رواية نيران الغجرية الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء الرابع والخمسون
رواية نيران الغجرية البارت الرابع والخمسون
رواية نيران الغجرية الحلقة الرابعة والخمسون
أشواك بدل الورود.
___________________
يكون الطريق للوجهة الصحيحة مليئا بالأشواك ، تدعس عليها أحيانا ، تتفاداها أحيانا أخرى أو تقص أجزاءها و تعبر فوقها …
ولكن ماذا إن لم تعد المشكلة الوحيدة هي الأشواك فقط بل تطورت و أصبح الطريق نفسه طويلا و بدلا من قطع مسافة الألف ميل ينبغي عليك قطع ملايين الأميال …
و كلما تقدمت خطوة … إمتدت المسافة مائة خطوة بالمقابل !!
خرجا من المستشفى و على وجههما علامات لا تدل على الخير كلا منهما صامت لا يجد كلمة لتفسير ما يحدث أو ما رأوه بالداخل ، في لحظة واحدة وبينما أوشكوا على الاقتراب من الحقيقة هاهم يعودون لنقطة الصفر مجددا !
زفر بكبت وهو يدلك صدغيه و اتجه بنظره للسيارة التي تجلس فيها مريم وبمجرد رأت زوجها قادم مع وائل اعتدلت في جلستها و سألتهما فور ركوبهما :
– ايه الاخبار انتو اتأكدتو من الجثة اللي مات ده سليم ؟
لم يجب عليها عمار فتولى وائل دفة الحديث :
– ايوة هو عمل حادثة ع الدائري ليلة امبارح و مات قبل الاسعاف ما يوصل.
ضيقت مريم حاجبيها بأسى ولم تعرف بماذا عليها أن تشعر هل تحزن على موت إنسان بهذه الطريقة أم يبرد قلبها لأن من تعاون على قتل طفلها قد مات أم تغضب لأن الوصول للمجرم الحقيقي بات أصعب من السابق …
تنهدت و ساد الصمت ليقطعه عمار مغمغما بهدوء :
– في احتمال يبقى الحادث ده مدبر ؟ سليم مختفي من ساعة تعب ابويا ومقدرناش نلاقيه ف اي مكان و فجأة سمعنا انه اتوفى.
– قصدك ان الريس بتاعه قتله لما عرف اننا كشفناهم و هندور ورا سليم ؟ بس هيعرف منين واحنا عاملين نفسنا مش فاهمين اللي بيحصل.
تساءلت مريم باِضطراب فرد عليها وائل بتفكير :
– يمكن قصة خناقة عمار مع ابوه وصلتله و عرف هما اتخانقو ليه و أن عمار بقاله كتير بيدور ع الشخص اللي سممك ويمكن سمع كل الكلام مابينهم كمان علشان كده خلى سليم يختفي من الوسط وبعدها قتله.
طحن الآخر ضروسه وضرب مقود السيارة بسخط و نزق :
– لو سيطرت ع نفسي و مروحتش كلمت رأفت بيه في الشركة مكنش كل ده حصل … بس مين سمع كلامنا سليم ولا الريس بتاعه معقول يبقى هو قريب مننا للدرجة ديه.
– مش ممكن يبقى مركب جهاز تنصت في مكتبك و مكتب ابوك وبيقدر يعرف كل اللي بيحصل جوا ؟
– لا انا اتأكدت ان مفيش حاجة في المكاتب بتاعتنا وحتى اني بتأكد من التلفونات والعربيات كل فترة وكمان حتى لما بجي لعندك ببقى متأكد ان مفيش حد ورايا.
وائل :
– الشخص ده ذكي كتير لدرجة انه بيبقى قدامنا واحنا مش عارفينه … على كل حال التحقيقات بدأت ولما تطلع النتايح هنقدر نعرف ان كان الحادث طبيعي ولا مدبر المهم انتو دلوقتي خدو حذركم اكتر من الاول لاننا تقريبا بدأنا نلعب ع المكشوف بس مع ذلك مفيش داعي نعمل اي تصرف يوضح اننا في مواجهته.
تابعوا كلامهم سويا حتى مر الوقت و حل الليل ليوصل عمار مريم الى الشقة و عندما كانت ستترجل من السيارة توقفت أصابعها قبل أن تفتح الباب و شعرت بالتردد من الصعود وهي تعلم بأنها ستكون بمفردها تحت مراقبة قاتل ينهي حياة الأبرياء و الأشخاص اللذين يعملون تحت امرأته دون شفقة ، كادت تطلب منه أن يظل معها هذه الليلة إلا أن عبوسه و ضيقه جعلاها تتخلى عن هذه الفكرة لأنها لا تود ازعاجه اكثر اما الآخر لاحظ شرودها فسألها :
– خير في حاجة ؟
– ها لا خالص.
اجابت مريم بتلعثم فحانت منه نظرة اليها و قال :
– انا عارف انك تعبتي من كتر احداث النهارده بس بكره الجمعة مفيش شغل هتقدري ترتاحي.
هزت رأسها بإيجاب وودعته مغادرة ليبقى عمار ساكنا عدة دقائق ثم ذهب هو ايضا …
__________________
في ظهر يوم السبت.
ذهب وليد وشقيقته التي عادت من سفرها برفقة هالة ووالدتها و أخيها من أجل شراء الشبكة وبعد إقتناء دبلة الخطوبة و توابعها هاهو وليد يحظى بالفرصة للجلوس معها بمفردهما على طاولة المطعم مع حرص شقيقه على ألا يبتعدا عن أعينهما …
نظر اليها بإبتسامة وهي ترفع كوب الماء بإرتعاش وترتشف منه القليل محاولة إخفاء توترها و خجلها و لكن إحمرار وجنتيها كشفها فحاول الأخير فتح الحديث بينهما قائلا :
– انا مبسوط اوي النهارده يا هالة اخيرا هتبقى علاقتنا رسمية و قريبا هتكوني في بيتي ان شاء الله.
ابتسمت له مرددة :
– لسه بدري شويا احنا متفقناش ع ميعاد الخطوبة حتى.
– والله لو عليا عايز اكتب كتابي عليكي دلوقتي قبل بكره انا بحلم باليوم ده بقالي كتير ومش مصدق لسه انك قاعدة معايا … مع ان اخوكي مش سايبنا بنظراته بس معلش.
نظرت بطرف عينيها لأخيها الجالس مع والدتها و شقيقة وليد وتذكرت أن الأخير ظل يترجاه طوال الطريق من أجل منحهم مساحة كافية للتحدث على انفراد حتى وافق بصعوبة ، فضحكت برقة لتتفطن لنفسها و تعود لتصمت حتى تنهد وليد :
– لا و النبي متخبيش ضحكتك عليا عايز اشوفها و اسمعها ع طول.
توردت وجنتا هالة و أخفت بصرها ثم حمحمت متمتمة بخفوت :
– ممكن اقول حاجة … حرام الحلفان بغير الله.
– ازاي يعني مش فاهم.
رفعت وجهها اليه و بدى لها اهتمامه بما تقوله فتابعت موضحة :
– قال الرسول عليه الصلاة والسلام ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم. وقال كمان: (من حلف بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك) رواه الترمذي … المقصود هنا ان حرام الحلفان بغير الله كائنا من كان سواء بالنبي او بالكعبة او بالقرآن ولا حياة حد عزيز عليك.
– حتى النبي عليه الصلاة والسلام ؟
اومأت هالة بإيجاب فهمهم وليد :
– انا مكنتش اعرف … متشكر اوي ع المعلومة ، حدق بها لثوان و أردف :
– عارفة انا لما شوفتك من سنتين كنت واخد عنك فكرة تانية خالص.
عبست هالة وكادت تستفهم عن مقصده فسبقها بالقول :
– يعني اول مرة شوفتك خانقتيني من غير سبب و تاني مرة هاجمتيني ولما رجعنا شوفنا بعض عاملتيني وحش ف كنت فاكرك انسانة عصبية و متهورة بس لما سألت عليكي اكتر و شوفت ازاي بتشتغلي من قلبك و التلاميذ عندك بيحبوكي و بيحترموكي حتى أدبك و احترامك لأهلي و ان اول سؤال كان ليكي هو اذا انا بصلي ولا لأ خلاني اعرف قد ايه انا محظوظ ببنت زيك و عصبيتك بتاخديها وسيلة عشان تحمي نفسك …. مع العلم اني حبيتك بعصبيتك حتى.
تفاجأت هالة من اعترافه الذي جاء بدون سابق انذار فتصاعدت الدماء لوجنتيها مجددا و ضغطت على الملعقة التي بيدها ليلاحظ وليد ذلك و يبتسم مغيرا الموضوع كي لا يحرجها اكثر …
_________________
في المساء.
دخل الى ساحة القصر بسيارته بعد يوم قضاه جالسا تحت الأمطار يكاد يجن من التفكير و محاولة توقع هوية العدو الذي يتربص به إلا أنه فشل في ذلك !
حتى شعر بجسده يهمد وقد أصيب بالدوار فقرر العودة وهو لا يحس بنفسه أنه بخير ، دخل ووجد العائلة متجمعة فألقى السلام و صعد لغرفته مباشرة ليغير ملابسه ثم نزل و جلس معهم على طاولة العشاء مرددا بإمتعاظ وهو يطالع والده :
– حضرتك تعبت نفسك و نزلت ليه مش الدكتور قالك تريح ومتعملش اي جهد لحد لما تتعافى.
تنهدت سعاد بسأم :
– والله تعبت وانا بقنعه يفضل في الاوضة بس مرضيش.
ابتسم رأفت برضا من اهتمام ابنه بصحته :
– زهقت وانا قاعد في الاوضة متقلقش انا بقيت كويس الحمد لله ومش بعمل اي حاجة بتتعبني.
سعل عمار بخفة و شعر بإزدياد دوار رأسه لينتبه الى سؤال عادل :
– انت كنت فين يا عمار طول اليوم مشوفتكش في الشركة خالص.
رد عليه بإقتضاب :
– كنت بخلص اجراءات الدفن بتاعت سليم بعدين روحت شوفت اخوه الصغير و عزيته يعني هو بقاله كتير بيشتغل عندنا ده اقل واجب لازم نعمله.
في الحقيقة هو ذهب للعزاء من أجل أن يراقب الحضور و ينتبه على اي شيء غريب على أحد منهم ولكنه لم يستفد شيئا لأن معظمهم من أقاربه و أصدقائه القدماء لا أحد له صلة بعائلة البحيري من اي اتجاه … تململ مكانه و لم يشعر برغبته في تناول شيء فنهض مرددا :
– الف صحا بعد اذنكم انا تعبان شويا و عايز اطلع ارتاح.
ذهب عمار الى غرفته و رمى بجسده على السرير بإنهاك وهو يشعر بأضلاعه المتشنجة تكاد تتحطم زفر بنزق وهنا دلف رأفت برفقة سعاد ليقول :
– كام مرة قولنالك متقعدش تحت المطر بس انت مبتسمعش الكلام شوف جسمك عرقان ازاي.
أردفت زوجة والده مضيفة بينما تتحسس جبينه :
– و عندك سخونية كمان استنى هعملك مشروب اعشاب يفيدك.
ذهبت رغم رفض فأسند رأسه على مسند السرير و نظر لوالده الذي تحدث مباشرة :
– انا عرفت سليم كان مختفي فين قبل ما يموت هو سافر في القطر بعد حوالي ساعتين من دخولي للمشفى و التذكرة كانت للاسكندرية بعدها فضل حاجز في اوتيل *** و من 4 ايام بالضبط حجز تذكرة cairo/ paris يعني هو كان هيسافر لباريس فليلة الحادث.
استمع له عمار بتركيز محللا كل حرف يقوله و استدرك هاتفا :
– طيب مادام كان هيسافر في الليلة ديه ايه اللي جابه للمكان اللي عمل فيه الحادث.
– مش قولنا حجز ال ticket من القاهرة اكيد لازم يجي عشان يعرف يسافر و…
توقف رأفت فجأة مستوعبا ما يقصده عمار الذي قال بجدية :
– تماما الطريق اللي اتقلبت فيه عربيته معاكس تماما لطريق المطار المفروض سليم يروح من جهة *** بس هو كان في الطريق اللي … بيوصل لينا احنا.
وكمان مش هو كان متخبي في الاسكندرية ليه محجزش من المطار هناك و سافر ليه حب يحجز من هنا مع انه عارف تماما اننا بندور عليه و احتمال نقدر نقبض عليه بسهولة سليم ذكي و اكيد مكنش هيفكر بالطريقة الغبية والمتهورة ديه.
رأفت :
– قصدك انه كان جاي علشان حاجة تانية غير السفر ؟ طب ممكن جه يشوف الشخص اللي متعاون معاه او جاي لأخوه الصغير عشان يودعه ف اضطر يحجز من هنا عشان ميضيعش وقت … نتايج التحقيق طلعت ولا لسه ؟
أجابه عمار بالنفي فربت عليه الأخير مردفا :
– متشغلش بالك كتير مسير كل حاجة انها تتكشف مفيش سر هيفضل مخبى.
حينها شرد عمار وهمس :
– بس في اسرار مينفعش تتكشف ابدا.
همهم والده كدلالة على أنه لم يسمع فتنحنح الآخر مغيرا الموضوع :
– انا متشكر ليك بس حضرتك تعبت نفسك انت لازم ترتاح و متعملش اي حاجة لحد ما تخف تماما ساعتها هنكمل اللي بنعمله بس ياريت متثقش اوي في الناس اللي بتشتغل عندك و اه متسيبش حد يقرب من مكتبك او الحاجات اللي بتخصك تلفونك و عربيتك و الورق بتوعك لحد لما نكشف مين الشخص ده.
– متشلش هم انا واخد كل احتياطاتي.
طرق الباب و دلفت سعاد تحمل معها كوبا من مشروب الأعشاب الساخن فشكرها عمار ليقوم رأفت و يخبرها بأنهما عليهما الذهاب و تركه يرتاح.
و بمجرد مغادرتهما أخرج الأخير سجائره و بدأ بإستهلاكها واحدة تلوَ الأخرى لعلها تمتص طاقته السلبية بينما يرسل لوائل تسجيلات صوتية وهو يخبره بالمستجدات و عاد يدخن حتى أفاق على اتصال من الآخر ففتح الخط على الفور :
– اهلا يا وائل ايه الاخبار عرفتو حاجة ؟
– ايوة نتايج التحقيقات و الحادث طبيعي يعني مكنش في مشكلة في العربية وحتى سليم اتوفى بتأثير الحادث … حتى شنطة السفر مفيهاش غير هدومه وحاجات تانية بديهية و تلفونه كان معاه وبردو مفيهوش حاجة تخلينا نشك وكل ده بيدل ع ان الحادث مكنش مدبر.
تجهم عمار مغمغما بنقمة :
– يعني بردو موصلناش لحاجة مهمة … طيب ازاي التلفون مفيهوش اي حاجة المفروض يبقى في اتصالات و رسايل من الريس بتاعه ماهو اكيد مكنش بيتواصل معاه بالاسلكي.
– و ممكن كمان كان عنده تلفون تاني و اتخلص منه لما ركب عربيته.
– معرفش انا حاسس بحاجة غريبة نتايج التحقيق نظيفة بشكل مريب و كأن سليم واحد بريء و ملوش علاقة بكل اللي حصل.
– فعلا انا لولا عارف بتواصله مع الدكتور و السباك اللي ركب جهاز التنصت فشقتكم كنت هقول اننا ظلمناه لما اتهمناه.
تنهد عمار ثم سعل بقوة ليقول الآخر :
– انت شكلك تعبت من مشوار النهارده خلاص ارتاح دلوقتي و هنكمل بكره.
أغلق الخط و ظل يفكر في الأمر مرارا و تكرارا و يبحث عن اي جزء ربما غفل عنه حتى أصابه التعب و ازداد ألم رأسه فقرر أن ينام غير أنه تذكر مريم ليبعث لها برسالة يخبرها بكل ما عرفه ثم طلب رقمها و انتظرها حتى ردت عليه …
في هذه الأثناء كانت مريم جالسة على أحر من الجمر تنتظر معرفة ما حدث معهم من جهة يستحيل أن تتصل بعمار مهما حصل ومن جهة أخرى حتى ان فعلت ذلك فهي لن تستطيع التكلم في الموضوع براحتها لأنها تحت المراقبة لذلك يبدو أنها ستصبر ليوم غد.
قاطع تفكيرها وصول رسائل من عمار يحكي فيها عما عرفه وثم أخبرها بأنه سيتصل بها و يكفي أن يتكلم هو فقط ففتحت الخط متمتمة :
– الو
– ازيك.
– كويسة وانت.
دلك عمار صدغيه مهمهما :
– انا كمان كويس.
لاحظت وجود بحة و ارهاق في صوته و كانت ستسأله عن ذلك لولا سبقها وهو يقول :
– بصي انا عارف انك مش عايزة تقعدي في الشقة ديه لوحدك عشان مش واخدة راحتك فيها بس انتي عارفة كويس اننا مبنقدرش نعمل حاجة او نبين اننا فاهمين ايه اللي بيحصل حوالينا.
سعل مجددا و تابع بصوت مثقل :
– بس اتأكدي بأننا هنوصل للشخص اللي بيلعب علينا مهما عمل عشان يخبي نفسه انا مش هسيبه و هفضل وراه لحد لما الاقيه.
همهمت مريم بإيجاب و أردفت :
– باين من صوتك انك مش كويس ايه اللي حصل.
و قبل أن يجيبها طرق باب غرفته و دلفت ندى هاتفة :
– Sorry على المقاطعة بقدر ادخل.
صمت عمار مدركا أن صوتها وصل لمريم التي تأففت متمتمة بغيظ :
– انا هقفل دلوقتي.
و حين كانت ستغلق توقفت مفكرة بأنه يجب عليها سماع ما يدور بينهما ، ولم ينتبه عمار ل أنه مازال على قيد الاتصال فوضع الهاتف بجانبه على السرير قائلا :
– طبعا اتفضلي.
ابتسمت له و دخلت حاملة معها بعض الأدوية :
– انطي طلبت من الشغالة تجيبلك البرشام ده بس انا خدته منها وجبتهولك ومنه بقدر اطمن عليك.
استلم منها الدواء و كأس الماء شاكرا اياها فاِستطردت ندى بعبوس :
– Unbelievable, معقول شربت سجاير وانت تعبان كمان هتستفاد ايه من الدوا و الشاي اللي عملتهولك.
رفع عمار حاجباه بدهشة :
– انتي اللي عملتيه.
أماءت بإبتسامتها المعتادة :
– ايوة انا لاني عارفة انت بتشربه ازاي فاكر من كام سنة كده لما احنا الاتنين قضينا الليلة برا و انا صممت ناكل ايس كريم و مرضنا في نفس الوقت.
انتقلت ابتسامتها اليه تلقائيا وهو يجيب :
– وانا دخلت للمطبخ و عملت الشاي ده و خفينا فورا.
تذكر انه أعد نفس المشروب لمريم عندما زارها في الشقة قبل سنتين ووجدها فاقدة الوعي فقضى الليلة يعتني بها حتى تأكد من أن حرارتها انخفضت حينها استلقى بجانبها وهي توليه ظهرها باكية بسبب مشاجرتهما و كيف أذاها بكلامه عندما طلبت منه أن يعلن زواجهما.
تنهد عمار و أفاق على ابنة عمه التي وضعت يدها عليه تتلمسه بينما تردد :
– انت عرقان كويس مع ان مينفعش تفضل قالع التيشرت كده هتتعب اكتر.
أبتعد الآخر عنها مغمغما بهدوء :
– انا مبقدرش انام وانا لابس من فوق.
– ايوة عارفة … المهم لو كنت عايز حاجة انا و انطي سعاد و اونكل رأفت هنا ماشي يلا Good night.
ودعها عمار و التقط هاتفه مجددا فتفاجأ بأن المكالمة كانت قيد التفعيل و تم انهاؤها قبل نصف دقيقة فقط هل هذا يعني أن مريم كانت تستمع للحديث ألم تخبره بأنها ستغلق الخط ؟
لعق شفته السفلية و طلب رقمها فرفضته على الفور جعد الأخير جبينه بضيق و غيظ منها فهي تعلم جيدا أنه يكره هذه التصرفات الصبيانية ولكنها تريد استفزازه لذلك قال :
– طيب لو مش عايزة تردي براحتك.
*** من الناحية الأخرى كانت مريم كمن ألقوا عليها كُتلا من الجحيم ليحمر وجهها بهذه الطريقة الفضيعة تجز على أسنانها بعصبية و تحرك ساقها متذكرة الحدث الذي دار بين زوجها المزعوم و مدللته.
في البداية تدخل الى غرفته في منتصف الليل ممثلة دور البريئة التي تود الاطمئنان على ابن عمها ثم تمازحه و تذكره بأيامهم في الماضي و تقلق عليه أيضا ، ما شأنها هي بمرضه كيف تذهب اليه رغم كل المشاكل التي حصلت و بأي صفة تعاتبه لأنه يدخن و تقول له أنها موجودة في حال أراد شيئا.
هل لمسته وهو جالس أمامها بدون قميص أيضا ياللروعة !
سحقا له و لها و للغيرة التي تنهشجها من الداخل الآن.
رن هاتفها بإسمه فقطعت الاتصال مرددة :
– لما انا اسأله بيقولي انه كويس بس لما تجي الهانم عشان تديله الدوا بيضحك و بيهزر معاها و يشكرها طيب خلي المسكينة البريئة بتاعتك تنفعك.
عقدت مريم يديها أمامها ممررة بصرها في كل مكان وهي تمثل على نفسها بأنها لا تهتم إلا أنها لم تستطع تحمل فضولها فنظرت بطرف عينها للهاتف مفكرة :
– هو مش هيرجع يرن عليا تاني … طبعا عمار مبيحبش اللي بيقفل في وشه قال ايه عنده كرامة و انا مالي ان شاء الله عمره ما يتصل.
… بعد خمس دقائق.
– طيب اتصل تاني و هرد عليك المرة ديه.
تمتمت بيأس مطالعة الهاتف حتى رن فاِنتفضت واقفة وهي تضحك ثم انتظرت قليلا و عدلت من نبرة صوتها لتجيب ببرود مصطنع :
– افندم خير.
ابتسم عمار عند سماع صوت نفسها الذي يتسارع في حالة انفعالها او حماسها مما يعني أنها كانت تنتظر اتصاله ، فتنحنح قائلا بهدوء :
– انتي قولتي هتقفلي ومعملتيش كده ليه ولما اتصلت عليكي فصلتي الخط فوشي.
لفت مريم حول نفسها و مسحت على وجهها مفكرة في جواب سريع حتى تشدقت ممثلة عدم الاكتراث :
– ايوة انشغلت بحاجة تانية ونسيت اقفل وبعدين انا مش مضطرة ارد عليك في الوقت ده لاني كنت هنام بس ليه حصل ايه.
– مفيش ندى جت تطمن عليا وانا قلت ممكن مريم تسمعها وتفهم غلط اقوم انا اصحى بكره ع فضيحة جديدة عملتهالي.
راوغها عمار بمكر و استفزاز فأغمضت الأخرى عينيها بعصبية و منعت لسانها بصعوبة من نطق جميع كلمات الشتم التي تعرفها ، غير أنها قاومت لكي لا تظهر مابداخلها فتمتمت بإستهجان :
– وانا مالي بيك وبندى بتاعتك شكلك زي العادة واخد مقلب في نفسك وفاكر انك محور الكون صح.
انتظرت رده ولم يفعل فسألت :
– الو عمار انت معايا ؟ ساكت ليه.
تنهد بينما يشعل سيجارته :
– بفكر لو لسانك بقى طويل بعد السنة ونص اللي غبتي فيها … ولا انتي من الاول كنتي وقحة كده بس رسمتي عليا دور المسكينة.
– انا وقحة يا سلام و ايه تاني عايز تقول ايه كمان.
حينها تغيرت نبرته و تثاقلت أنفاسه وهو يجيبها بتهدج :
– مش عايز اقول … انا عايز اعمل.
شهقت مريم بتفاجؤ و تسارعت نبضات قلبها لتتلعثم مدعية العصبية :
– وبتقول عني وقحة وانت وقاحتك ملهاش حدود.
– استني انتي عقلك راح فين انا بقصد اني عايز انام لاني تعبت.
هدر كاتما ضحكته وهو يجزم بأنها على وشك الإنفجار فتأففت مريم بنزق ثم هدأت نفسها وهي تردف :
– انت عندك دور برد ولا ايه متقولش انك فضلت قاعد تحت المطر النهارده … ليه بتعمل كده و بتتعمد تأذي نفسك.
تقلصت ابتسامته و عادت ملامحه مستكينة يرد عليها :
– انا اتأذيت بما فيه الكفاية و كام قطرة مطر مش هتعمل اكتر من اللي اتعملي من الناس المقربين ليا.
استطاعت التقاط الغصة التي شابت حلقه عند نطقه لآخر جملة فتنفست بعمق وهي تشعر بالأسى عليه اكثر من نفسها … على الاقل هي لم تتعرض للخيانة من أبيها و من الشخص الذي اعتبرته يدها اليمنى و تلقت إتهامات بشعة زيادة على أنها محاطة بأعداء يتربصون بها ، تنهدت و حاولت مواساته فقالت :
– مش انت بتقول ان كل حاجة هتتكشف وهنعرف مين اللي بيلعب علينا انا واثقة فيك و متأكدة انك هتقدر تتجاوز كل حاجة … احم اقصد يعني انا وانت و وائل بيه.
نفث عمار دخان السيجارة و عاد برأسه الى الخلف قائلا لها في نفسه أنه يستطيع حل كل شيء … مادامت هي معه …
___________________
أسندت يديها على طرف الجسر المطل على نهر النيل و غاصت عيناها في الاشيء بينما يقف هو أمامها بنفس الوضعية متذكرا أنها اتصلت به صباحا و طلبت منه أن يقابلها و هاهما يقفان بمفردهما في هذا المكان و الصمت يعم الأرجاء إلا من زفراتها الحزينة …
نظر اليها وهي ترتدي معطفا من اللون الأبيض مع حذاء بعنق طويلة و تسدل شعرها الحريري الجميل على جانبيها معطيا لها شكلا آسرا خاصة مع الشال الأخضر الفاتح و الشبيه بلون عينيها … وجد يوسف نفسه قد تاه في جمالها فحمحم مستعيدا ثباته و تحدث :
– ندى انتي ساكتة من لما جيتي … Did something happen ؟
ابتسمت بتهكم عند سؤالها ان كان قد حدث شيء ما و ردت :
– صدقني انا نفسي مش عارفة ايه اللي بيحصل حاسة اني تايهة ومش قادرة استوعب حاجة.
– عمار تاني ؟
مطت شفتها ببؤس و نظرت اليه هادرة :
– لما ميكونش قدامي مبفكرش فيه خالص يعني برجع ندى القديمة اللي همها الماركات و السوشيال و الphoto sessions ( جلسات التصوير ) اللي بعملها.
بقضي يومي وانا بهتم بنفسي وبعدها بروح لدور الأيتام اللي انت بعتلي عناوينهم من فترة بحس ساعتها اني مبسوطة بس اول ما بشوف عمار … بحس بحاجة غريبة يعني انا كنت متعودة اضحك و اهزر معاه بس دلوقتي كل حاجة متغيرة انت فاهمني يا يوسف.
استمع اليها بهدوء ثم قال بمنطقية :
– انتي بتنسيه لانه مش موجود في قلبك اصلا عمار موجود في ذكرياتك الجميلة و تلقائيا لما تشوفيه بترجعي تفتكري لحظاتكم مع بعض زيه زي اي حد تاني و تزعلي لانها خلصت بطريقة سيئة.
لو بتحبيه بجد مكنش هيغيب لحظة عن بالك هتفتكريه في الليل و النهار و فكل ثانية لان الحب كده.
تأملته ندى شاعرة بكل حرف يقوله لتتساءل بتردد :
– انت بتحس بالحاجات ديه اتجاه مريم ؟
حينها لا تعلم لماذا ارتاحت عندما أجابها يوسف نافيا :
– مشاعري لمريم كانت اعجاب حسيته بيتطور مع الوقت بس اقتنعت انها مش ليا … هي و عمار بيحبو بعض و مينفعش اخون صاحبي.
– هنعمل ايه عشان منفكرش فيهم تاني طيب.
– هنحاول ننساهم و نصنع ذكريات جديدة مع ناس جديدة.
– ازاي هنقدر نعمل كده و مع مين ؟
هتفت ندى بحرقة وقد دمعت عيناها بيأس من حالتها فإقترب منها الآخر و وضع أصابعه على وجنتها البيضاء يمسحها بلطف متهدجا :
– بيقولو ان الدموع بتزيد الجمال وده بينطبق عليكي … يعني الواحد مبيعرفش ان كان لازم يمسح دموعك او يخليها تنزل عشان يتأمل في العيون الحلوة ديه.
توردت وجنتاها و أصاب معدتها مغص مفاجئ جعلها تتأوه بدون شعور منها فأخفض يوسف رأسه ناحيتها يتأمل هذه الفتاة التي شغلت حياته منذ أيام …
مرة وهي تبكي في الحديقة ومرة وهي تشكو وتضحك في المطعم ، أحيانا عندما يلتقي بها في حفلات الشركة وأحيانا في السهرات التي ينضمها الأصدقاء المشتركين انتهاء بجولاتهم معا على هذا الجسر و زياراتهم للأطفال الأيتام …
لقد رأى ندى الحقيقية بعيدا عن وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي ، لم تخجل وهي تبكي أمامه و تريه ضعفها الذي تخفيه عن بقية اصدقائها لكي لا تفسد صورتها في أعينهم ، ثم رأى لطافتها و عفويتها مع الأطفال وهي تلعب معهم على الأرضية التي عادة ما تجعل الخدم ينضفونها أكثر من مرة حتى تستطيع أن تدوس عليها !
حينها علم ان خلف هذه الفتاة المدللة توجد طفلة بريئة فقدت الحق في التصرف بحرية بسبب ” الشكل العام “، و تعلقها بعمار لم يكن سوى لأنه الشخص الوحيد الذي سمح لها بإظهار هذه التصرفات دون أن يصرعها بقول أنها لا تليق يإبنة عائلة البحيري !
و ريثما هو شارد بها لم يلحظ اقترابهما الزائد الذي ولد حرارة معاكسة للجو البارد المحيط بهما ، و التصقت شفتيهما في قبلة لم تكن بالحسبان !
قبلة استمرت لثوان فقدت فيها ندى قدرتها على الوقوف بصلابة فقبض يوسف على خصرها هامسا وهو يلهث :
– ندى … تتجوزيني ؟
__________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم وتوقعاتكم
يا ترى سليم مات ازاي هل الحادث طبيعي ولا مدبر ؟
عمار هيقدر يوصل للحقيقة فعلا و ايه اخرة علاقته مع مريم ؟
رايكم بمشاهد الثنائيات هالة ووليد ، ندى و يوسف
ندى هتقبل عرض الجواز ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)