روايات

رواية وبها متيم أنا الفصل الأربعون 40 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا الفصل الأربعون 40 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا الجزء الأربعون

رواية وبها متيم أنا البارت الأربعون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيم أنا الحلقة الأربعون

على الاَريكة التي تحتل جزءًا كبيرًا في جانب الشرفة الخاصة بغرفة نومه، بنصف جلسة كان متكئًا على الوسادة القطنية بما يقارب النوم، ينفخ الدخان الرمادي من السيجارة، لتشكل سحبّا من حوله، وقد كان شاردًا في أفكاره السوداء، بعد أن تجرأت هذه الهبلاء في تحديه، وكأنه فقد السلطة عليها، وأصبح أمره لا يعنيها، وهذا نتاج تهوره ورد فعله المبالغ فيه، لقد اخطأ حينما ضربها، ولكنها لم تترك له خيارًا، حينما ضغطت بكل غباء تذكره بزواج الأخرى وحق الاَخر في لمسها، لقد غلى الدم في عروقه، واشتعلت رأسه بلهيب الغيرة، لا يتصور ولن يتقبل بحدوث ذلك، مرار حلقه من شيء بوغت به كالصاعقة التي نزلت عليه لتفقده اتزانه، لقد كان على وشك ارتكاب جريمة ولولا احتفاظه بالقليل من عقله لكان فعلها، وخسر معها حياته، قرار الإنسحاب ومغادرة الحفل جاء في الوقت المناسب، قبل أن يتهور ويحدث ما لا يحمد عقباه.
– كل دا دخان يا ابراهيم؟ إيه يا بني حريقة سجاير؟
تمتمت بالكلمات سميرة وهي تدلف للشرفة من خلفه ويدها تلوح في الهواء بسعال خفيف، ليعقب لها مستهجنًا:
– بتكحي ليه؟ دا احنا حتى في الهوا، مش في مكان مقفول.
– ايوة يا خويا بس انا صدري ما بيستحملش.
اردفت بالاَخيرة تسحب السيجارة من بين أصابعه، ثم تدعسها تحت قدمها مستطردة:
– وانا عايزاك في موضوع مهم
هتف مستنكرًا فعلتها مرددًا بذهول:
– موضوع ولا هباب؟ انتي ازاي تعملي كدة اساسًا وتدوسي ع النعمة؟
اقتربت سميرة بكرسيها لتجلس مردفة بعدم اكتراث:
– هما دقيقتين وهكلمك فيهم، اتصبرهم شوية وبعدها نيل اللي عايز تنيله
تقلص وجهه بامتعاض ليرضخ مستسلمًا لإلحاحها، والتقطت هي الإشارة لتدخل في حديثها مباشرةً:
– بقولك ايه؟ ابوك كلمني دلوقتي، وعايزك تتلم انت وأمنية في اقرب وقت، هيخلص الباقي من شقتك وهيكمل الناقص من جهاز البت عشان نخلص بقى.
– نعم يا غالية ؟
تفوه وبها ومال بوجهه نحوها يطالعها بنظرة كاشفة، ليتابع بفراسة:
– دا مش كلام ابويا يامة، دا اقتراحك اللي انتي اقنعتيه بيه، صح ولا انا غلطان؟
ارتفع حاجبها لترد على سؤاله بإصرار وتصميم:
– لا يا خويا مش غلطان، وانا عاملة كدة مخصوص عشان نختصر بقى ونقفل الصفحة اياها، اللي انت عارفها كويس.
قلب عينيه بسأم، وقد فهم ما ترمي إليه وهو قصته مع شهد، لينكر بكذب مفضوح يدعي عدم الفهم:
– هتقولي بقى صفحة ونحزر ونفزر، قاعدين في فوازير شريهان احنا!
بحنق يسري بداخلها فاجئته بأن امتدت يدها لتقبض على ذقنه بعنف، فتضع عينيه نصب خاصتيها وتردد بغضب:
– بقولك ايه يا واد، متلفش وتدور عليا، انتي فاهمني وانا فهماك، لازم تشيل البت دي من دماغك يا ابراهيم، كفاية اللي حصل زمان وربنا ستر عليه، مش نقلب في المدفون من تاني، فوق بقى واصحى لنفسك، ولا انت عايز الميت يصحى من قبره؟
نزع يدها ليهدر بغضب عاصف، كازًا على أسنانه بهمس حذر:
– ميت مين اللي يخرب عقلك؟ انتي عايزة توديني في داهية يامة؟
استدركت لوضعهما بداخل الشرفة وخوف ابنها المبرر؛ إذا سمعهم أحد ما من الجيران، فتنقلت انظارها للخارج بقلق، لتعود اليه بمهادنة، بعد ان فقدت حكمتها منذ قليل، تعطيه الحق في غضبه منها، لتربت بكفها على صدره مرددة:
– معلش يا حبيبي سامحني، انا بس هاممني مصلحتك، عايز اطمن عليك يا بني، ريح قلبي ووافق بقى، نفرح بيك مع بنت خالتك، تتهنى معاها وتخلف عيال، دي بتتمنالك الرضا ترضى يا حبيبي.
ظل على تجهم وجهه يناظرها بصمت وسخط، غير متقبلًا لما تفوهت به، وزلة لسانها التي كادت ان تفصح بها لتكشف عن المستور، وما دفن بسره منذ سنوات.
❈-❈-❈
بداخل غرفتها وقد كان يصلها صوت والدتها وهي ترحب مهللة بمجيء شقيقيها الاثنان، تصيح بعفويتها وفرح الأم برؤية الأبناء بعد فترة طويلة من الغياب .
– يا نور عيني يا حجازي، عامل ايه يا حبيبي انت وعيالك؟ وانت يا فراج، بناتك كبروا ولا لساهم لسة صغيرين يا واد؟
اغلقت صبا فتحة الباب الصغيرة لتعود إلى صديقتها التي ما زالت تلازمها في الغرفة، تتمتم بهمس حذر:
– ابويا حسه مش طالع، وخواتي نفسهم حسهم واطي مع امي، مش بيهزروا زي عادتهم.
عقبت مودة تخاطبها بدعم:
– قوي قلبك وخليكي واثقة في نفسك زي ما قال مستر شادي، وافتكري هو موصيكي وقايلك ايه؟
أومأت برأسها تتذكر النصائح التي كان يشدد بها على اسماعها منذ قليل حينما حدثته في الهاتف، بناءًا على رغبته كما قالت لها مودة، ليعطيها شحنة مكثفة من الدعم والمؤازرة، ودفعة من الكلمات المشجعة، كي تنفض عنها غبار الضعف وتأثرها بما تناقلته الصفحات المغرضة من بهتان واثم في حقها، فتستعيد شخصيتها الواثقة، وتجهز نفسها لمواجهة الإعصار القادم.
– يا صبا ، بت يا صبا تعالي سلمي على خواتك.
جاءها الصوت البعيد كمحفز لخلاياها العصبية ومنشط قوي لذهنها تحضيرًا للنزال الشرس،
تمتمت بالأدعية قبل أن تتوجه بالسؤال نحو مودة:
– طب انتي هتمشي ولا هتستني؟
ردت بجرأة جديدة على طبيعتها المسالمة:
– انا معاكي ومش همشي غير لما اطمن عليكي، وحتى لو فيها طردي برضوا مش ماشية.
ابتسامة ابتهاج ارتسمت على وجه صبا، مع زفرة مطولة تسحب به شهيق مكثف ثم تطرده لتخفف به توترها، وتعيد التمتمة بالأدعية وهي تفتح الباب ذاهبة نحو تحديد مصيرها:
– انت المعين يارب .
❈-❈-❈
كما كانت تتوقع، حينما خرجت لتستقبلهم مرحبة، كانت الهيئة الظاهرة لهم، لا تبتعد ابدا عن الجمود والتجهم وقد ذهب عنهما المرح المعتاد، ليحل خلفه عبوس بتماسك واهي وأعصاب على وشك الانفجار، كما بدا وقع الخبر على والدها جليًا وبوضوح، وبسكون ما يسبق العاصفة:
– مساء الخير، حمدلله ع السلامة يا حجازي، حمد ع السلامة يا فراج.
جاء رد الاَخير بلهجة متهكمة:
– يا أهلا بست الحسن والجمال، اللي مشرفانا ورافعة راسنا في الدنيا كلها.
تغاضت صبا عن الرد عليه، وتركزت ابصارها نحو والدها، تخاطبه بألم يحز بقلبها رؤيتها له هكذا خاليًا من حيوته:
– مالك يا بوي؟ جاعد ليه ساكت؟
تدخل حجازي متكفلًا بالرد عليها:
– بتسألي وتتعبي نفسك ليه؟ دا حتى الراجل فرحان بيكي، مش انتي برضوا يا ست صبا اثبتي وجودك دلوك وبقيتي حاجة يفتخر بيها، زي ما كنتي بتوعديه دايمًا،
فردت ظهرها وامتدت ذقنها للإمام، لترد بثقة وشجاعة في مواجهة الموقف:
– بجولك ايه يا حجازي، خوش في الموضوع على طول وبلاها منه تلجيح الكلام يا واد ابوي.
– وه دي حسها عالي وعينها جوية كمان؟
تفوه بالكلمات مندهشًا فراج شقيقها، والذي لا يفرق سوى سنوات قلائل عنها، أي أنه قريبًا إلى حد ما من عمرها، ليجعلها تواجه بندية، على عكس حجازي الأخ الأكبر، والذي تكن له احترامًا كأبيها:
– وميبجاش عيني جوية ليه وانا صاحبة حج، انا مغلطتش يا فراج؟ ولا انت عندك شك في تربية ابو ليلة؟
تمتمت زبيدة بارتياب وعدم فهم لما يحدث من نقاش محتدم:
– وهو فيه إيه؟ مالها صبا ولا عملت ايه؟
– استنى يامة معلش دلوك، بعدين هنفهمك.
تفوه بها حجازي، أما فراج فقد صفق بكفيه ساخرًا ليرد على شقيقته محتدًا، وقد نهض عن مقعده ليقابلها:
– الله عليكي وعلى تربيتك يا بت، دا انتي النهاردة اسمك مسمع في مصر كلها، بتتجابلي مع رجالة غريبة في المطاعم وتتصوري كمان يا صبا، هي دي شغلتك يا بت ابو ليلة؟
قابلت تهكمه بصيحة المظلوم تدافع عن موقفها:
– خلي بالك من كلامك يا فراج، وافتكر كلام ربنا ع المحصنات، دا انا اختك، ان ما كنتش انت تدافع عني جصاد الغريب مين هيدافع؟
– يدافع عن مين يا بت؟
هدر بها غاضبًا وقد كان على وشك الفتك بها، لولا صوت أبيه الذي منعه بسلطة قائلًا:
– اجف عندك يا واض، هتضربها جدامي ولا إيه؟
صوته الدافئ رغم ما يغلفه من غضب، فقد كان كالنجدة لها، تطلعت إليه باستجداء قائلة:
– شوفت يا بوي، فراج مصدق وعايز يفش غليله فيا، بيصدج على أخته؟
ظل صامتًا لبعض الوقت يرمقها بغموض اثار بها الإرتياب، رغم وجود نبتة الأمل بداخلها في إقناعه،
ليجهد كل ذلك ويفاجئها بقراره:
– روحي لمي خلجاتك عشان تروحي معاهم يا صبا…..
شهقت صارخة بخيبة أمل:
– بتقول ايه يابوي؟ عايزني اروح مذلولة مع اخواتي، دا انا الموت أهون لي، اسمعني يابوي وبلاش تحكم عليا اخواتي في عز ما انا محتاجاك.
تجمد والدها عن الرد، واللوم بنظرته يخبرها بحجم خطئها، وأنها لم تترك له خيار، ليتكفل حجازي بالرد حازمًا:
– اسمعي كلام ابوكي يا صبا، احنا مش واخدينك ندبحك، احنا هنروح بيكي نسترك مع أي حد من عيال عمك، فضيها بجى احنا مش ناجصين فضايح.
صدرت هذه المرة صيحتها بانهيار، وقد لاح امامها مستقبلها وما قد تواجه بناءًا على هذا البهتان:
– على موتي ما يحصل، حتى لو فيها جواز من واد عمي، لا يمكن اجبل اعيش مكسورة العين جدامه، انا غالية وتوبي ابيض مفيهوش بقعة توسخه.
هم فراج بالرد عليها ولكنه توقف على دخول هذا الرجل الغريب بغير استئذان فور أن فتحت له والدته:
– مساء الخير يا عم ابو ليلة، انا اسف على الدخول في وقت حساس زي ده يا جماعة، بس بصراحة مقدرتش اقعد واقف مستني، انا عارف بالموضوع كله من أوله، وأكيد دا سبب الخناق اللي واصلي من عندكم.
تطلع الشابين إليه بحاجبان مقلوبان وكأن من يحدثهم بمجنون ولا يعي بخطورة الأمر، وتكلم ابو ليلة يفصح له عن اعتراضه رغم تقديره لشخصه:
– يا شادي يا ولدي انت ليك كل الإحترام، بس اعذرنا بجى، دا موضوع عائلي.
احتج باستماتة في الدفاع عنها، غير اَبهًا بصورته أمامهم، ولا بما قد يحدث بتدخله:
– لا يا عم ابو ليلة، الكلام دا يخصني معاكم، صبا مش تبقى جارتي وبس، ولا اكمنها شغالة في القسم عندي في الفندق، لا يا جماعة، اللي حصل وياها ظلم بين، وانا لا يمكن افضل ساكت عن الحق، حتى لو على موتي.
فراج الغاضب هم أن يعنفه لتدخله، ولكن شقيقه الأكبر اوقفه بنظرة محذرة، ليتكفل هو بالرد امام صمت ابيه:
– يا استاذ شادي الله يرضى عنك، احنا لا عايزين كلام ولا حديت، بتنا وعارفينها زينة وتمام التمام كمان، بس منعًا للاحراج يا واد عمي، وعشان نجفل باب اللت والعجن عليها، هناخدها من جاصرها تيجي معانا، ولا هي سترة البت في جوازها بجت عيبة؟!.
سمع الأخيرة ليردف بانفعاله متشنجًا:
– ابدا وربنا ما يحصل، صبا مش هتعتب باب الشقة دي ولا هتخرج معاكم الا ان كان بخطرها، وبعد انتوا ما تسمعوا بالحقيقة كلها.
– تاني برضوا هيجولي حجيجة، يخرب مطنك، ايه النصيبة دا يا بوي؟
هتف بها فراج قبل ان يلتفت مع الآخرين نحو شهد التي دلفت بزوجها هي الأخرى مقتحمة الشقة، لتلقي التحية على عجل، قبل ان تتلقى انهيار صبا على صدرها:
– شوفتي اللي بيحصل معايا يا شهد؟ ابويا عايز يسفرني ع الصعيد وعلى ذنب انا معملتوش، يرضيكي يا شهد؟
أردف شادي مخاطبًا لها هو الاَخر:
– ارجوكي يا اَنسة يا شهد، كلمي الحج خليه يسمع مننا، دا احنا معانا الدليل، والبنت اللي شاهدة على الحكاية كلها، مودة تعالي يا مودة.
خرجت المذكورة على النداء من غرفة صبا التي ظلت حبيسة بها تنفيذًا لتعليماته المسبقة لتعلق زبيدة بذهن مشتت، وعقلها لا يستوعب حتى سبب ما يدور حولها:
– وايه دخل مودة؟ هو ايه اللي حاصل؟ أنا مش فاهمة حاجة.
عاد شادي في مخاطبته للجميع:
– مودة هتفهمك وهتفهم كلهم بالمكيدة اللي اتدبرت لصبا، عشان تشويه سمعتها، بس جوزك يسمح لها الأول.
تدخلت شهد في مؤازرة واضحة تناجيه:
– خليها تتكلم يا عم ابو ليلة واسمع منها، وحياة غلاوتي عندك يا شيخ.
حسن ايضًا لم يقبل على نفسه ان يظل سلبيًا أو مكتوف الأيدي وأضاف على قولها :
– لو ملهاش غلاة عندك، يبقى ع الاقل اعمل حساب دخلتي أنا عندك لأول مرة، هو انا مليش أي معزة عندك يا راجل؟
❈-❈-❈
اغلقت مجيدة على فرن الموقد الغازي، بعد أن تأكدت من قرب نضوج الطعام الذي تعده للمأدبة التي تُجهز لها منذ أمس.
أنيسة والتي أتت لها مبكرًا عن الجميع من أجل مساعدتها، كانت تخرج صواني الحلوى التي صنعتها هي الأخرى، وتنزع عنها الاغلفة التي كانت تحفظها بها، فقالت مشفقة بعد أن رأت حجم المجهود الذي قامت به الأخرى:
– بس انتي كان لازم تبعتيلي من امبارح، المساعدة في الظرف دي لازم، هو انتي حمل شقا ولا وقفة على رجلك يا ست انتي.
ضحكت مجيدة لترد وهي تخلع عن يدها القفاز القماشي والمخصص للأمساك بالأشياء الساخنة:
– يا حبيبتي وانا تعبت في إيه يعني؟ ولادي ربنا يخليهم، كانوا بيساعدوني من امبارح تقطيع الخضار، والتنضيف والذي منه، يعني الباقي مش متعب اوي يعني.
توسعت بوجه أنيسة ابتسامة رائعة لتعلق بعدم تصديق:
– يا لهوي يا مجيدة، يعني افهم من كدة، انك بتخلي المهندس وحضرة الظابط يقطعو بصل ولا يخرطوا الملوخية دا انت قادرة؟
اضافت تبادلها ابتسامة ماكرة:
– ويعصروا طماطم وينقوا الرز ويمسحوا ويكنسوا كمان هي دي اول مرة، دول متعودين على كدة يا حبيبتي، ولا انتي فاكراني دلعتهم ولا جيبت خدامة تخدمهم.
تركت أنيسة ما بيدها لتضرب كفًا بالاَخر مرددة بذهول:
– دا على كدة انتي جبارة بجد، بقى يا مفترية بتشغلي الرجالة اللي ليهم وضعهم في شغل البيت، امال لو خلفتي بنت كنت هتعملي معاها ايه؟
– لا لو خلفت بنت كنت هدلعها واخليهم هما يخدموها.
– يا شيخة.
– والنعمة زي ما بقولك كدة، طب يعني امرمط بنتي واخليها تخدم جوز الشحوطة دول، بالزمة دا عدل؟
– لا طبعًا.
اردفت أنيسة بالاخير لتنطلق في موجة من الضحك المستمر بعدم قدرة على التوقف، حتى تذكرت لتسألها:
– مقولتليش صح، هما فين؟ انا مش شايفة حد فيهم.
عبس وجه مجيدة تجيب عن سؤالها بقلق:
– ما هو أمين لسة مرجعش من ورديته، وحسن مع شهد في زيارة لبيت ابو ليلة عشان المشكلة اياها بتاعة النت وصورة صبا والكلام عليها، اتصل بيا من شوية وقالي انهم هيتأخروا ع الغدا، ربنا يستر بقى.
رددت أنيسة خلفها بالدعاء لتردف بحزن هي الأخرى:
– وانا كمان لينا اتصلت بيا قبل ما اجي، وقالتلي انها هتعدى على اخوات شهد ومرات ابوها تجيبهم معاها على هنا، ياللا بقى ربنا يعديها على خير.
❈-❈-❈
في جلسة ضمت الجميع على مقاعد الصالون العتيق، وقد بدا على هيئاتهم الإنصات والإستماع الجيد مجبرين بأمر الرجل الكبير، والذي رضخ بعد فترة من الإلحاح المزعج لشادي، والضغط من شهد، باستغلال لمعزتها المعروفة إليه.
كانت مودة توضع بالدلائل عما تردف به:
– وادي الصور اهي، صور عيد الميلاد اللي حضرناه مع البت دي اللي كانت زميلتنا، معلش التليفون قديم بس حمد لله شاشته كويسة، انا خدت اللقطات بالكاميرا بتاعته، قبل ما يطب علينا عدي باشا صاحب الفندق اللي بنشتغل فيه، ويفاجأنا انه صاحب المطعم كمان.
تناول شادي منها الهاتف ليضيف موضحًا قبل أن يمرره على البقية، ويردد اثناء تقليبه، بالمقارنة مع الصورة الأخرى بهاتفه:
– واخدين بالكم يا جماعة، دا نفس اللبس بتاع صبا، ودي نفس الزوايا بتاعة المطعم، والطرابيزة والتورتة إللي عليها، وحتت الجاتوه في التلت أطباق اللي ظاهرة.
– ولما هو كدة، كيف اتاخدلها الصورة لوحديها مع البيه بتاعكم؟ تركيب صور يعني ولا ايه؟ انا مش فاهم.
بذهن صاحي تسائل بها حجازي، فكان الرد من مودة:
– لأ مش تركيب صور، بس هو اللي حصل ان البنت صاحبة عيد الميلاد، وقعت كوباية العصير على الجيبة اللي كنت لبساها، فغصب عني قومت وسيبت الطرابيزة عشان انشفها في الحمام، والبت الزفتة دي قامت معايا، بغرض انها تساعدني، فخليت الطراببزة على صبا والبيه الكبير، ودا مكان عام زي ما انتوا عارفين، هي احرجت ما تقوم وتسيبه، مجاش في بالها ان بنت الحرام دي هتلقط لها صورة من بعيد، عشان تشوه سمعتها، ربنا يجازيها.
بحمائية تصدر من قلب أم موجوعة على ابنتها، سألتها زبيدة بغضب:
– وبت الحرام دي تأذي بتي ليه؟ ايه ما بينهم عشان تعمل معاها كدة؟
قبل أن تجيبها، جاء التساؤل الأخر من مسعود بعقله اليقظ:
– وجبل دا كله، انا اللي عايز اعرفه دلوك، انتي عرفتي الكلام دا كله منين؟
صبا التي مازلت تضمها شهد برعاية ودعم، تبادلت النظر بقلق، مع من تعلقت عينيها عليه منذ بداية الجلسة بل ومنذ دخوله المنزل مستميتًا في الدفاع عنها بإصرار لم يفتر ولو لحظة، ليبث إليها الإطمئنان مع كل لفتة او كلمة تخرج من فمه في هذه المعركة الشرسة في تحديد مصيرها.
عادت تنتبه إلى صديقتها والتي ارتدت اليوم ثوب الشجاعة، في اظهار الحقيقية بشكل زكي وموجز وقد تم قص الجزء الخاص بعدي عزام بناء على اتفاق مسبق معها، منعًا لزيادة الأضرار، فهي الأعلم بطبيعة اشقائها ووالدها:
– شوف يا عم ابو ليلة، لو هجاوبك انا عرفت منين، فلازم تعرف ان الموضوع دا كله يخصني أنا، البنت المؤذية دي ورطتني في قضية سرقة واتحبست وكان هيضيع مستقبلي، لولا ان ربنا وقف جمبي واتقبض عليها هي متلبسة بالمسروقات، أنا بقى خدت براءة بفضل صبا اللي جابتلي محامية الله يسترها دافعت عني ببلاش، وهي اللي لبست مصيبتها في الاَخر، فقررت تنتقم من بنتكم وطلعت الصورة دي ونشرتها وهي في السجن، انا سمعتها والله بوداني قبل ما اخرج، ربنا يجازيها.
رددت خلفها زبيدة تدعو بحرقة على من تسببت في كل ما حدث:
– يجازيها، ويوجفلها اللي ياخد حج بتي منها، ربنا عليها وعلى كل ظالم ما يراعي شرف ولا عرض بنات الناس.
– هوني على نفسك يا حجة زبيدة، ربنا اكيد هجيب حق بنتك والتشهير بيها.
عقبت بها شهد ليضيف على قولها حسن:
– ونحمد ربنا بقى ان مودة عرفت اللي حصل بالصدفة، عشان نفهم احنا واخواتها قبل ما يحصل ما لا يحمد عقباه
خرج صوت فراج مجادلًا بعدم اقتناع رغم كل ما يراه من دلائل:
– وايه الفايدة، بريئة ولا معاها الحج، ما هو كدة كدة، الضرر ماسكنا بالكلام اللي اتشاع عنيها، الشباب كلها في البلد ماسكة تلفونات وعارفة مين هي صبا، النسب الزين في واد كبيرنا وكبير العيلة، فض على كدة ومفيش منه رجا، عشان كانت بتتجلع، اهي تحمد ربنا لو لجيت اي حد يرضى بيها.
انتفضت بغضب حانق، ترفض بإباء غير مبالية:
– وانا كمان مش عايزاه، ولا عايزة أي حد يجل مني ولو بنص نظرة حتى.
صاح هو الأخر يقابل غضبها باستهجان:
– شايف بتك وجلة أدبها يابوي، كل اللي حاصل ولسة عينها جوية.
هتف شادي يسبق والدها والجميع بعصبية وانفعال لم يقوى على كبته:
– ما تفهم بقى يا أخ فراج، احنا الاهم عندنا دلوقتي، هو اننا اثبتنا براءتها قدامكم، عشانك انت واخوك ووالدك، وأي حد هنا في القعدة، يعرف يرد كويس أوي على أي حد يجيب سيرتها، اما بقى عن موضوع الجواز ، فصبا جوهرة وأي حد يتشرف انه يمشي في ضيها، مش يمتلكها ويتجوزها.
تلاشت الأصوات وخيم الصمت على الرؤس التي، توقفت بنظرات ساهمة نحوه، هذا الانفعال وهذه المبالغة في رد الفعل، لم تكن من الغباء ان تمر مرور الكرام على من فهم الدنيا واختبرها على رجل مثل أبو ليلة، او العاشق الذي يرى بعين المحب سهم العشق الذي أصاب غيره؛ كشهد وزوجها حسن، اما زبيدة فهي ليست بحاجة لتأكيد أو تخمين، ليتبقى الشيقيقين، حجازي والذي كان يرمقه بتمعن وتسائل عنه، وفراج الذي استفزه وقوف هذا الرجل كسد منيع ضد رغبته في عودة شقيقته إلى الصعيد، والتي كانت في حالة من التضخم لهذه المشاعر الجديدة عليها، انبهار أو إعجاب او هو شيء اَخر، يملأ العين ويسر القلب، حتى يكتفي به عن أي شيء آخر.
دوى جرس المنزل لينتبه الجميع إلى الطارق، والذي تبين بعد فتح باب المنزل وإدخاله انه صاحب المشكلة الأساسية،، عدي عزام!
❈-❈-❈
بكت كثيرًا حتى غفت لتظل متكومة محلها على الفراش، ولم تستقيظ سوى بعد أن أصدر صوتًا بأن ضرب بقبضته على الجدار القريب من المدخل، فانتفضت ترفع رأسها إليه، ثم جلست بجزعها وقلبها يضرب بين جنباتها من الخوف، تنتظر فعل اخر منه، وقد تسمر بجمود يطالع هيئتها المزرية، شعرها الجميل الذي تشعث بالنوم، بشرتها الناعمة، والتي تناثرت بها البقع الحمراء من كثرة البكاء، حتى انتفخ أسفل عينيها، والتي التهبت هي الأخرى كذلك لنفس السبب.
خشن صوته لأصدار الأمر بتجهم:
– قومي اغسلي وشك ونضفي نفسك.
قالها وهم أن يتحرك ولكنها أوقفته بتساؤلها :
– هتعمل فيا ايه يا كارم؟ خلاص قررت تتخلص مني؟
تجعدت ملامحه ونظرة حانقة تطل من عينيه ليرد على قولها بغضب:
– حد قالك اني قتال قتلة؟ انا بعاقب بس اللي يغلط، وانتي بقى مليش نفس اعاقبك دلوقت.
التقطت إجابته لتردد بلهفة وعدم تصديق:
– بجد يا كارم، يعني مش هتموتني ولا هترميني لسمك القرش؟ يعني هرجع لابني من تاني….
قطعت لتجهش في البكاء مرة أخرى، وقد بلغ بها الرعب من هيئته السابقة حتى سلمت بموتها على حق.
بنهنهات ضعيفة، تخشى حتى ان تخرج بصوت فتثير غضبه، وهي لا تعلم بتأثيرها عليه في تلك الحالة، وهذه الطريقة التي تهزم غروره ووحشيته، تجعله على وشك أن يخر راكعًا أمامها ليطلب منها الصفح، ان يحتضنها ليهدئ من روعها، أن يطمئنها كطفلته، ولكن هذا أبدًا لن يحدث، وغضبه منها حتى الآن ما زال مشتعلًا.
– اخلصي قومي يا رباب وبطلي عياط، انا اساسًا وجهت اليخت ع الرجوع، وكلها نص ساعة ولا أقل ونبقى ع البر.
❈-❈-❈
حينما عاد من عمله الذي تأخر فيه اليوم على غير العادة لأمر ضروري وهام، فوجد المنزل ممتلًأ بالافراد المدعوين لمأدبة الغداء، كانت والدته وحولها الفتيات رؤى والأخت الأخرى لشهد في جانب، وهذه المدعوة نرجس والسيدة أنيسة في جانب اخر، القى التحية مرحبًا وعينيه تبحث عنها:
– مساء الخير يا جماعة منورين
ردد الجميع من خلفه التحية وزادت والدته بقولها:
– اخيرًا جيت يا أمين؟ روح غير هدومك ياللا وتعالي عشان ناكل، اخوك وخطيبته زمانهم على وصول.
قطب متسائلًا باستغراب:
– ايه ده؟ هو انتوا لسة ما أكلتوش، دا ميعاد الغدا عدى من زمان، ايه يا مجيدة؟ انتي جايبة الناس تجوعيهم؟
ضحك الجميع وارتفع حاحبيها بذهول لتغمغم بحرج قبل أن تجيبه:
– شوفي يا اختي الواد، حصل ظرف طارق يا حضرة الظابط، والعرسان اللي معمولة العزومة على حسهم اتأخروا، يعني مينفعش ناكل من غيرهم يا ناصح.
مال بوجهه أمامها بابتسامة مشاكسة فضحكت كالبقية، لتعقب رؤى بمرح:
– متقلقش يا حضرة الظابط، احنا اساسًا من ساعة ما جينا بوقنا متقفلش، طنت مجيدة قايمة معانا بالواجب، اشي فاكهة، إشي مسليات، يعني مفيش مكان للجوع اساسًا.
تبسم ليعود لمناكفة والدته بخبث:
– إخص، يعني كدة مش هياكلوا بنفس مفتوحة ع السفرة.
شهقت مجيدة لتأمره بغيظ:
– امشي يا واد من وشي، امشي.
– خلاص يا ستي ماشي اهو متزقيش
قالها وهو يبتعد من أمامها بدراما، وقد امسكت له أحدى الأطباق بتهديد لدفعها نحوه، وأصوات النساء حولها تصدر بضحكات مقهقهة.
انتعش هو الأخر ليستدير ذاهبًا نحو غرفته، ولكن برؤيته لظل خيالها في الشرفة، غير وجهته على الفور ليصل إليها وقد كانت جالسة على مقعد خشبي وحدها ، متكتفة الذراعين بجوار الأزهار المتنوعة، تطالعهم باستمتاع، حتى ارتفعت عينيها إليه، فور أن انتبهت لوجوده، فخاطبها قائلًا:
– مكنتش أعرف انك بتحبي الزهور كدة؟
تبسمت تجيبه بدلال فطري وهذه النعومة بشخصيتها رغم تقلبها الدائم:
– والله دا طبع فيا من الأول، بس انت بقى اللي فهمت غلط المرة اللي فاتت……
ضحك متذكرًا:
– قصدك يوم الخناقة، لما رؤى كسرت القصرية اللي امي دفعتني تمنها بعد كدة؟
ضحكت هي الأخرى معقبة على قوله:
– معقول! يعني طنت مجيدة دفعتك تمنها؟
– اه وربنا دي ست قادرة اساسًا ودا من اعز ممتلكاتها، استني هنا، هو انتي فرحانة فيا؟
سألها الأخيرة باستدراك متأخر، لتؤكدة به بهز رأسها، وهذه الشقاوة التي تفقده صوابه، ليدعي الامتعاض بقوله:
– دا انتي قلبك اسود اوي.
– اوي وجدًا كمان، عشان تستاهل.
قالتها ليشاركها الضحك قبل أن تتوقف فجأة وتذكره:
– اَه صحيح، أنا نسيت اما أسألك، لسة برضوا ملقتش القلب؟
رمقها بنظرة حانية وابتسامة غير مفهومة، ليجعلها منتظرة عدة لحظات قبل أن يجيبها:
– لا ما انا لاقيته خلاص، بس معلش بقى نسيته في درج المكتب في الشغل، ابقى فكريني اقابلك وادهولك.
التف ليغادر من أمامها، وصوتها يردد من خلفه:
– يعني لسة كمان عايزني افكرك تاني يا أمين؟.
هم ليرد عائدًا لها مرة أخرى ولكنه توقف مثلها على دلوف شقيقه يسحب بيده شهد للداخل مرددًا بتهليل:
– أحنا جينا يا جدعان، فين الأكل يا مجيدة؟ هنموت من الجوع.
❈-❈-❈
– منور يا سعادة الباشا.
هتف بها مسعود مرحبًا بالرجل الغريب وزيارته الغريبة، بحضور أبناءه الاثنان، وابنته صاحبة الشأن على حسب ظنه، والتي ظلت جالسة بلفتة غريبة بالقرب من رئيسها في العمل، شادي جاره في السكن والذي فاجئه بفعله هذا اليوم.
تحمحم عدي بحرج، مانعًا نفسه من تقيم المنزل المتواضع مقارنة بالمستوى الذي نشأ عليه دائمًا، يدعي الدماثة بقوله:
– دا نورك يا حج مسعود، البيت منور بأهله.
تسائل فراج بعفوية يومئ بذقنه غير مباليًا:
– على كدة انت البيه اللي طالع في الصورة مع صبا، اللي معمول عليها الكلام والحديت من امبارح؟
تعرق بحرج متزايد، شاعرًا وكأن دلوًا من الماء البارد القي في وجهه، فقال مصححًا:
– انا عدي عزام صاحب الفندق اللي شغالة فيه صبا وشادي كمان، اما بقى عن حكاية الصورة، فدا سوء تفاهم انا كنت حابب اوضحه.
– وصل يا مستر عدي، وأهلي خلاص فهموا اللي فيها .
خرجت منها بحدة ملفتة، رغم مجاهدتها في كبت الغضب بداخلها نحوه، بعد أن علمت بكل الحقائق الخفية من صديقتها.
انتبه على قولها ليردف بدهشة يشوبها الفضول:
– فهموا اللي فيها! طب كويس والله، انا كنت فاكر غير كدة بحكم البيئة المتحفظة عندكم يعني.
تدخل حجازي الشقيق الأكبر، ليدلي بدلوه:
– دي ملهاش دعوة بالبيئة ولا ناس البندر ولا القرى، دا سيرة بنات الناس، وكلام في العرض، يعني امور تودي في داهية، بس احنا الحمد لله متأكدين من بتنا، دا غير ان صاحبتها حكت الموضوع كله، وعرفنا بت الحرام السبب في كل اللي حصل.
– بنت حرام مين؟
تسائل بها بعدم فهم، فجاءه الرد من شادي، والذي كان هادئًا بسكون مريب، رغم سريان الحمم بأوردته، ورغبة قوية تدفعه لتهشيم الوجه الوسيم، ولكن تقديرًا لها التزم ضبط النفس، ليرد على السؤال بمغزى صريح:
– مودة يا سعادة الباشا، عرفت بكل اللي عملته ميرنا، اصلها كانت في السجن معاها قبل ما تطلع براءة، دا غير انها سمعت بمكالمتها…….
توقف يرى انسحاب الدماء من وجهه، وهلع جلي ابتسم على ملامحه، ليرد بعد فترة من الوقت:
– قصدي لما اتفقت مع شريكتها وشيرت الصورة اللي كانت لاقطاها قبل كدة في عيد الميلاد اياه، اثناء ما كانت هي في الحمام، فاكر يا عدي باشا؟
ابتلع ليومئ برأسه بتشنج، ثم تدارك ليهدر بانفعال مبالغ:
– البنت دي انا لازم اربيها، مكنتش انها بالأخلاق دي، قسمًا بالله ما كنت اعرف انها السبب في الملعوب الخطير ده، ازاي جاتها الجرأة تعمل كدة؟
اثناء قوله كان يتنقل موزعًا انظاره نحو الجميع، حتى اصطدمت عينيه بها، وهذا الجمود الظاهر على هيئتها بشكل أثار توجسه، فكان رد والدها برزانة كعادته:
– مفيش داعي نحرجوا في دمنا ولا نتعصب، وهي اساسًا في السجن، ربنا يجازيها بعملها.
– أمين يارب، هي وكل اللي يتسبب في أذية بتي.
هتفت بها زبيدة وهي تقترب حاملة صنية المشروبات، قبل أن ينتفض فراج يتناولها منها، ليضعها على الطاولة في المنتصف، وقال عدي ردًا عليها:
– أكيد يا حجة انتي معاكي حق، بس انا كنت جاي لغرض تاني النهاردة.
التف الجميع نحوه باستفسار، وتساؤل خرج من مسعود:
– غرض ايه تاني؟ اؤمر يا بيه.
القى عدي بنظره نحو صبا ليجيب الرجل قائلًا:
– انا كنت جاي وعشمان في كرمك يا حج ابو ليلة، انك تجوزني صبا.
بذهول شديد تطلع إليه الجميع، ف استغل الصمت من جهتهم، ليردف مستطردًا:
– انا عارف انكم مستغربين الأمر، بس انا راجل دوغري ومليش في اللف ولا الدوران، صبا بنت ممتازة وانا مستعد اتقالها بالدهب، هو بس الأمر في البداية هيبقى غير معلن على ما اظبط نفسي…..
– الكلام دا حضرتك مش لما يبجى فيه موافجة الأول؟
هتفت بها مقاطعة استرساله ليرد بصدمة لا تقل صدمة الباقين:
– قصدك ايه يا صبا؟
رمقته بنظرة متحدية، أثارت بداخلها التعجب عن سببها ، قبل أن تفاجأه وتفاجأ الجميع قائلة:
– جصدي اني هوافج ازاي؟ وانا مخطوبة اصلًا، هو انت متعرفش يا عدي باشا، اني مخطوبة لمستر شادي!!!!
❈-❈-❈
توقف بالسيارة في جانب الطريق وبالقرب من إحدى محلات الأطعمة الشهيرة، فخاطبها متسائلًا ليخفف قليلًا من توتر الأجواء حولهما:
– تحبي اجيبلك حاجة تكليها؟
رفضت بهز رأسها وبدون صوت، استفزه عدم الرد منها، وهذا الانكماش على كرسيها المجاور له، بابتعادها حتى كادت أن تلتصق بالباب، لتجعله يهدر بها فاقدًا التحكم في أعصابه؛
– وبعدين بقى، يعني اموتك بجد عشان تستريحي.
رمقته بجزع وأعين ترقرت بها الدموع، لتزيد عليه بشعور الندم، زفر يقلب عينيه بسأم، قبل أن يتدارك وضعها وخوفها الطبيعي منه، فقال ملطفًا:
– اهدي شوية دا كان كلام عادي، انتي عرفاني لما بتعصب.
همست تجيبه بصوت ضعيف:
– عارفة طبعًا، بس انا بصراحة دلوقتي اعصابي مش متحملة أي انفعال.
اومأ بتفهم، فقال نازعًا عنه حزام الأمان:
– عشان كدة بقولك لازم تاكلي حاجة، انا هروح اجيب شوية عصاير، وكام حاجة تيك اواي.
عادت لصمتها بدون اعتراض تلتزم الطاعة، وترجل هو يتركها ليأتي بما نوه عنه، ولم ينسى طبعا ان يغلق السيارة
وفي الناحية الأخرى
كانت سيارة أخرى تجمع سيدتين بملابس سوداء تغطي على جميع الجسد، ثم نقاب في الأعلى لا يظهر سوى العينين، كانتا المرأتان وحدهن، في طريق عودتهما من القاهرة بعد زيارة سريعة للرجل الذي سوف يدبر لهن اوراق السفر إلى الخارج، وحديث لم يهدأ بعد:
– اه يا ناري، كل دي فلوس هبشها ابن الكلب عشان كام ورقة، بيستغل الظرف.
عقبت الأخرى والتي كانت متكفلة بالقيادة:
– طبعًا لازم يستغل، دا لو معملش كدة يبقى أهبل، دي فرصته يا حبيبتي.
– ايوة يا اختي، فرصته عشان ياكلنا ابن الجزمة.
قالتها المرأة قبل أن تفاجأها الأخرى بقولها:
– اي ده اي ده؟ انتي شايفة اللي انا شايفاه يا جريمين؟
سألتها بعدم تركيز:
– شايفة ايه؟ انا مش واخدة بالي.
اشارت لها بذقنها للأمام قائلة:
– حبيبة قلبك، قاعدة في عربية لوحدها، ولا اكنها مستنياكي حتى.
نظرت الأخيرة نحو الجهة التي اشارت لها الأخرى، فاشتعلت عينيها بغضب متأجج ونيران مستعرة بداخلها، تصاعدت أنفاسها الهادرة، كي توجه شريكتها قائلة:
– سوزي، دي فرصتنا الأخيرة، يعني لو راحت مننا، هنفضل طول العمر بعد كدة متحسرين عليها.
التفت له الأخرى بتساؤل خطر:
– قصدك يعني…….
– ايوة هو اللي فهمتيه بالظبط……. جمدي قلبك بقى ودوسي…

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى