روايات

رواية وسام الفؤاد الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الجزء الثاني والعشرون

رواية وسام الفؤاد البارت الثاني والعشرون

رواية وسام الفؤاد الحلقة الثانية والعشرون 

الحلقة الثانية والعشرون
إذا تراكمت أعباء الحياة فأبشر الفرج آت، وإن اشتدت العتمة فاعلم أن النور قادم فلا تجزع، اصبر واستعن بالله.
استغفروا♥️ لا تنسوا أخواننا في فلسـ♥️♥️طين بالدعاء
✨✨✨✨✨
“يا خساره… يلا بنت مين أنا في مصر يعني عشان أخد إلي أنا عايزاه!”
أخذت تتخيل منظره هل سيكون اصلعًا بشارب طويل وكرش ممتد للأمام!!!
رمقت والدتها بطرف عينها وقالت بسخرية:
-وهو فين بقا جوزي ده! سايبني كده ومبيسألش عليا!
أعتدلت فرح جالسة وقوست فمها لأسفل مردفة بنبرة حزينة:
-لا أنا مش مرتاحه للجوازه دي طلقوني منه أنا لا يمكن أعيش معاه أنا عايزه أطلق!
جلست شاهيناز جوارها وقالت بتوضيح:
-يبنتي افهمي دا….
قاطعتها فرح مثرثرة بحدة وبملامح ممتعضه:
-افهم ايه يا شاهيناز!!.. وبعدين إزاي تجوزوني بالطريقة دي! هو احنا مش كنا متفقين إني هكتب كتابي عليه وشويه وهيطلقني جرا ايه؟ حصل ايه عشان أتدبس التدبيسه السوده دي
ضـ ربت بقبضتها على الفراش، فنفخت والدتها بحنق وقالت بنفاذ صبر:
-اللهم طولك يا روح
هزت فرح رأسها باستنكار وقالت بتعجب وبصدمة:
-وكمان حامل منه!!
وضعت راحة كفها على فمها وشهقت مردفة بنبرة مرتفعة وحادة:
-إنتوا… إنتوا… إنتوا لا يمكن تكونوا أهلي… لقيتوني على باب جامع صح؟ قوليلي الحقيقه!
قامت شاهيناز من جوارها وجلست على المقعد مقابلها واضعة يدها على خدها بنزق لتستمع للمزيد من ثرثرة ابنتها الثائرة، فرح بصراخ:
-ما هو ده مش تصرفات أهل… لا مش تصرفات أهل!!
نظرت فرح لوالدتها التي زمت شفتيها رافعة إحدى حاجبيها وهدرت بها:
-إنتِ بتبصيلي كده ليه يا ست إنتِ…
اومأت فرح رأسها عدة مرات، ثم ضربت كفيها على فخذيها قائلة بحسرة:
-بس كده أنا عرفت إنتِ أكيد مرات أبويا ومخبين عليــــا!…
ظلت شاهيناز تتابع ابنتها ولم تنبس بكلمة، فالتفت لها فرح مردفةً بهدوء:
-ماشي يا شاهيناز… أنا عايزه أشوف الراجل إلي اتجوزته ده حالًا
تنهدت شاهيناز بعمق واسندت ظهرها للمقعد قائلة ببرود:
-دلوقتي يجي… اصبري
وقبل أن تنهي جملتها ولج هشام “والد فرح” للغرفة وأقبل نحو فرح قائلًا بلهفة:
-حبيبة بابا حمد الله على السلامه
وقبل أن يضمها رفعت كفها بوجهه لتمنعه الاقتراب قائلة بنبرة حزينة:
-اثبت مكانك… أنا زعلانه منك يا بابا ازاي توافق تجوزني بالطريقة دي!
قطب حاجبيه قائلًا: ما كله كان بموافقتك هو أنا أجبرتك على حاجه!
شاهيناز بابتسامة ساخرة:
-استلم بقا عشان أنا صدعت
بكت فرح ونظرت لوالدها برجاء قائلة بلوعة:
-طلقني منه يا بابا بالله عليك… أنا مش عايزه أتجوز أصلًا!!!
قاطعهما طرقات الباب ودخول يوسف، كان يضع لاصقة طبية على جبهته ويضمد كدمة يديه برباط طبي، وحين رأته شاهيناز قالت بلهفة:
-دراعك عامل إيه يا حبيبي؟
اومأ يوسف رأسه قائلًا برضا:
-الحمد لله طلعت كدمه بسيطه
اعتدلت فرح في جلستها وأخذت تهندم حجابها وهي تقول بتعجب:
-دكتور يوسف!!!
ربت هشام على كتف يوسف قائلًا:
-تعالى بقا شوف مراتك عاوزه إيه على ما أروح أشوف وسام
التفتت فرح حولها وهي تنظر بأرجاء الغرفة تبحث عن زوجته تلك! فنظر نحوها وقال بابتسامة:
-إيه بس يا فروحه مالك؟!
التفتت يمنة ويسرة وأشارت لنفسها قائلة:
-فروحه!! حضرتك بتكلمني أنا!!
قد علم مُسبقًا من الطبيب بتشوش ذاكرتها بقدر يجعلها لا تذكره أو لا تذكر بعض مواقفها معه مسح وجهه بكلتا يديه فيبدو أنه على وشك خوض معاناة جديدة لا يعلم نهايتها.
وكان فرح فهمت ما يجري إنه زوجها!! هل يُعقل! يبدو أنها دخلت برواية ما! هكذا حدثت حالها سحبت فرح والدتها من ذراعها بقـ وة وهمست بأذنها قائلة:
-هو مين ده يا شوشو!
أجابت والدتها بنزق:
-ده يوسف
همست فرح مجددًا:
-ايوه ما أنا عارفاه الدكتور يوسف… دكتوري في الجامعه.. بيعمل إيه هنا؟
وقفت شاهيناز وقالت بضجر:
-هو بقا يفهمك بيعمل إيه هنا…
نظرت شاهيناز ليوسف وقالت:
– أنا هخلي عمك يوصلني البيت أعمل فطار وهجيبلها هدوم وأنا جايه
اومأ يوسف رأسه قائلًا:
-ماشي يا أمي
سارت شاهيناز نحو الباب فصاحت فرح:
-ماما!! هتسيبيني معاه لوحدي؟
لوحت شاهيناز بيدها دون أن تلتفت لها وخرجت من الغرفة صافعةً الباب خلفها، أطلق يوسف ضحكة كالزفرة وهو يقبل نحو فرح قائلًا:
-هي سيباكِ مع حد غريب دا أنا جوزك يا فرولتي
جلس جوارها فتشبثت بالفراش كأنها تحتمي به وازدردت ريقها بتوجس، وهي تُطالعه بأعين متسعة، فنهض ووقف يستند بمرفقيه على ظهر المقعد المتحرك المقابل لها منحنيًا بجزعه العلوي للأمام وقال بابتسامة سحرتها:
-يا ترى فاكره كنتِ مسمياني إيه ولا نسيتِ دي كمان؟
تنحنحت بإحراج وقالت بخفوت:
-الحيوان… إنت الحيوان؟
ارتفعت ضحكاته قائلًا:
-تخيلي!! أنا طلعت الحيوان… قوليلي إيه اخر لقاء بينا في ذاكرتك؟
حدقت بالفراغ لوهلة وأجابت:
-في الكليه وأنا بقدم ورقي
اعتدل واقفًا وقال بتبرم:
-ده من زمان أوي يا فرح يجي من ٧ شهور… يعني إنتِ مش فاكره حاجه تاني
حاوطت فرح رأسها بكلتا يديها وقالت بتشوش:
– أنا مش فاهمه حاجه ولا فاكره حاجه! أنا حاسه إني بحلم
دنا يوسف منها ومسك يدها قائلًا بابتسامة:
-يا فرولتي احنا اتجوزنا واعترفتيلي بحبك إن شاء الله هتفتكري كل حاجه… أهم حاجه عندي إن إنتِ والنونو بخير
أخذت فرح تبدل نظرها بين ملامحه وعيونه التي تنضح بالحب ويده التي تمسك يدها وقالت ببلاهه:
-يعني دلوقتي حضرتك جوزي!!! و…. وانا حامل من حضرتك!!!!
عقد جبينه وقال بتعجب:
-حضرتي!!! لا دا إحنا رجعنا ورا أوي يا فرح
نظرت فرح خلفها وقالت بجديه:
-ورا فين؟
ضحك قائلًا:
-الصبر يارب… الصبر من عندك
___________________
ومع اقتراب وقت العصر كانت الوجوه متجهمة والأعين تروي عن مدى ألم القلوب وحزنها، أصرت هبه على آصف أن يغادر لأجل ابنته وارتدت هي ثياب عملها لتكون جوار وسام تدخل للعناية وتخرج لتطمئن قلوبهم المفتورة، وغادر محمود لعمله بعد أن أوصى أحمد ألا يترك رحيل حتى يوصلها للبيت وأعطاه مفتاح سيارته.
“نفسي أدخل أشوفها معدتش قادر أستحمل”
قالها فؤاد بنبرة راجية وهو يقف قبالة هبه التي خرجت من غرفة العناية المركزة لتوها فربتت على كفته قائلة:
-هي أصلًا لسه مفاقتش يا فؤاد
قبض على يدها وقال متلهفًا:
-أدخل أشوفها بس يا هبه… عشان خاطري ساعديني أدخلها
نظرت هبه لتجمع الدموع بمقلتيه وأطلقت تنهيدة خفيفة ثم قالت بإشفاق:
-طيب هحاول أدخلك… ثواني هستأذنهم جوه وأشوف
ولجت هبه للغرفة مرة أخرى، فظل فؤاد يحوم أمام بابها ذهابًا وإيابًا وهو يفرك يده بارتباك حتى خرجت هبه فدنا منها وطالعها بلهفة ينتظر كلمات الإذن ليدخل لوسام، فأومأت رأسها وقالت بابتسامة لم تصل حد عينيها:
-تعالى يا فؤاد ادخل
تنهد بارتاح وابتسم مرددًا: شكرًا يا هبه
ربتت هبه على ظهره وهو يخطو للداخل وقالت: ربنا يطمنك عليها يا حبيبي
وقفت هبه تنظر لتجمع أفراد العائلة قائلة:
-يا جماعه والله قاعدتكم دي ملهاش أي لزمه
دنت من والدة فؤاد التي تجلس على أحد المقاعد ويظهر الإرهاق على صفحة وجهها، ربتت على كتفها قائلة:
-قومي يا طنط ريحيلك شويه
سألتها والدة فؤاد بقلق ودموع:
-طمنيني يا بنتي هي هتقوم وهتبقى كويسه صح؟
-هتقوم يا طنط إن شاء الله إنتِ بس إدعيلها
مسحت دموعها وهي تقول:
-والله بدعيلها… يارب متوجعش قلبنا يارب
نظرت هبه لرحيل التي تجلس جوارها فلم تجف دموعها منذ البارحة، تُحمل حالها عبء ما حدث لصديقتها فالجميع يعرف أنها كانت المقصودة ولولا وسام لكانت الآن مكانها أو لكانت فارقت الحياة، اقتربت هبه منها وقالت بحنو:
-وإنت يا رحيل خدي أختك وامشي… وانت يا أحمد بتعمل إيه هنا!!! قوموا يا جماعه روحوا
قامت والدة فؤاد بتعب وانصرفت، وابتعد أحمد عنهم منشغلًا بالحديث عبر هاتفه، فدخلت هبه لوسام مجددًا.
مسحت رحيل وجهها بكلتا يديها لتجفف دموعها ونهضت واقفة، فوقفت سديل وسألتها:
-هنمشي؟!
رحيل بخفوت:
-روحي إنتِ يا سديل عشان أنا رايحه مشوار
سديل بتعجب:
-مشوار إيه!! رايحه فين؟!
ضغطت رحيل على أسنانها وقالت بغضب:
-رايحه لعمك
وقفت سديل أمامها وهدرت بها:
-إنتِ أكيد اتهبلتي… لا طبعًا مش هسيبك تعملي كده
رحيل بإصرار:
-أنا مباخدش رأيك على فكرة
لم تنتظر رحيل ردًا منها بل تركتها وانصرفت، فوقفت سديل تنظر لها وهي تغادر هاتفة بنبرة مرتفعة:
-استنـــــي… رحيـــل…
سمع أحمد صوتها فأنهى المكالمة ونظر إليها وهي تلتفت يمنة ويسرة بارتباك، ثم نظرت مرة أخرى تجاه أختها التي تعدو لوكر الأفاعي، وهتفت بانهـ يار:
-يا مجنـــــونه
وقفت سديل لوهلة تلتفت حولها مرة أخرى تحاول التفكير سريعًا فبمن تستغيث؟! هي تعلم جيدًا مدى عناد أختها وتشبثها برأيها إذا أصرت علي فعلِ شيء، فلن تقدر عليها مهما حاولت، لفت نظرها أحمد الذي يقف على مقربة منها يُطالعها بذهول فأقبلت نحوه بارتباك وخطوات متردده، وحين رأها أقبل هو الأخر إليها حتى وقف قبالتها وسألها بترقب:
-مالك فيه حاجه ولا إيه؟!!
فركت يدها بارتباك قائلة بنبرة مرتعشة:
-رحيل صممت تروح لعمي وأنا مش عارفه أعمل إيه؟!
انتفض أحمد وردد بصدمة:
-تروح لعمك!! طيب اجري نلحقها..
ركض أحمد وتبعته سديل مهروله لخارج المشفى وحين رأها أحمد ناداها:
-رحيــــل… استني بس نفسي اتقطع
وقف أحمد أمامها لاهثًا ووضع يده على قلبه قائلًا:
-إنتِ مدركه إنتِ رايحه فين؟! هما عمومًا ممكن يكونوا في القسم بيتحقق معاهم
أغلقت عينيها وفتحتها في سرعة قائلة بعناد:
-متحاولش تمنعني أنا هروح يعني هروح
ضم أنامله معًا وهو يحرك يده بهدنة قائلًا:
-طيب نفكر بعقل و..
قاطعته وهي تتخطاه وتسير قائلة:
-متضيعش وقتي ووقتك
وقف أمامها مجددًا وقال:
-يبقا هاجي معاكِ مش هسيبك تروحي لوحدك
نفخت بحنق وقالت بحدة:
-أنا مش عايزه حد يجي معايا
قبض يده وزم شفتيه لوهلة ثم قال بنفاذ صبر:
-اسمعي بقا ما إنت لو عنيده فأنا أعند منك… عايزه تروحي يبقا هاجي معاكِ… فاركبي معايا ونروح مع بعض بدل ما كل واحد فينا يمشي لوحده!
لم يعطها فرصة للتفكير بل اتجه للسيارة التي تقبع على مقربة منهم، ومسكت سديل يد أختها حتى نظر أحمد من نافذتة السيارة قائلًا:
-ها يلا ولا إيه؟!
أومأت رحيل رأسها موافقة وركبت بالمقعد الخلفي وركبت جوارها سديل التي كانت تتابع الموقف دون كلمة.
_______________________
نظر فؤاد لجسدها المستكين على الفراش وجهها الشاحب وخلجاته الزابلة، برقتا عيناه بدمعتين وانحنى جوار سريرها ليمسك راحة كفها، قائلًا بلوعة:
– إوعي تسيبيني يا وسام… أنا روحي مسحوبه مني… قومي بقا
شعر بلمسات أناملها لظهر كفه فابتسم ونهض واقفًا وهو يُطالع عينيها التي بدأت تفتحها ببطئ ووهن، ناداها بلهفه:
-وسام… سمعاني
حركت شفتيها دون صوت: فؤاد
انبسطت ملامحه بتهلل وقبل مقدمة رأسها وهو يقول:
-ألف حمد الله على السلامه يا بابا
انفرجت شفتيها بابتسامة باهته وقالت بنبرة هامسة: بحبها منك
مال بجزعه العلوي نحوها وسألها بابتسامة:
-بتحبي إيه؟
رمشت مطولًا وقالت بخفوت:
-بحبك لما تقولي يا بابا…
اتسعت ابتسامته قائلًا:
-بس أنا بقا لحب كل حاجه فيكِ
هزت عنقها نافية وقالت بوهن:
-لأ أنا بحبك أكثر… أقولك الدليل؟!
-إيه الدليل؟
-من حبي ليك مكنتش عاوزاك تتجوزني… عشان تتجوز واحده حلوه
-هو فيه حد أحلى منك أصلًا… أنا مبشوفش غيرك يا وسام
حاولت الإعتدال فتأوهت بقـ وة، ربت على يدها قائلًا:
-رايحه فين خليكِ زي ما إنتِ
تكرمشت ملامحها وكأنها تكتم ألمها بين ثناياها فسألها بلهفة:
-حاسه بإيه؟
تأوهت وقالت:
-عندي وجع في جسمي كله.. هو أنا حصلي إيه؟
مسح على شعرها قائلًا بحنو:
-متقلقيش الدكتور طمني إن الرصاصه بعيده تمامًا عن القلب الحمد لله… الجرح في كتفك الشمال من ورا… هروح أناديلك دكتور
وقبل أن يهم بالمغادرة دخلت هبه وقالت بابتسامة:
-دا الجميل صحى اهوه… حمد الله على السلامه يا قمر
وسام بابتسامة:
-الله يسلمك…
ربتت هبه على كتف فؤاد وقالت:
-طيب هروح أشوف الدكتور وأجي
______________________
ساد بينهم الصمت طوال الطريق ولم يقطعه سوى شهقات رحيل المتقطعة من حين لأخر، وكانت سديل تربت على كتفها وتجاهد لتتماسك مقيدة دموعها عن الخروج حتى ازداد تجمعها وفاضت بدون نحيب، وكلما اقتربوا من قرية عمها ازدادت خفقات قلبها.
نظرت رحيل لأختها التي تُطالعها بقلق وتظهر الدموع بأعينها ثم نظرت لأحمد وقالت بصوت مبحوح:
-أدخل من هنا لو سمحت
أحمد: يمين ولا شمال؟
اليسار يؤدي لبيت عمها واليمين يؤدي لمدفن والديها، بدلت نظرها بين الإتجاهين للحظات ثم نظرت نحو اليمين وقالت بدموع:
-يمين
سديل بذهول: هتروحي فين؟
أغلقت رحيل جفونها متألمةً وقالت بكلمات مختنقة:
-هروح عند بابا وماما
تخلي الهدوء عن سديل وهدرت بها:
-إنتِ بتتصرفي غلط… متهوره في كل حاجه مصممه توجعي قلبي وقلبك اكتر ما إحنا
وبنبرة مرتفعة متحشرجة قالت رحيل:
-أنا مطلبتش منك تيجي معايا
طالعها سديل بصمت ثم نظرت عبر نافذة السيارة للخارج تنحب وتبكي على تلك الحالة التي جرفت بهما أمواج الحياة إليها!
أطلق أحمد تنهيدة طويلة فكان يتابعهما خلال مرآة السيارة ويسمع أصوات شجارهما دون التدخل، يعتصر قلبه ألمًا على حالة سديل يتمنى لو يطمئنها لو يستطيع التربيت على قلبها جذبه من أفكاره صوت حيل:
-لو سمحت اقف هنا
أومأ رأسه وأوقف السيارة ارتجلت رحيل وأخذت تطأ الأرض بخطوات متثاقلة، كانت سديل تنوي ألا تتبعها وحين نظرت لأكتافها المتهدلة أشفقت عليها وتبعتها وارتجل أحمد هو الأخر وتبعهما ثم وقف على مقربة منهما ليستمع لكلامهما دون أن ينبس بكلمه.
مسحت رحيل القبر بيدها وقالت:
-بـــابـــا…. أنا محتاجاك تسندني…
شهقت باكية وهي تضع كلتا ذراعيها على القبر وكأنها تضمه بشوق وقالت بنبرة مرتجفة من البكاء:
-مـــامــــا… محتاجه حضنك الدافي..
جثت على ركبتيها على التراب قائلة بانكسار: أنا بمـ وت بالبطيئ مبقتش قادره أستحمل
انحنت لها سديل وضمتها قائله ببكاء:
-كفايه… كفايه يا رحيل عشان خاطري قومي يا حبيبتي… قومي نمشي
صرخت رحيل بانهـ يار وبصوت مبحوح:
-أنا مش همشي من هنا امشوا وسيبوني… سيبوني قاعده معاهم… هنا أرحم بكتير من دوشة الدنيا
ضمتها سديل وشهقت باكية أقبل أحمد إليهما وقال:
-مينفعش كده يا جماعه…
رمقته سديل سريعًا ومسكت يد أختها قائلة برجاء وبنبرة متحشرجة أثر البكاء:
-يلا نمشي يا رحيل عشان خاطري… أنا مش قادره أشوفك كده… مش قادره
افلتت رحيل يد أختها وسندت ظهرها لقبر والديها قائلة بجمود:
-امشي يا سديل… قومي امشي
نهضت سديل واقفة كانت ستصرخ بوجهها لكن لفت نظرها ابن عمها الذي يتلفت حوله يمينًا ويسارًا، يقف بين القبور ويقبض بيده على حقيبة سفر سوداء يجرها جرًا دليلًا على ثقلها، أشارت سديل لأحمد لينحني وانحنت هي الأخرى وهمست له:
-شايف الواد إلي هناك ده!
أحمد بهمس: ماله؟ حاسس إني شايفه قبل كده
بدات سديل نظرها بين أحمد ورحيل التي انتبهت لهما وقالت:
-ده ابن عمي… الواد ده مش مظبوط… إيه إلي جابه هنا بالشنطه دي وسط المقابر
كان الموقف كفيل بأن بنتشل رحيل من بين أحزانها ليبدؤا بمراقبة ذلك الشاب وتصرفاته المريبة، يختلسون النظرات حتى ظهر رجل أخر وأقبل نحو الشاب، كان يقف بظهره فتسسل ثلاثتهم بين القبور ليستمعون لحديثهما…
الرجل بغضب:
-أبوك ده شكله إتجنن بيدبس نفسه في جريـ مة قتـ ل عاوز الشرطه تقطرنا
الشاب بتبرير: أبويا معلش حاجه معرفش الزفت سالم ده اتهور ولا إيه.؟؟.. بس أبويا عمره ما يغلط غلطه زي دي!
نفخ الرجل بحنق وهو يحرك جلبابه بامتعاض وقال:
-سالم كان في شغل امبارح طول الليل معلش حاجه
صوب الشاب يده بالحقيبه وقال:
-طيب خد يا عمي سليمان الامانه دي خليها عندك لحد ما نشوف أخرة الموضوع ده إيه!
رفع أحمد رأسه يحاول رؤية وجه الرجل الأخر حين استدار واستطاع التقاط ملامحه، وكذلك رحيل وسديل، وضع أحمد سبابته على فمه يحذرهما ألا يتنفسا حتى يغادرا! انحنى أحمد واستند بظهره إلى أحد القبور وهما أيضًا، حتى اطمئن أنهم انصرفوا، فتنفس بارتياح وقال:
-الراجل إلي معاه ده أنا عارفه بس مش فاكر شوفته فين!
نظرتا كل من رحيل وسديل لبعضهما، ووقف أحمد يحك رأسه يحاول تذكر هذا الرجل حتى ارتفع صوت المؤذن، فتنهد بعمق ونظر لهما قائلًا:
-يلا يا جماعه نمشي المغرب أذن
وبعد خروجهم من بين القبور قالت رحيل:
-أسفه تعبتك معايا يا أحمد أنا تقريبًا مكنتش في وعيي
أحمد بابتسامة:
-عيب متقوليش كده يا رحيل إنتوا أخواتي
أصر أحمد على دعوتهما للإفطار بأحد المطاعم وشاركهم محمود وقصوا عليه كل ما حدث وبدأ يربط أساور الموضوع بعقله…
_____________________________
وبعد العشاء استقرت حالة فرح وأعطاها الطبيب تصريح خروج، تشبثت بيد والدتها وقالت بأعين متسعة:
-أنا مش هروح معاه إلا لما أفتكره
نظرت شاهيناز ليوسف وأشارت نحو فرح قائلة بنزق:
-كلم مراتك يا يوسف
نظر يوسف لفرح بملامح متسائلة فقالت فرح برجاء:
-لو سمحت يا دكتور سيبني أروح اقعد عند بابا يومين تلاته شهر كده أكون افتكرتك
-موافق بس هما يومين وبس… اتفقنا؟
اومأت رأسها متفهمة وقالت بتلعثم:
-أ… اتفقنا… اتفقنا طبعًا
ابتسمت بخبث، فإذا دخلت لبيت عائلتها لن تغادره إلا بإرادتها ستمكث كيفما شاءت، ابتسمت بمكر وقال بصوت وصل لمسمعهم: وإلي عايز يخرچني يفرچني
مصمصت شاهيناز بشفايها قائلة بسخرية:
-بتكلمي نفسك؟
ابتسمت فرح ببلاهه وهي تبدل نظرها بينهم قائلة بابتسامة:
-دا أنا كنت بجرب صوتي
ضحك يوسف قائلًا:
-خدي فرصتك يا حبيبتي
شاهيناز بحسرة:
-مش عارفه عملت إيه في حياتك يا يوسف يبني عشان ربنا يبعتلك بالجوازه دي!
_____________________________
وبعد أن اطمئن الجميع على وسام، غادروا وغادرتا رحيل وسديل مع أحمد ومحمود..
كانت وسام تفرك بفراشها، تتردد أن تقول لخالتها أنها تبغي الذهاب المرحاض تخاف من ملابسها المكشوفة، لا تريدها أن ترى جسدها المشوه فهي تُحكم الغطاء حول جسدها كي لا يرى أحد طرفه، نظرت لخالتها التي تجلس جوارها على المقعد تعبث بهاتفها، تنحنحت بخفوت وسألتها:
“خالتو… هو فؤاد هيتأخر؟”
قالت دون أن تنظر إليها:
-مش عارفه هتلاقيه جاي دلوقتي… عايزه حاجه ولا ايه؟!
لفت وسام وجهها للإتجاه الأخر وقالت بتلعثم:
-لا عادي… بسال عليه!
مضى ما يقرب من نصف ساعة، وشعرت وسام بوغزات الدموع المتجمعة بمقلتيها، فسألت خالتها مجددًا:
-خالتو هو فؤاد لسه مجاش ليه؟
خالتها بنزق:
-عايزه إيه بس من فؤاد؟
ضغطت شفتيها معًا وازدردت ريقها ثم قالت بارتباك:
-كـ… كنت… أصل كنت عايزه أروح الحمام
نهضت خالتها واقفة جوارها وهمت أن تسحب الغطاء عنها قائلة:
-طيب يلا وأنا أوديكِ
هزت وسام عنقها بعنق وهي تقبض على الغطاء بيد واحدة وقالت بحزم:
-لأ لأ لأ… لما فؤاد يجي
رفعت خالتها إحدى حاجبيها وعقدت يدها حول صدرها وقالت متخابثة:
-يا بت يعني هتتكسفي مني ومش هتتكسفي من فؤاد
وسام بعصبية:
-خلاص يا خالتو مش عايزه حاجه مش رايحه في حته
هزت خالتها عنقها باستنكار وخرجت من الغرفة لتهاتف ابنها وقبل أن تفعل وجدته يقبل نحوها، أسرع خطاه ووقف قبالتها متسائلًا:
-وسام نامت ولا إيه؟
تنفست الصعداء وقالت:
-يا سيدي عاوزه تروح الحمام ومش راضيه بيا عاوزاك إنت
عقد فؤاد بين حاجبيه وأشار لنفسه بيده متعجبًا وقال:
-أنا!!!
اومأت والدته برأسها بالإيجاب، فابتسم ثم نظر لوالدته وقال:
-طيب يلا هدخلها وهنخرج دلوقتي
-هنخرج! هو الدكتور مش كان بيقول يومين!
-لأ ما أنا قولتله ههتم بيها في البيت وهبه هتجيلها دايما
-طيب ادخلها إنت أنا هستنى هنا شويه على ما تلبسها طلما هي مكسوفه مني!
أرسل تنهيدة طويلة ثم فتح باب الغرفة وولج إليها مبتسمًا، تجهم وجهه عندما رأها تبكي ودنا منها قائلًا:
-بتعيطي ليه يا بابا؟
شهقت باكية وقالت:
-البتاع إلي أنا لابساه ده عريان وأنا مش عايزه حد يشوف جسمي وعاوزه أروح الحمام
ربت على يدها وقال:
-معلش أنا كنت بجيبلك هدوم… يلا بقا قومي معايا بالراحه كده هندخل الحمام والبسك هناك
وعند ارتجالها عن الفراش استندت بيدها اليسرى على الفراش وصرخت فإصابتها قريبة من ذاك الذاع، قال محذرًا:
-متحركيش دراعك الشمال ده خالص… أنا جبتلك رافعه ليه هلبسهالك وإحنا خارجين
وضع غطاء السرير حول جسدها وسندها حتى المرحاض..
وبعد دقائق
“يلا بقا يا وسام متعذبنيش”
قالها فؤاد برجاء وبصوت خافت وهو يقف جوارها بالمرحاض لم يلقى منها ردًا سوى طأطاة رأسها لأسفل وتشديدها في ضم الغطاء المُحكم حول جسدها، ألم تكن هي من أصر أن يكون جوارها بعد أن رفضت قطعيًا أن يرى تشوه جسدها غيره لمَ تبكي الآن! مسح دموعها بأنامله وهو يقول:
-بطلي عياط ويلا عشان تلبسي ونخرج… مش إنتِ مخنوقه من المستشفى؟
قالت بصوت مرتعش من البكاء:
-طيب… ممكن تشوفلي ممرضه أنا مش هعرف أخلع قدامك
مسك قبضة يدها لينزع الغطاء وهو يغلق عينًا ويفتح الأخرى قائلًا:
-لا ممرضه ولا حاجه… يلا يا حبيبتي بقا
أغلقت جفونها وتراخت قبضة يدها على الغطاء فسحبه فؤاد وأزاح باقي ملابسها كانت دموعها تنهمر دون هواده، رمق تشوهات جسدها سريعًا لا يُنكر أنه تفاجأ للحظات لكن لم يكن تفاجئه سوى شفقة عليها ورأفة بحالها، حمد الله في سريرة نفسه فقد تخيل مسبقًا شكلها وظن الأمر أبشع من ذلك، لمس أكتافها المكرمشة أثر الحـ روق ثم دنا منها وهمس جوار أذنها بصوت رخيم:
-برده أحلى واحده في الدنيا كلها…
مسح دموعها بأنامله وقال:
-يلا بقا نلبس عشان نخرج من المستشفى دي
اطمئنت بعد كلماته تلك وصوته اللين، فتحت جفونها تُطالعه وهو يُلبسها ثيابها وتتأمل ملامحه المنفرجة والإبتسامة المتألقة التي تزين ثغره، تنفست بارتياح وشعرت وكأن حملًا ثقيلًا إنزاح عن قلبها بعد رؤيته ما تواريه ويُنغصها، وكأن ابتسامتها طُبعت على شفتيها فزينت وجهها.
______________________________
صلوا على خير الأنام ❤️
جلستا بالسيارة تنتظران أحمد ومحمود اللذان دخلا لأحد المحلات بمكان الحادث يفرغون الكاميرات لمعرفة وجه الرجل الذي أطلق النار.
اقترب منهما سائق التوكتوك وقال بخبث:
-منورين يا قطاقيط هو أنا مليش من الحب جانب ولا إيه؟
نفخت رحيل بحنق فما كان ينقص يومها غير أن ينتهي بسخافة هذا الشاب، قبضت على يد أختها ونظرت للإتجاه الأخر دون تعقيب، فارتجل الشاب من التوكتوك وادخل رأسه من السيارة وتفحص رحيل قائلًا بجراءة:
-دا أنا حتى هدفع زي بتوع الملاكي وزياده ولا انتوا شغلكم بالحجز ولا إيه؟ عايز أحجز طيب!
غلى الد**م بعروق رحيل وهدرت به:
-ياخي اتقي الله دا احنا في رمضان… اقسم بالله لو ما مشيت حالًا وبعدت عني نهائي لأوديك في داهيه
ضحك قائلًا بسخرية:
-ياما تصدقي خوفت يا بت
كانت سديل تستمع للحوار بصمت تحاول السيطرة على خوفها ودقات قلبها الهلع والمكلوم، حتى استفزها ضحكته فهدرت به بحدة:
-إنت عاوز إيه! على فكره الكلام إلي بيتقال علينا كله كدب ارحمونا بقا
التفت الشاب حوله وخاف أن ينتبه له أحد فعاد يستقل التوكتوك وبعد تشغيل محركه أخرج رأسه من بابه قائلًا بخبث:
-ماشي يا حلوه إنتِ وهي مسيركم هتقعوا تحت إيدي
شهقت رحيل باكية وضمتها سديل لتبكي هي الأخرى وهي تقول بنبرة مرتعدة:
-أنا تعبت… تعبت… تعبت يارب…
شددت رحيل على ضمتها فأردفت سديل بنحيب:
-مش قادره بقا يا رحيل مش قادره أستحمل همــــوت… همـــوت
صارعت سديل لتلتقط أنفاسها وشيئًا فشيئًا ازداد تحشرج أنفاسها وارتفع صوت شهقاتها فصرخت رحيل:
-لأ لأ سديل اهدي بالله عليكِ
رفعت رحيل النقاب عن وجه اختها وفتحت نوافذ السيارة ومازالت أختها على حالتها كأنها تختنق وتجاهد لتدخل ذرات الأكسجين لخلاياها، التفتت رحيل حولها بارتباك ثم نظرت لها وقالت بنحيب: فوقي يا سديل… فوقـــــي
ارتجلت رحيل من السيارة وركضت لتنادي محمود، اقتـ حمت المحل ونظرت لمحمود صارخة:
-إلحقـــني… سديل بتموت
******
لا يدري كيف مر الوقت حتى وصلوا للمستشفى وهو يحملها بين يديه ويركض بها وهي تتشبث بقميصه وتصارع لإلتقاط أنفاسها، صدرها يعلو ويهبط بعـ نف وكأنه يخبر عن صرخات قلبها المسكين، أصبح هو الأخر يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة أثر ركضه بها حتى دخل بها الإستقبال والتف حولها التمريض والطبيبة، جلست رحيل بجوارها تصرخ:
-متسيبينيش… قومي
دقائق مرت عليهم ببطئ حتى عادت سديل لوعيها وانتظم تنفسها وكانت أول ما قالته بوهن:
-النقاب
كان الجميع يحدق بوجهها متناسين تمامًا أمر نقابها فقالت رحيل:
-نسيته في العربيه والله يا سديل
محمود برتابه:
-يلا هنمشي اهوه…
لم تسمعهما فلا تدري كيف غفت عيناها وغابت عن الوعي فتقريبًا كان تأثير المهدئ!
نظر محمود لرحيل وقال:
-إنتوا لازم ترتاحوا شويه
رحيل بإرهاق:
-منمناش من امبارح أكيد ده إلي تعبها بالطريقة دي
كان أحمد يتابعهما بصمت، اقترب محمود ليحمل سديل فاوقفه أحمد قائلًا:
-استنى يا محمود… أنا إلي هشيلها
لم يعطه فرصة للإستيعاب ليرفض أو يخضع بل غطى وجهها بطرحتها وحملها، وبعد وصولهم للبيت حملها مرة أخرى حتى فراشها وجلست أختها جوارها لتطمئن عليها، ولى ظهره ليغادر لتتفاجأ أختها ويصل لمسمعه صوتها الخافت:
-أحمد…
خفق قلبه حين سمعها اسمه من بين شفتيها، التفت ينظر إليها فكانت تهزي أثناء نومها لا أكثر لذا خرج من الغرفة وسند على الجدار بإعياء قائلًا:
-متعدتش قادر أقف على رجلي
نظر إليه أفراد العائلة “هشام، شاهيناز، فؤاد، نوح، محمود ورحيل التي خرجت من الغرفه قبل دقيقة” حاوط محمود رأسه بكلتا يديه قائلًا بتعب:
-يوم صعب جدًا جدًا… الحمد لله إننا طلعنا منه بعقلنا..
_________________________
أيظن أني لعبة بيديه؟
أنا لا أفكر في الرجوع إليه
اليوم عاد كأن شيئا لم يكن
وبراءة الأطفال في عينيه
ليقول لي: إني رفيقة دربه
وبأنني الحب الوحيد لديه
نزار قباني
وبعد يومان في عصر اليوم
خرجت «هبه» من عملها وقفت أمام المشفى تنتظر سيارة أجرة تستقبلها للمطعم فوقف «أيمن» أمامها بسيارته همست لنفسها بضجر:
-اللهم إني صايمه
أخرج رأسه من نافذة سيارته قائلًا بابتسامة:
-اركبي أوصلك يا هبه
ابتعدت عنه ولم تعقب فقال مجددًا:
-اديني فرصه أثبتلك إني اتغيرت وإني محبتش غيرك
قالت بملامح منكمشة بتبرم:
-هو إنت مجنون… يعني مش قادر تستوعب إني ست متجوزه!
نظر لها برجاء قائلًا:
-انا ندمان والله يا هبه اديني فرصه
زمت شفتيها وقالت بنزق:
-إنت أكيد مش طبيعي..
تركته وغادرت سيرًا على قدمها لتهرب من كلماته وتوسلاته الواهيه فهي لن تترك آصف وچوري مهما حدث، أما هو فنظر لأثرها بحسرة وقال بيأس: الظاهر مفيش فايده
لم تكن ترى ذاك الرجل الذي يتبعها ويرميها بنظرات حادة متوعدة للإنتقام وأعصاب ثائرة متوهجة، ينتظر فقط فرصة مناسبة لينقض عليها، أشارت هبه لسيارة أجرة لتستقلها للمطعم غير عابئة بأي شيء يدور حولها، ارتجلت من السيارة ودخلت للمطعم فوجدت والدتها تجلس مع آصف ويضحكان يبدو أن دعواتها قد أجيبت فهي دائمًا ما تدعي لها بالهدى والرجوع، وما أن رأتها والدتها وقفت وضمتها قائلة:
-مستنياكِ من بدري يا بنتي أخيرًا جيتِ
خلعت هبه حقيبتها وجلست مقابل والدتها قائلة بابتسامة:
-معلش يا ماما الشغل بقا
ساد الصمت للحظات فقطعته هبه: بابا عامل؟
-الحمد لله… بصي أنا جيتلك اعتذرلك أنا كنت متعصبه يوم العزومه بسبب اخوكِ متزعليش مني
-ولا يهمك يا ماما حصل خير
والدتها بنبرة يتجلى بها الندم:
-إنتِ بنتي يا هبه يعني بحبك زيك زي أخواتك
ربتت هبه على ظهر يدها وقالت:
-ماشي يا ماما
آصف بابتسامة:
-انا قولت لماما يا هبه نفطر مع بعض بقا هنا النهارده إيه رأيك؟
هبه: ياريت طبعًا…
ضحكت والدتها قائلة بمرح يناقض طبيعتها الغليظة:
-ما أنا بقوله يا هبه هتعملنا خصم على الأكل قالي الوجبه أمو ٢٠٠ هديهالكم ب ٤٠٠
تعالت ضحكاتهم وسط نظرات هبه المصدومة والمذهولة من تغير والدتها بين يومين…
ردد بلسانك
استغفر الله وأتوب إليه 🌹
_____________________________
جلست وسام بالحديقة جوار فرح تتحدث معها حول ما يدور تلك الأيام وتذكرها بمواقفهما معًا وتحكي لها عن سديل ورحيل وما يحدث معهما، فقالت فرح بأسى:
-إنتِ متخيله فجأه كده تنامي وتقومي تلاقي نفسك متجوزه وحامل كمان وأخوكِ متجوز وإنتِ كمان اتجوزتي يا وسام… حاجات كتير حصلت مش فاكراها… إحنا كبرنا أوي
وسام:
-يبنتي روحي بيتك بقا إنتِ هتفضلي هنا لحد امته؟
وضعت فرح يدها على قلبها وقالت:
-مش عارفه يا وسام مش متخيله إني أعيش مع الدكتور يوسف كده أنا بتكسف منه أوي
-بتتكسفي منه!!!
-إحكيلي أنتِ هو أنا كنت مبسوطه معاه؟
-أيوه كنتِ بتحبيه وهو كمان بيحبك جامد جدي
نظرت وسام لأبيها وزوجته اللذان ولجا للتو تجهم وجهها وتنهدت بعمق وهي تعتدل في جلستها وقالت:
-ادخلي جوه يا فرح عشان بابا ومراته شكلهم جاين يطمنوا عليا
نهضت فرح واقفة ونظرت نحوهم ثم لوسام وقالت:
-ربنا معاكِ إنتِ بقا
وبدون سلام قالت عبير بامتعاض وهي تحرك سبابتها بوجه وسام:
-اسمعي يا بت أنا جايه أقولك كلمتين شيلي ابني من دماغك
قال والدها بحده:
-إنتِ بلغتي عنه إنه ضـ ربك مش هتبطلي تفتري عليه؟ عايز أعرف بتكرهيه ليه؟
أطلقت وسام ضحكة مهزومة وقالت بسخرية:
-انتوا جاين عشان كده! وأنا إلي قولت جاين تطمنوا عليا!
صرخت عبير بوجهها قائلة:
-سالم معلش حاجه… زمان برده افتريتي عليه وقولتِ إنه حـ رقك هو هيعمل كده ليه يعني؟
انحنى والدها وجذبها من ملابسها بعنـ ف قائلًا بنبرة مرتفعة حادة:
-شيلي سالم من دماغك وحلي عني بقا أنا مصدقت خلصت منك وبرده مشاكلك بتجيلي
شهقت وسام باكية وقالت بضعف:
-أنا كنت بموت يا بابا… فيه رصاصه دخلت في جسمي إنت عارف ده ولا لأ! إنت جاي تقولي إيه؟ ده مفيش ذرة خوف عليا في عينك!
ابتسم بسخرية وهو يتفحصها من أعلى لأسفل قائلًا:
-ما إنت زي القرد أهوه
وقفت وسام وقالت بجمود:
-تمام وأنا مليش دعوه الشرطه إلي بتحقق عن إذنكم
تركتهما وولجت للبيت ودموعها تنساب على وجنتيها قهرًا، فنظرت عبير لزوجها وقالت:
-شايف قلة أدب بنتك!
خرج والدها من البيت متجهمًا غاضبًا وتبعته زوجته فرآهما فؤاد وهو يدخل للبيت فارتجل من سيارته وأخذ يعدو للداخل يبحث عنها كالمجنون حتى وصل للشقة فوجدها تقف بهدوء أمام نافذة في ردهة البيت تنظر للخارج بهدوء وشرود، ضمها من الخلف وسند ذقته على كتفها ثم همس جوار أذنها:
-بتفكري فيا؟
رسمت ابتسامة على شفتيها والتفتت له قائلة:
-أنا موافقه فرحنا يبقا بعد العيد
تلاشت ابتسامتها وأدمعت عيناها فضمته محاوطة ظهره بيدها الحرة وقالت:
-أنا محتاجلك أوي
حاوط ظهرها بكلتا ذراعيه وقال بحنو:
-لا وحياتك بلاش دموع مبقدرش أستحملها
___________________________
تبقى على انتهاء الشهر الفضيل يومان
وبعد انتهاء سديل من صلاة التراويح جلست في غرفتها تُحدث رضوى التي أرسلت لها:
“أنا بعمل ذنب عظيم ومش عارفه ابعد عنه”
سديل: “رددي دايما اللهم ارحمني لذة معصيتك وأرزقني لذة طاعتك”
رضوى: “أنا بحبك يا سديل”
سديل: “يبنتي الشات بتاعنا كله حب وقلوب حمرا كده هنتفهم غلط”
رضوى: “أنا عشقتك ومش قادر أبعد أكتر من كده”
سديل: “أنا خوفت منك يا بت إيه العشق الممنوع ده”
رضوى: “متقلقيش طلما الموضوع in bublic ومفيش feeling يبقا so what”
سديل: “الجمله دي فكرتني بيه… مش عارفه يا رضوى أنا ساعات بحسك بتقولي كلام كتير زيه… أحمد ده هو الوحيد إلي خلاني أنسى كل النظريات وكل الحدود بجد ربنا يصبرني على قلبي”
رضوى: ” رددي دائمًا اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك”
سديل: “سلام بقا هقوم أنزل تحت… بكره كتب كتاب أختي وخطيبها جاي دلوقتي.. عقبالك”
رضوى: “كثفي الدعوات أنا أصلًا عايزه أتجوز امبارح… سلام”
أغلقت هاتفها وابتسمت ثم زفرت بقـ وة تحاول طرد انفعالات قلبها، عدلت من نقابها أمام المرآة ونزلت للأسفل، تريد فقط رؤيته لتملي نظرها منه غير عابئة بغض البصر ولا كل النصائح التي كانت تنصح بها أختها ومن حولها…
ردد
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ❤️
__________________
وفي سيارة محمود نظر لأخيه قائلًا:
-هتفضل تبص للموبايل وتضحك كده كتير!
أغلق هاتفه وقال بتلعثم:
-كنت بكلم واحد صاحبي… كنت بتقول حاجه؟
رمقه محمود في سرعة ثم تابع الطريق وقال:
-إيه حكاية سديل؟
استحلب أحمد ريقه وقال بتلعثم:
-رحيل وسديل بعتبرهم أخواتي… بتسأل ليه؟
قال سؤاله الأخير وهو يمسح على شعره بارتباك، شعر به محمود فقال بتفهم:
-مفيش بسأل عادي… كنت بطمن على حاجه واطمنت
نظر أحمد عبر النافذة ليتابع الطريق دون كلام مما أكد شكوك محمود فهو يعرف أخيه جيدًا..
ردد بلسانك
استغفر الله وأتوب إليه ♥️
______________
جلسن النساء بالحديقة يتسامرن فنظرت شاهيناز لفرح وقالت:
-جهزي نفسك عشان هتمشي مع جوزك بعد التراويح
نظرت فرح خلفها وأشارت لنفسها قائلة بتعجب:
-بتكلميني أنا!
-اومال بكلم مين! فيه حد سايب بيته وطفشان هنا غيرك!
ضـ ربت فرح صدرها وقالت بصدمة:
-إنتِ بتطرديني من بيت أبويا يا شاهيناز
وقبل أن ترد شاهيناز تبدل امتعاضها لصدمة وفغرت فاها بذهول حين وقفت وهيبة أمامهن وهي تطالعهن بشموخ وعظمة، ترتدي الملابس الداخليه للجد، شورت أبيض قصير فوق بنطالها الأسود الذي يلتصق بجسدها وفانله بحملات بيضاء على تيشرت اسود بأكمام طويلة، ارتفعت شهقاتهن على منظرها الصادم، فيبدو أنه قد حان الوقت لتمثل أحد المشاهد التي شاهدتها في التلفاز! هبت شاهيناز واقفة وصرخت:
-إيه إلي إنتِ عملاه ده يا حجه وهيبه؟
وهنا دخل الجد يتبعه الرجال وخلفهم أحمد ومحمود….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى