رواية وسام الفؤاد الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم آية السيد
رواية وسام الفؤاد الجزء الحادي والعشرون
رواية وسام الفؤاد البارت الحادي والعشرون
رواية وسام الفؤاد الحلقة الحادية والعشرون
ما كل ما يتمناه المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
المتنبي
صلوا على خير الأنام ❤️
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
“أنا متأكد إنك صاحيه”
انقلبت على ظهرها شهقت باكية وسحبت الغطاء على وجهها، فنهض على الفور وأضاء سراج الغرفة وهو يقول باقتضاب:
-معقوله يا هبه بتعيطي في الظلمه؟!
أقبل وجلس جوارها مجددًا ثم سحب الغطاء عن وجهها، فقبضت على الغطاء بيديها لتستر أكتافها جيدًا أغلقت جفونها وهطلت الدموع من عينيها، وعندما رأى حالتها قال معاتبًا:
-يا الله! يا هبه شاركيني إلي بيحصلك… يعني ليه تقعدي تعيطي لوحدك!
تنهد بعمق وأردف:
-أنا كنت متأكد إن فيه حاجه حصلت!
اعتدلت جالسة ومسحت دموعها بالغطاء الذي تتدثر به جيدًا، وحاولت التماسك قائلة بثبات:
-محصلش حاجه أنا بس كنت مخنوقه شويه و…
قاطعها قائلًا بسخرية:
-متحوريش عشان چوري شافت كل حاجه وحكتلي… وقالتلي أن مامتك ضربتك!
تقوس فمها لأسفل وأدمعت عينيها مجددًا قائلة بنحيب:
-مش عارفه والله ليه أمي بتعاملني كده! أنا ساعات بحس إنها مش أمي!
أغلق جفونه وفتحها قائلًا بإشفاق:
-عشان خاطري بلاش دموع والله كل حاجه هتتعدل ان شاء الله
مسحت دموعها بالغطاء مجددًا قائلة بثبات ظاهري:
-خلاص… خلاص أهوه سكتت روح ناملك شويه قبل السحور
هز رأسه نافيًا وهو يقول:
-لأ طبعًا أنا مش هسيبك تنامي لوحدك وإنتِ كده!
حاولت التظاهر بالثبات لكن كسفتها نبرتها المتحشرجة وهي تقول:
-أنا بقيت كويسه صدقني!
-لأ والله مش هسيبك تنامي لوحدك
-طيب وجوري هتسيبها لوحدها؟
-لأ هننام جنبها أنا وإنتِ السرير واسع… يلا قومي
-أقوم إيه! لأ أنا…. أنا هنام هنا مبعرفش أغير مكاني
-لا اتعودي يا حبيبتي لأن أصلًا مكانك هناك… ودي هتبقى اوضة أولادنا في المستقبل إن شاء الله
رمقته بطرف عينها وظلت مكانها صامتة فنهض وأردف بنزق:
-هاه هستنا كتير؟
ازدردت ريقها وقالت بارتباك:
-أ… طيب هاتولي الروب من وراك
رفع إحدى حاجبيها وقال ساخرًا:
-روب!! اه ماشي فهمت
دنا منها وعلى حين غرة أزاح الغطاء عنها وحملها بين ذراعيه فشهقت بصدمة، وضمت يدها لصدرها وهي تقول بضجر:
-إيه ده نزلني… بقولك نزلني
قال دون أن ينظر إليها:
-هو إنتِ لسه هتتكسفي مني!!!
وبنبرة مرتفعة قالت وهي تضغط على كل كلمة:
-بقولك نزلني إنت بتفهم إزاي؟
قال بنبرة هادئة:
-هووووش البنت نايمه… وبعدين فيه حاجه كنت مخبيها عليكِ ولازم تعرفيها
صمتت وكرمشت وجهها بامتعاض فسار نحو غرفته مردفًا بهمس:
-فاكره لما كنتِ تعبانه لما الستات دول ضـ ربوكِ منهم لله…
فتح باب غرفته بقدمه ثم وضعها على السرير الذي يلتصق بالحائط وابنته تنام بالداخل “جوار الحائط”، استلقت على ظهرها وأغلق هو باب الغرفة ثم استلقى جوارها ورفع رأسها ليضع ذراعه أسفلها ثم همس جوار أذنها:
-المهم يومها بقا مش لما فوقتي لقيتِ هدومك نظيفه هيكون مين إلي غيرلك يعني! عاطف مثلًا؟!
كانت مترددة لسؤاله عن هذا الموضوع وها قد أعطاها الإجابة دون أن تتكلف عناء السؤال، لم تستطع التفوه ببنت شفه، اعتدلت جالسة تبحث عن غطاء تتدثر به فجلس أيضًا وسألها:
-بتدوري على إيه؟
-على الغطاء
سحبها من يدها لتستلقي جواره وقال بابتسامه:
-تعالي بس هدفيك
جلست مرة أخرى وقالت بخفوت:
-آصف لو سمحت متعصبنيش أكتر من كده!
تظاهر بالبراءة قائلًا بمكر:
-إنتِ فهمتِ إيه والله ما قصدي حاجه… وبعدين البنت نايمه جنبنا! أنا قصدي هحضنك يعني
نفخت بحنق وقالت:
-مش عايزه أحضان.. الدنيا حر مبحبش أنا التلزيق ده
قطب جبينه قائلًا بتعجب:
-تلزيق!!!
سحبت الغطاء عليها وولته ظهرها لتنام، فنظر لها واستلقى جوارها قائلًا بنزق:
-طيب تصبحي على خير يا برتقالي… قال تلزيق قال!
استغفر الله وأتوب إليه ♥️
__________________________
صمت طاغي ران عليها، لم تعد تستطيع رفع عينها عن الأرض حياءً، نظرتا كل من فرح ووسام لبعضهما وابتسمتا فكانتا تنتظران طلبه بفارغ الصبر، عقبت الجد بابتسامة:
-نقول السكوت علامة الرضا!
لم تنطق رحيل وشعرت بتزايد حرارة جسدها حتى التهب وجهها واشتدت حمرته، ظلت تفرك يدها بارتباك، فقال محمود:
-ممكن تردي يا رحيل لو سمحتِ؟
تنحنحت بخفوت لتجلي حنجرتها واستجمعت شجاعتها لتقول بصوت مرتجف:
-حضرتك شخص محترم و… وأي بنت تتمنى زوج زي حضرتك بس…
صمتت مجددًا لتستجمع شتات نفسها، وترتب كلماتها، لا يدري لمَ شعر بنغزة في قلبه فمسح على ذقنه ثم قال بترقب:
-بس إيه؟
ابتلعت العلقم الذي سيطر على حلقها وقالت بنبرة مترددة:
-أ… أنا آسفه مش هقدر أوافق
تجهم وجهه بل عبست وجوه الجميع، مع شهقات وسام وفرح التي جحظت عيناها من هول ما سمعت آذانهما، أغلق محمود جفونه بحزن وأطرق رأسه لأسفل بإحراج، فنهضت رحيل واقفة وأخذت تعدو من أمامهم وهم ينظرون لأثرها بذهول، هب محمود واقفًا وقال باقتضاب:
-بعد إذنكم يا جماعه
غادر وتبعه أحمد وفؤاد وأيضًا يوسف، وتبعتا رحيل فرح ووسام وقفت سديل لبرهة تنظر لأثر أختها ولطيف محمود تنفست بعمق وهرولت لتلحق بمحمود…
********
“استني بس يا محمود متبقاش عيل صغير”
قالها فؤاد وهو يركض خلف محمود الذي وقف جوار سيارته وسند مرفقه عليها، فأردف فؤاد مبررًا:
-يا عم هي ممكن تكون اتحرجت ولا حاجه!
لم ينبس محمود بكلمة فقال يوسف الذي يضع يديه بجيبي بنطاله:
-معلش يعني يا حضره الظابط إنت غلطان… كان لازم تكلمها الأول قبل ما تحرجها وتحرج نفسك بالشكل ده!
نفخ محمود بحنق وقال:
-خلاص يا جماعه حصل خير كل حاجه نصيب… عن إذنكم
فتح باب سيارته فقال أحمد بضجر:
-محمود متبقاش متسرع البنت شكلها بتحبك
ابتسم محمود بسخريه وهو يفتح ذراعيه قائلًا:
-أيوه واضح طبعًا أنها بتحبني والدليل أنها رفضتني من غير تفكير!
فؤاد: بتحبك يا محمود بس إنت إلي اتصرفت غلط لو كنت قولتي كنت نصحتك متعملش كده
يوسف: بالعقل كده واحده عايشه في بيت ناس غريبه وأهلها ممرمطين بكرامتها الأرض غير سمعتها إلي متشوهه وكمان معهاش فلوس تجهز نفسها عاوز تروح تتقدملها تقولك إيه؟! كان لازم تتكلم معاها الأول…
تنهد محمود بعمق وقبل أن ينطق، أقبلت سديل نحوهم وقالت بنبرة مرتبكة وهي تنظر أرضًا:
-السلام عليكم..
ردوا السلام
فقالت بتلعثم:
-كـ… كنت عايزه أقول حاجه..
فؤاد: اتفضلي يا سديل
تنحنحت بخفوت وقالت بحياء:
-كنت عايزه أقول حاجه لحضرة الظابط
محمود:
-اتفضلي يا سديل عايزه تقولي إيه؟
ارتبكت حين شعرت بتحديقهم بها، لا تدرى أما تفعله صواب أم خطأ لكنها لن تقف مكتوفة اليدين، قالت بكلمات متقطعة:
-أختي… يعني… رحيل…
تنفست بعمق واستجمعت شجاعتها لتقول: ممكن تدينا فرصه… يعني أنا بعتذر بالنيابه عنها… ممكن فرصه بس هتكلم معاها وكده..
ابتسم محمود وقال بتفهم:
-ماشي يا سديل كلميها وهستني منك رد
أومات رأسها وقالت:
-شكرًا لحضرتك… عن إذنك
وبعد أن غادرت قال يوسف بإعجاب:
-ما شاء الله والله سديل دي عاقله كده وهاديه ربنا يباركلها والله
فؤاد بابتسامة:
-وكمان حافظه القرآن وجميلة في الشكل
طالعه أحمد بغضب وقال بحدة:
-وإنت عرفت منين بقا إنها جميله؟
فؤاد: وسام ومريم إلي قالوا وبعدين ما هي أكيد حلوه شبه أختها
محمود بغيرة: انتبه لكلامك يا فؤاد!
رفع أحمد إحدي حاجبيه وقال بتبرم:
-وإزاي مريم تقولك كده أصلًا… وتقولك ليه؟
ربت فؤاد على كتف أحمد وغمز بعينه قائلًا بمشاكسة:
-فيه إيه يا برنس مالك محموق كده! هي غمزت ولا إيه!
أشاح أحمد يده بضجر وركب للسيارة دون أن ينبس بكلمة فاستأذن محمود قائلًا:
-طيب عن إذنكم يا جماعه
وبعد انصرافهما، ربت يوسف على كتف فؤاد وقال:
-طمني بقا اخبارك إيه؟
-مش حلو يا يوسف… مش حلو خالص ووسام تعبانه نفسيًا مع انها بتحاول تخبي بس أنا حاسس بيها!
فكر يوسف لوهلة وقال:
-فؤاد هو إنت ليه مأخدتهاش لدكتور نفسي؟
-أكيد مش هتفوت عليا حاجه زي دي أنا متابع من زمان مع دكتور معرفه وماشي على التعليمات… بس أنا شايف إن حالتها بتسوء.
زم يوسف شفتيه بتفكير وقال بإشفاق:
-معلش يا حبيبي ربنا يفك كربك يارب اصبر يا فؤاد…
سبحان الله وبحمده❤️
____________________________
“إيه إلي عملتيه ده يا رحيل؟”
قالتها وسام وهي تضيق بين حاجبيها بتعجب، نظرت رحيل لوسام بنظرات مدلهمه، وأخفضت بصرها وهي تفكر لمَ فعلت ذلك! ويكأنها تريد الإثبات لنفسها أنها لا تحبه ولا تدري أيضًا لمَ تريد إثبات ذلك، فإن لم تتزوج به فلن تتزوج مطلقًا هكذا تحدثت في سريرة نفسها، وقال متصنعة الامبالاه:
-عملت إيه؟
هدرت بها فرح بحده:
-إنت أحرجتِ الراجل يا بنتي قدامنا وبعدين ترفضيه ليه؟ ما كلنا عارفين انك بتحبيه!
هزت عنقها نافية ورقدت بفراشها قائلة بدموع:
-مبحبوش يا فرح ولو سمحتوا سيبوني عشان هنام
فرح بحده:
-والله! هتنامي وإنت بتعيطي وبهدومك دي؟
جلست وسام على طرف فراشها وربتت على ظهرها قائلة بهدوء:
-إنت بتغلطي يا رحيل مش سهل تلاقي حد بيحبك وشاريكِ… ومحمود باين عليه إنه شاريكِ وهيصونك
جلست فرح على الطرف الأخر للفراش وقالت:
-حبيبتي الفرص مش بتجي دايما… ودي فرصه امسكي فيها
قاطعها اندفاع سديل للغرفة وصوتها الهادر الغاضب:
-إنتِ اتجننتي يا رحيل؟… رفضتي ليـــــه
اعتدلت رحيل جالسة وقالت من خلف دموعها:
-عشان إنتِ محتاجالي أكيد مش هتجوز وأسيبك يا سديل
أشارت سديل لأختها وقالت بحدة:
-أنا مش محتاجالك إنتِ
أشارت لنفسها ولاختها مردفة:
-إحنا الإتنين محتاجينه هو!
أزاحت نقابها لتظهر ملامح وجهها الممتعضة وقالت:
-إحنا محتاجينه في حياتنا… مش هقولك بتحبيه وبيحبك والكلام ده… بس احنا محتاجين حد يسندنا
قالت وسام بنبرة هادئة:
-مش هتلاقي حد بالحنيه دي والأخلاق دي تاني يا رحيل وفوق كل ده بيحبك
أشاىت سديل لنفسها وقالت بدموع:
-أنا قبلك محتاجه أخ لو حصل حاجه أبقى عارفه إنه موجود..
أردفت برجاء: عشان خاطري يا رحيل وافقي
رحيل باقتضاب:
-تقدري تقوليلي هجهز نفسي ازاي! إحنا يدوب الفلوس بتكافينا كل شهر بالعافيه
فرح بنزق:
-كل حاجه ليها حل يا رحيل متبقيش شبه الحمار المتهور كده!
وسام:
-يا بنتي لو على الجهاز هتتدبر وأكيد محمود متفهم ده من غير ما تقوليله
سديل برجاء:
-رحيل بالله عليك وافقي عشان خاطري
أطلقت رحيل تنهيدة طويلة وقالت:
-مـ.. ماشي يا جماعه خلاص هوافق بس هصلي استخاره الأول
صفقت سديل بيدها بفرحه وقالت بابتسامة:
-أيوه بقا عندنا عروسه…
أطلقت فرح زغرودة خافته، وضمت وسام رحيل بحب قائلة:
-احلى عروسه في الدنيا
ابتسمت رحيل وتهللت أساريرها وقالت بندم:
-حركه بايخه مني إني ارفضه كده صح؟
فرح بعتاب:
-بايخه أوي دا إنتِ لو شوفتي وشه وهو ماشي هيصعب عليكِ
لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ❤️
______________________________
وفي تلك الليلة الساجية وقفت هبه في الشرفة بعد أن جافاها النوم، استمعت لإختلاط صوت زمجرة الضفادع مع صياح الديكه، التفتت لتنظر ل آصف الذي استيقظ لتوه وجلس خلفها على الأريكة وقالت:
-أنا حاسه إن النهارده ليلة القدر… سامع اصوات الديكه!
قالت بصوت ناعس:
-ادعي يا هبه ليالي رمضان لا تُعوض… بس متنسيش تدعيلي معاكِ
نظرت للسماء وقالت:
-اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا…
همست لنفسها: يارب ريح قلبي وقدملي الخير وأرضني بيه…
اقتربت وجلست جواره قائلة:
-نفسي أسالك سؤال محيرني
استدار لها بكامل جسده وقال بترقب:
-أسألي
نظرت له مطولًا، وأرسلت تنهيدةً طويلةً، ثم قالت بنبرةٍ مترددة:
-هو إنت إزاي فجأه كده بقيت تحبني ونسيت حبك القديم؟؟؟
قبض على كفها واعتدل جالسًا يُطالع الفراغ أمامه قائلًا:
-لا مش فجأه.. أنا بحبك من زمان بس كنت بكابر ومكنتش فاهم مشاعري…
هز رأسه نافيًا وأردف:
-ومنستش حبي لآمنه ولا حاجه بالعكس أنا فاكرها دائما في دعائي.. أنا بس قررت أعيش…
شعرت باحتقان وجهها بالدماء، واشتعلت غيرتها حين تخيلت أنه يفكر بغيرها نعم تغار عليه حتى من إنسان ليس على قيد الحياة، سحبت يدها منه وابتعدت عنه قائلة بغيرة:
-يعني لو أنا مت بقا هتحب تالت!!!!
هبت واقفة وعقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة بنبرة حادة:
-لأ… أنا مش عايزه الحب ده… ومش عايزه واحد قلبه مقسوم بيني وبين حد تاني…
أدمعت عيناها وقالت بكلمات محتقنة:
-أقولك أنا مش عايزه حاجه أصلًا
همس لنفسه بخفوت:
-يا مساء النكد والغيره…
سندت يدها على سور الشرفة وشهقت باكية وهي تتذكر كلام أيمن مرددة بحسرة:
“فعلًا الجوازه التانيه عمرها ما بتسعد حد… أنا زهقت من الحياه دي أصلًا.. امته بقا الواحد يمـ وت ويرتاح”
أثارت كلماتها غضبه فهب «آصف» واقفًا ونظر لعينيها بحدة قائلًا بنبرة مرتفعة:
-مسمعكيش بتقولي كده تاني.. بتتمني الموت؟! رسول الله ﷺ قال: “لا يتمنَّ أحدكم المـ وت، إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب”… عايزه تموتي وتسيبيني إنتِ كمان؟
نظر أمامه ونفخ الهواء من فمه بحنق ثم التفت لها قائلًا بعتاب:
-إنتِ ليه بتدوري على حاجه تنكدي بيها علينا… ليــــه؟!
كانت هبه تستمع له، تضغط شفتيها معًا وتفيض دموعها بصمت، مسحت دموعها وبهدوء يناقض داخلها العاصف قالت:
-أنا مش مرتاحه وقلبي مش عارف يطمنلك!
ضـ رب قبضة يده على سور الشرفة بغضب، لكنه حاول كظم غضبه، قال بنفاذ صبر:
-هبه… اتوضي حالًا عشان نصلي التهجد
مسحت دموعها وهي تُطالعه بتعجب، فربت على كتفها ببعض القـ. وة وقال بضجر:
-يلا واقفه ليه متفكريش كتير… اتوضي وتعالي
انصاعت لأمره، وبعد دقائق توضأت وارتدت اسدال الصلاة وأقبلت إليه ليكون هو إمامها.
وأثناء الصلاة كان يطيل السجود ويدعو أن يهدي الله قلبه وقلبها ويهديها له ويُلح في دعاءه.
وهي تشكو لله جُل ما يؤرقها ويُثقل صدرها، وبعد التسليم نظرا لبعضهما وابتسما بضعف، قبض آصف على يدها ونظر ب
لعمق عينيها قائلًا برجاء:
-أرجوكِ يا هبه متسيبنش أنا نفسي أعيش…
تنفست بعمق وأومات رأسها وهي تقول: هنعيش…
ابتسم لحركتها تلك فقد تفاجأ برد فعلها السريع ولتخفي توترها نهضت واقفة وقالت:
-يلا قوم نتسحر
-استني لسه باقي ساعه على الفجر… خلينا نصلي ركعتين كمان
نهض واقفًا ورفع يده جوار كتفه ليكبر تكبيرة الإحرام قائلًا: الله أكبر
وقفت خلفه وبدأ بالصلاة…
استغفر الله وأتوب إليه♥️
______________________________
وبعد مرور أربعة أيام لم يتواصل محمود مع رحيل خلالهم كانت تلجأ للنوم الكثير لتهرب من خضم أفكارها، وقبيل الظهر فتحت جفونها على ضحكات فرح التي ترقد جوارها بالفراش وتعبث بهاتفها اعتدلت جالسة وقالت بتملق:
-إنتِ يا بنتي ملكيش بيت قرفانا كده عطول!
نظرت لها فرح وقالت بابتسامة واسعة:
-يا صباح الصباح مش كفايه نوم يا عسل
-النوم ده الحاجه الوحيده إلي لو اديتيها أكتر من حقها متزعليش وكما قال الشاعر: وإني في هوى نومي متيمة… ومالي سوى نومي عشيقًا
وددت لو أني في يوم أعانقه… وأخبره أني في هواه غريقًا
غمزت فرح بعينها وقالت بمشاكسة:
-ده الكلام ده للنوم برده ولا لحد تاني!
ارتجلت رحيل من فراشها ووقفت تمط ذراعيها أثر النوم وهي تقول بتثاؤب: اللهم إني صائمه وبلأمس كنت قائمة… إنتِ ايه إلي جايبك عندنا من بدري كده يا بت؟
-بدري مين ناموسيتك كحلي يا حبيبتي الساعه ١١… وبيعملوا بسكويت تحت من بدري وطبعًا جيت أساعدكم
نهضت فرح وقالت:
-يلا هنزل أستناكِ تحت
وقبل أن تخرج فرح من الغرفة التفتت لها مجددًا واردفت متخابثة:
-اعملي حسابك بقا إن حضرة الظابط عازمنا بكره على الفطار في مطعم بابا
رحيل بتلعثم: بس أنا مش هروح محدش قالي
تنحنحت فرح وقالت بتلعثم:
-طيب ابقي شوفي رسائل الواتساب إلي أنا مبثتش عليهم خالص دوا
خرجت فرح من الغرفه وهي تغني باستفزاز:
-وإنت إلي مشيت قبل ما نتعاتب طب سلم الله يخليك
خرجت من الشقه وصفعت الباب خلفها، فابتسمت رحيل وفتحت هاتفها لتجد رسالة منه:
-المفروض إني زعلان عشان كده عازمك بكره عشان نتصالح وباعتلك هديه ياريت تلبسيها لو موافقة على طلبي عشان أطمن..
ابتسمت رحيل وكادت أن تطير فرحًا فما أجمل الشعور بانك مرغوب رغم كل الشوك الذي يحاوطك أخرجت عبائتها من الخزانه ودخلت للمرحاض وقفت أمام المرآة تُطالع ملامحها وابتسامتها التي زينت وجهها أثر رسالته تلك، لكن اكفهر وجهها فجأة ونفخت بحنق حين تذكرت تفاصيل ما قالته لفؤاد فقد سردت عليه كل شيءٍ بخصوص وسام وما حدث معها وكيف احترق جسدها بعد أن عاهدها ألا يخبر وسام بما قالته، كم هي نادمة على فعلتها تلك لكن بمَ يُفيد الندم فقد تم الأمر وانتهى! أطلقت تنهيدة طويلة وغسلت وجهها بالمياه، ثم خرجت وارتدت ثيابها، فتحت النوافذ لتهوية الشقة ونظرت من إحداهن لتجد سديل تجلس بين الورود تحمل كتابها وتذاكر فقالت لنفسها:
-دا أنا الوحيده إلي اتأخرت في النوم بقا
تنهدت بعمق وابتسمت بسعادة وهي تقول:
-يا ترى باعتلي هدية إيه؟
استغفر الله وأتوب إليه 🌹
__________________________
في الحديقه بين الورود جلست سديل تقلب بين صفحات كتابها بنزق، بعد أن رفض عقلها استعاب أي كلمة، تركت الكتاب جانبًا وفتحت محادثة رضوى التي أصبحت تدمن الحديث معها وتحكي لها تفاصيل يومها بصفة مستمرة، ابتسمت حين ظهرت علامة خضراء وتهلل وجهها حين قرأت لفظ “نشط الآن” اتسعت ابتسامتها أكثر حين أرسلت لها:
-إنتِ فين يا قلبي؟
التقطت سديل صورة للورود وأرسلتها لها قائلة:
-بذاكر في الجنينه إيه رأيك في منظر الورد ده؟
رضوى: حلو بس وردتي أحلى
سديل: إنتِ عندك ورد برده؟
رضوى: عندي أحلى وردة معطره حياتي واسمها سديل
ابتسمت سديل وارسلت تسجيل صوتي تقول به:
-كلامك الجميل ده إلي معلقني بيكِ يا رضوى ربنا ميحرمنيش منك أبدًا
-يا بنتي بطلي تبعتي ريكوردات صوتك الناعم ده
أرسلت سديل رموز ضاحكة وقالت:
-ربنا يجبر بخاطرك يا بنتي زي ما بتجبري بخاطري
استأذنتها رضوى وأغلقت هاتفها، فنهضت سديل لتفتح صنبور المياه وتمسك الخرطوم الطويل لتسقي الورود بابتسامة واستمتاع، تنهدت بعمق تفكر في حالتهما تلك فهما مشردتين بلا مأوى، كم كانت تتمنى عائلة محبة كهذه وبيت هادئ به أب وأم وإخوة يزينون دنياها، انحنت لتستنشق رائحة عبير الوردة ثم اعتدلت لتسقيها وهي تتحدث ابتسامة:
-الصراحه ريحة البسكويت مغطيه على ريحتك خالص
“السلام عليكم”
قالها أحمد الذي دخل للبيت قبل لحظات ولم تشعر بخطواته، فصرخت بخفوت ومن صدمتها صوبت خرطوم المياه نحوه فغرقت ملابسه بالمياه، انتبهت لحماقة ما فعلت فأبعدت الخرطوم عنه وصوبته لوجهها فأغرق نقابها فصرخت وببلاهة صوبت الخرطوم نحوه مجددًا فركض وأخذه من يدها وهو يقول بضحك:
-ايـــــه يا بنتي غرقتي نفسك وغرقتيني
قالت بصوت مرتعش:
-أ… أسفه والله أصل اتخضيت و..
وعندما لاحظ علو أنفاسها قال بابتسامة وبنبرة هادئة:
-اهدي… أنا نفسي أعرف بتتوتري ليه لما تشوفيني؟
هزت عنقها بنفي وقالت:
-مش بتوتر…
اومأ رأسه وهو يردد:
-واضح…
ألقى الخرطوم أرضًا وأخذ يمسح المياه عن ملابسه ووجهه وهو يقول بتبرم:
-أعمل أنا ايه في هدومي بقا؟!
أردف بحدة مصطنعة:
-يعني فؤاد ومحمود مشغليني دليڤري وقولت ماشي… إنما هدومي تتبهدل كده لا مش ماشي خالص…
تشنج فمها وكادت تبكي، نظرت له بأعين بارقة بالدموع وقالت بصوت متحشرج وخافت:
-أنا آسفه والله…
دقق النظر بعينها وقال:
-إيه ده إنتِ هتعيطي ولا إيه… لا يا ستي فداكِ الهدوم وصاحب الهدوم كمان
وهنا أدركت أن عينيها ظاهرة فأسدلت طبقة رقيقة من القماش لتخفي عينها “البيشه” فقال:
-طيب خدي وصلي للجماعه الطلبات دي
مد يده بعلبة أخرى وقال:
-ووصلي دي لرحيل محمود باعتها
كادت أن تغادر فاوقفها صوته:
-تسمحيلي أقطف ورده
اومأت رأسها وقالت: اتفضل
اقتطف وردة برتقالية ودنا منها مبتسمًا ثم مد يده بالوردة قائلًا:
-بيقولوا كل لون في الورد ليه معنى وأنا اخترت البرتقالي أقصد معناه… ممكن تقبليها؟
ازدردت ريقها بتوتر وكأنها مغيبة مدت يدها لتأخذها ثم أدركت حالها وأخفضت يدها دون أن تأخذها ثم هرولت من أمامه مغادرة، استدار ومسح على شعره ثم قال بندم:
-إيه العك إلي عملته ده!! يخربيت جنانك يا أحمد… اللهم إني صائم
خرج من البيت وجلس بسيارة أخيه وهو يؤنب نفسه، أخرح هاتفه وبحث على جوجل عن معنى تقديم الورود البرتقالية فوجد “الورد البرتقالي يعبر عن الحب، ويرمز اللون البرتقالي إلى إيقاظ الأحاسيس في النفس، لذا يتم استخدام الورود البرتقالية عند الرغبة في إثارة مشاعر وأحاسيس الشخص الآخر”
ألقى هاتفه جانبًا وهو يصرخ، في الحقيقة لم يكن يقصد ذلك فقد أخذ أي وردة أمامه وجرى على لسانه هذا الكلام متوقعًا أن معنى اللون هو الصداقة أو الأخوه أو شيء مشابه، مسح وجهه وهو يصيح:
-يالهوي عليا وعلى سنيني…
قاد سيارته مسرعًا وهو يوبخ نفسه على عدم تريثه..
صلوا على خير الأنام♥️
_____________________
تجلس شاهيناز أمام الفرن ووالدة فؤاد تلف مكنة البسكويت وتضع صفاء “والدة يوسف” البسكويت في الصينيه، وتجلس وهيبة خلفهم تأكل البسكويت بطريقة تشبه القرود.
التفت صفاء حولها وقالت بهمس بالكاد وصل لهن:
-أنا عايزه أقولكم حاجه مهمه تعباني وقله منامي
أغلقت شاهيناز فرن الغاز وهدات النار ثم التفتت لها وقالت:
-خير يا أم يوسف
صفاء: الست إلي اسمها ساميه إلي اتجوزت سليمان دي والبت حبيبه الله ينتقم منهم… سمعتهم بوداني مرتين يا أم نوح… والله مرتين يا أم فؤاد.. تخيلوا ولاد ال*** كانوا عاملين سحر لفرح ويوسف عشان ميخلفوش
شهقت والدة فؤاد وقالت بصدمة:
-يخرابي يعني البت كده معمولها سحر
وضعت صفاء يدها أسفل ذقنها وقالت بتركيز:
-إلي فهمته إن هي كان معمولها ومعرفوش يجددوه.. بس كانوا بيتفقوا على خطه تانيه عشان يفرقوا بين يوسف وفرح..
شاهيناز بخصة: خطة إيه دي؟!
صفات: قال هيكلموا واحد اسمه أسامه ويعملوا خطه بس مفهمتش برده ناوين على إيه!
أم فؤاد بنزق: البت ساميه دي شكلها عايزه علقه كمان ولا نقتـ لها ونخلص من القرف ده بقا
صفاء: عاوزين نفكر بعقل يا أم فؤاد أنا قلقانه أوي من ولاد الإيه دول…
قاطعها دخول سديل التي وضعت ما بيدها أرضًا وقالت:
-الدكتور فؤاد باعت واحد بالحاجات دي
اخذتها والدة فؤاد وقالت: ايوه احمد إلي جابهم؟
اومأت سديل رأسها دون النطق ودخلت تبحث عن أختها لتعطيها ما بيدها..
فقالت شاهيناز: أنا عندي خطه
__________________
“كده القضيه إلي تعبتنا اتحلت يا باشا والبركه فيك”
قالها ظابط أخر يجلس قبالة محمود، حدق محمود بالفراغ عاقدًا حاجبيه وهو يردد:
-يعني سالم وعمه هما إلي مدوخنا بقالهم فتره…
الظابط: وبفضلك عشان طلبت نراقبهم قدرنا نحل اللغز إلي محيرنا
-بس كده لسه فيه طرف تالت موصلنلهوش
-هنوصله يا باشا اهم حاجه إن إحنا كده مسكنا طرف الخيط
-صح… المهم أنا عايز المخبر يراقبهم زي ظلهم لحد ما أمسكهم متلبسين ان شاء الله
__________________
كانت رحيل تنظف غرفة وهيبه مع فرح ووسام التي قالت بضجر:
“قولولي هنفضل مؤدبين لحد امته إنتوا عمركم شوفتوا مؤدب بياخد حقه!”
فرح بسخرية: يعني نشتغل بلطجيه ولا إيه؟!
وضعت وسام يدها حول خصرها وقالت:
-اسمعوا بقا البيت الي مفهوش صايع حقه ضايع… وأنا قررت أكون صايع البيت
فرح بابتسامة وهي تعدل من ملابسها بزهو:
-وأنا معاكِ
ضحكت وسام بقـ وة مستهزءة بكلام فرح ووقفت تشير لنفسها وتقول بثقة:
-يبنتي الصايع ده لازم يكون ليه مواصفات معينه يعني طول بعرض وجريء وعاقل وقوي ومبيخافش من حاجه وكاريزما في نفسه كده
نظرتا لها فرح ورحيل من منبت رأسها لأخمص قدميها وهي تقف بزهو ترتدي عباءة قصيرة بالكاد تصل لركبتها وأسفلها بنطالون واسع وتربط رأسها كمن يعاني من صداع الرأس، اعتدلت واقفة وهي تقول:
-بتبصولي كده ليه… أيوه زيي أنا كده!
انفجـ رتا بالضحك حتى سمعن صوت صرير فأر وخرفشة فقالت فرح بتعجب: إيه الصوت ده؟!
ابتلعت وسام ريقها وحكت رأسها وهي تقول بصوت مرتعش:
-معقوله يكون ده زيكو؟
سألاها فرح ورحيل بنفس الصوت: مين زيكو ده؟
التفتت وسام خلفها فرات ذيل صغير يخرج من خلف الكومود جحظت عيناها بصدمه صارخة:
-فــــــــــــار
وبعد دقائق وقفتا فرح ورحيل ينظرن لأعلى على وسام التي تجلس فوق مخدع الملابس، فرح بنزق:
-يبنتي انزلي من فوق الدولاب خلاص زيكو مشي
فتحت رحيل ذراعيها وهي تقول:
-ما إحنا قدامك واقفين أهوه…
ضحكت فرح قائلة بسخرية:
-وكانت بتقولك يا رحيل صايع البيت إلي مبتخافش من حاجه
رفعت وسام سبابتها وقالت بحزم:
-انا فعلًا مبخافش من حاجه… إلا الفئران والكلاب والفراخ والبط وشويه حاجات كده فوق بعض
طرقت سديل باب الغرفة ودخلت، نظرت لوسام التي تجلس أعلى مخدع الملابس وقالت بسخريه:
-فيه إيه انتوا مشعلقينها كده ليه؟
رحيل:
-خايفه من الفأر
ضحكت سديل ونظرت لوسام وفجأة تجهم وجهها وجحظت عيناها وهي تشير لأعلى قائلة بخفوت:
-جنبك
وسام بعدم فهم: ماله جنبي!!!
اشات رحيل الأخرى بارتباك وقالت:
-الفار… جنبك
التفتت وسام ببطئ لتنظر جوارها للفأر الذي ينظر لها ويحرك شنباته ثم قفز بوجهها، ولمس فأر أخر قدم سديل وفجأة ظهر حشد من الفئران بما يقرب من عشرة يركضون بأنحاء الغرفة، فصرخن وركضن للخارج ونزلت وسام الشبه مغيبه وهي تصرخ راكضةً لخارج الغرفة هي الأخرى وقفت أمام وهيبه وقالت بعدم وعي وبنبرة عالية:
-منك لله يا تيته إنتِ مربيه فئران في أوضتك يا ستي!!!
فرح بصدمة: لا بجد الأوضة مليانه فئران إنتِ بتنامي فيها إزاي يا تيته؟!
أخذت وهيبة قضمة من البسكويت وقالت بلامبالاه:
-اوضة إيه؟ اقعدي يا بت دوقي البسكويت
أعطت وهيبه وسام بسكويت وقالت: خدي دوقي ده جميل
كانت وسام شاردة ومازالت تحت تأثير الصدمة فجلست جوارها وبدات تأكل، فنظرن لبعضهمن وسالت فرح رحيل بهمس:
-هي البت دي فاطره ولا إيه؟
رفعت رحيل كتفيها لأعلى كناية عن جهلها، قاطعهما دخول فراد الذي أخذ نفسًا عميقًا ليستنشق الرائحة وقال:
-السلام عليكم ريحة البسكويت تجنن بجد تسلم الأيادي
رد الجميع السلام ونهضت وسام لتعطيه واحده وهي تمضغ ما بفمها قائلة: دوق بقا طعمه أحلى من ريحته كمان
ضحك فؤاد وقال:
-أدوق إيه!! إحنا لسه الظهر إنتِ المغرب أذن عندك ولا إيه؟!
شهقت بصدمة وبسرعة بصقت ما بفمها احمر وجهها ورفعت سباتها قائله:
-متفهمنيش غلط… والمصحف صايمه بس ربنا أطعمني بسكويت..
نظر لها من أعلى لأسفل متفحصًا ملابسها الغير متناسقة ومسك يدها قائلًا:
-تعالي يا أخرة صبري
سارت معه وهي تقول بارتباك:
-إنت مش في غلط يا فؤاد… صح؟
-هنبقا نشوف الموضوع ده
سحبها من يدها وهي تتظاهر بالبكاء، وانفـ جر جميعهن بالضحك على منظرها وإحراجها…
استغفروا❤️
_____________________
وفي المساء
كان فؤاد مضجعًا في فراشه يرقد على ظهره وينظر لأعلى، يفكر فيما أخبره به محمود ويتخيل ما تعرضت له وسام، يتمنى لو يعود الزمان فما كان سيتركها لوالدها ذلك القاسي، انتبه حين فتحت باب غرفته بهدوء، ووقفت أمام فراشه فاعتدل جالسًا وسألها بلهفه:
-إيه يا بابا صاحيه ليه؟
حركت عينها يمينًا ويسارًا وقالت بأنفاس متسارعة وبذعر بدأ على صوتها:
-شوفت كابوس وحش أوي يا فؤاد
فتح ذراعيه قائلًا:
-تعالي يا حبيبتي
ارتمت بين أحضانه فشعر بخفقات قلبها العاليه، أخذ يمسح على رأسها قائلًا:
-اهدي يا بابا
خرجت من أحضانه وازدردت ريقها بخوف قائلة:
-بقالي كتير مبنامش من الكوابيس… فؤاد هو إزاي فيه كوابيس في رمضان!؟ أنا تعبت والله
أخذ يمسح على رأسها ويتأمل صفحة وجهها وخلجاته المتألمة دون أن ينبس بكلمة، جعلها تستلقي جواره وأراد تلطيف الجو فقال مداعبًا:
-ما إنتِ لو بتوافقي تنامي جنبي كل يوم مكنتيش هتحلمي غير بيا
فرد ظهره وسحبها لحضنه وهو يقول:
-جربي بقا تنامي في حضني الليله
أطلقت تنهيدة طويله وقالت بخفوت:
-والله نفسي أنام
أخذ يرتل آيات من القرآن الكريم بنبرة هادئة حتى يذوب خوفها وما لبثت دقيقة وغرقت في سبات عميق، تسللت من عينيه دمعة فمسحها بسبابته وهمس:
-والله لأجيبلك حقك يا وسام
استغفروا♥️
_________________________
“الصلاة والسلام عليك”
فتح عينه على رنين تلك الجملة بأذنه انتفض جالسًا وهز هبه قائلًا:
-هبه… هبه قومي بسرعه
تمللت في نومها وركض هو للمطبخ ليأتي بقنينة المياه ويركض نحوها، لكنها مازالت غارقة في نعاسها حاول أن يوقظها وأجلسها لترتشف بضعة رشفات وهي غير واعية كالسكران، هتف بضجر:
-يا بنتي اشربي خليني أشرب الأذان هيأذن
وقبل أن يشرب ارتفع صوت الأذان فوضع القنينة جانبًا وقال:
-يلا بقا نجرب الصيام من غير سحور يوم
ربت على كتفها وهو يقول بابتسامة صفراء:
-قومي يا برتقالي صلي… نهارنا بلون عيلتي ان شاء الله
انتبهت واعتدلت جالسة وهي تتثاءب فقال بخفوت:
-إحنا نايمين بدري ومع ذلك مقومناش للسحور
أغلقت وفتحت عينيها عدة مرات وقالت بهدوء:
-هو فيه ايه؟!
-لا أبدًا مفيش حاجه كل الحكايه إننا ملحقناش نتسحر
-بجد!!!! يعني خلاص الأذان أذن!!!
أومأ رأسه قائلًا:
-قومي بقا صلي أنا رايح الجامع… ربنا يعينا على اليوم ده
___________________________
وبعد العصر خرجت من الدرس حانقة من نظرات أمل والشباب التي تعلم سببها جيدًا، كانت ترتدي إدناء باللون الأزرق، مع خمارها الأسود ونقابها وتخفي عينها كالعادة، عدلت من الحقيبة التي تحملها على ظهرها، وأشارت للميكروباص وما أن صعدت إليه حتى انطلق السائق في سرعة فتعثرت وهوت جالسة على فخذي أحدهم، ومن هول صدمتها لم تقم بل ظلت دقائق تفكر وتتمنى أن تكون فتاة مثلها! التفتت ببطئ ونظرت لوجهه فكان ينظر إليها بدهشة ويرفع كلتا يديه لأعلى كـ لصٍ استسلم لقبضة الشرطي، نهضت وهي تكاد أن تبكي من هول صدمتها ازدردت ريقها بتوتر وتتمتمت بهمس:
-يا نهار أزرق…
لمَ كل مواقفها معه بتلك الطريقة! أمَ يكفيها ما فعلته به بالأمس، كانت تتعشم بأنه لم يعرفها لأنه طأطأ رأسه لأسفل، وتنحنح معتدلًا في جلسته ولم ينبس بكلمة، وحمدًا لله على نعمة النقاب فلن يعرفها هكذا أقنعت حالها فاطمئنت وابتسمت، لكن لم تدُم ابتسامتها طويلًا، فهي محظوظة بكل تأكيد لتناديها صديقة لها:
-سديـــل.. تعالي يا سديل اقعدي هنا
أغلقت جفونها بحنق، وهي تلعن حظها وتلعن صديقتها واليوم الذي تعرفت فيه عليها، وقفت تفكر هي تتجاهل صديقتها وتظل واقفة مكانها وعندها لن يعرفها أم ماذا تفعل! في الواقع لم يكن يحتاج لتناديها صديقتها فهو عرفها من الوهلة الأولى ولكن لم يُرد إحراجها، أشارت لها صديقتها قائله: تعالي
أقبلت وجلست بالمقعد الذي يليه، لكزت صديقتها في ذراعها قائله بهمس وهي تضغط على أسنانها:
-منك لله يا بعيده
وبعد دقائق وصلت ونزل أمامها حاولت إبطاء خطواتها لتبتعد عنه قدر الإمكان، وعندما وصلت لباب الأتوبيس تعثرت صديقتها فدفعتها لتصطدم به أمسك يدها حتى اتزنت ثم رفع يده عنها وغادر دون أن ينبس بكلمة، فنظرت لصديقتها وقالت بتبرم:
-إنتِ إيه إلي وقعك في طريقي النهارده!
تركتها سديل وغادرت دون أن تنتظر تبريرها!!
___________________
وقبيل المغرب وقفت فرح جواره على الطريق تتأبط ذراعه ينتظران سيارة أجره، نظر لها يوسف مبتسمًا وقال بجدية:
-عايز أقولك حاجه مهمه
انتبهت له بكل حواسها فانحنى نحو أذنها وهمس:
-أنا بحبك
ابتسمت وقالت: وأنا بقا بعشقك إنت احلى حاجه في حياتي أصلًا
عقب بابتسامه:
-وإنتِ نعمه في حياتي بحمد ربنا عليها كل يوم وبحافظ عليها عشان متزولش
-يوسف عايزه أقولك خبر حلو كنت عايزه أسيبه لبعد الفطار بس مش قادره
-قولي يا فرولتي
تنحنحت بخفوت وأشار هو لسيارة أجرة ليستقلاها، ركبا بالمقعد الأمامي جوار السائقط،
كانا ينظران لبعضهما بحب تتحدث أعينهم بالكثير دون التعبير بألسنتهما، قبضت على يده وقالت بابتسامة:
-يوسف أنا حامل
اتسعت حدقتيه وقال ليتأكد:
-إنتِ حامل؟!!
اومأت رأسها بابتسامة فابتسم بسعادة وحاوط كتفيها بذراعه ثم قبل رأسها قائلًا: اللهم بارك اللهم بارك الحمد لله يارب
لم تقدم فرحتهما لحظة أخرى وفجأة ترجرجت السيارة وتعالت صرخات الركاب، تشبثت فرح بذراعه ببيد وضعت الأخرى على بطنها كأنها تمسك طفلها الذي لم يتكون بعد! وفي أقل من ثانية اصطدمت السيارة بشجرة على جانب الطريق…
_________________
ارتدت رحيل الساعه التي أعطاها لها محمود كهدية وهي تنظر لها بإعجاب، نظرت لثيابها فكانت ترتدي فستان باللون البيج وطرحة سوداء تغطي صدرها، وحذاء أسود مع حقيبة سوداء.
رفضت سديل أن تذهب مع أختها للأفطار متحججة بمزاكرتها لكنها تتهرب من رؤيته من شدة إحراجها، أرسلت لها رضوى رسالة لها محتواها:
“صدقيني يا سديل أكيد ميقصدش حاجه بتقديم الورده ليكِ”
ردت سديل: مش عارفه إنت بتدافعي عنه كده ليه… وبعدين يا بنتي في قانون البنات متثقيش في أي واحد اسمه أحمد وأنا من ضمن البنات
رضوى: طيب مش هتروحي برده العزومة؟
سديل: أكيد مش هروح دا أنا بقيت بخاف أشوفه
___________
وفي المطعم على إحدى الطاولات يجلس آصف جوار هبه ومحمود مقابل رحيل ووسام جوار فؤاد، نظر محمود للساعه بيدها وابتسم فهذا دليل على موافقتها به…
وبعد آذان المغرب هتف فؤاد بقلق: مش عارف يوسف اتأخر كده ليه؟ وموبايله مغلق!
وسام: انا قلقت والله فرح كمان مبتردش
آصف: طيب يلا نفطر وان شاء الله نلاقيهم داخلين دلوقتي
أخذوا يتناولون الافطار ويتبادلون أطراف الحديث والضحكات فطلبت وسام فرح مجددًا فرد عليها صوت رجل اعتقدت أنه يوسف فقالت:
-ايوه يا دكتور يوسف إنتوا فين؟
-صاحب التلفون ده عمل حادثه وحاليًا في مستشفى****
خرجوا من المطعم راكضين للخارج وقفت هبه جوار رحيل تطمئنها و سام جوار فؤاد الذي يفتح سيارته، التفتت وسام لتنادي رحيل فرأت رجل ملثم ركب دراجه نارية خلف الأخر مصوبًا سـ لاح نحو رحيل فجحظت عينيها وركضت نحوها صارخةً: رحيــــــل
وفي أقل من لحظة دوى بالأرجاء صوت طلقة وانتفض جسد وسام حين اخترقته وقع جسدها على هبه ورحيل، وانطلقت طلقة أخرى شاردة أصابت سيارة محمود..
وعلى الفور ركض محمود خلف الدراجه النارية فأمسك بأحدهما وكشف عن وجهه لكنه تملص منه وانطلقا سريعًا بالدراجة، وقف محمود يصرخ وعاد إليهم.
ومن ناحية أخرى جثى فؤاد على ركبتيه جوارها وقال ببكاء وهو يهز وجها:
-لا لا لا لا وســـام… قومي… قومي عشان خاطري قومي
جاهدت وسام لتخرج كلمات متقطعة:
– أنا… أنا… طول عمري آلمي بيوجع ومبيموتش… يمكن المره دي مكتوبلي أرتاح… سامحني
قالت أخر كلمة وأغلقت جفونها فصرخت رحيل: لا… وســــــام
وبعد ساعات مرت وكأنها قرن من الزمان، في صباح لم يروا ضياءه خرج الطبيب من غرفة الإنعاش وأقبل نحوه الجميع “رحيل وسديل ومحمود وأحمد وهبه وآصف وفؤاد ووالدته” فقال الطبيب:
-متقلقوش هي عدت مرحلة الخـ طر شويه وهننقلها غرفه عاديه وتقدروا تطمنوا عليها
جلس فؤاد على المقعد بتعب فضمته والدته، وربتت على ظهره خرج من بين ذراعيها وقال:
-فرح ويوسف يا ماما عاملين ايه؟
-خالك بيقول يوسف مفهوش حاجه شوية كدمات فرح إلي اتبهدلت شويه
-يا الله!! إيه كل إلي بيحصلنا ده يارب
والدته: الحمد لله… الحمد لله يبني
وقفت رحيل تتحدث مع محمود وآصف يتحدث مع هبه فدنا أحمد من سديل وقال بنبرة هادئة مبررًا:
-على فكره أنا… أنا لما قدمت لك الورده البرتقالي دي كنت فاكرها أخوه… لكن لما بحثت على جوجل طلع معناها غير أخلاقي فانا بعتبرك زي أختى أتمنى متفهمنيش غلط
اومأت سديل رأسها عدة مرات دون أن تعقب وانصرفت من أمامه مهروله فهي تتوتر كلما رأته فكيف وإن حدثها! نظر لأثرها وتنهد بارتياح ثم مسح على رأسه ودنا من فؤاد يربت على كتفه ويجلس جواره…
______________
وفي مكان أخر بالمستشفى وقفت شاهيناز جوار ابنتها التي أفاقت لتوها، فقد ضُمد رأسها بعد تخطيته عشرة غرز وترقد على الفراش بوهن.
“حمد الله على السلامه”
قالها الطبيب وهو يفحصها فردت فرح بوهن:
-الله يسلمك… هو إيه إلي جابني هنا؟
الطبيب: حادثه بسيطه بس متقلقيش الحمد لله الجنين بخير
هزت عنقها باستنكار ونظرت لوالدتها التي تقف قبالتها وقالت بتعجب:
-جنين إيه… حضرتك تقصد إيه؟
الطبيب: مكنتيش تعرفي إنك حامل ولا إيه!
-حـ… حامل!!
الطبيب:
-إنتِ اسمك إيه؟
-انا فرح
أشار الطبيب نحو والدتها وسألها:
-فرح تقدري تقوليلي مين دي؟
-دي ماما
الطبيب: إنتِ فاكره الحادثه دي حصلت إزاي يا فرح؟
وضعت فرح يدها على رأسها وقالت بتشوش:
-أنا مش قادره أفتكر حاجه…
-طيب أخر حاجه فاكراها إيه؟
عقدت بين حاجبيها وقالت:
-أخر حاجه كنت بقدم ورقي في الكليه مع نوح
شاهيناز بصدمة: ده من اربع أو خمس شهور يا دكتور!
الطبيب: الظاهر كده إن فيه فقدان ذاكره بس متقلقيش ممكن يكون مؤقت نتيجة الصدمه
تنفست شاهيناز بارتياح وقالت:
-مش مهم أهم حاجه إن الجنين كويس الحمد لله
حاولت فرح الإعتدال جالسة وقالت:
-جنين إيه يا ماما هو أنا امته اتجوزت؟!
الطبيب: بصي يا مدام فرح أنا عايزك تهدي وإن شاء الله هتفتكري كل حاجه… حمد الله على سلامتك
خرج الطبيب بعدما قال جملته الأخيرة فاعتدلت فرح جالسة وقالت بذهول:
-ماما هو أنا اتجوزت!! أنا فاكره إني كان مكتوب كتابي على واحد جدي اختاره هو أنا إتجوزته ولا إيه؟
جلست شاهيناز جوارها وقالت:
-ايوه يا حبيبتي اتجوزتيه والحمد لله إنتِ حامل
نظرت فرح للفراغ وقالت بهمس:
-يعني أنا اتجوزت الحيوان!!
تذكرت أخر لقاء مع يوسف وأنه نقل أوراقه لنفس جامعتها ووضعت يدها على فمها قائلة بنبرة بائسة وملامح عابسة:
-يا خساره… يلا بنت مين أنا في مصر يعني عشان أخد إلي أنا عايزاه!
أخذت تتخيل منظر زوجها هل سيكون اصلعًا بشارب طويل وكرش ممتد للأمام!!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)