رواية نيران الغجرية الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء السابع والعشرون
رواية نيران الغجرية البارت السابع والعشرون
رواية نيران الغجرية الحلقة السابعة والعشرون
صفقة للحفاظ على السر.
_____________________
” قالت لي أمي ذات مرة : كل إمرأة تخسر الحياة لأجل رجل ، تستحق أن تموت وحيدة ” # ليتني_إمراة_عادية
داخل قاعة الإجتماعات التابعة للشركة.
أنهى توقيع آخر ورقة و أعطاها إلى مساعدته التي كانت تسجل ملاحظاته ثم إستأذنته بإحترام و غادرت ، ثم أدار رأسه ناحية رفيقه هاتفا :
– انت سرحت في ايه تاني يا يوسف.
إستفاق من شروده اللحظي على تساؤل وليد فإبتسم بإقتضاب مجيبا :
– ، No thing , انا صدعت شويا بس.
اومأ بتفهم ثم استدرك قائلا :
– احنا لازم نضاعف مجهوداتنا الفترة ديه انت شوفت ازاي الفضيحة أثرت على الشغل و تعامل الزباين معانا ، المسؤولية زادت علينا خاصة ان بابا سافر و بقى مدير لفرع تاني و مع الاسف عمار و عمي رأفت وعادل بيه مشغولين في مشاكلهم وانا مش هقدر اضغط عليهم اكتر.
همهم يوسف بخفوت ثم بلل شفته يجهز نفسه لطرح سؤال لطالما شغل باله :
– هي مرات عمار ليه عملت كل ده و ليه عيلة البحيري ساكتة و معملتش اي رد فعل.
جفل وليد و ناظره بحيرة مشابهة فحتى هو لم يستفق بعد من صدمة تلك الليلة ، أن يتحول الزفاف إلى مأتم في غضون دقائق و تتحول الفرحة لفضيحة فذلك لم يتخيله حتى في أحلامه.
ولكنه هز كتفاه مردفا بواقعية :
– معرفش السبب بالضبط بس انا شوفت حالة عمار وهو بيدور على مريم كان عامل زي المجنون دخل في قوقعة و قفل ع نفسه لشهور طويلة.
و اللي قدرت افهمه من خلال حالته و مريم غايبة … انه كان بيحبها او على الاقل مهتم بيها ، ف انه تظهر مريم يوم فرحه و تفتري عليه ده بيخليني افكر انها جاية تنتقم عشان قرر يتجوز او عايزة فلوس منه و اول ما يديها اللي عايزاه هتمشي.
و بالنسبة لعيلة البحيري لو كنت بعرفها ولو شويا فهي أكيد مش ساكتة عشان خايفة من بنت قادرين يقضو عليها في دقيقة ، بس بظن رأفت بيه ماسك الطرف الحيادي و قرر يدي الفرصة لمريم تطلع تفتري و تكدب وتعمل اللي عايزاه و لما تخلص كل الأسلحة اللي في ايدها يتحرك هو.
– يعني ممكن يؤذوها ؟
هتف يوسف بلهفة مفاجئة استرعت حفيظة وليد و جعلته يستغرب منه لكن الأخير بادر بتصليح الوضع بعدما أدرك ردة فعله المبالغ بها :
– لو مريم اتأذت او حصلها اي حاجة اول واحد هيشكو فيه هو عمار صح ، و ده هيخلي الناس تصدق الكلام اللي بيطلع عليه فده مش من مصلحتهم اساسا.
ثم بلل يوسف شفتيه و أضاف مدعيا الحيادية :
– و كمان البنت ديه مش هي اللي افترت عليه بالعكس هي ساكتة من ساعة اللي حصل بس الاعلام و الناس في السوشيال ميديا شغالين يضخمو في الأمور مش كده.
– والله سواء هي اللي بتطلع الافتراءات او لأ بس هي السبب الرئيسي فيها يعني في الحالتين مش هتنفذ من عيلة البحيري و من السيد عادل على وجه الخصوص.
هتف وليد ببساطة وهو يقلب في إحدى الملفات ثم إستطرد :
– سيبك من سيرتها و خلينا مع الورق اللي قدامنا ده … مجلس الادارة قدم شكاوي بسبب غياب المدير التنفيذي بيقولو انهم متضايقين لان الصفقة اللي كان بيشتغل عليها عمار التغت و ده أثر عليهم كلهم خصوصا انه غايب بقاله فترة.
إنتبه يوسف و أولى كل تركيزه إلى حديث الآخر فقال :
– بس هما عارفين باللي حصل و ان عمار عنده Difficult conditions منعته من انه يتواصل معاهم وبعدين دول اسبوعين بس و ديه اول مرة عمار يغيب ايه اللي خلاهم يشتكو كده.
إبتسم ساخرا و علق بنبرة أقرب للتهكم :
– عايزين يستغلو الوضع و يوقعوه عشان تجي فرصة لواحد منهم يتولى منصب المدير التنفيذي مكانه … ما صدقو مسكو غلط على عمار رغم انه مقصرش في شغله ابدا قبل كده.
– احنا لازم نلاقي حل بسرعة للمشكلة ديه لان لو الوضع استمر كده هنخسر اكتر.
___________________
توقفت سيارته الحديثة أمام المبنى المقصود ، هرع السائق ليفتح له الباب ثم إنزاح جانبا تاركا سيد عمله يطالع العمارة و بتعبير أدق كان يحيد بمقلتيه نحو طابق معين دون سواه.
حدج الأخير السائق و قال بلهجة متصلبة :
– انت خليك هنا ، و انتو تعالو ورايا.
خاطب حارسَيْهِ ثم عدل ياقة سترته و خطى بقدميه بإتجاه المبنى بعدما أبعدا البواب عن الطريق ، و بعد دقائق قصيرة كان يخرج من المصعد الكهربائي قاصدا الشقة إلا أن الحارس الذي يربص أمام عتبة الباب إعترضه هاتفا :
– ممكن اعرف مين حضرتك يا فندم ممنوع …
قاطعه بهدوء حاد :
– انا اللي الباشا بتاعك معيشك بفلوسي ولو مبعدتش عن طريقي حالا هخرب بيتك.
تلجلج الحارس قليلا و أنبأته حواسه أن الذي يقف أمامه شخص ذو مركز مهم ، و على الأغلب هو فرد من عائلة البحيري و لكنه رغم ذلك رد بصوت هادئ :
– يا فندم عمار بيه مانع …
أوقفه عن كلامه صوت فتح باب الشقة لتخرج مريم منه ، تحولت الأبصار ناحيتها بينما رفعت هي حاجبها بإستخفاف بعدما سيطرت على ملامح الدهشة المرسومة على وجهها ، مطالعة الزائر الجديد :
– رأفت بيه ؟ أهلا وسهلا.
نظرت إلى الحارس قائلة باِبتسامة :
– ده والد عمار بيه و بيقدر يدخل اكيد ابنه اللي باعته اصلا …. اتفضل.
مط رأفت شفته وهو يحدجها بإزدراء قاصدا التقليل منها إلا أن الأخيرة ظلت على برودها ، بل و أفسحت الطريق له ليدخل.
تمتمت مريم وقد دعته للجلوس :
– اتفضل حضرتك تشرب ايه.
– انا مش جاي اشرب حاجة من عندك.
رفعت حاجبيها مستمتعة بهذا الموقف فقالت :
– امم يبقى اكيد انت جعان بص انا عاملة غدا بيجنن هتتبسط لما تدوقه … عمار كان بيموت على طبخي.
إحتشد رأفت أنفاسه الغاضبة بداخله و أدرك أنها تحاول أن تتسلى على حساب أعصابه و لكنه لم يكن لديه وقت لألعابها السخيفة فهتف دون مراوغة :
– انتي عايزة ايه ؟
برطمت مريم بإبتسامة سوداء وهي تجلس على الأريكة الواسعة :
– بتقول ادخلي في الموضوع مباشرة يعني.
– تماما.
أجابها رأفت وهو يجلس على الأريكة المقابلة لها و تابع :
– اختفيتي لمدة سنة ونص و رجعتي ظهرتي يوم فرح ابني و بوظتيه ، ومكفاكيش اللي عملتيه لأ عماله تنشري انتي و صحابك كلام كاذب عليه و على العيلة و مش راضية توقفي تصرفات الشوارع ديه فقوليلي انتي عايزة كام من الاخر عشان اديهولك و تطلعي من حياة ابني ، انا مستعد اديكي المرادي شيك على بياض تكتبي فيه المبلغ اللي انتي عايزاه.
إختفى الهزل من وجه مريم و ظهر مكانه إنكماش نتج عن جرح قديم ، جرح جلد قلبها منذ زمن بسياط من نار ولم يندمل بعد.
رشقته بنظرات جليدية حملت بداخلها الغضب و الحقد و الشعور بالإهانة ، ثم مالت برأسها نحوه هامسة بنبرة تلميحية :
– اممم عرضك ده عجبني … كويس و أحسن من الأولاني … بس قولي العرض ده انت قدمتهولي عشان اخرج من حياة ابنك نفسه ولا … علشان ميعرفش ان ديه تاني مقابلة لينا بعد اول مرة شوفتك فيها من سنة ونص.
تشجنت قبضة يد رأفت الضاغطة على ساقه وهو يشعر بأعصابه تنفلت ، أصعب شيء كان يتعرض له في هذه اللحظة هو قدرته على تمالك نفسه و عدم إظهار نفسه كشخص خائف من إنكشاف سره …
و من سوء حظه أن هذا السر لو عرف به ولده عمار الآن و كشف الحقيقة فسيفقده نهائيا ولن ينال فرصة كسبه مدى الحياة ، حقيقة أنه في الوقت الذي كان فيه عمار يبحث فيه عن زوجته كالمجانين كان رأفت يعلم مكانها و أخفى ذلك عنه بكل أنانية !!
و في نفس اللحظة كانا الإثنان يتشاركان نفس الذكرى التي تمتد منذ حوالي سنة ونصف ، و بالضبط بعد شهر من هروب مريم من المستشفى …
Flash Back
( في صباح ذلك اليوم المشمس بعد ليلة ممطرة زادتها اِختناقا بجوها البارد و الموحش ، لفت وشاحا حول كتفيها و غادرت المنزل الذي تقطن فيه قبل أن يستيقظ أصحابه ، لتمشي في الشوارع بدون وجهة محددة …
كانت هيأتها بائسة ، جسدها نحف بشكل ملحوظ و وجهها غادرته علامات الحياة ، وقد توضح ذلك من الهالات السوداء أسفل عينيها و بشرتها الشاحبة و عيناها اللتان تجولان في محجريها بتشتت.
من يراها يظن أن روحها غادرتها منذ زمن و ماهي سوى جثة لم تُدفن بعد ، و الحال أن مريم كانت كذلك بالفعل ولكن الفرق بينها وبين الأموات انهم مدفونون تحت التراب أما هي فلاتزال فوق الأرض !
اِنكمشت مريم حول نفسها تتمسك بوشاحها قبل أن تكمل طريقها وهي تفكر ، مر شهر على هروبها ولا شك أن عمار بحث عنها كالمجنون …
لم يكن سيبحث عنها كزوجة بالطبع بل كان بصفتها جارية له كما اعتادها دائما ، و بصفتها المرأة التي خانها مع ابنة عمه على سريره و أم الطفل الذي قتله في بطنها دون رحمة !
طوال الثلاثون يوما الماضية كانت تتصرف مثل المجانين ، اِنهارت و صرخت و حطمت و نزفت و حاولت الإنتحار مرتين لو لم يتم إنقاذها ، في كل مرة تذكرت أن الرجل الذي عشقته لم يكن سوى خائن وقاتل أرادت إزهاق روحها إلا أنها لم تنجح.
ورغم كل هذا يبقى جزء صغير من قلبها يخبرها أنه ربما يكون عمار مظلوما ، ربما هو بريء مما إتهمته به ، حسنا من الممكن أن يكون قد ضعف للحظات اتجاه ابنة عمه أو ندى نفسها من تقربت منه لأنها هي من كانت في غرفته وليس العكس ، و لكن كيف يستطيع قتل طفله ؟
في الفترة التي عاشت فيها مع عمار لم تعهده بهذا القدر من اِنعدام الشفقة ، كان صريحا معها ولم يلتجئ يوما إلى الألاعيب و المؤامرات اذا هل يعقل أن هناك من أرسل لها باِسمه تلك الشوكولا قاصدا تسميمها و قتل جنينها ؟
لكن إذا كان هذا حقيقيا فكيف عرف المجرم نوع الشوكولا التي تحبها و من أين عرف شقتها و السؤال الأهم ما مصلحته من أذيتها !
شعرت مريم بإختناق أنفاسها فتوقفت عن المشي ووضعت يدها على صدرها موضع قلبها هامسة بيأس :
– عمار ممكن يبقى مظلوم و معملش حاجة … انا غلطت لما هربت لازم ارجع و اسأله اذا كان عارف باللي حصلي وهو اكيد هيجاوبني … لا أنا لازم أكلمه دلوقتي.
انتشلت هاتفها الجديد المتواضع من جيبها و شرعت تكتب بأصابع مرتجفة رقم هاتفه الذي تحفظه عن ظهر قلب و قبل أن تضغط على زر الإتصال أحست بحركة خلفها ، ثم بدنو شخص منها حتى أصبحت انفاسه مسموعة بالقرب من أذنها …
و كعادتها في آخر فترة فقد تجمدت دماؤها بجسمها و شحب وجهها متخيلة الأسوء ولكنها التفت على أي حال و سرعان ما تراجعت خطوتين إلى الوراء عندما رأت رجلا مألوف الملامح يقف أمامها بملامح خشنة و بجواره رجال ذوي بنيات ضخمة تعادل قسوة وجوههم.
ارتجفت مريم كطير جريح و كادت تفر إلا أن ذلك الشخص أوقفها بكلامه الذي جعل الصدمة تنتشر على محياها :
– متخافيش … أنا رأفت البحيري والد عمار و جاي اتكلم معاكي بس.
بعد دقائق كانت تجلس داخل سيارته بملامح متجمدة و أعصاب متشنجة ، وجود أي شخص من طرفه فقط يجعلها على حافة الإنهيار ، و الأهم أنها لا تعلم كيف وجدها هذا الرجل الذي تبدو عليه الهيبة و الوقار ولا ماذا يريد منها بالضبط.
أفاقت من تفكيرها على نبرته الهادئة :
– طبعا انتي اكيد مستغربة انا لقيتك ازاي وجيت ليه.
لم تعلق مريم عليه فتابع رأفت :
– انا عرفت بموضوعك من شهر … و ان ابني بقاله سنتين متجوزك و هربتي من المشفى بعد ما سقطتي … و صراحة عمار هو اللي طلب مني ادور معاه على مكانك.
شهقت للهواء و أحست بثقل غريب يطبق على صدرها فيخنقها ، و بيديها ترتعشان وهي تدمدم :
– عمار … ب ب بيدور عليا ؟
– ايوة … بصفته راجل خسر ابنه اللي في بطن واحدة ست غلط معاها وانا مضطر دلوقتي اصلح غلطه ف ايوة هو بيدور عليكي.
انتفضت مريم من إهانته لها فإلتفتت اليه تهدر بحدة :
– انا و عمار متجوزين على سنة الله و رسوله هو جه لبيتي و اتقدملي يعني مكنش جايبني من الشارع !
ظل رأفت على هدوئه و لم ترمش عيناه حتى ، و في داخله كان يجول بنظره عليها ربما يجد الشيء الذي سحر عمار و جعله يقدم على تصرف أهوج و يخاطر بسمعته و سمعة عائلته.
و صدقا هو لم يجد شيئا مميزا بها و في نفس الوقت لم يرى تفصيلا مشتركا بينها و بين النساء اللواتي صادفهن عمار في حياته.
بنات الطبقة الراقية كُنَّ ذوات جمال ملفت و ملابس أنيقة تواكب صيحات الموضة و تصرفات راقية تدل على نسبهن ، لم تكن اي واحدة منهن جاهلة بل درسن في مدارس و جامعات خاصة و تعلمن أصول الاتيكيت الذي يناسب طبقات المجتمع الراقي ، و ندى أكبر مثال على ذلك !
بينما هذه الفتاة من طبقة متوسطة ترعرعت في قرية غير معروفة ، ذات جمال نوري و شعر طويل مجعد يعبر تماما عن أصولها الغجرية البربربة ، و رغم أن لا ملابسها ولا اكسسواراتها ولا تصرفاتها او عاداتها شبيهة باللواتي يعرفهن … إلا أن هذه المدعوة مريم كانت تلفت الأنظار بشكل ما … و لكنها لا تناسبهم !
ولذلك يجب على رأفت فعل ما بوسعه من أجل أن يزيحها عن سكة إبنه غريب الذوق في النساء ، سيصلح خطأ ولده و يجد الأحسن له.
بينما كانت مريم ترمق رأفت بحدة اجتاحتها الغرابة بعدما أدركت انه شارد في شيء يخصها حتما.
فتنهدت بضيق مضيفة :
– انا عارفة انك مضايق من علاقتي بعمار بس حضرتك كان لازم تكلم ابنك مش تكلمني انا لاني مبقدرش اساعدك في حاجة و بالمناسبة هتبسط اكتر لو مكررتش كلمة غلط معايا ديه عشان كل حاجة بيننا كانت شرعية … بعد اذنك.
تحركت تفتح الباب لتخرج بعنفوان وأده رأفت ببرطمته التي أصابتها في مقتل :
– انتي مش اول واحدة دخل معاها عمار في علاقة زي ديه.
تجمدت يدها على مقبض الباب دون اِصدار أي حركة إضافية فأردف بلهجة قاسية و حروف أقسى كادت تسبب لها انشقاقا في قلبها :
– في كتير بنات قبلك و حتى وقت انتي كنتي موجودة في حياته كان عمار بيقضي وقته مع غيرك.
أحست أن قلبها سيخرج من مكانه ، و لفحتها برودة هوجاء جعلت وجهها الشاحب يجمد و صدرها يضيق بشكل خُيِّل للآخر أنها تنازع الموت ، و لكن لم تكن لديه طريقة أخرى لجعلها تبتعد عن عمار الذي لا يدرك حتى الآن مدى فداحة خطئه بالإرتباط منها ، حتى لو كان بالكذب و إطلاق افتراءات لا أساس لها من الصحة على ابنه الوحيد !
لذلك استعاد ملامحه القاسية عند تمتمتها بعجز أنه يكذب ، و قال بلهجة شديدة :
– انا مش محتاج اكدب عليكي لو حبيتي تقدري ترجعي و تسألي عمار اذا كلامي صح ولا غلط … قولتلك انك مش اول بنت في حياته ولو شغلتي دماغك شويا هتفهمي اني بقول الحقيقة …
عمار زيه زي أي شاب تاني عنده نفس المقومات هو عرف كتير قبلك و بعدك بس كانو للتسلية و حتى انتي زيهم لكن الفرق الوحيد انك كنتي صعبة المنال شويا علشان كده اضطر يكدب عليكي و اشتراكي من عمك بفلوسه.
كلمة بعد كلمة رددها رأفت بدون مراعاة أن من تقف أمامه امرأة عاشت طعم الخيانة و الغدر و وجع خسارة الإبن ، و قبل كل شيء كانت انسانة من دم و لحم و ليست آلة بلا مشاعر !
راح يلقي عليها اهانته على شكل السرد لها كيف أن ابنه أخبره بأن يبحث عن مريم و يجدها ليس لأنه يحبها بل لأن عشيقته هذه المرة خسرت ابنها في حادثة بشعة و لم تجري عملية اجهاض كما فعن اللواتي دخلن حياته !
ثم أخبرها أن عمار لم يهتم أبدا بأن يؤسس عائلة معها فهو يمرح و يتمتع و عندما يمل سيختار واحدة من مجتمعهم ذات نسب عريقة و عائلة معروفة …. و ليس مثلها من الغجر !
و في هذه الأثناء كانت الدموع الصامتة تهطل من عينيها واحدة تلوى الأخرى ، و قلبها ينزف دما بعد أن مزقته أنياب وحوش الخداع و الخيانة و الكذب و الغدر …
و الحال أن رأفت حطم بكلامه آخر فُتات أمل لها بأن عمار ليس هو من سمَّمها و قتل جنينها بداخل أحشائها ! فذئب بشري مثله لن يتوانى عن القضاء على أي فرصة تسمح بتعكير حياته المدنسة !
رمشت بعينيها عندما شعرت بشيء يوضع على كف يدها فهزت حدقتيها و سقطتا على ظرف ثقيل أدركت بمرارة ماهيته.
ثم صوته وهو يهتف :
– ده مبلغ ****** جنيه لو اشتغلتي طول عمرك مش هتعرفي تجمعي مبلغ زيه و انا بوعدك اني هبعتلك كل شهر مبلغ زي ده و اكتر بس بشرط عمار ابني ميعرفش حاجة عن الاتفاق ده انا عايزه بفى ينسى كل اللي عرفهم عشان يتجوز بنت مناسبة ليه … يعني من الاخر عايزك متدخليش حياتنا تاني. )
Back
انتفض بحدة ووقف يشرف عليها بغضب :
– انا و انتي اتفقنا كويس على انك متظهريش تاني و خدتي مني ثروة كبيرة مقابل الاتفاق يبقى ليه بوظتي الصفقة اللي كانت بيننا ؟ لو عايزة فلوس اكتر قوليلي وانا اديكي اللي عايزاه بس تبعدي عن ابني.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه مريم أخفت دمعة احتجزتها بصعوبة بين عينيها بعد مرور شريط ذلك اليوم على ذاكرتها ، ثم وقفت مقابلة له و أردفت بدهاء :
– انت خايف عمار يعرف انك وصلتلي بس سكت و فضلت مخبي عليه صح … خايف يعرف انك فضحت اسراره قدامي و انك السبب الرئيسي فإني ابعد سنة ونص عنه و بعدها ارجع وانا وناوية انتقم منه.
جن جنونه و تطايرت الشياطين حوله فقبض رأفت على ذراعي مريم صارخا بعنف :
– و انتي مين علشان تنتقمي اصلا مش شايفة نفسك ولا ايه انتي حته بنت ولا تسوى اكبر غلطة عملها عمار هو انه عمل قيمة لواحدة زيك و بصلك و عشان كده انا بعدتك عنه تعرفي ليه عشان ابني بيستاهل الأحسن منك مش مجرد واحدة بربرية همجية زيك انتي فاهمة !
تجمدت مريم مكانها بسبب تهجمه المفاجئ و كلماته المهينة التي ألقاها عليها ، تألمت كرامتها و نزف قلبها ولكنها للمرة التي لا تدري عددها إدعت البرود لتزيح يديه عنها مستطردة :
– كلمة كمان و هخلي ابنك يقف قدامي و احكيله كل حالجة و اتوقع هيصدقني فورا مش عشان بيثق فيا لأ بس علشان هو مبيثقش فيك و بيكرهك …. ده عمار مستخسر يقولك بابا حتى ف اتخيل لما يعرف باللي عملته فيه هيعمل ايه.
أفلتها رأفت أخيرا و تراجع للخلف وقد انعقد لسانه و عجز عن مجابهتها فلقد اتضح أن هذه المرأة خطيرة حقا و غير متوازنة عقليا لذلك من غير الواضح ما يمكن أن تفعله.
لوهلة أراد لو يخنقها الآن أو يدبر لها حادث سير يقضي عليها نهائيا و لكن الإعلام و الجميع مركزون على عائلته هذه الفترة و فعل شيء مثل هذا من الممكن أن يقضي عليهم حتما.
و من أجل ذلك قرر رأفت أن يسايرها و يعلم ما تخطط له فقال بصلابة :
– الواضح انك عايزة حاجة غير الفلوس قصاد انك تسكتي فقولي من الاخر ايه اللي بتطمحيله …. عايزة عمار ؟
تهكمت مريم من تفكيره و كم سخرت من حقيقة أنها في الماضي ذلت نفسها و تنازلت كثيرا حتى جعلت عديم الضمير هذا يظن أنها مازالت تطمح للحصول على الرجل الذي غدر بها أشد الغدر.
و عندما لاحظت ملامح وجه رأفت المنقبضة بإنزعاج من استهزائها تنحنحت و قالت :
– صدقني عمار اخر راجل هفكر فيه انا مش مهتمة بيه ولا بمين هيتجوز ولا أي حاجة لاني على قد ما حبيته زمان بقيت اكرهه و انفر منه … اللي عايزاه حاجة تانية خالص.
– ايوة انطقي.
هتف بصبر نافذ وقد بدأ يعتقد أن مريم تسعى لتضييع وقته فقط ولن تقول شيئا مهما غير تراهاتها ، و لكنه خاب عندما تخلت الأخيرة عن هزلها و رسمت الجدية على وجهها ببراعة منقطعة النظير مردفة :
– عايزة الحاجة اللي خدها عمار مني لما اتجوزني و حبسني بين اربع حيطان … انا نفسي يبقى ليا منصب اقدر اعتمد بيه على نفسي و استغل دراستي فيه … عايزة اشتغل.
– تشتغلي ؟ ماشي تمام انا هدبرلك شغل في مكان كويس و …
قاطعت كلامه وهي تبتسم و تهز اصبعها يمينا وشمالا كدلالة على رفضها لما يقوله :
– تؤ مش في شغل في مكان كويس وخلاص … عايزة اشتغل في شركتكم !
_________________
في نفس الوقت.
كان جالسا في شرفة غرفته يدخن سجارته ببال مشغول حتى أنهاها و دسها بإهمال بين باقي السجائر المستهلكة ، كتم عمار تأوها جراء الألم الذي شعر به في رأسه الآن ثم حاول تجاهله و التركيز في أشياء أخرى ربما ينسى الألم و يتجنب شرب الأدوية لثالث مرة في هذا اليوم.
و فعلا لم يجد شيئا يشتت انتباهه أفضل منها ، تلك الغجرية التي فقدت عقلها و تجاوزت حدود المعقول بتصرفاتها حتى باتت تظن أنها الأقوى و الأذكى ولا أحد يستطيع مجابهتها !!
فتح جهاز الآيباد و تصفح المواقع التي لم تتوقف عن ذكر عائلته في الأيام الماضية فلاحظ أن هذه الصفحات لم تعد تتحدث عن آل البحيري مثل قبل بل اتجهت الى قضايا أخرى ظهرت و أصبحت ” تريند ” يتهافت الجميع للثرثرة عنه و مشاركته و الضحك عليه !
و مثلما كان عمار يتوقع فإن الإعلام جدد مواضيعه و انتقل من فضيحة زفافه الى عائلة أخرى عاشت فضيحة سيتحدث الأخير عنها لأيام لا تضيف شيئا لرصيده المهني ، و الناشطون على هذه الصفحات لم يدخروا جهدا بل ساهموا في تضخيم الأمور التافهة التي لا تنفعهم مقدار ذرة مثل العادة.
لكن هذا لا ينكر جهود والده و عمه في سعيهم لإغلاق قضيتهم و عدم الخوض في سيرتهم مما أكد له بأن مريم ستفتعل أي شيء قريبا لإعادة لفت الإنتباه.
تأفف عمار بخنق وهو يضع الجهاز على المنضدة أمامه مدلكا صدغيه بتعب ، ثم نهض و ارتدى ملابسه و غادر الغرفة ليصطدم بندى بشكل عرضي جعلها تعود الى الخلف بوهن.
فتقدم منها و رفع يديه يلمسها ولكنه توقف مكانه و اكتفى بالكلام :
– اسف مخدتش بالي … انتي كويسة.
ظن أنها ستعبس في وجهه و تلومه بصمت ككل مرة أو تتجاهله و تذهب إلا أن ندى ابتسمت برقة :
– ولا يهمك انا اللي كنت مستعجلة و مخدتش بالي.
همهم بخفوت ثم تنحنح بتردد قبل أن يحسم أمره و يقول :
– ندى انتي كويسة … يعني انا كنت عايز اطمن عليكي بس مقدرتش عشان حالتك اخر مرة.
تذكرت ندى عندما واجهها بعد فضيحة تلك الليلة فإنهارت و صرخت و اتهمته بالكذب و الخداع حتى فقدت وعيها ، أحست بمرارة في حلقها و غصة مؤلمة بقلبها فكادت تجيبه بأنها تعيش أصعب أيام حياتها … و أنها لن تسامحه على خذلانه لها.
ولكن مر عليها حديث والدتها و أختها عندما أخبرتاها بأنها يجب أن تتصرف بتحضر و تحاول أن تكسب عمار مجددا و تتزوجه ، حتى ان لم يصفى قلبها اتجاهه و لكن يكفيها أن تربط اسمها بإسمه من أجل أن تكسب الحرب التي أشعلتها تلك الغجرية البربرية …
و من أجل أن تكسب احترامها بين الناس مجددا و يتوقفوا عن السخرية منها !!
لمعت عيناها و ابتسمت وهي تحدق به :
– انا بخير يعني بحاول ابقى كويسة على الأقل عشان مقلقش عيلتي عليها هي مش ناقصة … و انت فيك اللي مكفيك.
تطايرت قسمات الإستغراب على وجه عمار الذي تفاجأ بهدوئها و تفهمها المريب و بذلك القدر أعجبه فهو لم يكن ليتحمل ذنب نظراتها المعاتبة الآن ، تنهد و مد يده يمسك خاصتها برفق متمتما :
– انا عارف انك لسه زعلانة مني و حقك لاني خبيت عليكي موضوع جوازي بس صدقيني انا حاولت اقولك اكتر من مرة بس …
قطع كلماته عاجزا عن تبرير خطئه في حقها فهو لن ينصفها مهما تعددت كلماته ، ولكنه بلل شفتيه مستطردا بصدق :
– ندى انتي من الأشخاص القليلين اللي قلبي بيعزهم مش عارفة قد ايه انا بحبك و بهتم بوجودك في حياتي … صدقيني مكنتش عايز الأمور توصل بيننا للنقطة ديه بس في لحظة واحدة كل حاجة طلعت عن سيطرتي و لقيت نفسي كسرت قلبك.
أحست ندى بحشرجة في حنجرتها و امتلأت عيناها بالدموع وهي تسترجع قسوة ما عاشته ، إلا أنها لم تتكلم فلو فعلت ذلك لكانت ستحرج عندما تنطق فتظهر الغصة المتحجرة في حلقها.
أشاحت بوجهها عنه تذرف دموعها فزفر عمار بضيق من نفسه لأنه حطم قلبها الجميل ، و حنق من مريم التي دهست الجميع وهي في طريقها للإنتقام منه.
رفع أصابعه ليدلك جانبي رأسه و يفكر في كلمات مناسبة يقولها لها ولكن ندى خففت العبء عنه عندما هتفت من تلقاء نفسها :
– بص انا صحيح مصدومة فيك و مقهورة عشان خبيت عليا حقيقة كبيرة زي ديه و …
كادت تقول ” و خنت ثقتي وخسرت حبي ” ، ولكنها تراجعت مستطردة :
– بس انا عارفة انك مكنتش قاصد تعيشني الاحساس ده يعني انت طول عمرك بتحاول تسعدني و اكيد مكنتش هترضى تكسر قلبي … صح ؟
هز عمار رأسه بإيجاب فإبتسمت ندى متابعة بكره تسلل الى نبرتها بشكل واضح :
– الست اللي انت متجوزها … هي اللي قصدت تهينني و تضحك عليا الناس لما جت في يوم فرحي و فضحت قصة جوازك منها … و هي اللي خططت تدمر عيلتنا مش ذنبك انك اتخدعت فيها و اتجوزت واحدة مش مناسبة ليك.
و مع الأسف لم يستطع هو الإنكار فكل كلامها صحيح ، مريم قصدت تخريب زفافه على حساب مشاعر العروس و لم تهتم بما ستعانيه جراء تلك الفضيحة ، لم تهتم لأي أحد و اعتبرت الجميع عدوا لها.
لقد ظن عمار أن التي تزوجها هي امرأة رقيقة و بريئة لا تفهم من الخبث شيئا إلا أنه اتضح أنه كان مخطئا في حكمه عليها …
مريم مثل والدته ما إن تجد بعض الحرية ستسعى للخيانة و الغدر و حياكة المؤامرات !
تنحنح و همهم بكلمات مقتضبة مفادها أنه لديه عمل مهم الآن و سيعاود التكلم معها لاحقا ، ثم غادر وهو مندهش من هدوء ندى فهو لم يتوقعها بهذا القدر من الإتزان ابدا !
أفاقه من غمرة تفكيره صوت رنين الهاتف و كان المتصل هو حارس مريم فأجاب فورا :
– ألو.
– استاذ عمار رأفت بيه جه هو و رجالته للعمارة و دخل شقة مريم هانم.
انتفض بصدمة كمن تعرض لصعقة كهربائة :
– مين ! انتدت بتقول رأفت بيه دخل لمريم ازاي و امتى ؟!
رد عليه الحارس بعملية كانت مستفزة للغاية بالنسبة إلى الآخر في هذه اللحظات بالذات :
– لسه جاي من دقيقتين يا فندم … انا مكنتش هسمحله يدخل بس رجالته بعدوني و كمان مريم هانم استضافته بنفسها مقدرتش اعمل حاجة.
صدمة وراء الأخرى حتى كاد عمار يفقد توازنه ، تلجلج و سارع للتفكير في حل للمأزق فأمر الحارس ألا يبعد ناظريه عن الشقة في حالة سماع صراخ او استنجاد ما بينما يصل اليهم.
ثم أغلق الخط و سيل من الأفكار السلبية تتدفق على دماغه في هذه اللحظة ، مثل لماذا ذهب والده بنفسه الى شقة مريم و لم يخبر أحدا عن ذلك ، و ماذا إن حاول إيذاءها انتقاما لما فعلته ليلة الزفاف.
أو أنه سيجري معها إتفاقا وديا يعطيها فيه ما تريده مقابل مغادرة المدينة نهائيا.
و في جميع الحالات كان يجب على عمار الذهاب إليهم في الحال لمعرفة ما بينهما ، ولذلك وبدون تفكير ركب سيارته و انطلق بها نحو شقة الزوجية السابقة !
_____________________
ستووب انتهى البارت
رايكم بكلام مريم لرأفت وهو هيوافق عليه مقابل متفضحوش ؟
ندى هتنجح في خطتها لإستعادة عمار ؟
عمار هيعمل ايه وسط المشاكل ديه هيقدر يحلها و يعرف حقيقة أبوه ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)