روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الرابع عشر 14 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الرابع عشر 14 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الرابع عشر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الرابع عشر

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الرابعة عشر

توقف بالسيارة داخل محيط الجامعة، وبالقرب من مبنى الكلية التي انتقلت اليه حديثًا، فقد أصبح مقرها الجديد للدراسة، بفضل سعيه طوال المدة الماضية وحرصه الدائم لتهيئتها بالإندماج ف الحياة المدنية معه:
– وادينا وصلنا اهو يا ست ورد
تمتم مخاطبًا لها بإسمها حتى تفيق من حالة الشرود التي تلبستها منذ استقلالها السيارة معه، حتى انها لم تنتبه سوى على صوته، لتنفض عنها دائرة الأفكار التي تلفها ، ثم شرعت بلملمة اشيائها بارتباك جعل الكتاب يقع منها فدنى هو يتلقفه لها وعلق بمزاح كعادته :
– ما براحة يا قلبي ع الكتاب لا يتعور.
– يتعور!
رددت بها من خلفه بملامح اظهرت امتعاضها لسخافة ما تفوه به
اضحكته هيئتها ليتابع بتسلية:
-يا كبستك يا يوسف، طب جامليني بنص ابتسامة حتى لو بايخة النكتة، راعي إحساساتي ع الأقل.
تمكن بطرافته ان يسحب استجابة منها ، بابتسامة صغيرة لكن ما اروعها، لاحت على ثغرها الصغير، لتنبت بقلبها ورودًا وازهار ، ومدينة كاملة للألعاب والمرح، ليتابع متغزلًا:
– شوفتي بقى اهو وشك بينور وبتبقي زي البدر لمجرد بس ما تبتسمي، ياريتك تفضلي كدة على طول .
خبئت ابتسامتها تسبل اهدابها عنه بخجل زاد عليه الحرج، فهي ليست غبية لتدرك حجم ما يبذله معها من افعال كي يخفف عنها، ويضكحها، بالإضافة لمساندته الدائمة لها، انها بالحق مدينة له، لتعبر عما جال بخاطرها له بامتنان:
– انت طلعت جدع جوي يا يوسف ، بصراحة من غيرك معرفش كنت هعمل ايه؟
– ويعني انا كنت عملت ايه؟
قالها ببساطة ، لتزداد خجلًا في الرد عليه:
– كل ده وبتسأل عملت إيه؟ خبرا ايه يا يوسف؟ هو انا جبلة عشان مقدرش ولا احس….
إلا هنا وتحفزت كل خليه من جسده ليقترب سائلًا بلهفة:
– حاسة بإيه؟ قولي يا ورد.
قالها وقد تقرب برأسه منها حتى بات يأسر ابصارها بخاصتيه، لتبتلع ريقها باضطراب اصابها على الفور ، فباتت تتطلع له بلسان منعقد، وارتباك بدى جليًا على ملامحها امامه، وهو يحثها بنظرته لتبوح بما تشعر به وقد جذبه هذه الهالة الغريبة بها، لتنسيه الشعور بالوقت او المكان، يتمنى لو يتوقف الزمن بهما، فلا يتركها سوى بعد ان…..
– انتوا بتعملوا ايه؟
انتفض مصعوقًا، يلتف بجذعه نحو صاحبة الصوت الذي صدح من خلفه، ليجد ابنة خالته الثقيلة كما يلقبها دائمًا، تدخل رأسها داخل نافذة السيارة وعينيها تطالعه بمكر مرددة للمرة الثانية:
– ايه يا يوسف؟ كنت بتحطيلها قطرة في عنيها؟
جز على اسنانه يطالعها بتوعد يود ان يقفز من محله ويفتك بها:
– ودا وقت غلاستك واستخفافك يا جزمة.
تبسمت تزيد عليه بسماجة اما ورد فتداركت لتهم بالترجل مرددة بضجر:
– جطرة ايه وكلام فارغ ايه انتي كمان؟ واحنا في الجامعة وامة لا اله الا الله محاوطانا، يا باي عليكي وعلى افكارك يا نانسي؟
وقبل ان تحط قدميها على الأرض اوقفها الهاتف لتفاجأ بالرقم المحفوظ لديها مرددة بهلع نحوه:
– دا رقم المستشفى، يا ترى بيرنوا عليا ليه يا يوسف؟
❈-❈-❈
كالكورة المطاطية التي يلعب بها الطفل صغير، كان قلبها يتقافز داخل اضلعها بعبث وشغب، ولهفة تجاهد لأخفائها بادعاء الجدية امام الطبيب الذي كان يملي عليها بعض التعليمات الجديدة بعد انتهاء فحصه مع مجموعة الأطباء المريض الذي استفاق اخيرًا من غيبوبته، وهي تخطف النظرات نحوه كل لحظة:
– بلاش سرحان يا مشيرة وانتبهي للي بقوله
هتف الطبيب بحزم جعلها تجيبه على الفور:
– معاك يا دكتور والله، وحفظت كل التعليمات اللي قولت عليها .
– اما نشوف.
تمتم بها الطبيب بانفعال قبل ان يعود لمريضه الذي يتطلع حوله في الأجواء بتشتت، بالكاد يستوعب عودته للحياة مرة أخرى، فخاطبه بابتسامة مشرقة:
– ياللا بقى كدة شد حيلك يا بسيوني، عشان تخف بالمرة وتسيب المستشفى……… حمد الله على سلامة رجوعك للحياة.
اوما له الاَخير يستجيب بتحريك اجفانه، ثم غادر الطبيب ولم يتبقى في الغرفة سواها معه:
– حمد الله على سلامتك يا بسيوني، اخيرا سمعت كلامي وفوقت، دا انا لساني اتدلدل معاك، لحد ما يأست لدرجة اني كنت هوافق على الواد محروس انه يتجوزني، يرضيك كدة؟
توسعت عينيه في النظر إليها لمدة من اللحظات، ثم عقب على قولها:
– محروس مين؟ وانتي مين ؟
شهقت امامه تزيده حيره برد فعلها:
– يا نهار اسود، بعد دا كله ولساك بتسأل يا بسيوني؟
– اسأل مين وفين؟ انتي مين؟
للمرة الثانية يسألها عن هويتها، وهي التي ظلت على رأسه لمدة تقارب الشهر، بأحاديثها، عن كل شيء يخصها حتى تيقنت داخلها انه يسمعها ويشعر بها، كان الحزن يرتسم جليًا على ملامحها، حتى ابتأس هو الاَخر لحالتها، لتضاعف من حيرته بقولها:
– كنت فاكرة ان قلبك هيحس بيا، وان اللي واصلني دلوقتي واصلك، ما هي مش محتاجة طب ولا دوا دي، دي حاجة كدة ملهاش اسم، قال وانا اللي قولت انه سمع نداي ورجع على صوتي.
– رجعت على صوتك!
ردد بها بسيوني بذهول ليردف بما توصل اليه عقله:
– يا مرك يا بسيوني، ليكون فقدت الذاكرة كمان، حجة دي تبجى وجعة.
– اخوي.
صدح الصوت من مدخل الغرفة، ليفتر فاهه بالابتسام يتلقى حضن شقيقته وابنة قلبه، التي القت بنفسها عليه، ليضمها بذراعه الحرة، يربت على ذراعها ويهون،
– جلب اخوكي يا بت بسيوني.
ابتعدت مشيرة لتغادر بحزن اصابها، تلفت ابصار يوسف الذي دلف خلف زوجته، لينتبه عليه الاَخر، مرددًا له بحفاوة:
– يوسف بيه طب ما انا فاكراك أنت كمان اها، امال ايه الحكاية امال؟
– حمد الله على سلامتك يا بسيوني
تمتم بها كرد له، اما ورد فقد رفعت رأسها عن صدره تساله باستفهام:
– حكاية ايه؟
رد يجيبها على الفور باستفهام:
– هو انا مش فقدت الذاكرة برضوا؟
– فقدت الذاكرة!، مين جالك كدة يا واد ابوي؟
❈-❈-❈
– ناادية انتي فين؟
بخطوات سريعة اندفع لداخل الغرفة مرددًا بإسمها، حتى انتفضت عن جلستها على طرف التخت مجفلة وقد كانت تطوي بعض الثياب التي جفت بعد غسيلها، لتجده متجهًا نحو خزانة الملابس على الفور:
– انا هنا بطبج الغسيل يا غازي، مالك هتجلع جلبيتك ليه؟
رد بجيبها ويده تخرج الملابس المعلقة ليرمي بها على التخت؛
– مسافر دلوك حالا، اصلهم بلغوني ان بسيوني فاق
سمعت منه لتمتم مرددة بفرحة
– بسيوني فاق، يا ألف نهار أبيض يا ألف نهار مبروك، وربنا فرحتني يا غازي، وانا اجول وشك نور ليه؟
قالتها بشقاوة جعلته يلتف اليها، ثم قرص على وجنتيها بمرح:
– ولحجتي تاخدي بالك من وشي امتى، دا انا يدوب داخل يا عفريته.
ضحكت تنزع يده عنها لتردد بابتهاج يغمرها:
– ودي محتاجة مفهومية، يا غازي دا انت من دخلتك دلوك انا فهمت وعرفت، الحيوية اللي ردت في خطوتك وصوتك كمان، الحمد لله ربنا جبر بخاطرك وجبل دعواتك وجومه بالسلامة، انا مكنتش اعرف انه عزيز جوي كدة عليك.
توقف ليزفر بتنهيدة ارتياح خرجت من العمق حتى استند بظهره على خشب الخرانه يخبرها:
– يااه يا نادية، انا مهما وصفت دلوك ولا مهما حكيت، عمري ما هجدر اعبر ع اللي حاسه، انا حاسس بفوجته دي، ردلي روحي معاه ، مش بس عشان غلاوته ولا احساس الذنب اللي كان هيموتني لو لقدر الله راح فيها، لا دا كمان لأهمية جومته….
أستقام يردف ملوحًا بسبابته:
– جومة بسيوني دلوك هيتبني عليها حاجات كتير، ومش بعيد يكون سبب في ظهور حقايق كانت مخباية ولا مردومة مع التراب .
استدركت للمغزى من خلف كلماته، لتخبوا ابتسامتها، وتبتلع ريقها بارتجافها اهتز له قلبها، حتى ظهرت في ارتعاش صوتها:
– جصدك انه ممكن من تنكشف من وراه حجيجة موت حجازي؟
سهم حاد شعره بنصله في وسط صدره، بعدما سمع همسها بإسم من كان رجلها الاول، ليطالعها بنظرة متألمة، انتبهت عليها لتفاجأه بفعلها، وقد القت بنفسها عليها تلف ذراعيها حول خصره مرددة:
– بلاش تسافر يا غازي وخليك جنبي .
رفرف بأهدابه لا يستوعب جملتها ليحاوطها بذراعيه معقبًا بدهشة اختلطت بمرحه لفعلتها:
– وه، ايه اللي بتجوليه دا يا جلب غازي؟ بجى من خمس دجايج كنتي بتزغرتي، ودلوك شابطة فيا كيف العيل الصغير عشان تمنعيني اسافر، دا باين الهرمونات عاملة شغل عالي معاكي؟
ضحكت باضطراب دون ان تفلت ذراعيها عنه قائلة:
– سميها زي ما تسميها، بس انا فعلا عايزاك تجعد جمبي، بلاها من السفر ولا النبش في اللي فات، خلينا في اللي جاي، وان كان على بسيوني، كلف رجالة يحرسوه لحد ما يرجع
بلطف يقارب الحزم ابعدها عنه ممسكًا بأكتافها، ليركز ابصاره بخاصتيها يرى فيهما ما أثلج قلبه، ليلاطفها بمزاحه:
– طب دا برضوا كلام؟ جلبك بجى خفيف جوي يا ام الغايب، اللي يشوفك كدة يجول رايح احارب؟
اهتزت رأسها بعناد، لتشيح بوجهها عنه، قبل ان تعود اليه باستجداء قائلة:
– لكنك برضوا بجيت في دايرة الخطر، طول ما الشاهد المهم تبعك يبجى انت وهو مجصودين، انا خايفة عليك يا غازي
شعر انه لم يعد للكلام فائدة معها، لذلك لم يجد افضل من احتوائها، ليضمها اليه، يدفن رأسها بوسط صدره العريض، ويقبل اعلى شعرها بحنان يمتص فزعها
– وانا بعد ما لجيتك خلاص والدنيا ضحكتلي بمحبتك دي، تفتكري يجيني جلب اهمل ولا افرط ف نفسي،
زفر مطيرا بعد من خصلاتها:
– انا دلوك بس يا جلب غازي ، بجيت اخاف على غازي.
❈-❈-❈
وفي داخل المجمع التجاري الشهير
شهقت فتنة تعبر عن انبهارها وهي تتأمل بباطن كفها تلك الهدية التي أتى بها اليوم اليها:
– يا بوي، ايه الحلاوة دي يا صلاح؟ معقول البروش الحلو ده انت جاببهولي انا ؟
رد بثقة بعدما ارتشف من كوب العصير امامه:
– ومش معقول ليه يا روحي بقى؟ هو انتي اقل منه مثلا؟ ولا هو في الأصل يناسب واحدة احلى ولا أشيك منك، على فكرة، دا مفيش منه في مصر كلها دلوقتي، انا وارثه عن المرحومة تيتة ودي ورثاه عن مامتها، دول هوانم وانتي متقليس ابدًا عنهم
انتابها الزهو، وكلماته تطربها فتجعلها محلقة في سماء وردية، هذا مكانها، هي بالفعل يصدق عليها القول ، ويقين داخلها يخبرها انه قد حان الوقت لتحصل على ما تستحقه، لتقهر المتجبر ابن عمها الذي رأى غيرها امرأة غبية تناسبه.
بصعوبة كانت تجاهد لإخفاء فرحتها، حتى لا يظن بها اللهفة، لكن سرعان ما استدركت فداحة الخطأ الذي كادت توقع نفسها به، ان قبلت هديته، ف ابتعلت لتضعه داخل العلبة المخملية العتيقة وتقربها نحوه:
– بس انا مينفعش اجبله منك، أصلي هجبله بصفة ايه؟
لاحت على ثغره ابتسامة ماكرة وقد علم بمغزى ما تفصده ليرواغها كالعادة:
– يا قلبي ما انا كمان مستعجل ع الصفة دي اكتر منك، بس انا فهمتك وضعي من البداية، لازم ارتب اموري الاول، عشان لما اتقدملك ابقى قد القول مع والدك وأهلك، انا مش أي حد، يعني،
عوجت فمها لتشيح بنظرها للناحية الأخرى مرددة بامتعاض:
– اممم ماشي، ع العموم براحتك.
دوت ضحكة صاخبة منه، ثم حط بكفه على كفها اعلى سطح الطاولة الصغيرة بينهم ، لتجفل بنظرة شرسة نحوه، لحق عليها ليرفعها امامها مرددًا:
– اهي شيلتها أهي، انا كان قصدي بس اصالحك بعد ما شوفتك مكشرة.
زفرت تقلب عينيها ليتابع لها بمهادنة:
– انا كنت واضح معاكي من الأول يا فتنة ، معظم السيولة اللي عندي حطيتها في المشروع اللي قولتلك عليه، مستني بس ترجع تتوفر معايا وانا اجي اخطفك من أهلك خطف حتى، هو انا اطول ارتبط بالقمر.
عادت تشرق على وجهها ابتسامة اشعرته باستجابتها قبل ان تعبس فجأة تخاطبه بتحذير:
– بس يكون في علمك انا مش هستمر كدة كتير، يعني تعمل حسابك تخلص موضوعنا في اجرب وجت، انا مش فاضية للمرواح والمجي، لولا بس عارفة انك داخل على حلال ما كنت ابدًا سمحت لنفسي اجعد معاك على طرابيزة واحدة.
❈-❈-❈
وفي جهة أخرى
اعتدل ذاك الرجل منتفضًا عن تخته الذي كان متسطحًا عليه ، ليهدر نحو محدثه عبر الهاتف الذي يتحدث به:
– بتجول ايه يا زفت الطين؟ صحي كيف الجزين ده؟ وانت كنت فين لما دا حصل؟ انا مش منبه عليك تخلص…….
وصله الصوت بلجلجة:
– طب ما انا حاولت كذا مرة يا بيه؟ لكن اعمل ايه في حظي الهباب؟ وهو ليل نهار معاه اللي يرافجه، اخته والبت الممرضة كأنها واخدة عجد حراسة عليه، مكنتش لاجي عدلي واصل عشان ادخل اؤضته.
– واهي طبلت ع الكل يا زفت الطين، زمان الحكومة عنده دلوك عشان تستجوبه.
– لاه يا بيه، انا اتأكدت من واحد تبعي انه الدكتور مشدد على تأجيل التحجيج، لأنه لازم يريح الاول ويستوعب ، لا يحصل مضاعفات للمخ لو زاد الضغط عليه بالتفكير.
زمجر متمتمًا:
– اممم برضك مش مضمون يا هباب البرك، انت تخليك مكانك وانا هاجي بنفسي اباشر، ما انا عارف اخرتي هتيجي على يد شوية حمير زيك، اجفل ياد اجفل.
انهى المكالمة ليزفر ضاربَا بكف يده على الحائط وغليل رأسه كمراجل من نيران لا تهدأ، زفر بخشونة يرفع الهاتف مرة أخرى يتصل بمن يعنيه الأمر ، فجاءه الرد سريعًا:
– صدجي باشا، يا اهلا يا كبير…. اكيد بتتصل بعد ما جمعت الفلوس
رد بسخرية لا تخلوا من تهكم:
– لا وانت الصادج، متصل عشان فرحان بيك وبجمالك،….. يا عيلة فقر، قال وانا اللي كنت فاكر فايز بس وش شوم، اتاريه وراثه فيكم
– وه وه ما تنجي كلامك يا راجل يا مخلول انت، دا بدل ما تجيب المفيد وتجول جمعتلنا الفلوس .
– اجمع فين؟
صرخ بها صدقي قبل ان يتابع بحزم:
– اسمع واصحى للي هجوله، احنا دلوك في مركب واحدة يا نغرج مع بعض، يا ننجى ونعدي مع بعض…… بسيوني فاق من الغيبوبة.
– بتجول ايه؟ معناته ايه الكلام ده؟ وانت ازاي تسمحله اساسًا يفوج؟ فين اتفاجنا يا عم الحج؟
ضرب بقبضته على قائم السرير، ليجيب بحسم:
– اتفاجنا مازال قائم، بس الأمور دلوك اخلتفت ومحتاجة التدخل الشخصي منينيا، انا رايحلوا مصر بنفسي
❈-❈-❈
يا حبيبي يا خوي.
للمرة الألف صارت تردد بها ، تحتضن بين يديها كفه الكبرى، وتقبلها كل دقيقة بفرحة عودته لها، وبصورة ازعجت هذا الجالس كالغريب بينهم، حتى عبر بسيوني عن استهجانه:
– يا بت كفاية انتي محسساني اني بجالي سنين غايب، هي مش كلها شهر زي ما بتجولي.
صاحت به معاتبة:
– وهو شهر دا جليل، دا انا كنت يتيمة في غيابك ، ربنا ما يرجدلك جتة تاني ولا تغيب عني واصل.
ختمت تقبل كتفه، لتزيد من حنق الاَخر دون ان تدري، واحساس غريب يتسلل اليه بغيرة لم يكن يتخيل ان يشعر به تجاه من هو اقرب الناس اليها، شقيقها،
لينهض عن كرسيه بعنف، ويتحمحم بصوت خرج كزمجرة انتبها لها الاثنان، ليستغل مخاطبًا لهما:
– طب انا شايف اننا نخرج دلوقتي عشان نسيبك تريح شوية، الدكتور موصي ان ما نتعبكش، ياللا بينا يا ورد.
وقبل ان يخرج ردها بالرفض او الاعتراض، سبقها بسيوني بقوله:
– تروح معاك فين؟ هو ابويا مش جاعد مع ورد برضوا؟ مفيش حد من البلد تاني هنا كمان اشوفه؟
صمتت تبتلع ريقها الذي جف سريعًا تنقل بنظرها نحو يوسف الذي تدارك يجيب بمراوغة، مؤجلًا إعلامه بخبر زواجه من شقيقته حتى يسترد صحته جيدا:
– والدك كان هنا وروح، البلد كانت هنا تقريبًا، وغازي وعارف مرجعوش غير من اسبوعين، انا اتصلت بيهم وهما اكيد في الطيارة دلوقتي عشان يطمنوا عليك بنفسهم.
اومأ برأسه يدعي تفهمًا ثم عاد موجهًا سؤاله لشقيقته:
– طب وانتي يا ورد، جاعدة مع مين هنا؟ ولا بتبيتي فين؟
هذه المرة زاد خفقان قلبها بخوف جعل البرودة تتسلل بأطرافها، تخشى ان تخبره بحقيقة زواجها من اجل البقاء بجواره، فيصيبه الحزن ويديرتد بأثره على صحته، ولكن يوسف لحق عليها بقوله:
– ايه يا عم بسيوني على طول كدة اسئلة، يا حبيبي خف شوية انتي لسة قايم، براحة على مخك الضغيف، دا احنا ما صدقنا
تبسم لطرافته، وقبل ان يهم بالرد عليه ، اندفع باب الغرفة لتدلف منه هذه الفتاة الغريبة بزي الممرضات:
– مساء الخير عليكم .
تلقي التحية بروتينة ثم توجهت بخطابها نحو شقيقته، وهي تخطو نحوه لفعل المطلوب منها في رعايته، تنفيذًا لتعليمات الطبيب:
– الف مبروك لسلامته.
ردت ورد بلهفة:
– الله يبارك فيكى يا مشمش، ليكي الحلاوة يا حبيبتي على تعبك ووشك الحلو علينا.
– على ايه بس؟ انا عملت اللي عليا.
قالتها بفتور تطالعه بنظرة عاتبة، تعيده لنفس الحيرة، مع ترديد اسمها في اذنه ، مشمش مشمش. مشمش
حتى اذا انتهت وخرجت بنظرتها التي لم تتغير نحوه، امام دهشة يوسف الذي عقب فور خروجها بمرح:
– هي مالها النهاردة عاقلة اوي كدة؟
حدجته ورد بغيظ ليعلق شقيقها متسائلًا:
– هي مين دي وتجربلي ايه بالظبط ؟
❈-❈-❈
تقطع المنزل ذهابا وايابًا بتفكير يفتك برأسها منذ ان عادت من المدافن وعقلها يذهب في كل الاتجاهات، في دائرة بحث مفرغة لا توصلها لأي نتيجة تذكر .
كانت عينها تتجه صوب المدخل كل دقيقة، حتى دلف اتى اخيرًا من كان تنتظره، ليخاطبها بقلق على الفور:
– سالخير يا سليمة، هي فين امي؟ لتكوني بعتالي عشان جرالها حاجة؟ اما……
هتف الأخيرة بهلع ليتجه الى الداخل ولكنها
أوقفته تجذبه من ذراعه:
– استني يا فايز امك بخير ونايمة في الأوضة مفيهاش حاجة .
سألها بحيرة:
– امال ايه امال؟ انتي اتصلتي وجولتي تعالى البيت ضروري، يبجى انا مخي هيروح فين؟ اكيد امي تعبانة، سيبني اروح اطمن بنفسي.
هم ليتحرك ولكن هي سبقته بردها:
– انا اللي عايزاك يا فايز مش امك، انا طلباك مخصوص في موضوع مهم، عايزة مساعدتك:
زوى ما بين حاجبيه ، بعدم استيعاب لما اردفت به، يردد :
– انتي عايزة مساعدتي انا؟! انا يا سليمة ! طب تيجي كيف دي، ولا تخش عجلي ازاي من اساسه؟
برقت عينيها بشعاع من تحدي وعزم تجيبه:
– عشان مفيش غيرك هيجدر يساعدني فيها دي، دا موضوع يخص ولدي اللي راح، ويمكن يكون ليه صلة بموت ولدك من شربات…..
تحركت تفاحة ادم بحلق فايز الذي جف فجأة ليصحح لها بأعين التمعت بدموع الحصرة:
– الاتنين عيالي يا سليمة، انا راح مني اتنين؟
اومأت رأسها ببعض التفهم ، ثم ما لبثت ان تقول:
– تمام يا فايز هما الاتنين عيالك، بس انا دلوك عايزاك تساعدني اعتر في اللي عارف الحجيجة ورا جتلهم.
اشتدت تعابيره فجأة، وتجلى تصميم جدي في بؤبؤ عينيه، ليجيب بعزم:
– مين هو ده؟ دليني عليه.
زفرت تطرد انفاس محبوسة بصدرها، قبل ان تجيبه؛
– انا هحكيلك دلوك واجولك، وانت اكيد من المواصفات جادر تعرف مين هو الشخص اللي انا بدور عليه
❈-❈-❈
سألها بتجهم وعينيه تطالع الرقم الذي امامه في الشاشة:
– انتي متأكدة انه هو دا الرقم يا بت؟ ولا دي لعبة منك هقطع رجبتك لو طلع مش هو؟
سارعت نفيسة بالتبرير على الفور:
– وربنا هو اللي بعتته فتنة، اعمل ايه تاني يا بيه؟
حدجها بوعيد رافعًا حاجبيه بشر معقبًا:
– ماشي يا نفيسة، وانا مش هكدبك دلوك، وعشان تعرفي مكافأة الشاطر عندي:
قطع، ليخرج من جيب سترته مجموعة من الأوراق المالية، يلقيهم نحوها على سطح المكتب، تلقفتهم سريعًا تضعهم في جب عبائتها في الأعلى بطريقة سافرة أثارت اشمئزازه، ليكمل بتحذير:
– انتي دلوك خدتي مكافأة الشاطر ، لسة مجربتيش جزاة الخاين ولا الكداب عندي .
ابتعلت ريقها بهلع من هيئتها ليردف امرًا:
– ياللا بجى جومي، وريني عرض اكتافك جومي.
بصحته الأخيرة انتفضت تركض من امامه مغادرة على الفور، ليعود هو الى الشاشة المدون بها الرقم الجديد يضغط الأتصال، انتظر قليلًا حتى وصله صوتها:
– الووو……. مين معايا
ظل صامتًا وقلبه يضخ النبضات بتسارع ، حتى انفاسه
أصبح لها صوت
– مين معايا بجول…..
هتفت بالاَخيرة ثم اغلقت بوجهه، فتبسم هو باتساع مغمغمًا:
– ومالوا……. لسا الأيام ما بينا!
❈-❈-❈
وفي الجهة الأخرى:
لا تدري ما الذي أصابها عقب اغلاقها المكالمة الغريبة ، شعور داخلها غير مريح، وصوت الأنفاس التي وصلت اليها عبر الهاتف، تبدوا وكأنها لشخص تعرفه، شخص….
– دا مين اللي كان بيتصل؟
هتف بها عارف يسألها وهو يجفف على شعر رأسه بالمنشفة عقب خروجه من المرحاض:
حينما لم تجب رفع رأسه اليها يعيد سؤاله:
– روح انا بكلمك روحتي فين؟ هو انتي سرحانة؟
انتبهت اليه لتنفي باضطراب:
– لا…. لا……. هو انت مسافر؟
انزوى ما بين حاجبيه مستغربًا تغيرها لدفة الحديث، ثم تحرك نحو المراَة ليجيبها وهو يمشط على شعر رأسه:
– ما انا جولتلك من ساعة ما رجعت من شغلي لازم اروح اطمن ع الراجل مع عيال عمك، بعد اخوكي ما سبجنا ليه.
– ما هو كان لازم يسبجكم، مكنش هيجدر يستنى اصلا بعد ما عرف بفوجته، ربنا يتم شفاه على خير.
– امين.
ردد بها من خلفها ، وعينيه لا تحيد عن مراقبة انعكاس وجهها في المراَة امامه، ليعود بنفس السؤال الاول:
– لكنك مجاوبتيش، مين اللي كان بيتصل بيكي من شوية؟
تطلعت لظهره المقابل لها بابتسامة متلاعبة تشاكسه:
– تاني بتعيد وعايز تعرف بكلم مين؟، لتكون بتغير عليا يا عارف.
القى الفرشاة من يده ليلتف بكليته امامها، مضيقًا عينيه، سائلًا بمكر:
– وانتي بجى عايزاني اغير ولا مغيرش، أو نخليها بصيغة أخرى شايفة نفسك تستحجي ان يتغار عليكي ولا لا؟
– والله كلك نظر
قالتها وازداد اتساع ابتسامتها، فنزلت بأقدامها عن التخت، ثم تحركت لتقترب حتى وقفت امامه متخصرة بزهو:
– بس دا ميمعنش اني واثقة ف نفسي، وعارفة اني مفيش مني اتنين.
– وه وه
تمتم بها وارتفعت كفه يضرب على خدها بخفة:
– شوفتي نفسك واتشجلبتي جوي من ساعة ما بجيتي سيدة مجتمع بخدودك دي طلعت من الحمل.
ضحكت بصوت رقيع جعله يضغط على شفته، بضحكة مستترة أشرقت بوجهه وهو يدفعها عنه بخفه، بعدما ارتخت يداه عنها، وتأثرت كل خلية بجسده لميوعتها الجديدة عليه،
– انا كدة مش هعرف اسافر، بعدي عني يا بت، بعدي.
وكان ردها الضحك بصوت اعلى ليزمجر بغيظ:
– لمي نفسك يا روح انا على أخري
❈-❈-❈
عودة الى القاهرة
والى تلك الحزينة التي كانت بحال يرثى لها، ظهرها ملتصق بحائط غرفته، تقضم اظافرها بأسنانها وعينيها لا تفارق الباب، تغمغم بأسى يقتلها:
– معرفنيش، كل الحكاوي اللي حكتيهاله، ولا الوقت اللي قضيته معاه، نسيه الخاين، قال وانا اللي قلبي كان بيرقص من الفرحة لفوقته ، وقولت خلاص يا بت يا مشمش الدنيا هتضحكلك…… الله يسامحك يا بسيوني، خايفة ادعي عليك وبعدها تبقى من نصيبي والبس انا….. اااه يا ميلة بختك يا مشمش، مطلعش رومانسي زي اللي شوفتيه في الفيلم….
– انتي بتكلمي نفسك يا مشمش، ربنا يشفيكي.
علقت بها احدى زميلاتها وهي تمر امامها لتتمتم هي ردا لها:
– وانتي يشفي الكلاب ويضرك يا بعيدة،…… ايه هو ده؟ هو انا هلاقيها منك ولا منه دا كمان.
– عادت تقضم اضافرها وغيظ يفتك بها:
– ماشي يا بسيوني، يعني انت عرفتهم كلهم حتى قريبك اللي جاي من الصعيد، وانا الغلبانة المرزوعة تحت رجلك وحكيالك كل اسراري لا، تمام اوي ، وديني ما هفوتهالك دي.
❈-❈-❈
وفي الداخل
كان اللقاء بين غازي الذي اتي على وجه السرعة، ليطمئن بنفسه عليه، ويتأكد من صدق رواية استفاقة بسيوني الذي كان يطالعه بامتنان في هذا الوقت:
– انا بلغني من ورد كل اللي عملته عشاني، ربنا يبارك فيك ويجازيك كل خير……
– بس يا واد متجولش كدة..
هتف بها غازي مقاطعًا له، ليردف بحمية ليست غريبة عنه:
– الكلام ده ينجال للغريب مش ليا، انت من اهلي حتى لو مكانش بالدم. انتي مش اي حد عندي يا بسيوني.
لم يخفي الاخير فرحته، بهذه المعزة التي يكنها رئيسه الغالي له، حتى عبر بفخر له:
– وانا ليا الشرف يا غازي بيه، اني انول الصفة دي عندك ، روحي فداك .
عقب غازي:
– سلامة روحك يا حبيبي من كل شر، انت جوم على حيلك بس الاول، وبعدها افدي على كيفك.
قال الأخيرة بطرافة اضحكت الاخر، قبل يجفله بقوله:
– الله صحيح البت ورد بتبات فين؟ اكيد انت دبرتها هي دي كمان، بس يا ترى جعدتها عند مين من جرايبك؟
تجمد غازي، وانسحبت الدماء من وجهه بحرج يخنقه، بعدما شدد عليه صديقه الغبي، بعدم اخباره بالحقيقة الاَن، حتى يخبره هو بنفسه
– انت شاغل نفسك ليه دلوك بيبات البت ولا جعادها جمك، خليك في صحتك وشد حيلك ، عايزينك تجوم وتهد الدنيا ع اللي عملها فيك ورقدك كدة.
سمع منه واشتدت ملامحه، ليردف بعزم:
– اكيد طبعا، انا لا يمكن اسبب ججي من ولاد ال……
– خلاص يا بسيوني متتعبش نفسك في التفكير، شيل اي حاجة ممكن تتعبك، الدكتور منبه جوي على راحتك، والحكومة عشان كدة مأجلة التحجيج معاك
قالها غازي ف محاولة لإلهائه عما انتوى، ولكن الاخر فاجئه:
– تمام انا مش هعصر في مخي واحاول افتكر احداث، لأني فعلا بتعب، خصوصا الصورة الأخيرة اللي وجعت عيني عليها جبل ما اغمضها واروح في غيبوبة، لكنها خلتني اعرف مين هو السبب الاساسي في كل اللي حاصل.
تحفز غازي، ليقترب سائلًا له بلهفة، انسته تعليمات الطبيب:
– هو انت شوفت اللي حاول يجتلك؟ جولي هو مين؟ خليني اعرف حالا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى