روايات

رواية ملحمة الحب والانتقام الفصل الرابع 4 بقلم ندى ممدوح

رواية ملحمة الحب والانتقام الفصل الرابع 4 بقلم ندى ممدوح

رواية ملحمة الحب والانتقام الجزء الرابع

رواية ملحمة الحب والانتقام البارت الرابع

رواية ملحمة الحب والانتقام الحلقة الرابعة

4_قتل
اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك ، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت ، أَعـوذُبِكَ مِنْ شَـرِّ ما صَنَـعْت ، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القلوب مقابر بعضها في عذابٍ وظلمة حالكة، وأخرى في نعيم وبداخلها سراجًا وهاجًا، وللقلوب أسرار عسير على المرء أن يبوء بها لأيًا كان، إلا ذاك الذي فُتحت له الأبواب وقالت هيت لك.
بقلبٍ مكلوم، ينوء بالقلق، كانت تجلس فرحة في المنزل الذي تقطنه برفقة أخيها الضابط يحيى، في تلك القرية الصعيدية التي أنتقلا إليها آنفًا، والقلق أخذ ينهش في قلبها نهشًا، ويأكل؛ لتأخره وهاتفه المغلق، وراح عقلها يتصور أسوء وأحلك الأحوال التي قد يكون فيها، ولم تكن تعرف أحد إلا مالك الشاب الذي قابلته عدت مرات عند البحيرة التي كانت تستجم لديها، فكانت هي مصدر إلتقائهما، وحبهما الذي أخذ ينمو في السويداء من القلب دون رادع، رفعت نظرها من نافذة المنزل إلى قرص القمر المستدير في تلك الليلة ومكتمل، وفي عينيها نظرة إنبهار، عاصفة هوجاء هلت على حين غرة تنبأ بقدوم عواصف هائلة ليس أشد ثقلًا وعصفًا من القادم الآن.
وقع إرتطام هائل، مفزع دوى وراء فرحة التي أستدارت فورًا وهي ترتجف نحو الباب الذي كان أحدًا ما يدفع للداخل بقوة رهيبة، فأقشعر بدنها، وهي تفغر فاهٍ، وحدقت في الباب جاحظت العينين، وقد توقف قلبها عن النبض من فرط الأنفعال والخوف، وراقبت الباب الذي أنكسر وشهقت وهي تبصر مالك أمامها، فتنفست الصعداء، وسمحت لعينيها أن تذرفان في راحة، وقد تبخر خوفها كله كبخار تصاعد إلى عنان السماء، وتنهدت وهي تهمس بصوتٍ تنبعث منه الراحة:
_مالك!
رمقها مالك بنظرة حادة، وهي تتقدم شَطَره بوجهٍ مشرق، قائلة:
_أنت بتعمل إيه هنا؟
لكن مالك قابلها بوجهًا جامد الملامح، راسخ الجسد، وغمغم بلهجة شديدة الحدة:
_لازم تيجي معاي دلوك!
نظرت له فرحة بزعر، ورددت بدهشة:
_أجي معاك فين؟ أنت في وعيك.
ثم أستدركت بلهفة:
_يحيى يا مالك يحيى أخويا لحد الآن مرجعش.
وصدمها قوله الصارم دون ذرة رأفة:
_ومش هيرجع أخوكِ إلا لو…
وترك باقي عبارته فارغة عمدًا وحثها لتسأله بتساؤل أطل من مقلتيها التي تفيضان بالدمع، قبل لسانها:
_إلا لو إيه؟
وفي بساطة نزع مالك يده من جيبه، وثنى جاكته فوق ذراعه، وهو يقول ببسمة بدت لها شيطانية:
_إلا لو جيتِ معايا دلوك واتجوزتيني!
صُعقت فرحة من الصدمة، وتراجعت تلقائيًا وقد أحست بالخطر لأول مرة إزاءه، وأصابها الرعب وهي تهز رأسها، قائلة بما يشبه الهزيان:
_أتجوزك إيه بقولك أخويا يحيى لحد الآن مرجعش، مالَك يا مالِك حاسة كأنك حد معرفهوش!
رفت عينا مالك وأشاح النظر عنها، وهو يقول بصوت صارم مخيف:
_هتيچي معاي دلوك وهتتجوزيني، دا لو رايدة أخوكِ يرچع زين؟
وبخطوة واحدة كان يقطع المسافة التي تحيل بينهما ويجذبها من ذراعها بعنف، مرددًا:
_ولا أقولك أنتِ هتيچي غصب عنك.
وسحبها معه؛ رغم محاولاتها الواهية للإفلات من قبضته الفولاذية التي ألتصقت بذراعها، ولم يتركها إلا وهو يزجها داخل سيارته ويغلق الباب بإحكام، ويجلس هو وراء عجلة القيادة ويقود منطلقًا ناسفًا الطريق غير عابئًا بصراخها.
************
دلف سراج إلى منزله وهو يسيرُ في تؤدة، بعد ما أوصل مليكة إلى منزلها.
وصورتها الباكية وهي ترتمي في حضن أمها لا تغيب عن عينيه منذُ فارقها.
تنبه من شروده، على صوت جده عتمان، وهو يبادر قائلًا بنظرة ثاقبة تكاد تخترق سراج:
_سرحان في إيه يا سراج يا ولدي، مالك فيك إيه؟
فتبسم سراج إبتسامة طفيفة وهو يتقدم إليه، قائلًا في نبرة متهالكة:
_أنا بخير يا چدي، أنت زين؟
قطب عتمان حاجبيه وهو يحدجه في برود، وأجابه بنبرة هادئة:
_بخير…
وأتبع وهو يشيح النظر عنه متلهيًا:
_أُدخل غير خلجاتك وأرتاح باين عليك الشقى.
استأذن منه سراج مغادرًا، وحدق عتمان في الباب باهتمام يشوبه القلق وهو ينتظر قدوم مالك، وزفر في ارتياح وهو يراه يدخل بخطوات هادئة، فقال عتمان في همسٍ:
_ها عملت إللي طلبته منك يا ولدي.
هز مالك رأسه إيجابًا، وتطلع فيه عتمان في لهفة، وهو يسأله ببهجة:
_قتلت الظابط إياه وأخته؟ وداريت جتته زين؟
أومأ مالك دون أن ينبس، وقد علت ملامحه سحابة من الكآبة التي غلفت قلبه.
لقد أكل الحزن منسأة صبره دون أن يتوارى منه، ولم يعد له إلا منسأة الوجع الذي لا يبرح قلبه، يحيا حياته لم يشأها، ولم يتمناها، ولم يريدها.
مجبورًا هو على العيش في كنف عتمان وتنفيذ أوامره
فتبًا للحياة التي جردته من كل شيء حتى من نفسه.
***********
سلم من صلاته والدموع تغرق وجهه، وبدا الوجع في عينيه اللاتين تفيضان دمعًا مستلذًا بعذابه، كانت ملامحه تنبض بالألم
بالعذاب
بالخوف
وراحت شهقاته تتعالى وهو يخر ساجدًا، وبنحيبٍ أخذ يهمهم بصوتٍ يفطر القلوب:
_يا رب إنت العالم بالقلوب، أنا عارف إنك مش هتقبل صلاة من واحد قتال قتلة، ولكن أنا مليش ملجأ إلا إليك، معنديش حد أأوى إليه غيرك، يا رب هدأ قلبي الموجوع، يا رب طمن روحي.. يا رب.. يا رب
راح يهتف مناديًا المولى عز وجل بصوتٍ يمزق الصم الصلاب لو كانت تصغي إليه وتتناهى له كلماته، وأعتدل وقد جفت الدموع متحجرة في عينيه التي تتلظيان بالألم، وأحس بكفٍ يحط على كتفه، فرفع عينيه سريعًا، وما كاد يرَ لمن اليد حتى أسفل جفنيه ورف قلبه وهو يسكب من فوق أسكفته العبرات، قائلًا بوجيعة:
_خالة أمينة، فرحة الوحيدة ياللي حبيتها دلوك بقيت تكرهني.
وضرب كفه على موضع قلبه، وقال بصوت يقطر وجدًا:
_قلبي ده مكنش ينفع يحب، أنا السبب يا خالة أنا أستاهل كل اللي يچرالي من العذاب ده.
فهزت أمينة رأسها نفيًا، وهي تجثو على ركبتيها، وقالت بحنو وهي تضم وجهه بين يديها:
_لأ، متقولش كده يا ولدي، الحب نصيب ومكتوب زي كل شيء ربنا قدره لينا، إياكِ تيأس من رحمة الله، الحب ده نعمة حافظ عليها من زوال وأقفل على قلبك وحبك عشان ميتخدش منك.
ألقى مالك نفسه بين يديها، ومسدت هي على رأسه برفق وهي تغمض عينيها على ألمه الذي تأجج في صدرها كاويًا.
************
بفؤادٍ يبكي دمًا، وعينان تذرفان من المآقي عبرات كأنها نارًا تلظى، جلست فرحة منكمشة وهي تضم بذراعيها قدميها إلى صدرها، وترتكز بذقنها فوق إحدى ركبتيه، ومقلتيها شخصتان نحو باب البيت الذي نقلها مالك إليه وتركها وحيدة، تجتر خوفها دون أنيس يؤنس وحشتها،
وبعينين هلعتين راقبت الباب يُفتح ويطل من وراءه مالك، فأجفلت وإنتفضت واقفة برعدة أقشعر لها بدنها، وهي تراه يغلق الباب، فلاذت به قائلة بلهفة:
_يحيى أخويا فين؟!
وكررت سؤالها عدت مرات، عندما لم تتلقَّ ردًا، بينما أطرق مالك برأسه، وفي عينيه لمعة دمع حزينة، فصاحت فرحة هائجة:
_يحيى فين يا مالك عملت فيه إيه؟
وسكتت لهنيهة، ثم أردفت تقول بصوت ميت:
_حصل له إيه؟
فأجابها مالك بكلمة واحدة مميتة، وهو يرفع عينيه إلى عينيها:
_مات.
وتراجعت فرحة وقد اتسعت أعينها حتى بلغتا الذروة، وهزت رأسها نفيًا بعدم تصديق، ثم ضحكت قائلة والدموع تهوى هويًا على وجهها:
_مين إللي مات؟
وتلاشت ضحكتها، ثم هتفت بجنون:
_يحيى مستحيل يموت ده تقتل أيوة أنت قتلته، قتلت أخويا حبيبي، اللي ضحى بسعادته وحياته عشاني وعشان حمايتي.
ثم سكتت ونظرت إليه بعينين خاويتين، وقالت بصوتٍ واصب:
_ودلوقتي مين هيحميني منك؟
ولم ينبس مالك، كانت كلماتها كفيلة لكي تصيبه بالخرص، رغم ضجيج قلبه الذي ينبض بالألم.
لم ينتبه مالك إلى فرحة التي أندفعت داخل المطبخ، ولم تلبث أن خرجت راكضة وفي يدها سكينًا، وقبل أن يستوعب أو تبدر منه اي بادرة، كانت فرحة تهوى بالسكينة على صدره.
*************
كابوسٌ مرعب رهيب أيقظها من نومها وهي تنتفض واجفة القلب وتهب من فوق فراشها بأنقاسٍ متلاحقة، طاف بصر مليكة في زاويا حجرتها بعينين فزعتين، حتى هرعت والدتها إليها وأخذتها في حضنها وهي تتعوذ وتبسمل بلهفة، كان خوفٍ عظيم يدب في قلب مليكة وهي تتصور إن الكابوس قد يتحول إلى واقع، وتجد الرجلين يعثران عليها ويدفنوها وهي حية في مقبرة بين الأموات، وازداد بكائها وأمها تحاول تهدأتها، وأختها ملك تحتويها برفق.
ثم تمتمت ملك بشفقة:
_اهدي يا مليكة يا حبيبتي إحنا جنبك.
لكن مليكة غمغمت بشفاة مرتجفة:
_هيقتلوني يا ملك.
قالت والدتها وهي تضمها إليها أكثر:
_محدش يقدر يقرب منك وأنا جنبك يا مليكة اهدي أنتِ بس.
كان سراج في ذاك الوقت منشغل الفكِر بمليكة التي استولت على خلده كاملًا، حتى جذب سمعه صوت جِدال حاد وميز صوت هشام أخيه وامرأته فذم شفتيه، وتجهم المحيا وهو يتجه إلى صالون المنزل، وكما توقع فقد وجد أخيه يعنف زوجته بكل عنفٍ يملكه، ونعمة زوجته تقف ناكسة الرأس في صمتٍ تام، واستسلام معبق بالدموع التي أخذت تنزف من عينيها في غزارة آثارت شفقته، وخشى التدخل في شؤون لا تعنيه، فعبس المحيا وهو يرمق نعمة بضيق لذلك الاستسلام والخضوع الغريب لأخيه رغم إنها لا تفعل اي شيء لكل ذلك.
يدرك إن أخيه عسير المعشر.
ولا يستحق زوجة كـ نعمة فهي هشة، رقيقة أمام اخيه الصلب الذي لا يعرف شيء في الحياة ويتقنه كم يتقن إهانتها وضربها في كل حينٍ ووقت لأتفه الأسباب، وكان يبغض أخيه لذلك.
واتسعت عينا سراج في صدمة صُعقت قلبه في مقتل، فـ أمامه كان أخيه هشام، يستقبل أبنته الصغيرة (همسة) التي تقبل راكضة إليه بركلة قوية سقطتت الصغيرة على إثرها باكية، بينما وثب هشام صائحًا فيها وفي نعمة:
_غوري يا بت من وشي دلوك، وكفاية عياط ونواح اليوم كله.
_أسكت يا هشام.
هكذا دوى صوت سراج، وهو يندفع نحو الصغيرة، وأخذها من يد أمها وهو يحملها بين ذراعيه مهدئًا إياها في حنان، وعيناه تتوهجان بالغضب وهما لا ينحدران عن أخيه الذي حدجه ببرود، بينما غمغم سراج بعنف:
_إنت كيف تضرب البت بالطريقة دي؟!
فشوح هشام بكفه بلامبالا، وقال بحنق:
_وإنت مالك بتدخل ليه بين الأب وبنته، بتي وبربيها زي ما أنا عايز ملكش صالح يا ولد أبوي عشان منزعلش من بعضينا.
رمقه سراج بإزدراء، وجأر قائلًا بإمتعاض:
_وهي دي تربية برضو يا خوي ولا إيه؟
الظاهر إن مش البت هي اللي محتاجة تربية لوحديها.
لم يلتفت سراج لشرر الغضب الذي أشتعل في عينا أخيه من إهانته، إنما التفت إلى زوجة أخيه، وقال لها بهدوء:
_تعالي يا مرات أخوي شوفي البت.
وسبقها للخارج وهو يحدج أخيه بحذر كلا يقوم بتصرف أهوج أمامهن.
***************
_يعني إيه لحد الآن محدش قدر يوصل لأي معلومة عن أهل البنت دي، دا تخاذل ولا عدم اهتمام؟!
هتف زياد بتلك العبارة ونظره لا يحيد عن جسد فتاة ممدة أمامه على فراش المرض، كل شيء بداخلها فارغ..
كل السعادة والحياة سُلبت منها..
لم يعد لها شيء في الوجود..
إلا المرض الذي أخذ من جسدها موطنًا فلم يعد يبرحه.
وأجابه الطبيب، قائلًا:
_ولا تخاذل ولا عدم اهتمام البنت مفيش اي حاجة معاها تدلنا على عنوانها ولا عنوان حد من عيلتها دي كل الحكاية.
فتساءل زياد بضيق:
_والعمل؟!
رد الشاب ونظره معلق بالفتاة:
_مفيش حل إلا الأنتظار لحد ما تفوق.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملحمة الحب والانتقام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى