزع:
-مالك يا محمود شكلك ميطمنش؟
حاول إنهاء الكلام:
-مفيش حاجه
-لأ دا فيه احكيلي يمكن أساعدك
زفر محمود بقـ. وة وقال:
-دا موضوع طويل يا أحمد هقولك بعدين
نظر أحمد للأكياس التي وضعها أخاه أعلى الطاوله وأخذ يفتش بهم قائلًا:
-إيه الحاجات دي!
-ملكش دعوه بالحاجات دي مش بتاعتنا يا أحمد
لم يبالي أحمد بتحذيره وأخذ يتفحص الكتب قائلًا بتعجب:
-دي كتب تالته ثانوي!… الله دا فيه روايات كمان
فتح إحدى الروايات فوجد اسمها ردده بخفوت:
– سديل!!
سحب محمود الكتاب من يده وقال:
-بس يا أحمد قولتلك دي حاجات ناس هريح شويه وأوصلهالهم
ابتسم أحمد قائلًا بحـ. ماس:
-طيب على ما تريح هكون قرأت الروايه دي
أخذ أخرى وقال:
-ودي كمان
سحب الثالثة وقال بابتسامة عريضة:
-ودي
رمقه محمود باستنكار ودخل لغرفته..
_______________________
وبعد صلاة المغرب تجمعت العائلة في الحديقة على طاولة كبيرة وتحت مظلة حديثة البنيه، يستمتعون بالهواء العليل، كان فؤاد يرمقها بين حين وأخر وهي تتحاشى النظر إليه، كانت شاردة فاعتقد أنها تنشغل به وبما فعله صباحًا.
هتف هشام:
-أنا محتاج كاشير في المطعم يا جماعه عشان التاني مسافر بكره
ابتلعت وسام الطعام وسألت بترقب:
-ممكن بنت عادي يا خالو؟
ابتسم الجد وهو يقول:
-إنتِ عايزه تشتغلي ولا ايه؟
هزت عنقها نافية وقالت بشفقة:
-لأ… فيه واحده صاحبتي بتدور على شغل وحالتها صعبه قوي
أخذت تقص عليهم تفاصيل رحيل التي علمت بما حدث لها قبل ساعة حين هاتفتها، لم يتفاجأ فؤاد فهو يعرف كل التفاصيل مسبقًا من محمود، تنهد الجد قائلًا:
-“إن الذين يأكلون أكوال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا”
عقب هشام بجدية:
-خلاص يبنتي قوليلها لو تحب تستلم الشغل من بكره وأنا هشيلها لو في كليه ولا امتحانات
ابتسمت وسام ونظرت لخالها بامتنان، قاطع نظراتها جدها:
-طيب هي قاعده فين دلوقتي؟
وسام: في شقة فؤاد يا جدو
لا يدري فؤاد لمَ ابتسم عندما نطقت باسمه ونظرت نحوه أيعني أنها سامحته؟! خرج من شروده على صوت جده:
-فؤاد… فؤاد بنادي عليك إنت شارد في إيه؟
تلعثم فؤاد:
-لـ… لأ ولا حاجه فيه إيه؟
عقب الجد:
-كنت بقول احنا عندنا ست شقق منهم واحده فاضيه إيه رأيك لو نأجرها لهم بسعر رمزي عشان برده ميحسوش بالشفقه ولا حاجه!
ابتسم فؤاد وقال وهو ينظر لجده بإعجاب:
-كتر خيرك والله يا جدي ربنا يديك الصحه
نهضت وسام وقبلت رأس جدها بسعادة وقالت:
-شكرًا يا جدو والله بحبك قوي… أنا هروح أكلمها أقولها
نهضت فرح وقالت:
-خديني معاكِ يا وسام وعرفيني عليها
ابتسم لها يوسف فقد تحسنت نفسيتها كثيرًا فبادلته البسمة، هتف فؤاد قائلًا:
-كلمي أكلك الأول يا وسام
تحاشت وسام النظر إليه وقالت بجمود: الحمد لله شبعت
لم يستطع تفسير مشاعرها، تارة تنظر إليه ويشعر أنها تحتضن عيناه بنظراتها تلك! وتارة تعامله بجمود! ظل ينظر نحوها وهي تغادر حتى اختفت داخل البيت.
أكمل الجميع تناول الطعام مع تبادل أطراف الحديث، لكن فؤاد كان في عالم أخر ينظر للفراغ ويتذكر ما فعله صباح اليوم، همس له يوسف:
-فؤش إنت كويس؟
زم شفتيه وهز رأسه نافيًا وهو يقول بنفس الهمس:
-مش كويس أبدًا ومحتاج أتكلم معاك
وبعد دقائق وقف جوار يوسف لحالهما يحاول أن يحكي له ما فعل كانت نبرته منكسرة حزينة، فهتف يوسف:
-الصراحه مش فاهم يا فؤش يعني إيه خسرت وسام؟ يعني عملت إيه برده؟
تنهد بألم وهو يتذكر ما فعله ويقص عليه بعض التفاصيل…
★★★★
عودة للصباح
أخذ فؤاد يدنو منها بنظرات متفحصه يُطالعها بشغف، سندت ظهرها للحائط تتلمسه بيدها، تتخبط بنظراتها يمينة ويسرة فعلى يمينها مخدع الملابس لذا تتزحزحت ناحية اليسار حتى اصطدمت بالتسريحة، ازدردت لعابها بارتباك حين اقترب منها متلمسًا لخصلاتها الناعمة، خلع نظارتها ووضعها جانبًا ثم قال بصوت أجش هامسًا جوار أذنها:
-عايز أشيل كل الحواجز إلي بينا…
أغلقت عينيها حين شعرت بأنفاسه الحارة تلفح عنقها، أسـ. قط إحدى أكتاف السلوبيت ثم الأخرى، فاتسعت عيناها بصدمة وأمسكت الملابس بكلتا يديها حتى لا تسقط كاشفة عن حقيقة مؤلمة وواقع تُحاول إخفاءه، هتفت برجاء وبكلمات متقطعة:
-بالله عليك يا فؤاد أنا منفعكش والله… أنا… إنت بتعمل إيه؟ مينفعش إلي بتعمله ده!
لم يبتعد وقال بصوت رخيم:
-وسام أنا بحبك مفيش حاجه في الدنيا هتبعدني عنك ولا حتى إنتِ… مهما حاولتِ مش هبعد يا وسام
دفعته وقالت بحنق:
-إنت أخويا الكبير و…
قاطعها قائلًا بحدة:
-أنا جوزك مش أخوكِ…
ركضت نحو باب الغرفه لتفتحه فسحبها بعـ. نف وهو يقول بحده:
-مش هسيبك تهربي مني
هتفت بنبرة مرتفعة:
-إنت اتجننت! عاوز مني إيه؟ أنا مش هحبك أبدًا ومستحيل أكمل معاك
ضغط على أسنانه وقال:
-تمام هنشوف بقا كلام مين إلي هيمشي
حملها ووضعها فوق الفراش ثم اقترب منها ممسكًا كلتا ذراعيها فهتفت بخوف:
-لو مسبتنيش هصرخ
هتفت بتصميم وهو يدفن وجهه بعنقها:
-وريني هتصرخي إزاي!
أغلقت عينيها بألم، وسألت الدموع منهما وهمست:
-يا خساره يا فؤاد حتى إنت مصمم تخذلني
وهنا انتبه لما يفعل تركها وهب واقفًا، دار حول نفسه ماذا فعل؟ آحمق هو ليتهور ويندفع هكذا! مسح على شعره بارتباك وقبل أن ينطق بشيء،قاطعه طرقات عنـ. يفة على باب الشقة وهتافات بإسمه، ففتح باب الغرفه ليخرج دون أي تبرير فطـ. عنته بكلماتها:
“إنت نزلت من نظري قوي”
★★★
عودة للوقت الحالي
تسللت منه دمعه رآها يوسف فربت على فخذه وقال بهدوء:
– فؤاد هي بتحبك بس إنت محتاج تبعد فتره وتسيبها تنسى وأكيد كل حاجه هترجع أحسن من الأول… هي بس تلاقيها اتخضت وإنت كمان اتسرعت… حتى لو محـ. روقه زي ما قولت اصبر وهي إلي هتقولك
أومأ فؤاد برأسه وقال:
-أنا بحبها يا يوسف وعايزها على أي حاله والله ما فارق معايا حاجه
غمز يوسف معقبًا:
-بص إنت شاغلها من بعيد بهدايا وكلام حلو والذي منه بس مش دلوقتي سيبها ترتاح فتره وهترجعلك صدقني..
أومأ فؤاد رأسه وقال بتفهم:
-عندك حق أنا اتسرعت
_____________________
وفي الليل ظل آصف يتردد إلى غرفتها أكثر من مره يتابعها ليطمئن أنها بخير، ويعود أدراجة ليسكن فراشه بجوار طفلته، غفت عيناه قليلًا، ففزع من نومه وجلس بسرعة، نظر لابنته النائمة جواره ثم هرول ليطمئن على هبه للمرة التي لا يعرف عددها في تلك الليلة، سمع أنينها المكتوم منبعثًا من المرحاض، فطرق الباب بخفوت قائلًا:
-إنت كويسه؟
تأوهت ولم تعقب ففتح باب المرحاض بهدوء ليجدها تقف على حوض الوجه تتقيأ وهي تمسك معدتها بألم، وتلقائيًا اقترب منها ووقف خلفها ليمسك برأسها، ويسندها قائًا بعتاب:
-مصحتنيش ليه يا هبه؟
لم تسمعه فكانت تتقيأ وتتألم، وحينما انتهت ألقت كامل جسدها عليه وتأوهت، فسندها وقال:
-معلش… معلش
فتح صنبور المياه وغسل وجهها ثم أسندها لخارج المرحاض، تعجب من نفسه كيف لم يتقزز منها؟ حملها إلى غرفتها وأسكنها فراشها، مسد على شعرها بحنان لكنه ابتعد وتجهم وجهه فجأة حين تذكر زوجته الراحلة، رأي صورتها أمامه وكأنها حانقة مما يفعل، أغلق عينيه بألم يشعر أنه خائن! أهذا هو عهده لنفسه بألا يمس هبه وألا يقترب منها! تتحرك مشاعره نحوها رغمًا عنه! نفخ الهواء من فمه محاولًا طرد تلك الأفكار التي تكبكبت على عقله دفعة واحدة، نظر لها وقال بجمود:
-إنتِ كويسه؟!
بكت على قلة حيلتها، فاقترب منها وهتف بنبرة حانيه:
-إيه بس بتعيطي ليه؟
مسد على شعرها قائلًا برتابه:
-مين عمل فيكِ كده يا هبه؟
شهقت متألمة، فشعر بألمها نظر لبشرتها البيضاء التي تخللها بعض الإحمرار والزرقان نتيجة اللكمات وقال بحنق:
-أنا مش هسيب إلي عمل فيكِ كده! وعايزك تحكيلي بالظبط إيه إلي حصل؟
جففت دموعها وأومأت رأسها، وهي تقص عليه كل التفاصيل، فضرب الكمود جواره بقبضة يديه وقال بغضب:
-طيب مين دول؟
فكر لبرهة وقال بتركيز:
-هبه هو ممكن أيمن طليقك يكون باعتلك حد؟
هزت رأسها نافية وقالت:
-معرفش… مقدرش أتهم حد من غير ما أتأكد… وبعدين إيه إلي هيخليه يعمل كده!
هز رأسه باستنكار وقال:
-والله ما أنا عارف… بس احنا لازم نروح نقدم بلاغ بكره
اومأت هبه رأسها وقالت:
-اكيد هنعمل كده
نهض واقفًا وقال:
-إنتِ لازم تأكلي… أنا هقوم أعملك أكل
هتفت بسرعة:
-لأ لا لا…. مش هقدر
-بصي حاجه بسيطه إنتِ مأكلتيش من الصبح
وقبل أن يخرج من باب غرفتها أوقفه صوتها:
-شكرًا يا آصف
التفت رافعًا إحدى حاجبيه وعقد ذراعيه أمام صدره قائلًا بنزق مصطنع:
– إيه شكرًا دي أصرفها منين لا أنا باخد فلوسي كاش
ابتسمت وبادلها الابتسامه ثم خرج من الغرفة…
~~~~~~~
مرت الأيام مؤلمة للبعض ومنغمة للبعض الأخر، لم يتوصلا ببلاغهما لأي معلومة وتم تسجل البلاغ ضد مجهول.
حاول آصف ردع مشاعره عنها لكن لم يستطع فأصبح يهتم بها أكثر ويتابع مواعيد عملها بدقة.
غيرت هبه مواعيد عملها للنهار وتركت عملها الإضافي..
___________________
استغلت حبيبة انشغال سليمان بصلاة الجمعه وذهبت إليها، جلست مقابلها تقول بنزق:
-ساعدتك تتجوزي سليمان زي ما وعدتك… بس برده لسه مفيش جديد في موضوع يوسف!
نفخت الهواء من فمها وقالت حانقة:
-اصبري يا حبيبه… يستي احترمي إني لسه عروسه مباقليش إلا يوم متجوزه
زمت شفتيها وقالت بتبرم:
-خلصي بقا اعملي اي حاجه أنا عايزاه يطلقها نفسي أخلص من الموضوع ده
-يا بت اصبري
-ما أنا يامه صبرت… ولا هو أنا مليش إلا الصبر وانتوا ليكوا العز والوز
قاطعها رنين هاتفها فابتسمت محدقة بشاشته، سألتها ساميه بسخرية:
-دا مين إلي رسم الضحكه على وشك يختي؟
قالت حبيبة بشرود وهي تحدق بشاشة هاتفها محافظةً على ابتسامتها:
-ده أسامه
مصمصت ساميه بشفتيها وقالت بسخرية لازعة:
-أسامه! متركزي يختي مع واحد بس ولا قلبك زي البطيخ يشيل من البذر ألف
نظرت لها بحنق وقالت:
-وإنتِ مالك بتتدخلي ليه…. وبعدين ده استيبن يعني مركون على الرف لحد ما أشوف موضوع يوسف هيخلص ازاي!
ضيقت ساميه عينها وقالت وهي تهز عنقها باستنكار:
-دا إنتِ شيطان!
قهقهت حبيبة ساخرة وقالت:
-اسم الله عليكِ يختي دا إنتِ باقيلك جناحين وترفرفي زي الملايكه
التفتت ساميه يمينًا ويسارًا وقالت بخفوت:
-الشيخه معدتش عارفه تعملها سحر بتقول مش عارفه اتفك لوحده إزاي! ومش عارفه تعقده تاني نهائي
عقبت حبيبة بنزق:
-أنا مليش دعوه اتصرفي
هتفت ساميه بخبث:
-مفيش غير حل واحد بس اصبري عليا أمخمخ كده
لم يلاحظا الأعين التي تتابعهما بدقة وتستمع لحديثهما بعناية عازمة على شن حـ. رب معهما دون خسارتها…
______________________
سكنت رحيل بيت الجد وبدأت العمل بمطعم هشام، لم ترى محمود غير مره واحدة بالأيام الخالية، تردع نفسها دائمًا عن التعلق به، وكلما دفعتها مشاعرها نحوه شغلت تفكيرها بأي شيء كي لا تتعمق.
أما هو فكان يراسلها بين حين وأخر لكنها ترد عليه بجمود ولا تتخطى حدودها في الكلام معه، مما زاد إعجابه بها.
________________________
كان الفتيات يجلسن بالڤرندة سديل تتحدث مع فرح ورحيل مع وسام، هتفت سديل بهمس:
-ماشيه على العلاج يا فروحه ولا لأ
ابتسمت فرح قائلة:
-طبعًا ماشيه عليه كل يوم قبل النوم بقرأ سورة البقره وبصلي ركعتين قيام وألح في الدعاء وأنا بعيط
أردفت فرح:
-عارفه يا سديل أنا أول مره أحس براحه كده…
ابتسمت سديل وقالت بثقة:
-طبعًا هي دي بقا جنة الدنيا إلي الناس كلها غافلة عنها… لذة القرب من ربنا ميفتقدهاش إلا إلي مجربها
رتبت فرح على ظهر سديل وقالت بابتسامة:
-يا بت برغم صغر سنك إلا إني بحسك أم لينا مش أختنا الصغيرة
ابتسمت سديل بخجل وقاطعهما صوت وسام التي وقفت فجأة متخصرة وقالت:
-إيه رأيكم في حركة مجنونه نفسي أعملها
ضحكت فرح قائلة:
-امـ. وت أنا في الحركات المجنونه قولي
ألقت لها وسام قبلة في الهواء مرددة:
-شريكتي والله ومعلمتي
بادلتها فرح بقبلة أخرى في الهواء، ولم تعقب فهتفت وسام:
-لأ بقا هاتي حضن بقا
أقبلت وسام تضمها وقبلتها من خدها فنهضت رحيل وهتفت بسخرية وهي ترفع شفتيها العلويه:
-دا إيه العشق الممنوع الحرام ده فؤاد ويوسف يعرفوا بالموضوع ده!
ضحكن جميعًهن وهتفت وسام بحـ. ماس:
-إيه رأيكم نقضي النهارده وسط الأراضي نتمشى وناكل توت ومنرجعش إلا المغرب
بادلتها فرح الحـ.ماس قائلة بابتسامة:
-تصدقي عجبتني الفكره يلا بينا يا عيال… بس خلوا موبايلاتنا هنا مش هنحتاجها
مر الوقت وهن يسيرن بين الأراضي، ينتقلن من شجرة توت لأخرى ويتبادلن الحديث ضاحكين، وقبيل المغرب هتفت سديل بابتسامة وهي تشير للشجرة:
-الله شايفين الشجره دي فيها توت كتير بس فوق
قالت فرح بإصرار:
-جماعه أنا هطلع الشجره دي مليش دعوه
رحيل: وأنا كمان معاكِ
وسام: لأ أنا مليش في طلوع الشجر ده
سديل: عاقله والله يا ويسو… اطلعوا انتوا وهاتولنا معاكوا
صعدت فرح وتبعتها رحيل وأخذت وسام تتناول حبات التوت المتدلية من الشجرة برفقة سديل حتى سمعتا صوت لنباح كلبين يركضان نحوهما، هتفت فرح:
-يالهوي كلاب… اطلعو الشجره بسرعه
هزت سديل رأسها باستنكار وهتفت بثبات زائف:
-لا أنا مبخافش.. مـ متخافيش يا وسام… لو حس انك خايفه هيجري وراكِ لانه بيسمع دقات قلبك.. إنما لو مخوفتيش مش هيقربلك
هدرت بها رحيل:
-إنتِ بتشرحيلها إيه يا سديل اطلعي بدل ما يعـ. ضك يا بت
عقبت سديل بنزق:
-اسكتي يا رحيل… سيطري على خوفك يا وسام
قالت وسام بصوت مرتعش:
-ما أنا مش عارفه أسيطر على دقات قلبــــي
أشارت لها سديل بكلتا يديها لتهدأ وقالت:
-اعملي زي خدي نفس عميق وخرجيه على تلت مرات
بدأت وسام تقلدها حتى دنا الكلبان منها فاتسعت عيني سديل وهي تقول:
– اجري يا وســــام واقفه ليه…
هتفت فرح بقلق:
-اطلعوا الشجره بسرعه
صاحت وسام:
-اطلع إزاي هو أنا قرد شبهكم!
________________________
وفي ناحية أخرى كان فؤاد يجلس مع يوسف في الحديقة تحت المظلة حتى أتى محمود وأحمد، وبعد تبادل السلام والتعارف بين يوسف ومحمود، لأن أحمد يعرفه مسبقًا فهو دكتوره بنفس كليته، نظر فؤاد لمحمود وسأله بمكر:
-إنما إنت يا محمود جاي ليه؟
أجاب محمود بنزق زائف:
-أحمد يا سيدي كل شويه يقول فؤاد وحشني عايز أشوف فؤاد… فقلت أكسب فيه ثواب وأجيبه وأجي
قطب أحمد جبينه وقال بسخرية:
-أصل أحمد ده عيل صغير! يلا إعمل نفسك مقتنع يا فؤش
ظل محمود يتلفت حوله باحثًا عنها فسأله فؤاد بخبث:
-بتدور على حد يا حوده؟!
عقب محمود بارتباك:
-هاه لا أبدًا… بدور على جدك أصله واحشني قوي قوي أصل إنت متعرفش بحبه قد إيه!
أردف محمود بهُيام وبصوت رخيم:
-بحبه قوي قوي ونفسي أشوف عنيه
انفـ. جر أحمد بالضحك وشاركه فؤاد الذي يفهم ما يجري، غمز له وقال:
-طيب متتقدم يبني
عقب أحمد بنزق:
-قولتله والله يا فؤش.. يعني مش حلو شغل المراهقين ده سيبهولي أنا
كان يوسف يقلب نظره بينهما محاولًا الفهم، سألهم:
-إنتوا بتتكلموا عن إيه؟ شاركوني معاكوا
ابتسم أحمد وقال:
-أنا هحكيلكم بالتفصيل الممل وتحكموا…
وبعد أن قص أحمد ما يعرف قال بخوف مصطنع:
-جماعه أنا بدأت أخاف على نفسي منه دا أنا امبارح نايم جنبه لقيته بيبوسني وكله إلا الشرف
انفـ. جر الجميع بالضحك وعلق يوسف مغنيًا:
-مغرم… مغرم
زم محمود شفتيه وقال بتبرم مصطنع:
-كفايه بقا… وبعدين أنا سمعت حد بيقول ” إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فقم واعتلف تبنًا فأنت حمار”… من ساعتها وأنا قررت أتغير
عقب أحمد وهو يعود برأسه للخلف:
-لاحظ إن كلامك جارح يا حضرة الظابط
انفـ. جروا بالضحك وقاطعهما صوت شاهيناز التي تقبل نحوهما صائحة:
-يا فؤاد… يا يوسف…
نهض يوسف قائلًا:
-نعم يا أمي
وقفت أمامهم وقالت بقلق:
-مش عارفه البنات خرجوا من قبل العصر ياكلو توت ومرجعوش… وموبايلاتهم هنا
سأل محمود بلهفة واضحة:
-البنات كلهم يعني معاهم رحيل؟
ضيقت عينها وقالت:
-أيوه رحيل وأختها… حد يروح يشوفهم دا بقالهم تلت ساعات
أخذ يوسف هاتفه من فوق الطاولة وقال:
-يلا يا فؤاد تعالى معايا لأن معاهم مراتي ودي واحده المصائب بتجري وراها
هتف محمود:
– أنا كمان جاي…
نهض أحمد وقال:
-وأنا كمان أكيد مش هقعد أكل تبن يعني!
ضحك الجميع وهرولوا يبحثون عنهن…
______________________________
حاولت وسام تسلق الشجره وهي تصرخ وسديل الأخرى تتشبث بالشجره فعرقلا بعضهما عن الصعود، وحين وقف الكلباني أمامهما يكشران عن أنيابهما، نظرت سديل لأسنانهما وصرخت وهي تمسك بيد وسام ويركضان ويتبعهما الكلبان، كان منظرهما مضحك فصرختا رحيل وفرح تاره وصحكتا تارة، كانت سديل ترفع ادنائها كاشفة عن بنطالها لتركض بأقصى سرعة، كان ركضهما على شكل دائرة وعادتا لنفس مكانهما السابق، فهتفت فرح وهي تشير للترعة خلفهما:
-يا ولاد نطوا في الترعه بسرعه
قفزت سديل للترعه صاخة، ووقفت وسام لبرهه تنظر للكلاب تارة وللترعة تارة أخرى وما أن اقترب الكلب حتى قفزت وهي تصرخ، ضحكت فرح وقالت بهستريه:
-ممعناش موبيلات
علقت رحيل بتبرم:
-إنتِ بتتضحكي يا بارده!
تنحنحت فرح ومضغت حبات التوت وهي تقول:
-وإنتِ عامله إيه يا رحيل؟
نظرت رحيل للكلب الواقف أسفل الشجره وقالت:
-أنا هعملها على روحي يا فرح وإنتِ بارده!
عقبت فرح ببرود:
-أصل أنا مش أول مره أتعرض للموقف ده وكمان مطمنه إن انتوا معايا
نظرت رحيل للكلب وقالت بنبرة مرتعشة:
-عيب كده يا روي خد صاحبك وامشي
ضحكت فرح وقالت ببرود:
-روي مش هيمشي أنا عارفاه ده هينادي عيلته دلوقتي وهتشوفي
لم تكد تُنهي جملتها وبدأ وفد من الكلاب يقبل نحوهما فضحكت فرح مردفة:
-جالك كلامي اهو نادي عيلته
نفخت رحيل بنزق وصاحت:
-وســــام…. سديـــل إنتوا كويسين؟
ردت سديل بضحك:
-زي الفل متقلقيش بنصيف في الترعه بالإجبار
عقبت رحيل ببكاء مصطنع:
-يا بختهم ممكن يعملوا حمام عادي ومحدش هيعرف… أنا مش قادره
_____________
أوشك غسق الليل أن يولي ويحل بعده الليل، كانوا ينظرون يمينًا ويسارًا، وينادي يوسف:
-يا فرح
وينادي فؤاد:
-وســــام… وســـام
ضحك أحمد قائلًا:
-أنا بقول نرحع وننادي عليهم في الجامع أحسن
لكزه محمود بذراعه وقال بتبرم:
-اسكت مش وقت هزارك
ودعت الطيور السماء إلي عشهم، إلا صوت عصفور أخير وكأنه يعلن عن قدوم الليل، هتفت رحيل بقلق:
-إيه هنفضل متسلقين الشجره كده لبكره ولا إيه!… والعيال إلي هتبوش في الميه دي!
كانت فرح مازالت تأكل حبات التوت وقالت ببرود:
-متقلقيش إن شاء الله هيحسوا بغيابنا ويطلعوا يدوروا علينا
هتفت رحيل بنزق:
-إنتِ إزاي بارده كده!
ابتسمت فرح باستفزاز وقالت:
-عشان متعوده على كده والله يا عسل
هتفت وسام بنبرة مرتفعة:
-إيه يا جماعه هي الكلاب دي مبتمشيش ليه!
صاحت فرح بخبرة مسبقه وببرود:
-لأ دول مش هيمشوا لازم حد يجي ينقذنا إسألي مجرب
رفعت رحيل شفتها العلويه بسخرية فأومأت فرح رأسها بابتسامة مستفزه وأكملت أكل وكأنهما بنزهة ما!
صاحت سديل بصوت يوشك على البكاء محدثة الكلاب:
-امشوا بقا يارب ساعدنا يارب
ليصل لسمعهما صوت فؤاد:
-وســـام… وسام
تهلل وجه وسام وصاحت:
-يا فرج الله دا صوت فؤاد
صاحت بنبرة مرتفعه:
-أنا هنا يا فؤاد… فـــــؤاد إلحقنا
ابتسم فؤاد وركض أثر صوتها وهو يلتفت حوله وقف يولي ظهره للترعه وقال:
-إنتوا فين؟!
نظرت سديل لوسام بحرج عند رؤيتها الشباب برفقته وردت وسام بخفوت:
-أنا… ف… في الترعه
التفت لهما فؤاد، وانفـ. جر الشباب بالضحك، وبالأخص يوسف حين تذكر اول لقاء له مع فرح، هتف فؤاد:
-بتعملوا إيه في الترعه؟ وفين الإتنين التانين؟!
نظرت وسام للكلاب التي مازالت تلتف حولهم بدون أي نباح وهتفت بسذاجه:
-هو إنت إزاي واقف كده وسط الكلاب دي؟
رمقها فؤاد بنظرات عتاب، لم يفهم مقصدها وظنها تتحدث عن الشباب! نظر أحمد ليوسف ومحمود وقال لفؤاد بخفوت:
-ينفع كده مراتك بتغلط فينا يا فؤش!
على جانب أخر همست رحيل لفرح:
-شايفه إلي أنا شيفاه؟! وسامعه إلي أنا سمعاه
وضعت فرح حبة توت في فمها وقالت وهي تمضغها:
– إحنا في مأزق يا رحيل هيقولوا علينا إيه! قرود على رأي وسام …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى