روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الخامس عشر 15 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الخامس عشر 15 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الخامس عشر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الخامس عشر

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الخامسة عشر

توقف السيارة السوداء في الشارع المظلم، على مقربة من المشفي الخاص، ليترجل صاحبها بوزنه الثقيل ، وينفث الدخان الكثيف في الهواء من سيجارته التي يدخن بها، قبل ان يرفع الهاتف الى اذنه متابعا اتصالاته المستمره، وقد اتخذ موقعًا لا بأس به، كي يتسنى له المراقبة ومعرفة كل جديد اولا بأول

– ايوة يا واد، ايه الاخبار؟

وصله الصوت من الجانب الاخر:

– ايوة يا كبيرنا، انا دلوك مستني الفرصة، غازي الدهشان ساب المستشفى، والراجلين اللي حاططهم حراسة لساتهم صاحين ومفنجلين عينيهم جدام الباب.

عقب يأمره بحزم:

– مفنجلين ولا حتى حاطين كشافات، الليلة المهمة دي تخلص، انا مش ماشي من هنا غير وانا واخد منك الخبر الأكيد، فاهم ولا لاه؟

– فاهم يا بوي، والله فاهم، بس المسألة كدة معجربة جوي، وانا عايز بس فرصة، فرصة ادخل فيها الأوضة وساعتها هخلص هوا.

– اممم

زام الاول بتفكير متعمق ثم سرعان ما لاحت بعقله الفكرة الشيطانية،

– انا وجدتها يا واد هتاخد الفرصة اللي بتجول عليها، بس اديني دجايج بس وانا انسق مع اللي هيسهلك، الليلة يا جاتل يا مجتول.

❈-❈-❈

طرق على باب غرفتها بعدما يأس من خروجها إليه، منذ عودتها معه من زيارة شقيقها وقد تبدل مزاجها من الفرح الشديد الى حزن وشرود، يعلم السبب الرئيسي لهذا التغير وهو خشيتها من رد فعل شقيقها ان علم بخبر زواجه منه:

– ايوة يا يوسف عايزة ايه؟….

كان هذا الرد الذي وصله منها، بنبرة باكية تؤكد من صحة ظنونه، ليدفع الباب دون انتظار ويلج اليها داخل الغرفة مندفعًا بقلقه عليها، قبل ان يقطع ويتجمد محله لما وقعت عليه عينيه:

– عايز اشوفك واطمن عليكي و…..

شهقت هاتفه بها بإجفال اصابها، لتنهض عن طرف تختها وتسحب اول شيء وجدته بالقرب منها، طرحة الراس التي خلعتها منذ مجيئها، لتغطي عري ذراعيها من توب الطقم الخارجي الملتصق بجسدها، وقماشه الخفيف، بعدما خففت بخلع السترة العلوية منه، فصاحت به غاضبة:

مش تستسني لما اذنلك بالدخول.

تسمر امامها للحظات، هربت منه الكلمات، يبتلع ريقه بصعوبة، قبل ان يتمالك اخيرًا امام حنقها وتوترها، وشعرها الذي تشعثت خصلاته حول وجهها ، بصورة زادت من فتنتها، فرد بصوت لا يشعر به:

– ما انا كنت اجي اطمن عليكي……

مسبلة اهدابها عنه بحياء يقتلها هتفت تنهره بكلمات غير مترابطة:

– برضوا كان لازم تستنى…….. انا كنت براحتي زي ما شوفت….. مينفعش كدة انا ليه خصوصية.

إلا هنا وانفرط العقد وذهبت السكرة، لتأتي الصحوة ،ويزفر مخاطبًا لها بتجهم:

– بس انا مش حد غريب يا ورد، انا جوزك على فكرة، يعني من حقي ادخل من غير استئذان، وانتي لو قاعدة بشعرك ولا بحاجة خفيفة مينفعش تجري وتستخبي كدة، بل بالعكس.

قال الأخيرة بانفعال جعلها تطالعه مبهوته بعدم استعياب، وكأنها لا تعي، ليعود زافرًا مرة أخرى، ثم اقترب بخطواته ، حتى وقف قبالها ، قائلًا بنبرة يتخللها الحزم ممتزجًا بحنوه:

– لما تبقي حابسة نفسك عني من ساعة ما رجعنا من مشوار المستشفى، وانا عارف ومتأكد باللي قالبك، يبقى انا يحقلي اكسر الباب عليكي عشان اطمن مش بس ادخل،

رفع كفه يزيح بعض الشعيرات الملتصقة بوجهها، ثم نزل بها ، يلمس نعومة الوجنتين، ليتابع غير عابئًا بصدمتها وجحوظ عينيها التي على وشك ان تخرج من محجريها حتى امسك بذقنها يرفع وجهها إليه:

– عارف ان الكلام دلوقتي اكبر من ان برائتك تستوعبه، بس احنا خلاص على وشك ، وهندخل في الجد قريب، بعد اللي انتي خايفة منه ما يحصل.

اومأ برأسه، يؤكد لها بصوت كالهمس:

– ايوة يا ورد، بعد اخوكي ما يعرف، مش هيبقى في حجة عشان تباتي في اوضة غير اوضتي، لأن اللي ما بينا جواز رسمي يا روح قلبي، مش عقد إيجار سكن لاتنين اغراب… فاهماني

قال الأخيرة وقد اقترب برأسه حتى كاد ان يُقبلها ليثبت لها بالدليل احقيته بها، ولكنه اشفق ألا يزيد عليها، حتى تأخذ وقتها في الاستيعاب، ثم تحرك مغادرًا يختم مردفًا بتنهيدة:

– الصبر طيب يا وردتي، وانا مستعد امشي معاكي من اول أ ب تعليم.

❈-❈-❈

دلف لداخل المنزل بخطوات حائرة، عينيه تجول في الأنحاء بشرود يكتنفه، عقله متحفز للبحث والتفكير واشياء أخرى تجعل الدماء تضخ بعقله كسريان الوقود قبل الإنفجار، ولكن ينقصه الوسيلة للمعرفة، بعد علمه بهذه الاخبار الجديدة من زوجته وابنة عمه، حب عمره الأوحد سليمة.

كيف يعرف؟ واين يجد الدليل؟ وهو في الأصل لم يهتم برفقة الراحل ولا يعرف من اصداقاءه سوى المعروفين من الأقارب او الجيران…….

توقف فجأة عن تساؤلاته، وقد وقعت عينيه على صغيرته رغد اصغر ابناءه، تلعب وتتحدث مع دميتها القماشية داخل الغرفة التي تتشاركها مع شقيقتها الكبرى،

دلف اليها يلقي التحية قبل ان يجلس جوارها ع الأرض.

– عاملة ايه يا ست رغودة ؟

طالعته الطفلة بابتسامة عذبة:

– حلوة يا بابا ودودو حلوة كمان ، خد سلم عليها .

قالت الأخيرة بالاشارة نحو دميتها، فضحك يرفع كفه يصافح الدمية ويجاريها في لعبتها :

– اهلا اهلا يا ست دودو، يا ترى انتي مأدبة ولا شجية ومشجلبة زي صاحبتك؟

سمعت منه الصغيرة، لتصدح بضحكات طفولية صاخبة ادخلت اليه البهجة، فقد اشتاق قلبه لسماعها في هذا المنزل الذي عشعش به الحزن منذ رحيل ابنه الاَخر، تحمحم يجلي حلقه كي يستعيد تركيزه في مخاطبتها:

– بجولك يا رغودة، هي امك واختك اسراء راحو فين؟ مش شايفهم يعني.

– ماما نايمة واسراء راحت الدرس مع صحباتها.

ردت بسجيتها، ليزوم هو بفمه، ويردد بكلمات مقصودة:

– اممم…. صاحباتها، معرفهومش انا صاحباتها دول، انتي تعرفيهم؟

اجابته بلهفة، تعدد على اصابعها:

– ايوة يا بابا، سمر بت عم يسرى، وغادة ودعاء ومريم.

– ما شاء عليكي يا بابا شطورة، طب على كدة كنتي تعرفي اصحاب المرحوم اخوكي؟ ولا العيال اللي كان بيمشي معاهم؟

– ايوة ، عبده واد خالي وعبد المنعم وصاحبه بتاع الورشة.

– مين صاحبه بتاع الورشة؟

سألها باهتمام، وردت الصغيرة:

– دا صاحبه اللي شغال في المدينة الصناعية، كذا مرة كانت امي تزعج لمالك عشان ميمشيش معاه، بس هو مكنش بيسمع كلامها.

سهم بنظره اليها بتفكير متعمق عن هوية هذا الغريب الذي لا يعلمه، حتى ومض عقله لينهض سريعًا مستغلًا نوم زوجته، فيخرج هاتف الراحل من مكان احتفاظها به داخل خزانة ملابسه، ليضعه على شاحن الكهرباء، وفور ان اضاء للأستخدام، هتف مناديًا باسمها لتجاوره على الأريكة:

– شوفي يا بابا، عايزك تبصي معايا هنا على صور المرحوم واصحابه، اول ما يجي بتاع الورشة تشاوري عليه.

اومأت برأسها ليتصفح معها في وسائط الهاتف مجموعة من الصور الكثيرة التي اوجعت قلبه برؤيته للفقيد واوضاعه في الضحك والتصرف بعنجهية تناسب سنه الصغير، حتى اخذه الحنين وكاد ان ينسى، ليستدرك على صيحة الصغيرة:

– اهو ده يا بابا، هو دا صاحبه بتاع الورشة.

انتبه وتحفزت كل خلاياه في التمعن بوجه المقصود وجسده النحيل، ليجد ان لديه العديد من المواصفات المقاربة لوصف سليمة…..

❈-❈-❈

دلفت اليه ملقية التحية بفتور، يرتسم على ملامحها نفس التعبير ونظرة العتاب:

– مساء الخير

– مساء النور.

رد لتحيتها وعينيه لا تحيد عنها، يتابع ما تقوم به من عمل طبي في متابعته بانتباه شديد، حتى اذا قاربت على الانتهاء سألها بفضول يشوبه التردد:

– هوا…. هو انتي ليكي حد في بلدنا جريبك، او انتي نفسك تكوني مثلا زورتيها جبل كدة.

توقفت عما تفعل، لترد متخصرة بذراع واحد:

– بتسأل ليه؟

ادهشه تحفزها، ليقطب باستغراب شديد قائلًا:

– بسأل عشان الاول كنت فاكر انك تجربيلي، لكني عرفت انك الممرضة وبس، مع اني حاسس اني شوفتك جبل كدة أو اعرفك….

– والنبي بجد؟

تفوهت بها مقاطعة له، لتعتدل بوقفتها تعيد باستفسارها بلهفة:

– إيه كمان؟ حاسس بإيه تاني يا بسيوني؟

عاد برأسه للخلف، يتطلع اليها بعدم استيعاب، لا يعلم بسر هذه الفتاة معه:

مالك يا بسيوني ساكت ليه؟ ما ترد بأي حاجة وريح قلبي .

– أريح جلبك بإيه يا بت الناس؟ انا مش فاهم حاجة .

ردت ببساطة اذهلته:

– مش مهم تفهم دلوقتي، انا بتكلم ع الإحساس، حاسس بإيه وانت بتبصلي؟ قول انا عايزة اسمعك.

لماذا تتحدث معه بكل هذا العشم؟ هل جميع النساء مجنونات؟ انه لا يعرف من هذا الصنف سوى شقيقته، ابنة قلبه وتربية يده، او ربما كلام سطحي مع عدد قليل من النساء التي صادفهم في حياته من اقرباء وجيران ، لكن هذا النوع الذي يراه امامه…..

– تاني برضوا ساكت يا بسيوني.

– لا حول ولا قوة الا بالله يارب.

تمتم بها كرد طبيعي لهذا التحقيق الذي يراه منها، ليبتلع بحرج يجيبها اخيرًا بما يشعر به:

– شوفي يا بت الناس، انا ما اعرف انتي بتكلميني كدة ليه؟، وبنفس الوجت حاسس ان ليكي حق عندي في حاجة انا مش عارفها، بتسألي وتجرري فيه ليه؟ في إيه؟

ابتسامة يائسة بزغت بثغرها لتجيبه بما اذهله على حق:

– من غير ليه؟ ومن غير سبب، ويمكن اكون واحدة مجنونة وبتخلق وهم من دماغها تعيش عليه، بس اللي انا متأكدة منه كويس، هو ان احساسي مبيكدبش، عمر ما كذب ولا خيب معايا……. عن اذنك بقى اسيبك تريح شوية.

قالتها وتحركت تغادر من امامه على الفور ، لتزيد من تشتته، عن ماهية ما تتحدث عنه، يبدوا انها بالفعل مجنونة هذه الفتاة، لكن لما يجتاحه يقين بأنه يعرفها، ملامحها، ضحكتها، وعبوس وجهها، حتى صوتها ليس بغريب عن الاذن، بل ويجد راحة غير طبيعية وهي تتحدث معه….. تبًا ما صلته بهذه المرأة؟

❈-❈-❈

وفي منزل غازي، بعدما عاد من الزيارة والاطمئنان على بسيوني، كانت الجلسة الان مع صديقه المجنون والذي كان يعبر عن المه بالشكوى، غير منتبهًا لحال الاول وشروده فيما ينتظره ومتوقع من مصائب وكوارث على وشك في هذه الليلة الفارقة.

– امممم، وبعدين؟ كمل يا حبيبي انا سامعك

قالها غازي بنبرة ممتعضة شعر بها الاَخير ليهتف به مستنكرًا:

– اي هو اللي بعدين وكمل؟ شايفنب بتكلم انجليزي قدامك يا جدع انت؟ كل الشرح اللي شرحته ده ومفهمتش ، بقولك هتجنن، بسيوني لازم يعرف بسرعة ويعملي فرحي على اخته، قاعدة معايا في نفس البيت ومش عارف اتكلم معاها كلمتين، دي ايه الخيبة التقيلة دي؟

توقف عن استرساله، حينما طال صمت الاَخر، ترتسم على وجهه ابتسامة فاترة صفراء زادت من غيظه، ليهدر به:

– في ايه يا غازي؟ ما ترد عليا ولا انا هفضل كدة اكلم نفسي وبس؟

إلا هنا ولم تعد به طاقة للتحمل، ليضرب بكفه على ذراع المقعد بصيحة جهورية معبرة عن حنقه:

– يعني ارد عليك بإيه يا يوسف، انا دماغي فيها كلاب صعرانة بتعوي، وانتي جايلي بجنانك ده وعايزها سلق بيض، مفكرها ساهلة، عايز فرحك في اسبوع وبسيوني لسة محدش ضامن رد فعله لو عرف، طب افرض رفض وجلب الطرابيزة فوج روسنا، هتعمل ايه عاد؟

– نهار اسود، دا انا كنت اقتلها واقتل نفسي، يرفض دا ايه؟ دي مراتي، يعني خلصان الكلام ولا انا عشان مؤدب ومراعي الظرف، لاااا دا انا ساعتها اقلب عربجي.

– يااارب الصبر من عندك.

تمتم بها غازي، عقب صراخ الاخر به، ليزفر بتعب وقلة حيلة، حتى وضع كفه على جبهته، غير قادرًا على الجدال، وقد تمكن اليأس منه، حتى انتبه صديقه لحالته:

– انت مالك عامل كدة ليه؟ هو انا لدرجادي زعلتك بكلامي .

رفع عينيه يجيبه بإرهاق شديد :

– مش زعلان منك يا يوسف، انا بس مش فاضيلك، النهاردة بالذات دماغي في مية حتة، وموضوعك ده على كد سهولته، على كد الصعوبة اللي فيه، لانه مش بالبساطة اللي انت متخيلها،

صمت المذكور يستوعب جدية الحديث، يفرك اصابع كفيه ببعضها وتفكير متعمق ظهر في اقتضاب الحاجبين، ليهون عليه مشفقًا

– متشيلش الهم جوي كدة، وسيبها على الله،

– ونعم بالله، يارب حلها عن قريب.

تمتم بها متضرعًا، ليعود اليه سائلًا بفضول :

– طب وانت ايه اللي شاغلك اوي كدة ومشيلك الهم؟

تطلع إليه غازي بصمت دام لحظات، حتى أثار بقلبه الريبة، ليتابع بفضوله:

– ما تتكلم يا جدع، انت هتفضل كدة منقطني بسكاتك.

❈-❈-❈

– بغرفتها القديمة والتي أتت اليها اليوم لتبيت ليلتها بها ، كانت تشاهد التلفاز حينما طرقت عليها باب الغرفة، تدخل رأسها اليها بمرح تستأذنها:

– ادخل عشان احكي معاكي، ولا راسك تجيلة وهتنامي.

اعتدلت روح بجذعها لتجيبها بابتسامة أنارت وجهها:

– ولو تجيلة حتى، بلاها منها النوم اصلا مدام في حكاوي ، خشي يا ست نادية هو انتي يعني محتاجة استئذان.

ضحكت لها الأخيرة لتدلف وتنضم بجوارها على الفراش قائلة بأدب:

– ما انا برضك لازم استأذن، دا من الأصول وانا متعودة على كدة،.

– يا سلااام ع الأدب الزيادة يا ولاد،

عقبت بها روح ضاحكة، قبل ان تنزاح بجسدها على الفراش قليلًا تفسح لها ، لتنضم بجوارها وتتلحف بنفس الغطاء، ترد على قولها:

– طبعًا يا ختي مأدبة وبتكسف كمان، هتنكريها دي؟

– لا يا ستي وانا اجدر ، دا كان الكبير يعلجني انا وجوزي واد عمه على باب السريا، كله الا عيون الريم يا عم.

قالتها روح بفكاهة جعلت الأخرى تضحك لمدة من الوقت معها قبل ان تتلبس ثوب الجدية وتقول:

– اهو سافر ومهموش عيون الريم ولا حتى رجاءها ليه؟ اخوكي دا ملهوش عزيز.

بابتسامة مستترة طالعتها، ترى المكر جليًا في عينيها، لتعلق:

– طب بالذمة انتي مصدجة الكلام اللي بتجوليه، الراجل جايدلك صوابعه العشرة شمع وهيموت عليكي يا ولية، فجأة جلبتي عليه عشان سافر ومتبعكيش.

ردت بنبرة صادقة، تمزج بين الخوف والعتب:

– ما انا خايفة عليه يا روح، اخوكي متهور والموضوع شكله مش هين ابدًا، وانا عايزة اعيش في هدوء واستقرار.

اشفقت ان تزيد بمشاكستها، لتقربها اليها وتضمها بدعم مهونة:

– ان شاء الله تنولي اللي بتتمنيه معاه وتعيشي في سلام وامان وتخلفي صبيان وبنات، غازي ربنا بيحبه انه رزقه بيكي يا نادية، بجولك ايه، انا هتصل بعارف اعرف منه ايه اخر الاخبار.

❈-❈-❈

بملابس التمريض الخاصة بالمشفى، خطا هذا الشاب بثقة يدعيها، يلتقط فرصته بانتهاء المناوبة المسائية لهذه الفتاة الثقيلة، وقد تخلص منها اخيرًا، وتأكد بخروجها من باب المشفى للمغادرة،

اقترب من الرجلين الجاثمين خلف باب الغرفة، مشيرًا نحو الادوات الطبية التي يحملها كي يفهما دون شرح بأنه ضمن الفريق الطبي للرعاية، وكما توقع لم يشك احد منهما او يمنعاه، بعد رؤيتهم للطاقم الطبي الذي يرتديه وقد استطاع هذا الرجل الملعون بتسهيل الامر عليه من مسؤول هام داخل المشفى وفره اليه، وقد شرح له باستفاضة كيف ينفذ الامر بدقة حتى تبدوا الوفاة كأمر عادي قد يحدث مع حالة المريض، مستغلًا سكون الليل الاَن في هذه الوقت المتأخر،

دلف لداخل الغرفة بعدما فتح بخفة، ليغلق الباب من خلفه، ثم اقترب من المريض الغافي في النوم، ضحك داخله، وهو يتخيل صاحب هذا الجسد الضخم ان واجهه بكامل صحته، بالطبع سوف يمحيه،

تخلص من الادوات التي يحملها، بأن وضعها على الطاولة الصغيرة امامه، ثم ادخل يده داخل جيب بنطاله، يخرج حقنة مجهزة بالمادة التي سوف تخلصه من الأمر بمجرد حقنها داخل المحلول.

كان الأمر بغاية اليسر وهو ينفذ بحرفية عاليه، لكن وقبل ان يغرز الأبرة في المحلول الملحي المعلق تفاجأ بالصوت من خلفه:

– انت مين وبتعمل ايه عندك؟

التف الشاب ليصعق برؤيتها، نفس الفتاة الممرضة تقف على مدخل الغرفة، تناظره باعين متشككة، تبًا، كيف جاءت وقد تأكد بنفسه من خروجها؟

ابتلع بزعر يجاهد لإخفاءه:

– انا متعين جديد وجاي اشوف شغلي.

عبس الشك داخلها، وشيء غير مريح يكتنفها نحو هذا الشاب الذي يقف امامها، صوت يخبرها ان به امر ما، نفس هذا الصوت الذي سمعته فور ان اوقفت سيارة الأجرة كي تغادر الى منزلها، ليتردد بذهنها ضرورة العودة، حتى تلقي بنظره اخيرة على من شغل قلبها، والغافي عما يحدث الاَن، هي مجنونة تعلم ذلك، ولكنها ليست بغبية.

تكتفت تقترب منه بتربص لتسأله:

– ولما انت متعين جديد اسمك ايه بقى؟ حكم انا ممرضة برضوا وماسكة الحالة هنا واسمي مشيرة،

رد يجيبها بامتعاض

– يا اهلا وسهلا يا ست مشيرة، انا اسمي محمود، ممكن معلش تروحي تشوفي شغلك، عشان انا كمان اشوف شغلي.

هكذا تأكدت من صدق ظنها، بعدما قارنت بين الأسم الذي اردف به، وهذا المدون بأحرف صغيرة على مربع مثل التكت ملتصق بيونيفرم المشفى، والمحدد من قبل الإدارة.

– محمود ولا يحيي.

تمتمت بها لتقبض على ذراعه، صارخة به:

– انت مين يا جدع انت؟

دفعها عنه بعنف ليتخلص من قبضتها دون التفوه بكلمة، وقد تيقن بانكشاف امره، ولابد من الهرب، ولكنها كانت اقوى من أن تتركه يفلتها، تمكنت لتتشبث بقماش السترة العلوية:

– هتهرب تروح فين؟ انت حرامي ولا قاتل…..

ف الأخيرة قطعت مجبرة بعدما باغتها يطعنها بألة حادة كانت مخبأة في سترته، وقعت على اثرها على الأرض، غير قادرة على اخراج صوتها، او التحراك للحاق به.

ولكن فعلتها أتت بنتائجها، ان اقتحم الرجلين الحارسين للغرفة ليتمكنا من الانقضاض على المجرم قبل تمكنه من الخروج، اما بسيوني نفسه، فقد استيقظ من غفوته ليصعق على هيئتها الراقدة اسفل تخته مسجية في دمائها ليصرخ مناديًا لنجدتها:

– مشمش، جومي يا مشمش، حد يجي ينجدها الله يرضى عنيكم.

❈-❈-❈

اما في الخارج

فقد انتفض صدقي بغضب متعاظم، فور ان وصله الخبر المشؤوم من المسؤول الفاسد في المشفى عبر الهاتف، ليهدر بالسباب واللعنات، وهو ينهي المكالمة، قبل ان يتخذ وضعه خلف عجلة القيادة،، ويشعل المحرك ، كي يتحرك بالسيارة وينجي بنفسه، ولكن ما هم ان يستدير بها، حتى تفاجأ بسيارة أخرى تقطع عليه الطريق، ليهتف بسبة وقحة قبل ان يتحقق من سائقها:

– انت يا……. انت، بعد من جدامي عايز اعدي

سمع المقصود ليترجل منها ويتصدر امامه بجسده يجفله بحضوره المهيب قائلًا:

– ويهون عليك تسيب راجلك يشيلها لوحده، انت هتفضل طول عمرك كدة جبان، تضرب في الضلمة، وتهرب وجت المواجهة

صاح به صدقي من محله في قيادة السيارة بعدما علم بهويته، يطالعه ببغض وتهديد صريح:

– اديك جولتها بنفسك بضرب واجري، بعد عن وشي يا غازي وخليني اروح في حالي، متصدرش نفسك للأذية، انت مش كد اللي ورايا، هتبعد ولا ادوسك احسن.

– دا على اساس ان هديك الفرصة ولا اسيبك اصلا.

تمتم بها غازي قبل ان يقفز الخطوتين بخطوة واحدة ويصل اليه، فيجذبه من ملابسه ويخرجه عنوة هادرًا:

– تعالى يا روح امك، دا انت حسابك تجيل جوي.

تفاجأ صدقي بجذبه لخارج السيارة بقوة غاشمة أوقعته ارضًا بوزنه الضخم، حتى صرخ من الألم :

– يخرب بيت ابوك، شكلك ناويها وبتحفر لموتك، وانا مش هين ليك يا غازي يا دهشان،

استقام بجذعه يخرج سلاحه الناري من الصديري الداخلي اسفل جلبابه، ضبطه على وضع الاستعداد ، ليشرع في رفعه نحوه او تنفيذ تهديده ولكن مع توقف سيارة أخرى فجأة بالقرب منه، محملة برجال الأمن كان لهم رأي اخر:

– نزل السلاح من ايدك يا صدقي، لتلبس في مصيبة جديدة انت مش قدها.

صعق ينظر مبهوتًا للرجال الذين حاوطوه في لحظات قليلة، يبتلع ريقه بعدم تصديق، ليترجل خلفهم يوسف، ويذهب سريعًا نحو صديقه للاطمئنان عليه:

– ايه الاخبار يا غازي ، ليكون الراجل ده اذاك في حاجة؟.

اومأ له بكفه نافيًا وهو يراقب وضع الأصفاد الحديدية حول رسغي هذا المجرم، يجيبه بزفرة تقارب الارتياح:

– حمد لله جات سليمة، المهم نروح نلحق دلوك اللي في المستشفى، كويس ان عارف وصل من السفر في الوقت المناسب ، اهو يجوم بالإجراءات على ما نوصله.

هم يوسف ان يهون عليه ولكن منعه نداء الاخر اثناء سحبه من قبل رجال الشرطة:

– غازي يا دهشان، هتندم على غلطتك دي معايا جوي، دخلت برجليك عش الدبابير.

هتف غازي ردا عليه، قبل ان يستقل سيارته هو الاَخر ويذهب:

– الدبابير تخوف اللي زيك، اما احنا ديابة الجبل جدرنا عليها يا واد

❈-❈-❈

في اليوم التالي كان الخبر قد وصل عبر الهاتف الى من يهمه الأمر، لينهي المكالمة بصدمة شلت اطرافه، وارتدعت على اثرها أوصاله:

– يا وجعة مطينة، دا كدة تبجى طبلت على روسنا.

سأله عيسى:

– هي ايه طبلت على روسنا؟ مين اللي كان بيكلمك في التلفون دلوك يا سند؟

ابتلع يجيبه بكلمات تخرج بصعوبة:

– دا واحد من طرف صدجي، بيبلغني ان خطته فشلت مع بسيوني، ودلوك اتحبس هو ووالراجل اللي كان تبعه.

سقط عيسى بجسده على الكرسي المتهالك بخيبة امل أصابته :

– يعني ايه كلامك ده؟ يعني احنا خسرنا من كله، واللي باجي بس الحبس؟

حينما طال صمت هتف به مرددًا بذعر:

– رد عليا يا سند، اخرتها ايه اللي الوجعة المهببة دي؟ هو احنا نطلع من حفرة ندخل في دحديرة .

رد يجيبه بفتور:

– الراجل اللي بلغني، نبه عليا اننا نهدي ونكن شوية، لان صدجي اكيد مش هيسكت،

– وليه عين كمان يتأمر؟ هو بعد ما اتحبس هتجومله جومة تاني.

صاح بها عيسى غاضبًا وكان رد الاخر:

– اكيد هيجوم منها، دا نابه ازرق وياما في جرابه كتير، وفي كل الحالات احنا دلوك مفيش جدامنا غيره، نكن ونستنى واكيد هنوصل

❈-❈-❈

في منزل سعيد الدهشان

وقد كان يتناول وجبة افطاره مع عائلته، حينما اقتحم ناجي لينضم معهم، مردفًا بحديثه:

– خبر ايه يا جماعة، ليكون الواد بسيوني حصله حاجة؟

رفعت رئيسة رأسها عن الطعام توبخه بالقول ردًا عليه:

– خبر ايه انت؟ مش تصبح وترمي السلام الاول، جبل ما تدخل كبس كدة بكلامك العفش ده.

تدخل زوجها باستفساره:

– استني يا مرة انتي نفهم منه الأول ، بتجول كدة ليه يا ناجي؟

رد المذكور وفمه يلوك بالطعام:

– اصل وانا راجع الفجر، لمحت روح مع عزب واخته شايلة ولدها على حجرها، رايح بيهم على طريق المطار، شكله مسافر بيهم مصر، تفتكروا ليه يعني؟

– اااه اخته جول كدة

تمتمت بها فتنة، بضحكة ساخرة أثارت كالعادة حنقه:

– خلي بتك تتلم يابوي انا على أخري منها اساسًا

بتحدي سافر اصدرت ضحكاتها الساخرة بصوت عالي ليزوم بغضبه، فتهتف رئيسة تنهرهم:

– ما تفضوها انتوا الجوز، وبطلوا عمايلكم دي، اللي اسمعه ان بسيوني رايج وزين، لو في حاجة عفشة لا سمح الله كنا سمعنا .

افحمته بقولها ليصمت مجبرًا، ف استغلت فتنة بعدم اكتراث:

– اللي يشوفك كدة يجول انك جلجان على بسيوني، مش ان الفضول واخدك، من بعد ما شوفت البرنسيسة، ليكون الخوجاية راحت زهوتها .

كز على اسنانه يمنع نفسه من سبها، لتخرج جوليا عن صمتها باستفهام، وقد استشعرت ان القول به سخرية نحوها:

– قصدك ايه بزهوتها فتنة، ان ناجي حبيبي بطل يحبني معقوله.

صدر قولها بدلال جعل سعيد يسبق ابنه:

– لا يا بتي مفيش منه الكلام ده، هي بس بتهزر، هو كان يطول حتى واحدة في نص حلاوتك دي.

التوى ثغر فتنة بغيظ وغيرة تفتك بها، لدلال ابيها الدائم لهذه المدعوة جوليا، بعدما كانت هي المفضلة اليه من جميع ابناءه، ف انتبهت عليها والدتها لتعلق بيأس:

– خليها تاخدلها هي كمان يومين في الجلع، مخالفة يعني!

وفي جهة أخرى

وصل فايز لمنزل والديه ، فوجدها اتخذت موقعها في المدخل في انتظاره؛

– صباح الخير يا سليمة.

ردت لتبادره بسؤالها:

– صباح النور، عملت ايه؟

– خير يا سليمة، اطمني، عاملة ايه امي دلوك؟

كان يبتغي من خلف رده الهادئ امتصاص انفعالها، ولكن هيهات:

– امي زينة يا فايز، جاوبني وجولي بجى، عرفت الواد ولا لاه، انا على أخري من امبارح .

زفر يخرج دفعة من الهواء المشحون بصدره، قبل ان يجيبها بالإيماء برأسه:

– عرفته يا سليمة، انا طول الليل بسأل اساسا من امبارح، لحد ما جيبت عنوانه…….

هتفت تقاطعه بلهفة:

– جيبت عنوانه يا فايز. ولسه واجف جدامي، انت لازم تجولي عشان اروحله بنفسي

– يا بوي والله رايح، انا جولت اجي اطمن على امي واديكي فكرة.

صاح بها بنفاذ صبر ، لتجفله بحسم:

– ادخل لامك واطمن عليها يا فايز، بس يكون في علمك، رجلي على رجلك، هنروح للواد ده سوا، وهنعرف منه الحجيحة سوا .

❈-❈-❈

– كدة يا عزب، دي عملة تعملها دي؟

هتف غازي يوبخه بعتب، بعدما فاجأه بحضور النساء معه، ولهفة زوجته التي كانت متشبثة بحضنه الاَن تبكي دون توقف، ليدافع الاَخر:

– وكنت عايزني اعمل ايه يعني يا بوي؟ الاتنين طبوا عليا زي الجضا المستعجل ومصممين ينزلوا على مصر وحديهم في نص الليل، اسيبهم ينفذوا واحط راسي ع المخدة وانام، ولا اسفخهم جلمين يسكتوهم؟

رد عارف من محله بجسلته جوار زوجته التي تلتقط أنفاسها بتعب:

– والله لو كنت عملتها كان احسن، عالاقل حتى عشان المجنونة دي، اللي معرفاش تاخد نفسها … انا مش عارف عجلي كان فين لما كلمتك امبارح، ياريتني ما رديت عليكي يا شيخة، كنت سيبتك ترني وتتفلجي احسن من زلزلتك انتي والعيل دلوك.

هتف بالاخيرة يحمل نفسه الذنب، ليتلقى العتب من غازي:

– يعني انت اللي بلغتهم باللي حصل يا ناصح، اسفخك انا الجلمين واحط غلبي فيك.

عبس بوجهه له الاخير بعدم تقبل، فتدخلت زوجته:

– عارف مغلطش ، دا كان بيبلغني باللي حصل، واحنا كمان مغلطناش، كان لازم نيجي ونطمن بنفسنا، حمد لله لقينا تذاكر طيران، يعني متعبناش للدرجة، اعتبروه مشوار للمحافظة.

– مشوار للمحافظة برضوا.

ردد بها غازي بغيظ وكفه مازالت تربت على ظهر هذه التي ما زالت متشبثة به، غير عابئة بأحد سواه، ليعود اليها، يهدهدها بهمس:

– خلاص يا ناادية، انا سليم وعال العال جدامك، دا بدل ما تفرحي ان ربنا وفجنا وجطعنا راس الحية،

رفعت رأسها اخيرا من صدره لتردد بدموع:

– ما هو دا اللي مخوفني يا غازي، من ساعة ما وصلني اللي حصل امبارح وانا لا على حامي ولا على بارد،

، الحية اللي بتجول عليها دي، اكيد في ناس وراها بتحميها، دا غير المدعوج عيسى والتاني سند، انا كنت هموت لو مشتفكش ولا اطمنت عليك بنفسي

قالت الأخيرة لتعود للبكاء على صدره مرة اخرى، ويزيد هو من ضمها بذراعيه، يطمئنها بقوله:

– يا حبيبتي والله خير ان شاء الله، دا كله وغش ومصالح، والعبد لله ياما جابل في حياته، اهدي كدة وريحي عشان العيال، الزعل ولا البكا دا عفش عليهم، انتي كدة هتزعليني بجد.

تدخل عارف بمشاكسة:

– ايوة خاف على عيالك واختك الغلبانة مهنش عليك تبص عليها ولا تسأل، من لقى احبابه عااد

تبسمت روح لدعابة زوجها ليرد غازي بسخطه:

– يا عم انت اسكت، انا ماسك نفسي عليك بالعافية، بلسانك دا اللي عايز جصه.

جلجلت ضحكة عاليه منه، ليلتصق بزوجته قائلًا:

– طب اعمل ايه يعني؟ ما انا راجل مبعرفش اخبي حاجة عن مرتي، انتوا اعملوا حسابكم ومحدش يتكلم ولا يتصرف بأي فعل جدامي ، مدام عرفتوا لساني فالت معاها.

عبس غازي يتصنع الحنق امام ضحكات الزوجان حتى زوجته هو توقفت عن البكاء وتبسمت لمرحهما، ليتمتم عزب بحرج:

– ربنا يحفظكم ويخليكم لبعض، طب اجوم انا اللقالي اي حتة اريح فيها انا وواد اختي، اللي ختلي درعاتي ده

اشار غازي بذراعه له:

– الأوضة اللي ع الشمال هناك يا عزب، هتلاجي سريرين، واحد ليك والتاني لمعتز، واحنا كمان يدوب نلحج نريح شوية جبل ما ننزل تاني نروح المستشفى نطمن ع البنت الممرضة الغلبانة وبسيوني؟

علقت روح بسؤالها الملح:

– ايوة صح يا غازي، هي أخبارها ايه دلوك؟ والله تستاهل مكافأة كبيرة على عملتها دي.

تبسم عارف، بعدما عرف الكثير عن الفتاة من يوسف

ليرد على قولها بمكر:

– لا ما هي هتاخد مكافأتها، او يعتبر اخدتها خلاص، صح دنيا عجيبة والله.

❈-❈-❈

وفي المشفى

أستفاقت تفتح اجفانها لتفاجأ به امام عينيها اول وجه تقابله، يحدثها:

– حمد الله ع السلامة، عاملة ايه دلوك؟

لاحت على ملامحها ابتسامة تشرق بوجهها رغم تعب الاصابه، لتردف له،

– يعني هكون عاملة ايه يعني؟ وانت اول افتح عيني عليك بعد اللي حصل، اكيد مبسوطة وفرحانة وعال العال اوي كمان.

رد على قولها بما أسعدها:

– ما هو نفس اللي حصل معايا، مش انا كمان عيني فتحتها من الغيبوبة على وشك الحلو ده.

زاد اتساع ابتسامتها لغزله، مما اجبره على التساؤل مرة أخرى:

– انتي ايه حكايتك بالظبط معايا يا بنت الناس؟ وليه بتعملي معايا كدة؟ كيف بتضحي بروحك عشاني يا مشمش؟

اغمضت عينيها باستمتاع، وقد اطربها سماع اسم الدلال منه، لتعبر عن ابتهاجها قائلة:

– مكنتش اعرف ان دلع اسمي حلو كدة غير دلوقتي…. بس انت برضوا لازم تبقى في سريرك دلوقتي، لاحسن تتعب يا بسيوني.

تمتم لها بإبتسامة حانية:

– لا متجلجيش عليا ، اوضتي جمب اوضتك، يعني وجت ما احس بأي تعب هطلع طوالي على سريري، دا غير ان الدكتور موصي على الحركة اصلا دلوك، انتي اطمني ، هفضل معاكي شوية لحد ما تيجي الست الوالدة او اي حد من أهلك؛ اللي ادارة المستشفى اتصلت بيهم واكيد زمانهم على وصول،

ردت بامتنان وفرحة انستها الألم الجسدي

– ربنا يسعدك ويتم شفاك على خير يارب، انت طيب اوي يا سي بسيوني.

هم ان يرد على كلماتها ، ولكن منعه اندفاع الباب، ودلوف شقيقته بلهفتها تلقي بنفسها عليه :

– بسيوني يا واد ابوي ، ايه اللي حصل معاك امبارح؟ يوسف الله يسامحه مجابش سيرة جدامي غير دلوكت.

ولج خلفها المذكور بدفاعية قائلًا:

– وكنت هبلغك اقولك ايه؟ اقلقك ع الفاضي وبس! ما هو الراجل كويس اهو قدامك،

غلبتها عاطفتها لتهتف بعفويتها متناسية الوضع:

– برضك كان لازم تبلغني، مش تسيبني على عمايا.

تمتم خلفها بالاستغفار ، ليتجنب الصدام معها قبل ان يتجه بقوله نحو المريضة، غافلا هو الاخر عن بسيوني الذي انتابه الإرتياب من طريقة نقاشهما معًا:

– حمد الله ع السلامة يا مشمش، معلش متأخذناش.

همت أن ترد عليه ولكن سبقها بسيوني بأسئلته نحوهما:

– متأخذش مين؟ هي ايه الحكاية؟ وانتي مالك يا بت انتي بتهبي في الراجل كدة زي الجطر؟ دي برضوا اصول؟

اجفلت ورد تستدرك اخيرًا غبائها ، لتبتلع بصعوبة ريقها الذي جف على الفور، وتنقل بنظرها نحو يوسف الذي وقف شامخًا يخبرها بعينيه انه حان وقت الاعتراف، ليأتي الرد من الناحية الأخرى، ناحية مشيرة لتقول بسجيتها:

– عادي يا سي بسيوني، البنت كانت قلقانة عليك واكيد جوزها مقدر، دا استاذ يوسف دا مفيش اطيب منه.

– جوزها!

ردد بها بسيوني بأعين متسعة متسائلة نحو الاثنين، وتصله الإجابة مرتسمة وبكل وضوح على ملامحهما القلقة والاَسفة باعتذار .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى