روايات

رواية ندوب الهوى الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الجزء الحادي عشر

رواية ندوب الهوى البارت الحادي عشر

رواية ندوب الهوى الحلقة الحادية عشر

ليلة العُرس، كانت من أطول الليالي التي مرت عليهما معًا، ومن أجمل الليالي وأسعدها بفضل وكرم من الله، ليلة طويلة عاشت بها كثير من اللحظات السعيدة بجواره متناسيه أنه إلى الآن لم ينطق بحبها بل استمعت بقلبها هذه الكلمات في تصرفاته وأفعاله ونظراته لها…
ارتوى “جاد” أخيرًا بوجودها جواره، أربع سنوات يعشقها في الخفاء منتظرًا أن يأتي الوقت المناسب للبوح بما داخله ناحيتها وها هو قد أتى ليروي اشتياقه وحنينه وليظهر شغفه وحبه لها عبر أفعاله ونظراته التي تتحدث بالنيابة عنه وترسل إليها كلمات الغرام دون مجهود وتتلقاها بفرحة عارمة
ليلة عاشوا بها معًا ينعمون بحلال الله ويستمتعون به أكثر من أي شيء آخر، ينعمون بأفضل اللحظات بينهم بفضل من الله الذي سهل لهم طريق الحلال لأنهم أرادوا السير به..
“قبل اذان العصر في صباح اليوم التالي”
وقفت “نعمة” وابنتها “مريم” أمام باب شقة “هدير” و “جاد” في المنزل المقابل لهم ومعهم والدته صاحبة الوجه الضاحك البشوش، ابتسمت والدتها وهي تضع إصبعها السبابة على الجرس بجوار الباب وتحدثت لوالدته بحرج:
-والنبي زمانهم نايمين يا أم جاد.. كنا جينا بالليل ياختي
تقدمت والدته منها ثم وضعت إصبعها مرة أخرى على جرس الباب وهي تتحدث هاكمة:
-نايمين دا ايه لأ يصحوا بقى
أردفت “مريم” بسخرية وهي تبتسم تبادل والدته “فهمية” بتهكم:
-إحنا في العصر يا ماما هيفضلوا نايمين لـ بالليل يعني
ضغطت والدتها بأسنانها على شفتيها بحركة شعبية وهتفت بحدة وضجر مستنكرة حديث ابنتها:
-ايش فهمك أنتِ اسكتي
أجابتها والدته “فهيمة” مرة أخرى بجدية وهي تضع الاكياس التي بيدها على الأرضية أمام الباب:
-عندهم ياختي وقت قدامهم طويل يناموا براحتهم
عادت “نعمة” إلى الخلف بظهرها لتستند إلى الحائط وقالت باستنكار وداخلها تود العودة حتى لا تقلقهم:
-وإحنا يعني هنناهم على نومه.. بالله الاسطى جاد هيقوم يكروشنا
استنكرت والدته الحديث وهتفت بحدة مكرره كلمتها ثم تساءلت بجدية:
-يكروشنا!.. يكروشنا ده ايه يا أم جمال ما أنا عايزه اطمن على هدير بنتي مش بنتي ولا ايه
تقدمت منها بجدية وهي تنفي سريعًا مقدرة ذلك الحب الذي بداخلها لابنتها:
-لأ ياختي بنتك ونص وتلت تربع كمان
ضغطت مرة أخرى بحدة على الجرس لوقت طويل وهي تهتف بحنق وضيق من تأخره:
-الله ما تقوم بقى يا واد كل ده نوم
بينما في الداخل كان “جاد” في غرفة النوم متعمق في نومه ولا يشعر بأي شيء يحدث بالخارج، منذ يومان وهو ينام بتقطع ولم يستطيع أن يحصل على الكفاية من نومه وبالأمس ليلته كانت طويلة ولم ينم إلا في الصباح فاستغل ذلك الوقت لينعم ببعض الراحة والهدوء في فراشه، جواره زوجته التي كان يحتضنها بيده يضعها أسفل رأسها والأخرى ممده جواره على الفراش وقابلته هي بيدها التي كانت على صدره، تنام وكأنها لم تنم من قبل في منزلهم ومن يراها يشعر وكأنها معتادة على مثل ذلك الوضع منذ زمن..
تململ “جاد” بانزعاج وداخل أذنيه يستمع إلى صفير حاد يقلقه وهو نائم، ابتلع ما وقف بحلقه لتتحرك تفاحة آدم بعنقه وهو مغمض العينين وقارب على أن يفتحهما ويستفيق ولكن صوت الصفير اختفى من أذنه فرفع يده الممده جواره وأحاط بها زوجته ليكمل نومه…
مرةً واحدة انتفض من مكانه جالسًا بعدما استمع إلى الصوت بقوة دائمة، ميزه سريعًا!.. إنه صوت جرس الباب وهناك من يضع يده عليه ولا يريد تركه حتى أنه أزعج أذنيه ورأسه..
نظر جواره ليرى “هدير” تحاول الجلوس على الفراش وهي تفتح عينيها بصعوبة بعدما ازعجها ذلك الصوت البغيض..
وقف على قدميه سريعًا وهو يمسح على وجهه متمتمًا بالاستغفار بصوتٍ عالٍ أثناء توجهه إلى الخزانة ليأخذ منها ملابس يرتديها على هذه الملابس الداخلية التي من المؤكد لا تليق بأن يفتح بها الباب..
ليس من طباعه التعصب بهذه السرعة أو أن يتحدث عن أحد بالسوء ولكن حقًا من يقف على الباب لا يعرف للاحترام طريق.. أنهم الآن يريدون أن ينعموا ببعض الهدوء والراحة ولم يفتحوا من المرة الأولى إذًا ارحلوا!…
نظر إليها وهتف بضجر بعد أن ارتدى بطال أسود بيتي وقميص أبيض يعلوه من القطن:
-هشوف مين الرزل ده وارجعلك
أومأت إليه ومازالت لم تستيقظ من نومها بالأصل، أنها تجلس على الفراش وتستند بظهرها إلى ظهره في محاولة منها بأن تفتح عينيها وتستوعب ما يحدث ولكن وكأنها لم تنم من قبل!..
فتح “جاد” الباب حتى قبل أن يغسل وجهه وعليه علامات الانزعاج ليرى من ذلك البغيض الذي يأتي إليه الآن، وعندما رأى المزعج صمت ولم يتحدث غير بالترحاب والابتسامة العريضة لهم ليدلفوا إلى الداخل وهتفت والدته بخبث وهي تعبث معه:
-صباحية مباركة يا حبيبي، بس ايه يسطا جاد أنتَ منمتش قبل كده ولا ايه.. ولا تكونش العروسة حطيتلك واحدة منوم
أغلق “جاد” الباب وحك مؤخرة رأسه، وكرمش ملامح وجهه بحنق وخجل وهو لا يدري ما الذي يقوله لوالدته الآن:
-لأ بس أصل… أصل كنت جوا في الاوضه ياما والباب مقفول مسمعتش
رفعت حاجبها إلى الأعلى واخفضته مرة أخرى وهي تنظر إلى والدة “هدير” ضاحكة وتعلم أنه يكذب ولكنها لا تريد أن تخجله أكثر من ذلك:
-آه قول كده
أردفت والدتها “نعمة” وهم يدلفون إلى داخل الشقة باتجاه الصالون قائلة بابتسامة وحب:
-صباحية مباركة يا ابن الأصول
-الله يبارك فيكي
ابتسمت “مريم” بوجهه هي الأخرى وهتفت بابتسامة عريضة:
-ألف مبروك يسطا جاد
بادلها الابتسامة والمودة قائلًا:
-الله يبارك فيكي، عقبال يا مريم
مرة أخرى تحدثت والدته متسائلة بعدما جلس الجميع في غرفة الصالون:
-اومال فين العروسة مش هنشوفها ولا ايه… اوعى تكون عملت فيها حاجه!..
استند “جاد” بيده على الحائط أمامها وتحدث بجدية وانزعاج وهو يدري أن والدته تريد أن تعبث معه ولكن لا يجوز أن يكون بهذه الطريقة المُخجلة:
-هعمل فيها ايه بس يا حجه.. وبعدين خفي عليا شوية ها خفي
استدار وتركهم يجلسون ثم سار ليذهب إلى غرفة النوم وهتف بهدوء أثناء ذهابه:
-هروح أشوفها واجي
أبتعد عنهم إلى الداخل وتركهم يضحكون عليه بعد أن احرجته والدته بحديثها هذا..
فتح باب الغرفة ودلف إليها ثم أغلقه خلفه مرة أخرى بهدوء، نظر ناحية الفراش ليراها، وجدها مثلما تركها عندما خرج بل أنها الآن نائمة على جانبها الأيسر، خصلاتها خلف ظهرها وهناك بعض منهم تمردوا ليستقروا أمام وجهها، وعينيها مغمضة، فوقها غطاء خفيف تخطي به جسدها..
ابتسم “جاد” بحنان وتقدم منها وجلس جوارها على الفراش ثم وضع يده عليها برفق وأخذ يحرك جسدها بخفه لتستفيق:
-هدير!.. يا وَحش اصحى ومتفضحناش بقى
فتحت عينيها ببطء لتظهر من خلفها تلك العسلية القابعة داخلهما ونظرت إليه وهي تعتدل في نومتها على ظهرها وتمسح بيدها على وجهها ثم تعيد خصلاتها للخلف لتراه ينظر إليها بهيام وشغف قائلًا بصوتٍ حنون خافت:
-دا يا محلا الجواز بقى لو هقوم كل يوم الصبح وأشوف الوش القمر ده
نظرت إليه مُبتسمة بسعادة غامرة بعد كلماته المغازله لها، وكادت أن تتحدث لتجده يتساءل بحنان يترقب إياها:
-في حاجه بتوجعك أو تعبانة؟.
أومأت إليه بالنفي على استحياء واخفضت وجهها بخجل متذكرة أنه أصبح زوجها حقًا بعد ليلة أمس ثم حاولت الاستفاقة من غيبوبة النوم هذه وهي تبعد هذه الأفكار عنها الآن، هتفت بنعاس قائلة:
-مين كان بيخبط؟
ابتسم بسخرية وهو يتقدم منها في جلسته يلتقط كف يدها بيده ويضغط عليه ليشعر بوجودها جواره ويثبت داخل عقله أن هذا حقيقة:
-قولي مين بره
تنهدت بهدوء وهي تطالعه بغرابة بعد سخريته هذه وتساءلت من جديد باستغراب:
-مين بره طيب
أردف مُبتسمًا بجدية:
-أمك ومريم والحجه فهيمة
زفرت بحنق عندما علمت بحضورهم وأردفت بطريقة فظة تتسائل مرة أخرى:
-يعني مش هنام!
مرة أخرى هو الآخر يتهكم عليها، أفتعل صوتًا بفمه يدل على عدم نومها الآن ومؤكد لم يكن يخلوا من سخريته:
-تنامي ايه بقى مخلاص قُضيت كده.. يلا قومي بسرعة غيري واطلعيلهم
زفرت مجددًا بحنق وضيق أكبر وهي تسحب يدها منه وتقف على قدميها لتظهر منامتها ذات اللون الأزرق الغامق الذي تفاعل مع بياض بشرتها ليظهر مدى جمالها المُحلل له هو وحده حيث كان بنطال المنامة يصل إلى منتصف قدميها وقميصها بحملات رفيعة للغاية، تقدمت بخطوات هادئة إلى الخزانة لتخرج عباءة منها لكي ترتديها وتخرج لهم وهتفت وهي تقف أمام الخزانة بعد أن فتحتها قائلة:
-طيب حاضر
وقف على قدميه وعاد إلى الخلف ناحية الباب ثم أردف مرة أخرى بجدية وهو يفتحه:
-هطلع أقعد معاهم.. متتأخريش ها
استندت بيدها وجسدها على باب الخزانة بعد أن استدارت إليه وأجابته بطريقة فظة وهي تتهكم بضيق:
-حاضر
تنفس “جاد” بقوة وعمق وهو يهتف بحرارة داخل جسده تطالبة باشياء غير الخروج، غامزًا لها بعينه:
-عليا النعمة وَحش
ظهرت أسنانها بعد تلك الابتسامة المشرقة بفعل كلماته وحركت رأسها يمينًا ويسارًا بخفة وهي تنظر إليه بحب وسعادة لتراه يضغط بيده على الباب وهو يهتف بقوة:
-آه… آه ياحج رشوان
خرج من الغرفة وتركها لتعيد تركيزها على ملابسها ومازلت تبتسم بسعادة، نظرت إلى الباب ثم خرجت منه بهدوء دون أن تفعل صوت لتصل إلى المرحاض القريب من غرفة النوم هو والمطبخ لتغتسل ثم بعد ذلك تتجهز وتخرج لهم..
بعد أن دلفت مرة أخرى وقفت أمام الخزانة ثم أخذت عباءة معلقة أمامها لاستقبال الضيوف في مثل هذه الأوقات، لونها أبيض مزينة برقة، ارتدتها ثم تقدمت من المرأة بالغرفة، مشطت خصلاتها ثم رفعتها للأعلى بدبوس كبير من المنتصف ليتدلى الباقي خلفه على عنقها..
أبتعدت عن المرأة ونظرت إلى هيئتها من بعيد ثم ابتسمت وخرجت بهدوء إليهم، سارت في الممر بهدوء ثم إلى صالة الشقة ومنها إلى غرفة الصالون التي يأتي منها الأصوات، هي إلى الآن لم تلقي نظرة على الشقة!.
دلفت غرفة الصالون ليراها الجميع تدلف بطلتها البهية الرائعة، وجمالها البراق المعهود منها، ورقتها الواضحة على وجهها وملابسها، وقفت والدته “فهيمة” على قدميها بسعادة وهي تبصرها وتبصر جمالها الغير معقول، تقدمت منها وأخذتها تعانقها بقوة وهي تتمتم داخلها بآيات صورة الفلق من عين الجميع وهي أولهم..
-ياختي ايه الحلاوة دي، بسم الله ما شاء الله قمر اربعتاشر… صباحية مباركة يا عروسة
ابتسمت “هدير” بخجل ورقة وهي تنظر إليها بسعادة وهتفت قائلة:
-الله يبارك فيكي دا عيونك بس هي اللي حلوة
استنكرت والدته حديثها وتحدثت بطريقة شعبية أصيلة وهي تفتعل صوت يدل على الاستنكار بفمها:
-عيوني!.. عيوني ده ايه دا أنتِ اللي مفيش منك يا جميل
ابتسمت إليها بود وهي تبادلها تلك السعادة، وداخلها شعور يكاد يجعلها تطير من الفرح لأجل طيبة والدته وحبها لها واهتمامها بها، كم هي محظوظة بوجودها! إن الله أنعم عليها بكثير من النعم التي لا تستطيع أن تقوم بعدِها حتى، تقدمت من والدتها وشقيقتها وسلمت عليهم بحب كبير وترحاب ثم جلست معهم جميعًا وبعد قليل دق الباب مرة أخرى فذهب “جاد” ليرى من الطارق
وجد أنه “سمير” ووالده “رشوان” رحب بهم كثيرًا وسلم على والده مقبلًا يده ثم دعاهم للدخول إلى الصالون مع الباقيين وذهب هو إلى المطبخ حيث تكون زوجته..
نظرت إليه بعد أن دلف إليها وهي تضع العصير في الكؤوس على رخامة المطبخ وأردفت متسائلة وهي تعقد حاجبيها:
-مين جه
أقترب منها وأخذ ما بيدها ثم تحدث بجدية وهو يشير إلى الخارج:
-الحج وسمير روحي البسي طرحة وأنا هكمل عنك
أومأت إليه برأسها ثم خرجت وتركته يكمل مهمتها بدلًا عنها بهدوء..
ارتدت حجاب فوق العباءة واخفت خصلات شعرها ثم ذهبت للداخل عندهم وقامت بالترحاب بوالده بشدة وقابلها بالحب الشديد الذي ظهر أمام الجميع كوالدته وهذا جعل “جاد” يرفرف من فرط السعادة، ألقت التحية على “سمير” بابتسامة وأكملوا الجلسة بسعادة وهم يتحدثون عن ما حدث في الزفاف وكم من شخص حضر وأشياء من هذا القبيل..
❈-❈-❈
نظرت “هدير” إليه بتذمر وضيق ثم هتفت بصوتٍ عالٍ ليستمع إليها:
-لأ أنا هاخد لفه في الشقة علشان مش معقولة شقتي ومشوفتهاش
أتى “جاد” سريعًا من الداخل ووقف أمامها بقميصه الداخلي بعد أن أزال ملابسه عنه بسبب الجو الحار وفعلت هي المثل مرتدية قميص قطني طويل مفتوح من الناحيتين أسفل الركبة وصدره مفتوح أيضًا بحمالات رفيعه أسود اللون:
-بالله ما يحصل هنلف فيها سوا
تذمرت أكتر لأنه لا يريدها أن ترى الشقة إلا معه وبنفس الوقت لا يريد رؤيتها!. هل جُن هذا:
-طب ما تيجي الله
أقترب منها بخبثٍ ثم وضع يده الاثنين على كتفيها وغمز بعينيه الرمادية الخلابة ونظرته تقُل لها أن هناك أمرًا ما ليتحدث بمكر:
-لأ مهو مش ده اللف اللي أقصده
ضيقت ما بين حاجبيها وهي لا تستطيع فهم حديثه الذي يرمي إليه بكلمات غير مباشرة وتساءلت باستغراب:
-اومال تقصد ايه؟..
غمز إليها مرة أخرى بوقاحة لم يعهد فعلها ولكنها لزوجته إذًا فليتقنها، تحدث بصوتٍ ماكر خبيث:
-كلك مفهوميه
نفضت يده عنها بحدة وداخلها تود الابتسامة بقوة ولكن خجلها الذي لم تتغلب عليه كليًا يسيطر عليها إلى الآن، هتفت بحدة مضحكة وهي تتراجع للخلف:
-لأ خلينا نتفق من دلوقتي أنا مش بحب قلة الأدب.. آه
أقترب منها مرة أخرى ووضع يده كما كانت وتحدث بلين ورقة وعينيه الرمادية تقابل عسليتها في نظرة حانية:
-لأ خلينا إحنا نتفق من دلوقتي دي مش قلة أدب ده حلال الله
أخفضت نظرات عينيها إلى صدره مبتعدة عن حدقتيه بخجل ثم رفعت وجهها مرة أخرى إليه تتسائل برفق وصوتٍ خافت:
-هتفضل تغلبني بكلامك لامتى؟..
أبعد إحدى يداه عن كتفيها ووضعها فوق موضع قلبها مُتحدثًا ولوعة الحب داخلة تشتعل أكثر:
-لحد ما أخد قلبك منك ويبقى ملكي
استنكرت حديثه الأبلة وأجابته بسخرية واضحة والابتسامة على محياها:
-فكرك لسه ماخدتوش!..
تنهد بعمق وهو يعلم أن اعترافها هو الوحيد الذي سيثبت له أنها تحبه وغير ذلك لن يأخذ بأي أفعال، ربما أفعالها ونظراتها ووقوعها بين يديه بالأمس طيلة الليلة يثبت به أنها تحبه، ولكنه لن يأخذ إلا بالاعتراف، إذًا لما لا يطبق الوضع عليه هو الآخر؟:
-حاجه واحدة هتثبتلي إني اخدته
سألته باستفهام حتى تفعل ما يريده وتثبت له أنها تحبه ولا تريد غيره ربما في السابق لم ولن تكن تفعل ذلك ولكنه الآن زوجها فحلال أن تقول ما يهواه وربما هو الآخر يقول ما تريد الاستماع إليه:
-ايه هي؟..
أبعد يده وابتسم بهدوء ليبتعد عن الحديث هذا حتى لا يلفت نظرها لشيء يريده فتفعله فقط لأنه يريده:
-كده ابقى بغششك… لازم تيجي منك
أبتعد عن هذا الحديث نهائيًا وهو يشير إليها بيده لتنظر إلى الشقة ويلهي عقلها عن كلماته:
-تعالي ياستي نلف الشقة من أول الباب
نظرت إليه وهو يسحب يدها ويتجه إلى الباب، إنها تعلم أنه يريد الإبتعاد عن هذا الحديث ويلهي عقلها حتى لا تفكر فيما يريد وتفعل دون تفكير.. لا يعرفها!..
هي لن تفعل أي شيء إلا أن كانت مقتنعة به وتريد فعله عن حق، لو هي لم تحبه إلى الآن فلن تقول أي شيء ولن تفعل أي شيء يدل على ذلك من الأساس، عليه أن يفكر قليلًا ويبدأ من نقطة البداية خاصته لتستكمل هي الطريق..
تحدث بهدوء وهو يمسك بيدها يدلف من عند الباب وصولًا إلى الصالون:
-هنا الدخلة بتاعت الشقة فيها الكرسي الكبير ده، ودي الصالة الكبيرة فيها ركنه والعفش اللي بينهم أهو قدامك
نظرت إلى كل ما يتحدث عنه وهي تقول داخلها كلمات الذكر بسبب جمال الشقة التي الآن لفتت نظرها إليها، ألوان الحوائط هادئة وجميلة والمفروشات بالأرضية راقية تتماشى مع الألوان والأثاث.. بداية الشقة صالة واسعة بها مقعد كبير وثير مظهره رائع تدلف على صالة أخرى غيرها بها ركنة ملتفة حول حوائط الصالة الثلاثة لونها أزرق غامق يتداخل معه اللون الأبيض لتظهر بشكل جميل يلفت النظر إليها وفي المنتصف طاولة صغيرة الحجم ليكتمل المظهر مع شاشة تلفاز كبيرة على الحائط..
تقدم إلى الجهة اليمنى من الشقة ودلف إلى ممر صغير أمام الغرف والأبواب المغلقة:
-هنا بقى المطبخ وأنتِ دخلتيه والحمام بردو واوضه النوم
لم يدلف أي منهما لأنها بالفعل ولجت إليهم ورأت ما بهم، كان ممر على الناحية اليمنى منعزل عن باقي الشقة مختفي ما بداخله عن الأعين بالخارج به المطبخ والمرحاض جوار بعضهم وعلى مسافة صغيرة غرفة النوم، عاد مرة أخرى إلى الصالة ومازال يتمسك بيدها وهي تسير جواره ودلف إلى الجهة اليسرى للشقة وأول غرفة دلف إليها كانت غرفة الأطفال الصغيرة:
-والناحية التانية دي اوضه الأطفال أهي
ولج إليها معها بعد أن فتح الباب وأشعل الأضواء لتنظر إلى الأثاث باللون الأبيض الجميل الذي يظهر وكأنه لأول مرة يوجد.. الغرفة بها فراشين صغيرين وخزانة صغيرة أيضًا ومرآة وعلى الحائط رفٍ صغير في الخلف يحمل بعض التحف وكم كانت جميلة ورائعة تشعرها باللطف الشديد ناحية وجود أطفال هنا..
خرج منها ليدلف إلى الغرفة المجاورة:
-وهنا الصالون شوفتيه
خرج منها سريعًا لأنها رأته قبلًا ليدلف إلى الغرفة المجاورة لغرفة الصالون:
-ودي آخر حاجه السفرة… آه نسيت أن فيه بلكونه في الصالة بره وفي بردو في الصالون أهي
نظرت إلى غرفة السفرة التي كانت تحتوي على سفرة لونها بني غامق مائل للاسود كباقي الأثاث ويحاوطها ستة من المقاعد متقابلين وخزانة النيش موجودة بها أيضًا..
نظرت إليه وتحدثت بسعادة والانبهار داخلها يزداد بهذه الشقة التي أصبحت هي سيدتها بعد شقة صغيرة ملك لوالده يمن على أهلها بها:
-مكنتش متخيلة أصلًا إن العفش هيبقى حلو أوي فيها كده.. ده تحفه ما شاء الله
تقدم منها ليقبل أعلى رأسها قائلًا بحنان هائل وعشق يتضاخم داخله كلما نظر إلى عينيها العسلية:
-تتهني فيها وأنتِ معايا يا وَحش
ابتسمت بوجهه بحب تود لو يراه دون حديث بينهم، لتوضح الرؤية لكليهما، سار إلى غرفة الصالون مرة أخرى وهي خلفة ثم رفع صينية الأطباق الفارغة من على الطاولة وهتف بسخرية ضاحكًا وهو يتذكر عبثه مع ابن عمه:
-الولا سمير أكل الجاتوه
زفرت بهدوء وهي تُجيبه بابتسامة هادئة:
-يا جاد حرام عليك بجد أنتَ ليه بتحب تحرجه كده
نظر إليها وهو يضع الأطباق في حوض الغسيل بعد أن دلف للمطبخ وأردف بتهكم صريح وكلماته تدل على أن هناك بينهم شيء خفي:
-هو ده بيتحرج اسكتي أنتِ متعرفيش حاجه
نظرت إليه باستغراب متناسية حديثهم عن ابن عمه عندما رأته يغسل الأطباق أمامها دون وجود أدنى مشكلة منه:
-أنتَ بتعمل ايه سيب وأنا هعملهم وهحضر الغدا
نظر إليها ومازال يقوم بعمله مع الأطباق أسفل المياة وأردف بمرح ومزاح معها وهو يخبرها كيف سيكون في الأيام المقبلة عليهم:
-طول ما أنا فايق ورايق كده هساعدك في المطبخ وطول ما أنتِ في حياتي هبقى فايق ورايق يعني هساعدك على طول… ولا عندك اعتراض
استندت بظهرها على حائط المطبخ أمامه ورفعت إحدى قدميها تستند بها لتظهر القدم الأخرى بسخاء ووضعت يدها الاثنين خلف ظهرها ليضيق القميص عليها أكثر وتصبح مغرية أمامه بشكل لا يُصدق:
-لأ يا سيدي براحتك
ابتلع ما وقف بجوفه لتتحرك تفاحة آدم خاصته المغرية بالنسبة إليها وأخذ يمرر بصره على كامل جسدها بدقة وأردف بخبث:
-ما تيجي أقولك حاجه
اقتربت منه ووضعت يدها على كتفه منتظرة منه أن يتحدث:
-قول
ترك ما بيده وغسلها أسفل المياة ثم أغلقها وفي لمح البصر أمامها كان ينحني إلى الأسفل ليرفعها على ذراعيه بقوة وهو يبتسم بمكر والخبث يظهر في نظراته لها:
-لأ مش هنا… دي حاجه سر مش هينفع الحلل والكوبيات تسمعها
أطلقت ضحكة رنانة بجانب أذنه ليبتلع ريقه مجددًا ويزفر بعنف أمامها وهي تضع يدها حول عنقه ولا تدري أين ذهب حيائها وذلك الخجل الذي كان يلازمها منذ قليل فقط!.. يبدو أنه حل مكانه السعادة والراحة طلما كان هو جوارها وتخلى عنها الخجل ليترك مساحة لتلك الأنثى القابعة داخلها وتجعلها تخرج ليراها ذلك الزوج الحنون العاشق لها دون علم أحد حتى هي..
❈-❈-❈
لقد وضعت نفسها في مأزق عندما تزوجت ذلك الفقير الوضيع، حذرتها صديقتها وكل من حولها بأن لا تتزوجه، ليس له أصل ولا تعرف له أحد، عرفته وحيد وهو إلى الآن كذلك، لم يكن جيبه يحتوي على مئة جنيهًا ولكن الآن أصبح ممتلئ بالمال بفضلها..
أصبح يملك قناة شهيرة على التلفاز يعمل بها كل من لديه شأن من ممثلين ومقدمي البرامج وغير ذلك، أصبح رجل مهم وسط زملائها ووسط الجميع أينما يذهب يجد من يعرفه ويرحب به وكأنه رئيس يحكم دولة..
أغراها مظهره الوسيم وعنفوانه منذ خمسة سنوات وأحبت أن يكون ملك لها تتباهى به أمام الجميع وتتحدث بحصولها على رجل مثل هذا في شبابه وحيويته..
قدمت له القناة على طبق من ذهب، نعم لم تكن كـ الآن نهائيًا وهو من عمل عليها وأسس كل شيء بها لتكن بهذه الشعبية الكبيرة في البلدة بأكملها..
الآن هي ملت منه ومن وجوده معها، تريد التحرر والابتعاد عنه، حدثت فجوة كبيرة بينهم منذ سنة تقريبًا عندما بدأ يظهر للجميع أكثر وأكثر وأصبح النجاح يحاوطه من كل جانب، غارت منه وبشدة ورأته، يزدهر وهي ينطفئ بريقها..
ظلت تتحدث دائمًا بأنه لا يملك شيء ولم يكن هذا الذي عليه الآن بل كان فقير ضائع، كبيره في القناة أن يكون عامل تنظيف وهو كان لديه كرامة واحترام لذاته ولم يكن يعلم أنها كذلك إلا بمرور السنوات عليهم..
لم يقابلها منه إلا البرود التام!.. الذي أغاظها كثيرًا وجعلها تود أن تقتله..
وضعت السيجارة بالمنفضة أمامها على الطاولة وأخذت الهاتف من عليه ثم أجرت إتصال به ووضعته على أذنها تنتظر رده عليها..
خاب أملها ككل مرة لا يُجيب عليها، زفرت بضيق واستهجان ثم أجرت الإتصال مرة أخرى مقررة داخلها أنها لن تتوقف إلا عندما يُجيب عليها..
على الناحية الأخرى كان هو ممد على الفراش في منزله الآخر مع زوجته الثانية “شهيرة” صديقتها!..
التي وجد الدفء بين أحضانها، وعوضته عن حرمانه الذي وجده عند “كاميليا”، لقد قدمت له الحب والاحترام والحنان في كل حديثها وأفعالها معه غير منتظرة أي مقابل مادي منه بل كل ما كانت تريده هو حبه فقط وأن لا يعكر صفوه بسبب ما تفعله به “كاميليا”..
أعتدلت زوجته في جلستها وهي تستند على مرفقها فوق الفراش لتتحدث بقلق وهي تنظر إليه:
-رد عليها يا عادل ليكون حصلها حاجه
استهزأ حديثها عن زوجته الأخرى وما الذي سيجري لها فهي هذه القوية بلسانها قبل أي شيء:
-هيحصلها ايه يعني!.. دي زي القطط بسبع أرواح
وضعت كف يدها على مقدمة صدرها حتى تستعطف إياه بلهفة ليُجيب عليها الهاتف:
-طب معلش علشان خاطري شوف مالها
ابتسم بحنان وهو ينظر إليها واعتدل في جلسته على الفراش يستند بظهره إلى الخلف ومد يده إلى الكومود يأخذ الهاتف من عليه متحدثًا بنبرة رقيقة تليق بها:
-علشان خاطرك بس
فتح الخط عليها ووضع الهاتف على أذنه ببرود ليردف بتهكم وسخرية يملؤها البرود:
-أيوه.. مالك.. مش صابره ليه
استمع إلى صوتها على الناحية الأخرى يأتي بحدة:
-أنتَ فين؟
-وأنتِ مالك
استشعر ضيقها من حديثه الفظ وزفرتها العالية قبل أن تردف بحدة وعصبية:
-يعني ايه وأنا مالي.. لأ مالي ونص، تعالى دلوقتي حالًا على البيت عايزاك
ابتسم بسخرية واضحة حتى أن زوجته “شهيرة” استغربت ذلك ولكنها فهمت سخريته عندما أكمل حديثه معها:
-اوه بجد.. لأ لو كده مسافة الطريق وجاي
صرخت به عبر الهاتف بقوة ليبعد الهاتف عن أذنه وهو يستمع إليها:
-أنتَ بتستهبل بقولك عايزاك دلوقتي حالًا
مرة أخرى يُجيب ببرود قاتل ليفعل بها ما أراد رؤيتها به:
-معلش خلي الخناقة لبكره.. بالسلامة
أغلق الخط بوجهها ثم أغلق الهاتف كليًا ووضعه على الكومود جواره كما كان ليستمع إلى صوت زوجته التي تحدثت بجدية:
-أنتَ ليه بتعمل معاها كده يا عادل مش قولت هطلقها.. هي طالبه الطلاق طلقها بقى وكفايه لحد كده أنتَ جننتها أهو
نظر أمامه إلى الحائط وغاب في ذكرياته البشعة معها ليتحدث بقهر وخذلان قد رآه على يداها:
-ولسه… ولسه هجننها أكتر، أنتِ متعرفيش حاجه، دي بنت ***، مش هيعرفها غير اللي يعيش معاها
أعتدلت لتجلس جواره ووضعت يدها على كف يده عندما شعرت أنه يتذكر ما فعلته به ولأنه لديه احترام لذاته ولكرامته يعبث ذلك به دائمًا:
-طب ما تخلصها وتخلص نفسك
نظر إليها وأردف بقوة وتصميم على ما في رأسه بعدما واجهه معها:
-لأ أنا عن نفسي مرتاح كفاية وجودك جنبي يا شهيرة لكن هي لازم تدوق من نفس الكاس اللي دوقته ليا، لازم تشوف المُر بسببي.. أنا شوفت منها تهزيق وشتيمه وقلة قيمة من لسانها الزفر ده عمرك ما تتوقعيها، بتعايرني إني مكنش حيلتي حاجه!.. وأنا كنت هعوز ايه من الدنيا غير ستر ربنا ورضاه عليا وأهو جعلها سبب علشان أكون في النعمة اللي أنا فيها.. بس دي واحدة لا تعرف ربنا ولا غيره لازم اعذبها زي ما عملت معايا لما كانت بتقل من قيمتي قدام الحوش بتوعها علشان تخليني أتنازل عن القناة اللي شقيت فيها ليل ونهار
ابتلعت ما وقف بحلقها بعد أن رأت تصميمه على الانتقام منها بعدم طلاقه لها وبروده معها الذي سيجعلها تذهب للجنون بقدميها، أنها إلى الآن تخاف أن تكون تلك الصديقة الخبيثة التي سرقت منها زوجها:
-عادل أنتَ دلوقتي مش محتاج منها حاجه هي اللي هتتجن علشان تخليك تتنازل ليها عن القناة أنتَ أكيد مش هتعمل كده بس طلقها وسيبها تروح لحال سبيلها… أنا لحد دلوقتي كل ما بشوفها بحس إني خاينة بردو مهما حصل انتوا كنتوا واحد ومراته وهي ماذتنيش علشان أعمل كده واتجوزك… ريحها وأعمل اللي هي عايزاه وريحني أنا كمان
أمسك بكف يدها وتحدث بجدية وقوة لتفهم ما الذي يريد أن يقوله لها وليجعلها تعلم أيضًا أنها ليست شخص بشع بل هي كانت من أفضل الأشخاص الذي قابلهم من ناحية زوجته الحقيرة:
-أنا عمري ما هتنازل عن القناة، دا على جثتي ومحدش هيتهنى بخيري غيرك أنتِ وولادي وبس وبعدين أنتِ تحسي بالخيانة ليه؟. تحسي بكده لما تبقي اخدتيني منها لكن أنا اللي جتلك من عمايلها السودة وكرشتها ليا.. أنا اللي اخدتك، أنتِ عمرك ما كنتي خاينة ولا هتكوني أبدًا
سألته باستفهام وهي تعقد ما بين حاجبيها:
-هطلقها؟..
أومأ إليها برأسه مؤكدًا حديثها وأكمل:
-صدقيني هعمل كده بس مش دلوقتي.. فاضل شوية صغيرين
-زي ما تحب.. بس بلاش تؤذيها
ابتسم إليها وقربها منه يقبل أعلى جبينها، أنها توصيه بأن لا يؤذيها وتشعر بأنها خائنة لصديقتها وتقول أنها لم تؤذيها يومًا!.. مسكينة لا تعلم ما الذي فعلته صديقتها “كاميليا” عندما تقدم لها ذلك الممثل المشهور الوسيم الذي أعجب بها عندما رآها معها، لا تدري أنها منعته عنها قائلة بأنها لا تناسب أحد من هذا الوسط لأنها ليست على ثقافة مثلهم وليست تحمل الجمال الكافي لتكون نصفه الآخر وغير ذلك كثير على الرغم من أنها بيضاء بشدة وجسدها ليس نحيف بل يمتلئ قليلًا ومع ذلك مضبوط تمامًا، جسدها ملتف ويحمل البشرة البيضاء ووجهها مستدير ملامحه رقيقة مثلها وخصلاتها شقراء طبيعية..
❈-❈-❈
“بعد مرور أسبوع”
كانت تسير “مريم” خارج الحارة في منتصف النهار وهي عائدة من إحدى جلساتها مع اصدقائها..
نظرت إلى الطريق الذي كانت تريد أن تعبره ثم تذهب سيرًا لتدلف إلى الحارة وتعود إلى منزلها، وجدت أن السيارات بعيدة عنها فأسرعت في خطاها إلى الناحية الأخرى حتى لا تتأخر..
استمعت إلى هاتفها يصدر صوت مكالمة هاتفية فوقفت لتخرجه من الحقيبة الصغيرة التي تتماشى مع حجابها وحذائها الأبيض على فستان أزرق اللون أظهر جمالها وبياض بشرتها الجميلة..
-أيوه يا هدى أنا خلاص روحت أهو
صمتت لتستمع إلى الطرف الآخر والتي كانت صديقتها تطمئن على وصولها لأنهم تركوها في التاكسي بعد أن غادروا..
أجابتها مرة أخرى بجدية وهي تبتسم:
-لأ ياستي متقلقيش أنا خلاص هدخل الحارة لما أروح البيت هكلمك
أبعدت الهاتف عن أذنها وأغلقته ثم وضعته مرة أخرى في الحقيبة وسارت لتذهب إلى البيت، عندما بدأت في السير استمعت إلى صوت تعرفه جيدًا أوقف الدماء بعروقها وجعل جسدها يرتجف خشية منه:
-رجعنالك يا جميل
وقفت مكانها من هول الصدمة ثم بعد لحظات تحاول فيهم أن تتحكم باعصابها استدارت لتنظر إليه وداخلها تدعو الله أن يكن غير الذي أتى بخلدها ليمر اليوم بسلام وحتى لا تعود تلك الأيام التي كانت ترتعش بها من الرعب..
ولكن خاب أملها عندما نظرت إليه ووجدته هو عن حق، لقد عاد بعد عام مرة أخرى لينفذ ما أراده منها!..
استجمعت شجاعتها مثلما قالت لها شقيقتها في السابق وحاولت أن تظهر أنها لا تخشاه وليس هناك خوف من الأساس وصاحت بقوة:
-أنتَ عايز ايه مش كنا خلصنا بقى
ابتسم بسخرية لتظهر أسنانه الصفراء ناظرًا إليها بخبث ومكر يظهر على وجهه مع هذه الندبة الكبيرة التي تحتل وجنته اليمنى بالكامل بداية من فوق عينيه إلى جانب شفتيه:
-لأ يا مريومة مخلصناش.. دا اللي شغلني عنك إني سافرت السنة اللي فاتت واديني رجعت أهو يا جميل
رفعت سبابة يدها اليمنى أمام وجهه وهي تتحدث بشراسة حاولت أن تكون حقيقية قدر الإمكان وداخلها ترتعش خوفًا:
-أبعد عني أحسن قسمًا بالله اجيبك نصين
ضحك بصوتٍ عالٍ وهو يراها هكذا تتحدث بهذه القوة والشراسة وهي في السابق لم تكن تستطيع أن تنظر إليه حتى ولكن شقيقتها كانت عكسها تمامًا:
-يابت!.. لأ عجبتيني الظاهر أختك علمتك إزاي تخربشي
تهكمت بسخرية عليه وهي ترفع أحد حاجبيها بقوة:
-لأ علمتني إزاي أفتح دماغ اللي قدامي مش اخربشه بس
تضايق كثيرًا منها ومن ذلك الدلال الزائد عليه وبدأ في الملل منها:
-متسوقيش علينا العوج يا حلوة أنتِ مش قدي وأنتِ عارفه كده كويس
أجابته مرة أخرى بجدية وضيق شديد احتل كامل ملامحها وجسدها وودت الهرب منه الآن ولكنها خائفة من داخلها بشدة فآخر مرة عارضته كان سيسكب عليها مياة كاوية:
-أنا قدك ونص يا حيلتها
استند إلى الحائط جواره ورفع حاجبه وهو يتذكر عندما ذهبت شقيقتها إلى والده وقالت له إن لم يبعد إبنه عن شقيقتها ستأتي به إليه مُحمل:
-يابت اتلمي أنتِ اللي رحمك مني المرة اللي فاتت أبويا المرة دي مفيش.. أبويا الله يرحمه
هتفت بحرقة والنيران تنهش داخلها خوفًا ورعبًا منه ولكنها تتحلى بغير ذلك:
-شلا كنت أنتَ مكانه يا بعيد
ابتسم ببلاهة قائلًا بسماجة ونظرة كريهة من عينيه لها:
-وأهون عليكي
نظرت إليه بحدة ثم بصقت على الأرضية وهي تستدير لترحل من وجهه سريعًا قبل أن يأخذها في حديث أخر..
عندما وجدها تستدير لتذهب أبتعد سريعًا عن الحائط وأخذ خطوة واسعة ليمسك بذراعها بقوة وهو يديرها إليه بحدة:
-تعالي هنا رايحه فين
صرخت بوجهه وهي تجذب ذراعها منه وجسدها يرتعش لأجل فعلته المباغتة التي اشعرتها بالاشمئزاز، وتفكيرها يحدثها بأنه يفعل غير ذلك كثير:
-نزل إيدك يا حيوان عني
ما كاد أن يتحدث إلا أنه وجد من يقف في المنتصف بينهم ينظر إليها بحدة وعصبية وكأن وجهه يخرج شرارات الغضب متحدثًا بنبرة رجولية حادة:
-مريم!.. مين ده
نظرت إليه بخوف ووضعت يدها على فمها وتكونت الدموع داخل حدقتيها فنظر إليها باستغراب واستشعر أنها تعرفه دون علم أهلها ولكن أبعد ذلك التفكير عن رأسه عندما قالت بخفوت وخوف:
-معرفوش
استمع إلى الآخر يقول بعصبية وانزعاج وكان على استعداد للعراك معه:
-أنتَ اللي مين ياعم القمور
نظر إليه “سمير” بدقة يحدد من ذلك الذي يظهر على وجهه الإجرام ولم يتحدث بعد ليراه يحاول أن يمد يده ناحيتها مرة أخرى فوقف حائل بينهم ثم دون أي حديث أعطى له لكمة قوية أسفل عينيه جعلته يعود للخلف مترنحًا ووقف “سمير” ينظر إليه بتشفي وراحة:
-بتمد إيدك عليها ليه يا ابن الـ***
رفعت كفي يدها على فمها مخرجة شهقة عالية من بين شفتيها عندما وجدته يلكمة، هكذا هو يفتح على نفسه أبواب الجحيم أمام ذلك المجرم..
رأته وهو يعتدل في وقفته أمام “سمير” ثم ابتسم عليه بسخرية وأخرج من جيبه الخلفي مدية حادة ليفتحها أمام وجهه يحاول أن يصيبه بها..
لوح بها أمام وجهه عدة مرات و “سمير” يحاول أن يتفادها في كل مرة حتى لا تُصيبه، بينما هي عندما رأته أخرجها من جيبه أخذت الدموع تخرج من عينيها بخوفٍ شديد عليه وسارت بعيد عنهم لتأتي بأحد من على الطريق ويوقفهم
وهو يحاول إصابته بها بإصرار شديد، أمسك “سمير” يده الحاملة المدية بمهارة وضرب عليها عدة مرات لتقع منه المدية على الرصيف فأمسك به من ياقة قميصه جاعله ينحني على نفسه وضربه بركبته في فمه ووجهه عدة مرات متتالية جاعلة يفقد توازنه..
دفعه على الأرضية وجلس فوقه يسدد له اللكمات القوية التي أخرجت الدماء بغزارة من وجهه.. فدفعه بقوة من فوقه ليقع عنه “سمير” واستغل هو ذلك ووقف سريعًا على قدميه هاربًا من أمامه ونظر إليها بعدما عادت بشخصين إليهم وأردف بقوة وتصميم:
-مش هسيبك
نظرت إلى “سمير” بخوف شديد ثم ذهبت سريعًا لتذهب إلى داخل الحارة فوقف على قدميه سريعًا يتقدم خلفها وهو ينادي باسمها بحدة:
-مريم… مريم استني عندك
أسرعت في خطاها وهو خلفها لا تريد الوقوف معه أو التحدث إليه أو أي شخص غيره، فقط تريد الوصول إلى شقيقتها لتخبرها بعودته مرة أخرى وشعورها بأن النهاية تقترب عليها بسبب ذلك المجرم، وهو على الناحية الأخرى يريد أن يعلم ما الذي يحدث معها ومن ذلك وكيف يتجرأ ويلمسها بيده ولما أيضًا هي تهرب منه..
ظل خلفها ينادي باسمها بقوة وحدة أمام الجميع إلى أن دلفت إلى الشارع الخاص بهم تجاهد في الوصول قبله إلى منزل شقيقتها وهو خلفها أقسم داخله أن يذهب خلفها أينما ذهبت وسيعلم ما الذي يحدث..
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى