روايات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثلاثون 30 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثلاثون 30 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت الثلاثون

رواية مصطفى أبوحجر الجزء الثلاثون

رواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الثلاثون

الفصل الثلاثون
-٣٠- المواجهة
اختبأت شمس بغرفتها حتى عصر اليوم الثالث – والذى يُوازى اليوم الثاني للمعرض – رافضة تناول الطعام أو الحديث مُتعللة برغبتها في النوم وشعورها بالإرهاق ..
رغم ذلك لم يَغِب عن الأبوين حقيقة ما تشعر به ابنتهما من خُذلان زوجها، لذا قررا عدم التطرق إلى الأمر أو ذِكره إلا إذا أرادت ابنتهما عكس ذلك .
حل المساء سريعًا وتناول الجدان والحفيدة طعام غذائهما قبل الاستسلام لفترة قيلولتهما المُعتادة، بصحبة الصغيرة التي باتت تُفضِل مؤخرًا النوم بجوارهما أثناء فترة تواجدها بذلك المنزل المُقرب إلى قلبها، فكانت تلك القيلولة لا تنته إلا عِند حلول الظلام ورفع آذان المغرب ..
كان السكون يعم أرجاء المنزل المُرَتب عندما جلست شمس وحيدة هادئة أعلى فراشها بغرفتها المُظلمة إلا من بصيص بقايا أضواء الغروب الخافتة التي تتلصص عليها من خلال فتحات النافذة الخشبية الشبه مُغلق، حيثُ شرعت بحسرة في مُتابعة كل جديد من الصور الفوتوغرافية الخاصة بحفل المهرجان على مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص تلك التي تتعلق بزوجها ..
زفرت بضيق وهى تُحركَ إصبعها بعصبيه أعلى شاشة هاتفها حيثُ تلك الصور التي لا نهاية لها والتي تجمعه بلينا، إلى أن توقفت أمام تصريح لزوجها والتي لم تعلم من قبل عن مُحتواه شيئًا ..
“أعلن مصطفى أبو حجر عن اقتراب تصوير فيلمه الجديد لروايته (……) عقب تعاقده مع المنتج (…..) مُوضحاً أن بطلته هي تميمة حظه و شريكته في النجاح السابق ( لينا الوهداني ) ..”
ازداد ضغط سبابتها على شاشة هاتفها وكأنها تسحق صاحب ذلك التصريح والذى تمنت أن يتجسد أمامها الآن ويمتثل أسفل براثنها، بينما يدها الأخرى ارتفعت إلى الشق الأيسر من قفصها الصدري حيثُ صلبت قبضتها عليه بقوة تستحثه على الهدوء وهى تُتابع قراءة الحديث الذى يتضمن نبذة قصيرة عن فحوى الرواية والتي لم تكن سوى روايتها التي أهدته إياها منذُ أشهر بكامل إرادتها وعن طيب خاطر ليتصنع هو قبولها على مضض مُستجيبًا لإلحاحها الأحمق كي يُقدمها لمعرضه، هاهو الآن وبعد أن أعلن ملكيته لها بالطبع يحق له التصرف بها كيفما شاء والتعاقد عليها كفيلم سينمائي، ضاربًا بوجود كاتبتها الأصلية عرض الحائط ..
لاحت على شفتيها شبه ابتسامة ساخرة حاولت بها إخفاء ذلك السقوط بداخلها، قبل أن تلتقى عيناها بتلك الصورة جانب فراشها والتي تحمل ذكرى يوم زواجها به، مدت يدها بأصابع مُرتعشة تلتقطها فتقرأ بصمت تلك الكلمات على جانب الإطار الزجاجي باللون الأسود والتي أختاره هو لها من قبل، نطقت عيناها بقهر دون أن تنبس ببنت شفة “ما أوجدك الله لتنكسرِ” ..
اتسعت ابتسامتها الحزينة تملأ وجهها بسخرية قبل أن تدفع بذلك الإطار أرضًا وتستمع إلى صوت تهشمه دون أن تنظر إليه وكأنه صوت انكسار بقايا ذلك السياج الرقيق من الزجاج المُحاوط لقلبها والذى تجاهلت مِرارًا إصلاح تلك الشروخ المُتتابعة به لتُفاجىء به في النهاية ينهار صريعًا تتناثر بقاياه الحادة بعشوائية قبل أن تصطدم إحداهم بشريان قلبها الرئيسي تقطعه فيتوقف عن العمل في الحال …
فهاهى قد انكسرت بل تحطمت وتهشمت تلك التي ظنت أنها لن تنكسر من جديد ..
انتشلها من انهيارها الوشيك صوت قرع جرس الباب فلملمت مكنوناتها المُتبعثرة بداخلها قبل أن تتنفس بعمق وتغادر غرفتها إلى الخارج ..
أحكمت وضع حِجابها – المُلقى على إحدى مقاعد طاولة الطعام – فوق رأسها قبل أن تقوم بفتح باب المنزل بضعف مُطأطأة رأسها أرضًا لتصطدم عيناها بحذاء لامع يقف على أعتاب منزلها، مررت رأسها على جسد صاحبه صعودًا إلى أن التقت بعينيه هو، صاحب الشرخ الأول والأقوى في سياج قلبها ..
هالَتُه تلك الحالة الرثة المُتهالكة التي كانت عليها والتي يراها بها لأول مرة، لكنه علم على الفور سببها دون تفكير، فتجمدت مقلتاه على ملامح وجهها المُنهكة الشاحبة والتي أعلنت عن جفاء النوم لعينيها للعديد من الليالِ المتتابعة، حاول إخراج صوته مُتماسكًا ثابتًا إلا أن القلق فضح كلماته، حين تساءل بخوف حقيقي :
_ انتي كويسة !
تغيرت معالمها الحزينة وتبدلت إلى حدٍ ما فور وقوع عدستيها عليه وكأنها قد وجدت أخيرًا تلك القشة التي بإمكانها التعلق بها فأجابته بابتسامة ممتنة :
_ الحمد لله، رجعت امتى ؟
حاول استعادة صلابته من جديد مُتجاهلًا ابتسامتها الضعيفة فأجابها بجمود :
_ من كام ساعة بس، خالي موجود !
حركت رأسها قائلة بترحاب زائد وهى تدعوه للدخول بعد أن تنحت جانبًا :
_ آه هو نايم بس أتفضل هصحهولك ..
هز أسامة رأسه مُعلنًا عن رفضه قبل أن يقول برسمية :
_ معلش مرة تانية، أنا بس كنت جايبلكوا الهدايا دي ..
مد أسامة ذراعه الحاملة لتلك الحقائب جميلة الشكل والتي لم تُلاحظها من أول مرة، فتسلمتها منه بامتنان مُتسائلة :
_ جايبلنا !
خرجت كلماته مُتلعثمة مُترددة قليلًا قبل أن يقول رغمًا عن عبوس وجهه :
_ أكيد طبعا منستش يارا ..
لم تشعر بحالها وهى تُثبت عدستيها على خاصته راغبة في التحقق مما بداخله مُتسائلة :
_ وأنا ؟ نسيتني ؟؟
سمح لنفسه أخيرًا بالنظر داخل عينيها الحزينتين الذابلتين قبل أن يُجيب بجدية وكأنه يُذكر نفسه :
_ أكيد مش هنسى بنت خالي اللي مربيها على دراعي ..
استطاع أسامة أن يلمح ذلك البريق داخل عينيها والذى طالما انتظره ليلتمع من أجله من جديد، لكن ما قيمته الآن بعد أن أوصلتهما صاحبته إلى ذلك الطريق المسدود الذى لا رجعة منه، لذا استطرد قائلًا عقب أن انتبه لحاله :
_ أنا لازم أمشي ، ياريت تبلغي خالي وطنط سلامى ..
أوقفته شمس بلهفة واضحة ظهرت في نبرات صوتها وهى تقول :
_ هتمشي بسرعة كدة، طب حتى مش هتسلم على يارا ، أنت وحشتها أوى ..
أخفض نظره عنها قبل أن يستدير بجسده قائلًا باقتضاب :
_ سلميلي عليها ..
تحرك أسامه بجسده هبوطًا عدة درجات من أعلى السلم قبل أن يتوقف بمنتصفه استجابة للفظها بحروف اسمه فتطلع إلى الأعلى حيثُ تقف هي مُتسائلاً بعينيه دون أن ينطق، فتسائلت شمس بتلعثم بعد تردد واضح :
_ مصطفى رجع معاك ..
كاد أن يتجاهل سؤالها وهو يستكمل طريقه إلى الأسفل بعد أن أجابها مُتهكمًا باستخفاف :
_ أعتقد ممكن تتصلى تسأليه، هو مش بردو جوزك ..
آثرت شمس الصمت مُرغمة وابتلعت حسرتها وهى تراه يُتابع هبوطه حتى كاد أن يختفى عن أنظارها لكن قبل أن تقوم بإغلاق الباب ترامت كلماته إليها من الطابق السُفلى مُرددًا بصوت واضح :
_ هيوصل بكرة في طيارة ٣ الظهر ..
**************
تحركت شمس من منزل والديها في اليوم الرابع عصرًا تاركة ابنتها بصحبتهم تلك الليلة حتى تنتهي مما خططت له، فاليوم ستواجهه بحقيقته وستُخبره بمدى حقارته واستغلاله لها ولقلبها للوصول إلى أطماعه التي حاول جاهدًا حجبها عن عينيها إلا إنها ظهرت جلية في نهاية المطاف ..
فكرت مليًا في الطريقة المناسبة التي تبدأ بها مواجهتها إلى أن استقرت على محاولة استدراجه بهدوء لاعتراف واضح لا يجد مفرًا منه ولارجعة فيه بعد ذلك ..
شرعت في إعداد وتنسيق طاولة الطعام بغرفة الجلوس منذُ السابعة مساءًا، فهذا هو الموعد المُتوقع لوصوله إلى المنزل عقب الانتهاء من إجراءات الخروج من المطار ..
صفت أصناف الطعام المختلفة بهدوء ظاهري وملامح باردة جامدة أعلى الطاولة بينما بداخلها ودت بشدة لو أنها تستطع وضع عدة نقاط من السُم بطيء المفعول داخل تلك الأصناف التي سيتناولها..
لقد أرادت التلذذ برؤية جسده ينتفض ويلتوى أمام عينيها وهى تبتسم بتشفي بينما تجلس بارتياح مُستمتعة بشعور الألم الذى يُسيطر عليه والذي لا يُضاهي أبدًا ذلك الذي بداخلها، وقتها ستضع ساقًا فوق أُخري وهى تُراقب مصرعه ببرود بعد تعريته ومواجهته بحقيقته المُنفرة ..
لكن ..
مرت الساعة تلو الأُخرى ورغبة الانتقام بداخلها تزداد، فأحست بأبخرة الحقد تتجمع في صدرها ثُم تتصاعد إلى رأسها، وبدأ شيء في رأسها يتحرك كأنه يزحف ويتلوى، وبدأت تحس بشياطين الانتقام تتراقص أمامها ومَلكة الخيال بداخل عقلها تنمو مُجسدة لها تفاصيل ذلك اللقاء المرير، لم يغب عن تفكيرها أهمية تصنع الهدوء كي لا تخسر معركتها الأخيرة معه، وتستطع الظفر بحقوقها كاملة، فلا بُد لها أن تحتاط جيدًا من كلماته وأفعاله المُخادعة ..
أثناء ذلك ودون أن تشعر أعلنت ساعة الحائط عن دقات الثانية عشر بعد مُنتصف الليل، تحققت شمس من هاتفها تتأكد من صحة الوقت الذى لم تشعر به بتاتًا وكأنها كانت مُغيبة مُنفصلة في عالم آخر لا قيمة فيه للوقت، في تلك اللحظة بدأ هدوءها الظاهري بالتبخر ليحل محله ذلك التوتر والقلق والذى بدأ في الازدياد مع مرور الوقت ..
فكرت للحظة في مهاتفته للتأكد من سلامة وصوله إلا إنها توقفت عن ذلك التفكير الأخرق مُستمعة إلى ذلك الشك الذى بدأ بالنمو تدريجيًا داخلها إلى أن تحول إلى يقين مؤلم بأنه الآن وبلاشك برفقة أُخرى، وتحديدًا مع تميمة حظه المُنتَسب إليها الفضل كله ..
زادت تلك الأفكار من شعورها بالمقت والازدراء تجاهه، وبدا وكأن ثمة شياطين داخلها يتقاذفونها فيما بينهم، وأحست بنشوة المجهول وكأنها مُقامر يُقامر بكُل ما لديه طامعًا في الربح، وفجأة تحول صبرها وهدوئها إلى غضب عارم يملؤه الرغبة في الانتقام بل .. في القتل ..
**********

المواجهة

ظلت على وضعها ذلك فلم تُبارح مقعدها طوال ساعات، مُستمتعة بذلك الظلام من حولها والذى يزيد تلك الرغبة بداخلها للتخلص منه، حيثُ بدأت الأفكار الشيطانية بالتتابع على خاطرها لتزداد ابتسامتها اتساعًا ووحشية، لكن تلك الابتسامة سُرعان ما انكمشت عندما ترامى إلى سمعها قلقلة مفاتحه الخاصة فعلمت بمجيئه ..
ألقى مصطفى حقيبته جانبًا بلا مبالاة، مُصدرًا من بين شفتيه صفيره المُعتاد المُتناغم والذى يُعبر عن حالته المزاجية السعيدة، وقبل أن يتوجه إلى غرفته بجسد متثاقل غير متوازن حيثُ كاد أن يتعثر في طريقه عدة مرات، لمح ذلك الظل القابع خلف الضوء الخافت الصادر من غرفة الجلوس..
رغم الظلام سطع ذلك الضوء من هاتف زوجته التي رغبت في معرفة وقت رجوعه حيثُ جاوزت الساعة الثالثة فجرًا بعدة دقائق، بهدوء غادرت مقعدها متجهة إلى مفتاح النور تُضيئه، فرأته أمامها مُترنحًا لا يقدر على الوقوف بثبات، يبدو على وجهه علامات الفزع والتوتر التي سُرعان ما تحولت إلى استخفاف فور معرفته لهويتها حيثُ قال بلسان متثاقل لا يقدر على الكلام :
_ هو انتي ، رجعتي امتى ..
عقدت شمس ذراعيها أمام صدرها مُجيبة باستخفاف يُماثل ذلك الصادر منه :
_ حمد الله على سلامة كاتبنا العظيم، مش كنت تبلغني عشان استقبلك في المطار ..
توجه مصطفى إليها فاتحًا ذراعيه على مصرعيهما راغبًا في احتضانها وهو يقول بأعين شبه مُغلقة ولسان مُلتوِ :
_ ياحبيبتى مكنتش عاوز أتعبك، إيه اللي جابك بس من بيت أهلك النهاردة، متتصوريش انتي وحشتينى قد إيه ..
تنحت شمس جانبًا في اللحظة الأخيرة كي تُفلت من أحضانه قبل ملامستها، حيثُ هَبت منه رائحة النساء والخمر بصورة واضحة، فقالت بازدراء :
_ الطبيعي إني أكون موجودة في استقبال جوزي اللي طيارته المفروض أنها وصلت من أكتر من ١٢ ساعة، مش كدة ولا إيه ..
تهاوى جسده الغير مُتزن على المقعد من ورائها عقب تنحيها من أمامه ليُلاحظ ذلك الطعام المُتراص أمامه فيُعلق مُتجاهلًا نبرة التهكم في كلماتها السابقة :
_ إيه العشا اللي يفتح النفس ده ، أنا فعلًا جعان ..
ارتفع صوتها مُعقبة بحدة عقب تجاهله لكلماتها فقالت :
_ والله المفروض إنه كان غدا على أساس أنك هتوصل البيت الساعة ٧ المغرب مش تلاتة وش الصبح ..
تأفف مصطفى بضيق بعد أن بدأ تأثير الخمر بالزوال واستعاد هو جزءًا من عقله المُغيب فأجابها برقة مصطنعة وهو يُمسك رأسه مُتألِمًا :
_ معلش ياحبيبتى كنا بنحتفل بنجاح الفيلم ..
مطت شمس شفتيها للأمام مُتسائلة بسخرية وقد خفت حدتها مع بدأ أولى كذباته :
_ ليه هو انتوا محتفلتوش هناك !
هز مصطفى رأسه نافيًا ليُجيبها وهو يبدأ في تناول الطعام دون أن ينظر إليها :
_ مكنش في وقت، يادوب خلصنا المهرجان ورجعنا على طول ..
جلست شمس على أقرب مقعد إليها، بعد أن شعرت بالاستمتاع يُراودها وهي تُجيبه بهدوء كما خططت من قبل قائلة بسخرية :
_ معقولة أُمال تميمة الحظ بتاعتك سابتك كده من غير ما تحتفل ..
رفع مصطفى رأسه إليها بتشكك مُتسائلًا :
_ تقصدي مين ؟
أجابته والابتسامة تُكلل محياها مُوضِحة :
_ الإنسانة اللي ساعدتك تنجح ووصلتك للمجد والشُهرة اللي أنت فيها ..
تناول مصطفى كوب الماء الموضوع أمامه فشربه حتى آخره قبل أن يُجيبها مُتوددًا بلسان لا يقدر على الحديث :
_ ياحبيبتى وراء كل عظيم امرأة، وأكيد المرأة الوحيدة اللي في حياتي هي انتي ..
تعالت ضحكات شمس رغمًا عنها من كلماته المُتوقعة، وعلقت وهي تهز رأسها مُستنكرة :
_ مش معقول أنت لسة زي ما أنت وكلامك هو هو، ولسة فاكرني نفس البنى آدمة الغبية اللي بتستغفلها كل مرة ..
استجمع مصطفى شتات تفكيره وبدأ في ادراك جوانب الموقف قبل أن يُغادر مِقعده مُقتربًا منها باستغراب قائلًا بابتسامة مُتملقة زينت وجهه بينما رائحة الخمر تفوح منه بقوة :
_ إيه اللي انتي بتقوليه ده، إنتى عمرك ماكنتي غبية، ده أنا من غيرك مكنتش هبقى في المكانة اللي أنا فيها دي ..
ثبتت شمس نظراتها على وجهه الباسم لعدة لحظات قبل أن تُجيبه بنفس الهدوء :
_ غريبة مع إن ده مكنش كلامك في المهرجان يعنى ..
لاحت علامات القلق أعلى وجه مصطفى مُتسائلًا بغباء :
_ وانتي عرفتي كلامي في المهرجان منين ..
لكنه ما لبث أن استدرك مُوضحًا كمن يُبرر مُسبقًا :
_ متصدقيش كلام الفيس بوك والجرايد دول بيفبركوا أي كلام عشان يعملوا بروبجاندة وخلاص ..
غادرت شمس مقعدها واقتربت منه مُحاوطة رقبته بذراعيها وهى تبتسم بصبر مُوضحة :
_ تصدق فعلًا معاك حق، طب تفتكر لو شوفتك بعيني وسمعتك بوداني، أصدق ولا بردو أكدب نفسى وأصدقك أنت !
لم تنتظر إجابته بل أضافت مُكمله بهدوء مستفز :
_ مش عارفة ياحبيبي بصراحة لو كنت أنت مُتعمد إنك متقوليش إن الحفلة هتتذاع على التلفزيون ولا أنت أصلًا مكنتش تعرف وأنا ظالماك ..
ظهرت ابتسامة مترددة مُرتعشة على وجه الزوج أثناء مُحاولته إخفاء توتره، فقال ببراءة مُصطنعة مُحاولًا تغيير مجرى الحديث :
_ هي أتذاعت طب كويس معني كده إنك شوفتيني وأنا بستلم الجايزة ..
ثُم أضاف بعتاب راغبًا في قلب مُجريات الأمور :
_ إيه مفيش مبروك لجوزك حبيبك ؟
حررت شمس رقبته من بين ذراعيها مٌجيبة بلهجة تفضح ما بداخلها :
_ لا اتطمن أنا شوفت كل حاجة، شوفتك وأنت بتستلم الجايزة وسمعتك وأنت بتنسبلها نجاحك وشوفتك وأنت بتحضنها وتبوسها ..
ثم أضافت ضاحكة وكأنها تقوم بدوره في التبرير :
_ عارفة أنا البوس والأحضان بتوع السينما والممثلين دول، بيبقى عادي كدة صح مبيحسوش بحاجة ..
تأملها مصطفى باستغراب لبضع لحظات مُحاولًا معرفة ما ترمي إليه كلماتها، خاصة بطريقتها الساخرة تلك على غير عادتها، فلِما لا تثور عليه كعادتها ولِماذا تحدثه بتلك النبرة الباردة الهادئة، كان تأثير الخمر على عقله لازال مُستمرًا فعجز عن التفكير لذا فضل الهروب من الموقف برمته حتى لا يتفوه بما يندم عليه لاحقًا، لذا قال بتثاؤب :
_ حبيبتي أنا راجع مش شايف قدامي ومحتاج أنام، تصبحي على خير ..
بالطبع استفزها محاولته للهروب فأوقفته بحدة قائلة :
_ أستنى هنا رايح فين هو انا مش بكلمك ..
تأفف مصطفى في وجهها بوجه مُتعمد قبل أن يُجيبها بوقاحة :
_ بصي أنا مش فايق لكلامك الغريب ده بصراحة، بكرة نتكلم ..
خطى بضع خطوات إلى خارج الغرفة بأرجل لا تقوعلى حمله قبل أن تستوقفه كلماتها وهى تقول بتحفز :
_ مبروك على فيلمك الجديد ..
أغمض عينيه بقوة لاعنًا تسرعه في الإفصاح عن فيلمه، لكنه الآن على الأقل لقد التقط سبب تغيرها، لذا حاول جاهدًا رسم الابتسامة على شفتيه قبل أن يلتفت إليها قائلًا :
_ كنت عاملهالك مفاجأة، تصوري وإحنا هناك المنتج فاجأني إنه عاوز رواية جديدة ولما عرف إني نازل بالرواية دي في معرض الكتاب صمم يحولها لفيلم وأنا اتحرجت أقوله لا بصراحة ..
اقتربت منه شمس وكأنها تُهنأه قائلة بصوت خافت :
_ وليه ياحبيبى تعتذر، بس طمني الأول مضيت العقد ولا لسة ..
عمل عقله بسرعة مذهلة مُحاولًا تفسير ردات فعلها المُتغيرة تلك، قبل أن يُجيبها كاذبًا :
_ أكيد ياحبيبتى لسة، هو أنا أقدر أعمل حاجة من غير موافقتك ..
مدت أصابعها تعبث بزر قميصه وهى تقول بدلال على غير عادتها :
_ طيب ياحبيبي كويس جدًا عشان الرواية دي هتنزل المرادي باسمي .
ضيق مصطفى عينيه كالثعلب الماكر مُحاولًا فهم معنى تلك الكلمات، فتساءل :
_ يعني إيه ؟
أجابته بصوت هامس واثق :
_ زي ما سمعت كدة، الرواية دي تقدر تقول إني كنت مسلفهالك لغرض معين ودلوقتي أنا عاوزاها تانى ..
تغيرت ملامح وجهه وكأنه ضبع جائع فقد فريسته التي كان على وشك التهامها، وقال بوجه مُكفهر عابس :
_ رواية إيه اللي عاوزاها؟ انتي جاية تقولي كدة بعد ماإديت كلمة للناس وأتعرفت أنها بتاعتي ..
لم تتخل هي عن هدوءها وهي تُجيبه ببرود وكأن الأمر لا يعنيها :
_ والله محدش قالك تتفق على حاجة مش بتاعتك ..
ثُم أضافت بابتسامة :
_ ولا أنت استحليتها ؟
استفزه قولها لأقصى درجة فأجابها بصوتٍ عالٍ غاضب :
_ لا إنتي الظاهر مصدقة أنك بتعرفي تكتبي، لا فوقي كده ومتنسيش نفسك …
رمقته بنظرة مذهولة غير مستوعبة رغم أنها كانت تتوقع منه مثل تلك الكلمات، إلا أن طريقته في اللفظ بها أشعرتها بالدنو والسوقية، فلقد بدا ككائن همجي مُعتدي من المُرتزقة، وهذا بالفعل ما كان عليه، لقد خرجت الكلمات من فمه المخمور بلسان مُتثاقل وهو يقول :
_ لا فوقي ياماما أنا لولا اسمي مكنش حد بص للكلمتين اللي إنتي كاتباهم دول أوعي تكوني فاهمة إن موهبتك الفذة هي سبب كل النجاح ده، لا لازم تعرفي إن اسمي هو اللي بيبيع ..
رغمًا عنها حاولت جاهدة الحفاظ على هدوء كلماتها وهى تقول بثقة :
_ واسمك ده بقى مباعش ليه رواياتك اللي قبل كدة ..
أحمرت عيني مصطفى وجحظا بشكل واضح حتى بدوا أنهما على وشك مغادرة محجريهما، وتكورت قبضته وهو يُلوح بها في وجهها قائلًا بتحذير :
_ إنتي بتشككي في نجاحي ..
هزت كتفيها باستخفاف وكأنها لا تأبه به قائلة :
_ والله أنت اللي بتفه موهبتي ..
رفع إحدى حاجبيه بعناد بعدما استعاد هدوءه من جديد، فقال مؤكدًا على كلماته السابقة :
_ آه ياشمس إنتي ولا حاجة ..
اقتربت منه دون خوف مُبحلقة داخل عينيه اللتان احتفظا باحمرار لونهما قبل أن تُجيبه بثبات وتحدِ :
_ أنت اللي ولا حاجة من غيري .
في تلك المرة فقد مصطفى كُل ما تبقى له من انسانيته وتحول إلي أحط انواع الحيوانات وأقذرها، فامتدت يده للنيل منها مُمسكًا شعيراتها بقوة بعدما فقد السيطرة على تلابيب أمره وقال بحدة والشرر يتطاير من عينيه :
_ لا إنتي باين عليكي أتجننتي في اليومين اللي غبتهم، بس متقلقيش أنا عارف إزاي هعقلك ..
أفلتت شمس من قبضته بصعوبة بالغة بعد أن ركلته بمعدته مُستغلة عدم قدرته على الوقوف بشكل متوازن قائلة بازدراء واضح :
_ أنا فعلًا إتجننت يوم ما طاوعتك وصدقتك بس جه الوقت اللي أفوق فيه وأعرفك وأعرف الناس على حقيقتك يابلطجي ياحرامي ..
خرجت كلماته يملؤها الألم بعد أن أحس بخطورة موقفه وجدية تهديدها فتساءل من بين أوجاعه وهو يُمسك معدته :
_ تقصدي إيه ؟
أجابته بظفر وهي تُعدل من وضع شُعيراتها بعدما لمعت عيناها بانتصار مُوضحة :
_ أقصد تحب تقول أنت إن روايات فيلمك الأول والتاني بتوعي ولا تحب أقول أنا ..
حاول مصطفى الظهور بمظهر الغير مُهتم فقال وهو يوليها ظهره مُستخفًا بأمرها :
_ براحتك قولي اللي تقوليه وشوفي مين هيصدق واحدة زيك ويكدب الكاتب الكبير المشهور ..
أجابته بتحد وهي تُلوح له بهاتفها من ورائه قائلة :
_ هيصدقوا باسكرينات المُحادثات اللي بيني وبينك وتاريخ كتابتي للرواية على موبايلي ..
التفت إليها في نفس الوقت الذى تعالت فيه ضحكته الساخرة قبل أن يقول باستخفاف :
_ بلاش لعب عيال، إنتي عارفة إني ممكن جدًا آخد الموبايل اللي بتهدديني بيه ده بمنتهي السهولة وأكسرهولك ميت حتة ..
تراجعت شمس إلى الوراء عدة خطوات وهى تُخبأه وراء ظهرها، إلا أن ذلك الأخير أكمل بعد أن استعاد لمعة عينيه الظافرة الواثقة وهو يقول :
_ بس انا مش هعمل كدة .. عارفة ليه ؟
اقترب منها مُستطردًا برقة مصطنعة وهو يقول بنظرات تصنعت البراءة :
_ شمس ياحبيبتي اللي عملناه ده في القانون اسمه تزوير ولو عملتي كده يبقي بتسلمي نفسك قبل ماتسلميني للسجن بإيديكي ..
حاولت الحفاظ على هدوءها رغمًا عن الخوف الذى تملكها من نبرته تلك، فخرجت كلماتها ثابتة وهى تقول مُوضحة :
_ قصدك هتتسجن لوحدك، أنا المجني عليه في القصة دي وانت اللي سرقت رواياتي وهقول إني مكنتش أعرف حاجة ..
أجابها باستخفاف وهو يعقد ذراعيه أمام صدره بثقة قائلًا :
_ ووجودك معايا وأنا بمضي العقد لا وكمان بتفاصليلي في السعر ده كان إيه ! مفيش دليل إني أجبرتك او ضحكت عليكى بس في ألف دليل إن كل حاجة تمت بموافقتك ورضاكي ..
أجابته بتحد كمن لا تهتم :
_ إثبت …
خرجت منه ابتسامة واسعة أظهرت صفي أسنانه، قبل أن تلتمع عينيه بظفر عقب تذكره ورقته الرابحة التي أعدها من قبل احتسابًا لموقف مُشابه لذلك فقال بهدوء :
_ قبل ما أثبت أنا أو تثبتي إنتي، كنت حابب بس ألفت نظرك وأفكرك بإن ورقة تنازل طليقك عن حضانة بنتك لسة معايا وممكن جدًا الورقة دي تختفي أو تتحرق أو تتقطع قضاء وقدر يعني …
صمت لبضع لحظات وهو يقترب منها هامسًا :
_ والموضوع ده لو وصل لطليقك احتمال كبير لا ده أكيد إنه هيرفع عليكي قضية لضم البنت ليه، ودة حقه بصراحة اللي أنا ناوي أساعده إنه يرجعله ..
رمقته شمس بنظرة طويلة غير مُصدقة قبل أن تتهاو بجسدها على أقرب مقعد من ورائها غير قادرة على النطق أو الكلام، إلا إنها في النهاية قالت باستنكار :
_ إيه اللي أنت بتقوله ده هي وصلت لكدة ؟ بتهددني ببنتي يامصطفى ؟
بدا الشر وكأنه يتراقص داخل مقلتيه، بل بدا وكأنه يشعر بنشوة الانتصار، نشوة الخوف، نشوة الظلام وهو يُجيبها بلمعة عيني رابح :
_ وأكتر من كدة كمان ، أنا اللي يفكر بس يعمل حاجة تمس اسمي همحيه من على وش الدنيا ..
لقد خسرت سباقها، نعم عليها الاعتراف بذلك، فهاهى قد انهارت باكية بعدما فشلت أعصابها في التحمل أو التظاهر بالقوة لأكثر من ذلك، لكنها حاولت تجربة كرتها الأخير مُطالبة بأبسط حقوقها للتخلص من ذلك الكابوس قائلة من بين دمعاتها :
_ يبقى تطلقني أنا استحالة أعيش مع واحد زيك ..
اقترب منها بابتسامته الشيطانية هامسًا بنشوة مُقامر :
_ نجوم السما أقربلك ..
ثُم أضاف بثقة بعدما فاز برهانه :
_ قومي نامي عشان من بكرة تكملي رواية المعرض اللي هتنزل باسمي لوحدي ..
دفعته شمس بكُل مااوتيت من قوة بعيدًا عنها قائلة بما تبقي من كبريائها بعدما خطرت على بالها فكرة :
_ أنت بتحلم، فاكرني هتهدد بكلامك، أنا من بكرة هرفع عليك قضيه خُلع وأخلص من إنسان مريض زيك ..
أجابها غامزًا دون أن يهتز له جفن :
_وماله ياشمسي .. ده حقك .. بس قبليها هتترفع قضية حضانة من طليقك ونشوف بقى مين حباله أطول في المحاكم، ومين اللي ممكن أوي يتحكمله في قضيته بسرعة وياخد بنته قبل ما قضية الخُلع بتاعتك دي يتحددلها معاد أصلاً، ساعتها بقي الله أعلم ممكن يتعمل في بنتك إيه ؟ وياعالم هتشوفيها تاني ولا لا ..
بس لحد الوقت ده ياحلوة هتفضلي مراتي في بيتي تعملي اللي أؤمرك بيه ..
بدا وكأنه أبى أن يترأف بحالها ويرحم كسرها وذُلها، فأضاف شامتًا :
_ وكمان مش محتاج اقولك بقي علي سمعة واحدة متطلقة مرتين، متخيلة حياتك هتبقى عاملة ازاي بعد ما ترجعي بيت أبوكي لتاني مرة !
لم تشعر بنفسها وهى ترفع كفها في الهواء عقب وقوفها بعد أن ثارت دماؤها وتدفقت في عروقها بقوة، فانتفض عقلها نشطًا ثائرًا، واستيقظت أعصابها وكأنها أوتار عبثت بها أصابع مجنونة، فمدت يدها راغبة في صغعُه قائلة بأعين كارهة :
_ آه ياسافل ياحقير ..
إلا إنه أمسك ذراعها بقوة قبل أن تصل يدها إليه مُحذرًا :
_ أنا مش هحاسبك علي اللي قولتيه دلوقتي ولا اللي حاولتي تعمليه ده عشان مقدر أعصابك التعبانة، وهسيبك تنامي في أوضة بنتك عشان تعرفي تفكري كويس وتقرري اللي انتي عاوزة تعمليه، بس نصيحة مني عيشي ياشمس وخلى بنتك تعيش في حضنك بدل ما يجي اليوم اللي تلعني فيه غبائك اللي خلاكي تفكري تقفي قدام مصطفى أبو حجر ..
كانت منذُ بضع أشهر كمياه الجدول الصغير، تقفز فرحة فوق الصخور التي تعترضها بثقة وتفاؤل وحيوية غير مُدركة أن هُناك في نهاية الطريق بحر كبير سيبتلعها ..
أما الآن فهي تشعر بيأسها يدفعها إلى قاع ذلك البحر الكبير حيثُ لا تقدر على المقاومة أو النجاة ..
هكذا توجهت إلى غرفة ابنتها حيثُ استلقت أعلى فراشها عقب إغلاق بابها بإحكام، مُحاولة لملمة خيباتها والاستناد على نفسها وكأنها أكثر الأشياء ثباتًا في هذا الكوكب، إلا إنها في لحظة من اللحظات المُزيفة الكاذبة هُيئ إليها أنها قد لمحت ثمة طوق نجاة بإمكانه إنقاذها، فلمعت الفكرة بداخل ذهنها ظانه أنها باستطاعتها النجاة من الغرق إذا ما قامت بتلك الخطوة ..
حسنًا ماذا إذا ما قامت بالنشر على صفحته الشخصية اعترافًا باسمه على أن تلك الروايات ملكًا لها ..
كفكفت دمعاتها بعدما اختمرت الفكرة بداخل ذهنها، مُسترجعة كلمة السر الخاصة به والتي أطلعها عليها ذات مرة ..
لذا قامت بفتح هاتفها الذى أوشكت بطاريته على النفاذ وقبل أن تقوم بتسجيل الخروج من حسابها الشخصي لمحت عيناها تلك الكلمات التي أسرها بها ذات يوم عند استيقاظها بداخل فراشه لأول مره حين همس بداخل قوقعتها قائلاً ..
“وما كُنتُ ممن يَدخُلُ العِشقُ قلبه .. ولكن من يُبصِر جُفونكِ يَعّشَقُ”
أصدر الهاتف إنذاره الأخير حينما لمحت هي اسم “المتنبي” أسفل أبيات الشعر تلك، وفى تلك اللحظة انطفأت شاشة هاتفها وانطفأت هي معها ..
تفتكروا إيه اللي ممكن يحصل بعد كده ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى