رواية ملحمة الحب والانتقام الفصل الأول 1 بقلم ندى ممدوح
رواية ملحمة الحب والانتقام الجزء الأول
رواية ملحمة الحب والانتقام البارت الأول
رواية ملحمة الحب والانتقام الحلقة الأولى
1_المنقذ
اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك ، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت ، أَعـوذُبِكَ مِنْ شَـرِّ ما صَنَـعْت ، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جأتني كغيث أغاث قلبي من ممات.
الليلُ يغشى المكان، القمرُ هلالًا يتوسط عنان السماء، تحيطُ به حاشيته من النجوم الثاقبة، حفيف الأشجار يتعالى بسبب ملاعبة رياحُ البليلُ له، في تلك اللحظة كان شابٌ يرتدي جُلباب صعيدي واقفًا يعالج مزلاج باب خشبي، ثم دفع بابه في قوة لينفرج عن بيتٍ بسيط.
أستدار ياسر هاتفًا بلهجة صعيدية هادئة:
_ إتفضلوا أُدخلوا آني عارف مش قد المقام بس احتياطي لحد ما نشوف بيت أحسن، إهنا هتكونوا في أمان محدش هيقدر يقرب منيكم ولا يعرف ليكم مطرح.
فأندست مليكة للداخل، يعلُو وجهها الإشمئزاز، وغمغمت بإمتعاض وعينيها تدوران في إنحاء المنزل البسيط الحال:
_إحنا هنقعد هنا؟!
فحدجتها والدتها شزرًا بنظرة رادعة، بينما أجاب ياسر في هدوء متأن:
_معلِشِ يا ست مليكة آني عارف إن البيت مش قد المقام ولكن إحتياطي لحد ما نشوف الدنيا واخدانا على فين، والقضية هترسي على إي.
حدجت أمل ابنتها وهي تقول بلهجة صارمة:
_أدخلي جوة يا مليكة أنتِ وأختك.
ضربت مليكة قدمها على الأرض بضجر، ثم توجهت للداخل غاضبة وهي ترغي وتزبد.
إلتفتت أمل إلى ياسر الشاب الذي يعمل لدى زوجها في شركته، وقالت بأعتذار:
_معلش يا ياسر متزعلش من مليكة.
فأجابها ياسر بلهجته الصعيدية:
_انا مستحيل ازعل منيها أنا همشي دلوق في وحدة هتيجي قريبتي عشان لو عوزتوا حاجة.
فشكرته أمل وهي تشيعه إلى الباب:
_شكرًا يا ابني من غيرك مش عارفه كنا هنعمل اي كان زمنا في الشارع
فعاتبها ياسر برفق:
_لا عاد متقوليش كدا دا كله من خير عمي محمد ياما ساعدني همشي آني وكل ما الاقي فرصة هاجي أطل عليكم وإن شاء الله عمي هثبت برائته متقلقيش.
فردت عليه أمل بإيماءة من رأسها:
_إن شاء الله يا بني، طمني عليه اول ما توصل.
غمغم ياسر وهو يتأهب للأنصراف:
_هخليه يكلمكم بس مش دلوق بعد فترة كدا تكون الشرطة هديت ووقفت تدوير عليه، يلا فوتكم بعافية.
فأغلقت أمل الباب وراءه وهي تتنهد بثقل، وهمست بينها وبين نفسها:
_يا ترى إحنا فين والدنيا مخبية لنا إيه، يا رب.
لحظاتٍ وكانت تُعد مائدة الطعام وتستدعي ابنتيها اللآتين حضرتا فورًا، فجلست ملك بينما جالت مليكة ببصرها على الطعام الذي على المائدة بمقت، وقالت برفضٍ تام:
_أنا مستحيل أكُل الأكل ده ابدًا.
فأسبلت أمل جفنيها كي تهدأ من إنفعالها، وهي تجيبها بحدة:
_دا اللي موجود يا ست عجبك كلي مش عجبك نقطينا بسكاتك وحلي عن نفوخي كفاية المصيبة إللي إحنا فيها.
ثم تنهدت وهي تقول:
_أدي آخرة دلع ابوكي ليكِ.
فتمتمت مليكة وهي تسير بعجل صوب الباب:
_طيب كلوا انتوا بقا الأكل ده وانا هنزل أشوف أي سوبر ماركت وأجيب أي حاجة.
والتقطت حقيبتها وهي تركض نحو الباب بينما أمها تهب بفزع هاتفة:
_ استني يا بت أنتِ تعالي هنا نازلة فين وإحنا في مكان منعرفهوش؟!
لكن عبارتها ذهبت أدراج الرياح والباب يُغلق بقوة، بينما كانت مليكة تتلفت حولها وسط الظلام الدامس الذي يغشى المكان بغرابة، وهي ترتدي بنطال من الجينز الضيق يعلوه تيشرت ضيق ذو أكمام طويلة، وأخذت تسير في الطريق بوجل وقد تسرب الخوف إلى قلبها واستوطن، وهمٌَت بأن تعود وما كادت تفعل حتى أدركت إنها قد نست أيُّ الطريقُ سلكت، فتوقفت في منتصف الطريق عالقة في الضياع ثم تناهى لها أصوات رجولية فتتبعت أثر الصوت وهي تصيخ السمع وتسترق النظر بحذر وجزع وثوانٍ ووجدت نفسها تقف أمام ثلاث شباب ذو جلابيب صعيدية، توقفوا عن الحديث ما أن وقعت أبصارهم عليها بهيئتها تلك، وقد تجمدت أعينهم عليها بغرابة وهم يفترسوها بنظراتهم الحادة الرجولية، تراجعت برعبٍ وقد سرت رعدة باردة في أوصالها ودب الهلع روعها؛ عندما تقدموا الشباب منها، ونطق إحدهما قائلًا بصوتٍ غليظ وهو يبلل شفتيه بلسانه:
_ووه إيه القمر اللي هل علينا دلوق من غير إحم ولا دستور!
وغمغم آخر ببسمة ساخرة:
_دي مش من هنا عاد أصبر نشوف القمر منين.
وألتفت إليها، متسائلًا بنظرة حادة:
_أنتِ مش من إهنا يا بت إنتِ صُح؟
تسمرت مليكة عن الحركة وتخشبت أطرافها وهي تزدرد لعابها بخوفٍ، وبصوتٍ متهدج من الهم الذي اعتلج فؤادها قالت:
_لأ.. أنا مش من هنا فعلًا.
ثم أردفت تقول وهي تستدير:
_و.. وهمشي حالًا.
وقبل أن تطأ قدمًا، أو تتحرك خطوةً واحدة، وجدت كفًا خشنًا غليظًا يقبض بإحكام على معصمها، فأستدارت في هلعٍ نما فوق وجهها وصرخت به مقلتيها، وحاولت ان تفلت يدها من بين أصابع الشاب لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، وافرجت شفتيها عن قولٍ ما عاد ينحبس بداخلها وقد اتسعت أعينها حتى بلغتا الذروة وهي تجد شابٌ آخر برز على حين غرة من اللامكان عريض المنكبين، بائن الطول يجز على أسنانه غضبًا وهو يلف أصابعه على ذراع الشاب الممسك بها، ويجأر بصوتٍ مميت أثار الهيبة في أعماقها:
_هملها.
كانت كلمة واحدة تلك التي نطق بها، جعلت الشاب يرتجف كريشة في مهب الريح، وأعينه تتسعان حتى بلغتا الذروة، ويفغر فاهٍ متلعثمًا بكلماتٍ لا يتبين مهيتها:
_سـ ســ سراج بيه.
_إمشي غور من إهنا، متورنيش وشك واصل لحد ما أطلبك أنا.
في لمح البصر كانوا الشباب قد أختفوا، ونظرت مليكة في وجه الرجل الواقف بشموخ أمامها في صمتٍ عجيب، طالعته بنظرات مرتابة، لاحت ابتسامة ساخرة على شفتي سراج، وقال:
_إيه ياك شايفة عفريت قدامك ولا إيه حُصل لك؟
انزعجت مليكة من سخرية صوت سراج وارتفاعه، وتلفتت يمينًا ويسارًا قبل أن تقول لائمة:
_وطي صوتك يا جدع إنت!
ارتفع حاجب سراج مندهشًا، وهو يغمغم:
_وهو أنا إكده صوتي عالي ولا إيه؟
صرخت مليكة في وجهه:
_هو أنت مش سامع نفسك.
اجابها سراج بصوتٍ غليظ:
_لأ…
وقطع عبارته وهو يقول مستدركًا:
_أنتِ إيه اللي مطلعك من بيتك في نص الليل إكده.
وشملها بنظرة فاحصة من قمة رأسها لأخمص قدميها، وهو يتابع:
_وبت مين أنتِ إهنا؟ وإيه اللي لابساه ده!
نظرت مليكة إلى ملابسها وهي تقول متعجبة:
_وماله لبسي مش فاهمة!
ران عليهما الصمت للحظات، حدج سراج مليكة بنظرة ثاقبة وقال بجدية:
_ساكنة فين أنتِ همي معاي أوصلك.
ازدردت مليكة ريقها وقالت بخفوت:
_أنا شبه ضايعة ومش عارفه فين البيت لإن اول يوم اجي فيه هنا فمش عارفة المكان.
فسألها سراج باهتمام:
_إنتِ ضيفة إهنا.
هزت مليكة رأسها إيجابًا، وأخذت تفرك أصابعها في توتر، حملق سراج في وجهها ثم سألها:
_مش فاكرة جيتي من أي طريق إهنا المكان ميتوهش كفاية بس تفتكري طريقك.
أشارت مليكة إلى ناحيةً ما، وقالت بصوتٍ خفيض:
_غالبًا جيت من هنا.
فتجاوزها سراج وهو يقول:
_همي بينا.
لحقت مليكة به بخطوات سريعة حتى يتسنى لها مجارة خطواته.
_بس هنا هو ده البيت.
صاحت مليكة بتلك العبارة ما أن وقعت أعينها على البيت الذي أمسى يأويها، فتوقف سراج وأستدار لها بنظرة مبهمة جعلت الريبة تغمر فؤادها، وفي لحظة كانت تهرول من أمامه تطرق باب البيت بلهفة وتختفي بداخله، وظل سراج لردحًا من الزمن بعينين معلقتين على الباب.
لم تخبر مليكة بما حدث معها لأمها وأختها، وإن ظلت تفكر بذاك الشاب الغريب.
***********
استيقظ سراج من نومه على صوت المنبه الذي وقته على تمام الساعة التاسعة صباحًا، وما كاد يعتدل في فراشه حتى وجد الباب يُقتحم وولدته تدلف للداخل، قائلة:
_سراج يا ولدي اصحى جدك رايدك في شيء ضروري.
فنزع عنه الغطاء الذي كان يتدثر به وهب واقفًا، وقال:
_انا صاحي يا مه هغسل وشي وأنزل له طوالي.
لم يلبث أن كان يفتح إحدى الحجرات وعلى وجهه بسمة متسعة في وجه رجلٌ يجلس على مقعد متحرك، وشابٌ يقف أمامه، وقال بنبرات قوية:
_صباح الخير يا جدي، كيفك يا مالك؟
قالها ويده تحط على منكب مالك الذي رد على سؤاله بهدوء، بينما الجد يخبر سراج في هدوء:
_الشغل اللي في المصنع ع الجبل مش عجبني يا سراج يا ولدي في إهمال شديد ميتسكتش عليه، عايزك تروح بنفسك وتشرف على الرجالة هناك.
هز سراج رأسه، ورد على جده في لهجة واثقة:
_إعتبر الشغل منهي يا جدي.
وقال وهو يتراجع خطوتين بظهره:
_عن إذنك.
وأستدار مغادرًا وهو يغلق الباب وراءه، فانتظر الجد عتمان برهة من الزمن ثم رفع بصره إلى مالك المطرق في أدبٍ جم، وقال:
_سراج هبعده عن إهنا، وإنت عليك تخلص ع الظابط ده، عايز خبر موته يوصل لي الليلة دي، فاهم يا مالك؟
هز مالك رأسه في طاعة، وقال بنبرة كالفحيح:
_متقلقش يا حج عتمان إعتبر رقبته وصلتلك من دلوك.
فتبسم الجد بسمة مقيتة، وقال في راحة:
_عارف إنك قدها يا ولدي، ولكن إعرف ان الظابط ده مش ناوي على خير وعمال ينقب ويلف ويدور ورانا ومستني لينا غلطة لو وصل لها…
وتابع بنبرة شرسة، وهو يضرب على عنقه:
_رقبتنا هتتلف حولين المشنقة.. فاهم يا مالك يا ولدي؟!
هز مالك رأسه مجددًا، وغمغم:
_فاهم يا چدي والأمر منهي متقلقش واصل.
************
خرجت مليكة من منزلها بحثًا عن أي مكانٍ تجلب منه طعامًا، لم تكن تدرِ أي شيء عن البلدة التي تقيمُ بها حاليًا، وإن ظنت إن الأمر هين كما القاهرة، وقد ظهر في طريقها بضع محلات بقالة ومن صغرها لم تحسب إنها ما تبغي، فأخذت تسير دون ان تسأل حتى أحدٍ عما تريد، وقد اعتقدت إن بإمكانها أن تجد بمفردها بغيتها، وفجأة وجدت نفسها في المقابر، وقد بدأ غروب الشمس يلوح في الأفق والشفق يغمر الأرجاء، فتابعت سيرها في جرأة حتى تسمرت قدميها على صوت رجلٌ يقول في غلظة:
_إحنا هندفنوه الليلة والاثار هتتهرب برا البلد وهنعيشوا مبسوطين كان لازم يعني يعمل إكدا اديه هيترمي للتعابين تاكله.
فشحب وجهها وتتبعت أثر الصوت وهي تسترق السمع في اهتمام، وتخطو بحذر وبخطواتٍ متأنية، فوجدت رجلين يتناقشان عن دفن أحدٍ بعد ما يلقى حتفه على أيديهم، اتسعت عينيها في زعر وهي تشهق بصوتٍ عال، فأستدارت الرؤوس إليها، وأطل غضبٍ هائل في أعين الرجلين، وهتف إحدهما:
_دي سمعتنا يا محمود أمسكها.. إوعاك تهرب منيك.
وتراجعت مليكة في هلعٍ دب في روعها، ثم استدات وأندفعت تعدو في الطريق، بينما إندفع الرجلين خلفها في إصرار رهيب.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملحمة الحب والانتقام)