روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثامن عشر 18 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثامن عشر 18 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الثامن عشر

رواية وبها متيمم أنا البارت الثامن عشر

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الثامنة عشر

خرجت مجيدة من غرفتها بعد أن أدت فرضها، لتخلع عنها إسدال الصلاة، وتذهب نحو غرفة حسن لتوقظه على ميعاد عمله، قبل أن تعد وجبة افطاره، دلفت الغرفة لتفتح الستار عن النافذة ويدخل الضوء الغرفة وهي تردد بنغمة معتادة منها:
– قوم يا حسن، يا حسن قوم بقى عشان تحصل شغلك في المصلحة، يا بشمهندس قوم وارحمني من اسطوانة كل يوم .
جلست على طرف الفراش لتتابع بهزهزته بيدها :
– يا بني اصحى عايزة اللحق احضر الفطار، يا واد ما تقوم، امتى بقى اترحم من خلقتك والاقي اللي تشيل عني.
تمتم لها بصوت ناعس:
– كل يوم على نفس الكلام، طب ما تغيري مرة حتى.
هتفت بتذمر:
– ويا ريته بيجيب نتيجة، والبعيد جبلة مبيحسش، لا هو مش واحد صح، دول اتنين، أنا عندي اتنين جبلات
اعتدل يواجها بعينيه ويرد بابتسامة جميلة تعتلي ملامحه:
– طب ما تزودي في الدعا يا ست الكل، مش يمكن تكوني مقصرة فيها دي؟
– أكتر من كدة.
هتفت بها لتتابع بانفعال:
– يا خويا دا انا إيدي اتختلت من كتر ما برفعها لسما، مش انا اللي مقصرة، دا انتو اللي تنحين.
ردد حسن ضاحكًا خلفها وهي يستقيم ليجلس بجذعه مقابلها:
– تنحين! جبتيه منين اللفظ دا يا ماما؟
– دا أبداع يا حبيبي وبيطلع لوحده، مش محتاجة ادور .
ضحك حسن ليقترب منها ويقبل خدها المكتنز، ليقول بمرح:
– حبيبتي يا مجيدة، عروسة ايه دي اللي تحل محلك؟
مسحت بإبهامها على مكان القبلة تقول بامتعاض مصطنع لتخفي ابتهاجها من فعله:
– حبتك العافية يا خويا، المهم.
قطعت لتكمل بارتباك:
– يعني مردتش على كلامي من امبارح.
– كلام ايه؟
سألها مستهبلًا لتناظره بضيق قائلة:
– انت هتعمل فيها فاقد الذاكرة يا ولا؟
أطلق ضحكة مجلجلة ليقول:
– لا يا ست الكل منستش أكيد بس…..
– بس إيه؟ ما تكمل.
– بصراحة يا ماما مش عارف اجيبها ازاي؟ بس انا في المرات السابقة كنت بروح معاكي لبيت العروسة واحضر القعدة بقلب مليان، حصل نصيب تمام محصلش مش فارقة، لكن في موضوع شهد…..
بدا عليه الاضطراب واحمرار طفيف غزا عدة مناطق بوجهه، ليجيبها بحرج:
– حاسس ان الموضوع المرة دي هاممني يا ماما، هتقوليلي يعني ايه، هقولك معرفش.
تبسمت مجيدة تطالعه بمكر قائلة:
– إنت انوي بس وربنا يعدلها .
قال بانفعال:
– طيب ولو رفضتني؟
زاد المرح بداخلها لرؤية القلق الظاهر بوضوح على ملامحه، فقالت بابتسامة متوسعة:
– ما انا قولتلك ربنا يعدلها، قرر بس انت وسيب الباقي عليا.
– اقرر ازاي يا ماما؟ وهي حتى التليفون مبترودش عليه من امبارح.
– ليه يعني؟
سألته بتوجس ليهتف بغضب:
– انا قلبي مش مطمن يا ماما، خايف ليكون الزفت خطيب اختها زودها معاها.
انتقل القلق إليها لتنهض من جواره قائلة:
– طب انا هروح اجرب واكلمها من تليفوني، يمكن ترد عليا .
اومأ لها برأسه، وتحركت هي مغادرة الغرفة ليتنهد بثقل ورأسه عادت للأفكار المتزاحمة بها منذ الأمس، ليتناول هاتفه ويرى الساعة به، ثم ينهض حتى يذهب لعمله، تناول منشفة وخرج متجهًا إلى الحمام ولكن وقبل أن يصل إليه، وصله صوت والدته وهي تتحدث في الهاتف:
– يعني هي دلوقتي عندك يا لينا؟…….. طب وكويسة ولا لسة تعبانة؟…… يا حبيبتي يا بنتي…….. خلاص انا جاية اشوفها، لو والدتك تسمحلي يعني؟…….. تمام يا حبيبتي ربنا يخليكي.
انهت لتستدير نحو حسن الذي شعرت بوجوده خلفها، لتجده يسألها بوجه انسحبت منه الدماء:
– انتو كنتو بيتكلموا على شهد يا ماما؟ إيه اللي حصل لشهد؟
❈-❈❈
– مبتروديش عليا ليه يا بت؟
تفوهت بها صبا بوجه حازم فور أن فتحت لها مودة باب منزلها، والتي استقبلتها قائلة بلوم:
– كدا على طول، طب ارمي السلام الأول.
قالتها وتراجعت للداخل، دلفت خلفها صبا لتصفق الباب بعنف قائلة:
– لا اسم الله عليكي، وانتي بتفهمي أوي في الزوق،
التفت مودة تحدجها بغضب، فتابعت صبا بعدم اكتراث:
– افردي بوزك يا بت، دا انا جيالك بيتك ولحد عندك كمان، دا وش تقابليني بيه؟
– أمال عايزاني اقابلك ازاي يعني؟ اضحك وانا زعلانة، طب ازاي اعملها دي؟
تهكمت صبا تقارعها:
– لا يا أختي متضحكيش، ارقصي، زي ما كنتي مقضياها اول امبارح.
صاحت بها بحنق:
– ومالوا يا حبيبتي لما ارقص واهيص، ولا انتي كنتي عايزاني اتقهر بحسرتي، بعد ما صاحبتي نسيتني عشان رئيسها واخته.
– مين هي اللي نسيتك؟
تمتمت بها صبا تزفر بضيق، لتحاول التحلي ببعض التريث معها حتى لا تزيد الموقف سوءًا بانفعالها، فقالت :
– هو انتي عايزة تشيلي مني وخلاص! يا بنتي والله ما كنت هتحرك من غيرك، ليه مش راضية تصدجي، ان حضوري الحفلة مكنش في بالي ولا كنت متوقعاه أصلًا، دي حاجة كدة جات فجاءة.
تكتفت بذراعيها تردد بعدم تصديق:
– جات فجأة برضوا؟ عليا انا الكلام ده يا صبا؟.
– ايوة يا اختي حصلت وجات فجأة، زي ما اتفاجئت بيكي وبعمايلك في الحفلة.
هتفت بها مودة باستنكار:
– ومالها يا حبيبتي عمايلي؟ لو ع الرقص، فدا شيء عادي، كل الناس كانت بترقص مع عمر
بابتسامة شاكستها مرددة:
– ويعني كل الناس لازم تلبس قصير وهي بترقص على أغاني عمر؟
استشاطت مودة من الغضب لتهتف بها مستنكرة:
– جاية تصالحيني ولا تقطميني يا ست صبا، مستكترة عليا اعيش ليلة من نفسي.
صمتت صبا قليلًا تطالعها بيأس، ثم ما لبثت أن تخاطبها ناصحة ببعض اللطف:
– لا يا مودة، انا عمري ما هستكتر عليكي فرح، أو تعيشي زي ما بتقولي من نفسك، انا بس بلفت نظرك عشان تفتكري وتاخدك الموجة في حتة بعيدة متعرفيش تعومي ولا تقدفي فيها….. وساعتها تغرقي.
كلماتها على الرغم من رقتها، لكنها زادت من اشتعال الأخرى، وعقلها يرفض دور الحكمة والوصاية منها، فقالت بنزق:
– متشكرين أوي على نصايحك يا ست صبا، أنا برضوا فيا عقل أميز بيه، ليا عين تشوف، مش عمية وبطبش.
مطت بشفتيها صبا متمتمة:
– والله دا اللي بتمناه، وربنا يحفظك من كل سوء، المهم بقى خلينا نقفل على كدة واخلصي غيري هدومك بقى، اتوبيس الشغل على وصول.
بوجه عابس تحركت نحو غرفتها مغمغمة:
– هغير العباية واجهز نفسي، استنيني على ما اخلص.
دلفت مودة لتدلف بإحدى الغرف وخطت صبا لتجلس على الاَريكة الخشبية لانتظار الأخرى، تتأمل المنزل المتشقق الجدران، مساحة الصالة أو المدخل بمعنى أصح، صغيرة ولا تصلح لعدد كبير من الأفراد، الأثاث القليل بألوانه الباهتة لقدمه، منزل محكم ومحدد حتى أن المطبخ كان يظهر أمامها بوضوح من خلف الستارة القماشية الصغيرة المعلقة لتغطي الطرقة المؤدية إليه مع الحمام الذي انفتح بابه الخشبي، لتخرج منه المرأة العجوز جدتها، وقعت أنظارها على صبا، لتخطو بتمايل في سيرها وهي ترتدي جلباب مهترئ كالعادة، وتقترب منها مضيقة عينيها ذات الزوايا المجعدة، حتى دنت برأسها نحو صبا، لتثير بقلبها الرعب قائلة:
– انتي مين يا حلوة؟
ابتعلت صبا ريقها لتردف بنفس الإجابة على نفس السؤال المكرر في كل مرة تلج بها في هذا المنزل:
– أنا صبا، بنت الحج ابو ليلة، ساكنة في الشارع اللي وراكم يا حجة.
– أممم.
زامت بها وهي تومئ بهز رأسها وكأنها فهمت لتعيد بسؤالها الاَخر:
– وجاية هنا لمين بقى؟
– جايالي أنا يا ستي.
هتفت بها مودة وهي تصفق باب غرفتها وقد بدلت ملابسها، لتقترب سريعًا وتتناول كف صبا التي حمدت ربها برؤيتها، كي تهرب من أمام هذه المرأة المريبة، فسحبتها الأخرى للذهاب مرددة:
– الأكل عندك في التلاجة يا ستي، لو اتأخرت سخني لنفسك أو كلي حتة جبنة واستنيني على ما ارجع من شغلي.
ظلت المرأة على حالها دون صوت وخرجت صبا مع مودة المعتادة على هذا الفعل من المرأة لتخاطبها قاطبة:
– هي ستك دي مفيش مرة ترحمني من سؤالها؟
بابتسامة جافة ردت الأخرى:
– مش لما ترحمني انا الأول، دي طول الوقت بتعمل نفسها مش فاكراني، مع انها تعرف ميعاد القبض كويس قوي، وعمرها ما تنسى هي حاطة فلوسها فين؟
سمعت منها صبا لتتمتم بأسى:
– معلش يا مودة، هي الستات الكبيرة كدة، ربنا يرزقك بابن الحلال اللي يعوضك.
بابتسامة ساخرة قالت مودة:
– وابن الحلال ده هيجوزني وياخدني كدة بطولي من غير جهاز، اقولك عشان مبقاش متشائمة، ربنا كريم .
– ربنا كريم فعلا يا مودة.
تمتمت بها صبا بصدق، رغم علمها ان مودة تردف بها بيأس لا تلومها عليه.
❈-❈❈
وقفت أمام الشقة المقصودة لتعود بسؤاله:
– إنت متأكد إن هي دي شقتهم يا حسن؟
سمع منها ليرد وهو يتابع بخطواته حتى توقف ليضغط بإبهامه على الجرس:
– على حسب ما قالي البواب، يبقى هو دا البيت وع العموم ادينا بنسأل.
انتظرت مجيدة قليلًا مع ضغط ابنها على الجرس، حتى فتحت لها امرأة شقراء محجبة تستقبلهم بنظرة متسائلة:
على الفور خاطبتها مجيدة وقد حدثها قلبها بهوية المرأة مع هذا الشبه الواضح :
– حضرتك والدة لينا؟
قطبت أنيسة تقول بترحاب رغم استغرابها:
– اه صحيح أنا والدة لينا، اتفضلوا حضراتكم الأول.
تزحزت أنيسة عن مدخل الباب، لتدلف مجيدة وخلفها كان حسن الذي قال للمرأة باعتذار:
– احنا أسفين لو اقتحمنا عليكي يا مدام من غير استئذان، بس احنا بصراحة كنا عايزين نطمن على شهد بعد اللي سمعناه من لينا .
اومأت لهما المرأة بتفهم تقول وهو تدعوهم:
– اتفضلوا حضراتكم الأول بس واستريحوا، وانا هندها حالا تقابلكم وتطمنكم ان شاءالله.
هيئة المرأة السمحة وكلماتها الرقيقة وضعت في قلب مجيدة بعض الراحة، لتجلس وتنتظر مع ابنها، بعد ذهاب انيسة، لتخرج إليهما بعد ذلك، بصحبة لينا التي تقدمت تستقبلهم بمودة:
– اهلا يا طنت مجيدة، اهلا يا استاذ حسن.
التفت موجهة الكلام لوالدتها:
– دا البشمهندس حسن اللي بيشتغل مع شهد يا ماما، ودي الست مجيدة والدته، يعني مش اغراب.
اومأت المرأة بابتسامة ترحب:
– يا أهلا بيكم، تشرفنا يا بشمهندس، شرفتي يا مدام .
اومأ لها الاثنان فتابعت لينا:
– أنا اسفة ان كنت خضيتكم بكلامي وخليتكم تيجوا على ملا وشكم.
– يا بنتي ولزوموا ايه الاعتذار بس؟ دا احنا اللي كنا متصلين اساسا، اصلها كمان مبترودش من امبارح .
قالتها مجيدة بقلق، وردت لينا:
– ما هو التليفون كان معايا، وانا بصراحة عملاه صامت ومبرودش على حد، غير بس نمرتك هي اللي رديت عليها، ونمرة عبد الرحيم المساعد بتاعها كمان؟
– ليه دا كله؟ ايه اللي حصل لشهد طمنينا الله يخليكي.
هتف بها حسن يقاطعهن بقلق يعصف به، فجاء الرد من أنيسة:
– اطمن يا بني خير ان شاء الله، هي بس مقدرتش تتحمل بعد خروجها من المستشفى، راسها الناشفة مع انفعالها الشديد وعدم الراحة، كلها حاجات اتفقوا عليها.
قال حسن بتوجس:
– مقدرتش تتحمل ايه؟ هي حصل معاها مشكلة ولا اتخانقنت، هي أكيد اتخانقنت صح؟
ردت لينا تجيبه بملامح اعتلاها الحزن والقلق:
– هي فعلا اتخانقت بس المرة دي الخناقة كانت شديدة شوية ف….. تعبت…. تعبت اوي.
كلماتها المتقطعة المبهمة في معناها، زادت من توجسه، زادت من خوف عليها ينهش به، وخرج سؤاله بريبة:
– يعني إيه تعبت أوي؟ وهي ليه قاعدة عندك مش في بيتها.
تدخلت أنيسة تجيبه:
– هي هنا بناءًا على رغبتها يا بني، شهد هي اللي اتصلت بلينا عشان تجيبها، ما هو بيتها برضوا، دي متربية مع بنتي، أينعم ميجمعش ما بينهم غير الصداقة، بس والله في نفس غلاوتها، تحبوا تشربوا ايه بقى؟
قالت الأخيرة وهي تنهض عن مقعدها، فرد حسن بعصبية غلبت حكمته:
– مش عايزين نشرب حاجة، خلونا نطمن عليها بس الله يخليكم.
أجفلت أنيسة تناظره باستغراب جعل مجيدة تصلح:
– دا لو مايضايكمش يعني، أكيد انتوا متفهمين رغبتنا.
ردت لينا بلطف وهي تتناول هاتفها من فوق الطاولة المجاورة لها.
– أكيد يا طنت طبعا، انا هكلم رؤى تشوفها صاحية ولا نايمة، اصلها كانت واخدة مهدئ شديد.
– هي رؤى كمان معاها؟
غمغمت بها مجيدة كسؤال، وردت لينا على عجالة وهي تتصل بالأخرى:
– أيوة يا طنت ما هي ملازماها من إمبارح، ما سابتهاش ولا لحظة.
❈-❈❈
– عاجبك كدة يا محروس؟ عاجبك كدة يا ام المحروس؟ سيرتنا بقت على كل لسان يا ولاد الكلب.
هتف بها عابد الورداني غاضبًا نحو زوجته سميرة الملتصقة في مقعدها بخوف من هيئته، وابنه ابراهيم الذي قلب عينيه يقول بسأم:
– وانا عملت ايه يعني لدا كله، هي بلاوي بتتحدف عليا وخلاص.
– هي إيه اللي بلاوي ياد.؟
صاح بها عابد بانفعال حتى أن جسده الضخم كان يهتز معه وهو يتابع برغبة تدفعه للنهوض وصفع هذا الغبي بكفين على وجهه:
– بقى تتهجم على البت في بيتها وتخلي الحارة كلها تشوف خيبتك وانت بتجري زي الفار ، ولسة كمان عندك عين تنكر؟
دافع ابراهيم ينكر بالكذب:
– بقولك معملتش حاجة، كل اللي حصل هو اني اتعصبت على البت شهد، عشان مدخلة راجل غريب البيت عندهم، وانا اللي اسمي خطيب اختها وابن خالتها، قاطعة رجلي من البيت، يرضي مين الكلام ده يعني؟ انا راجل دمي حر.
ضحكة ساخرة اطلقها عابد ليزيد من استفزاز الاَخر بقوله:
– وانت اسم النبي حارسك وصاينك، دمك حر اوي، روحت بعبطك عملت الشويتين بتوعك، عشان تفرد عضلاتك على شهد، قامت العيلة الصغيرة مصرخة ولامة عليك أمة لا اله الله، وبقت فضيحة وجرسة في الحارة كلها على شرفك.
– عشان بت قليلة أدب.
– هي برضوا اللي قليلة أدب؟ ولا انت اللي خرونج ومهزق؟
سبابه المستمر ونعته بهذه الأوصاف القوية، زاد من حريق نفسه الهائج من الأساس ، لكل ما يخص شهد، عقدته الأساسية بها، هي وحدها، ولا يوجد من النساء غيرها.
تدخلت سميرة تقول بتردد:
– ما تسمع لابنك يا عابد من غير شتيمة، أنا اتصلت بنرجس، وهي قالتلي ان ابراهيم حضر القعدة مع الضيوف بكل أدب، الخناقة دبت ما بينهم بس لما نصحها، عشان سمعة البيت وبنات خالته، رؤى المجنونة بقى، هي اللي كبرت الموضوع بصريخها، وهي يدوب مشادة كلامية زي ما بيقولوا في التليفزيون.
ردد خلفها باستنكار؛
– بيقولوا في التليفزيون! عشان بس لما اقولك ان مفيش حد. بوظ الواد ده غير دلعك، متبقيش تراجعيني، ابنك الغلط راكبه من ساسه لراسه، الحارة كلها بتدعي عليه، بعد ما شافوا شهد وصاحبتها واختها بيسندوها، بعد ما وقعت من طولها ساعة الخناقة، انا وشي بقى في الأرض، كل اما حد يكلمني، ببقى مش عارف ابرر بإيه؟ طول عمره مسود وشي قدام القريب والغريب، لكن انه يجي ع الحريم وفي بيتهم كمان، دي اللي فرطت وعدت، وتنقص من قيمتي انا قدام الرجالة الكبارات اللي زيي.
سأله ابراهيم بحدة وتهكم:
– يعني إيه؟ وضح يا كببر.
– يعني الوضع لازم يتصلح، وابيض وشي قدام الناس.
هذه المرة خرج السؤال من سميرة التي ذهب ظنها لفسخ الخطبة:
– قصدك يسيب البت يا حج؟
– لا يا ختي مش يسيب البت، ابنك لازم يعتذر لشهد .
– ننننتعم.
صرخ بها هائجًا كالثور، يدفع مقعده الذي نهض عنه، بقوة، اوقعته أرضًا ليتابع مرددًا بغل:
– دا على جثتي، على جثتي ان اعتذر للمحروسة، فاهم يابا على جثتي.
أنهى وخرج بغضبه من المنزل تتبعه شياطينه، ليردد عابد في اثره، طب لما اشوف كلمة مين اللي هتمشي فينا يا حيلتها؟!
❈-❈❈
، هي عاملة ايه دلوقتي؟
قالتها مجيدة وهي تدلف لداخل الغرفة ورؤى تستقبلها لتجلسها على المقعد القريب من تخت شهد المستلقية عليه بتعب لا يمكنها حتى من رفع رأسها، لتتابع مجيدة:
– يا شهد، عاملة ايه شهد؟ يا شهد؟ انتي سمعاني يا حبيبتي؟
وجهت الأخيرة نحو رؤى، والتي تمتمت هامسة:
– معلش يا طنت، بس هي كدة من ساعة ما خدت العلاج وشافها الدكتور امبارح، باين العلاج تقيل عليها ولا إيه؟
– لا مش تقيل يا رؤى.
تمتمت بها لينا والتي دلفت هي الأخرى بخطوات خفيفة لتردف بثقة:
– شهد مش هتصحى دلوقت انا عارفة، مش هتصحى ولا تفوق غير باختيارها!
– يعني إيه؟ هي صاحية ومش عايزانا نقلقها، خلاص نيجي وقت تاني .
قالتها مجيدة وهي تنهض منتفضة عن مقعدها، ف اقتربت منها لينا تجيبها بصوت خفيض:
– لا والله ما صاحية يا طنت مجيدة، اقولك تعالي اشرحلك برا أحسن.
تحركت بها مغادرة الغرفة، ساحبة بيدها رؤى هي الأخرى.
قالت مجيدة فور ابتعادهن عن الغرفة:
– ما تفهميني يا بنتي، هي ازاي نايمة ومش راضية تصحى؟
قبل ان تجيبها لينا سبقها حسن والذي ظل محله جالسًا على صفيح يكويه بنار القلق والعجز، لعدم تمكنه من اقتحام الغرفة والاطمئنان عليها بأم عينيه، مراعاة للأصول في منزل غريب لا يقطنه سوى النساء، فخرج صوته بلوعة:
– مالها يا شهد يا جماعة ما تفهموني؟
تنهيدة مثقلة بعنف خرجت من لينا قبل أن تجيب على ألأم وابنها:
– يا جماعة كدة ومن الاَخر، شهد كل ما يزيد عليها الضغط ويفيض بيها، بتهرب من واقعها بالنوم لفترات طويلة،… دا كان في العادي، بس هي دلوقتي تعبانة وخارجة من المستشفى، ف انا دلوقتي بصراحة مش عارفة هي هتستلم لحالتها ولا هيحصل تطور معاها.
– تطور في حالتها!
غمغم بها ليهدر مستهجنًا:
– طيب واحنا نستنى ليه التطور في حالتها، ما تصحيها يا لينا.
– يا بني دي أوامر الدكتور، هو اللي قايل لنا اصبروا، ولو حصل لا قدر الله وطالت المدة هو أكيد له صرفة، اصبر يا بشمهندس وان شاء الله ربنا يطمنك عليها ويطمنا معاك.
قالتها أنيسة بهدوء شديد لتمتص انفعال الاَخر، والذي لم ينتبه لعدم تركيزه على ما انتبهت إليه مجيدة، وهو انكشافه التام أمام المرأة الطيبة والذكية خصوصًا مع هذه النظرة التي ترمقه بها، لترد إليها بلغة مفهمومة لكليهما:
– قلبي حاسس يا ست أنيسة ان شهد قوية ومش هتقلقنا عليها.
ردت أنيسة بابتسامة عذبة على الوجه البشوش:
– انا قولتلك انها زي بنتي، يعني نصيبها في الدعا مايقلش عن لينا ويمكن أكتر، ربنا يفرحني بيهم هما الاتنين.
وكأن بكلماتها وضعت كفها على موضع الجرح، لتهتف مجيدة بلهفة أجفلت جميع من في الجلسة:.
– ان شالله يارب، يطمن قلبك على شهد، ويفرح قلبك ببناتك الاتنين وولادي…… قصدي يعني….. ما انا كمان بدعي لولادي، هو انتي متعرفيش؟ اصل انا عندي غير حسن، اخوه اللي اكبر منه امين، ظابط قد الدنيا.
❈-❈❈
– يعني إيه رافض الترقية؟ هو هزار.
انتفض حمدي مجفلًا بصيحة برئيسه الغاضبة، ليبرر مدافعًا:
– سعادتك بيقول ان ميقدرش يسيب والدته التعبانة، دا عذر محدش يقدر يلومه عليه.
– وانت بقى بقيت المحامي والمدافع عنه، في إيه يا سي حمدي؟
هدر بها عدي واقفًا عن مقعده ليلتف حول المكتب ويقف مقابله، تمتم حمدي مستغربًا غضب رئيسه:
– سعادة الباشا انا لا محامي ولا بدافع عنه، بس انا شايف انها فرصة وشادي ضيعها من إيده، يبقى في اللي يسد عنه، احنا الكفاءات عندنا ولله الحمد كتيرة .
زاد الإحتقان بقلب عدي، ليردف متهكمًا:
– طب ما تقعد مكاني وتقرر انت من نفسك، مدام بتعرف في الكفاءات أكتر مني.
خرج صوت حمدي باضطراب وتلعثم:
– العفو يا باشا، انا لا يمكن طبعا يبقى دا قصدي..
– يبقى متجادلش.
صرخ بها عدي بأعين حمراء ونبرة جمدت الدماء بأوردة الاَخر، وتابع:
– انا اللي اقرر مين يروح فين، ومين الأحق بالمنصب؟ انا عدي عزام، يعني محدش يراجعني في قرارتي.
اومأ حمدي بهز رأسه، يظهر الطاعة لرئيسه، بقوله:
– طبعًا طبعًا يا فندم، ومحدش يقدر يقول غير كدة..
تنهد عدي برضا ليستدير حتى يعود إلى مكتبه، ولكن الاخر أوقفه، بقوله:
– شادي لو ضغطنا عليه في الموضوع ده، هيقدم استقالته.
– نعم يا حبيبي، يقدم إيه؟
هتف بها عدي، ليردف الاَخر بمكر الصديق الذي قد يكذب لنجاة صديقه:
– انا قولتلك من الأول يا فندم، مرض والدة شادي هو العذر الكبير في حياته، واللي موقفه عن التقدم في أي شيء، هو مستعد يضحي بالوظيفة كلها في سبيل انه ميتخلاش عنها او يسيبها لحد غريب في مرضها، انا شايف انه لو حصل واتخلينا عن حد بكفاءة شادي عشان حالة انسانية زي دي، يبقى ساعتها هيبقى شكلنا مش حلو خالص قدام الموظفين، خصوصًا بعد المجهود الجبار اللي عمله في حفلة امبارح .
هدر به عدي بعدم احتمال، فهذا الرجل أصبح يثير غيظه، بدفاعه المستميت عن الاَخر:
– اخرج دلوقتي يا حمدي، اخرج ولما اعوزك هبقى ابعتلك.
سمع الاَخير، وتحرك مغادرًا بأدب ولباقة اعتاد عليها مرددًا:
– انا تحت أمرك في أي وقت يا فندم.
دفع عدي بيده بعض المستندات والأوراق لتلقى على الأرض أمامه، وطاقة من الغضب تجعله يوم إحراق الأخضر واليابس، قيود وحواجز، تمنعه من الوصول إليها، يشعر بالعجز عن تحقيق هدفه، لو كان موظفُا عاديًا، كان أخذ فرصته في اللف حولها والحديث والتعرف إليها، منصبه الكبير ومكانته المرموقة تحول بينها وبينه، لماذا لا يتمكن منها كما تمكن من العديد قبلها؟
لماذا لا تأتي وحدها وتقدم فروض الولاء والطاعة كغيرها حتى يرضى عنها؟
لماذا عليه التفكير والتخطيط، لأجلها؟ هو عدي عزام، لا يصح له سوى أن ينال مراده ولن يهدأ حتى يفعل.
التفت رأسه فجأة على طرقة خفيفة يعرف صاحبتها، لتطل برأسها قائلة بصوتها المائع:
– ممكن ادخل يا باشا؟
ناظرها مضيقًا عينيه بصمت ووجه جامد بتجهم، دلفت تغلق الباب خلفها لتردف بصوت زادته نعومة:
– لا لا، دا شكل الباشا زعلان ومضايق، يارب ما اكون انا السبب.
– لا ليكي يد ياختي، إن مكنتيش السبب الرئيسي
قالها بحنق اثار ارتباكها لتردد بتخوف:
– ليه بس يا باشا؟ تعدمني يارب لو كان دا حقيقي، هو انا اقدر.
هدر بها بنفاذ صبر:
– ميرنااا، انا مش طايق ابص قدامي، عايزة ايه اخلصي؟
– يعني هكون عايزة ايه يا باشا؟ دا انا كل غرضي انباسطك، دا انا جاريتك وتحت أمرك.
قالتها بإغواء مع نظرة منكسرة بخبرة، لم تؤثر فيه بل زادت من سخطه ليهدر بها:
– وانا مش عايزك، زهدت فيكي وقرفت.
انتفضت مجفلة، فهذه اول مرة يفاجئها برفضه القاسي، وهذا الوجه المشتد بصرامة، لتبتلع غصتها، مرددة بتعلثم وجزع:
– تمام حضرتك، عن اذنك.
– إستني هنا.
صاح بها يوقفها قبل أن تغادر، فالتفت إليه قائلة بانكسار:
– تحت أمرك يا باشا.
مال بجسده للأمام قائلًا باهتمام:
– عملتي ايه في موضوع صبا؟
التمعت عينيها سريعًا ببريق عاصف، وقد علمت الاَن بالسبب الرئيسي لثورته عليها بل وازدراءه لها، بعد أن كانت المفضلة إليه من جميع النساء، أخفت ببراعة سعير يشتعل بداخلها، لتجيبه:
– والله يا باشا انا بحاول معاها بس هي اللي براوية متبقلش أي حد غريب.
قارعها قائلا بغيظ:
– هي اللي براوية، ولا انتي اللي كبرتي دماغك عن طلبي، وعجبك السنكحة مع البت صاحبتها؟
– يا باشا، ما هي مودة هي المفتاح اللي يوصلني بدوكها، اكيد مع الوقت هتطمن وتأمن لي، وتصاحبني زيها……..
– دا لما اشيب بقى وشعر راسي يوقف.
قالها مقاطعًا لها بحدة الجمتها عن المواصلة، ليعود بظهره للكرسي متابعًا بتسلط:
– اسمعي يا ميرنا، خلصيلي الموضوع دا في اقرب وقت ، وليكي عندي اللي تحبيه، هتقصري وتكمليها استعباط، يبقى تنسي معرفتك بيا، وتنتبهي اوي لشغلك، عشان بعد كدة هتبقي أي غلطة أو تقصير منك بحساب….. وانتي حرة.
اومأت بطاعة، لا تقوى على مراجعته لتستأذن للخروج بأدب، وقد شحب وجهها وبهت ليُصبح كلون الحائط من خلفها، بعد أن هددها بعملها والأكثر من ذلك، هو غضبه، ومعني أن تنال غضب عدي عزام، هذا يعني أن ابواب الجحيم انتفحت عليها على مصراعيها عليها، وهذا لن يحدث، بل ولابد من حل سريع لإنقاذها
❈-❈❈
بوجه مهموم وعقل شارد كان يمارس عمله دون تركيز، يراجع ويعود على ما يفعله عدة مرات، حتى يتفادى الأخطاء المتكررة، بشكل جعله يسهى عن صبا التي كانت تراقبه منذ بداية اليوم، مستغربة التغير به، وقد اصبحت تحفظ وتميز كل ردود افعاله وحالته العادية والغير عادية.
غلبها الفضول لتجد لسانها ينطق بدون تفكير:
– هو انت زعلان مني في حاجة؟
التفت إليها بانتباه يجيبها :
– ليه يا صبا بتقولي كدة؟
ردت بدلال فطري لا تقصده:
– يعني…. أصلك من الصبح مكلمتنيش ولا سألتني في أي حاجة تخص الشغل، او حتى برا الشغل.
افتر ثغره بابتسامة مشرقة لفعلها، وقد اسعده هذا الاهتمام منها، حتى لو كان قولها البريء بعيد بمقصده عما يتمناه بداخله، تمتم يجيبها:
– انا عمري ما ازعل ولا اضايق منك يا صبا، دا موضوع كدة في الشغل، هو اللي واخد عقلي وتفكيري.
– ممكن اسأل واجولك موضوع ايه؟ ولا مينفعش؟
ازاد اتساع ابتسامته ليردف لها:
– ولو مينفعش؟ مدام سألتي بلهجتك الحلوة دي، يبقى انا لازم اقولك.
ضخت الدماء الحمراء بتسارع بوجنتيها لتشعر بسخونتهم، وهي تسبل أهدابها عنه بخفر، صامتة بخجل، لتزيده تشتتًا وحيرة، تحمحم ليتمالك نفسه قائلًا:
– كنت عايز أسألك الأول، بس تقولي بصراحة، هو عم ابو ليلة زعقلك بعد ما رجعتي من الحفل متأخر؟
تلاعبت مقلتيها وابتسامة مشاكسة ترتسم على محياها، قبل أن تجيبه:
– هو مزعجش، بس اداني كلمتين في جنابي كدة بالمحسوس، بس اهي ليلة وعدت الحمد لله.
تنهد بإحساس المسؤلية غاضبًا من نفسه يقول:
– اهو دا اللي كنت خايف منه، أنا كنت بزن عليكم انتي ورحمة من الأول عشان نمشي بدري، هيقول عليا ايه الراجل دلوقتي؟
ضحكت تجيبه:
– والله بيجول راجل محترم، مخدتش عنك فكرة عفشة ولا حاجة، هو عارفني اصلا وعارف جناني، ثم ان دا العادي بتاعه، ابويا بيخاف عليا من خياله.
– عنده حق يا صبا.
قالها بصدق ومشاعر الحماية بداخله نحوها تزداد صخبًا، حتى تمنى لو يحميها من غضب والدها واصراره الدائم على تزويجها على أحد ابناء عمومتها رغم رفضها.
– صباح الخير يا جلاب المشاكل.
هتف بها حمدي وهو يقتحم الغرفة ليجفله ويقطع عنه شروده، قطب شادي يجيب التحية باستغراب:
– صباح الفل، ربنا ما يجيب مشاكل يا عم، فيه ايه؟
– عاملة ايه يا صبا؟
قالها حمدي وتقدم يخطو بابتسامة صفراء نحو شادي حتى وصل إليه ليضرب بكفه على سطح المكتب قائلًا:
– عشان بسببك خدتلي دش بارد على دماغي ولا اكني موظف صغير تحت التمرين حتى.
– ليه يا حمدي؟
سأله بقلق ورد الاخير على عجالة وهو يستدير خارجًا:
– عشان موضوع الترقية اللي رفضتها يا خويا، ادعيلي الاقي حد كفء غيرك يبيض وشي قدام الراجل، دا انت عيل فقر زي صاحبك.
قالها حمدي وخرج ليترك شادي متجمدًا ليعود لشروده، بعد أن فقد فرصة جيدة لتحسين مكانته الاجتماعية والوظيفية، حتى لا يتخلى عن والدته……
توقف لينقل بنظره إليها، متذكرًا السبب الآخر لرفصه، وهو الحرمان من رؤية القمر، وقد أسعده الحظ ليصبح جارها في السكن والوظيفة أيضَا .
❈-❈❈
دلف حسن عائدًا لمنزله يهتف ساخطًا، فور ان وجد فرصة التعبير اخيرا وبحرية عن غضبه:
– دا برضوا كلام يا ماما؟ دا برضوا كلام؟! تلت ساعات رغي وكلام مع الست الغريبة، طب اعملي حساب ان دي اول مرة نخش بيتهم، أو راعي الظرف، ولا شكلي وانا الراجل الوحيد معاكم.
هتفت هي بدورها، وهي تخلع عنها حجابها الكبير لتلقيه على اول كرسي وجدته أمامها:
– ياخويا وطي صوتك شوية، وخليني اخد نفسي الأول ، واخدني ع الحامي كدة، هي الدنيا طارت؟
تدخل أمين من جلسته على مقعد السفرة يتناول الطعام:
– بيت غريب وكلهم ستات، هو انتو كنتو فين يا جدعان؟
– وانت رجعت من امتي يا خويا؟
سالته مجيدة تقترب منه، ليجيبها والطعام بفمه:
– جيت من ساعة تقريبًا، ملقتش حد ، قومت سخنت وقولت اكل.
– وعلى كدة بتاكل ايه يا ولا؟
قالتها مجيدة وهي تجلس لتشاركه الطعام متجاهلة عن عمد غضب الاَخر، ليجيبها أمين وقد فهم عليها:
– سخنت الفرخة وصنية المكرونة يا ماما زي ما بتعملي انتي بالظبط، وجيبت طبق واحد أكل فيه مغ الصواني اللي قدامك، عشان موسخش اكتر من واحد وتيجي بعد كدة انتي تزعقيلي.
– يا ختي على جمالك، يحرسك ليا.
صرخ بالإثنان حسن وقد فاض به:
– ما تبس بقى انتوا الاتنين، بطلوا العابكم دي وحسوا بيا شوية.
قالها وسقط بجسده على أحد المقاعد بجواره، متابعًا:
– طول الوقت هزار وضحك، حتى لو كان الوضع مايسمحش، وانا نفسيتي مش متحملة.
– هو في ايه يا جماعة.
تمتم بها أمين متسائلًا بعدم فهم:
تجاهلته مجيدة والتي شعرت بالذنب، لتقول بأسف وقد وضح إليها الاَن جليًا وبكل وضوح، وقوع ابنها في عشق شهد، حتى وهو لا يعترف بذلك.
– أنا واخوك بنهزر معاك، ثم ان الموضوع مش مستاهل يعني؟
رد غاضبًا:
– ازاي يا ماما مش مستاهل؟ الهروب بالنوم دي مش حاجة ساهلة ابدًا لواحدة في حالتها، مش ممكن لا قدر الله يتطور معاها الأمر ويتحول لغيبوبة.
– اعوذ بالله يا بني، فال الله ولا فالك .
قالتها مجيدة ليهتف أمين :
– يا جدعان ما تفهومني، مالها شهد؟ وايه حكاية الستات الغريبة؟
صاح به حسن مستنكرًا فضوله:.
– ايه يا عم الظابط؟ هو انتي كل حاجة عايز تعرفها؟
– امال يعني ، عايزني ابقى زي الأطرش في الزفة!
ردت مجيدة:
– بعد الشر عليك يا حبيبي، كفاية انك جبلة، هتبقى اطرش وجبلة، دي تبقى وقعة.
صمت أمين يستقبل سبابها بابتسامة كالعادة، لتتابع له:
– البيت الغريب دا بيت لينا وامها، اصلنا اول مرة نزورهم النهاردة.
قاطعها بخشونة رافعًا حاجبه:
– لينا مين يا ماما؟ هو انتو مش قصدكوا شهد؟
زفرت مجيدة لتهدر به بانفعال:
– ما هي شهد عند لينا يا زفت الطين، بطل تقاطعني يا واد.
توقفت برهة مع صمت الاثنان، لتسطرد:
– شهد اعصابها تعبانة وقاعدة عند صاحبتها وامها، الست كانت طيبة معايا اوي، خدت عليا وخدت عليها، اخوك بقى متعصب عشان طولنا في القعدة شوية.
هتف حسن بتذمر:
– عشان منظري يا ماما، دا غير اني كنت متكتف وحاسس صدري طابق عليا، كلكم دخلتوا وأطمنتوا، وانا قاعد مستني تصحي او اي خبر عنها .
لقد انكشف وانفضح امره، هذا ما كان يشعر به أمين تجاه شقيقه، الذي يصرخ بقهر من أجل محبوبته، اشفق يزيد عليه بمزاحه، فخاطبه يسأله برقة:
– هي مالها شهد يا حسن؟ وايه حكاية النوم والغيبوبة؟
رد الاَخير يجيبه بتأثر:
– انا قولتلك ان اعصابها تعبانة، وبصراحة عندها حق، من عمايل مرات ابوها وخطيب اختها دا كمان، احنا كما عندها امبارح والنهارده بنتصل بيها، ف بلغنا انها وقعت تاني وانهارت، لينا وصفتلي حالتها، شهد بتهرب من واقعها بالنوم، يعني ممكن تقعد بالأيام، وهي دلوقتي في نفس الحالة، انا خايف عليها ونفسي تصحى بقى.
اومأ أمين بتفهم قائلًا:
– قولتلي بقى! يعني هي حالتها دلوقتي زي الأميرة النائمة بتاعة القصة المشهورة يا ماما؟
قطبت مجيدة بتفكير، حتى تذكرت مقصده لتجيبه:
– حاجة زي كدة، بس مش بالظبط يعني….
انا مش فاهمة انت جيبت المثل دا منين؟
– من القصص يا ماما، ما انتي عرفاني بحب الكارتون.
– ايوة يا خويا ما انت عقلك فاضي .
قالتها مجيدة، ليهتف بينهم حسن بغيظ:
– وايه دخل ده بده؟ هو انتوا عايزين تجننوني، ايه يا عم انت؟
صيحته القوية اجفلت أمين ليقول على الفور:
– يا سيدي افهمني، انا مش قصدي استهزاء، بس دا اللي جه في خيالي، شهد هي الاميرة النائمة، وانت الأمير اللي هتصحيها، في الرواية بقى الامير بيصحي الأميرة ازاي؟
– ازاي؟
تمتم حسن بعدم حتى وصل إليه مقصد شقيقه، ليغمغم:
– بوسة.
تبسم أمين بشيطنة مع ملاحظته الدقيقة للتورد الطفيف الذي غز وجه أخيه لمجرد التخيل، قبل أن يستفيق ويصيح به:
– على النعمة انت عيل مخك فاضي صح؟ جاتك نيلة عليك.
قالها يدفع الكرسي مغادرًا، لتنهض مجيدة تلقي بكلماتها هي الأخرى قبل أن تنهض وتلحق به:
– مش كفاية عقلك فاضي، تطلع قليل أدب كمان!

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى