رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل الثالث والستون 63 بقلم فاطيما يوسف
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الثالث والستون
رواية من نبض الوجع عشت غرامي البارت الثالث والستون
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الحلقة الثالثة والستون
مرت الليلة على شمس في حزن شديد وهي تغلق على حالها وما زالت بفستان زفافها لم تخلعه بعد فهي في حالة منهارة للغاية ووجهها ملطخ بسواد كحلها الغزير بسبب الدموع التي ظلت تنهمر على وجنتيها طيلة تلك الليلة المريرة ، كانت نائمة علي الأرض وهي تتكور على حالها كالجنين وفجأة فزعت من نومها على طرقاته الهادئة على باب غرفتها فهو الآخر لم ينم تلك الليلة ولم يغمض جفنه ولو لوهلة والحزن يتآكل داخله بسبب ما حدث بينهم ،
فاقت من نومها القلق وهي فزعة وما إن وعت لحالها حتى رفضت أن تفتح له وهي تردد برفض قاطع :
ــ مش هفتح لك ولا طايقة أبص في وشك ولا طايقة أسمع صوتك من الأساس ومش هخرج من الأوضة دي إلا لما ترمي عليا يمين الطلاق مش عايزة أعيش معاك ثانية واحدة يا مخادع يا غدار .
ضم شفاه بضيق شديد وهو يمسح على خصلات شعره بقلق لما تفوهت به لينطق بتحذير هادئ:
ــ عيب لما تتكلمي مع جوزك بالطريقة داي واصل يا هانم ، خلي عندك الشجاعة وافتحي الباب نتناقش مناقشة محترمة وهادية ومتبقيش قماصة من أولها اكده.
كانت تدور حول نفسها بالغرفة وهي تشعر بالنـ.ـيران تتآكل في صدرها وما إن تفوه بكلماته حتى صاحت به من الداخل :
ــ مناقشة هادية ايه اللي انت بتتكلم عنها دي يا صعيدي يا محترم ياللي معروف عنكم الرجولة والشهامة والجدعنة وانت طلبك الغير معقول وكسرتك ليا في يوم فرحي وخليتها كوابيس عليا ده يرضي ربنا يا للي بتتكلم عن الاحترام انت .
نفخ بضيق شديد وهو يحاول استدعاء الهدوء بشتى الطرق ليبرر فعلته :
ــ والله يا شمس انت فاهماني غلط وكلامي ليكي امبارح فهمتيه من منطلق تاني خالص بالله عليكي افتحي خلينا نتفاهم ونتكلم ونتراضى وأكيد مش هنعمل حاجة انتي مش راضية عنيها .
مزقـ.ـت فستان زفافها بعنف وهي تشعر بالاختناق في ارتدائه وهو في الخارج استمع إلى تمزيقها لفستان زفافها ليردد :
ــ لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ، اهدي يابت الناس ومتكركيبهاش على حالك اهدي واعقلي ياشمس وافتحي الباب وهراضيكي والله العظيم.
ضحكت بهستيرية وهي قد فقدت الثقة به ثم انقلبت ضحكاتها الساخرة إلى شهقات مرتفعة وهي تردد من بينهن :
ــ أهدى ونتفاهم كيف وأني فقدت الأمان من أول لحظة ليا معاك ، اديتك قلبي وسلمتك روحي وعاهدتني على الأمان وأول حاجة هديتها ما بيني وبينك الثقة والأمان ،
ثم ألقت بكل ما أمام المرآة أرضاً وهي تفرغ شحنة غضبها المكتوم طيلة تلك الليلة المريرة لتكمل بتشبس :
ــ خلاص مش هديك الأمان تاني يا غدار وانت ممكن بكل سهولة وخداع تحرمني من إني أبقى أم بطرق تانية وأسهل ما يمكن يبقي أثق فيك تاني يا عامر ! مستحيل لو عملت المستحيل.
فقد جميع الحلول لمراضاتها فهي لو أمامه لجذبها إلى أحضانه كي يشعرها بدفئهم ويجعلها تهدأ وتستكين وظل متمسكاً بمقبض الباب وهو يتوقى إلى أن تفتح ذاك الحاجز بينهم كي يستطيع التفاهم معها وهو يشعر بحسرته على انهيارها ويقف عاجزاً الآن أمام مراضاتها ليناديها برجاء وهو يحايلها :
ــ طب أهون عليكي ياشمس أفضل واقف طول الليل اكده قدام الباب أحايلك علشان تفتحي ونتكلم بس ! حرام عليكي افتحي الباب بقي .
ارتمت أرضاً وهي تشعر بإنهاك جسدها الهزيل من قلة الطعام والنوم بالإضافة إلى البكاء والحزن الذي أهلك قواها بشدة :
ــ اشمعنا أنا هنت عليك تعمل فيا كدة ، طب كنت اصبر لما نقضي مع بعض شوية وأفرح بيوم فرحي وأحس بطعم السعادة ولو مجرد حبة وقت ومكنتش تدب لي قرارك مرة واحدة كدة في وشي وكان زي سهم النـ.ـار اللي رشق في قلبي فرتكه .
قلب عينيه بحزن وهو يشعر الآن بفداحة خطأه الذي ارتكبه معها ولم يكن في حسبانه أنها ستنهار بتلك الدرجة فلقد حسبها ذاك العامر خطأً بشدة ثم اعتذر لها نادماً:
ــ طب حقك علي ياحبيبتي متزعليش مني والله ما كنت أقصد اللي وصل لك .
صاحت به بعنف من الداخل:
ــ حبيبتك مين ! هو انت بتعرف تحب يا عامر ؟!
انت أناني ومبتحبش إلا نفسك والأناني عمره مايعرف يحب ولا يدي الحب ولا يحسس اللي قدامه بالحب مهما حصل .
تنهد بأنفاس ثقيلة وهو نادم الآن بشدة ولكنه لم يحتاج منها سوى مجرد فرصة كي يعتذر لها عما بدر منها ويفهمها مقصده :
ــ طب أني وحش ياشمس وفيا كل العبر علشان ترتاحي ، ممكن بقي تسيبك من شغل العيال دي وانتي هتقفلي على حالك وافتحي الباب نتفاهم بزياداكي عاد قفلة على روحك يابت الناس.
رفضت بتصميم:
ــ مش هفتح إلا لما ترمي عليا اليمين يا عامر حتى لو فضلت هنا حابسة نفسي في الأوضة لحد ما أموت وبعدها تدفني وتريحني .
نهاها باستنكار عن كلماتها تلك :
ــ يابنتي حرام عليكي ليه بس سيرة الموت في ليلة جوازك ، استهدي بالله يا شمس ،
واسترسل حديثه برفض لما قالت وهو ينكره عليها بشدة :
ــ وبعدين طلاق ايه دي هو أني لحقت أتجوزك علشان أطلقك واصل !
هتفت بإصرار حازم :
ــ خلاص خلينا اكده لحد ما تستسلم وهطلقني بردو ومش هخليك تلمس شعرة مني يا خاين .
لقد فقد جميع ذرات الصبر داخله في مراضاتها ليدق على الباب بحدة وهو يصيح بها :
ــ قسما بالله يا شمس إن ما فتحتي لا هكسر الباب على دماغك دلوك وخلي الناس في الفندق المشؤم دي تسمع حسنا بقي ونوبقي حديث المدينة النهاردة.
ارتعبت من صياحه ولكنها صممت على موقفها :
ــ لو تقدر تكسره اكسره مايهمنيش وبردوا مش هفتح ولا هخليك تلمس ايدي حتى .
نهرها بحدة :
ــ هو انتي شيفاني حيوان للدرجة دي واني ممكن أجبرك على إتمام جوازنا !
أني عمري ما هقرب منك غير برضاكي وانتي مطمنة .
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي لم تصدقه :
ــ انت كذاب زي ما كذبت عليا في حاجات كتير و وهمتني انك هتخليني أسعد ست في الدنيا ومن أول دقيقة ليا معاك خلتني أتعس ست في الدنيا وانت هتطلب مني طلب متتحملوش أي ست من جوزها ليلة فرحهم ،
وأكملت لومها وهي تنتحب بشدة :
ــ كنت سيبني أكمل ليلتي وأنا بسـ.ـرق حبة سعادة من الدنيا إجباري ، مكنتش تخوفني كدة وتقفلني من صنف الرجالة كلهم في يوم عمري ، كنت اصبر يا عامر ، حرام عليك والله حرام عليك.
ثم تكورت على حالها وهي تشهق بشدة مما جعله يقف في الخارج يجن جنونه من حالتها المنهارة ولم يجد حلاً سوى كسر الباب لأنها من الواضح أنها لن تفتحه مهما مر الزمان ،
والقلق ينهشه بشدة وبدأ بدفع الباب بكل قوته مرات ومرات بجسده القوي وهي في متكومة على حزنها ودخلت في نوبة بكائها وعقلها يدور تفكيره في جرحه لها ولم تشعر بما يفعله ،
وفجأة استطاع فتح الباب أخيراً وانصدم من هيئتها المذرية وهو ينظر لها بأسى لن يضاهيه أسى فقد شقت صدره حزناً على هيئتها ،
لم يستطيع التحمل واقفاً بعيداً عنها حتى هرول إليها وهو يهبط لمستواها ويستند على ركبتيه وهو يرفع رأسها المتكومة على قدمها وانصعق بشدة من رؤيته لملامحها الجميلة التي ذبلت من شدة البكاء والانهيار ،
ثم بادر باحتضان وجهها بين كفاي يديه وهو يعتذر لها بندم :
ــ حقك علي ياشمس ، حقك علي ياحبيبتي ، والله إنتي فهمتي غلط خالص .
لم يرى منها سوى الصمت ولم يتفوه لسانها ببنت شفة فقط نظرات عينيها هي التي تجيبه وهي تحوى الكثير من اللوم المثير الذي يفتك بقلبه فأقسم داخله أن حديثها ولومها بالكلام أهون من عتاب عينيها اللتان تنظران إليه بذاك الانكسار ،
ما كان منها إلا أنها أبعدت يداه عن وجهها برفق وعينيها فقط تدمعان وكأن الدموع أقسمت اليوم أن تنتهي في عيناي تلك الشمس ،
وهي تنطق كلمتها التي تشبس بها لسانها فقط دون أي عبارات:
ــ طلقني يا عامر .
ابتلع ريقه بصعوبة من هيئتها المذرية لينطق باعتراف بعشقه لها :
ــ مقدرش أطلقك يستحيل أعملها يا شمسي أرجوكي ادينا فرصة نكمل ومتقفليش الباب من أولها في وشي وصدقيني والله ما هتلاقي حد يحبك ويرحب بيكي في قلبه ويديكه من حنانه قدي .
هتفت بروح منهكة:
ــ الست لما بتفقد الأمان يا عامر بتبقي صعب ترجع تكتسبه تاني في لحظتها وأنا فقدت الأمان والثقة وبقيت حاسة إن مشاعري اللي كانت مليانة أمل وخطط اني أسعدك بقت عريانة وشمسي معادتش تدفيها وكل ده في ليلة واحدة بس ومش أي ليلة دي ليلة جوكر الوجع كله .
لامس كتفها ببطء كي لا تنفر منه ولا تصاب بالاشمئزاز من لمسته وهو يسألها :
ــ طب مش انتي هتفهمي في العيون وحديثها ! لو بصيتي في عيوني دلوك هتعرفي قد إيه اني محتاجك جنبي واني هضيع من غيرك .
اهتز فكها ساخراً :
ــ لااا ما أنا طلع احساسي كذاب وخدعني وهو ييرسمك ليا شهم وجدع وخلاص فقدت الثقة والأمان فيه هو كمان فمتعتمدش تأثر عليا من النقطة دي .
جذبها لأحضانه برفق كي يجعلها تستكين ودموعها تهدأ ثم همس لها بجانب أذنها :
ــ طب ممكن تهدى يا حبيبي ومنتكلمش دلوك علشان انتي بكيتي كتيير ومش قادر أتحمل اكتر من اكده وبجد حاسس إني أستحق أتعدم بسبب كسرتك اللي بدون قصد داي ولما تهدي نتكلم مع بعض ونصفي الأمور بيناتنا وأوعدك إني هريحك والله العظيم وميهمنيش غير إنك تحسي بالأمان تاني معاي .
بكت في أحضانه كثيراً وهي تلكمه على ظهره وتحاول تبعده عنه ولكنه متشبساً بها ولن يتركها لشيطانها يوسوس في عقلها بالفراق قبل أن يتلاقوا من الأساس لتهمس هي الأخرى حينما لم تستطيع الخروج من أحضانه :
ــ طلقني أنا مش عايزاك ولا عايزة أعيش معاك وابعد عني .
هتف بنبرة مبحوحة وهو يقترب منها بتأثر أكتر فحينما اقترب منها وعانقها عن قرب وأحس بضعفها بين أحضانها واشتم رائحتها العطرة وكأنها أسكرته :
ــ مش قادر يا شمس مش قادر أبعد ولا هقدر أسيبك أني ما صدقت لقيتك .
لم تجرب مشاعر الاقتراب من رجل قبل ذلك ولهذا لم تفهم رغبته بها ثم تململت بين أحضانه كي تبتعد عنه ومع كل حركة منها وهمس له أن يبتعد تزيده شوقاً ولهفةً بها حتى وجد حاله يقترب من وجهها ويحتضنه وهو يتحسسه بنعومة ورفق أصاب جسدها بالقشعريرة وهي لم تستطيع مقاومته فتشبسه بها وحصاره لها في أحضانها جعلها أغمضت عينيها بعدم فهم لقوانين القرب الأول وما زالت الدموع عالقة بأهدابها الكثيفة المبتلة بمياه دمعاتها حتى رق قلبه لها وقبلها من عينيها ومع كل قبلة يبدي ندماً واعتذاراً وما كان منها إلا أنها أصيبت باهتزاز مشاعرها بين يديه ،
أما هو بدأت عاطفة الاحتياج إلى امرأة تجتاح جسده بشراهة وخاصة وهي في أشد حالات ضعفها فبدأت قبلته تتناوب على جميع حواسها وهي تاهت معه وهي غير قادرة على إبعاده عنها فكان جيش عاطفة اشتياقه وتمسكه بقربها كالرياح العاتية التي ابتلعت السفينة في أعماق البحار ولم يقدر على مجاراتها أشد الركبان وأقواهم ،
بعد مرور حوالي ساعة كانت تتمسك بالفراش وهي تغطي به جسـ.ـدها وعادت لشهقاتها مرة أخرى وقد أصبحت زوجته قولاً وفعلاً ولم تستطيع الإفلات من قبضته وهو يجلس بجانبها ينفخ سيجاره بضيق لحالتها التي لم تعتدل بعد حتى بعد اعتذاره لها عشرات المرات وهي بين يديه ،
كان يعاملها بحنو بالغ ولم يقسو عليها وراعى الرقى في عناقها ولم يوجعها وتعامل معها أنها الأنثى الأولى بين يديه ،
دعس سيجارته في وعائها ثم اقترب منها وهو يحتضنها من ظهرها مقبلاً خصلاتها وهو يخلل أصابعه بينهم بحنو بالغ ثم همس لها :
ــ طب ايه بقي ياشمس مش الحضن بيقرب المسافات وبينسي الزعل بزياداكي عاد وجعتي قلبي عليكي اعتبريني مقلتش حاجة وقسما بالله يا شيخة الموضوع دي ما هفتحه تاني ولا حتى عايزك تسمعي مبرراتي .
ما إن استمعت إلى كلماته المهدئة لها وكأنها يسكب على جرحها سائلاً قابل الاشتـ.ـعال فتزداد شهقاتها أكثر رغم حنو حديثه فهي الآن خسرت في أول معركة معه وكانت فقيرة جداً في محاولة الإمساك على حالها معه فقد غلبها بعاصفة اشتياقه واقترابه حتى ابتعدت عنه قليلاً وهي تتحدث بجمود بعد أن حاولت السيطرة على دموعها :
ــ مش أخدت اللي انت عايزة وبتحارب عليه من امبارح واتعاملت مع زعلي بكل تجاهل واستغليت ضعفي وهزلي و قربت مني علشان ترتاح ابعد عني بقي وروح نام في أوضة تانية علشان تعبانة وعايزة أرتاح.
اقترب منها المسافة القصيرة التي ابتعدتها وهو يلتصق بها بشدة ليثبت لها أنه لن يتركها لوجعها وحيرتها مهما حدث وهو يربت على ظهرها بحنو وقد أغلق الأنوار :
ــ مش هسيبك لحظة يا شمس ولا هبعد ولا هخلي وجعك يسيطر عليكي ويقسي قلبك ناحيتي ، نامي يا حبيبي نرتاح ولما تصحي ونهدى نتكلم براحتنا .
بحثنا عن الحبّ، ومشينا وراءه، أنسانا أنفسنا وعالمنا، ورسمنا طريقنا بالخيال والأساطير، لم نعلم أنّه مؤلم، ولم نتصوّر مقدار العذاب الذي قد يسبّبه، فعشنا لحظة فرح يملؤها العشق، لكنّنا وجدنا عذاباً وألماً لم يكن في الحسبان، فألمُ الحبّ يمزّق الجسد، وعذابه يدمّر القلب ، أعطيته قلبي وحبّي وعطفي، لكنه أضاع كلّ شيء، فسألت نفسي أين ذلك الحبّ؟ فأجابتني بأنّه في عالم الضّياع ،
فصعب أن يجافيك الحبيب لأسباب غير واضحة، والأصعب ألّا يبرّر لك قسوته رغم سؤالك الدّائم عنه فعندما تنتظر الجبر من شخص ما لدرجة الجنون، فإنّك حتماً ستفقد حلاوة لقائهِ بسبب قسوة كلماته ،
من الصّعب الاختيار بين الحبّ والكرامة، والأصعب أن تكون مجبراً على التّنازل عن أحدهم،
شكراً لأنّك جرحتني بكلماتك قبل رحيلك، لأننّي حين أحنّ إليك أتذكّر كلماتك فيزول حبي لك فما أصعب أن تعيش داخل نفسك وحيداً بلا صديق، بلا رفيق، بلا حبيب، فتشعر أنّ الفرح بعيد، وتعاني من جرح لا يطيب، جرح عميق، جرح عنيد، جرح لا يداويه طبيب. صعب هو الوداع في الحبّ، والأصعب أن ينتهي الحبّ دون كلمة وداع ،
بقي لغياب الشّمس لحظات، لحظات وياًتي المساء، وفي المساء يأتي الوداع، وفي الوداع تبكي العيون، ومن تلك الدّموع تنطفئ كلّ الشّموع، إلّا شمعة أوقدها دمعي كي لا ينسى أنّ الوداع كان من أشدّ الآلام الخيانة فمِن المؤلم أن تتظاهر بما ليس في داخلك كي تحافظ على بقاء صورتك جميلةً، وأن تصافح بحرارة يداً تدرك تماماً مدى تلوّثها، وأن تنحني لذلّ العاصفة كي لا تقتلعك من مكانك و تبتسم في وجه إنسان تتمنّى أن تدير وجهك عنه وتمضي ، وما أصعب أن تشعر بالضّيق وكأنّ المكان من حولك يضيق.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
تنام “سكون” على سرير الفحص فقد سافروا للطبيب كي يطمئنهم على الجنين وعمران يقف بجانبها يتمسك بيدها والبسمة تزين محياه بسعادة غامرة لينظر إليه الطبيب وهو يبتسم ببلهاء لما اكتشفه في جهاز السونار :
ــ جاهز يا صعيدي للمفاجئة امسك اعصابك قوووي ، ها أقول ولا أسيبك تتفاجأ ؟
نظر إليه عمران متلهفاً أن يتحدث وهو يطلب منه أن يحكي سريعاً :
ــ له قول يا دكتور ومتقلقش الأعصاب شديدة وهتتحمل والصعيدي شديد ميتخافش عليه .
كور الطبيب قبضة يديه وهو يمثل القوة بذراعيه بخفة وداعبه :
ــ اه على راسنا ياصعيدي مش هدخل معاك في تحدي تاني وأنا المرة اللي فاتت خرجت خسران من التحدي وبقى عليا عهد ووعد أولد الدكتورة في ولادها التلاتة على حسابي قوم بقي ادخل تحدي تاني واقول لك تكاليف المربية اللي هتساعد الدكتورة في التلاتة اللي هتجيبهم على حسابي ! لا يا عمنا الله الغني انت كدة هتتنصح عليا وهفلس على حس عيالك .
برقت عيناي عمران وهو يستمع إلى ما قاله الطبيب ، أيعقل أن سكون تحمل في أحشائها ثلاثة أجنة وأن هبة الله وكرمه من أوسع ألأبواب وأن انتظاره لم يكن هباءاً منبثاً وأنه سيصبح أبا لثلاثة بدلا عن جنين واحد فقط تمناه كثيرا وكثيرا وحلم به ليال وليالٍ ،
يا الله ما أكرمك على عبادك ربي في عطاياك ياذا الوهاب المنان والمعطي بلا مانع ،
ثم هتف للطبيب بذهول وحدسه لايكاد يصدق ما استمع إليه :
ــ هي مرتي حامل في تلاتة يا دكتور ؟
هز الطبيب رأسه بموافقة ليقول بفخر مغلف بالدعابة وهو يشير إلي حاله :
ــ هل عندك شك ان ربك يوضع سره في أقصر خلقه ماهو مش علشان انا دكتور قصير القامة مش هعرف أوفي بوعدي معاك واخلي المدام حامل في تلاتة بفضل الله وكرمه الواسع !
ثم أكمل حديثه المشاكس بنفس الدعابة :
ــ جهز حالك ياصعيدي واحفظ ذهب الليل طلع الفجر والعصفور صوصو ، واحفظ أغنية جدو علي هو وبطته وكمان اه يابطة يا سمينة مالك كدة حيرتينا علشان انت بعون الله ياصعيدي يا شديد ها يا شديد مش هتنام الليل وهتتدشمل .
تبسم عمران ضاحكاً على كلام الطبيب ليشكر ربه أولا ثم الطبيب ثانياً وهو يشدد قبضته على يد سكونه بسعادة :
ــ الحمد لله يارب ، الحمد لله ، تسلم يا دكتور على تعبك ووعدك وانك عملت معانا الصح وزيادة ،
واسترسل عمران مداعباً الطبيب هو الآخر :
ــ ومتقلقش الصعيدي هيطمنك أول بأول إنه هيحطهم جوة قلبه وهيراعيهم برموش عيونه إن شاء الله يسهروه العمر كلاته بس هما ياجو بالسلامة آمنين .
ابتسم الطبيب وهو يشعر بالفخر لجنس الرجال وردد :
ــ والله يابني انت اللي زيك هما اللي بيصلحوا سمعة الرجالة اللي باظت بسبب شكاوي حواء اللي مبتنتهيش عن قسوة الراجل واهماله ،
ثم نظر إلى سكون مدلياً عليه تعاليمه :
ــ بعد اذنك يا دكتورة مش هوصيكي طبعاً انك حامل في تلاتة اللهم بارك مش عايزين يبقي باب النجار مخلع ؛ بمعنى ناخد المقويات والفيتامين ونتغذى كويس جدا ، منتجات الألبان نشتغل عليها كويس جداً ، الفاكهة وأهمهم التفاح يعني من الآخر عايز غذا يطلع الأجنة مرتاحين بعيداً عن الأدوية وطبعاً الراحة ثم الراحة يعني تحاولي طول التسع شهور تبقي أكل ومرعة زي ما بيقولوا في المثل.
هنا تمسك عمران بتلك الكلمة وسأل الطبيب أمامها:
ــ طب وشغلها يا دكتور داي ساعات بتاخد ورديات وبتتعب جداً في الشغل وحضرتك أدرى العارفين .
نظر الطبيب الي سكون بأسى ناهياً إياها:
ــ معلش يا دكتورة نأجل الشغل والنجاح دلوقتي لحد ما تقومي بالسلامة وبعدها تصرفي حالك ، انتي لو حامل في واحد بس كنت هقول لك تابعي شغلك ولو يومين في الأسبوع أما إنتي اللهم بارك ويكمل لك على خير حامل في تلاتة يعني جوزك الصعيدي كمان يشوف لك ست تخدمك وتقعد معاكي تراعيكي .
تذمرت سكون بأسى فهي تعشق عملها بشدة لتردد بطاعة مجبرة عليها :
ــ حاضر يا دكتور هعمل اللي انت هتقول لي عليه ومش هقصر أبدا.
ابتسم لها عمران وهو يربت على كتفها برعاية أعجبت ذاك الطبيب ليهتف مشاكسا:
ــ طب من فضلك يا صعيدي ممنوع منعاً باتاً العصبية وانك تزعلها أو تضايقها بشتى الطرق أنا عايزك لما تعمل اي حاجة تتحمل مش كفاية هي هتتحمل فترة حملها الصعب جدا وانت هتشيل على الجاهز فلو زعلتها انت المسؤول ،
ثم تبسم بتهذب لسكون وأكمل بخفة :
ــ اي خدمة يا دكتورة معاكي كارت بلانش تعملي فيه اللي على كيفك وهو مجبر إنه يتحملك وطلعي بقي نكد الستات على حق مع الصعيدي علشان اشوفه متشحتف اللي ماشي يحب على روحه دي ومسبش حاجة للرجالة الغلبانة المتنكد عليهم من ستاتهم علطول .
ضحكا كلتاهما بشدة على كلام الطبيب ليقول عمران وهو ينظر إلى سكون نظرة عاشقة بكلمات أذهلت الطبيب:
ــ له سكوني كيف الملايكة هتدي عمرانها الأمان والحب وهتحتويه في عز ما هي محتاجة وعمرها أبدا ما تتشبه بأي ست خلقها ربنا ، أني هشوفها بعين الزوج خير النساء اللي تسر القلب وتشرحه وهشوفها بعين الأخ أعزهم وأقربهم لقلبي ، وهشوفها بعين الأب اللي بته رافعة راسه وشأنه وهتخاف عليه من الهوا الطاير .
ما كان من سكون إلا أنها ربنا على يديه تؤكد على كلامه ليهتف الطبيب بحزن مصطنع لفشل محاولاته في إزعاج عمران :
ــ يا صعيدي بقي يا صعيدي حرام عليك يا جدع ، هو انت ايه بتبلفها بكلامك علشان تغيظني ،
ثم وجه أنظاره إلى سكون مترجيا إياها أن تساعده في العبث بمزاج عمران :
ــ طب يا دكتورة قولي هو بيضايقك في ايه وتعترفي وأنا هديكي حالا مقويات وشوكولا لسه جاية لي من ألمانيا معاينة للأم تتاخد في حملها علشان تمنع تشوهات الجنين وتقوي عضلات القلب والصدر والرئة وهطلعهم بعون الله أشداء وعلى الصعيدي أقوياء بفضل الله وكرمه .
زاغت عيناي سكون بين عمرانها وبين بطنها التي تحمل أبنائهم وهي تريد أن تستغل الفرصة ففكرت سريعاً لتقول ببسمة شامتة وهي تنظر إلى عمران الذي يقف ينظر إليها بتشتت كالمنتظر لنتيجة اختباره وما إن قالت كلماتها للطبيب حتى برقت عينيه من مكرها وهو يتناوب النظر بينهم في اتفاقهم عليه بحسرة :
ــ بصراحة يا داكتور في حاجة خطرة قووي هيعملها الصعيدي وكمان خطر على ولادي ونفسه ما يعملهاش .
تبسم الطبيب بتسلية وهو ينظر إلى عمران ليغمز له بمشاكسة :
ــ والله وغلبت عشقك يا صعيدي وخلتها تعترف وفضلت ولادك اللي في بطنها عليك بصراحة أنا فرحان فيك قوووي ،
ثم نظر إلى سكون مستجدياً منها أن تتحدث سريعاً:
ــ قولي يا دكتورة وأطربي الآذان بشكواكي من الصعيدي الواثق من حاله بالقوي وخلاني أغير من عشقك ليه ، يرضيكي دكتورك اللي هيجاهد معاكي طول فترة حملك بكل أسلحة العلم اللي رزقه بيها ربنا علشان تولدي بالسلامة يبقي عنده عقدة نقص بسبب عمرانك ، اتكلمي بسرعة .
ضحكت سكون على إلحاح الطبيب ونظرات عمران الناهية لها بدعابة لتقول بأكثر شئ يزعج عمرانها :
ــ هيشرب سجاير كتير قوووي يادكتور والسجاير دي أكتر حاجة مضيقاني وهنتخانق بسببها كتير وخطر على صحته قووي ولازم حضرتك تعرفه مدي خطورتها على ولاده اللي في بطني وبحس باختناق رهيب لما أحس إنه شربها وحالتي صحياً بتدمر ومعدتي بتتقلب وببقي مش على بعضي وكمان خطر جدا على صدره وصحته .
مط الطبيب شفتيه بأسى عندما نطقت جملتها الأخيرة :
ــ يعني في الآخر مش خايفة على نفسك يا دكتورة وبرده خايفة على الصعيدي ؟
ثم نظر إلى عمران ليقول بقلة حيلة:
ــ برده غلبتني يا صعيدي مش عارف اعمل ايه عشان اكسبك مره في تحدي عشق العمران والسكون وشكلي كده لو قعدت 100 سنه مش هعرف ،
واسترسل حديثه بنبرة آمرة لا تقبل النقاش :
ــ بس برده هفسد مزاجك ممنوع منعاً باتاً تشرب سجاير علشان خطر جدا على ولادك وكمان عشان ما نتعبش الدكتورة يا سيدي .
رفع عمران منكبيه باستكانة ليقول بانتصار:
ــ والله كان بودي تكسب التحدي يا داكتور بس ادي الله وادي حكمته وقلت لك قبلك اكده ما تدخلش تحدي في عشق السكون والعمران واذا كان على حكاية التدخين القهاوي مفيش اكتر منيها.
نظرت إليه سكون بعيناي غاضبة ولكنها فضلت الصمت إلى ان يعودوا إلى منزلهم ثم طمئنهم الطبيب على كل شيء ولكن سكون سألته سؤالها الأعظم بالنسبة لها وهي تبتلع أنفاسها بصعوبة فهي تمنت ذاك اليوم كثيراً :
ــ يعني دلوك يا دكتور مفيش خطر على الحمل خالص يعني ممكن ابلغ حماتي اني خلاص هجيب لها الحفيد اللي هتتمناه لولدها ؟
أحس عمران بوجعها وهي تسأل الطبيب ذاك السؤال بمرارة فأكد عليها الطبيب بكل ثقة :
ــ طبعا تقدري تبلغيها وتفرحيها عيب عليكي وبعدين انتي عملتي التحاليل بنفسك وتأكدتي إن السبب اللي كان بيعمل لك تشوهات للجنين وبيخليه ينزل ما بقاش موجود الحمد لله فتقدري يا ستي تفرحي بنفسك وتفرحي بحملك وتفرحي كل اللي حواليكي خلاص التعب النفسي راح وربنا معاكي بقى على تعب الحمل يا دكتورة .
بسمة أمل ارتسمت على شفاها وإحساس بالرضا جعلها تنظر الى السقف وكانها تنظر الى بشائر رب العباد وتشكره على عطاياه وجبره لها ثم شكر عمران الطبيب وودعهم على ان تاتي سكون تتابع حملها مع الطبيب كل ثلاثة اشهر واكد عليهم وعده في انه سيقوم بالاشراف على ولادته بنفسه حتى يقر عيناهم بابنائهم ،
خرج عمران وسكون من المشفى وسعادة الكون بأكمله تملأهم من الخبر الذي أخبرهم به الطبيب وما إن استقرا في سيارتهم وانغلقت الأبواب عليهما حتى جذبها إلي صدره باحتواء وهو يقبل رأسها :
ــ ياه ياسكوني شفتي كرم ربنا علينا قد ايه يعني صبرنا ونولنا وربنا هيكرمنا بتلت اولاد هتولديهم مرة واحدة ونربيهم مرة واحدة بإذن الله ،
شفتي بقى زي ما كنت بقول لك ان بعد الصبر جبر فعلا .
شددت على احتضانه وهي تشعر بأنها أسعد امرأة في الكون اليوم :
ــ ما تتصورش الموضوع دي كان قالقني قد ايه يا عمران ، والله ما بسببك انت ولا كنت حاملة همك انت اكتر ما كنت حاملة هم ماما الحاجة وبابا الحاج علشان انت ولد وحيد وكمان اتجوزت متأخر حقهم كانوا يقلقوا وماما كانت تعمل اللي عيملته اني مش زعلانة منيها واصل علشان هي ام ونفسها توبقى جدة وتحمل أحفاد ابنها الوحيد،
متشوقة قوي اشوف لهفتهم وفرحتهم وسعادتهم بالخبر دي .
ريت عمران على ظهرها بحنو وهو يتعجل بالسفر إليهم:
ــ يسلم لي حبيبي ابو قلب طيب اللي طول عمره بيدي أعذار للي حواليه والله ما في منك يا سكوني ، نروح بسرعة بقى علشان نروح نقول لهم الخبر الحلو دي عشان يفرحوا زيينا ومعانا .
ابتسمت له وهي ما زالت متشبسة بأحضانه وبدأ عمران القيادة بقلب ينبض بالسعادة الغامرة لعطايا الله لهم ،
أما هي كالمعتاد طلبت منه أن يبدأوا بقراءة سورة البقرة والأذكار المعتادة في سفرهم إلى أن يصلوا فبذكر الله تطمئن القلوب ونأمن السلامة دائماً في كل مكان ،
بعد عدة ساعات وصلوا في منزل سلطان الذي كان يجلس هو وزينب في حديقة المنزل وكانوا يتصفحون هواتفهم،
دلفوا اليهم وعلى وجههم علامات السعادة وبعد أن رددوا السلام وجَّه عمران مداعبته لأبيه :
ــ وه يا حاج سلطان هي الحاجة زينب عدِتك ولا ايه كل ما آجي لك ألقاك ماسك التليفون في يدك بعد ما كنتش بتطيقه واصل .
تحمحم سلطان وهو ينظر إلى زينب :
ــ وعليكي السلام يا ولدي وعليكي السلام يا بتي ،
أها القاعد ة على التليفون الوقت الفاضي هتضيع الوقت وهتمنع المشاكل احسن من النقار عمال على بطال .
لوت زينب شفتيها بامتعاض لكلامه وبالتحديد أمام سكون :
ــ قصدك ايه يا سلطان اني هنكد عليك عمال على بطال ما توزن كلامك قبل ما تطلعه من بقك يا خوي .
تنهد سلطان بقلة حيلة:
ــ ولا اقصد ولا ما اقصدش ما تعمليهاش حدوتة عاد يا زينب وهدي خلقك اللي عمال على بطال هيزيد عصبية دي وانتي عارفاني ما يحبش الطريقة دي واصل وما تدخليش في طريق مهحبوش .
كادت زينب ان تنطق لترد على كلامه ولكن عمران منعها :
ــ هتتخانقوا إياك انت وامي يا ابوي عاد واني جاي لكم بخبر هيفرحكم على الاخر وهيخليكم تزقططوا !
انتبهت زينب بكلام عمران لتنطق باستنتاج:
ــ خبر ايه يا عمران يا ولدي الحلو اللي هيفرحنا يا ترى هترجع تعيش وياي اهنه تاني انت ومرتك ؟
اجابها عمران بمراوغة :
ــ له يا حاجة داي حاجة احسن من دي واصل بكتير .
انفرجت أسارير زينب وهي تتوقع ما يريد قوله ولكنها لم تريد ان تنطقها على لسانها كي لا يكون استنتاجها خطا فتزعجهم لتسأله بلهفة :
ــ طب ما تُنطق عادي يا ولدي وفرِحنا معاك ربنا يفرح قلبك .
عبئ عمران صدره بأنفاس طويلة كي ينطق خبره السعيد وهو يتمسك بيداي سكون وعينيه تلتمعان بالفرحة :
ــ سكون حامل في أول الشهر التالت يا امي والدكتور بلغنا كمان إن الحمد لله حملها كويس جداً وإن العرض اللي عنديها زال .
كبر سلطان بسعادة وهو يبارك لهم :
ــ الله كبيراً ، الحمد لله يا ولدي وربنا يتمم فرحتكم على خير يارب.
أما زينب هللت بزغاريد ملئت المكان وهي تكبر وتسمي :
ــ بسم الله ما شاء الله ، صوح يا عمران يا ولدي الخبر دي فرح قلبي .
هز عمران رأسه للأمام بتأكيد وهو مبتسم :
ــ وه هو الحوار ده فيه كذب يا امي،
ومش بس اكده خدي عندك التقيلة بس قلبك هيتحمل المفاجأة يا حاجة زينب .
ابتسمت ببلهاء لتردد وهي تبتلع ريقها استعدادا لتلقي مفاجأته :
ــ اتكلم يا ولدي عاد متسيبش ركبي واصل .
وجه عمران أنظاره إلى سكون وهو يخبرهم بما قاله الطبيب عن عدد الأجنة في أحشاء سكونه :
ــ سكون حامل في تلاتة توم يا امي .
انتفضت من مكانها بسعادة وحدسها لا يكاد يصدق ما استمعت إليه وسلطان هو الآخر زينت البسمة محياه بشدة وهو ينظر لسكون حامداً ربه ،
اما زينب سألته بتأكيد مرة أخرى:
ــ اوعى تكون بتشتغلني يا واد لا احسن الله الوكيل أفط فيك وأتبط عليك ما اخليك.
هتف عمران بتزمت مصطنع وهو يعقد حاجبيه:
ــ طب وداي فيها اشتغالات ياحاجة زينب عاد والله زي ما هقولك اكده مرتي حامل في تلاتة .
ما إن أكد لها حتى دارت حولهم بالزغاريد والفرحة بهم كأنها ملئت المكان وهي تكبر وتهلل وتحمد الله على عطاياه ثم طلبت من سلطان :
ــ بقولك ايه يا سلطان لازم تدبح تلت عجول لولاد ابني وتفديهم من العين علشان ربنا يحرسهم في بطن مرت ولدي وتعمل ليلة لأهل الله يتحاكى عنيها حي قنا كلاته ،
واسترسلت حديثها بتحذير قاطع لا يقبل النقاش:
ــ بس اوعاك تقول لحد إن مرت ولدنا حامل في تلاتة عاد علشان العين متصيبش أحفادي قبل ما ياجوا الدنيا .
وافقها سلطان :
ــ معلوم يابوي معلوم ، من غير ما تقولي يا حاجة لازم الغلبان يفرح هو كمان ونبدر الصدقة لأهل الله بزيادة علشان يدعوا لولدنا بالبركة والخير ومهقولش لحد واصل .
نظرت سكون إلى زينب وهي تمد يدها كي تاخذها في أحضانها وتبارك لها بحنو صادق :
ــ الف مليون مبروك يابتي وربنا يتمم لك على خير يارب ،
وأكملت حديثها وهي تخرج من أحضانها ناهية إياها بتحذير لا يقبل النقاش :
ــ وانتي يابتي اوعاكي تنزلي على المدعوق دي الفيس بوك حاجة عن حبلك ولا عن ولادك لاحسن يفقعوكي عين يجيبوكي الارض وأحنا ما صدقنا ما نقصينش حاجة توحصل لأحفادي اللي هعد الست شهور دول على ما ياجو للدنيا بمليون سلامة .
ضحك عمران على خوف والدته وهم في بدئ الأمر :
ــ وه يا حاجة من اولها هنبتديها تعاليم ! الحاجات داي بيد الله سبحانه وتعالى وبعدين وأما بنعمة ربك فحدث .
ضـ.ـربت زينب على صدرها بفزع :
ــ وه يعني لولا إني نبهت كنت هتمشي ترط لخلق الله عن حبل مرتك يا ولدي !
وأكملت بتحذير لا يقبل النقاش:
ــ اوعاك تعملها يا عمران ، اوعاك تعملها ياولدي العين حق وفلقت الحجر وانت صبرت كتير وبعدين ابقي حدث عن النعمة لما تمسكها بيدك وتحضنها وتشم ريحتها مش هنتحدت لسه على حاجة في علم الغيب اياك !
داري على شمتك تقيد ياولدي .
أطاعها عمران :
ــ حاضر يا حاجة امرك نافذ وعلى راسنا من فوق .
ربتت على ظهره بحنو لتقول له بأمر :
ــ طب قوم بقي من جار سكون علشان عايزة اتحدت وياها شوي .
نفذ أمرها وهو مندهش من طلبها ليجلس بجانب والده الذي ربت على ظهره وهو يبارك له مرة أخرى ،
أما زينب تحدثت إلى سكون وهي تعتذر لها عن ما بدر منها :
ــ اوعي تكوني لساتك زعلانة مني ياسكون يا بتي من اللي حصل مني واكيد انتي عارفة انه كان غصب عني ؟
ابتسمت لها سكون برقي وهي تخرج ما في قلبها بصدق فهي قد تقوت بعمران وانه سيدعمها في كل مواقفها لثقته بها :
ــ طب واشمعنى دلوك يا ماما الحاجة هتقولي لي الكلام دي توك لما عرفتي اني حامل واني خلاص هجيب لكم الحفيد ؟
خجلت زينب من كلمات سكون فحقاً هي تأخرت في مراضاتهم ولكنها بررت موقفها بما جعل سكون تتراجع بأدب نظراً لأخلاقها العالية :
ــ هي الأم لما تغلط في ولادها مطلوب منها انها تعتذر يا بتي المفروض عيالنا يحطوا لنا ألف عذر على كل مواقفنا الغلط معاهم ودي كلام رب السما وأني قلت لك بدل المرة ألف انك كيف بناتي بالظبط ولو انتي اعتبرتيني كيف ماجدة امك اللي لو غلطت فيكي عمرك ما هتلوميها ولا هتطلبي منيها انها تعتذر لك وتحب على راسك .
تبسمت سكون وهي تتراجع عن كلماتها وتنحني عن موقفها لأجل أن لا تزعج عمرانها فهو يستحق أن تفعل لأجله كل ما هو جميل:
ــ عنديكي حق يا ماما الحاجة واعتبريني ما زعلناش وكاني مفيش حاجة حوصلت واللي فات مـ.ـات وكمان كفاية انك أم عمران فأي شي هتقوليه لي سماح لحد اخر عمري .
حقا لقد أخجلتها سكون بحديثها المتأدب فما كان منها إلا أنها ربتت على ظهرها بحنو لتردد بامتنان :
ــ منحرمش منيكي يا بتي ولا من ذوقك وأخلاقك العالية يا أصيلة يابت الأصول صوح ماجدة عرفت تربي وتكبر .
كان عمران وسلطان يتابعون المشهد براحة توغلت في أعماقهم فحينما تهدأ النفوس وتزاح الغمة ويسود السماح بين الآخرين ويموت الخبث تكن الدنيا بألف سلام ،
وسلام على أرواح تغافلت من أجل بقاء الود بل وألف سلام ،
ثم تحمحمت زينب وهي تفـ.ـجر طلبها الآن لعمران :
ــ أمممم… بقول لك ايه ياعمران ياولدي منويش تعاود شقتك اهنه انت ومرتك ،
ثم أكملت وقد أدمعت عينيها:
ــ عايزة افرح مع سكون بحبلها وأخلي بالي منيها وأراعيها برموش عينيا ونفسي أحفادي يتربو في حجري ومتلهفش لشوفتهم واصل ،
شا الله يجبر خاطرك ويسترك يا ولدي توافق وما ترفض .
هنا عمران وضع في خانة اليك الخانة الصعبة الذي يقف أمامها عاجزاً بين دموع أمه وترجيها له وبين هناء زوجته وسعادتها ،
كان صامتاً لن يعرف بما يجيب ولكن سلطان تحدث كي يحمل عنه الحرج :
ــ سبيهم على راحتهم يا زينب يرتاحوا في المكان اللي يختاروه احنا معايزينش حاجة في الدنيا غير راحتهم وسلامتهم .
كان في ذاك الوقت سكون تنظر إلى عمران وقرأت في عينيه الشفقة والحزن لحزن والدته وأنه يقف عاجزاً أمام راحتها لأجل أن لا تنزعج هي فتفوهت أخيراً بما أراحهم جميعا وهي ترفع الخجل عن عمرانها بما جعله تبسم لها بعشق وهو يريد أن يعانقها آلاف المرات على عقلها الكبير :
ــ وليه لا يا بابا الحاج ! أني بصراحة الفترة الجاية همر بظروف صعبة جداً في حملي وهمر بأزمات نفسية بسبب وهن الحمل وكمان عمران بيقضي طول الوقت في الشغل ومش بياجي غير على الليل وكمان هبطل الشغل وهقعد فهحس بالملل وانا عايزه الونس ومش هلاقي احسن من ماما الحاجة اتونس بيها وعلشان تكون وياي طول الحمل وكمان تربي معايا ولاد ابنها اللي اكيد هيجننوني لما ياجوا الدنيا.
التفتوا إليها جميعهم وهم غير مصدقون رد فعلها ليسألها عمران :
ــ انتي متوكدة من قرارك دي يا دكتورة الموضوع دي مفيهوش غصبانية ؟
حركت رأسها بابتسامة وهي تؤكد عليه قرارها :
ــ ايون متوكدة يا عمران وبعدين أني مهحبش الوحدة وهحب الونس وكمان مش هقعد لحالي طول اليوم من التليفزيون للتليفون .
راق له ردها ثم شكرها بامتنان :
ــ منحرمش منك يا اغلى الغاليين على قلبي ،
واسترسل حديثه وهو ينبه على والدته :
ــ احنا هنرجع يا ست الكل ونوبقى تحت رجليكي بس اعملي حسابك متسأليهاش هتنزلي ميتة ولا هتنامي وتصحي ميتة هي حامل وممكن ياجي عليها ايام تلاقيها نايمة النهار بطوله وانتي أدرى العارفين بتعب الحمل فسيبيها على راحتها علشان المركب تمشي ونكون على نور من الاول وميحصولش مشاكل عاد .
حركت رأسها بابتسامة نمت عن رضاها بكلامه ثم هدرت بحدة مصطنعة :
ــ مليكش صالح يا واد اني وهي أحرار كيف البت وامها اللي لما تلاقي بتها غابت تطلع تسأل عنيها .
ضحكوا جميعاً والفرحة تملأ قلوبهم بعد سنوات من الحزن والسعادة الضائعة وأخيراً استمعت أذناهم إلى الأخبار المفرحة .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من نبض الوجع عشت غرامي)