رواية مصطفى أبوحجر الفصل الرابع عشر 14 بقلم آلاء حسن
رواية مصطفى أبوحجر البارت الرابع عشر
رواية مصطفى أبوحجر الجزء الرابع عشر
رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الرابعة عشر
-١٤- الانهيار
((قسمًا عظمًا لو مااتقدملك رسمي في خلال أسبوع واحد بس لأقول لأبوكي وساعتها هتتجوزى أسامة ورجلك فوق رقبتك، بقى عاوزه تمشى على حل شعرك وداخلة خارجة على حِس الشُغل وإحنا مختومين على قفانا، رامية بنتك ورايحة تجريلي ورا مؤلفين وممثلين ياخسارة تعبي فيكي أنا وأبوكي، ده احنا لو كُنا بنأكلك حرام مكنتيش عملتي كده))
زاد انهمار دموع شمس وهى تسترجع كلمات والدتها السابقة، فهي لم تدرِ ما أصابها بالأمس عندما دلفت الأُم إلى الغُرفة أثناء مُحادثتها لمصطفى، وكأنما أصابها الشلل أو إحدى الأمراض العصبية، بل وكأنها قد قُيدت في مكانها بسلاسل حديدية فلم تقدر على الحِراك أو الحديث في نفس الوقت الذى تقدمت فيه والدتها إليها بخطوات ثابتة، لقد استمعت لصوت عقلها يأمرها بإغلاق هاتفها إلا إنها لم تستطع حتى تحريك أصابعها لتنفيذ أمره، حقًا هي لم تعي سر تلك البلاهة التي حلت عليها، ولم تُفِق إلا عندما جذبت والدتها الهاتف من بين يدها ..
لطالما أحست بالخجل من نفسها مُعترفة بتأثير كلماته عليها، لكن ألتلك الدرجة أصبحت ضعيفة هشة أمام بضع كلمات رقيقة طالما اعتبرتها من قبل؛ تجاوز وعمل غير أخلاقي من رجل لا يربطها به أي علاقة، لكنها تُحبه .. نعم هي تعترف بذلك، وهو أيضًا تفضحه عيناه المُعجبتان بها ..
لكن .. لماذا كُل ذلك الاندفاع داخلها للحُب ؟ لماذا لا تقاوم نفسها كعادتها ؟
صمت عقلها عن التفكير لبضع ثوان مُقاومًا صوت ضميرها الذى يُنكر عليها فعلتها وحججها، فقد أصبحت مثل المُدمنة، تضع دائمًا الأعذار والمُبررات لأفعالها المُشينة دون اقتناعها، فكُلما قاومت ادمانها اندفعت إليه، وكُلما دققت النظر في خطيئتها تمادت فيها، فلم يقتنع ضميرها بذريعتها الواهية بل شد الخناق عليها وكأنه على وشك القبض على عُنقها وإزهاق روحها؛ هذا ما كانت تشعر به في الليالِ الماضية، والآن زاد عليها خجلها من والدتها التي صُدمت بها وبأفعالها ..
لم تستطع الدفاع عن نفسها أو الإجابة على تساؤلاتها العديدة، وكأن لسانها قد انعقد من الرهبة، لكن بعد إصرار الأُم وشطحها بخيالاها إلى سيناريوهات أكثر دناءة وفداحة، لم تجد الابنة بُدًا من الاعتراف بحقيقة الأمر والدفاع عن نفسها برواية ما حدث مُنذُ البداية، إلا أن ذلك لم يُخفف من وطأة صدمة الأُم التي شهقت بصدمة مكتومة بعدما ضربت صدرها بإحدى راحتيها قائلة :
_ يا ندمتي .. بقالك شهرين بتعرفيه وتقابليه ..
غادرت الابنة فِراشها مُحاولة تهدأة والدتها المذعورة قائلة بخوف واضح خاصة عندما ارتفع رنين هاتفها الذى بين يدى والدتها :
_ والله لا ياماما أنا كُنت بقابله نتكلم عن الرواية بس مش أكتر ..
إلا أن ذلك الرد لم يمنع ملامح الأم من الانقلاب إلى الأسوء بعد أن طالعت هوية المُتصل فضغطت على زر كتم الصوت قبل أن تتسع عيناها وهى تهمس بحُرقة حتى لا تستيقظ الصغيرة :
_ رواية إيه وزفت إيه على دماغك .. من أمتى وإنتى بتكتبي روايات ..
أجابتها الابنة بكلمات مُرتعشة :
_ من زمان ياماما بس والله محدش شافها إلا هو وبعتهاله عشان أعرف رأيه بس ..
أحمر وجه الأُم بحنق من غضبها المكتوم وامسكت ذراع ابنتها بقوة لتستحثها على الاسترسال قائلة وهى تُلقى بالهاتف أرضًا :
_ ها وبعدين كملي كنتوا بتعملوا إيه لما تتقابلوا وبتتقابلوا فين ..
امتلأت ملامح شمس بالألم، وعضت على شفتها السُفلى بقوة كي لا تفضح أوجاعها، ورغم ذلك أجابت على تساؤل الأُم مدافعة عن نفسها :
_ في أماكن عامة والله ياماما وكُنا بنتكلم بس ولما عجبته الرواية صمم إنه ينشرها عنده ..
صمتت الابنة فزادت الأُم من الضغط على ذراعها حتى قالت الأولى بكلمات كاد أن يتخللها البُكاء :
_ بس والله هي دي كل الحكاية مفيش حاجه تانى ..
حاولت مجيدة ضبط أعصابها إلى أقصى درجة كي لا تجذب ابنتها من شُعيراتها، فقالت بلهجة مُزدرية :
_ ومُكالمات نص الليل دي بردو عشان الرواية والقلبين اللي انتي رزعاهم جمب اسمه دول بتوع الرواية ..
لمُ تُجبها شمس فأضافت هي بصوت واضح تخلى عن خفوته :
_ أنطقي بدل ما أجيبك من شعرك واقول لأبوكى، في إيه بينك وبينه ..
بعد كثير من المُحاولات نجحت شمس في الإفلات من قبضة يدها وابتعدت عنها عدة خطوات قائلة :
_ ياماما والله مفيش حاجة ..
إلا أن مجيدة عاودت الاقتراب منها من جديد قائلة :
_ شايفاني دقة عصافير ياحيلة أُمك .. انطقي يابت متجننيش حصل إيه بينكوا .. بتقولوا كلام حب في نص الليل ..
هزت شمس رأسها نافية بذعر :
_ والله العظيم ما حصل حاجة خالص ولا قولنا حاجة ..
لكنها ما لبثت أن أضافت بخفوت بعدما أحست باستعداد والدتها للهجوم عليها من جديد :
_ أنا آه بحبه بس مقلتلوش حاجة ..
وضعت مجيدة كفها أعلى فمها لتمنع شهقتها من الخروج قبل أن تضغط على أسنانها مُتسائلة :
_ وهو ؟
أجابتها شمس دون تفكير :
_ مش عارفة مقاليش إنه بيحبني ..
خرجت ضحكة ساخرة من بين شفتي الأُم قبل أن تنقض على ابنتها بخطوة واحدة وتُمسك رأسها براحتها بقوة قائلة بغضب :
_ طبعًا ويقول ليه .. ماإنتى واحدة واقعة ومُطلقة يعنى جاياله على الجاهز .. يدبس نفسه هو ليه ..
ثُم أضافت بتأنيب :
_ ما انتي لو كنتي لامة نفسك زي أي بنت متربية كان بقالك قيمة وسعر إنما انتي مقرطسانا ومقضياها مُكالمات ومقابلات والله أعلم إيه تانى ..
انهمرت دمعات شمس في الحال من كلمات والدتها القاسية والتي أصابت جزء كبير من الحقيقة بينما الأُم استطردت مُستنبطة :
_ وطبعًا عُمره ما فاتحك في موضوع الجواز ..
هزت شمس رأسها نافية دون أن تنطق، فأكملت الأُم مُؤكدة :
_ ولا عُمره هيعملها .. رخصتي نفسك ورخصتينا ..
عقب جملتها الأخيرة تركت رأسها من يدها وكأنها تُلقيها بعيدًا عنها مُكملة بتوعد :
_ قسمًا عظمًا لو مااتقدملك رسمي في خلال أسبوع واحد بس لأقول لأبوكى وساعتها هتتجوزى أسامة ورجلك فوق رقبتك .. بقى عاوزه تمشى على حل شعرك وداخلة خارجة على حِس الشُغل وإحنا مختومين على قفانا .. رامية بنتك ورايحة تجريلي ورا مؤلفين وممثلين ياخسارة تعبى فيكى أنا وأبوكى، ده احنا لو كُنا بنأكلك حرام مكنتيش عملتي كده …
وكأنها تذكرت فجأة فتسائلت :
_ وياترى عارف إنك مُطلقة ومعاكي بنت ولا لا ..
شمس بصوت خافت وهى تنظر أرضًا :
_ آه عارف ..
ألقت مجيدة جسدها المكتنز على أقرب مقعد وهى تلهث بعدما أبت قدماها على حملها فقالت بضعف وهى تُربت على صدرها عدة مرات براحتها علها تُهدأ دقات قلبها المُتسارعة :
_ ياخيبتك يامجيدة في تربية بنتك .. بقى يارب البنت الوحيدة اللي طلعت بيها من الدنيا تكسر نفسى كدة ..
ثُم أضافت مُولولة مُنوحة :
_ ولسة لما أبوكى يعرف .. قال بيقولي بنتك بتروح فين أقوله بتفك على نفسها .. يقولي اتأخرت ليه أقوله بنتي متربية، يقولي خايف على البنت حد ياكل بعقلها حلاوة أقوله أبداااا دي الملايكة في السما وبنتي على الأرض .. بنتي عمرها ما تغلط ..
شرعت في تحريك رأسها يُمنةً ويسارًا بحسرة وهى تقول :
_ ياشماتة العدوين فيا .. ليه تعملي كدة فيا حرام عليكى ..
شعرت وكأنها جلبت العار لأهلها فجثت على رُكبتيها لمواساة والدتها قائلة بصدق بعد أن ارتكزت على ساقيها وكأنها على شفا تقبيل قدمي والدتها :
_ والله ياماما ما حصل حاجة وأوعدك إني مش هقابله تانى بس عشان خاطري متقوليش كدة أنا عُمرى ما عملت حاجة تخليكي تتكسفي أو تشمت حد فيكى ..
أزاحت مجيدة يدى إبنتها عنها بصرامة قائلة بحزم وقد استعادت قوتها :
_ ومين اللي هيسمحلك أصلًا تخطى عتبة الشارع تاني .. انتي هتترزعي في البيت أسبوع ولو الزفت بتاعك ده عاوزك يجي يتقدملك .. مجاش يبقى أبوكى هيكلم أسامة ويحدد معاه معاد الفرح ..
هبت من مقعدها واقفة بعدما لاحظت نظرات الاعتراض والتوسل داخل عدستي ابنتها فقالت بإصرار :
_ مفيش حاجة هتحصل غير اللي بقوله، ولو فتحتي بقك ولا حاولتي تعملي حاجة غير اللي قولتها .. وديني وإيماني لأقول لأبوكى على كُل اللي حصل وهو اللي يتصرف معاكي، وانتي عارفة أبوكى لما العِرق الصعيدي اللي في عيلته يمسكه ..
******************************
كان يجلس بداخل مطعمه المُفضل المُطل على صفحات النيل الهادئ، يستمع إلى تلك الموسيقى الكلاسيكية التي تملأ المكان من حوله بينما عدستيه شاردتين مُتطلعتين إلى حركة مياه النيل الانسيابية والتي تلمع كسلاسل من فضة تحت ضوء القمر الساطع؛ وذلك من خلال النافذة الزُجاجية الواسعة القريبة من طاولته التي دائمًا ما يقع اختياره لها لابتعادها عن صخب الضجيج وجلبة الزحام، حتى يتمكن من تصفية ذهنه وتجميع أفكاره واتخاذ قرارت مصيرية بالنسبة إليه ..
ارتشف بضع رشفات من قهوته المُفضلة التي فقدت الكثير من حرارتها إثر انشغاله بالتفكير في ذلك العرض المُغرى الذى قدمته إليه (لينا) والذى يصعب عليه رفضه رغمًا عن التضحيات التي سيقوم بها في سبيله ..
وفى هذه اللحظة تذكر تلك الغائبة التي لازال هاتفها مُغلق حتى الآن على غير عادتها، فتملكه القلق عليها ولم يستطع مُقاومة رغبته في الوصول إليها بأي شكل من الأشكال، فلقد اعتاد على تواجدها الشبه يومي بداخل حياته، حتى إنه كان من النادر أن يحل الليل عليه ذات يوم دون أن يستمع إلى نبرات صوتها الرقيق وضحكتها الطفولية، أما الآن فهو يشعر بتشوش أفكاره ويعجز عن التفكير كما اعتاد، وكأنها كانت تَبُث داخله ذلك الاحساس الذي لازمه الفترة الأخيرة بالاطمئنان والسكينة ..
زفر باختناق وتململ في جلسته للمرة الرابعة قبل أن يشرُع في التدخين بتوتر واضطراب، غير عابئًا بذلك الكم من رُفات السجائر التي ملأت المنفضة من أمامه، وبعد عدة دقائق كان قد انتهى من سيجارته وبدأ في البحث عن اُخرى إلا إنه أدرك في النهاية نفاذها منه، فألقى علبة سجائره البيضاء اللامعة أعلى الطاولة أمامه بعُنف وكأنه يُخرج جميع ما بداخله من توتر واضطراب على كيانها الضعيف الذى لاحول له ولا قوة ..
وفى تلك اللحظة ومض هاتفه برسالة واردة مُبرمجة ردت له سكينته من جديد وفتحت له أبواب الطمأنينة التي افتقدها، ولم ينتظر قراءة ما تبقى من تلك الرسالة بل سارع بمهاتفة شمسه على الفور والتي قامت بفتح هاتفها أخيرًا ..
لكنها وعلى غير عادتها.. لمُ تُجبه !
رغم اتصاله العديد من المرات المُتتالية إلا إنها لم تُجبه !
زاد القلق بداخله وازدادت توجساته ومخاوفه بحدوث خطب ما لها أو للصغيرة، لذا أرسل إليها رسالة نصية صغيرة مُقتضبة للاطمئنان على حالها، وبعد عدة دقائق هاتفته، فأجاب مُسرعًا بنبرات فضحتها لهفته :
_ شمس انتي كويسة !
أجابته برسمية لم يعهدها منها في الفترة الأخيرة :
_ الحمد لله ..
تجاهل هو تلك النبرة واستطرد بعتاب مُتسائلًا :
_ اُمال فينك من إمبارح قفلتي فجأة وموبايلك طول اليوم النهاردة مقفول ؟
ظلت صامتة لبضع ثوان قبل أن تقول بجدية :
_ ماما دخلت عليا وأنا بكلمك ..
تساءل بحذر :
_ وبعدين ؟
طال صمتها تلك المرة حتى أنه اعتقد إغلاقها للهاتف من جديد، إلا أن اسمها الذى لايزال يُنير هاتفه نفى شكوكه، وفى تلك اللحظة خرج صوتها مُرتعشًا مُترددًا قبل أن تقول بكلمات قاطعة زيلتها شهقة مكتومة :
_ مصطفى إحنا مش هينفع نتكلم أو نتقابل تانى ..
لم يعلم هو كم الطاقة الذى بذلتها لمقاومة دمعاتها وبث القوة في نبراتها إلا إنها في النهاية لم تستطع وانعكس ما بداخلها من حزن في كلماتها بصورة واضحة، لكن سُرعان ما جاءتها إجابته في صيغة سؤال عَبر عن دهشته وهو يقول :
_ حصل إيه لده كله ياشمس فهميني ؟
فجأة وبدون مُقدمات اِنهارت هي قائلة بسرعة وكأنها كانت تنتظر سؤاله :
_ كُل اللي حصل بينا كان غلط ومينفعش نكمل كدة ..
تساءل باستغراب مُستنكرًا كلماتها :
_ غلط .. غلط إيه اللي حصل ؟
أجابته بهيستيرية بعد أن استفزها استنكاره :
_ كُل حاجة من أول كتابتي للرواية وإني أقابلك من ورا أهلي ومكالماتنا اليومية وكُل الكلام اللي دار ما بينا ..
حاول مصطفى تهدئتها قليلًا فقال بعقلانية :
_ اِهدى بس ياشمس .. إحنا معملناش حاجة غلط إحنا كُنا بنقعد في أماكن عامة وأغلب كلامنا كان عن الرواية والتعديلات .. وروايتك مش غلطة بالعكس دي حاجة عظيمة تفتخري بيها ..
قاطعته بعصبية مُوضحة :
_ بس في نظر ماما كُل ده غلط وملوش لازمة ..
لم يعلم بما يُجيبها فلم يستطع سوى أن يقول :
_ طيب خلاص بس براحة .. انتي دلوقتي إيه يرضيكي عشان متحسيش إنك بتعملى حاجة غلط ؟
خرج صوتها ثابتًا وكأنها قد اتخذت قرارها :
_ خلاص أنا مش عاوزة أنشر روايتي وكفاية الوقت اللي أخدته منك الفترة اللي فاتت .. أمسحها وشكرًا على مساعدتك ليا ..
جاءها صوته هادئًا مُتزنًا وهو يُجيبها بلا انفعال بعكس ما توقعت :
_ طيب وبعد ما امسحها ؟ وبعد ما تنهي علاقتك بيا ومنتكلمش تانى ؟
ارتعش صوتها وكأنها على وشك البُكاء قائلة كالمُرغمة وكأنها أضاعت كُل سُبل سعادتها ووأدت بيديها أحلامها التي لم تتخط مرحلة المِهاد :
_ خلاص هرجع لحياتي اللي قبل كدة لشغلي وبنتي ..
تنهد بضعف مُتسائلًا مُستنكرًا تخليها عنه وإخراجها له من حياتها بتلك السُرعة :
_ طب وأنا ؟
ترددت قبل أن تُجيب بكلمات مُتقطعة :
_ ما هو خلاص مش هيبقى في رواية وبالتالي خلاص ..
مصطفى بحزن واضح :
_ خلاص ؟ يعنى مش هشوفك ولا هقابلك ولا هكلمك تانى ؟
أجابته مُوضحة وكأنها تستحثه على شيء ما :
_ مفيش مُبرر لمقابلاتنا أو كلامنا بعد كده ..
مصطفى :
_ إزاى مفيش !
شعرت بحالها داخل دوامة من المراوغة لانهاية لها، وكانت تعلم جيدًا أنها لن تُجيد التلاعب بالكلمات مثله فتسائلت بصورة مُباشرة واضحة :
_ مصطفى أنت عاوز مني إيه بالظبط !
لأول مرة يشعر بالتردد في الرد على تساؤل لم يبحث له عن إجابة داخله من قبل، فقال دون تفكير :
_ مش عارف ..
أحست وكأنه قد طعنها في مقتل، وثارت كرامتها عليها طالبة الثأر فقالت بانفعال واضح :
_ طيب لما تعرف أبقى كلمني، غير كده ياريت اللي طلبته منك يتنفذ ..
إلا إنه أوقفها في اللحظة الأخيرة قائلًا برجاء :
_ استني بس ياشمس اسمعينى ..
تأففت بوضوح قائلة :
_ سمعاك ..
جاءها صوته الدافئ بعيدًا وكأنه ينبعث من بير سحيق، فاضطربت خلاياها وأحست بانقباضة قلبها وكأنها على وشك الموت، فتلك المُقدمة تُنبئ بقدوم الأسوء، لذا استمعت وهى مُغمضة العينين إليه وهو يقول :
_ شمس انتي إنسانة جميلة جدًا ورقيقة ومنكرش إني مُعجب بيكي بس … بس أنا مرتاح في حياتي كدة ..
قالت دون أن تشعر وهى لازالت مُغمضة العينين :
_ كدة إزاى !
تنهد بحرارة مُوضحًا :
_ كدة من غير ما أبقى مُرتبط بحد، لما بعوز أعمل أي حاجة في أي وقت بعملها أو لو عاوز أقابل أي حد بعمل كدة من غير ما أبقى شايل هم حاجة أو حاسس بضغط أو واجب اتجاه الشخص ده ..
أجابته بكلمات باردة لاتحمل أي معنى :
_ وبتقولي كدة ليه !
أجابها بحُزن :
_ عشان حاسس إنك اتعلقتي بيا ..
ساد الصمت لعدة دقائق انهمرت فيها دمعاتها بحرارة لاعنة ضعفها، فتساءل هو من جديد قاطعًا ذلك السكون :
_ مش كده ولا إيه !
لم تجبه أيضًا فأكمل هو :
_ ويمكن كمان حبتيني .. صح ؟
ثُم ما لبث أن استطرد برجاء بينما هي تكتم شهقاتها بقوة كي لا تفضح بُكائها :
_ أرجوكى رُدى .. جاوبينى ..
امتثلت لرجائه وقالت بصوت خفيض مُرتعش :
_ ولنفترض إنه حصل ..
أجابها على الفور وكأنه يتعمد الضغط على جرحها أكثر والاستخفاف بها :
_ بس أنا عُمرى ماقولتلك أو لمحتلك حتى بأنى بحبك ..
كادت أن تُغلق الهاتف في الحال لولا أن جاءها صوته يحمل الكثير من الجدية وكأنه على وشك قول أمرًا هام، فقال مُضيفًا :
_ آه أنا طول عمرى مش بتاع حب وجواز وارتباط وعيلة والكلام ده كله .. وطول السنين اللي فاتت وأنا حُر نفسى وسعيد ومبسوط بحياتي دي ..
كان يعلم قسوة كلماته عليها لذا قرر أن يُريحها ويُريح نفسه الجامحة فقال مُكملًا رغمًا عن عدم اقتناع عقله بما يفعله :
_ بس أنا بحبك ..
توقفت الدمعات عن الانهمار وفتحت هي عينيها بتشكك مُحاولة التأكد بما نطق به للتو فتسائلت بعدم تصديق :
_ إيه قولت إيه !
انشرح قلبه فور سماعه لصوتها أخيرًا فقال وكأنه استطاع التنفس بعد اختناق دام لدقائق كاد أن يودى بحياته :
_ بحبك ياشمس ودي حاجة أنا أتأكدت منها .. وللأسف مش هعرف أرجع تانى لحياتي اللي كُنت مبسوط فيها دي من بعد ما عرفتك ودخلتيها، مينفعش حياتي تبقى فجأة كدة فاضية وانتي مش فيها .. أنا عاوزك معايا على طول ..
شمس بخجل :
_ مصطفى أنا .. أنا
قال مُقاطعًا وكأنه يستجدى منها قُبلة حياة تُنقذه من الهلاك المؤكد :
_ قولي إنك بتحبينى عاوز أسمعها منك ..
كادت أن تنطقها من فرط سعادتها، إلا أنها تذكرت كلمات والدتها وذلك العار الذى جلبته إلى أبويها فقالت بحسرة :
_ وبعد ما تسمعها !! للأسف مبقاش ينفع بعد ما ماما عرفت أنا وعدتها إني مش هقابلك ولا هكلمك تانى إلا إذا …
مصطفى بلهفة :
_ إلا إذا إيه .. كملي سامعك ..
منعها خجلها وكبرياؤها من التلفظ بما طلبته والدتها فتراجعت قائلة بتردد :
_ مش هينفع يامصطفى أنا مش بتاعت ارتباط وكلام المراهقين ده أنا أُم وعندي بنت مقدرش أعمل كده ..
مصطفى بحسم :
_ ومين قالك إني عاوز إننا نرتبط !
شمس بعدم فهم :
_ اُمال عاوز إيه !
صمت هو عدة لحظات قبل أن ينطق اخيرًا قائلًا بتصميم وثقة بعد أن اتخذ قراره :
_ شمس .. تتجوزيني !
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)