رواية مصطفى أبوحجر الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم آلاء حسن
رواية مصطفى أبوحجر البارت الخامس والعشرون
رواية مصطفى أبوحجر الجزء الخامس والعشرون
رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الخامسة والعشرون
-٢٥- ثقة عمياء
غالبًا ما تأتيك الحقائق جاثية أسفل قدميك مُتوسلة إليك كي تراها، لكنك تتغاضى عنها بحماقة غير مُكترث لتضرعاتها، فترفع ساقيك لتتخطاها بمنتهى الثقة والكبرياء مُتجاهلًا حتى أبسط الرسائل من ورائها، وكذلك فعلت هي؛ اجتازتها دون أدنى تفكير، مُترفعة عن ذلك الإحساس بداخلها الذى يُخبرها بأن هناك خطأ ما، فنسيت أو تناست لوهلة أن ذلك الحدس – مجهول المصدر- بداخلها نادراً مايُخطىء، فهو أهم ما يميز المرأة ويعلو بها عن إحساس الرجل ..
تطلعت شمس إلى تلك الطارقة باستغراب يشوبه بعض الريبة، مُتسائلة بداخلها عن هوية تلك التي تقف على أعتاب منزلها بتلك الجُرأة في مثل ذلك الوقت المتأخر من الليل، كانت عينيها تلمع ببريق مُخيف بينما شفتيها تنفرج عن ابتسامة شبه ظافرة وكأنها ذئب جائع ساغب نجح بعد مُعاناة في اصطياد فريسته واحتجازها بين براثنه ..
حاولت شمس التماسك وتصنع القوة، فتسائلت بصوت واضح بعد أن لاذت تلك الواقفة بالصمت المُطبق، فقالت :
_ أيوه عاوزة مين حضرتك !
تأملت آلاء كل تفصيلة بوجه شمس وجسدها كأنها سلعة تقوم بمُعاينتها قبل أن تقول بتساؤل علمت إجابته مُسبقًا :
_ مش دي بردو شقة مصطفى ..
عبست شمس باستنكار، فكيف لتلك الفتاة أن تنطق اسم زوجها بتلك الطريقة الحميمة دون ألقاب وكأنها قد اعتادت على ذلك، لذا أجابتها بملامح مُستنكرة وكأنها على وشك افتعال شجار :
_ أيوة .. ممكن أعرف مين حضرتك !
كشفت شفتي آلاء عن ابتسامة مُستخفة وهى تنتقل بعينيها علوًا وهبوطًا على جسد شمس قبل أن تستقر في النهاية على عيني الأخيرة قائلة :
_ وانتي بقى أكيد مراته الجديدة مش كدة !
أحست شمس بالنفور والازدراء يملؤها من تلك الفتاة غرببة الأطوار بكلماتها الغير مفهومة والتي يبدو أنها تحمل الكثير من المعاني الخفية التي تقصد إيصالها لها، لذا أجابتها بلهجة أقرب للحدة :
_ الجديدة ؟؟ انتي مين وعاوزة إيه بالظبط !
دون مُقدمات أو إذن مُسبق، تحركت آلاء بجسدها الضئيل وتوجهت راغبة في التقدم إلى الداخل وهى تقول بثقة واضحة :
_ أنا بقى ياستى أبقى …
خرج ذلك الصوت الحازم يمنعها من التقدم، إلا إنه لم يكن صوت شمس بل لم يكن صوت أُنثوى بالمرة، إنما كان صوت لرُجل ظهر من ورائها على حين غرة، فلم تشعر أيًا من الفتاتين بقدومه، قال بنبرته المُميزة التي أشعرت شمس بالارتياح والاطمئنان لعدة لحظات :
_ أيوة عاوزة مين حضرتك ؟
التفتت إليه الفتاة بعينيها اللامعتين واللتان ازداد بريقهُم في الحال، فقالت باستنكار ساخر :
_ حضرتك؟ إيه لحقت تنسى اسمي ؟
ثم ما لبثت أن أضافت غامزة بطريقة مُريبة قبل أن تلتفت إلى شمس من ورائها :
_ نسيت لولو حبيبتك ..
كانت ملامحه صلبة كالفولاذ جامدة كالحديد، لا تبدو عليها أي أثر ينم عن معرفته المُسبقة بها، إلا أن ردة فعله كانت غريبة بالنسبة لشمس، فلقد تجاهل تلك الفتاة وتجاوزها متوجهًا إلى حيثُ تقف زوجته الشبه مذهولة قائلًا :
_ طيب بعد إذنك كدة معلش عشان عندي سهرة مع مراتي ..
طغى على ملامح الفتاة علامات الحقد والمقت الواضح، فخرج صوتها مُقترنًا بفحيح يُشبه الأفعى قائلة :
_ طب مش تستنى لما تعرف العروسة عليا الأول ولا هتسيبها كدة على عماها ..
أجابها مصطفى بابتسامة فارغة جوفاء وهو يجذب زوجته إليه في ذلك الفراغ الصغير بين جسده وبين باب المنزل قبل أن يُغلقه قائلًا :
_ أنا متأكد إنها مش مهتمة ..
كادت شمس أن تتحرك من مكمنها الضيق الذى حُشرت به، فحاولت تجاوز تلك الواقفة بالقُرب منها وتأبى التحرك من مكانها، إلا أن تلك الاخيرة أمسكتها من ذراعها بقوة ونظرة أشبه بالجنون تطل من عينيها وهى تقول بثقة :
_ لا انتي عاوزة تعرفي مش كدة ..
أغلق مصطفى باب المنزل بقوة قبل أن يدفع تلك المجذوبة بكتفه وينجح في المرور جاذبًا زوجته من ورائه وهو في طريقه إلى الدرج قائلًا :
_ يلا ياشمس اتأخرنا ..
اتبعت شمس زوجها دون تفكير، واجتازا عدة درجات قبل أن يأتيهم صوت آلاء من خلفهم مُرتجفًا مُختنقًا وهى تقول :
_ مش هسيبك تتهنى ولو لحظة واحدة يامصطفى سامعني ..
التفتت شمس إليها بخوف بينما زوجها استمر في جذبها من ورائه دون تفكير حتى كادت خطواتهما أن تقترب إلى العَدو، لكنها في خضم ذلك لم تستطع منع نفسها من التساؤل بأنفاس لاهثة :
_ مين دي يامصطفى؟
زاد مصطفى من قوة إمساكه بيدها يحثها على الإسراع في خُطاها، وبالفعل ماهي إلا لحظات وكانا قد اجتازا البوابة الرئيسية للمنزل وتوجها إلى سيارته على عجل، وفى تلك اللحظة قال مصطفى مُوضحًا وكأنه قد تذكر سؤالها فجأة :
_ هفهمك كل حاجة في العربية ..
بخِفة استقل الزوجان السيارة وبدأ مصطفى بتشغيل مُحركها في نفس الوقت الذى شعر كلاهما بتلك الفتاة تركض من خلفهما في طريقها إلى السيارة، بينما صوت صياحها يصدح في أرجاء الشارع الهادئ قبل أن تُربت على جنبات السيارة بعُنف قائلة بتوعد :
_ هتروح منى فين ..
شعرت شمس بالفزع يسيطر عليها فالتصقت بزوجها قائله بخوف حقيقي :
_ هي بتعمل كدة ليه .. عاوزة منك إيه ؟
في تلك اللحظة أصدرت السيارة صريرًا قويًا من مكابحها قبل انطلاقها بسرعة فائقة ساهمت في اختلال توازن الفتاة التي حاولت التشبث بمؤخرة السيارة ووقوعها أرضًا، وفى خلال دقائق كانت السيارة قد اختفت تمامًا عن أنظار تلك البائسة التي عدلت من وضع جسدها الذى أرتمى على الجُنبات، فجلست أعلى رُكبتيها بضعف وسط الطريق باكية بحسرة وقهر حقيقين بلا حول لها ولا قوة ..
التفتت شمس إليها فور تحركهم، فرأتها من خلال زجاج السيارة المُبتعدة وهى تسقط أرضًا قبل أن يتعالى صياحها المُختلط بالبكاء بطريقة هستيرية مست قلبها، فأحست بالدماء تغلى داخل عروقها ووجهت نظراتها الغاضبة الى زوجها تسأله في إلحاح :
_ فهمني إيه اللي بيحصل ..
أجابها مصطفى بهدوء وهو ينظر من خلال مرآة سيارته الأمامية ليتأكد من عدم اتباعها لهم قائلًا بوجه مُكفهر :
_ دي واحدة مجنونة ..
تساءلت مُطالبة بتوضيح :
_ مجنونة ؟ يعنى إيه مجنونة وعرفت مكان بيتك منين؟
أجابها بتلقائية دون أن ينظر إليها :
_ بتطاردني بقالها فترة ..
رفعت هي إحدى حاجبيها بعدم اقتناع قائلة :
_ تطاردك ؟؟ بس أنا فاكرة إني شوفتها معاك قبل كدة ..
ثُم ما لبثت أن استطردت بثقة وكأن الذكرى لاحت على ذاكرتها للتو قائلة :
_ اجو يوم المعرض بعد الندوة ..
هز مصطفى رأسه مُوضحًا :
_ معاكي حق .. بس وقتها كنت بحاول أجاريها لأن للأسف حالتها متأخرة أوى..
عبست شمس بغير فهم وتساءلت بحيرة :
_ وإيه اللي وصلها لكدة ؟
كان يبدو عليه علامات عدم الاهتمام وهو يقول بلا مُبالاة واضحة :
_ إنتى عارفة مجانين المشاهير ..
استفزتها لا مُبالاته الواضحة وكأنه غير مُكترث بالأمر برمته، فقالت بغضب :
_ بس دي كمان عارفة إننا أتجوزنا .. إزاي عرفت ومحدش يعرف إلا ناس قليلة جدًا .. هي بتراقبك ؟
رفع مصطفى كتفيه مُفكراً :
_ احتمال كبير ..
أزداد غضبها فقالت بثورة عارمة :
_ انت كل سؤال هترد عليه بكلمة ونص .. أنا عاوزة اعرف بالتفصيل مين دي وحكايتها إيه .. وإي معنى كلامها أنها حبيبتك ؟ أنت كنت على علاقة بيها ؟
زفر مصطفى بضيق مُحاولًا عدم الخروج عن هدوئه، فقال مُوضحًا :
_ ممكن تهدى وأنا هحكيلك على كل حاجة ..
ثُم أضاف مُسترسلًا :
_ أول مرة شوفتها كان في ندوة أدبية من كام سنه .. قدمتلي نفسها ومكنش باين عليها أي حاجة .. بالعكس كانت طبيعية جدًا زي أي قارئة شغوفة بكَاتِبها المُفضل .. بس بعد كدة بقيت ألاحظ إني بشوفها في كُل معرض أو ندوة أحضرها .. وعرفتني بنفسها أكتر وأنها بدأت تكتب وعاوزة تعرض عليا اللي كتبته ..
توقف عن حديثه والتفت إليها يرمقها بنظرة سريعة مُحاولًا تبيُن ردة فعلها قبل أن يُضيف :
_ في البداية رحبت طبعًا واتعاملت معاها بتواضع وقَدّرت إنها مُهتمة بكتاباتي بالشكل ده .. فأديتها رقمي تبعت عليه شُغلها وبالفعل بعتتلي عمل ليها ..
في الأول مكنش عندي وقت إني أقراه وبعد كام يوم بدأت تسأل عن رأيي وتتصل بيا أكتر من مرة بإلحاح شديد فاضطريت ألقى نظرة سريعة على اللي بعتته بس للأسف كان أسلوبها ركيك جدًا ومليان غلطات إملائية .. فمقدرتش أكمله وبلغتها بمنتهى صراحة إنها محتاجة تشتغل على نفسها أكتر من كدة وإنها لسه في البدايات ..
صمت لبضع لحظات قبل أن يُردف بحسرة :
_ وياريتني كُنت قولتلها إنه كويس يمكن مكنش حصل اللي حصل بعد كدة ..
زوت شمس ما بين حاجبيها مُتسائلة بفضول :
_ ليه حصل إيه ؟
أجابها مُكملًا :
_ بقت كل يوم تقريبًا تبعتلي حاجة جديدة كتبتها لكن مفهاش أي تطور عن أول حاجة بعتتها .. وبقت بتتصل بيا أكتر من عشر مرات في اليوم الواحد بشكل هيستيري لحد ما تعمدت إني أتجاهلها تمامًا، وفعلًا اختفت لفترة مش صغيرة .. لحد مااتفاجئت بيها في معرض الكتاب الأخير اللي شوفتيها فيه، كانت جاية تتهمني إني بتهرب منها واتفاجئت إنها بَنِت قصة حب وهمية في خيالها اللي هيألها إني كُنت مهتم بيها وعشمتها بالحُب وخليت بيها ..
رفعت شمس حاجبيها باستنكار مُتسائلة :
_ وهو أنت عملت كدة فعلًا ؟
نظر إليها نظرة ساخرة قبل أن يُجيب :
_ بصي مش هعلق على سؤالك .. والأفضل إني أكملك الباقي أحسن ..
رمقته شمس بتشكك إلا إنه تجاهل ذلك وأكمل بجدية :
_ حاولت أقنعها إني قد أبوها ومش معنى إني كُنت بحاول أساعدها يبقى بحبها ..
ولما شوفتيني معاها في المعرض كنت بحاول أهديها بعد ما ظهر على ملامحها مؤشرات مش طبيعية بالمرة فاضطريت إني آخدها على قد عقلها وقولتلها حاضر هعمل اللي انتي عاوزاه عشان بس أنهى مقابلتي معاها وأمشى ..
لكن تاني يوم لقيتها جيالي البيت واكتشفت انها مشيت ورايا بعد المعرض وعرفت مكان بيتي .. واتفاجأت بيها كمان بتهددني بحاجات غريبة مش فاهمها ..
ارتخت عضلات وجه شمس بعدما استمعت إلى روايته وظهر على وجهها ملامح الأسى مُتسائلة :
_ معقول كل ده حصل ومقولتليش، طب فين أهلها إزاى سايبينها كده ؟
أجابها مُفكرًا :
_ حقيقي مش عارف بس الوضع كدة ميتسكتش عليه دي ممكن تأذيكي وأنا مش موجود ..
ثُم أضاف مُحذرًا :
_ لو جت تاني أوعي تفتحيلها أو تدخليها لحد ما أعرف أتصرف ..
هزت رأسها موافقة ثم تساءلت بفضول :
_ طب وهتتصرف ازاى ؟
هز رأسه بحيرة حقيقية قبل أن يقول مُتمتمًا وكأنه يُحدث نفسه :
_ مش عارف لسة بس على الاقل لازم أتكلم معاها وأعرف هي عاوزة منى إيه بالظبط ..
ثُم أضاف بجدية وكأنه قد اتخذ قراره :
_ الحقيقة انا مكنتش عاوز أعمل الخطوة دي بس للأسف مُضطر، أعرف حد في الداخلية ممكن اديله رقمها ويحدد مكانها ويجيبها تمضى محضر عدم تعرض ليا أو ليكي، وبالمرة نعّرف أهلها اللي هي فيه عشان يلحقوها ويعالجوها أو حتى يحطوها في مصحة..
وجهت شمس أنظارها إلى النافذة بجوارها قائلة بحُزن وتأثُر :
_ مكنتش أتصور إن حد ممكن يوصل بيه الحُب أو الإعجاب بحد للدرجة دي ..
ثُم نظرت إليه من جديد بعتاب جلى مُتسائلة :
_ انت ليه عادي كدة ومش متأثر باللي حصل ؟
أجابها بجدية وكأنه قد اعتاد على ذلك :
_ أكيد مش عادي والموضوع ده يُعتبر حالة شاذة… أينعم في مُعجبات بيبقوا أوفر وبيوصلوا لأرقامي الشخصية ومكالمات ورسايل إعجاب.. بس مش لدرجة البنت دي ..
رفعت شمس إحدى حاجبيها بتهكم بعد أن سيطرت الغيرة على نبرتها وهى تقول :
_ وياترى بتعمل إيه معاهم المُعجبات دول بتقابلهم ولا بتكتفي بتليفونات غرامية معاهم ..
زفر مصطفى بضيق قبل أن يقول بتململ :
_ شمس هو انتي شايفاني تافه كدة بجد ولا معلوماتك عنى إني عندي مراهقة متأخرة ؟
إنتى مش شايفة الشعر الأبيض اللي مغطى راسي ده ..
تأملت هي تلك الشُعيرات بإعجاب واضح وكأنها تراها لأول مرة، فهو لا يعلم أن تلك الخُصلات وتجعيدات وجهه الوسيم هُما من أوقعاها في غرامه قبل حتى أن تعرف حقيقة هويته …
بعد نصف الساعة كان الزوجان يجلسان حول طاولة أنيقة بداخل إحدى المطاعم الكلاسيكية المُطلة على النيل، بعد أن داهمهم الوقت وفوتا الموعد المُحدد لدخول السينما فاقترح مصطفى تناول العشاء في مكان هادئ، وبالفعل لقد أحسن الاختيار وهاهُما يجلسان بداخل ذلك المكان الذى خُيم عليه الصمت المُطبق إلا من بعض الموسيقى الهادئة التي أضافت شعورًا رومانسيًا حالمًا مع ذلك الظلام المُضجع بالخارج، فبدى انعكاس وحدات الإضاءة المنتشرة في المكان على ألواح الزُجاج الشفافة كنجمات متلألئة تسطع في صفحة السماء السوداء الواسعة ..
كانت شمس تتناول طعامها بهدوء بينما مصطفى أكتفى بعد قضمتين، وظل الباقي من وقته يتأمل ملامح زوجته الناعمة والتي لاحظت تحديقه بها، فتملكها الخجل وتوقفت عن الأكل قبل أن تقول وكأنها قد تذكرت :
_ صحيح ياحبيبي كان في حاجة كدة عاوزة آخذ رأيك فيها ..
لم يُحول نظره عنها بل ضم ذراعيه مُستندًا بهما على الطاولة مُعبرًا عن اهتمامه دون أن ينطق بحرف واحد، فقالت هي بتردد :
_ كنت عاوزة أعمل جروب أو صفحة ليا ..
ثُم أضافت على عجل مُبررة :
_ أصلى كُنت بفكر أكتب رواية جديدة وعاوزة أنزلها على السوشيال ..
أجابها بابتسامة دافئة :
_ طب ما تنزليها عندي زي اللي فاتت ..
تغيرت ملامح وجهها دون مُبرر قبل أن تقول بحُزن واضح :
_ مش عاوزاهم يقولوا بينزل لمراته أو إنك بتجاملني ..
حرر ذراعيه من عقدتهما وتوجهت راحته إلى كفها الصغير يحتضنه برقة ودفئ قائلًا بابتسامة مُشجعة :
_ طيب أنا عندي اقتراح أحسن ..
أجابته بلا حماس :
_ سامعاك ..
ازدادت ابتسامته دفئًا وهو يقول بحنان أبوي :
_ إيه رأيك تكتبيها الأول وتخلصيها وبعد كدة نشوف ..
هزت كتفيها بعدم فهم مُتسائلة :
_ هتفرق في إيه ..
ضغط على كفها باحتواء مُوضحًا :
_ يعنى أكون كونت علاقات في الوسط اللي أنا داخله ده وساعتها ممكن أخد روايتك أعرضها على شركات الإنتاج ..
عبست شمس بغير اقتناع مُفكرة بصوتٍ عالٍ :
_ طب أنت مش شايف إني لازم أكون اسم الأول ؟
أجابها على الفور :
_ ياحبيبتي وهو أنا وانتي إيه مش واحد ..
لم تستطع هي فهم تلميحه إلا إنها أجابت قائلة :
_ لا بس أنا عاوزاهم يقبلوها عشاني أنا مش مُجاملة ليك ..
اقترب مصطفى من زوجته بنصفه العلوى وثبت عدستيه على خاصتها قائلًا بخفوت :
_ وأنا ياحبيبتي مش عاوزك تبدأي المشوار من أوله ..
لانت قسمات شمس قليلًا مُتسائلة :
_ يعنى إيه !
أجابها بهمس دافئ وكأنه يقوم بجلسة تنويم مغناطيسي، فسلط نظراته عليها بثبات قائلًا بنبرة حالمة رقيقة وكأنه يعرض أمام عينيها ما يقوله :
_ يعنى تخيلي كدة لما أول رواية ليكي تتعمل فيلم ..
أجابته مُقاطعة دون تفكير وكأن عقلها الباطن هو من يتحدث :
_ بس دي تُعتبر تانى رواية ..
أردف هو مُتجاهلًا تعليقها :
_ وإن اسمك يظهر على الشاشة الأول وتحضري برامج ولقاءات ويبقى ليكي فانزك جاهزين وموجودين فلما تنزلي رواية ورقى وإنتى اسمك مسمع جاهز .. هتلاقى الناس حواليكي كله عاوز يتصور معاكي زي أي حد مشهور ويطلبوا منك تمضيلهم على نسخهم..
ظهرت شبح ابتسامة حالمة على وجه شمس سُرعان ما اتسعت وملأت وجهها هامسة برجاء :
_ ياريت ..
أجابها وهو لازال مُحدقًا بعدستيها دون أن يهتز له رمش :
_ ده هيبقى أسرع بكتير من إنك تبدأي بجروب فيه ألف ولا أتنين بس وتقعدي سنين بتعافري عشان رواياتك تسّمع وتتعرفي في الوسط ..
ثُم أضاف بنبرة صادقة :
_ أنا مش عاوزك تُمري بكل اللي مريت بيه قبل كدة ..
أفاقت شمس من غيبوبتها ليستعيد عقلها نشاطه في الحال قائلة بجدال :
_ بس أنا كتابتي حلوة بشهادة منك والرواية اللي نزلت فعلًا سمّعت ونجحت جدًا ..
ظهرت ابتسامة غريبة أعلى محياه لم تستطع هي تفسيرها، وأقرنها بقوله بعدما حرر كفها من راحته :
_ آه بس متنسيش إنها نزلت في جروب معدى ال٢ مليون ومنهم مليون شخص مستنين أي حاجة تنزل باسمي عشان يقروها .. إنما لو الرواية كانت نزلت في أي جروب صغير مكنش حد هيسمع بيها للأسف ..
تهدل كتفي شمس بإحباط قبل أن تظهر علامات الحُزن أعلى وجها قائلة :
_ مصطفى أنت كلامك ده بيحسسني إني ولا حاجة ..
تناول مصطفى يدها من جديد ولثم أصابعها برقة بالغة قبل أن يقول :
_ مش عاوزك تاني تقولي الكلمة دي .. كفاية أنك كل حاجة في حياتي ..
ثُم أضاف بهمس :
_ نفسي مرة تسمعي كلامي من غير ما تجادلي، مش إنتى واثقة فيا ..
هزت رأسها بتلقائية قائلة بخفوت وهى تغوص بداخل عينيه :
_ أكتر من نفسى ..
لمعت عيني مصطفى ببريق اجتذبها إليه أكثر وأكثر قبل أن يقول بنعومة :
_ ياترى حبيبتي فكرت في فكرة روايتها الجديدة ولا لسة ..
أجابته على الفور بحماس مُشتعل :
_ آه جاتلى فكرة حلوة أوى … بص ياسيدى ………..
مرت الأيام سريعًا وعاد الجدان والصغيرة إلى منزلهم المُتواضع، وماهي إلا ساعات حتى كانت شمس تجلس برفقتهم جميعًا، تبثهم أشواقها وتُعبرعن افتقادها لهم، خاصة لابنتها التي لم تبتعد عنها كُل تلك الفترة من قبل قط، تداول الحديث بينهم بصورته الطبيعية المُعتادة قبل أن يتوقف عِند توجه شمس إلى غرفة الصغيرة برفقة والدتها لإعداد ما تبق من مُتعلقات الطفلة للرجوع معها إلى بيت زوجها، حيثُ حاولت الجدة الاعتراض إلا أن شمس أوضحت وجهة نظرها قائلة :
_ معلش ياماما كفاية كدة هي لازم تتعود على البيت ومصطفى ..
هزت مجيدة رأسها بعدم اقتناع قائلة :
_ يابنتي أنا عاملة على جوزك .. عشان ياخد راحته معاكي .. انتوا لسة عرسان جداد ..
تخضب وجه العروس بحُمرة الخجل من جديد قبل أن تبتسم مُطمئنة والدتها قائلة :
_ متقلقيش ياماما مصطفى بيحبها أوى .. وكمان هو بدأ ينزل كتير لشغله وببقى لوحدي في البيت ..
علقت مجيده باستنكار واضح :
_ كدة من أول أسبوع ..
ظللت غمامة من الحُزن عيني شمس فحاولت إخفاء ذلك وقالت بابتسامة مُبررة لزوجها :
_ شغله ملوش مواعيد ياماما بقى انتي عارفة ..
في تلك اللحظة ارتفع الرنين المُميز لباب المنزل، فتوجهت بسرعة إلى الخارج والتقطت حجابها لتضعه أعلى رأسها بدون إحكام قائلة بوجه مُستبشر :
_ ده أكيد مصطفى ..
توجهت الأُم إلى غرفتها لترتدي خمارها بينما الجد كان مُنشغل برفقة الصغيرة داخل غُرفة المعيشة، في نفس الوقت الذى قامت فيه شمس بفتح الباب بابتسامة فرحة قائلة بلهفة واضحة :
_ حبيبي متأخرتش يعنى ..
هبت ريح طيبة نتاج تيار الهواء المُنبعث من تحرك الباب، فانزلق حجابها عن رأسها وتطايرت بعض خُصلاتها بعفوية، فتأملها ذلك الواقف بأعيُن مُشتاقة سُلطت عليها للحظات قبل أن يغض بصره عنها قائلًا بجمود :
_ ازيك ياشمس ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)