رواية ندوب الهوى الفصل العاشر 10 بقلم ندا حسن
رواية ندوب الهوى الجزء العاشر
رواية ندوب الهوى البارت العاشر
رواية ندوب الهوى الحلقة العاشرة
“السعادة!.. دعونا لا نتحدث عن السعادة،
ما دام لم ننعم بأحضان من نحب”
دق منبه الهاتف في الساعة الثانية والنصف صباحًا قبل صلاة الفجر، فتح “جاد” عينيه بصعوبة على صوته أخذًا نفسٍ عميق وزفره بضيق، مد يده إلى الكومود المجاور للفراش وأمسك بالهاتف ثم أغلق المنبه..
وضع كف يده على فمه وهو يتثاءب ثم فتح الهاتف أمام عينيه النصف مغلقة ومازال ممددًا على ظهره فوق الفراش..
وضع الهاتف على أذنه ليستمع إلى صوت الجرس الذي يدق في أذنه ثم إلى صوت “سمير” الناعس الذي أتى بضيق واضح:
-في ايه على الصبح يا جدع
أردف “جاد” بهدوء شديد وهو يُجيبه:
-قوم ياض هنصلي الفجر
فتح “سمير” عينيه على الطرف الآخر مندهشًا من رده البارد عليه ليقول بغيظ وحدة:
-أنتَ بتستهبل يا جاد!.. أنا من امتى وأنا بصلي معاك الفجر وبعدين حتى لو بصليه معاك لسه بدري ياعم عايز ايه
جلس “جاد” على الفراش واعتدل في جلسته وتحدث قائلًا بنبرة رجولية جادة:
-هتصليه معايا من يوم ورايح يا روح جاد.. يلا قوم ياض
رفع حاجبيه بغيظ ثم صاح عبر الهاتف بصوتٍ عالٍ:
-بقى كده!.. طب مش قايم يا ابن أبو الدهب ويلا بالسلامة عايز اتخمد
زفر بضيق وهو يهتف قائلًا:
-ما تقوم ياض وتخلي عندك دم
تأفأف “سمير” وأجابه وهو يعتدل على جانبه الأيمن:
-ياعم أنا معنديش دم أنتَ مالك
ابتسم الآخر وتحدث بسخرية وتهكم واضح:
-كنت عارف إنك عايش بمايه بس كنت بكدب نفسي
صاح “سمير” بجدية ونفاذ صبر ليبتعد عنه ويتركه لينام قليلًا:
-طيب يا سيدي واديك اتأكدت سيبني في حالي بقى
-عايزاك ياض
صرخ “سمير” مرة أخرى وهو يريد النوم حقًا ولو رأى “جاد” الآن لقتله بين يديه:
-وأنا مش عايزك بالسلامة بقى
أبعد “جاد” الهاتف عن أذنه سريعًا بعد أن استمع إلى صوته العالي الذي ازعجه ثم وضعه مرة أخرى بعد أن وجده سيغلق الهاتف وترجاه قائلًا بنبرة حانية يعلم أنها ستأتي بنتيجة جيدة معه:
-متبقاش رزل بقى قوم عايزك في خدمة صغيرة وبعدين نصلي سوا
سأله مستنكرًا الوقت الذي يريده فيه بعيدًا عن الصلاة بجدية عندما استمع إلى نبرة صوته:
-دلوقتي؟..
أومأ إليه مؤكدًا حديثه بجدية:
-آه.. يلا بسرعة هستناك تحت
أغلق “سمير” في وجهه بعد أن تأفأف عدة مرات لاعنًا معرفته به ليبتسم “جاد” بسخرية عليه ثم وقف على قدميه ليخرج من الغرفة متوجهًا إلى المرحاض…
❈-❈-❈
استيقظ الجميع في صباح اليوم التالي على خبر تحطيم أحد محلات الهواتف والالكترونيات الخاص بـ “مسعد الشباط” والذي كان في الحارة..
عندما ذهب العامل به في الصباح ليقوم بفتحه وجد الأطفال منهم من تشجع ودلف إليه ومنهم من وقف في الخارج ينظر إلى ما حدث داخله..
وكان هناك بعض النساء التي وقفت تتهامس في ركن بعيد نسبيًا عنه، تقدم سريعًا وهو لا يدري ما الذي حدث ليرى الصدمة أمامه والذي ألزمته الصمت..
زجاج المحل الأمامي مُحطم بالكامل مما سهل دخول هذه الأطفال إليه، الكاميرا الموضوعة أعلى الباب محطمة، والنظرة الشاملة له أنه ليس به ما بقي على وضعه..
تقدم إلى الداخل فذهبت الأطفال ركضًا إلى الخارج ومنهم من أخذ بيده علبة من الهواتف الذكية واثنين أيضًا..
وجد الكومبيوتر ملقى على الأرضية محطم وحاسوب “مسعد” الخاص مثله تمامًا، بينما الهواتف جميعها على الأرضية وربما القليل منها فقط هو الذي سيعمل فمؤكد أن ما حدث لها لن يجعلها تصلح مرة أخرى، وقطع غيار الهواتف جميعها حدث بها مثل الآخرين وأكثر، مكتب “مسعد” ليس عليه أي شيء ومقعده محطم والرفوف الخشبية الذي كانت مثبتة في الحائط على الأرضية مُهشمة؟..
تُرى ما الذي حدث؟ ما الذي حل عليهم ليحدث هكذا، بعد ما رآه لم يحرك أي شيء من مكانه وظل واقفًا ينظر فقط إلى أن أتى “مسعد” بعد أن أخبره بما حدث..
وزع “مسعد” نظرة على كل انش في المكان ورأى كل شيء محطم لا يصلح.. وهنا قليل من القلة فقط هم الذي ربما يستفيد منهم..
احمرت عينيه الخصراء بغضب حارق عندما شاهد ما حدث، صار صدره يعلو وينخفض بسرعة على أثر هذا المشهد الكريه ولكنه لن يجعله يمر مرور الكرام لأنه يعلم تمام العلم من الفاعل ولكن صبرًا، لن يردها الآن ولن يفعل أي شيء، الأيام قادمة والكثير منها ستكون حزن وتعاسة عليهم، فقط صبرًا..
أمام الجميع احتسبها سرقة وقال أن هناك أشياء مفقودة ومبلغ ليس صغير من المال وقدم بلاغ على أنه سرقة وأنه لا يعلم من الفاعل ثم بعد انتهاء الشرطة من التحقيق في المكان أخذ يحاول أن يعيده كما كان في السابق وداخله يتوعد للفاعل بحرقة قلبه وجعله يتمنى الموت ولا يناله..
ابتسمت “هدير” بتشفي وراحة غريبة سارت بجسدها بعد أن استمعت إلى الذي حدث لـ “مسعد”:
-رغم اني مش بشمت في حد لكن شمتانه فيه وفرحانه قد الدنيا كلها
أكدت والدتها حديثها وهي ترفع يدها أمام وجهها متمته بالدعاء عليه بحرقة:
-منه لله ربنا ينتقم منه قادر يا كريم
أومأت إليها هي الأخرى لترفع يدها مثل والدتها بجدية هاتفه بقوة وحزم:
-يارب… واشوفه بيتسلخ قدام أهل الحارة كلهم
ابتسمت “مريم” بخفة ثم زالت ابتسامتها وهي تجلس جوار شقيقتها على الأريكة قائلة بهدوء:
-على فكرة بقى مسعد ده ولا حاجه هو بس اللي فارد درعاته وعمل فيها بلطجي علشان لقي الناس بتسكتله
تنهدت “هدير” بضيق وهي تتذكر شقيقها “جمال” وكيف يسير خلفه ويساعده ملقيًا بنفسه في التهلكة، أكملت حديث شقيقتها الصغرى:
-وعلشان لقي اللي يساعده كمان
أردفت والدتهم بجدية وهي تلوي شفتيها بضجر:
-عمل نفسه محكمة في الأرض نسي إن محكمة ربنا أقوى من أي حاجه
صاحت “هدير” بعد حديث والدتها بحرقة داخل قلبها لما كاد يفعله بها لولا تدخل “جاد” في آخر لحظة:
-دا ربنا يشويه في نار جهنم ويجازيه على عمايله الو***
ربتت “مريم” على فخذها بيدها وأردفت بهدوء لتجعل شقيقتها تهدأ قليلًا:
-متقلقيش هيتشوي في الدنيا وفي الآخرة ربنا مش بينسى حد مش ده كلامك
أومأت إليها بتأكيد على حديثها فالله لا يغفل عن أحد ويرد للمظلوم حقه ولو بعد حين وينال الظالم جزاءه في جميع الأحوال:
-أيوه ربنا مش بينسى أبدًا «وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّكِ ولو بعد حينٍ»
ثم أكملت مُبتسمة بسعادة واضحة:
-بس أنا بردو فرحانه أوي نفسي أشوف شكله عامل إزاي دلوقتي
لوت “مريم” شفتيها بضجر وهي تتذكر مظهره عندما رأته يجلس أمام المحل ويضع قدم فوق الأخرى بعنجهية وغرور:
-ولا حاجه وعامل نفسه مش هامه… شوفته وأنا راجعه من الكلية
ابتسمت “هدير” بتشفي واضح به وهي ترجع خصلات شعرها السوداء المائلة للبنيه إلى الخلف:
-لأ مهما بين أنه مش هامه بردو أكيد خسر كتير، دا أنا لو عرفت مين عمل كده والله هشكره وأقوله تسلم ايدك يا كبير
-يستاهل والله الشماته دي
وقفت “هدير” على قدميها متوجهة للمرحاض تهتف بجدية:
-أنا هقوم أصلي العصر وادعي عليه كمان… ربنا ياخده بقى المرة دي
انتقلت والدتها في مكانها لتتطلع على التلفاز وقالت ما قررت فعله لها لتجهز كل شيء في معاده:
-عايزين بكرة ولا بعده نروح البنك نجيب القرشين اللي فيه وننزل نجبلك شوية هدوم بيتي على خروج
استنكرت حديثها وظنت أنه مبكر لفعل ذلك فكل شيء موجود في جهازها سوى الملابس ولن يأخذ الأمر كثيرًا من وجهة نظرها:
-لسه بدري يا ماما
ابتسمت الأخرى بسعادة وهي تنظر إليها قائلة بجدية وحب ظاهر في حديثها البسيط عن زواجها:
-بدري من عمرك يا حبيبتي الحج رشوان هيجي آخر الأسبوع ده يتفق على معاد الفرح ومعاد العزال يعني كلها تلت أسابيع والعزال يطلع مش عايزين نتأخر في حاجه وكله يبقى جاهز
أومأت إليها بابتسامة رضا واسعة وهي تراها تهتم لأمرها أكثر من أي شخص آخر في المنزل، تعلم أنها تريد أن تراها أسعد شخص على وجه الأرض ولكن دائمًا ما باليد حيلة.. ذهبت متوجهة إلى المرحاض وهي تحمد الله على النعم الكثيرة الموجودة في حياتها..
❈-❈-❈
مر ذلك الشهر سريعًا دون أن يشعر به أحد، مع حدوث تغيرات كثيرة للجميع أكثرها تأخذهم لمقر الفرحة العارمة..
الأولى “هدير” مرت عليها هذه الفترة بين المذاكرة والكلية و “جاد” فقط الذي أتى لها باسم جديد غير اسمها لا يناديها إلا به “وَحش”!، تحدثت معه كثيرًا أو أكثر من الكثير أيضًا بعد أن كانت لا تريده بسبب ذلك التشتُت الغريب الذي حل عليها، رأت أنه لا يوجد بحياته غيرها!..
في هذه الفترة وجدته يهتم بها كثيرًا يحادثها في الصباح والمساء، يطمئن عليها بين الحين والآخر، يريد رؤيتها كل يوم ليكمل يومه وهو في سعادة وهدوء، وجدته فكاهي ومرح أيضًا معها، كثير الضحك وتوزيع الابتسامات تشعر أن كل ذلك فقط لأجلها، لا يريد إلا راحتها ويسعى لرؤية الابتسامة دائمًا على وجهها ليشعر هو بالراحة بعد ذلك..
يتصنع الانزعاج منها في بعض الأحيان ليستمع إلى حديثها اللين الذي تراضيه به، ويريد أن يشعر قلبها بالحب والسعادة..
لقد زال عنها التشتُت بعد أن أقتربت منه، هي التي كانت تقول داخلها أنه ربما تقدم لها لأجل والده أو أشفق عليها بسبب ما فعله “مسعد” أمام الجميع، ولكن مع مرور الوقت والتقرب منه وجدته ذلك الرجل الشهم والصالح البار بوالديه، وجدت به كثيرًا من الأشياء التي لم تكن تعرفها عنه وعلمت أنه “جاد الله” عن حق اسم على مسمى..
وجدت به كل ما كانت تتمنى أن تحصل عليه في رجل أحبته وتمنته من كل قلبها، بعد أن نالته وعلمت أنه لم يكن آتيا إليها بالقوة ظلت تحمد الله في صلاتها بدلًا من دعائها أن يكن من نصيبها..
لقد شكرت الله كثيرًا بعد أن وضحت لها الرؤية وشاهدت غيرته عليها، ورأت نظرة الحب في عينيه يكاد يراها الأعمى ولكن مع ذلك لم يتحدث بعد ولم يعترف بشيء إليها سوى بعض التلميحات السخيفة منه، مع كل هذا الحديث الرائع ولكن تتوق لسماع كلمة واحدة من بين شفتيه تجعلها تنسى على ما مضى ولا تتذكر سوى لحظة أن تحركت شفتيه بنطقها، ولكن متى يا مُعذب الفؤاد، متى!..
بينما هو!.. هل تحدث عن الفرحة من قبل؟. الآن فقط يشعر بالفرحة العارمة والسعادة المفرطة، من الأساس هو كل يوم معها يشعر بفرحة جديدة لم تمر عليه من قبل..
سعادته بوجودها معه أمام الجميع هكذا لا تقدر بثمن، فرحته بكونها زوجته لا يستطيع أن يوصف كيف هي..
وهذا الشهر الذي قربها منه كثيرًا وكثيرًا أصبح يدين له، بل صاحب فكرة عقد القرآن لأنه من جعلهم يتحدثون دون أن يضعوا حدود بينهم وكانت الأحاديث بينهم واسعة المدى..
يقتربون من بعضهم دون الشعور بذلك من الأساس، الآن أصبح يستطيع القول أنها زوجته حقًا.. بعد أن علم كل شيء عنها وتقرب إليها بالمعروف والود الجميل بينهم، بعد أن رأى حنانها وحبها الدائم الذي توزعه على الجميع دون استثناء، وتلك الرقة وذلك الدلال التي تتمتع بهم، رأى أيضًا شراستها المتخفية خلف عينين عسليتين يحملون البراءة المفرطة..
لا يدري كيف أحبها هكذا؟.. منذ أربع أعوام وهو واقع بعشقها ولا يستطيع الحديث، لم يكن يستطيع أن يتحدث بشيء كهذا إلا عندما يرتب أموره ويكن قادر على فتح بيت لها وله..
يحبها فوق الحب حبًا، قلبه يخفق بعنف عندما يراها، عينيه لا تستطيع النظر لشيء آخر غيرها، قبل ذلك كان كلما نظر إليها يظل يتمتم بالاستغفار لما فعلته عينيه..
يغار عليها بشدة، تكاد غيرته تحرق الأخضر واليابس ولكنه بطبعه هادئ ولا يحب العصبية المفرطة، شخصيته تحتم عليه الهدوء وعقله الرزين يدعوه لذلك..
لا يستطيع القول سوى أنه يشعر بالسعادة الخالصة لكونه حصل عليها برضا والده واستجابة الله له فقد أخذ كل صلاته دعاء بأن تكون زوجته الصالحة في الدنيا والآخرة..
❈-❈-❈
جلست على الأريكة في غرفتها ووضعت الهاتف على أذنها بعد أن أجابت عليه:
-ألو.. أيوه يا جاد
أردف على الناحية الأخرى بصوت مُشتاق يحمل إليها اشتياقه داخل بعض الكلمات المعاتبه الحنونة:
-أهلًا بالوَحش.. وحشتيني ينفع كده تلت أيام يعدوا مشوفش طيفك حتى
وقفت على قدميها وذهبت إلى باب الغرفة أغلقته من الداخل ثم أجابته بجدية وهي عائدة تجلس على الفراش ولكن الابتسامة على شفتيها تتسع بعد استماع كلماته المغازلة:
-العادات يا بشمهندس جاد ولا نسيت
هذه العادات التي منعته عن رؤيتها ورؤية عينيها التي تسحره، أجابها بجدية وفرحة تختفي داخل كلماته:
-لأ منستش خلاص هانت كلها النهاردة.. لأ النهاردة ايه كلها ساعات الليل وبكرة ليلة العمر وتفضل قصاد عيني يا وَحش
استشعرت فرحته التي ربما تكون أكثر منها بكثير فسألته وهي تستند بظهرها إلى ظهر الفراش:
-أنتَ فرحان يا جاد؟
ابتسم متمتمًا كلمتها بتعجب وتساءل مثلها ثم هتف بمكنون قلبه عن الفرحة التي وقعت عليه:
-فرحان!. دي كلمة قليلة أوي على اللي أنا حاسس بيه
شعرت بما يقوله وشعرت بمدى فرحته أكثر من مرة ولكن ولا مرة منهم علمت ما السبب الحقيقي خلفها، سألته مرة أخرى باستغراب:
-للدرجة دي؟
ابتسم بسخرية وهو يهز رأسه بتهكم عليها فحديثها بالنسبة له يمثل عدم معرفتها بأي شيء حتى حبه لها:
-وأكتر كمان… أنتِ أصلك مش فاهمه حاجه
أردفت باستغراب وتعجب شديد من حديثه الذي يعتبر يتجه إلى ناحية ألغاز سخيفة يفعلها دائمًا:
-الله!.. طب ما تفهمني
هتف بلا مبالاة وهو يشعر أن الآن ليس الوقت المناسب للاعتراف لها بكل ما كان يشعر به:
-بعدين كل شيء بأوانه
تنهدت بضيق وانزعاج منه لأنه دائمًا يخفي هذه النقطة بالتحديد عنها، لم يتحدث إلى الآن وكلما أقترب معها إلى هذا الطريق الذي يحتم عليه الاعتراف يغير مساره إلى طريق آخر أسهل في السير الصامت، تمددت على الفراش ثم سألته على منزل الزوجية بعد أن تذكرت أنه تم فرشه بعد ذهاب أشياء العروس:
-صحيح الشقة حلوة والعفش باين فيها وحلو ولا لأ
ابتسم بعد أن تذكر عش الزوجية الخاص بهم والذي سيجمعهم غدًا سويًا، أردف بحبٍ مادحًا اختياراتها:
-العفش شكله حلو واستايل هو أنتِ بتنقي حاجه وحشه بس لون اوضه الأطفال مكنتش عايزه أبيض قولتلك لون تاني بس أنتِ دماغك ناشفه
صاحت بحدة فحديثه دائمًا عن أثاث المنزل يجعلها تود أن تخنق نفسها من اختياراته الغبية:
-لا يا شيخ يعني عفش الشقة كله لونه بني داخل غامق وعايز كمان اوضه الأطفال غامقة دا ايه الدماغ دي
هتف بسخرية وهو يضحك بسبب تحولها وهو الذي كان يود أن يضايقها لتقع بفخه سريعًا:
-مكنتش غامقة كانت رصاصي
فعلت مثله وأردفت بسخرية وضجر واضح:
-جاد ممكن تسكت دا على أساس يعني أن الرصاصي ايه
أومأ برأسه وأخذ الهاتف إلى الناحية الأخرى ثم هتف بمرح وهو يعبث معها:
-ياستي ماشي.. بس ايه كل الحاجات الحلوة اللي في الدولاب دي مكنتش أعرف أن ذوقك جامد كده
لم تفهم عن ماذا يتحدث فسألته عاقدة بين حاجبيها باستغراب:
-حاجات ايه؟
ضحك بشدة حتى أنها استغربت ضحكاته فأجابها بخبث وهو يغمز بعينيه وكأنها تراه:
-يا وَحش الحاجات الهشك بشك
صاحت به مرة أخرى بانزعاج لرؤيته أشيائها ولأنه نقض الاتفاق الذي كان بينهم:
-آه يا قليل الأدب… أنتَ مين قالك تطلع الشقة وتشوف اللي فيها أصلًا مش اتفقنا نتفرج عليها ركن ركن سوا
وقف على قدميه وابتسم بسعادة بعد أن استمع صوتها المنزعج ثم أخذ يسير في الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يتحدث بجدية:
-بصراحة مقدرتش أقاوم وبعدين متستعجليش هخليكي تشوفي ركن ركن زي ما قولتي
زفرت بهدوء وابتسمت مرة أخرى والسعادة ترفرف داخلها بكونها ستذهب لمنزله غدًا!.. أتصدق ذلك؟..
-النهاردة تعبت أوي في الحنه أنا ما صدقت أنها خلصت
زفر وهو يتذكر الذي فعلوه هو وأصدقائه في الشارع لتوديع عذوبيته:
-ومين سمعك أنا اتهديت مش تعبت… الشارع كله كان مسدود من اللي فيه وصحابي مخلوش فيا نفس من كتر الرقص
ضحكت عليه واستشعرت ضيقه من ذلك فهو لا يحب الرقص المفرط هذا على عكس ابن عمه:
-كنت سامعه كل حاجه.. كويس إني عملتها هنا على الضيق مش عارفه كنت هعمل أي بجد
أردف مُبتسمًا باتساع:
-المهم أننا فرحنا واللي حوالينا فرحوا
-عندك حق
قالت والابتسامة مازالت على وجهها وهي تتذكر وقفة “سمير” الجادة معه وكأنه زفافه هو:
-على فكرة سمير تعب معاك أوي.. ولا كأن هو اللي بيتجوز
سخر منها وكأنها لا تعلم أنهم أخوه وأكثر قائلًا بمزاح:
-لو متعبش ليا يعني هيتعب لمين الواد ده
-يا ساتر عليك.. كلمة شكر للراجل حتى، تصدق لما أقابله هقوله
للحظة شعر بالغيرة لكونه تخيل أنها تتحدث معه بأريحية رغم أنه يعلم أنها لا تفعلها ولكن شعور الغيرة منذ أن أصبحت زوجته يزداد داخله دون دراية منه:
-وهتقوليله ايه إن شاء الله
رفعت إحدى حاجبيها وتحدث وهي تلوي شفتيها بسخرية:
-هقوله إني بشكر فيك وبقول قد ايه أنك تعبت علشانا وقد ايه أنتَ شخص كويس وفي المقابل الاسطى جاد مش عاجبه
جلس على الفراش وأخذ الهاتف للناحية الأخرى من جديد وأردف بنبرة رجولية جادة ليس مثل السابق:
-هو أنتِ وقفتي مع سمير قبل كده؟
شعرت بتغير نبرته للجدية التامة فأجابته بجدية هي الأخرى وهي تعتدل في جلستها على الفراش:
-لأ أبدًا هو بس لما بيشوفني في الشارع أو حاجه بيسلم عليا وبيقولي لو محتاجه حاجه مش أكتر من كده… بصراحة شخص ذوق يعني
-تمام
استغربت تغيره المفاجئ دون داعي فقط من بضع كلمات عن ابن عمه ولا تعني أي شيء، أنه يغير عليها غيرة مفرطة ولكن ليس لهذه الدرجة:
-مالك في ايه
نفى وجود شيء ما به ثم غير الحديث سريعًا إلى شيء آخر وهو يسألها بجدية:
-مفيش حاجه… أنتِ هتروحي الكوافير بكرة من امتى
-الساعة اتنين
وقف على قدميه ثم هتف بجدية:
-طيب يلا تصبحي على خير.. أنا تعبان ومحتاج ارتاح شويه
نادته بلين ورقة عبر الهاتف:
-جاد
-نعم
تحدثت بجدية تتغلغل بها مشاعرها المفرطة تجاهه وودت أن تقول هذه الكلمات حتى تبعد عنه انزعاجه الذي أخذه منها في لحظة خاطفة:
-على فكرة أنا مش شايفه حد غيرك!..
ابتسم بهدوء شاعرًا بحبها الشديد له، قابلها بنفس الكلمات اللينه والشوق يزداد داخله:
-وأنا مش شايف حد غيرك، تصبحي على خير
-وأنتَ من أهلي يا جاد
أغلق الهاتف واستدار ليجد صورته منعكسه بالمرآة، فنظر إليه بجدية، غدًا ستصبح زوجته، سينتقل معها إلى عش الزوجية ويقص عليها كل ما أخفاه عنها، ستكون حياتهم سويًا تُبنى على طاعة الله هذا ما قرره داخله..
يعلم أن أفكاره مشوشه ولا يستطيع التفكير في شيء واحد فقط بل ينزحم عقله ويدلف باشياء أخرى ولكن هناك شيء واحد الذي يهمه..
وهو التقليل من الغيرة الغبية التي تجعله ينزعج من أقل الأشياء حتى وإن كانت تافهة..
نظرت إلى سقف الغرفة بعد أن أغلقت الهاتف والأفكار تتزاحم داخل عقلها بكثرة عن كثير من المخاوف القادمة وبدايتها غدًا..
توتر تشعر به أي فتاة في مثل ذلك الموقف، رجل ستتحمل مسؤوليته وتكون هي عمود المنزل الجديد الذي ستذهب إليه وغير ذلك كثير داخلها كلما فكرت به شعرت بصداع شديد..
اليوم قررت التخلي عن هذا الصداع ووقفت على قدميها لتأخذ كتاب القرآن الكريم من على الكومود وجلست على الأريكة معتدلة لتقرأ به قليلًا وليكن خير فاتح لحياتها القادمة متناسية أي شيء وأي تفكير آخر..
❈-❈-❈
منذ صباح اليوم التالي والجميع يعمل على قدم وساق، فاليوم زفاف “جاد” و “هدير”..
هي ذهبت في الساعة الثانية ظهرًا مع شقيقتها وصديقتها إلى صالون التجميل لتخرج منه العروس التي رسمتها داخل مخيلتها كثيرًا..
بينما هو استيقظ الساعة الواحدة ظهرًا بعد أن هبط إليه “سمير” ليجهز أشيائه ويكون على أتم الاستعداد لهذا اليوم..
هبط والد “سمير” ووالدته إلى شقة “جاد” ليجلسون بها مع جميع الأقارب الذين انتوا إليهم ليكونوا من حاضرين الزفاف وصعد “جاد” إلى شقة عمه ليتجهز فيها ويذهب إلى عروسه..
ومثل العادات المعروفة في الأماكن الشعبية أتى إليه الحلاق بكامل أدوات الحلاقة وأدوات التجميل الرجالية والتي لم يكن يحتاج إليها “جاد” من الأساس فوسامته الطبيعية تكفي..
بدأ الحلاق بعمله حيث أنه بطلب من “جاد” خف خصلات شعره قليلًا للغاية وكأنه لم يفعل به شيء من الأساس فقط جعله يتساوى مع بعضه، ثم بدأ بحلاقة ذقنه ومثل ما فعله بخصلات شعره فعله بذقته فهو يحب مظهرها وهي نامية ليست ناعمة وليست تعج بالشعيرات الكثيفة التي تجعل مظهره بشع كما يرى..
ومازال وضع شاربه كما هو فلا يحب أن يأتي ناحيته بالنسبة إليه هذا أهم شيء بوجهه، شاربه الذي يميل لونه إلى البني..
أخذ كثير من الوقت وهو يفعل له كثير من الأشياء ليبدو مظهره في النهاية يسحر من يراه..
ذهب إلى المرحاض بعد ذلك ليستحم ويخرج ليستعد للذهاب إلى عروسه..
فعل ذلك حقًا، خرج من المرحاض وهو يرتدي ملابسه الداخلية ودلف إلى غرفة “سمير” وحده ليكمل ارتداء ملابسه، كانت البدلة عبارة عن بنطال أسود اللون يعلوه قميص أبيض بأزرار سوداء ارتداهم وأخذ بيده حزام البطال وجاكت البدلة ذو اللون الأسود وذهب إليهم مرة أخرى ليكمل آخر اللمسات ويذهب أخيرًا..
أنهى الحلاق تصفيف خصلات شعره ووضع الرائحة العطرية له ثم أكمل ارتداء ملابسه واضعًا الحزام في خصره على البنطال، وارتدى الجاكت الأسود لتكتمل الهيئة وتُضع آخر لمسات اللوحة الفنية..
لقد ظهر غاية في الوسامة والأناقة بطوله الفارع وجسده الرياضي الذي يظهره وكأنه من أحد ممثلي التلفاز، كان يظهر وكأنه الرجل الوحيد الذي يحمل كل هذه الوسامة بعينيه الرمادية ذات اللمعة الغريبة، ونظرته الساحرة، خصلاته السوداء التي تمتزج بالبنية، أنفه الحاد وشاربه الذي يخفي معظم شفتيه بلحيته النامية وتفاحة آدم البارزة بعنقه تجعله رجل لا يقاوم…
خرج جاد من المنزل بعد أن انتهى من السلامات الكثيرة والمباركات الأكثر من الأهل القابعين داخل شقتهم مع والدته وزوجة عمه، ثم أطلقوا عليه كم هائل من الزغاريد التي ازعجته وجعلته يكرمش ملامح وجهه بسبب هذا الصوت الرفيع الذي يهبط على أذنه بلا هوادة..
أخيرًا انتهى من أهل الشارع القابع به هو الآخر ثم صعد إلى السيارة صاحبة اللون الأبيض المزينة على أكمل وجه لتليق بعروس الليلة، جلس في المقعد الأمامي جوار “سمير” الذي تولى مهمة القيادة وانطلقوا بها إلى صالون التجميل المتواجدة به العروس وخلفهم سيارة سوداء يقودها “عبده” وأخرى خلفها يقودها “حمادة” وبعض الدراجات النارية التي أتوا بها أصدقاءه ليفعلوا جو حماسي وينشرون الفرحة في هذه الليلة..
وصل إلى الصالون بعد مدة، تقدم إلى الداخل وحده وهو يحمل على يده باقة من الورود لونها أبيض هادئ ومظهرها رائع، ابتسمت له إحدى العاملات وهي تفتح له الباب فتقدم إلى الداخل بينما في الخارج أخذ أصدقاءه يفعلون حركات دائرية بالدراجات النارية وصوت إنذارات السيارات والدراجات يرتفع وهم يصفقون بحرارة والابتسامة تكاد تخترق وجوههم..
تقدم إلى داخل الصالون ليقف في منتصف الصالة وخرجت إليه “مريم” مُبتسمة بسعادة وخلفها “رحمة” نظر إليهم والابتسامة على وجهه ولم يفكر في أي شيء غير أنه يريد رؤيتها!..
أشارت إليه العاملة بهدوء ليتقدم منها يسير بهدوء إلى أن وصل إلى الغرفة المتواجدة بها حبيبته، فتحت له الباب فدلف إليها والتوتر يحاول التغلب عليه ولكنه لن يتركه، وجدها تعطي ظهرها إليه وهناك من يقف أمامها يوثق اللحظة بتلك الصور الفوتوغرافية، لم يكن يظهر منها أي شيء سوى أنه يرى فستان الزفاف!..
تقدم مرة أخرى بقدمه ودقات قلبه تزداد عنفًا وقوة، بينما يده تقبض على الورود بشدة وعينيه مثبته على ظهرها هل الموقف صعب!. أو أنه لا يستطيع المواجهة؟
ابتسم وهو ينظر إليها كما طلب منه المصور ثم تقدم وتقدم وكان داخله يعد خطوات قدمه التي ستوصله إليها.. يا له من ساذج..
سار ليقف أمامها ولينظر إلى وجهها!.. وجهها الذي سلب منه عينيه، غاية في الجمال والرقة، وجهها وكأنه وجه طفلة صغيرة لا تعرف منحنيات الحياة، لم ترى خبث البشر وخداعهم، كل يوم يرى بها الجمال وكأنها أول من عرفه..
نظر إلى وجهها وعينيه تتوجه به دون كلل أو ملل، ينظر إلى عينيها العسلية التي لم تغير لونها في مثل هذه الليلة بل بقيت على وضعها الساحر يزينها كحل أسود جعلها بارزة برسمه رائعة، وذلك النمش الذي يظهر مثلما هو في وجهها يبدو أنها لم تغير أي شيء، أنه يزيدها جمالًا فوق جمالها برقته ولونه البني الهادئ..
والشيء الوحيد الذي تغير في وجهها هو لون شفتيها، لقد حملت اللون الكشميري الهادئ لتكن هذه زينتها في هذا اليوم وهذه الليلة التي لا تعوض وكانت غاية في الجمال والرقة دون أن تضع كثير من المستحضرات التجميلية التي ليس لها أي فائدة سوى أنها تعصي الله بها بحجة أن هذه ليلة العمر وعلينا أن نفرح بها قدر الإمكان..
أخفضت عينيها بخجل عنه بعدما رأت نظرة المصور لهما وهو مثلما هو لم يتحرك أو يبعد عينيه، ربما نسيٰ أين هم وأكمل النظر إليها وهو يرى حجابها الذي أظهر وجهها فقط وفستانها الرائع، فستان الزفاف، لقد كان كبير للغاية ويأخذ مكان كبير، بأكمام طويلة إلى المعصم، به كثير من اللؤلؤ اللامع من بداية صدره إلى نهاية قدميه، يهبط باتساع من الخصر يعطي مظهرًا رائع له حيث أنه من الخلف طويل..
رفعت وجهها إليه مرة أخرى وأشارت إليه بعينيها ليتحرك فكانت العاملة وقفت لتنظر إليه وهو يبحر في مظهرها بعيون براقة تظهر لها الحب وجلس المصور بعد أن أخذ الكثير من اللقطات وهو ينظر إليها منتظرًا أن ينتهي ويتحرك..
قدم إليها “جاد” باقة الورود بعد أن تنحنح بخشونة والابتسامة تغزو شفتيه بقوة وقلبه لا يستطيع التحكم بنفسه وبدقاته من كثرة الفرحة التي تجتاحه، أخذتها منه ونظرت إليهم بابتسامة هادئة ثم رفعت نظرها إليه ليميل عليها مقبلًا رأسها قبلة مطولة بحنان وحب بالغ طبعه في هذه القبلة مُتمتمًا بالمباركة بصوتٍ هادئ..
ثم وضع يدها بيده وتوجه بها إلى الخارج وأخذت “مريم” تطلق الزغاريد بصوتٍ بشع لأنها لا تدري كيف تفعلها من الأساس ولكن فعلتها لأجل شقيقتها فقط..
كان الزفاف في قاعة كبيرة وكل ما بها كان يليق بـ “جاد أبو الدهب” وعائلته، تواجد الأهل جميعًا والجيران والأصدقاء وكل من كان يعرف “جاد” و “هدير” ومن يخصهم، امتلئت القاعة بحضور كثير من الأشخاص لدرجة أنه لم يعد هناك مكان بها..
قام أصدقاءه بتقديم التهنئة له على طريقتهم الخاصة والتي كانت عبارة عن اهتزاز القاعة بمن فيها من كثرة الرقص والحركات الذي فعلوها معه..
جعلوه يرقص معهم والفرحة تتطاير من وجهه إلى وجوه الجميع وقلبه يرقص قبل منه على حلم قد تحقق غاب يحلم به لسنوات..
نظرت إليه من بعيد وهي جالسة في المكان المخصص للعروسين “الكوشة” ممتنعه عن الرقص أمام كل هؤلاء الناس كما فعلت في يوم الشبكة، أملت عينيها منه ومن وسامته التي لم تراها من قبل..
ظهر في هذه الحُلة أفضل بكثير من أي يوم آخر، لابد من هذا أليس يوم زفافه؟. وزعت نظرها على حركاته المضحكة هو وأصدقاءه وهي تبتسم، تنظر تارة إلى وجهه وعينيه الرمادية التي تمطر فرح وسعادة يظهران للأعمى، وتارة تنظر إلى جسده الرياضي الذي أحبته للغاية هو وعنفوانه المخفي..
لقد أصبح زوجها حقًا!.، إنها إلى الآن لا تصدق، لقد كان حلم بعيد يحلق في الأفق تحلم به كل يوم وتدعوا أن تتلاقى النجوم معه مقررة جمعهم سويًا ليحدث ذلك بعد عامين من الدعاء المتواصل وليكن لها نصيب به بقدرة من الله عز وجل..
❈-❈-❈
أغلق الباب خلف شقيقتها وآخر من خرج من عش الزوجية الخاص بهم بعد انتهاء ليلة العُرس الطويلة التي استمرت إلى الساعة الواحدة والنصف صباحًا ولو بقيت أكثر لكان الوضع استمر ولكن والده أنهى الليلة إلى هنا ليرتاح الجميع..
دلف إلى الداخل مرة أخرى بخطوات ثابتة واثقة، تقدم إلى داخل غرفة النوم ليراها تقف أمام المرآة بخجل شديد وربما جسدها يرتجف!.. ليس هناك داعي لكل ذلك، تنحنح بخشونة ودلف ليقف خلفها ناظرًا إليها عبر الماء ثم قال بأريحية ومرح ليبث الأمان والراحة بها:
-بصي بقى أنا واقع من الجوع، هتوكليني ولا أروح عند أمي
ابتسمت عبر المرأة ووجهها لونه يميل للأحمر وهتفت قائلة بجدية وتحدي تحاول أن تخرج من قوقعة التوتر والخوف:
-روح وأنا هاكل لوحدي
رفع أحد حاجبيه وأغمض عين واحدة ينظر إليها بتساؤل وعبث:
-إحنا فينا من كده
ضحكت بصوتٍ خافت وأردفت مُجببة إياه بجدية وحزم:
-وأبو كده
هذه المرة هتف بجدية وهدوء بعد أن وضع يده الاثنين على كتفيها بحنان وداخله يدعوه للاقتراب أكثر:
-طب بصي يا وحَش إحنا أول حاجه نعملها نصلي ركعتين.. يعني نغير ونصلي وبعدين قدامنا الليل طويل ناكل براحتنا
ابتلعت ما بحلقها ونظرت إلى عينيه عبر المرأة ثم إلى يدها التي تضغط عليها كالعادة عندما تتوتر وحركت شفتيها بحرج قائلة:
-طيب أنا.. أنا مش هعرف افك الطرحة لوحدي
تعمق في نظرته لها عندما رفعت عينيها وبكل الحب المكنون داخل قلبه لها أجاب:
-تسمحيلي انول الشرف واساعدك؟
أومأت برأسها بهدوء وخجل سيطر عليها وحاول التوتر أن يغلبها ولكنها تماسكت وابتسمت له بترحاب عندما رأته يفك طرحة فستانها ويزيل عنها الإبر المثبتة إياه، استغربت حيويته ومرحه معها وهدوءه رغم أنه تعب كثيرًا في الأيام الأخيرة بالتحضير للزفاف وانهاء كل ما لزم عش الزوجية وإلى اليوم لقد تعب كثيرًا عن حق..
أردفت وهي تساعده في فكها:
-مش هتفرجني على الشقة..
رفع عينيه الرمادية ليتقابل مع عسلية عينيها عبر المرأة وأردف مُجيبًا بحب وحنان بالغ:
-عيوني يا وَحش
-يسلموا عيونك
انتهى معها من فك الطرحة ليزيلها عنها ثم وضعها على المقعد المتواجد أمام المرآة وزال الربطة المتواجد بخصلات شعرها لينسدل على ظهرها فأمسكه بيده الاثنين وأخذ يفرده على ظهرها وعينيه لا تتحمل كل ما يراه بها من جمال وروعة..
فُتن بخصلات شعرها التي لأول مرة يراه، لقد كان طويل يصل إلى نهاية خصرها وما بعده بقليل، لونه أسود ينتهي ببني فاتح يجذب عينيه إليه ويسحرها به.
رفع نظره إليها مرة أخرى عبر المرآة بعد أن شعر برجفتها على إثر فتحه لسحاب فستانها، أطال النظر إلى داخل عينيها وداخله لا يستطيع المقاومة أكثر من ذلك.. لقد انتظر كثيرًا ولا يستطيع الانتظار لبضع دقائق أخرى حتى..
شعرت بما يدور داخله فاستدارت له سريعًا تقابله بوجهها وتحدثت بجدية بعد أن ابتلعت ما وقف بجوفها:
-طيب أطلع غير بره وأنا هغير هدومي وأخرج اتوضا
تنحنح بخشونة ثانيةً وأغمض عينيه بقوة ثم فتحهما وهو يتحدث بينه وبين نفسه بالانتظار قليلًا بعد، أومأ إليها برأسه وتوجه لخزانة الملابس المتواجدة في غرفة النوم فتحها ثم أخرج منها ملابس له وخرج من الغرفة دون أن ينظر إليها..
أسرعت خلفه حاملة الفستان بيدها لتغلق الباب خلفه ثم وقفت وراءه، تضع يدها على موضع قلبها وتستمع إلى دقاته والابتسامة على محياها تتسع أكثر وأكثر، لقد رأت لهفته في التقرب منها، رأت حبه لها في حديثه وأفعاله، صدقه في كل ما يفعله..
لو كان ما يحدث لها بين يوم وليلة حلم لن تحزن فقط لأنها عاشت معه ما تريده وتتمناه إلى الآن..
ابتعدت عن الباب وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا والابتسامة لا تعرف طريق غير وجهها، تقدمت لتخرج ملابس من الخزانة ثم تذهب للوضوء..
خرجت بعد قليل وهي ترتدي منامة حريرية لونها وردي بنطالها طويل، وبلوزتها بنصف كم، وعقصت خصلاتها للخلف، خرجت لتراه يجلس في الصالة منتظر انتهائها، وقف على قدميه بعد أن رآها وحاول أن يبدو طبيعيًا وتحدث قائلًا بنبرة رجولية هادئة:
-أنا اتوضيت ومستنيكي.. الحمام من هنا
أشار بيده على ناحية المرحاض لتذهب إليه دون خجل منه، حاولت جاهدة في فعل ذلك لتنجح في النهاية ولم تستخدم يدها في الضغط عليهما..
خرجت بعد دقائق وعادت إلى الغرفة معه وارتدت إسدال لونه أسود بحجابه للصلاة به، كان معه اثنين من سجادة الصلاة فرش الأرض بواحدة وهي تعدل من حجابها ثم وضع الأخرى خلفه في اتجاة القبلة وأشار إليها ليبدأ الصلاة بها..
صلى بها ركعتين لتكن الصلاة خير فاتح لهم معًا في حياتهم الزوجية، ولم ينسى الدعاء سرًا بينه وبين الله أن يتم عليه نعمة وجودها في حياته دون حزن وألم وكأنها هي الأخرى شعرت بما دعى لتفعل المثل..
استدار بجسده ملتفًا ناحيتها بعد الانتهاء ناظرًا إليها بحبٍ وشغف يظهر على وجهه وكل عضو به، وضع يده اليمنى بحنان فوق رأسها بعد أن أخذ نفسًا عميقًا ثم أخذ يردد بنبرة خافتة:
-اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ خيرَها وخيرَ ما جبلتَها عليهِ وأعوذُ بِكَ من شرِّها ومن شرِّ ما جبلتَها عليهِ
ابتسمت له بعد أن أبعد يده عنها وأطالت النظر داخل عينيه تبادلة نظرته العاشقة الصامتة، تبادله حبه دون الاعتراف المجرد من الأفعال الملموسة..
هتفت بصوتٍ خافت وهي تنظر إليه دون أن تحيد عينيها عنه مثل السابق وهي تغض بصرها عنه:
-جعان صح؟. اجبلك أكل
وزع عينيه على جميع ملامح وجهها ببطء شديد ليتوقف عند شفتيها للحظة واحدة ثم عاد بالنظر إلى عينيها يهتف بنبرة رجولية خالصة بحبٍ وشغف ولوعة الاشتياق داخله تقوم بدورها على أكمل وجه:
-أنا فعلًا جعان.. جعان أوي، يمكن من أربع سنين
نظرت إليه باستغراب، كيف هو جوعان منذ أربع سنوات!. لابد أنه يمزح ولكن ملامح وجهه تقول عكس ذلك، أبعدت تفكيرها عن عقلها الآن وهي تراه يميل عليها..
وضع يده اليمنى على وجنتها يحرك إصبعه الإبهام عليها بحنان وهدوء، ثم أبعدها عن وجنتها ليزيل عنها حجابها بيده ويسقطه خلف ظهرها متعلق بالاسدال، وزع نظرة مرة أخرى عليها ووجدها تنظر بعينيها في غير اتجاهه بخجل ووجهها يتحول للون الأحمر من شدة الخجل والحرج الذي هي به..
لم يدعها تدلف بتلك الدوامة وياخذها منه التوتر والخجل بل أقترب منها بوجهه ليطبع قبلة على شفتيها من خاصته بحب بالغ وحنان أعمى، قبلة جعلها طويلة قدر الإمكان يبدأ بها ليلة معها في سعادة وحب وقلبه مع جسده لا يستطيع الانتظار مطالبًا باكثر من هذا..
وضع يده الاثنين خلف رأسها وفي تلك اللحظات وجد عنوانها الاستسلام التام أمام مروره عليها بحبه وقبلته التي حرم نفسه منه ومن فعل أي شيء آخر حتى ولو كان حديث عابر ليناله برضا الله وحلاله، ليكن في النهاية حلال يتفاخر به وينعم به أكثر وأكثر وليشعر بالسعادة وهو يحصل عليه وبينهما مودة ورحمة مَن الله عليهم بها..
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)