رواية مذكرات فيروزة الفصل الثاني عشر 12 بقلم شيماء آل شعرواي
رواية مذكرات فيروزة البارت الثاني عشر
رواية مذكرات فيروزة الجزء الثاني عشر
رواية مذكرات فيروزة الحلقة الثانية عشر
فى مكان أخر
نشعر أحياناً برغبة في الكلام، لكننا نخاف، نخاف من ردة الفعل، نخاف أن نسمع كلمات باردة تضاعف أوجاعنا، نخاف أن يخبروننا “بتهون”، نخاف من بحّة أصواتنا ورجفة أيدينا، ونخاف من وصول الدمعة عند أطراف أعيننا، نخاف أن يُساء فهمنا أو أن نُفهم بطريقة بشعة أو يعجزون عن فهمنا حتى.. نوَد أن نتكلم لكنّ الخوف يسيطر علينا وبشدة لذلك نصمت ونصمت طويلاً..
دخلت “هدى” إلى غرفتها بعد أن أطمئنت على أطفالها فهى فتاة فى الثامن والعشرون من عمرها والأخت الثانية “لعمران المنشاوي”، فهى متوسطة الطول بجسد متناسق وذات شعر أسود غزير يصل إلى منتصف ظهرها، توجه بصرها إلى زوجها النائم بكل عمق فزفرت بيأس قائلة وهى تدنى منه:
– أنت لحقت تنام أنا قولتلك هبص على عيالك وهجيلك على طول ومكملتش عشر دقايق….تنهدت بضيق فأكملت حديثها بحزن:
– هو ده اليوم اللى كنت هتقضيه معايا…أنت طول اليوم قاعد برا مع أصحابك ودلوقتى أتزفت نمت ولا كأن فى بنادمه عايشة معاك هو ده حق ربنا اللى بتدهولي ولا هو الفسح والهزار والضحك والفرفشه برا مع الكل وعندى انا تصدرلي وش الخشب وتكشر فى وشي وتقولي أصل أنا تعبان..اقتربت منه أكثر وهزته فى كتفه بقوة ليفزع من نومه وهو يبربش بعيناه الناعسة ليقول:
-فى ايه ياهدى حصل حاجة للأولاد.
أردفت بحنق قائلة: – لا محصلش ليهم حاجة وهما أصلا نايمين.
تنهد بإرتياح ثم قال بأرهاق:- أمال بتصحيني ليه ياهانم عايزة من أمى إيه.
تحدثت “هدى” قائلة:- هكون عايزة ايه يعنى عيزاك تقوم تقعد معايا يارامى زى ما وعدتني أمبارح وبعدين أنا بقالي كتير مابشوفكش ولا بتقعد معايا.
مسح وجهه بيديه الغليظة وهو يقول:
– وأنا عايز أنام والصراحة مش فايقلك ولا فايق لنكد النسوان بتاعك نهائياً.
نظرت إليه بصدمة لتقول: – دلوقتى مش فايقلي وبقيت كمان نكدية أمال ياخويا فايق لأصحابك الفاشلين اللى مقضينها سهر على القهاوي ومورهمش شغل ولا مشغلة.
تحدث بصوت مرتفع نسبياً وقال بحده:
– هدى لمي نفسك ومش عايز طولة لسان وبعدين أنا تعبان وعايز أتخمد علشان عندي زفت مأمورية بكرا.
جذبت الغطاء من عليه وأغلقت المكيف ثم قالت بضيق:
– لا يارامى مفيش نوم ومش هتعمل زى كل يوم تنام كدا وتسبني أخبط دماغي فى الحيطة أنا ليا حق عليك.
زفر بضيق ثم نهض من مكانه وأمسك المنضدة وقال بزهق:
– أنا قايم وسيبهالك هطلع أنام برا وياريت مشوفش خلقتك أنتى سامعة.
هتفت “هدى” بحزن قائلة: -لا يارامى مش سامعة وقف هنا وكلمني زى ما بكلمك أنت ليه بتعاملني كدا وكأني جارية عندك.
أمسك يديها وهز بعنف: – أنتى ايه ياشيخة الواحد زهق منك دى ما بقتش عيشة أنا غلطان من الأول أني أتجوزت واحدة زنانة زيك فعلاً على رأي أمى عيشتك معايا كانت غلط.
ترقرقت الدموع فى عينيها بألم مرير لتقول بذهول:
– ايه أنت قولت ايه عيشتك معايا كانت غلط .
نظر “رامى” إلى هيئتها المنصدمة فلم يرق قلبه لحالها أو أنه يشفق عليها ليكمل حديثه بغضب:
– اه ياهدى غلط وستين غلط كمان أرتحتى.
أنهمرت الدموع المالحة على وجنتيها وقالت بألم يؤخز قلبها:- أنت بنأدم أناني وناكر للجميل ومابيطمرش فيك أى حاجة ده أنا كنت ساكتة وحاطة فى بوقي جزمة ومستحملة قرفك وخيانتك ليا ودلوقتى جاى تقولي عيشتك معايا كانت غلط من الأول بقا ده جزاتي فى الأخر.
تحدث رامى بصدمة:- أنا ياهدى أنا بخونك مين اللى قالك كدا وأنتى صدقتى كلامه
بينما هى صاحت بصوت عالٍ قائلة:
– اه يارامى بتخوني هتنكر دى كمان نسيت أنك بتخوني مع الزفتة بنت خالتك هيدي اللى مقضيها معاها سفر وفسح وكل لما أسألك تقولي أصل عندى مأمورية ياهدى وأنا زى الهبلة كنت بصدقك لحد ما عرفت بخيانتك من الهانم وهى بتوريني صورك معاها فى الرحلات اللى بتروحها معاها….أنا استحملت كتير وكنت بقعد أصبر نفسي وأقول معلش يابت بكرا يتعدل دى مجرد نزوة وهتروح أستحملي يابت علشان خاطر ولادك وكل مرة أقول معلش ياهدى بيتك ياحبيبتي هيتخرب وولادك هما اللى هيدمروا وأكيد هو لما يلاقي كدا هيتدل وهيعرف قيمتي وهيحس بمراته لكن أبداً مفيش حاجة من دى بتحصل…هو أنت فاكرني ايه هبلة؟
ترك المنضدة من يده وقال ببرود: – أنتى خلاص أتجننتي ومخك بقى مفوت وأنا مابقتش قادر استحمل النكد ده.
-نظرت إليه هدى بمراره من كلامه فكل مرة يتعمد أن يجرحها بكلامه فقالت ببكاء وبصوت غير منضبط:
– اهو ده اللى أنت فالح فيه مفيش على لسانك أنتى خلاص اتجننتي مخك بقى فى الطراوة ولا مرة فى بتيجي تطيب بخاطري قولي أخر مرة قعدت معايا زى أى أتنين متجوزين كان أمتى طب بلاش أخر مرة قولتي فيها كلمة حلوة أو حتى خرجتني كانت أمتى ها طب ياسيدي بلاش أنا عيالك أخر مرة قعدت معاهم وكلت و لعبت زى بقية الابهات كان أمتى…ساكت ليه رد عليا دا أنت على طول ياأخى تقولي مشغول مش فاضي هو أنتى موركيش حاجة تتشغلي بيها بعيد عني.
ظل يحدق بها دون أن يتفوه بكلمة فهى تملك الحق بكل كلمة تخرج من فمها خفض رأسه بيأس شديد فسمعها تقول بخذلان وحزن:
– أنا خلاص بقيت كارهاك وكارهه نفسي كفاية بقا لحد كدا أنا تعبت وجبت أخري دى فعلا ما بقتش عيشة يارامى أنا دلوقتى بقيت أكرهك ومش طايقة أبص فى وشك من فضلك طلقني وروح عيش حياتك زى ما أنت عايز بس بعيد عني.
صُدم من حديثها ليقول بحده:
– مش هطلقك ياهدى مستحيل أعملها.
تحدث بصوت عالٍ وغضب قائلة:
– لا هطلقني ورجلك فوق رقبتك أنا مستحيل أكمل معاك يوم واحد بعد كدا.
أردف بضيق: ماخلاص بقا ووطى صوتك علشان العيال ميسمعوش كلامك الأهبل ده.
هدى: – عيال مين ياحبيبي هما من أمتى بيفرقوا معاك بقولك ايه متجننيش أكتر طلقني لو عندك دم وسبني اروح لسبيل حالي.
رامى: وأنا قولت اللى عندي طلاق مش هطلق ماشى .
هدى: ماشى يارامى وأنا مش قعدالك فيها أنا رايحة بيت اهلي وأخويا هو اللى هيجبلي حقي منك.
ذهبت من أمامه وأتجهت إلى غرفتها لتبدل ملابسها وبعد الإنتهاء أيقظت أبنتيها الصغيرتين فكانوا توأم بملامح مختلفة بعمر الخمس سنوات.
فى الصالون كان يجلس على الأريكة ويضع رأسه بين يديه بحزن، فاق من شروده على همهمت أطفاله وهى تجرهم بيديها ليهب واقفاً من مكانه سريعاً وهو يقول بذهول: – أنتى واخدة العيال ورايحة فين.
أجابته هدى بعيون حمراء منتفخة دون أن تلتف إليه فقالت بحزن:
– عند أهلي لان مينفعش أقعد معاك أكتر من كدا.
رامى بتوتر: – أرجوكى ياهدى ماتمشيش عارف أني غلطان بس متبعديش ولادي عني .
نظرت إليه بنظرة تحمل الكثير من المعني فعلم على أثرها بأنه أحزنها بشدة بينما قالت هى بهدوء:
– لو سمحت أنا تعبانه ومحتاجة أرتاح ولازم أمشي كفاية لحد كدا.
أمسك يديها فبتعدت عنه ليقول بندم:- حاضر ياهدى هقوم أوصلك لحد أهلك بس شيلي فكرت الطلاق من دماغك فاهمة هسيبك تقعدي هناك يومين ترتاحى فيهم وتريحى أعصابك وبعدها هرجعك.
لم تجيبه بشئ فقام بأخذ مفاتيح البيت والسيارة من على الطاولة…اقترب من أطفاله وأمسك بكفهم معاً وقال بأبتسامة هادئة:- يلا ياحبايب بابي خلينا نروح عند خالو عمران.
********************************
اليوم التالى..
كان داخلي محطم تماماً، لقد سلبت روحي، لم استطع النوم، وبل اغلقت على نفسي اصبحت احب الظلام كثيراً اصبحت محادثاتي قليلة مع أهلي ومع اصدقائي لقد رأيت فراغ في داخلي، بل كنت انظر الى هاتفي واغلقه فوراً لم أَعُد انا… لقد تخلت روحي عني وذهبت للسماء اصبحُت في وقتها مجرد جثة تمشي على الارض كنت اظهر قليلاً امام اهلي لكي لا احد ينتبه ما الذي حدث لي وما كل تلك العزلة
لم يلاحظ أحد أنني اتألم، ك عادتي لا احب ان يرى احد ما في داخلي احُب الكتمان، لا احب نظرات الشفقة، بل لا احب النصائح المزيفة والصداقة المزيفة التي من خلالها يسلبون منك ما بداخلك ويهددونك به
كُنت منعزل تماماً، لم أعي ما يحدث في هذا العالم كل ذلك حصل بعد مدة طويلة من العزلة، مازلت هش ومازلت لا أعي العالم ومازلت أهرب من هذا العالم المقرف وما زلت فارغاً جداً.
وضعت المدونة بجانبها وأخذت تحتسي مشروبها الساخن، ثم وقع بصرها على هاتف زوجها الذى كان يرن أكثر من مرة فلم تبالى له ليرن مرة أخرى جذبته من على الطاولة بزهق لتجده رقم مجهول، نادت بعلو صوتها قائلة: يارائف تليفونك عمال يرن من الصبح تعالى خده.
مرت لحظات ومازال الهاتف يرن فقالت فيروزة بملل:
– مش هنخلص أحنا النهاردة . فقامت بالرد على المتصل الذى تحدث قائلاً: ايه ياعم رائف بقالي ساعة برن عليك على العموم أنا نفذت المهمة اللى كلفتني بيها و ضربت نار على ابن اللواء زى ما طلبت مني و دلوقتي تقدر تترحم عليه.
أردفت “فيروزة” بصدمة: أنت بتقول ايه مين ده اللى ضربته بالنار.
المجهول: مين معايا مش ده رقم رائف.
فيروزة بغضب: أيوة هو ده رقم زفت رد على سؤالي و ..قاطع كلامها رائف من الخلف وهو يجذب منها الهاتف ووضع على أذنيه قائلاً ببردو: عملت ايه ياعزوز.
أجابه الأخر: كل حاجة تمت زى ما أمرتني ياكبير ودلوقتى أنا عايز باقى فلوسي.
رائف: هتلاقي مبلغ محترم هيوصلك على حسابك دلوقتى سلام .
أقتربت “فيروزة” منه بخوف وقالت بصوت مهزوز:
– كان قصده مين بأبن اللواء اللى قتله يارائف رد عليا بالله عليك متفضلش ساكت.
أمسك يديها ليقول بهدوء: أهدى ياروزا مالك خايفة كدا أنا عايزك أقوى من كدا لسه أنتى مشوفتيش أى حاجة من اللى هعملها فيكم…ليصمت لثوانٍ ثم تحدث وهو يتلاعب بأعصابها فقال بخبث هامساً بجانب أذنيها:
– عايزة تعرفى مين اللى اتقتل.
جائه صوتها الضعيف بنعم ليكمل ببرود:- أدم أخوكى أنا اللى خليتهم يضربوا عليه نار وهو خارج من شغله .
أبتعدت عنه وقد بدأت عينياها تترقرق بالدموع لتقول بصدمة: لا أكيد أنت بتضحك عليا صح…ثم أخذت تضربه على صدره بأنهيار تام وبألم يعصف قلبها وهى تقول ببكاء: أنت ايه معندكش رحمة ليه عملنا ليك ايه علشان تعمل فينا كدا …أحكم قبضته عليها بقوة ليتحكم بجسدها قائلاً: بس كفاية أهدى بقا.
رفعت رأسها لتقول بتوسل: أرجوك قولي الحقيقة وماتكدبش عليا أدم لسه عايش وأنت مقتلتهوش صح بالله عليك يارائف متوجعش قلبي على حد من أخواتي لو عايز روحي خدتها بس متأذيش حد منهم أنت مجرب وعارف وجع فقدان الأخوات بيبقى عامل أزاى فبلاش تحرق قلبي أنا كمان ..أبوس أيدك كفاية وجع قلب عندك أنا أعمل فيا اللى عاوزه بس بلاش أخواتي.
نظر إليها مطولاً فقد بدأ يشعر بالشفقة أتجاهها لكنه تحدث ببرود:
– دى مجرد قرصة ودن ليكى وده علشان بس فكرتى تقولى لأبوكى على اللى حصل ولو عاوزني مأذيش حد منهم تانى تعملي كل اللى هطلبه منك فاهمة.
رددت عليه “فيروزة” وهى تبكي: حاضر هعملك كل حاجة هتطلبها مني بس أدم قولي هو كويس صح.
أبتعد عنها ليخرج سيجارة من العلبة ويشعلها ويأخذ منها نفس طويل ثم نفث دخنها فى الهواء ليقول ببرود:
– هو دلوقتى فى المستشفى و لو عايزة تشوفى أخوكى وتطمنى عليه قومى غيري هدومك علشان أخدك له.
ركضت إلى غرفتها لتبدل ملابسها سريعاً …بعد مدة من الوقت وصلت للمستشفى، أقتربت من ممرضة الإستقبال بعد ما تركت زوجها يركن السيارة بالخارج وسألتها على مكان أخيها فأجابتها الأخرى قائلة: على أيدك اليمين هتلاقيه فى غرفة خمسة.
ذهبت إلى مكان الغرفة لتجد “عمران” يقف أمامها وحيداً وعلى قميصه بقعة من الدماء، انتبه إليها فالمه قلبه من حالتها المحزنة ليقول بقلق: – فيروزة أنتى ايه اللى جابك هنا بس.
نظرت إليه بعيون مجهدة من أثر البكاء فقالت بحزن:
– أدم هو فين أنا عايزة أشوفه ياعمران وأطمن عليه.
تحدث بصوت يكسوه بعض الإرهاق:
– أهدى أخوكى كويس متقلقيش عليه.
فيروزة: أزاى مقلقش عليه ده أخويا ومضروب بالنار.
عمران: هو أتصاب فى دراعه مش أكتر وبقى كويس ودلوقتى الدكتور أنيس عنده.
أتجهت نحو باب الغرفة وقامت بفتحه وولجت إلى أخويها، تحدث “أنيس” دون أن ينظر إلى ورائه فقال بضيق: مش أنا قولت محدش يدخل.
تحدث “أدم” بتألم من ذراعيه قائلاً: فيروزة.
أستدار أنيس بجسده إليها وقال بدهشه: روزا حبيبتي أنتى جيتى هنا امتى.
جففت دموعها بكف يديها المرتعشة وقالت بقلق:
– أدم أنت كويس ياروحي.
أدم: أه ياحبيبتي متخافيش عليا ياروزا وبعدين دى أصابة خفيفة بس أنتى عرفتى منين أني أتصبت.
دخل رائف فى تلك اللحظة ليقول بأبتسامة مزيفة:
– حمدلله على سلامتك يادرش مش تاخد بالك من نفسك كويس لأحسن تموت فى مرة.
أردف “أدم” بعدم أرتياح قائلاً: – الله يسلمك وكلها أعمار بيدى الله فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
رائف: متعرفش مين اللى عمل فيك كدا.
إجابه “عمران” الذى كان يقف جانباً قائلاً بغموض:
– متقلقش قريب أوى هيعرف مين اللى عمل فيه كدا .
أقتربت فيروزة من أدم وجلست بجانبه على طرف السرير وضمته إلى أحضانها وقالت بدموع:
– أنت متعرفش أنا كنت هموت من الخوف عليك لما عرفت باللى حصلك.
ربت على ظهرها بحنان ثم قال بتعب:- بعد الشر عليكي من الموت يافيروزة..صمت لوهلة ثم أضاف بهمس دون أن يسمعه الآخرون:
– فى حاجة مهمة عايزك تعرفيها بس مش هينفع قدامهم هنا.
تحدثت “روزا” بخفوت قائلة:- أدم أنت قلقتني فى إيه.
أبتعد عنها قليلاً لينظر إلى “رائف” ثم حول بصره إليها وقال: – حاجة عرفتها بخصوص جوزك ولازم تعرفيها بس أهم حاجة تخلى بالك من نفسك اليومين دول ياحبيبتي ولو حسيتى بأى حاجة كلمينا فوراً.
فيروزة بقلق: أنا بدأت أخاف من كلامك.
قبل رأسها برفق قائلاً: متخافيش أنا جنبك دايما…بعيداً عن أني متصاب بطلقة بس عادى أحنا قدها وقدود .
أبتسمت بخفة قائلة:
ماهو واضح أنك قدها ياعسل ..هو بابا معرفش باللى حصلك ولا أى حد فى البيت.
أدم: بابا عرف وأطمن عليا وبعدها مشي لكن فى البيت محدش عرف وأنا الصراحة خايف من ردت فعل أمك وسارة وهيفضلوا يعيطوا ومش هيسكتوا وأنا الصراحة من ناقص وجع دماغ ومش فايق للحزن بتعهم علشان كدا مش هرجع البيت وهروح أقعد فى شقة المعادى بتاعتي لحد ما أخف.
فيروزة: هيخافوا عليك أوى ياأدم وهيسالوا عليك.
أدم: لا بسيطة دى أنا خليت بابا يكلمهم فى البيت ويقولهم أني عندي شغل وهسافر من برا برا.
تحدث “رائف” بضيق قائلا ً: يلا يافيروزة سيبيه يرتاح دلوقتى وهنبقى نزورك فى شقتك ياأدم وحمدلله على سلامتك لتانى مرة.
نهضت من مكانها وهى تقول: حاضر…حمدلله على سلامتك يادومي هبقى اطمن عليك كل شوية فى التليفون ياحبيبي.
أدم بأبتسامة: الله يسلمك ياقلب أخوكى خلى بالك من نفسك ياروزتى.
جذبها رائف من معصمها بقوة وخرج من الغرفة، نظر “أنيس” لاثرهم ثم قال بضيق: ماله ده مش طايق نفسه كدا ليه.
نظر إليه “أدم” الذى قال بهدوء: مالك ياأنيس فى ايه.
جلس “أنيس” على المقعد وقال بحنق: الصراحة أنا مش بطيق البنادم ده بحسه سمج كدا ومش نازلي من زور بس أعمل ايه مضطر أتقبل وجوده عشان خاطر أختي.
تحدث “أدم” وهو يعتدل فى جلسته قائلاً:
– ولا أنا حتى بطيقه ربنا يسامحك يابابا على الجوازة المهببة اللى حطيت فيروزة فيها.
أقترب منه عمران الذى قال بغضب: ممكن أفهم البيه لما حضنها قالها ايه .
نظر إليه أدم بدهشة: سيادة المقدم مالك فى ايه أنا كنت بحضن أختي عادى حضن بريئ والله مافيش أى حاجة حصلت.
وضع “عمران” يديه فى جيب بنطلونه وقال بحده:
– أحنا هنستهبل ياأدم هو أنت فاكرنى عيل قدامك هتضحك عليه بكلمتين.
أردف أنيس بعدم فهم قائلاً: هو فى ايه ياجماعة وبعدين ياسيادة المقدم فيها ايه لما يحضن أخته.
التفت برأسه بأتجاه “أنيس” ثم قال بهدوء:
– وأنا ما بتكلمش على كدا الاستاذ فاهم قصدي كويس بس عامل نفسه مابيفهمش..بلاش الحركات دى عليا ياأدم أشحال أن أنا اللى مدربك وعارفك كويس فمتجيش تعملهم عليا ..ها زى الشاطر كدا تقولي كنت بتقولها ايه خلاها تخاف بالشكل ده.
تحدث أدم بضيق: ما حضرتك عرفت ليه عاوزني أتكلم وأقولهولك تانى .
مسح “عمران” وجهه ثم قال: تعرف لوله أنك واخد طلقة لكنت جبت المسدس وفضيته فى دماغك الجزمة دى وخلصت من غبائك…أنت أتجننت ياأدم أزاى تقولها فى حاجة تخص جوزك عايز ابقى اقولك عليها وأبقى خلى بالك من نفسك انت كدا خوفتها بكلامك وهى هتقعد تفكر فيه ومش هترتاح.
أدم بحزن: أعمل إيه يعنى ياعمران من ساعة ما عرفت أن هو مش تمام خوفت عليها خايف ليأذيها زى ما أذاني .
أنيس: مين ده اللى أذاك وايه دخل رائف فى الموضوع ده.
نظر عمران إلى أدم بضيق ليتركهم مغادراً الغرفة قبل أن يفقد أعصابه عليه.
********************************
بعد اسبوعين
ولج “عمران” إلى الصالون وأقترب من أخته وجلس بجانبها وهو يقول:
– أنا معرفش ايه اللى حصل مابينكم مخليكى زعلانة بالشكل ده أول مرة اشوفك متخانقة مع جوزك قوليلى هو عملك ايه.
هدى: ولا حاجة مجرد مشكلة بسيطة.
رفع حاجبه الأيسر ثم قال: بسيطة ها ….أومال ليه طلبتى منه الطلاق مدام هى بسيطة.
نظرت إليه بدهشة قائلة: مين قالك أني عايزة أطلق.
أجابها عمران بهدوء: جوزك ياهدى..بجد أنا مصدوم يعنى ده أنتى كانوا بيضربوا بيكى المثل لأنك سعيدة مع جوزك ومفيش أى مشاكل مابينكم.
هدى بحزن: عشان محدش كان شايف حاجة ولا عارف ايه اللى بيحصل فى البيت بينه وبيني كله شايف اللى ظاهر خارجياً وبس…أنا صحيح كنت سعيدة معاه وراضية لكن هو اللى فقد نعمة الرضا صدقني أن هو اللى ساب الباب موارب للشيطان فزهقه من السكينة والرحمة زهق من حياتنا وبقى يدور على حياة تانية أحسن من اللى عايشها معايا ومبقاش فارق معاه مراته اللى بتحبه وقاعدة تحت رجله وبتتمنى له الرضا يرضى لكن هو اللى أتبطر على النعمة اللى فى أيده.
عمران: هو يمكن يكون غلط فى حقك وزعلك كمان بس متوصلش لطلاق ياهدى انتو ما بينكم عيال ودا غير أنا شايف أنه هيتجنن عليكى وكل يوم يجي لحد هنا علشانك وباين عليه الندم حاولى تديله فرصة تانية. أردفت والدتها قائلة: ياحبيبتي وبعدين الجواز ما بيخلاش من مشاكل طوله روحكم شوية.
هدى: وأنا قولت اللى عندي ومش عايزة أشوفه ولا أتكلم معاه أنا أستحملت ٣ سنين علشان خاطر بناتي لكن لحد هنا وكفاية مابقاش عندي طاقة.
********************************
بعد منتصف الليل كانت مستلقية على الفراش نائمة نوم قلق، بعد لحظات شعرت فجأة بثقل بجانبها جعلها تنفض من على السرير فزعاً أوقدت النور لكنها لم ترا شيئاً ثم أخذت تستعيذ من الشيطان الرجيم، بعد مرور بضع دقائق عادت تستلقى مرة أخرى وما أن أغمضت عينيها وبدأت فى النوم شعرت بأنفاس ساخنة تداعب رقبتها ويد كبيرة تتحسس جسدها، فتلك اللحظة قذف قلبها رعباً وأزدات نبضاته عنفاً، فتحت عينيها ببطء شديد وهى خائفة ليزيد رعبها أكثر وهى تجد شئ مخيف على هيئة جسد بنادم لكن لونه أسود دامس يجلس فوقها ويغطى وجهه شعره الغزير فبدأت تتساقط من عيناه قطرات دماً على وجهها، حاولت أن تتحرك لكنها لا تقوى على ذلك فشعرت بأن جسدها كله مخدر ومقيد، و كلما حاولت أن تصرخ لا يصل صوتها إلى حنجرتها..
بينما ذاك المخيف ظل أن يضغط بأنيابه على عنقها محاولاً أخذ روحها بيديه الغريبة التى تشبه يد الأشباح.
بينما هى تحول لون وجهها للزرقاً من الاختناق ولم تستطيع أن تتنفس فشعرت بأن روحها على وشك أن تفارق الحياة.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مذكرات فيروزة)